يوتوبيا الجرذان، التجربة المرعبة التي تنبأت بانقراض البشرية!

حديقة المسرّات الأرضية للفنان هيرونيموس بوش.
حقوق الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/The_Garden_of_Earthly_Delights

اليوتوبيا، أو العالم الفاضل، مفهوم شغل بال المفكرين والفلاسفة لقرون عديدة. وهي كما وصفها أفلاطون مدينة فاضلة خالية من العيوب، وهي مدينة مثالية بكامل نواحيها المادية والروحيّة. ولكن هل هي النعيم الذي نتمناه حقًا؟ وما هي يوتوبيا الجرذان؟

حاول عالِم السلوك الحيواني جون كالهون تطبيق مفهوم اليوتوبيا على الجرذان، ولكن جاءت النتائج عكس ما تخيله تمامًا.

تجربة يوتوبيا الجرذان أو “الكون 25”

حاول كالهون دراسة سلوك الجرذان في بيئة مثالية، وفهم نتائج وجود بيئة مثالية للفئران وما نجم عنها من اكتظاظ سكاني. عمل كالهون على خلق بيئة مثالية بين عامي 1954 و1972. عمل مع المعهد الوطني للصحة العقلية، وأمضى زمنًا يحاول تحسين وتطوير تجربته، وأعادها 25 مرة وفي كل مرة حصل على نتائج متقاربة، ومن عدد التكرارات، جاء اسم “الكون 25”.

خلق الكون 25

كان تصميم البيئة بسيطًا. مستطيل بقياس أربعة عشر قدمًا مقسم إلى أربعة أقسام متساوية مفصولة بأسلاكٍ كهربائية. يجهز كل قسم فيها بمكان للطعام والماء وأماكن خاصة للتزاوج والعيش. بيئة تغيب فيها أخطار أي عدو طبيعي، بالإضافة لكمية غير محدودة من الموارد الغذائية والمائية، وهو العالم المثالي.

من النعيم إلى الفوضى

بغياب أي تهديد لحياة الجرذان بدأت أعدادهم بالتزايد بشكل مضطرد، الأمر الذي أدى للوصول إلى الاكتظاظ السكاني، ومعه بدأ سلوك الجرذان بالتغير بشكل سلبي.

تحول سلوك الجرذان إلى سلوك عدواني شديد وأطلق كالهون على هذا التحول اسم “الحوض السلوكي” وهو زيادة في الأنشطة الباثولوجية “المرضية” بسبب التوتر الناجم عن الاكتظاظ السكاني.

غالبًا ما كان الذكر المهيمن يهاجم الأعضاء الآخرين حتى الأطفال، وكان هناك حالات انحراف سلوكي وافتراس لباقي الجرذان. أما الإناث فقد ابتعدن عن الغريزة الطبيعية لرعاية الصغار، وكان معدل وفيات الصغار يتجاوز 90%.

مرحلة الفناء والانقراض

وضّح كالهون أن مرحلة الانقراض تألفت من جزئين:

الموت الأول

وتميزت هذه المرحلة بغياب الهدف في الحياة بالإضافة لفقدان الرغبة في التزاوج وتربية حديثي الولادة ورعايتهم.

الموت الثاني

وهو الانتهاء الحرفي للحياة في هذه البيئة متمثلًا بموت الجرذان جميعًا وانقراضها. قام كالهون في بعض التجارب بأخذ أربعة أفراد أصحاء للتزاوج ولكن باءت تجربة إعادة التوالد بالفشل بسبب التغير الشديد الذي طرأ على سلوكهم.

التأثر الثقافي وتطبيق النتائج على المجتمعات البشرية

نشر كالهون نتائج أبحاثه عام 1962. تميزت تلك الفترة باهتمام متزايد بمخاطر الاكتظاظ السكاني، وكان للتجربة تأثيرًا ثقافيًا مهمًا. ولاقت اهتمامًا جماهيريًا ممن يعايشون رعبًا من مخاطر الاكتظاظ السكاني في المناطق الحضرية، مثل الانحلال الأخلاقي والتفكك المجتمعي.

قابلية التطبيق على المجتمعات البشرية

هناك جدل واسع حول إمكانية تطبيق التجربة على المجتمعات البشرية. قام عالم النفس جوناثان فريدمان بعدة تجارب لقياس تأثير الاكتظاظ السكاني على سلوك الأفراد، فقاس ارتياحهم وتوترهم حسب الأعداد الموجودة، وأضاف أنه لم يحصل على نتائج سلبية ملحوظة.

نقد النظرية

كانت التجربة ونتائجها مثيرة للجدل لعدة أسباب وأولها أنه من الصعب الاعتماد على سلوك الجرذان وحدها لفهم سلوك البشر، فبالرغم من أن الاكتظاظ السكاني مشكلة حقيقية وواقعية لكنها تظهر بشكل آخر في السلوك البشري، ففي تجارب فريدمان في مراقبة الطلاب ضمن الاكتظاظ السكاني لاحظ وجود تزايد في التفاعل الاجتماعي الإيجابي.

لاحظ أن الجرذان ستعاني من الاكتظاظ السكاني وسيكون مصيرها الانقراض، لكن البشر يتمكنون من التكيف مع هذا التزايد.

إضافة لذلك، لا يمكن خلق بيئة مثالية للبشر لدراسة لسوكهم، فبدلًا من موارد غير محدودة، فموارد البشر الغذائية والمائية محدودة، وغياب الخطر الطبيعي كالأمراض والأوبئة والحروب أمر غير قابل للتطبيق. وفي هذا ما زالت البشرية تواجه خطرًا ولكنه معاكس لمفهوم كالهون، وهو ما طرحه مالتوس في توضيحه ونقده وهو أن التزايد السكاني يتناسب عكسيًا مع التزايد في الموارد.

بالرغم من إثبات شبه استحالة تطبيق النظرية على البشر، وأنه لا خطر علينا من الاكتظاظ السكاني بهذا الشكل، إلا أن النظرية تطرح أفكارًا جديدة، فأثبتت لنا أن النعيم ليس بالضرورة رائعًا، بل من الممكن أن يصبح كابوسًا.

المصادر:
historyofyesterday
smithsonian
borgenprojects
wikipedia

عجائب مصر القديمة: العلم

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

بلغ المصريون القدماء من العلم ما لم يبلغه من عاصروهم، وتقف آثار مصر القديمة شامخة شاهدة على براعتهم في مختلف فروع العلوم، حتى أنه صَعُب على الناس التصديق بأن آثارهم من صناعة البشر، فنرى حديثًا عن الفضائيين وتدخلهم في حياة المصريين القدماء ومساعدتهم، ولكن دعونا نرى ما بلغوه من علم بعيدًا عن الخرافات ونظريات المؤامرة.

الأدوات الشخصية

اهتم المصري القديم بمظهره ونظافته الشخصية للغاية، ومن أجل ذلك اخترعوا المرايا، تلك المرايا التي تملأ بيوتنا اليوم، هي من إبداعات المصريين القدماء.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أنهم كانوا أيضًا هم من اخترعوا فرشاة ومعجون الأسنان، حيث كان معجون الأسنان في مصر القديمة عبارة عن وصفة تتضمن أملاح الصخور والنعناع والفلفل، كما كانت هناك وصفة أخرى تتضمن قرون الثيران المطحونة والرماد، والتي عند امتزاجها باللعاب تصنع خليطًا منظفًا للأسنان، ليس هذا فحسب، بل أنه من العجيب أن تعرف أن أول أقراص نفَس منعشة في التاريخ صُنعت في مصر القديمة، حيث صُنعت من القرفة والبخور والعسل.

الزراعة

كانت حضارة مصر القديمة حضارة زراعية، فاحتاجوا إلى تطوير الآلات والأدوات لمساعدتهم في الزراعة، فاخترعوا المحاريث التي كانت تجرّها الثيران، وبعد حرث الأرض كانوا يبذرون البذور، ثم يجرّون الثيران فوق الأراضي الزراعية مرة أخرى لغرس البذور في التربة.

وكانت الطريقة المصرية في الري عالية الكفاءة، حيث أنها انتقلت إلى اليونان وروما، عن طريق الفيلسوف اليوناني طاليس، والذي كان قد عاش في بلاد مابين النهرين لفترة من الزمان، إلا أنه لم ينقل طريقة الري من بلاد مابين النهرين، فكان المصريون القدماء يحفرون الخنادق والترع للتوصيل بين النهر النيل وبين المساحات المزروعة.

العمارة

برع المصريون القدماء في العمارة، وها هي معابدهم تشهد على ذلك، ولا يسعنا الحديث عن العمارة وجمالها في مصر القديمة دون ذكر رمسيس الثاني، فأحد أهم الآثار في مصر القديمة هو معبده، أبو سمبل، والذي صممه المصريون بدقة بالغة، لتُشرق الشمس مباشرة على وجوه تمثالي رمسيس الثاني والإله آمون في يومين فقط من كل عام (21 من فبراير، و21 من أكتوبر)، وهما يوم ولادته ويوم تتويجه، ويأتي السياح إلى مصر في كل عام في ذلك التوقيت لمشاهدة هذا الحدث الفريد من نوعه.

علم الفلك

كانت الأجرام السماوية مهمة في مصر القديمة على الصعيدين، العملي والروحاني، حيث كانت النجوم شاهدة على أعمال الآلهة العظيمة، كما كانت حركة النجوم أيضًا تُعلم المصريين بمواقيت المطر وزراعة المحاصيل.

كما كانت النجوم ذات بُعد ديني، فكان يُرمز للآلهة بنجوم السماء، حيث كان يرمز «حزام الجبار-Orion belt» إلى الإله أوزيريس، ومن عجائب الأمور أن تعرف أن نجوم حزام الجبار تتعامد فوق أهرامات الجيزة الثلاثة!

واستخدم الفلكيون في مصر القديمة أداة تُدعى «ميرخت-Merkhet»، والتي كانت تستخدم لدراسة حركة بعض النجوم، فقد استطاعوا تحديد مواقع النجوم بدقة باستخدام هذه الأداة.

وأزيدكم من الشعر بيتًا، فإن التقويم السنوي ذو ال 365 يوم الذي نعتمده اليوم، كان أول من توصل إليه هم المصريون القدماء، بل كانت السنة لديهم مقسّمة على 12 شهرًا في كل منهم 30 يومًا، بالإضافة إلى خمسة أيام إضافية، كما كان اليوم في مصر القديمة مقسّمًا على 24 وحدة ترمز كل وحدة منهم إلى إله معين.

الرياضيات في مصر القديمة

كانت الرياضيات في مصر القديمة مستخدمة في كل شيء تقريبًا، فقد استخدموها في الإحصاء وحسابات الضرائب وفي المشاريع الهندسية الضخمة، كالأهرامات على سبيل المثال، والتي قد يتعجب القارئ من عدم ذكرها عند الحديث عن العلم في مصر القديمة، إلا أننا سنُفرد لها جزءًا لذاتها.

واستُخدمت الرياضيات في هندسة المعابد والمباني، والتي ما كانت لتكون بهذا الجمال لولا النسب الرياضية الدقيقة، كما شكّل تقدم المصريين في الرياضيات حجر الأساس لتفوق الرياضيين اليونانيين القدماء، حيث أن «فيثاغورس-Pythagoras» كان قد تعلم الرياضيات في مصر على أيدي الكهنة.

الطب في مصر القديمة

تأثر الطب في مصر القديمة بالسحر لأبعد الحدود كما ناقشنا في الجزء الثاني من هذه السلسلة، حيث كان الأطباء يستخدمون التعاويذ والرسومات لعلاج المرضى، وكانت مهارة السحر من المهارات الأساسية المطلوبة لتوظيف الممرضات، إلا أنهم استطاعوا وصف بعض الطرق للعلاج، والتي تتعلق بالطب الحقيقي، ولعل أشهر آثار المصريين القدماء الطبية هي البرديات الطبية، وأشهر هذه البرديات هي:

1- «بردية إيبرس-Ebers papyrus»

وهي عبارة عن نص من 110 صفحة، يصف بعض العلاجات المستخدمة في ذلك الوقت لأمراض القلب والسرطان والاكتئاب والأمراض الجلدية.

2- «بردية لندن-London papyrus»

وهي بردية مزجت بين المهارات الطبية الحقيقية وبين التعاويذ السحرية، فقد ذكرنا في السابق العلاقة القوية بين الطب في مصر القديمة وبين السحر.

3- «بردية إدوين سميث-Edwin Smith papyrus»

وهي أقدم عمل بشري يصف العمليات والتقنيات الجراحية، وهي تُظهر معرفة المصريين القدماء المفصلة بعلم التشريح، كما كانت تحتوي على خطوات العلاج التي يقوم بها الأطباء حتى اليوم، وهي الفحص والتشخيص ووصف العلاج.

المصادر

coursera
ancient.eu

قضية موت الفلسفة ومساءلة العلم

قضية موت الفلسفة ومساءلة العلم

لم تعد الفلسفة تشكل رؤية معرفية وحسب في سعينا للوصول إلى الحقائق واليقينيات. فهي صارت رؤيا جمالية في سياق تعاملنا مع ذواتنا ومع أشياء العالم. فهي لا تمثل تراكم معرفي بقدر ما تكون تراثًا روحيًا نحمله معنا كمصدر من مصادر أنفسنا العميقة؛ لذا، فعلاقتنا مع الفلسفة تحمل مفارقة عجيبة، فرغم أن الفلسفة غالبًا ما تشير إلى ما هو عصي على القراءة، سرديات فيها الكثير من الالتباس، مقولات تحيل واقعنا الحسي إلى أفق مجرد ومثالي ولغة بالكاد تفهم، إلا أننا نشعر بأن الفلسفة هي من تصون ذواتنا وعلاقاتنا.
الحديث عن موت الفلسفة لا يشبه الحديث عن الميتات التي جاءت بها الحداثة وما بعد الحداثة كموت الإله أو موت المؤلف أو موت الناقد. ففي هذا المقال سنسلط الضوء على مبررات هوكنغ وتايسون وكراوس وغيرهم من العلماء الذين ادعوا بأن الفلسفة ميتة وغير نافعة في عالمنا الذي يتقدم فيه العلم، كما سنبين الرؤى المدافعة عن الفلسفة والقضايا التي يمكن للفلسفة وحدها طرحها ومناقشتها.

حول ماهية الفلسفة والعلم وحدودهما:

بعض الفلسفات نفت وجود عقل مجرد وبعضها ركزت على الحدس وأخرى وثقت بإمكانية الحواس في الوصول إلى الحقيقة وأخرى لجأت إلى التجربة في مساعيها المعرفية. رغم ذلك، الفلسفة هي شيء والعلم شيء آخر، لكل منهما أدواته وطرقه ومنهجيته. يمكن تعريف الفلسفة على أنها استخدام العقل المجرد لفهم الأشياء مثل طبيعة العالم والوجود (1). في حين أن العلم هو الدراسة الدقيقة لبنية وسلوك العالم المادي من خلال الملاحظة والقياس والتجربة وتطوير النظريات لوصف نتائج هذه الأنشطة(2) . لكن هذا التحديد المفاهيمي يتلاشى في الكثير من النقاط التي تتداخل فيها الفلسفة مع العلم أو العكس. من السهل أن نقول بأن إسهامات فيثاغورس وديكارت وباسكال في علم الرياضيات كانت علمية بحتة. لكن كيف يمكن تحديد هوية الانشغال الفلسفي – الإغريقي على سبيل الذكر- في قضايا علمية، مثل طبيعة العالم، أصل الحياة، بنية المادة، المسائل الاجتماعية والنفسانية؟ هناك من الفلاسفة (أنكسيماندر مثلا) من قالوا بأن الكائنات انحدرت من أصل واحد، ومنهم من قال أن الموجودات تتكون من ذرات مثل ديمقريطس، وهناك من ذهب ليقول بأن النجوم هي عبارة عن شموس تدور حولها كواكب كالارض وعليها حضارات. ومن جانب آخر، هل يمكن أن نسلم بسهولة بأن كل ما يكتبه العلماء هو بالضرورة علم؟ ثمة علماء ناقشوا مسائل أخلاقية، اجتماعية، ثقافية وسياسية دون الاعتماد على التجربة والقياس. يرى لورانس كراوس بأن انشغال الفلاسفة في القضايا الفيزيائية هو علم ولا قيمة أو تأثير للفلسفة في التطور العلمي الحالي(3). بينما الفيزيائي الشهير فيكتور ستينجر قبل فترة وجيزة من وفاته، قال بأنه عندما يتحدث علماء الفيزياء حول الكون فأنهم يشاركون في تقليد فلسفي عظيم يعود لآلاف السنين؛ فلا مفر من أن الفيزيائيين هم أيضا فلاسفة (4). والفيلسوف كارل ياسبرس يؤكد على استقلالية كل من الفلسفة والعلم، غير أنه لا يرى في تلك الاستقلالية نوع من الانفراد والانفصال التام، فثمة علاقة جوهرية بين العلم والفلسفة، إذ يقول بأن طريق العلم لا غنى عنه للفلسفة، لأن وحدها المعرفة بهذا الطريق تمنع الفلسفة من تقديم ادعاءات غير سليمة وذاتية لفهم الواقع وفي الجانب الآخر فإن الوضوح الفلسفي لا غنى عنه لحياة ونقاء العلم الحقيقي ولا يستطيع العلم أن يفهم نفسه من دون الفلسفة(5).

العلم وموت الفلسفة:

يقول ستيفن هوكنغ في مقدمة كتاب التصميم العظيم بالنص: الفلسفة ماتت ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديثة، وخصوصًا في مجال الفيزياء. وأضحى العلماء هم من يحملون مصابيح الاكتشاف في رحلة التنقيب وراء المعرفة (6). ما قاله هوكنغ فتح جبهة ربما كانت متوقعة بين العلم والفلسفة. وصف الفيلسوف جوليان باجيني هذه المزاعم بأنها طموحات العلم الامبريالية، فثمة هناك قضايا تمس الوجود الإنساني لا شأن للعلم بها(4). في حين يأتي لورانس كراوس ليعلق على هذا التوتر بين الفلسفة والعلم ويقول بأنه من الطبيعي أن يشعر المهتمين بالشأن الفلسفي بالتهديد ولهم كل الحق في أن يشعروا بالتهديد طالما العلم وحده يتقدم، ويؤكد بأنه في النهاية المصدر الوحيد للحقائق هو الاكتشاف العلمي(4). سارا كل من نيل ديغراس تايسون والحاصل على جائزة نوبل ستيفن وينبرغ على خطى هوكنغ وكراوس، فيقول الأول بان العلم يمضي قدمًا وتبقى الفلسفة غارقة وعديمة الفائدة، فهي ميتة بالفعل، ويزعم الثاني بأن الفلسفة غير فعالة بشكل غير معقول(4).

ما يمكن للفلسفة وحدها أن تقوله:

انزل سقراط الفلسفة من السماء إلى الأرض – على حد تعبير شيشرون- بعد أن وضع الذات الإنسانية في مرمى السؤال الفلسفي. بمجرد أن قال سقراط “اعرف نفسك” صارت هذه النفس أو الذات مسألة لا تقل غموضا عن أصل العالم، المسألة التي فجرتها الفلسفة الطبيعية. ربما، الأسئلة البدائية وجدت لنفسها من يطرحها في عالمنا اليوم، لكن هل إعادة التفلسف إلى السماء عبر التلسكوب، تشكل تهديدًا على السؤال السقراطي القديم؟ إذا ما توقفنا قليلًا عند حجة هوكنغ، نلاحظ بأنه لا ينظر إلى الفلسفة أكثر من مجرد أسئلة طرحها بعض الفلاسفة قبل أكثر من ألفي عام حول طبيعة العالم المادي وأصله، وبالتالي فالفيزياء لا تحتاج إلى صحبة الفلسفة في إيجاد الأجوبة. لكن ثمة سؤال يلوح في الأفق، حتى ودون أن يعلن هوكنغ موت الفلسفة. ماذا بإمكان الفلسفة وحدها أن تقوله اليوم؟

الواقع:

اعتبر أفلاطون عالم الصيرورة أي عالمنا المحسوس ما هو إلا ظل عالم حقيقي، وكل ما هو موجود نسخة غير أصلية من المثل. في حين زعم الواقعيون بأن العالم المحسوس هو العالم الوحيد الحقيقي وللأشياء وجود مستقل عنا والصورة التي نكونها عنها تعبر تماماً عن ماهيتها، هذا بالنسبة للفلسفة. أما بالنسبة للعلم فهناك طروح في غاية الغرابة، فبحسب المبدأ الهولوغرافي فإن عالمنا رباعي الأبعاد مجرد ظلال على حدود زمكان أكبر وخماسي الأبعاد. كما أن هوكنغ نفسه يفلسف هذه المسألة في فصل “ما الواقع” من كتابه التصميم العظيم ويجد بأنه يمكن معرفة الواقع وما هو عليه الوجود من خلال الواقعية المعتمدة على النموذج. مع أن هوكنغ لا يستخدم العقل وحده في تفسير الواقع، لكنه مع ذلك يتفلسف في هذا الشأن، لأن البحث في ماهية الواقع ولو في سياق علمي يعد مشاركة في التراث الفلسفي بالنسبة لإشكال الماهية.

علاقتنا بالعالم:

قبل فترة وجيزة من وفاته خرج هوكنغ بتصريحات خطيرة ومرعبة حول مصير الأرض، وحذر العالم من نهاية وشيكة للحضارة البشرية وذلك بسبب الحروب النووية والتغير المناخي وتطور الذكاء الاصطناعي. أن هذه التصريحات فيها دعوة إلى التفلسف؛ طالما أن العلم ليس لديه ما يقوله بشأن تلك الكوارث. فالحرب والتسبب بالتغير المناخي والقلق بشأن الذكاء الاصطناعي تعد من الإشكالات الأخلاقية وبالتالي الفلسفية. يدعو الفيلسوف لوتشيانو فلوريدي إلى إعادة النظر في مهمة الفلسفة، فهو ينتقد الحركة الفلسفية الحالية لانشغالها عن العالم الرقمي والانصراف في مناقشة قضايا لا تمت إلى العالم بصلة، ويؤكد على ضرورة إعادة تأويل انطولوجيا الأشياء والبحث في قضايا تخص العالم الرقمي وضمن شروطه(7). ما يمكننا استنتاجه مما قاله هوكنغ، هو أن العالم موجه نحو كوارث حقيقية وما نستنتجه مما يقوله فلوريدي هو أن مهمة الفلسفة هي منع وقوع تلك الكوارث من خلال تقديم تفسير جديد للعالم؛ فكل كارثة تعبر عن نوع العلاقة التي تربطنا بالعالم، وهذه العلاقة تُفسر وتُصحح فلسفيًا لا علميًا. إذ، يمكن للفلسفة تحشيد الجهود في زيادة التفاهم المتبادل في المجتمع لمعالجة القضايا المشتركة ذات أهمية سواء في التعليم أو السياسة أو البيئة(8).

ثالوث المعنى والقيمة والحقيقة بين الفلسفة والعلم:

نجد بأن الكثير من العلماء يدافعون عن المثلية الجنسية، ومنهم من يرفع شعارات حقوق المرأةً، فضلا عن دفاعهم عن الحريات. فكيف لهذه المسائل أن تكون ذات معنى في حدود العلم؟ القيمة التي نضيفها على الأشياء حتى وإن كانت لها أبعاد منفعية فهي تخرج عن كل سياق علمي بل وعليه أيضًا. ثمة أسئلة كثيرة نواجهها اليوم وهي تشكل أهم أركان العالم المدني المعولم. متى يكون القتل الرحيم أمرًا صحيحًا؟ ما هي الحقوق العالمية التي يجب أن يتمتع بها البشر؟ هل للحيوانات حقوق؟ هذه الأسئلة مهمة، لكن لا يستطيع البحث العلمي تقديم جواب علمي صِرف، يمكن للعلم أن يساعدنا في التعرف على الأمراض المزمنة وتاريخ حقوق الإنسان والحيوان، وهذه المعرفة من شأنها أن تكون مصدر إلهام لآرائنا وقراراتنا، لكن العلم نفسه لا يستطيع أن يصدر أي أحكام حول ما إذا كانت هذه الحالات صحيحة أم خاطئة (8)، فهي تدخل في مجال فلسفة الأخلاق. وثمة الكثير من القضايا الأخرى التي لا يستطيع العلم مناقشتها مثل الحكم الجمالي والهدف من الحياة ومعنى أن نكون ونحيا.

خلاصة:

التقدم العلمي على مر العصور لم يقتصر على تقديم صورة واضحة ودقيقة لأول مرة في تاريخنا عن العالم وعن أنفسنا، بل أثر حتى في الجانب الروحي والوجداني والأخلاقي ولو بشكل غير مباشر؛ فنظرية التطور مثلًا، دفعتنا لأن نعيد طرح السؤال السقراطي – اعرف نفسك – في سياق جديد. كما أن علم الكونيات قدم مواد ومواضيع جمالية ألهمت الكثير من الأدباء. في الطرف الآخر، نحن البشر كائنات تتفلسف غريزيًا، إذ، نطرح من تلقاء أنفسنا اسئلة حول معنى حياتنا وحقيقة الأشياء وقيمتها. ربما لا تستطيع الفلسفة أن تكتشف كواكب أخرى صالحة للحياة ولا شأن لها في إيجاد لقاح ضد فايروس كورونا، لكنها بالفعل مسؤولة عن تفسير حياتنا وتقلباتها وأزماتها في ظل جائحة كورونا على سبيل الذكر. وإذا ما اردنا أن ندرك حقيقة حاجتنا للفلسفة من الضروري أن نطرح بعض الاسئلة ونتأملها، على سبيل المثال، في ظل التقدم العلمي السريع على كافة مستوياته لماذا تفاقمت أزماتنا ومشاكلنا، سواء كانت على الصعيد الفردي أو الجماعي؟

المصادر:


1- https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/philosophy
2- https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/science
3- https://www.scientificamerican.com/article/the-consolation-of-philos/
4- https://www.scientificamerican.com/article/physicists-are-philosophers-too/
5- http://inters.org/jaspers-philosophy-existence
6- Hawking, Stephen. The Grand Design. P10
7- https://valenzine.medium.com/luciano-floridi-philosophy-439cd5014235
8- https://www.nature.com/articles/s41599-018-0163-z
9- https://undsci.berkeley.edu/article/0_0_0/whatisscience_12

ما تأثير الرسائل المخفية على الوعي؟

هل سبق لك عزيزي القاريء واستمعت لأغنية بالمعكوس أي بعد تشغيلها من النهاية للبداية؟ هل سمعت بعض الكلمات والجمل المألوفة؟ لست وحدك من يتمتع بهذه الموهبة فالكثير ماهرون بتأويل ما قد تقوله هذه الرسائل سواء كانت الأغنية بشكلها الطبيعي أو بالمعكوس. هل تسألت عن أثر هذه الرسائل و ما تأثير الرسائل المخفية على الوعي؟

أغنية تتسبب بالانتحار؟

قبل يومين من عيد الميلاد كان يجلس شابان في قبو بيت أحدهما، يشربان البيرة ويدخنان الماريجوانا ويستمعان لفرقة Judas Priest جوداس بريست طوال فترة الظهيرة، بعدها تناولا مسدس ومشيا إلى حديقة الكنيسة وجلسا على أرجوحة وحاولا الانتحار، نجحت محاولة أحدهما، والآخر فجر وجهه لكنه نجى. بعد سؤاله عن سبب ما قاما به، أجاب ” الحياة سيئة ” وهي إجابة غير متوقعة بين المراهقين. بعد سنوات قررت عائلتهما مقاضاة فرقة جوداس بريست وشركة تسجيلات CBS لاعتقادهم أن أغانيهم كانت السبب في انتحارهما!


الباحث في مجال علم النفس الادراكي John Vokey جون فوكي وبمشاركة زميله دون ريد Don Read في جامعة ليثبريدج Lethbridge ، قاما ببحث بسيط للتحقق فيما إذا كان هناك ما يمكن إيجاده في علم النفس يتحدث عن الرسائل المعكوسة في موسيقى الروك ولم يحالفهما الحظ، فقررا إجراء بعض الأبحاث.

تفسير محتمل

اهتمامهما لم يكن بالرسائل المبطنة في موسيقى الروك، هناك العديد من الرسائل الواضحة في أغاني الروك والتي تدعو للمخدرات بدون الحاجة لعكسها، حيث أن المراهقين عندما يسمعون الاغنية كما هي ويفهمونها؛ يرفضونها، لكن ما أثار قلقهما عندما تكون معكوسة ومن الصعب تسجيلها بوعينا ستمضي الرسالة ومعناها أيضا سيسري وهم لن يكونوا واعين بمصدرها ولن يكونوا قادرين على نسبها للتسجيل. بالتالي ستكون هذه الفكرة فقزت للدماغ عن طريق آلية غير واعية. بعد ذلك ستظهر لديهم الرسالة بدون مصدر منسوب لها سوى أنفسهم.

آلية التجربة

أرادا معرفة ما يمكن فهمه من الرسائل المعكوسة، لذا قاما بتسجيل العديد من الأصوات لمختلف الأجناس إناث او ذكور، ولمختلف الجنسيات من مختلف البلدان بمختلف اللغات الفرنسي، الألماني، والإنجليزية، سجلوا أصوات لأناس يطرحون أسئلة، وآخرين يقولون جملا خبرية. السؤال كان ما الذي يستطيع المستمع تحديده عند سماعه للرسائل المعكوسة.

يستطيع المستمعون تحديد جنس المتكلم فيما إذا كان ذكرا أو أنثى، كما يستطيع تحديد جنسيته، ولغته، وتحديد فيما إذا كان هذا الحديث بين شخصين أو متحدثين، بالمقابل لا يستطيعون التمييز بين الأسئلة والجمل الخبربة، وفيما إذا كانت الجملة بترتيبها الصحيح أو إذا كانت مبعثرة، الشيء المهم في هذه العملية هل هناك شيء يستطيع البشر إلتقاطه بدون إدراك ووعي؟ لذلك سألوا المتطوعين فيما إذا كان بإمكانهم تصنيف الجمل إلى روحية دينية أو شيطانية أو إباحية وتبين أنهم لم يكونوا قادرين على ذلك بشكل صحيح.

ماذا نفهم من هذه النتائج؟

لا يوجد أي دليل لتأثير الرسائل المبطنة أو المعكوسة على السلوك سواء كان واعيا او غير واعيا، مباشرا او غير مباشر.

مصادر

منصة edx التعليمية

ما هي النظرية العلمية ؟ وهل هي مجرد رأي؟

ما هي النظرية العلمية ؟ وهل هي مجرد رأي؟

تختلف الطريقة التي يستخدم بها العلماء كلمة “نظرية” قليلًا عن الطريقة التي يشيع استخدامها بين العامة.

يستخدم معظم الناس كلمة “نظرية” للإشارة إلى فكرة شخص ما أو حدسه حول موضوع معين. ولكن الأمر يختلف في العلم، إذ تشير كلمة “نظرية” إلى الطريقة التي نفسر بها الحقائق العلمية.

خطوات الوصول إلى النظرية العلمية

تبدأ كل نظرية كفرضية. الفرضية العلمية هي حلٌ مقترح لتفسير حدث لا نملك له تفسيرًا بعد، ولا تفسره نظرية علمية مقبولة حاليًا. وحسب قاموس (مريام ويبستر): الفرضية فكرة لم يتم إثباتها بعد. فإذا تراكمت أدلة تكفي لدعم هذه الفرضية، فإنها تنتقل إلى الخطوة التالية، المعروفة في المنهج العلمي باسم (النظرية)، وتصبح مقبولة كتفسير صالح للظاهرة.

عندما يتوصل العلماء إلى حقائق أو ملاحظات معينة، فإنهم يحتاجون إلى وضع تلك الحقائق والملاحظات في إطار معين، وهنا يستخدم العلماء النظرية العلمية لهذا الشأن. لذلك، فالنظريات قابلة للتغير، أي أن طريقة تفسيرنا للحقائق قد تتغير، لكن الحقائق نفسها لا تتغير.

يشبّه (جايمي تانر)، أستاذ البيولوجيا في كلية (مارلبورو)، النظريات بسلة يحتفظ بداخلها العلماء بالحقائق والملاحظات التي يتوصلون إليها. وقد يتغير شكل هذه السلة كلما توصل العلماء إلى المزيد من الحقائق.

على سبيل المثال، لدينا أدلة وافرة على تغير السمات في جماعات الكائنات بمرور الوقت (التطور)، لذا فإن التطور هو حقيقة لا تتغير. ولكن النظريات التي نستخدمها لتفسير التطور هي التي قد تتغير في حال توفر لدينا المزيد من الملاحظات حول التطور.

أسس النظرية العلمية

تعرف جامعة كاليفورنيا، النظرية بأنها “تفسير شامل وطبيعي لمجموعة واسعة من الظواهر”، فالنظريات تتسم بالإيجاز والترابط المنطقي والمنهجية وقابلية التنبؤ، كما أنها قابلة للتطبيق على نطاق واسع، وغالبًا ما تدمج وتعمم العديد من الفرضيات.

يجب أن تقوم أي نظرية على فحص دقيق وعقلاني للحقائق. وهنا يجب التأكيد على أن الحقائق والنظريات شيئان مختلفان. ذلك أنه في المنهج العلمي، ثمة تمييز واضح بين الحقائق التي يمكن ملاحظتها وقياسها، والنظريات، والتي هي تفسيرات العلماء للحقائق.

كما إنه من المهم لما تتوصل إليه النظرية العلمية أن ينعكس إلى أمور يمكن ملاحظتها، فالنظرية الجيدة، مثل نظرية الجاذبية لنيوتن، تتسم بالوحدة والتماسك، ما يعني أنها تتكون من عدد محدود من آليات حل المشكلات، يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من الظروف العلمية بغرض تفسيرها. ميزة أخرى للنظرية الجيدة هي أنها تتكون من عدد من الفرضيات التي يمكن اختبارها بشكل مستقل.

تطور النظرية

ليست النظرية العلمية النتيجة النهائية للمنهج العلمي. فالنظريات يمكن إثباتها أو رفضها، تمامًا مثل الفرضيات. ويمكن تحسين النظريات أو تعديلها إذا تم جمع المزيد من المعلومات، ما يجعلها أكثر دقة في التنبؤ بمرور الوقت.

لا تصبح النظريات قوانينًا كما يعتقد البعض، ذلك أن النظريات والقوانين لها أدوار منفصلة ومتميزة في المنهج العلمي. القانون هو وصف لظاهرة ملحوظة في العالم الطبيعي والتي تكون صحيحة في كل مرة يتم اختبارها. لا يفسر القانون سبب صحة أمر ما؛ إنما يقر على صحته فحسب.

من ناحية أخرى، تشرح النظرية الأمور التي لوحظت أثناء العملية العلمية. لذلك، في حين أن القانون والنظرية جزء من العملية العلمية، فهما جانبان مختلفان تمامًا، وهذا وفقًا لجمعية معلمي العلوم الوطنية.

مثال جيد على الاختلاف بين النظرية والقانون هو قانون العالم جريجور مندل. نحن نعلم أن قانون مندل ينص على أن سمتين وراثيتين منفصلتين ستظهران بشكل مستقل عن بعضهما البعض في ذرية مختلفة. اكتشاف مندل ظل قانونًا منذ ذلك الوقت، لكن تفسير هذا القانون لم يعرفه العلماء إلا بعد قرن من الزمان عند اكتشاف الحمض النووي و الكروموسومات، ووضْع نظرية وراثة الكروموسومات التي لا تزال مقبولة عالميا لتفسير قانون مندل إلى يومنا هذا.

تكمن أهمية النظريات في أنها أسس لتعزيز المعرفة العلمية، وتطبيق المعلومات المجمعة واستغلالها للاستخدام العملي. إذ يستخدم العلماء النظريات لتطوير الاختراعات المختلفة أو إيجاد العلاج لمرض ما.

مصدر
Livescience

هل تعتبر الرياضيات علماً؟

الرياضيات علم بالمعنى الواسع للمعرفة المنهجية الوضعية، لكن القطاع الأكبر من الناس تستخدم مصطلح العلم-science لوصف العلوم الطبيعية فقط، الرياضيات تستخدمها العلوم الطبيعية كلغة لوصف وتحليل الكون بإيجاز ودقة، هل تعتبر الرياضيات علماً؟ ، جوهر الإجابة على هذا السؤال في فهم المنهج العلمي والمنهج الرياضي ومعرفة الفرق بينهما.

المنهج العلمي
يستخدم العلم منهجاً يتكون من صياغة الفروض ثم اختبارها ثم بناء على نتائج الاختبار يتحدد موقفنا من الفرضية، فالنظرية العلمية تعبر عن أفضل التقديرات المقبولة وفق الأدلة التجريبية المتاحة في وقت صياغتها، ومن الممكن تعديلها في حالة ظهور دليل جديد، على سبيل المثال نظرية التطور هي نظرية تحظى باحترام كبير في الأوساط العلمية، ولكن لا يمنع هذا من إحداث تغييرات فيها إذا ظهرت أدلة جديدة.

المنهج الرياضي
الرياضيات تعتمد على البرهان وليس الدليل التجريبي، والنظرية الرياضية تكون صحيحة دائماً وفق شروطها، ولإثبات صحتها تحتاج سلسلة من البراهين المنطقية تبدأ من الشروط لتصل إلى الاستنتاج المطلوب، على سبيل المثال مبرهنة أن كل عدد زوجي أكبر من أربعة هو مجموع عددين فرديين، هناك العديد من الأدلة التجريبية لا حصر لها تثبت صحة هذه المبرهنة 17+3=20، 333+7=340، 15+15=30، 101+3=104 …..…..إلخ، لكن لا يمكننا الجزم بصحة هذه المبرهنة بدون وجود برهان رياضي، وحتى يأتي هذا الإثبات من المقبول رياضياً أن نتصور وجود عدد زوجي أكبر من أربعة لا يتكون من مجموع عددين فرديين.

جدير بالذكر أنه في عصرنا الحديث ومع تعقيداته على المرء أن يضبط استعماله للمعادلات الرياضية بالمعرفة التجريبية والاختبار في بعض نواحي المعرفة، مثال ذلك التنبؤات الاقتصادية بعيدة المدى.

لماذا لا توجد جائزة نوبل للرياضيات؟
قد يتبادر للذهن عندما نعلم أنه لا توجد جائزة نوبل للرياضيات، بأن الرياضيات تعامل معاملة من الدرجة الثانية، وأن قيمتها مبالغ فيها بعض الشئ، قد يكون هذا الأمر قد تسرب لألفريد نوبل وشعر بأن الرياضيات ليس لها تأثير كبير في عصره الذي عاش فيه، وأن الكيمياء والفيزياء والطب والأدب لها تاثير أكبر على العالم ، لكن علينا ألا نهمل سبب رئيس آخر هو وجود جائرة ذات قيمة معتبرة للرياضيات يمنحها ملك السويد أوسكار الثاني، ولم يرد ألفريد نوبل وقتها أن يكون منافس للملك في ذلك، فمالسألة هنا مرتبطة بتصور شخصي لألفريد نوبل وفق ظروف عصره، كما أن الجائزة من ماله الخاص يعطيها لمن يشاء، ولا يعتبر هذا حكماً على شئ بالدونية إذا لم يكن يشعر بالحاجة لإعطاء الجائزة لمجالات أخرى مثل الرياضيات.

المصادر

Euclid

Cisthetaglobal

3 ـ Phys

Exit mobile version