مدن تحت الماء .. كيف يهدد تغير المناخ المدن الساحلية؟

هذه المقالة هي الجزء 12 من 18 في سلسلة مقدمة في تغيرات المناخ وتأثيراتها البيئية

على ارتفاع أقل من 5 أمتار، فإن حوالي 250 مليون شخصًا حول العالم يعيشون على طول سواحل البحار والمحيطات، لكن بفضل الزيادة المستمرة في ارتفاع مستوي سطح البحر بسبب التغيرات المناخية فإن حياة هؤلاء الأشخاص معرضة للخطر.[1] ووفقًا لتقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد مناطق الأرض المنخفضة حيث تضاعف مستوى سطح البحر من 0.06 بوصة  إلى 0.14 بوصة من عام 2006 إلى عام 2015.[2]

كيف تغير مستوى سطح البحر؟

على مدار الـ 150 عامًا الماضية، تم إجراء قياسات منتظمة للمد والجزر في الموانئ في جميع أنحاء العالم، وذلك لمعرفة مقدار التغير في مستوى سطح البحر، وتظهر المعلومات التي تم جمعها أنه منذ عام 1850، ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 20 سم حول العالم[3].

لماذا يتغير ارتفاع مستوي سطح البحر؟

يرتبط التغيير في ارتفاع مستوي سطح البحر بثلاثة عوامل أساسية، وكلها ناتجة عن تغير المناخ وهي كالتالي:

1- التمدد الحراري

عندما ترتفع درجة حرارة الماء في البحار والمحيطات فإنه يتمدد. ويُعزى الارتفاع المستمر في مستوي سطح البحر خلال الـ 25 عامًا الماضية إلى احتلال المحيطات الأكثر دفئًا مساحة أكبر.

2- ذوبان الأنهار الجليدية

خلال فترات الصيف تذوب القليل من التكوينات الجليدية الكبيرة كالأنهار الجليدية بشكل طبيعي. لكن في الآونة الأخيرة، أدى الارتفاع المستمر في درجات الحرارة الناتج عن الاحتباس الحراري إلى ذوبان أكبر من المتوسط. إضافة إلى أن تأخر فصول الشتاء يؤدي إلى تساقط كميات أقل من الثلج، وبالتالي تحدث حالة من عدم التوازن ويرتفع مستوي سطح البحر في النهاية.

3- فقدان الصفائح الجليدية في جرينلاند وأنتاركتيكا

كما هو الحال مع الأنهار الجليدية الجبلية، فإن الزيادة في درجات الحرارة تتسبب في ذوبان الصفائح الجليدية الضخمة التي تغطي جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية بسرعات أكبر، ويعتقد العلماء أن المياه الذائبة من أعلى الصفائح الجليدية ومياه البحر المتسربة تحتها، من الممكن أن تعمل على تزييت مجاري الجليد ويتسبب في تحركها بسرعة أكبر في البحر.[4]

إلى أي مدى يمكن أن يرتفع مستوى سطح البحر؟

بسبب الاحتباس الحراري، فإن التمدد الحراري للمحيطات وذوبان الأنهار الجليدية سيلعبان دورًا في ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل. وتأتي أكبر مساهمة ممكنة في ارتفاع مستوى سطح البحر من الصفائح الجليدية الكبيرة الموجودة في جرينلاند وغرب وشرق أنتاركتيكا. إذا ذابت هذه الصفائح الجليدية تمامًا، فسيرتفع مستوى المحيطات حوالي 7 أمتار في جرينلاند، و 5 أمتار في غرب أنتاركتيكا، و 53 مترًا في شرق أنتاركتيكا.

هل تغير مستوى سطح البحر في الماضي؟

لقد تغير مستوى سطح البحر بشكل طبيعي في الماضي. ويرجع ذلك في الغالب إلى نمو وذوبان الصفائح الجليدية الكبيرة خلال العصور الجليدية قبل نحو 20 الف عام. خلال ذروة العصر الجليدي الأخير كان مستوي سطح البحر أقل بحوالي 120 مترًا مما هو عليه اليوم. لكن حدثت عدة نوبات من الارتفاع السريع في مستوي سطح البحر. فمنذ حوالي 14 ألف عام قفز معدل ارتفاع مستوي سطح البحر بمقدار 3 سم بسبب ذوبان الغطاء الجليدي الذي أحدثه تغير المناخ في ذلك الوقت. كما أن الفترة ما بين العصور الجليدية شهدت ارتفاع في مستوي سطح البحر بما لا يقل عن 6 أمتار مما هو عليه اليوم.

كيف سيتغير مستوى سطح البحر في المستقبل؟

بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة الناتجة عن الاحتباس الحراري، فإن العلماء على يقين تام من أن مستوى سطح البحر سيستمر في الارتفاع خلال العقود القادمة، حيث ستذوب الأنهار والصفائح الجليدية.[5].

ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإنه من المتوقع أن يرتفع منسوب مياه المحيطات بمقدار من 26 إلي 77 سم بحلول عام 2100[6]. وأشارت نتائج إحدي الأبحاث إلى التسارع في ارتفاع مستوي سطح البحر، ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار قدم واحدة بحلول عام 2050.[7]

الآثار

للزيادة المستمرة في مستوي سطح البحر آثار مدمرة، ففي المدن الساحلية يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوي سطح البحر إلي زيادة وقوع الأعاصير والعواصف. ووجدت إحدي الدراسات أنه بين عامي 1963 و 2012 ، كانت الأعاصير السبب في فقدان ما يقرب من نصف الوفيات. كما أن الفيضانات تجبر الذين يعيشون في مناطق ساحلية منخفضة على الهجرة إلى مناطق مرتفعة.[8]   

وفي المناطق الزراعية الموجودة بالقرب من الساحل، يمكن أن تؤدي الفيضانات البحرية إلى تلويث التربة بالملح، مما يجعلها أقل قدرة على إنتاج ونمو المحاصيل. في بعض الأحيان قد تختلط المياه المالحة بالمياه العذبة وبالتالي تقل كميات المياه الصالحة للشرب.[9]

التكيف مع التهديد

نتيجة لهذه المخاطر، تخطط العديد من المدن الساحلية لوضع تدابير من شأنها التكيف مع التوقعات طويلة الآجل لارتفاع مستوي سطح البحر. والتي غالبًا ما تكون بناء جدران بحرية وحواجز، أو زراعة أشجار المانغروف أو غيرها من النباتات لامتصاص المياه. ففي جاكرتا على سبيل المثال سيهدف مشروع لحماية المدينة على بناء جدار بحري يبلغ ارتفاعه 80 قدمًا، بقيمة 40 مليار دولار.

ويشير العلماء إلى أن المدى الذي تعمل فيه البلدان معًا للحد من إطلاق المزيد من غازات الدفيئة قد يكون له تأثير كبير على سرعة ارتفاع البحار ومقدارها.[10]

المراجع

(1),(9),(5)(3)frontiersin
(2)climate
(4),(10)(8)nationalgeographic
(6)ipcc
(7)noaa

كيف غيّر طب النانو من شكل حياتنا وكيف سيغير مستقبلنا؟

يعني طب النانو اليوم الكثير لمستقبل الطب، فهو يمنح الأطباء القدرة على الكشف المبكر عن الكثير من الأمراض ويزيد من دقة المعلومات التشخيصية ويساعد بتسريع العلاج وجعله أكثر فعالية. إذ يعد أداة رئيسية للطب المتخصص والموجه والتجديدي.

يتوقع العلماء أن يؤدي طب النانو قريبا إلى العديد من الاكتشافات المثيرة والتطبيقات المهمة طبيا. فما هو طب النانو؟ وما هي أنواعه، وتطبيقاته، وتحدياته؟

ما هو طب النانو؟

يعرف التطبيق الطبي لتقنيات النانو ضمن مجال الرعاية الصحية باسم “طب النانو”. وتُسخر في طب النانو تقنيات النانو للوقاية من الأمراض المختلفة، وتشخيصها ومراقبتها وعلاجها بطرق أكثر فعالية [1]. كما يصنع العلماء مواد وأجهزة تعمل ضمن الجسم على المستوي الذري أو الجزيئي مما يسمح بنتائج محددة الهدف ومحدودة الآثار الجانبية [2].

أنواع طب النانو

  • التشخيصي: وفيه تستخدم تقنيات النانو لتحسين جودة أجهزة ومعدات التشخيص الطبي. فمثلًا يمكن للجسيمات النانوية أن تعزز تقنيات كالتصوير بالأمواج فوق الصوتية والرنين المغناطيسي لإنتاج صور أكثر وضوحًا [2].
  • العلاجي: وفيه تستخدم تقنيات النانو لتحسين جودة وفعالية العلاج الطبي، فالجسيمات النانوية صغيرة بما يكفي ويمكن التحكم بها لإرسال الأدوية إلى مكان محدد من الجسم، مما يزيد فعالية العلاج ويقلل آثاره الجانبية. ويدرس العلماء حاليًا إمكانية تطوير علاجات فردية مصممة خصيصًا لجينات المريض فيما يعرف باسم “الطب الشخصي”[2].
  • طب النانو الوقائي: وفيه يمكن الاستفادة من الجسيمات النانوية ضمن اللقاحات لتحفيز الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة للفيروسات [2].
  • الطب التجديدي: يتم حاليا بالفعل استخدام جزيئات تسمى بالأنابيب النانوية الكربونية لإصلاح النسج التالفة. ويتوقع في المستقبل أننا سنتمكن من إعادة إنماء الأعصاب المتضررة وتجديدها. وكذلك قد نتمكن مع استخدام هياكل نانوية محددة ومناسبة من إصلاح خلايا الجلد البشري والعظام والعضلات وإعادتها للعمل [2].

بعض تطبيقات طب النانو اليوم وآفاقها المستقبلية

  1. استخدم طب النانو في تطوير لقاحات COVID-19، إذ تعد الجسيمات النانوية عنصرًا أساسيًا في لقاحات شركتي فايزر (PFIZER) وموديرنا (MODERNA). وتستخدم هذه اللقاحات رنا الرسول mRNA لتطوير مناعة ضد فيروس COVID-19. لكن يعرف الرنا الرسول بانهياره السريع، لذا احتاج العلماء لشيء يحمله لداخل الجسم قبل أن ينهار. ولهذا قام العلماء بوضعه داخل الجسيمات النانوية التي توصله للخلايا المناعية حيث يمكنه القيام بعمله. وتعتبر أكثر منتجات الطب النانوي اليوم هي أنظمة إيصال الدواء إلى مناطق محددة داخل الجسم. وقد سجل لقاح فايزر القائم على الجسيمات النانوية 90% فعالية للوقاية من فيروس كورونا بعد 7 أيام فقط من تلقي الجرعة الثانية [5].
  2. علاجات السرطان بطرق أكثر فعالية وأعراض جانبية أقل. نعلم أن العلاج الكيميائي يوصل أدوية مكافحة الخلايا السرطانية للخلايا كلها دون تمييز، مما ينتج آثارًا جانبية قد تؤدي للغثيان وتساقط الشعر وغيرها. ولكن سمح طب النانو للعلماء والأطباء بتوجيه العلاج نحو الخلايا السرطانية دون الخلايا السليمة. مما قلل كثيرًا من الآثار الجانبية ولا زالت الأبحاث تتطور يوميًا في هذا المجال.
  3. يستخدم الرنين المغناطيسي لإنتاج صور تشريحية للجسم والأعضاء والنسج، وتستخدم عادة مواد تباين تحقن عبر وريد المريض لتجعل الصور والتفاصيل ضمنها أكثر وضوحًا. إلا أنه مؤخرًا قدمت جسيمات النانو الفلورية تباين أفضل بكثير من مواد التباين التقليدية.
  4. يعتبر إيصال الدواء إلى الدماغ معضلة بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي الذي يمنع مرورها. ولكن مؤخرًا استطاعت الجسيمات النانوية بسبب حجمها الصغير عبور الحاجز الدموي الدماغي. مما يقدم وعودًا كبيرة لعلاجات أورام المخ والسكتات الدماغية والتهاب السحايا ومرض ألزهايمر.
  5. تحتوي العين أيضًا على حواجز لحمايتها من المواد الغريبة مما يجعل إيصال الدواء لهدفه عملية صعبة. وسيقدم طب النانو طرق فعالة لإيصال الدواء لهدفه في العين أيضًا. مما يساعد في علاج الملتحمة وإعتام عدسة العين وإصابات القرنية والتنكس النقعي والزرق.
  6. إصلاح إصابات الحبل الشوكي. إذ يمكن أن تساعد المواد النانوية أيضا الجسم في إصلاح تلف الأعصاب. ويسعى الأطباء إلى استخدام سقالات نانوية توجه نمو الأنسجة العصبية الجديدة.
  7. يمكن باستخدام تقنية النانو أن نقلل من عدد مرات أخذ الجرع الدوائية وحجم الجرعة، فمثلا يتطلب العلاج الحالي للضمور البقعي المرتبط بالعمر AMD حقن شهري في العين ضمن العيادة ولكن مع استخدام الجسيمات النانوية يمكن تقليل وتيرة الحقن إلى مرة كل ستة أشهر إذ تحمي الجسيمات النانوية الدواء من الجسم وتجعل تحلله أبطأ وتوصله مباشرة للهدف فيساعد ذلك بالحد من حجم الجرعة[1] .
  8. يأمل العلماء أن يتمكنوا مستقبلا باستخدام تقنية النانو من تطوير أجهزة مزروعة كناظمات الخطى والشبكات القلبية ورقائق وأجهزة استشعار صغيرة ترسل البيانات للطبيب المراقب عن بعد.
  9. التشخيص والكشف المبكر عن الأمراض من خلال مراقبة العلامات الحيوية التي تظهر على مستوى الخلية أو في الجسم في لحظة معينة. فمثلا يعتبر ارتفاع كوليسترول الدم علامة حيوية مبكرة لمرض القلب إذا اكتشف مبكرًا. وتعتبر الجسيمات النانوية أكثر حساسية لهذه العلامات ويمكن أن تعطي نتائج وقياسات أكثر دقة، بالتالي تتيح إمكانية التشخيص المبكر.

الأدوية النانوية في الأسواق

دخلت الأدوية النانوية بنجاح في الممارسات السريرية على مدى العقود الماضية بالفعل. وأدى التطور المستمر في البحوث الصيدلانية لخلق أبحاث أكثر تعقيدًا دخلت في مراحل التجارب السريرية [4]. فلدى طب النانو في الوقت الحاضر مئات المنتجات في مرحلة التجارب السريرية والتي تغطي جميع الأمراض الرئيسية بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والتنكس العصبي والعضلات الهيكلية والالتهابات. ويمتلك طب النانو بالفعل ما يقارب 80 منتجًا مسوقًا بدءًا من التوصيل النانوي والمستحضرات الصيدلانية إلى التصوير الطبي والتشخيص والمواد الحيوية [3].

في الاتحاد الأوروبي يتكون سوق الطب النانوي اليوم من الجسيمات النانوية، والبلورات النانوية، والمستحلبات النانوية، والمركبات البوليميرية.

يوضح الجدول التالي أمثلة على الأدوية النانوية المعتمدة حاليا في الأسواق ضمن الاتحاد الأوروبي.

تحديات تواجه طب النانو

كما هو الحال مع أي تقنية متقدمة فإن الاحتمالات الواعدة التي يقدمها الطب النانوي في المستقبل يجب موازنتها مع المخاطر [4]. إذ ظهرت بعض المخاوف بشأن قضايا سلامة استخدام المواد النانوية طبياً. فالخصائص الفيزيائية والكيميائية المختلفة للمواد النانوية يمكن أن تؤدي لحرائك دوائية كالامتصاصية والتوزع والتمثيل الغذائي والتخلص منها وإمكانية عبور الحواجز البيولوجية بسهولة أكبر والسمية واستمراريتها في البيئة والجسم هي بعض من الأمثلة بشأن المخاوف من تطبيق المواد النانوية طبياً [4].

ويتم تنظيم سلامة منتجات الطب النانوي تمامًا مثل الأدوية والأجهزة الطبية، ويتم تقييمها سريريًا من حيث نسبة الفائدة / المخاطر للمرضى. ومثل أي أجهزة أو عقاقير طبية يتم مراقبة الأدوية النانوية بشكل صارم، وتتبع التوصيف الشامل وتقييم السمية والتجارب السريرية متعددة المراحل لتقييم نسبة الفائدة / المخاطر قبل إتاحتها للتداول بكامل إمكانياتها. ومع ذلك، من الأهمية بمكان إجراء فحص مسبق بعناية ومسؤولية لجميع الآثار الجانبية المحتملة على الإنسان والبيئة. وقد أقيمت العديد من المشاريع الأوروبية لتتعامل مع هذه القضايا [3].

رغم أنه في العقود الماضية، أدخلت العديد من تطبيقات طب النانو في الممارسات السريرية بالفعل، ومع ذلك لا يزال الطريق طويل نحو التنظيم الكامل لطب النانو وتطوير بروتوكولات توصيف خاصة به [4] .

ختاما، إن طب النانو يثير توقعات عالية لملايين من المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية والطبية لحلول واعدة للعديد من الأمراض بطرق أكثر فعالية وكفاءة.

تستفيد اليوم العديد من مجالات الرعاية الطبية بالفعل من المزايا التي تقدمها تقنيات النانو التي أدخلت في جميع مجالات الطب. ورغم ذلك لا تزال البشرية تحارب عددا كبيرا من الأمراض الخطيرة والمعقدة مثل ( السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والتصلب المتعدد وألزهايمر وباركنسون ومرض السكري بالإضافة لأنواع مختلفة من الأمراض الالتهابية والفيروسية المعدية). لمعظم هذه الأمراض تأثير سلبي على المريض والمجتمع والأنظمة الاجتماعية والتأمينية المرتبطة به. فمن الأهمية بمكان ما مواجهة هذه الآفات بالوسائل المناسبة والتي يعتقد أن طب النانو هو الأداة الرئيسية لذلك في المستقبل القريب.

المصادر
[1]. cnm hopkins.org: what is nanomedicine?
[2]. webmd: nanomedicine what to know?
[3]. etp: what is nanomedicine?
[4]. frontiersin.org
[5]. wikipedia: لقاح فايزر بيونتك

ما هو انقطاع النفس النومي؟

ما هو انقطاع النفس النومي؟

تشير التقديرات إلى أن 30 مليون أمريكي يعاني من انقطاع النفس النومي، ولكن لم يتم تشخيص حوالي 80% من الحالات لأن العديد من الأشخاص الذين ينامون لا يدركون أعراضهم الليلية. يحدث انقطاع النفس أثناء النوم في حوالي 3٪ من الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي، ولكنه يصيب أكثر من 20٪ من الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة. وبشكل عام يؤثر على الرجال أكثر من النساء. ومع ذلك تزداد المعدلات بشكل حاد عند النساء بعد انقطاع الطمث.
يمكن أن يتسبب في الحرمان من النوم قصير المدى مما قد يؤثر على الحالة المزاجية وكذلك على سلامتك في العمل وأثناء القيادة. وإذا تركت هذه الحالة بدون علاج فإنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالات المزمنة التي تهدد الحياة مثل أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني، والاكتئاب.

انقطاع النفس النومي هو حالة طبية حيث يتوقف فيها التنفس عدة مرات أثناء النوم. يمكن أن يتراوح عدد المرات من حوالي خمس مرات في الساعة إلى ما يصل إلى 100 مرة أو أكثر في الساعة لمدة تصل إلى دقيقة في المرة الواحدة. عندما يتوقف الشخص عن التنفس حتى ولو للحظات يستيقظ الدماغ قليلاً إلى مرحلة أخف من النوم مما يمنع النوم الأعمق والأكثر راحة. يؤدي هذا الاستيقاظ الجزئي إلى تعطيل نمط نوم الشخص مما يؤدي إلى انخفاض جودة النوم بشكل كبير والشعور بالتعب في اليوم التالي على الرغم من أنه يبدو أن الشخص نائم طوال الليل.
يؤدي تكرار هذه الحالة بدون علاج إلى إتلاف خطير لدماغ الشخص، وجسمه عن طريق مقاطعة النوم الطبيعي وحرمان الشخص من الأكسجين أثناء نومه.
قد يكون شخيرك بصوت عالٍ وشعورك بالتعب في اليوم التالي علامات على وجود انقطاع النفس النومي رغم عدم إدراكك لذلك. في هذا المقال سنقدم بعض المعلومات التي ممكن أن تساعدك في معرفة ذلك.

أنواع انقطاع النفس النومي

هناك 3 أنواع من توقف التنفس أثناء النوم مصنفة حسب السبب في حدوثها:

1. انقطاع النفس الانسدادي النومي يحدث عندما يتقلص مجرى الهواء في الجزء الخلفي من الحلق أو عندما يُسَد أثناء النوم، مما قد يسبب الشخير حيث يتم منع الهواء من المرور بشكل طبيعي. استجابةً لانسداد مجرى الهواء عادةً ما يستيقظ الشخص، ويأخذ عدة شهقات أو أنفاسًا عميقة، وغالبًا ما تكون مصحوبة بأصوات مثل الشخير أو الاختناق. هذا النوع هو شيوعًا. حيث يصيب 10%_ 30% من البالغين في الولايات المتحدة ولكن في كثير من الحالات لا يتم تشخيصه.

2. انقطاع النفس النومي المركزي يحدث بسبب اضطراب في الاتصال بين الدماغ والعضلات التي تتحكم في التنفس. نتيجة لذلك قد يصبح التنفس ضحلًا ويتوقف مؤقتًا. انتشار هذا النوع منخفض مقارنة بالنوع الأول.

3. انقطاع النفس النومي المختلط مثلما يُشير الاسم يصاب فيه الشخص بكل من انقطاع النفس الانسدادي النومي وانقطاع النفس النومي المركزي معًا.

هل تعاني من انقطاع النفس النومي؟

لأن توقف التنفس أثناء النوم يحدث عندما تكون فاقدًا للوعي لذا هناك الملايين من الأشخاص الذين يعانون منه لا يدركون ذلك. فكيف تعرف إذا كنت أحدهم؟ طورت الجمعية الأمريكية لانقطاع التنفس أثناء النوم اختبارًا موجزًا ​​يمكنه أن يمنحك بعض الأفكار. إذا أجبت بنعم على هذه الأسئلة فقد تكون مصابًا بانقطاع النفس النومي. هل تشخر بصوت عالٍ أو منتظم؟ هل لاحظت من قبل أنك تلهث أو تتوقف عن التنفس أثناء النوم؟. هل تستيقظ وأنت تعاني من صداع؟ هل غالبًا ما تكون متعبًا أو مرهقًا أثناء النهار؟.

هل تغفو أثناء الجلوس أو القراءة أو مشاهدة التلفاز أو القيادة؟ هل تعاني غالبًا من مشاكل في التركيز أو تذكر الأشياء؟ ولكن يجب عليك زيارة الطبيب للتشخيص ومساعدتك في العلاج حتى وإن أجبت عن هذه الأسئلة بنعم.

أعراض انقطاع النفس النومي

1. الشخير: كثير من الناس يشخرون، والحقيقة أنه ليس كل شخير يعني توقف التنفس أثناء النوم. بعض الناس يشخرون من حين لآخر مثل بعد تناول الكحول. هذا الأمر طبيعي تمامًا.

لكن معظم الأشخاص الذين يعانون من توقف التنفس أثناء النوم يعانون من الشخير. لذلك تميل إلى أن تكون علامة على الحالة. هناك بعض الأشياء التي يمكن أن تميز الشخير الطبيعي عن الشخير المرضي: شدته، وجهارته، وتواتره.

إذا كنت تشخر من حين لآخر فربما لا يكون ذلك علامة على وجود مشكلة صحية.

ولكن إذا كنت تشخر بصوت عالٍ كل ليلة، فإن احتمالية الإصابة بانقطاع التنفس أثناء النوم تكون أكبر بكثير.

2. النعاس أثناء النهار: إذا كان عليك شرب عدة فناجين من القهوة لمجرد قضاء اليوم، فقد تكون مصابًا بانقطاع النفس أثناء النوم.

. غالبًا ما ينام الأشخاص الذين يعانون منه في الوقت والمكان الخطأ – أثناء القيادة أو أثناء العمل على سبيل المثال – لأنهم يستيقظون باستمرار في منتصف الليل بسبب اضطراب تنفسهم.

3. توقف التنفس أثناء النوم: بعض الأشخاص الذين يعانون من توقف التنفس أثناء النوم يتعلمون عنه فقط من شركائهم. يسمي الأطباء هذا “انقطاع النفس عند الشهود”

4. ارتفاع ضغط الدم: هناك علاقة معروفة بين ارتفاع ضغط الدم وانقطاع النفس الانسدادي النومي. يعتقد بعض الخبراء أن العلاقة ثنائية الاتجاه: يعرِّضك انقطاع النفس النومي لارتفاع ضغط الدم كما أن ارتفاع ضغط الدم يجعل انقطاع النفس أثناء النوم أسوأ. الاثنان متشابكان لدرجة أنه إذا كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم، فهناك فرصة جيدة للإصابة بانقطاع التنفس أثناء النوم أيضًا. يعاني أكثر من نصف المصابين بانقطاع النفس النومي الحاد من ارتفاع ضغط الدم. وفي الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المقاوم مما يعني أن ضغط الدم يظل مرتفعًا على الرغم من الأدوية المتعددة. هناك علامات أخرى تشير إلى أنك قد تكون مصابًا بانقطاع النفس النومي مثل الأرق، والاستيقاظ مع التهاب الحلق والصداع المتكرر في الصباح، وصعوبة في التركيز، والنسيان.

التشخيص

إذا كانت لديك الأعراض التي تحدثنا عنها يجب عليك زيارة الطبيب، وإذا اعتقد طبيبك أنك قد تكون مصابًا بانقطاع النفس النومي، فقد يحيلك إلى عيادة متخصصة في النوم لإجراء الاختبارات. في العيادة قد يتم إعطاؤك أجهزة تتحقق من أشياء مثل تنفسك وضربات قلبك أثناء النوم. سيُطلب منك ارتداء هذه الملابس طوال الليل حتى يتمكن الأطباء من التحقق من علامات توقف التنفس أثناء النوم. يمكنك عادة القيام بذلك في المنزل، ولكن في بعض الأحيان قد تحتاج إلى البقاء في العيادة طوال الليل. يمكن أن يظهر الاختبار ما إذا كنت مصابًا بانقطاع التنفس أثناء النوم ومدى شدته. يعتمد هذا على عدد المرات التي يتوقف فيها تنفسك أثناء النوم.

العلاج

لا يحتاج توقف التنفس أثناء النوم دائمًا إلى العلاج إذا كان خفيفًا. لكن يحتاج الكثير من الناس إلى استخدام جهاز يسمى جهاز ضغط المسالك الهوائية الإيجابي المستمر. هذه الآلة تضخ الهواء برفق في القناع الذي ترتديه على فمك أو أنفك أثناء النوم. هذا يستطيع المساعدة في تحسين تنفسك أثناء النوم عن طريق إيقاف ضيق مجرى الهواء لديك، وتحسين جودة نومك ومساعدتك على الشعور بتعب أقل، وتقليل مخاطر المشاكل المرتبطة بانقطاع التنفس أثناء النوم مثل ارتفاع ضغط الدم. قد يبدو استخدام الجهاز غريبًا أو محرجًا في البداية ، لكن حاول الاستمرار في استخدامه. يعمل بشكل أفضل إذا كنت تستخدمه كل ليلة. أخبر طبيبك إذا وجدت أنه غير مريح أو يصعب استخدامه. تشمل العلاجات الأخرى الأقل شيوعًا لانقطاع التنفس أثناء النوم ما يلي: جهاز تقدم الفك السفلي؛ جهاز يشبه درع اللثة يُبقي مجرى الهواء مفتوحًا أثناء النوم للمساعدة في التنفس. كذلك قد يلجأ الطبيب لإجراء عملية جراحية مثل إزالة اللوزتين إذا لزم الأمر.

بالإضافة إلى ما هو انقطاع النفس النومي؟ اقرأ أيضًا: ما هو النوم؟

مصادر ما هو انقطاع النفس النومي؟:
1. sleepapnea.org
2. nytimes.com
3. sleepfoundation.org
4. www.nhs.uk
5. sleepeducation.org

الإدراك البيئي: كيف ندرك بيئاتنا؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

بالنسبة لعلم النفس البيئي وللدراسات العمرانية إجمالًا، هناك فرق بين “الموضوع – object”، و”البيئة – environment”. فبينما يحتاج الموضوع ذاتًا لتتعامل معه، تحتاج البيئة مساهمين «participant» ليتفاعلوا معها؛ إذ أن البيئة تحيط بالفرد ويعتبر جزءًا منها، ويتفاعل معها ويدركها باستعمال الحواس المختلفة (الحركة والشعور والشم وغيرها)، وربما يساهم فيها بتغييرها. ودائمًا ما يتضمن الإدراك البيئي هذا نوعًا من الأفعال، والتي تتضمن بدورها معانٍ ورموزًا معينة.

القدرة التصويرية للمدينة

تحدثنا في مقالٍ سابق عن كيفن لينش وعن كتابه «صورة المدينة»، والذي عرّف صوريّة المدينة أو قدرة الأفراد على تصوير وتخيل واستذكار المدينة بناءً على صفات المدينة العمرانية مثل الطرق والمراكز والحواف والعلامات والأحياء. وعرّف هذا المفهوم بـ«صوريّة المدينة – city imageability»، أو القدرة الصورية للمدينة. وصف لينش عملية الإدراك البيئي التي ترتكز على هذه العناصر العمرانية بـ«التخطيط الإدراكي – cognitive mapping»، وهو العملية العقلية والإدراكية التي يفهم بها البشر بيئاتهم ويتفاعلون بها من خلالها.

حاول لينش أيضًا قياس مستوى السهولة التي يمكن للسكان أن يقيّموا بها بيئةً ما ويستوعبوها داخل نمط أو نسقٍ معين، واطلق على هذا القياس اسم “وضوح المدينة”، أي القدرة على تكوين صورة ذهنية عن المدينة واستيعابها بشكلٍ منطقي ومتناغم. أي ان المدينة التي تحتوي على عناصر عمرانية محددة وواضحة تكون أسهل للتذكر والحركة.

ولكن على عكس ما قد يوحي به هذا من أن المدن المخططة (مثل المدن الحديثة نسبيًا كنيويورك أو الرياض) أسهل في الحركة خلالها، إلا أن جين جيكوبز أظهرت أن الوحدة البصرية الشديدة بين أجزاء المدينة تؤدي للتشويش، أي ان المدينة تحتاج قدرًا من العفوية والتنوع (العملي والبصري) ليتمكن السكان من ادراكها؛ وتتطلب أجزاءً متباينة تعمل فيما بينها، لا إلى أحياء متفرقة ومنفردة بذاتها [1]. ومن هنا نفهم احد أوجه القصور التخطيط الحضري للمدن وتقسيمها إلى أحياء مخصصة (للصناعة أو للسكن أو لغيرها)، أو حتى محاولة تصميم كل المناطق والبيوت والمباني لتبدو بنفس الشكل (بعض من أصدقائي الذين أقاموا في سنغافورة وصفوها بأنها شديدة التنظيم لدرجة الملل).

الصوريّة الاجتماعية

يمكن للأماكن المميزة أيضًا أن تحفز لدى السكان صورًا اجتماعية، أي معانٍ اجتماعية مشتركة بين مستعملي مكانٍ معين. فمثلًا يمكن لميدانٍ أو ساحةٍ ما أن ترتبط في ذهن سكان الحي بأنها مكانٌ للتجمع وللممارسة الأنشطة الجماعية، أو يمكن أن يرتبط شارعٌ ما بنوعٍ معين من السلوكيات أو الأنشطة أو الأحداث. في العادة، تكون الأماكن ذات القدرة التصويرية أيضًا ذات قدرة اجتماعية أيضًا.

تكشف الخرائط الذهنية للمدن وقدراتها التصويرية والاجتماعية عن جانبٍ مهم من دراسات المدن، وهي الفروق الطبقية بين السكان. فالكثير من المدن على سبيل المثال تعتمد بشكلٍ رئيسي على السيارات للتنقل، مما لا يتيح للطبقات الأفقر الانتقال خلال المدينة ومعاينتها، ويظلون مكدسين داخل مناطق سكنهم والتي قد تعاني من فقرٍ في المرافق العامة. والنتيجة هي أن معاينة بعض السكان للمدينة وتجربتهم للسكن فيها قد تكون شديدة الفقر مقارنة بآخرين من الطبقات الأعلى، الأمر الذي قد يفقدهم الشعور بالانتماء أو الاهتمام بالمدينة وبالحيز الذي يحتلونه فيها.

ومن الجوانب المهمة والتي بدأ الاهتمام بها عالميًا أيضًا هي الفوارق العمرية بين السكان. فالكثير من المدن ومشاريع التخطيط العمراني تكون مبنية بالأساس على استعمال السيارات على سبيل المثال وباهتمامٍ هامشي بالمشاة -إن وجد-. في المقابل فإن بعض المعماريين والمخططين بدؤوا بلفت الانتباه لحق الأطفال واليافعين في الاستمتاع بالمدينة بشكلٍ آمن وسلس، وبدأت الدراسات الحضرية باستكشاف كيف يمكن تخطيط المدن لتكون صديقة للأطفال[2].

اعتبرت برازيليا مدينة نموذجية للتخطيط العمراني عديم الحياة، لدرجة أن مصطلح “متلازمة برازيليا – Brasilia Syndrome” صار كناية عن المدن ذات التخطيط والنسب غير المناسبة للبشر

الحواس البشرية وإدراكنا لما حولنا (الإدراك البيئي)

كما سبق لنا القول في الفقرة السابقة، فإن العديد من مشاريع التخطيط العمراني اليوم تعتمد بشكلٍ أساسي على السيارات وعلى المساحات الكبيرة والمسافات الشاسعة. العديد من المدن حول العالم اليوم تتمركز حول التنقل بالسيارات، مثل الكثير من المدن الأمريكية ومدن الخليج العربي على سبيل المثال.

يتعرض هذا النمط من التخطيط والتصميم للكثير من النقد، ومن جوانب هذا النقد المتعلقة بهذا المقال هي علاقة المدينة والعمران بالحواس البشرية وتناسبها معها. وربما يكون المعماري الدنماركي «يان غيل» أبرز من كتبوا عن هذه العلاقة في كتابه «مدن من اجل الناس». بنية البشر البدنية تسمح لهم بالرؤية ضمن نطاق وزاوية محددين، وسرعتهم في السير أيضًا تفرض عليهم رتمًا معينًا من الرؤية والانتباه على سبيل المثال. ولذلك فإن المشاة نادرًا ما ينتبهون لما يدور في الأدوار العلوية من البنايات -ما لم يرفعوا رؤوسهم، وهي عملية “مرهقة” ما لم يكن هناك داعٍ لها-. المشاة أيضًا يحتاجون مسافات قصيرة نسبيًا للمشي والتنقل في المدن، ووجود الطرق السريعة الواسعة أو ممرات المشاة التي تحتوي سلالم للصعود والهبوط يعد عائقًا في طريقهم. سرعة البشر في السير وبنية أجسامهم هي ما تجعلهم يشعرون بالضجر إذا ساروا بجانب جدارٍ فارغ؛ في حين أن وجود نوافذ ومعارض على مسافات متقاربة تشعر المشاة بالتنوع البصري وتلفت نظرهم، ما يشعرهم بالمتعة البصرية (ناهيك عن تحفيز الأنشطة كالبيع والشراء).

تعتمد النظريات الصديقة للمشاة على المساحات الصغيرة والمسافات القصيرة في تخطيط المدن، فالمدن المعتمدة على الطرق السريعة والسيارات تعتمد أيضًا على سرعة السيارات، ما لا يتيح للركاب معاينة المدينة والتفاعل معها كما يتاح للمشاة. من الجدير بالذكر أن المدن التقليدية (أي المدن ما قبل الصناعية وما قبل الحداثة) كانت تطبق هذه الأنساق بالفطرة، إذ كانت تبنى بمسافات متقاربة وبنسبٍ معتدلة تناسب حواس البشر.

الإدراك البيئي وعلم الأعصاب

ذكرنا عرضًا في مقدمة هذه السلسلة عن وجود ما يسمى بـ”علم الأعصاب المعماري”، وهو استعمال تقنيات ومناهج بحث خاصة بعلوم الأعصاب لدراسة تفاعل البشر مع المدن والعمران وإدراكهم لبيئاتهم. يبحث هذا المجال الآثار العقلية والذهنية للبيئة والعمران على العقل والسلوك البشريين، كما يدرس الكيفية التي يدرك بها البشر بحواسّهم البيئة من حولهم، في محاولة لتصميم بيئات أكثر ملائمة للحياة والسلوك البشريين. وجدير بالذكر أن العديد من نظريات هذا المجال لها أسس تطورية.

يميل الناس للنظر إلى المناطق ذات العوامل المثيرة. لم ينظر أحد تقريبًا إلى الجدار الفارغ في هذا المثال.

فعلى سبيل المثال، درس بعض الباحثين الكيفية التي ينظر بها الناس إلى واجهات المباني عن طريق دراسة حركة بؤبؤ العين، واكتشفوا أن الواجهات المثيرة والتي تحتوي على نوافذ وعلامات (وليست مجرد جدران صمّاء) تجذب نظر الناس عكس الجدران الصماء التي يتجاهلها الناس وكأنها لم تكن. يجدر هنا ذكر أن هذه من الافتراضات التي ذكرناها للتو للمعماري «يان غيل» حول السير في المدن: أي أن السير بجانب واجهات تجارية مفتوحة ومثيرة للاهتمام لا يشعر المرء بالملل. فكّر في هذا حين تتمشى لمكان جديد وحاول أن تلاحظ إن كنت تشعر بالملل أثناء المشي فيه أم لا وهل ينطبق هذا المثال عليه.

المصادر:
1: The Death and Life of Great American Cities
2: Cities Alive: Designing for urban childhoods
3: Environmental Psychology: Environmental Cognition

ما هو الموت؟

يصف الأطباء الموت في بعض الأفلام قائلين: «للأسف، توقفت جميع وظائفه الحيوية». فسواء كان ضمور الرئتين أو سكتة قلبية مفاجئة أو مرضًا عضالًا فتك بجسد الميت. فالعامل المشترك هو قصور أجهزة الجسم عن أداء وظيفتها. إن موت الجسد إيذانٌ للطبيب بإبلاغ أهل الميت وإشارة للعائلة بفعل ما يجب. الموت إذن هلاك جسدي يُفضي إلى عادات ومراسم معينة. ولكن ماذا يعني الموت فلسفيًا؟ هل ننعي الميت أم نزف تحرر فقيدنا من الأغلال الدنيوية؟ وهل يمكن النجاة منه؟

هل يمكن النجاة من الموت؟

لنعرف إمكانية النجاة من الموت يجب أن نفهم ماهيته، ولنطرح سؤالًا: ماذا يعني أن شخصًا ما قد مات؟ أن حياته انتهت؟  وكأننا نقول بالضبط: هل يمكن أن يكون هناك حياة عقب انتهاء الحياة؟ والإجابة قطعًا لا. وعلى نفس المنوال: هل إذا أكلت كل الطعام سيتبقى شيء؟ أو ماذا يحدث في الفيلم بعد نهايته؟ كلها أسئلة بلا إجابة فالمفترض أنه لا حياة بعد الموت.

لنفهم معنى النجاة تخيل معي أن طائرة تحطمت على الخط الفاصل بين كندا والولايات المتحدة وكان شغل المحققين الشاغل وقتها «أين سندفن الناجين؟»، نعم الناجين وليس المتوفين!

اعتاد الناس التفكير في البلد الأقرب بالضبط، ليكتشفوا حينها أن الإجابة كانت ببساطة «نحن لا ندفن الناجين». إذًا فالدفن للأموات والحياة للناجين وعليه فالنجاة عكس الموت. يصبح سؤال هل أكون ميتًا إن لم أكن من الناجين بديهيًا فالرُكاب إما ناجٍ أو ميت. لكن ماذا إذا مثلنا مراحل حياة الإنسان على النحو الآتي:

B1B2B3→…→ Bn

لترمز B  إلى الموت الجسدي. حينها تُمحى الأسئلة السابقة ويصبح السؤال: هل أظل على قيد الحياة بعد موت جسدي؟ أو هل يمكن أن أنجو أنا بعد موت الجسد؟ وهل أنا منفصل عن جسدي؟ للإجابة أو للاقتراب منها يجب أن نعرف من هو «أنت».

هل ينفصل الإنسان عن جسده عند الموت؟

إذا أردت أن تعرف مصيرك بعد الموت فلتبدأ بسؤال ميتافيزيقي: ما الذي يمثله شخص ما؟ أو ما أجزاء الإنسان؟ انقسم الفلاسفة والتفوا حول مذهبين أولهما (الثنائية Duality) وهي أن يتكون الإنسان من جسد ونفس، وثانيهما (الأحادية Monism) التي تنشق عنها (وحدة الجسد Physicalism) و(وحدة النفس Idealism). فما هي هذه المذاهب؟

الثنائية

تنص الثنائية على كون الإنسان جسدًا وشيئًا آخر لا نعرف ماهيته، على أن يكون هذا الشيء غير مادي وهو الكيان الذي يسمى العقل أو النفس. والعلاقة بين المكونين متبادلة؛ فالعقل يتحكم في الجسد، كأن تنوي الوقوف فتشرع قدماك إلى لمس الأرض. كما أن الجسد يؤثر في العقل، كأن تلدغ جسدك نحلة فتشعر بالألم الذي يعد بدوره معنويًا حسيًا. فاللدغة أصابت الجسد ولكن الألم تمثل في النفس أو العقل.

احتدم الجدل القائم بين الثنائيين والأحاديين وتسلح كل منهما بحجة ومنطق. دعونا نسمع جدالهما في حوار تخيلي بين كل من مولر (اسم ذو مقطع واحد أي يدعم وحدة الجسد) أن الجسد لا يحتاج نفسًا وأنها فرضية بلا داعٍ، بينما يرى فريدريك (اسم ذو مقطعين ويدعم الثنائيين) أن هنالك كيانًا غير مادي بجانب أجسادنا.

فريدريك: أزعم أن النفس موجودة وهي غير مادية. إذ تبقى بعد فناء الجسد وتكفل للإنسان الخلود.

مولر: أفهم وجهة نظرك، لكن إذا تكون الشخص من جسد ونفس مجتمعين كما تدعي، فإنه زوج مترابط ومستقل في ذات الوقت. فإن تفككت مكوناته بموت الجسد، تدمر الشخص لتدمر الزوج المترابط فلا يمكن لنفس كانت جزءًا من الزوج أن تقف بمفردها، وعليه لا توجد نفس.

فريدريك: فهمتني بشكل خاطئ، إذ لا تتضرر النفس بموت الجسد، من قال أنهما ملتصقان بغراء؟ العلاقة بين النفس والجسد مجرد ترابط وثيق قائم على التفاعل المتبادل وليس التصاقًا. وعليه لا يعني موت الجسد أن الشخص سيموت، فيمكن لروحه أن تتحرر ببساطة. إن فرضنا أن الجسد هو المنزل الذي نعيش فيه، فقد يعيش الشخص في منزل ويرتبط به ولكن احتراق المنزل لا يحتم موت الشخص، فقد يجد طريقه للخارج.

مولر: أنت تقول تفاعلًا متبادلًا، أليس كذلك؟ لكن إذا كانا يتصرفان بنفس الطريقة تمامًا، فلم لا نفترض أن هناك تفاعلًا موازيًا لموت الجسد، وهو موت النفس التابعة له؟ كما رمزت لعملية موت الجسد (Bodily Death) كالاتي:

B1 B2 B3→…→ Bn

نستطيع أن نفترض عملية مصاحبة وهي موت النفس (Soul Death):

S1 S2 S3→…→ Sn

فريدريك: لكن النفس كيان غير مادي، ولا يتأثر بعملية مادية كالموت على خلاف الجسد. وعليه لا يجدر بنا توقع موت النفس بتدمير الجسد.

يبدو أننا وصلنا في الحوار لنقطة جوهرية وهي وجود النفس. دعونا نستكمل الحوار بينهما لاحقًا.

كيف نثبت وجود شيء لا نراه كالنفس؟

الطريقة المعتادة هي افتراض وجود شيء لا نراه لتفسير أشياء نعلم يقينًا أنها موجودة فيما يعرف بالاستدلال على أفضل تفسير. وتصبح الفرضيات مدعومة بالملاحظات المادية التي وضعنا الفرضية لتفسيرها من الأساس [3]. فلم نصدق وجود الذرات مثلا رغم أننا لا نراها؟ ببساطة لأن النظرية الذرية (Atomic Theory) تفسر الانشطار النووي وإطلاق كمية كبيرة من الطاقة وهو أمر شهدناه جميعًا وله فيديوهات كثيرة على الانترنت. هل يوجد جراثيم؟ نعم، فهناك أمراض تتسبب بها الجراثيم ونرى أثر تلك الأمراض علينا. إذن، كي نستنتج وجود النفس، بقي لنا تحديد المشاهدة المادية التي سيكون وجود النفس مفسرًا لها.

لنعد إلى حوار فريدريك ومولر أو حوار الثنائية ووحدة الجسد.

فريدريك: تنطلق حجتي من مسلّمات ثلاث، الأولى أن لدينا إرادة حرة بصفتنا بشرًا. وثانيهما أن لا شيء خاضع للحتمية لديه إرادة حرة. وثالثهما وجوب أن تخضع جميع الأنظمة الفيزيائية البحتة للحتمية. فكل حدث في الكون خاضع لتسلسل منطقي سببي مُحدد سلفًا، ضمن سلسلة غير منقطعة من الحوادث يؤدي بعضها إلى بعض وفق قوانين محددة وثابتة. أؤمن بأنه لا يستقيم وجود الإرادة الحرة والحتمية معًا، وأن أجسادنا تحوي كيانًا غير مادي تنتج عنه إرادتنا الحرة وأفعالنا الواعية. 

مولر: وإذا ثبت الرأي القائل أن الإرادة الحرة مجرد وهم وأننا مُسيرون بالكامل، فهل ضربت حجتك في مقتل؟

فريدريك: ممم، ماذا عن خضوع كل المواد للحتمية؟ إذا ثبت ذلك وثبتت إرادة الإنسان الحرة، فلا يمكن أن يمتلك كيان مادي كالجسد وحده إرادة حرة، لأن تفاعلات المواد تتبع الحتمية. وهكذا النفس -باعتبارها كيانًا غير مادي- وهي المسبب بالتأكيد.

«لم يعد الكون حتميًا كما كان في الفيزياء الكلاسيكية».

ماكس بورن

لاحتمية المواد

مولر: إذن كل ما علي فعله هو نفي صفة الحتمية عن المواد وتوضيح أن المادة تمتلك إرادة حرة وأنها قد تتبرأ من حتميتها، أليس كذلك؟ حسنًا، أستطيع أن أجادل أن الأنظمة الفيزيائية تكون احتمالية في بعض الأحيان وهذا ما يدين به الرياضيّ والفيزيائي الألماني ماكس بورن. اتخذ بورن من ميكانيكا الكم مرجعيته فأي جسم كمي يبدو كنقطة ويتلاشى حينها أي وصف مكاني يعرّفه. وتتمتع الإلكترونات والأجسام الكمومية الأخرى بنوع من الوجود الاحتمالي. لذا يمكن للإلكترون أن يتواجد في أي مكان طالما دخل في حيز دالته الموجية.

يمكن وصف ذلك أيضًا من منظور هايزنبيرج ومبدأ عدم اليقين. فوفقًا لهذا المبدأ، كلما حددنا موقع الجسم الكمي بدقة أكبر قلت قدرتنا على تحديد سرعته على نحو دقيق، والعكس صحيح. لذا ما تقوله ميكانيكا الكم هو أن الجسيم الكمي لا يمكن أن يكون في مكان واحد فقط ولا أن يتحرك بسرعة واحدة فقط [4]. 

أرى أن الحتمية ليست فرضًا على المادة، فهناك مواد تتصرف على نحو عشوائي. وكنتيجة موازية، فالإرادة الحرة ليست حِكرًا على الكيانات غير المادية، فهناك مواد لا تخضع لقانون معين وتنتهج الاحتمالية وعليه يمكننا نسب صفة الإرادة الحرة لها. وأخيرًا أعتقد أنني أسقطت حجتك.

كما رأينا في حوار الثنائيين وممثلهم فريدريك، قامت الحجة على مسلّمات قابلة للنقد وثبت خطؤها. وحتى الآن لا مبرر للاعتقاد بأن الإنسان يتكون من جسد ونفس. وتوافقت الثنائية مع فلسفة رينيه ديكارت، الذي كان يرى أن العقل غير مادي. إذ ميّزه عن الدماغ بأنه موضع الذكاء وهو أول من صاغ مسألة العقل والجسد في صيغتها المعروفة اليوم. بينما كان إيمانويل كانط مؤمنًا بوحدة النفس. أما في نظر أرسطو، فالنفس لا تستقل عن المادة؛ وبذلك فإن النفس توجد بوجود الجسد وتفنى وتنتهي بموته وفنائه. والآن، إلى أي فئة تميل عزيزنا القارئ؟

المصادر

1-Stanford Encyclopedia of Philosophy

2-Encyclopedia.com

3-Yale University

4-Wondrium Daily

دليلك لفهم خوارزمية أدم ADAM التحسينية الأكثر استخدامًا في التعلم العميق

هذه المقالة هي الجزء 12 من 12 في سلسلة أشهر الخوارزميات التحسينية المستوحاة من الطبيعية

اختيارك للخوارزمية التحسينية المناسبة لتدريب نموذجك للتعلم العميق، يعني مباشرة اختيارك جودة ومدة التنفيذ. فاختيارك هذا له الكلمة الفصل في قدرتك على الحصول على نتائج في دقائق، أو ساعات، أو حتى أيام. أو ربما عدم حصولك على نتيجة خلال فترة حياتك. ومن بين هذه الخوارزميات، نجد أن خوارزمية أدم ADAM هي أحد أكثر الخوارزميات التحسينية استخدامًا في مجال التعلم العميق. وتحديدًا في تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية. وقد أشرنا سابقا أن خوارزمية النزول التدرجي ومتحوراتها هم الأكثر استخدامًا في هذا المجال، لكن ما لم نذكره هو أن خوارزمية أدم ADAM هي متحور من متحورات خوارزمية النزول التدرجي. وبالتحديد خوارزمية النزول التدرجي التصادفية Stochastic Gradient descent.

وقد استخدمت خوارزمية النزول التدرجي التصادفية SGD في السنوات الأخيرة بشكل مكثف وكبير في فروع عديدة من الذكاء الاصطناعي، لعل أبرزها هما الرؤية الحاسوبية computer vision، ومعالجة اللغة الطبيعية Natural Language Processing.

ما هي خوارزمية أدم ADAM؟

أصول خوارزمية أدم ADAM

ابتُكرت خوارزمية أدم بهدف استبدال خوارزمية النزول التدرجي التصادفية، وذلك، تحديداً في عملية تدريب نماذج التعلم العميق deep learning. وقد تم اقتراح هذه الخوارزمية من طرف دايديريك كينغما Diederik Kingma رائدة المجال OpenAI و جيمي با Jimmy Ba من جامعة تورونتو سنة 2015 في ورقة بحثية في مؤتمر ICLR باسم “أدم: طريقة للتحسين التصادفي”، Adam: a method for stochastic optimization. تم تسمية هذه الخوارزمية أدم اختصارًا ل: ADAptive Moment estimation <=> ADAM.

مميزات الخوارزمية

في تقديمهم لخوارزمية أدم، وضح الباحثان مميزات هذه الخوارزمية في التعامل مع المشاكل غير المحدبة، أي دالتها الهدف غير محدبة non-convex objective function. من بينها:

  • سهولة تنفيذ الخوارزمية.
  • كفؤة حوسبيًا computationally efficient.
  • استهلاك ضعيف للذاكرة.
  • غير حساسة لإعادة القياس القطري للتدرجات. أي أنها غير حساسة لضرب متجهة التدرج في مصفوفة قطرية موجبة العوامل. لكونها تستعمل المشتقات الجزئية، بدلًا من التدرج الذي تستعمله خوارزمية النزول التدرجي التصادفية.
  • منسابة عند تعدد المتغيرات وكبر عينات البيانات.
  • جيدة مع المشاكل غير الثابتة، أي فضاء البحث متغير بدلالة الزمن.
  • فعالة عند وجود تشويش يؤثر على قيم التدرج.
  • المتغيرات الأساسية في التحكم في التنفيذ، أي المعلمات الفائقة hyperparameters، بديهية ولا تحتاج ضبط معقد. وضبط هذه الأخيرة parameter tuning يعد مشكلةً تحسينيةً هو الأخر، ونستعمل خوارزميات تحسينية لضبطها عند الحاجة.

آلية عمل أدم

تختلف أدم عن خوارزمية النزول التدرجي التصادفية. لكونها تأخذ معدل تعلم بارامتري، أي معدل تعلم يتغير بدلالة متغيرات معينة. معدل التعلم هذا هو حجم الخطوة عند كل دورة تكرار تقليص للدالة الهدف. راجع(ي) المقال السابق لتوضيح أكبر: تعرف على خوارزمية النزول التدرجي الأشهر في الخوارزميات التحسينية.

يتم تحديد معدل التعلم، أو حجم الخطوة هذا، انطلاقا من تقديرات العزم الأول والثاني للتدرج. فيصف الباحثان هذه الخوارزمية بكونها دمجًا بين إثنتين من سابقتيها، واللتان بدورهما من متحورات خوارزمية النزول التدرجي التصادفية وهما:

خوارزمية التدرج المتأقلم

Adaptive Gradient Algorithm، أو AdaGrad: والتي هي الأخرى تستعمل حجم خطوة متغير لتعزيز أدائها في حل المشاكل ذات التدرج الضئيل. ما يعني في التعلم العميق أن الشبكة لا تستقبل إشارات كافية لضبط أوزانها. ومن أمثلة هذه المشاكل نجد: معالجة اللغة الطبيعية NLP، و الرؤية الحاسوبية، وغيرها.

خوارزمية انتشار جذر متوسط المربع

Root Mean Square Propagation، أو RMSPropa: التي أيضًا تستعمل خطوة متغيرة. ذلك التغير، بدلالة متوسط مُضمحل للتدرجات الجزئية. ما يعني أن أداء هذه الخوارزمية جيد عند مواجهتها لمشاكل ذات فضاء بحث متغير زمنيًا، أو عند وجود تشويش يغير من قيم التدرج.

كيف تجمع أدم ADAM فوائد هاتين الخوارزميتين؟

فبدلاً من تكييف معدلات التعلم لمتغيرات الدالة الهدف بناءً على متوسط ​​العزم الأول average first moment كما هو الحال في RMSProp، تستخدم آدم أيضا متوسط ​​العزوم الثانية للتدرجات Uncentered variance.

وباستعمال العزم فإننا نتمكن من التحكم في مقدار النزول التدرجي بطريقة تكون فيها التذبذبات عند أدنى قيمها عند اقترابنا للحل الأمثل، أي تقلص حجم الخطوات كلما أصبحنا أقرب للحل الأمثل. بينما يكون حجم الخطوة معتبرًا عند اقترابنا لحل محلي.

رياضيات

العزم

يستعمل العزم لتسريع النزول التدرجي.

تعبر (t)W عن قيمة الأوزان في لحظة t. يمثل ألفا درجة التعلم، أي حجم الخطوة الحالي. كما تمثل (t)m مجموع التدرجات عند اللحظة t.
تمثل (t)m مجموع التدرجات عند اللحظة t أي الدورة الحالية، بينما (t-1)m تعبر عن هذا المجموع في الدورة السابقة. dL هي مشتقة الدالة الهدف، (t)dW مشتقة الأوزان عند اللحظة t. بيتا هي المتغير المتحرك (مفهوم إحصائي).

انتشار جدر متوسط المربع RMSProp

تمثل ε ثابتة صغيرة لتجنب القسمة على صفر.

أدم

انطلاقا من معادلات الطريقتين أعلاه، نتحصل على:

متجهة العزم الأولى (t)m. متجهة العزم الثانية (t)v.

نظرًا لأن كل من mt و vt قد تم تصفيرهما بدئيًا، وكذلك لكون β1 و β2 تأخد قيم تقارب 1، لوحظ تجريبيًا أنهما يكتسبان تحيزًا نحو الصفر. لإصلاح هذا نقوم بحساب قيم تصحيحية. ويتم حساب هذه القيم أيضًا للتحكم في الأوزان عند قرب وصولنا للحل الأمثل وذلك لمنع التذبذبات عالية التردد. والصيغ المستخدمة هي:

ما يمكننا من استبدال mt و vt بقيم مصححة:

نجد (t)w قيم النقطة الحالية عند اللحظة t.

الأداء العملي

لكونها مبنية على نقاط قوة سابقاتها، فإن خوارزمية أدم ADAM هي أحد أفضل الخوارزميات التحسينية على الإطلاق، وذلك إن لم تكن أصلا أفضلها. فنجد أن هذه الخوارزمية تقدم أداء أعلى بهامش كبير من أداء نظيراتها، بحيث تتفوق عليهم لا من حيث كلفة تدريب النماذج فقط بل ومن حيث الأداء السريع والعالي.

يبين المنحنى أداء مجموعة من الخوارزميات بالمقارنة مع أداء خوارزمية أدم في التدريب التحسيني لشبكة عصبية متعددة الطبقات على صور MNIST. المصدر غووغل.

مصادر

  1. MachineLearningMastery
  2. GeeksforGeeks
  3. Cornell

كيف تطورت العمارة في الدولة المصرية الحديثة؟

تأسّست الدولة المصرية الحديثة عندما طرد الملك أحمس الأوّل الهكسوس من مصر ووحّدها. واستمرّت من الأسرة 18 إلى الأسرة 20 وتقريبًا منذ 1550-1070 ق.م. وتوسّعت عسكريًا على مساحات واسعة. وأطلق الباحثون لقب الفراعنة على ملوك مصر، وقد استخدمت كلمة فرعون لأوّل مرّة في عهد الدولة الحديثة، وعَنَت آنذاك المنزل الكبير.

ومن اللافت للنظر بروز عدّة ملكات لعبن دورًا مهمًا في حكم مصر، كما أسهمنَ في تطوّر العمارة. وأصلح ملوك الدولة المصرية الحديثة العديد من المعابد القائمة والتي تعود للدولة المصرية الوسطى والدولة المصرية القديمة وأضافوا عليها. وشيّدوا مواقع هامّة مثل وادي الملوك الذي ضمّ المقابر الملكيّة. [1][2]

بيت البهجة ومجمّع القصور

بنى أمنحتب الثالث مجمّع للقصور بمساحة 360 هكتار، ويعرف اليوم باسم ملقطة في مدينة الأقصر. وتشير بعض الأدلّة أنّ سبب بنائه هو حاجة الملك لمكان للاحتفالات عند قدوم ممثّلين من دول معروفة في ذلك الوقت، للمشاركة كضيوف رسميّين. ودُعي قصر الملك الأساسي ببيت البهجة، وقسّموه إلى قطّاعين رئيسيّين. وعلى الرغم من المتاهة المبنيّة، يُظهِر القصر تصميم منظّم ومدروس بعناية. فاقتصر القطّاع الشمالي على الأقسام الرسميّة، في حين ضمّ القطّاع الجنوبي الأقسام السكنيّة والمخازن. واحتوى القصر على نظام ممر معقّد وصل بين جميع الأقسام الأساسيّة.

وضمّ المجمّع معبد لآمون، وقصر للملكة ووليّ العهد، ومنازل كبيرة للنبلاء. ووُجد قصر للحريم والخدم، الذي أطلَق عليه بعض المستكشفين عن طريق الخطأ لقب القصر الشمالي. واحتوى المجمّع قاعة للجمهور وساحة للاحتفال وطلّت عليها نافذة الملك في الأعلى حيث ظهر منها عند مقابلة الزوّار في الساحة أدناه. [3]

كيف صمّم المصريون منازلهم في العصر الحديث؟

ضمّ المنزل المصري عادةً 3 غرف تعاقبت مع ازدياد الخصوصيّة إلى الداخل، إضافةً إلى ممر أدّى إلى المطبخ ومنطقة خلفيّة مفتوحة. واحتوى المنزل التقليدي على:

  • غرفة استقبال أماميّة. فُتحَت مباشرةً من الشارع وتقدّمها درج، حيث بني المنزل تقريبًا 40-45 سم أخفض من الشارع. وسيطر على أحد الجدران ضريح مرتفع على شكل مصطبة مستطيلة ارتفعت غالبًا 75 سم، ووصِل إليها عبر درجات. ويرجّح أنها وضِعت لأغراض العبادة في المنازل. بينما قابل المدخل باب أدّى إلى الفراغ الثاني.
  • غرفة استقبال أعلى بدرجة أو اثنتين من الغرفة الأولى. واحتوت على عمود أو عمودين مركزيّين بارتفاع وصل إلى 4.3 م. ووجِد مذبح صغير في هذه الغرفة مع طاولة تقديم الهبات، وصنعوا تماثيل من الفخّار للآلهة المنزليّة. ووضعوا أريكة عائليّة بارتفاع 20 سم.
  • قبو، حفروه أغلب الأحيان تحت غرفة الاستقبال الثانية، وأغلقوه بسطح خشبي.
  • غرفة صغيرة أو اثنتان. واستُخدمَت كغرفة نوم أو غرفة عمل سيّدة المنزل، مع ممر مؤدّي إلى الخلف.
  • مطبخ ومنطقة خدمة مع فرن مقبّب وحوض للعجن ومرفق لتخزين المياه مع مكان لمزار عائلي آخر.
  • درج للسطح، حيث تستريح العائلة أو تخزّن حاجياتها.
  • قبو خلفي، حفروه لتخزين الطعام أو الحبوب.
  • نوافذ، وضعوها عادةً في أعلى الجدران مع سواكف حجريّة أو شبكات خشبيّة.

مسقط ومقطع لمنزل تقليدي في دير المدينة رسمته Helena jaeschke

ونستطيع رؤية أمثلة من هذا المنزل التقليدي في دير المدينة. [3]

بينما سكن الفقراء في منازل تكوّنت من غرفة واحدة، استخدموها غالبًا للتخزين أو القيلولة خلال النهار. ويرجّح أنّ السكان ناموا على الأسطح في الليل، واحتوت أحيانًا على مظلّات من القصب لتشكيل الظلال. واحتوى المنزل على ساحة خلفيّة، وارتفع في أماكن أخرى بحوالي 1.2 م عن الأرض لمنع الغبار من الدخول.

بينما احتوت منازل الأغنياء أحيانًا على 30 غرفة، استخدموا معظمها لتخزين الأطعمة. وعلى الرغم من وجود أنابيب من الحمّام إلى الحديقة الخلفيّة إلّا أنّه لم تتوفّر مياه جارية في المنازل. [4]

الشكل النهائي للمعابد الدينيّة في الدولة المصرية الحديثة

تطوّرت المعابد الدينيّة في عهد الدولة المصرية الحديثة بشكل ملحوظ، واختلفت عن المعابد في عهد الدولة المصرية القديمة. واتّبعت نهجًا تطوّر على مدى قرون خلال تعاقب ملوك الأسر. فاستمرّوا بإضافة عناصر إلى المعابد في كثير من الأحيان لتصبح أخيرًا مجمّعات هائلة. ويمكن رؤية العناصر الأساسيّة للمعابد الدينيّة في معبد الأقصر الذي بدأه أمنحتب الثالث وخصّصه لآمون.

وقد أدّى ممر بين تماثيل لأبي الهول برؤوس كباش “طريق الكباش” إلى المدخل الذي شيّدوه على شكل بوّابة مرتفعة أحيط بها برجان عاليان وتدعى «بيلون-Pylon». وقد زوّدوها بسواري للأعلام وتموضعت أمامها زوج من المسلّات وتماثيل ضخمة للملك.

ممشى أبو الهول “طريق الكباش” ويظهر البيلون خلفه في معبد الكرنك

وبعدما عبر المصلّون من البيلون وصلوا إلى ساحة أدّت إلى قاعة أعمدة رئيسيّة وقد تأتي بعدها قاعة أخرى أصغر حجمًا من أجل تقديم الهبات. ووجِد المذبح في قلب المعبد وبنوا بالإضافة إلى ذلك غرف للتخزين وحفروا خارج المعبد الرئيسي بحيرة أو بئر للمياه من أجل الطقوس اللازمة. وبُني في أوقات لاحقة مبنى للاحتفال بالولادة الإلهيّة للملك ويدعى بيت الولادة. وتمّ احتواء كل المباني الخدميّة بواسطة جدار ضخم من الطوب الطيني. [5]

معبد أبو سمبل

أبرز نصب بناه رمسيس الثاني هو بلا شك المعبد المكرّس لآمون رع في أبو سمبل. ويقع على الضفّة الغربيّة للنيل في أسوان حاليًا. وعلى الرغم من أنّ المعبد محفور في الصخر. ولكن يتبع الهيكل عمومًا مخطّط المعبد المصري المعتاد.

وتظهر أربعة تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني وهو جالس على وجه الجرف، وكلّ منها بارتفاع 21م، اثنان على كلا جانبي المدخل. ونحتوا شخصيّات صغيرة بينها مَثّلت عائلته. وامتدّ المعبد داخل الصخر حوالي 64 م. وتَلَت المدخل قاعة أعمدة كبيرة تخلّلتها غرف للتخزين. وتمّ الانتقال من القاعة بشكل محوري إلى قاعة أعمدة ثانية، وثمّ إلى قاعة ثالثة. وبعدها حفروا الحرم المقدّس في الصخر.

ووجّهوا المعبد بدقّة بالغة بحيث تعبر أشعة الشمس إلى الحرم المقدّس يومين في السنة (22 فبراير و22 أكتوبر). وتضيء ثلاثة تماثيل جالسة على مقعد. ويعتقد المؤرّخون أنّ هذين التاريخين يمثّلان تتويج الملك وولادته. وبُني معبد آخر أصغر لزوجته نفر تاري شمال المعبد الرئيسي.

ونجا المعبد خلال العصور القديمة ليواجه تحدي الغرق في الستينيات. وذلك بسبب ارتفاع مستوى مياه نهر النيل بعد قرار بناء السد العالي. فنُقل المعبد على هضبة صحراويّة بارتفاع 64م وامتداد 180م غرب موقعها الأصلي. وقد قطّعوا المعبد إلى أجزاء ترواح وزنها بين 20-3 طن، وأعادوا تجميعها في الموقع الجديد. وشارك بالعمل حوالي 3000 شخص من دول متعددة واستغرق الأمر تقريبًا 5 سنوات. [6][7]

مدخل معبد أبو سمبل ويعود للدولة المصرية الحديثة

وادي الملوك

يقع وادي الملوك في مصر العليا على الضفّة الغربيّة للنيل، ويعتبر موقع دفن تقريبًا لكل ملوك الدولة المصرية الحديثة. وضمّ الموقع كذلك قبور للملكات وبعض الأمراء وعدد قليل من المسؤولين ذوي الرتب العالية. واختلفت تصاميم المقابر اختلافًا كبيرًا، ولكنّها تكوّنت بشكل عام من ممر نازل تخلّله فتحات عميقة استُخدمت من أجل تضليل اللصوص. وحفروا غرفة أعمدة وغرفة الدفن وغرفة أخرى للتخزين.

وتعود أطول مقبرة للملكة حتشبسوت، فتبعد غرفة الدفن ما يقارب 215 م عن المدخل، وتنزل 100 م في الصخر. [8]

وقد أخفى البنّاؤون مداخل المقابر بشكل جيّد إلّا أنّه من المرجّح أنّ أغلب المقابر الملكيّة المعروفة قد سُرقت قبل نهاية الأسرة 20. وتشهد السجلّات المصريّة على محاكمات اللصوص والعقوبات القاسية التي صدرت ضدّهم. واعتقد الكثيرون أن المقابر ال 62 التي تمّ اكتشافها قبل عام 1922م مثّلت كلّ ما يمكن العثور عليه في الوادي. حتى اكتشاف قبر توت عنخ آمون الذي نجا من النهب.

وحديثًا عام 2005 عثر المنقّبون على قبر غير معروف وبدون مومياء. رجّح الباحثون بعدها وجود مقابر قريبة لم تكتشف بعد. وخاصّةً أنّه لم يتمّ العثور بعد على قبر رمسيس الثامن. [9]

يمشّط منذ قرون سارقو القبور، وصائدو الكنوز، وعلماء الآثار وادي الملوك. ولكن حتّى الآن لا يزال الموقع يجلب العديد من المفاجآت. فما الذي خبّأته لنا عمارة الدولة المصرية الحديثة أيضًا؟ حسنًا هذا ما سنعرفه مع الزمن.

المصادر

  1. Live science
  2. History
  3. Staffsites.sohag_univ
  4. Ancient Egypt
  5. Britannica
  6. Britannica
  7. Live science
  8. Britannica

9.National geographic

ما هو انقراض اللغات وكيف يحدث؟

إن الإنسان يحوز كينونته في شبكة علاقاته مع الآخرين، حيث أن الحديث عن الفرد هو حديث عن التخوم التي تضعه مع الآخرين. بذا، فأن أبرز ما يميز وجود الفرد الإنساني هو كونه يحمل هوية تصونها لغة ما. فكما أنه يستحيل مناقشة الإنسان خارج هويته، فالهوية نفسها لا يمكن اخضاعها للمناقشة في غياب لغة تصونها. ما يجعل من علاقة الفرد-الهوية-اللغة تبدو مقلقة هو أنه لا ضمان مع اللغة، فهي كأي عنصر من العناصر تمتثل لحكم الطبيعة. حيث تكون اللغة قابلة للزوال، التفكك والتحول. وفي هذا المقال سنسلط الضوء على ظاهرة انقراض اللغات.

ماذا نعني بانقراض اللغات؟

يبدو أن سردية الانقراض دخلت الفضاء النقاشي العام من باب التاريخ البيولوجي المادي؛ فالأبواب أمام الانقراضات الثقافية لا تنفتح إلا في سبيل المبالغة الإقصائية. ثمة تصورات عامة عن فناء الديناصورات وغيرها من الكائنات قدمها الإعلام العلمي، بيد أن انقراض لغة ما ليس من السهل تصوره. فهل يمكن أن يستيقظ المرء على خبر انقراض لغة ما؟ يحمل هذا السؤال نوع من التعقيد، فاللغات تموت بطرق مختلفة وبميتات متباينة. ففي عام 2008 توفيت السيدة ماري سميث في آلاسكا كآخر المتحدثين بلغة (إياك –  Eyak) في حين إن لغات أخرى (مثل اللاتينية والإغريقية القديمة) ماتت ميتة مغايرة1.

كما أن انقراض الديناصورات يعني موت آخر ديناصور؛ كذلك فأن انقراض لغة ما تعني موت آخر المتحدثين بها. تنقرض اللغة عندما تكف عن القول من خلال الآخرين، فهي تنسحب من المشهد اللغوي والتواصلي لصالح لغة أخرى2.

يعتقد بعض الناس ومن العلماء أيضًا بأن انقراض لغة ما هو حيقية من واقع الحياة على كوكب دائم التطور، بينما يرى آخرون أن ذلك لا يبرر سكوتنا عن فقداننا للغات، فيجب حمايتها لكونها تجعل منا بشرًا1.

أسباب وكيفية انقراض اللغات

  1. الهجرة:
    عندما تهاجر مجموعة لغوية إلى بلد آخر فثقافتها بالمجمل وتحديدًا لغتها تكون مهددة، ذلك لأن الدول تفرض لغتها أو على الأقل لا تعطي أولوية للغة المجموعة المهاجرة. كما أن إيجاد فرص العمل والدراسة يدفع بالمهاجرين إلى التركيز على لغة البلد الجديد، بالإضافة إلى التعاملات اليومية3.
  2. العولمة:
    إن الأقليات اللغوية لم تعد قادرة على الاعتماد الذاتي في توفير متطلبات الحياة اليومية؛ عليها الانخراط في النشاطات العالمية. الصيغة المعولمة لنظام العالم تفترض هيمنة لغات معينة، وعندما تصبح لغة ما مهيمنة فأن دائرة اهتمامات الأقليات اللغوية تغدو أضيق في إطار لغتها، وعليها بالتالي الاستسلام للغة المهيمنة. اللغة ليست كينونة جامدة، ما أن تكف عن الإنتاج الاصطلاحي يقتضي عليها فتح الباب أمام مفردات لغوية من اللغة المهيمنة. مع مرور الوقت تتعامل الأقلية اللغوية مع لغتها كلغة ثانوية إلى أن تختفي.
  3. الاضطهاد:
    إن الحروب والاضطهادات العرقية لا تشمل الاقصاء الفيزيائي وحسب، بل أنها موجهة بشكل ممنهج ضد الرأسمال الثقافي أيضًا. والعدواة بين المجموعات، لطالما تكون إقصائية، فمحو الهوية الخاصة دائما يصبح الهدف الرئيس، فالناس يعيشون داخل لغاتهم. في القرن العشرين ، تم إرسال العديد من الأطفال الأمريكيين الأصليين في كندا والولايات المتحدة إلى المدارس الداخلية ، حيث يُمنعون غالبًا من التحدث بلغتهم الأصلية. اليوم ، لا يزال العديد من الأمريكيين الناطقين باللغة الإنجليزية معاديين لغير الناطقين بالإنجليزية ، وخاصة الإسبان. لا يزال الاضطهاد الشديد يحدث أيضًا. في أغسطس الماضي ، ألقي القبض على عالم لغوي في الصين لمحاولته فتح مدارس تدرس لغته الأم ، الأويغور. لم يسمع عنه منذ ذلك الحين1.
  4. متوسط العمر:
    إن المورثات الثقافية (Memes) تحافظ على ديمومتها من خلال تمريرها بين الأجيال، واللغة من بين أكثر الميمات التي تحتاج إلى التمرير. عندما يتوقف الأطفال عن التحدث بلغتهم تكون تلك اللغة مهددة، وبعض اللغات في عالمنا الحالي موجودة فقط عند المسنين، ومع موتهم ستموت لغتهم بدورها2.

وتيرة الانقراض:

هناك أكثر من 7000 لغة على الأرض، ومع ذلك فإن نصف سكان العالم البالغ عددهم 7.6 مليار نسمة يتحدثون 24 لغة فقط و 95% يتحدثون 400 لغة فقط. هذا يترك خمسة بالمائة من سكان العالم منتشرين عبر 6600 لغة مختلفة ، المئات منها يتحدثها الآن أقل من عشرة أشخاص. (سيكر). وحسب بعض التقديرات، قد تختفي 80٪ من لغات العالم خلال القرن القادم2.

في فترة 1950-2010 دخلت 230 لغة إلى قائمة اللغات المنقرضة، هذا يعني أن حدث الانقراضات اللغوية شائع بشكل مخيف. والجدير بالذكر هو أن معظم هذه اللغات المنقرضة تعود إلى السكان الأصليين في الأمريكتين وأستراليا، لأسباب كولونيالية على الأغلب. ومن بين اللغات المنقرضة في الولايات المتحدة2:

  • إياك: انقرضت هذه اللغة في عام 2008.
  • يانا: كانت لغة شعب ياهي الأصليين في كاليفورنيا، انقرضت عام 1916.
  • تونيكا: 1930
  • تيلاموك وسويسلاو: انقرضتا في السبعينات القرن الماضي.

هناك موسوعات للغات المنقرضة ويمكن الإطلاع عليها (هنا) و (هنا).

انقراض اللغة العربية

مع أن اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي والدول العربية وهي أيضًا منتشرة في بلدان غير عربية فضلًا عن ثراء المكتبة العربية. بيد أن وجود أكثر من 422 مليون متحدث بالعربية لا يمنع من إحتمالية موت لغة الضاد. يرى بعض الباحثين إن ذلك محتمل جدًا في المستقبل القريب لأسباب مختلفة. فاللغة العربية الفصحى باتت لغة في المتحف الورقي، إذ أن اللهجات العامية هي المستخدمة بين الناس، وثمة هوة كبيرة بين العربية الفصحى واللهجات. وما يؤكد إنسحاب الفصحى من المشهد العربي اليومي هو أن الحديث بالفصحى يوحي بنوع من الاغتراب.

كما أن الذين يؤيدون فرضية انقراض اللغة العربية يأخذون عليها جمودها -حسب زعمهم- فهي لا تقدم إسهامات معرفية وعلمية في وقتنا الحاضر. ومن جهة أخرى، يرى البعض أن الفصحى باتت لغة خارجة عن السيطرة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية أيضًا، إذ أن الأخطاء النحوية وغيرها متشرة بشكل رهيب في الكتب والخطابات. إذا ما أخذنا التطورات التكنولوجية والعلمية المتسارعة بعين الإعتبار، فكما أن الكثير من الوظائف والآلات الحالية ستنقرض، فاللغات أيضًا ومنها العربية قد تنقرض في المستقبل القريب، أو قد تموت ميتة هادئة كالأغريقية القديمة واللاتينية4.

ماذا نخسر من خسارة لغة؟

إن اللغات تعدو أن تكون أداة للتواصل ونقل المعارف، فهي أكثر من وسيط. للغات وظائف أخرى يمكن استثمارها كأحفورات ثقافية، حيث يمكنها أن تساعدنا في فهم التطور المعرفي والإدراكي. من جانب آخر فكل لغة هي فضاء معرفي وطريقة معينة في التفكير، فحتى اللغات الفقيرة معجميًا تقدم تأويلات معرفية للعالم. كذلك إن موت لغة ما لا يعني مجرد التوقف عن الحديث بها بل ضياع تراث أدبي وديني وغنائي أيضًا. إن السماح بانقراض اللغات لا يختلف عن الابادات الجماعية، بمجرد أن تموت لغة يموت معها شعبهًا معنويًا5.

حماية اللغات من الانقراض

يجاهد اللغويين لتوثيق وأرشفة اللغات المحتضرة، ذلك من خلال وضع القواميس وتسجيل وأرشفة التقاليد الشعبية كذلك ترجمتها. عملية الأرشفة ستساعد في الشعوب في تنشيط لغاتها مستقبلًا. لغة شيروكي مثلًا كانت مهددة بالانقراض، فقام باحث بإنشاء مدرسة لشعب شيروكي ودرس فيها إلى أن أصبحت لغة تدرس في جامعة محلية6..

اقرأ أيضًا نظرية وظائف اللغة

المصادر

  1. BBC
  2. ils Translations
  3. day translations
  4. hafryat
  5. seeker
  6. linguistic society

الحرب البيولوجية سلاح في يد العلماء تظهر جانبهم المظلم

هذه المقالة هي الجزء 7 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

لطالما اتبع الإنسان كل الطرق الأخلاقية واللا أخلاقية في الحروب. فتحقيق النصر والغلبة كان الهدف الوحيد حتى ولو على حساب بشر ومخلوقات بريئة لا ناقة لها في تلك الحروب ولا جمل. وتميل الجيوش والدول إلى اللجوء إلى الأساليب الأرخص والأسرع والأكثر بطشًا. فلجأت إلى استعمال الأسلحة البيولوجية (القنبلة الذرية للرجل الفقير)  فكانت الحروب البيولوجية وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

ما هي الحروب البيولوجية؟

الحرب البيولوجية هي الاستخدام المتعمد للكائنات الحية، أو السموم المشتقة منها. والتي تسبب المرض أو الموت للإنسان أو الحيوانات أو النباتات، في نزاع أو هجوم إرهابي. [1]

استخدم الإنسان السموم لأغراض الاغتيال منذ فجر التاريخ. ليس فقط ضد الأعداء الأفراد ولكن أيضًا ضد الجيوش أحيانًا. ومع ذلك، فإن تأسيس علم الأحياء الدقيقة من قبل لويس باستير وروبرت كوخ قدّم آفاقًا جديدة للمهتمين بالأسلحة البيولوجية. إذ سمح باختيار العوامل وتصميمها بالطرق العلمية. [2] مما نقل الحروب البيولوجية إلى مستوى آخر بسبب تلك الأسلحة.

وبالإضافة إلى التطبيقات العسكرية الاستراتيجية أو التكتيكية. يمكن استخدام الأسلحة البيولوجية في الاغتيالات السياسية. وإصابة الماشية أو المنتجات الزراعية للتسبب في نقص الغذاء والخسارة الاقتصادية. وخلق كوارث بيئية، وانتشار المرض والخوف وانعدام الثقة بين الحكومة والشعب. [4]

وأنواع الأمراض اللي تستخدم كأسلحة كثيرة، ومنها أنواع قد انقرضت بالفعل تم تخزينها في مختبرات في الكثير من الدول أو قديمة تمت تطويرها في مختبرات سرية.

أنواع الأوبئة المستخدمة كأسلحة بيولوجية

يمكن استخدام أي كائن حي مسبب للأمراض (مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات أو البريونات أو الريكتسيا). أو السموم مثل السموم المشتقة من الحيوانات أو النباتات أو الكائنات الحية الدقيقة أو المواد المماثلة المنتجة صناعياً في الأسلحة البيولوجية. ويمكن تطويرها لجعلها أكثر ملاءمة للإنتاج الضخم والتخزين والنشر كأسلحة.[4]

واستخدم الإنسان الأوبئة المعدية كالطاعون عبر التاريخ. لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت أي من هذه الهجمات قد تسببت في انتشار المرض.[3] ومن أشهر الأنواع التي استخدمت في العصور الحديثة هي الجمرة الخبيثة التي استخدمت منذ الحرب العالمية الأولى وحتى مطلع القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. والحمى النزفية التي يسببها الفيروس كفيروس إيبولا وغيره.[3] ومرض الجدري الذي تثير احتمالات انتشاره مخاوفًا حقيقية وخاصة مع تضاؤل عدد الناس الملقحين ضده، [2] ومرض التولاريميا، وداء البروسيلات، والكوليرا، والتهاب الدماغ، والتسمم الغذائي، والرعام والببغائية وحمى كيو، والتيفوس، والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المختلفة. [3]

وتتكون الأسلحة البيولوجية بشكل عام من جزئين، العامل المسبب للمرض وطرق نقله.

أنظمة نقل الأسلحة البيولوجية

يمكن أن تتخذ أنظمة نقل الأسلحة البيولوجية عدة أشكال. وقد صنعت برامج صناعة الأسلحة البيولوجية قنابل يدوية وصواريخ من أجل إيصال أسلحة بيولوجية لوجهتها. كما صممت عدد من البرامج خزانات الرش لتركيبها في الطائرات والسيارات والشاحنات والقوارب. كما كانت هناك جهود موثقة لتطوير أجهزة توصيل لعمليات الاغتيال أو التخريب. بما في ذلك مجموعة متنوعة من البخاخات والفرش وأنظمة الحقن. وكذلك وسائل تلويث الطعام والملابس.[4] وطوِّرت الصواريخ البالستية العابرة للقارات المحملة بالأمراض أيضًا.

وعلى الرغم من قبح هذه الأسلحة إلّا أن العديد من الدول استخدمتها في حروب شاملة وهناك العديد من الأمثلة عليها في التاريخ.

الحروب البيولوجية في العصور التاريخية القديمة

الحرب البيولوجية قديمة قدم الحضارة ويشير هذا التسلسل التاريخي إلى بعض الأمثلة:

  • في عام 1155 قام الإمبراطور بربروسا بتسميم آبار المياه بالجثث البشرية في مدينة تورتونا في إيطاليا.
  • وفي عام 1346  قذف المغول جثث ضحايا الطاعون فوق أسوار مدينة كافا، في شبه جزيرة القرم.
  • في عام 1763 وزّع البريطانيون بطانيات مرضى الجدري على الأمريكيين الأصليين.
  • وفي عام 1797 غَمر نابليون السهول حول مانتوا بإيطاليا لتعزيز انتشار الملاريا.
  • وفي عام 1863 باع الكونفدراليون ملابس مرضى الحمى الصفراء والجدري لقوات الاتحاد في الولايات المتحدة الأمريكية.

أمّا في العصور الحديثة فقد اختلفت الأسلحة والاستراتيجيات المختلفة في الحرب حيث بدأت الدول بتطوير منظومات متكاملة وخاصة مع تصاعد الحرب الشاملة وصولًا إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي وصلت فيها الحرب البيولوجية إلى الذروة. وزادت الحرب الباردة من حدّة السريّة وخاصة بعد ظهور الحلول الدبلوماسية والقانونية من معاهدات واتفاقيات وغيرها. واستعملت كل من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان الأسلحة البيولوجية بطرق وحشية مختلفة.

الحرب البيولوجية الألمانية

كان الجيش الألماني أول من استخدم أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية، خلال الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من أن هجماتها بالأسلحة البيولوجية كانت على نطاق صغير إلى حد ما، لم تحقق نصرًا ساحقًا في عمليات سرية باستخدام كل من الجمرة الخبيثة والرعام. وبإصابة الحيوانات مباشرة أو تلويث علف الحيوانات في العديد من البلدان المعادية لها.[3] ما دفع الدول الأوربية إلى تشكيل برامج سلاح مماثلة لمواجهتها، وعلى رأسها بريطانيا.

الحرب البيولوجية البريطانية

تبيّن في الأمثلة السابقة أن البريطانيون كانوا سبّاقين إلى اعتماد الأمراض كسلاح فتّاك، وتحديدًا بعد انتهاء الحرب بلا تحقيق سلام شامل. بالإضافة إلى تقارير استخباراتية كاذبة ومقلقة، حرّضت دول أوروبية مختلفة على برامج الحرب البيولوجية الخاصة بها، قبل وقت طويل من اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها المملكة المتحدة، التي أطلقت برنامج أبحاث الأسلحة البيولوجية. حيث أنشأ السير فريدريك بانتينج، مكتشف الأنسولين الحائز على جائزة نوبل، ما يمكن تسميته بأول مركز أبحاث خاص للأسلحة البيولوجية في عام 1940 بمساعدة رعاة من الشركات. كما قامت بريطانيا بالضغط على حلفائها الفرنسيين والأمريكيين للقيام بتجارب وأبحاث مشابهة خشية هجوم بيولوجي تشنّه ألمانيا.

وعلى الرغم من أنّ النازيين لم يفكروا بجديّة في استخدام الأسلحة البيولوجية إلّا أنّ حلفاءهم اليابانيين كانوا شرسين وعديمي الرحمة في تجاربهم وهجماتهم البيولوجية.[3]

الحرب البيولوجية اليابانية على الصين

شرع اليابانيون في برنامج واسع النطاق لتطوير أسلحة بيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية. واستخدموها في النهاية في غزوهم للصين. حيث اعتقد والد برنامج الأسلحة البيولوجية الياباني، القومي الراديكالي شيرو إيشي قائد الوحدة 731 المسؤولة عن تنفيذ الهجمات البيولوجية [5]. أن مثل هذه الأسلحة ستشكل أدوات هائلة لتعزيز الخطط الإمبريالية اليابانية.

وعندما أصبح رئيسًا لبرنامج الأسلحة البيولوجية الياباني خلال تلك الفترة، قتل ما يصل إلى 600 سجين سنويًا في تجارب بشرية في واحد من مراكزه ال26 فقط ليصنف كسفاح. كما اختبر اليابانيون ما لا يقل عن 25 من العوامل المسببة للأمراض المختلفة على السجناء والمدنيين الأبرياء. وخلال الحرب، سمم الجيش الياباني أكثر من ألف بئر مياه في القرى الصينية لدراسة تفشي الكوليرا والتيفود. وأسقطت الطائرات اليابانية البراغيث الموبوءة بالطاعون فوق المدن الصينية وربما تكون قد وزعتها عن طريق المخربين في حقول الأرز وعلى طول الطرق. واستمرت بعض الأوبئة التي تسببت فيها لسنوات وقتلت نحو أكثر من 30 ألف شخص في عام 1947.

كان اليابانيون معروفين بشراستهم وبطشهم ولجوئهم إلى أعنف الأساليب في القتال، وظهر ذلك جليًا في معركتهم ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية.

الحرب البيولوجية اليابانية على الولايات المتحدة الأمريكية

طوّر الجيش الياباني خطة يائسة لمهاجمة الساحل الغربي لأمريكا بأسلحة بيولوجية. وبدأ كل شيء خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، نتيجة اقتراب قوات الحلفاء من الجزر اليابانية. مما جعل قيادة الجيش الإمبراطوري الياباني أكثر يأسًا من أي وقت مضى لوقف تقدمهم، فاضطرت لأن تلجأ لكل الفرص المحتملة للفوز. فلجأت لهجمات “بانزاي” الجماعية ضد القوات الأمريكية. كما اعتمدت على هجمات كاميكازي الانتحارية بكثرة. وكانت تلك من الأساليب التي أتبعتها في أقصى درجات يأسها من الفوز.

وعلى الرغم من صرامة تلك الأساليب التي تسببت في خسائر كبيرة في صفوف الحلفاء المتقدمين، إلا أنها لم توقفهم. وبعد معارك أوكيناوا وإيو جيما، كان الحلفاء على أعتاب الجزر اليابانية، يستعدون لغزو جماعي.

في تلك الأيام الأخيرة اليائسة من الحرب، توصل اليابانيون إلى خطة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تشكل جريمة حرب وهي مهاجمة جنوب كاليفورنيا بأسلحة بيولوجية. وكان إنجاز تلك المهمة على يد الوحدة 731 سيتطلب نشر أكبر غواصات تم صنعها سرًا على الإطلاق لتغطية آلاف الأميال قبل الصعود إلى السطح لإطلاق طائرات من شأنها إسقاط الأسلحة البيولوجية على مدن أمريكية غير متوقعة.

وتم تجهيز خمس غواصات طويلة المدى جديدة من فئة I-400، وهي أكبر الغواصات التي تم بناؤها حتى عصر الغواصات النووية البالستية في الستينيات. كان من المخطط لها أن تسافر من اليابان إلى كاليفورنيا حاملة كل واحدة منها ثلاث طائرات من طراز آيتشي M6A. وبمجرد الاقتراب من سان دييغو، ستطلق الغواصات الطائرات المسلحة بقنابل تحتوي على براغيث مصابة بالطاعون. وكان من المقدر لها أن تصبح مهمة انتحارية، لعدم وجود فرصة تقريبًا لبقاء الطيارين أحياء، وفرصة صغيرة لبقاء الغواصات وأطقمها على قيد الحياة.

تم التخطيط لإطلاق العملية في 22 سبتمبر 1945. ولكن في 6 و 9 أغسطس، ألقت الولايات المتحدة قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين على التوالي، فاستسلمت اليابان في 15 أغسطس. [5] وانتهت العملية التي لم يكن ليعلم مدى الأذى الذي كانت ستسببه للولايات المتحدة الأمريكية.

بعد فترة طويلة من استسلام اليابانيين، استخدمت قوات إيشي أيضًا بعض عملائها ضد الجيش السوفيتي. لكن لم يؤكد ما إذا كانت الإصابات في كلا الجانبين ناجمة عن هذا الانتشار المتعمد للمرض أو عن طريق العدوى الطبيعية.

وبعد انتهاء الحرب، أدان السوفييت بعض الباحثين اليابانيين في مجال الحرب البيولوجية بارتكاب جرائم حرب. لكن الولايات المتحدة منحت الحرية لجميع الباحثين في مقابل الحصول على معلومات عن تجاربهم البشرية. [3]

حرب الولايات المتحدة الأمريكية البيولوجية

ركّز الجهد الرئيسي خلال الحرب العالمية الثانية على تطوير القدرات لمواجهة هجوم ياباني بأسلحة بيولوجية. لكن الوثائق تشير إلى أن الحكومة الأمريكية لم تركّز على الدفاع فحسب بل ناقشت فكرة الهجوم أيضًا، وقامت بالعديد من التجارب، كاستخدام الأسلحة المضادة للمحاصيل. و بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، شرع الجيش الأمريكي في اختبارات في الهواء الطلق. حيث عرّض حيوانات الاختبار والمتطوعين من المدنيين الأبرياء لكل من الميكروبات المسببة للأمراض وغير المسببة للأمراض. كما أدى إطلاق البكتيريا من السفن البحرية قبالة سواحل فرجينيا وسان فرانسيسكو إلى إصابة العديد من الأشخاص. بما في ذلك حوالي 800 ألف شخص في منطقة باي وحدها. وتم إطلاق الهباء الجوي الجرثومي في أكثر من 200 موقع. وكان الاختبار الأكثر شهرة هو تلوث نظام مترو نيويورك عام 1966 ببكتيريا جلوبيجي العصوية. وهي بكتيريا غير معدية تستخدم لمحاكاة إطلاق الجمرة الخبيثة، لدراسة انتشار العامل الممرض في مدينة كبيرة.[3]

خلال الحرب، أطلقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي برامج أسلحة بيولوجية واسعة النطاق. تضمنت تلك البرامج تطوير بخاخات رذاذ قادرة على إيصال العوامل البكتيرية والفيروسية بالطائرة أو الصواريخ الباليستية. [2]

وفي الواقع، كان الاتحاد السوفييتي سبّاقًا إلى تلك البرامج، ونفذّ تجارب تسببت بخسائر بشرية فادحة.

حرب الاتحاد السوفييتي البيولوجية

على الرغم من توقيعهم على اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية. فقد أسس الاتحاد السوفيتي برنامج ” Biopreparat” أي الاستعداد البيولوجي. وهو مشروع حرب بيولوجي عملاق، وظّف في ذروته أكثر من 50 ألف شخص في مختلف مراكز البحث والإنتاج. كان حجم ونطاق جهود الاتحاد السوفييتي مذهلين حقًا، فقد أنتجوا وخزنوا أطنانًا من عصيات الجمرة الخبيثة وفيروس الجدري. بعضها لاستخدامه في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. إضافة إلى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المختلفة، بما في ذلك الطاعون. كما عملوا على فيروسات الحمى النزفية المسببة لمرض إيبولا، وهي بعض أكثر مسببات الأمراض فتكًا التي واجهتها البشرية.

لكنّ تلك التجارب تسببت في وفيات كثيرة لمواطني الاتحاد. حيث في عام 1971، تفشى مرض الجدري في مدينة أرالسك الكازاخستانية وقتل ثلاثة من الأشخاص العشرة المصابين. و يُعتقد أنهم أصيبوا من مركز أبحاث الأسلحة البيولوجية في جزيرة صغيرة في بحر آرال. [3] وفي عام 1979، قتل 100 شخص وعدد لا يحصى من الماشية بعد الإطلاق العرضي لجراثيم الجمرة الخبيثة من مصنع للأسلحة البيولوجية في مدينة سفيردلوفسك الروسية.[2] إضافة إلى بيع لحوم مسمومة من حيوانات ملوثة بالجمرة الخبيثة في السوق السوداء حيث تم الكشف في النهاية أنه كان بسبب حادث في مصنع للأسلحة البيولوجية. كانت السرية المحيطة بهذا البرنامج مذهلة للغاية، وخاصة في فترة الحرب العالمية الثانية.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، توقفت معظم هذه البرامج وتم التخلي عن مراكز البحث أو تحويلها للاستخدام المدني. ومع ذلك، لا يعلم أحد ما الذي يعمل عليه الروس اليوم وماذا حدث للأسلحة التي أنتجوها. و يخشى خبراء الأمن الغربيون الآن من أن بعض مخزونات الأسلحة البيولوجية ربما لم يتم تدميرها أو قد تكون سقطت في أيدٍ أخرى. ويتصاعد اليوم الخوف من استخدام الأسلحة البيولوجية كسلاح للإرهاب الدولي، وقد حدث ذلك سابقًا.[3]

هل استخدام الأسلحة البيولوجية حكر على الحكومات؟

الإجابة هي قطعًا لا، فلا يتطلب إنتاج الأسلحة البيولوجية أكثر من عالم خبير ومختبر مزوّد بالمعدات اللازمة. فالخرائط الجينية للفيروسات والبكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى القاتلة متاحة بالفعل على نطاق واسع في المجال العام. على سبيل المثال، نشرت مجلة علمية رائدة الشفرة الوراثية الكاملة لمسببات الكوليرا.

ويعمل الباحثون على رسم خرائط الجينوم لأكثر من 100 ميكروب آخر. بما في ذلك البكتيريا التي تسبب الجمرة الخبيثة والطاعون. فأي عالم يملك رغبة التدمير يمكنه استخدام هذه المعلومات لمحاولة استنساخ سلالات شديدة الضراوة من البكتيريا والفيروسات.

وهناك الكثير من علماء الأحياء المجهرية في العالم الذين يتقاضون أجورًا منخفضة. والذين قد يكونون متحمسين للعمل مع عملاء عديمي الضمير. مما ينتج “أمراض مصممة” غير قابلة للشفاء، مثل الجمرة الخبيثة المقاومة للبنسلين، أو “الفيروسات الخفية” التي تصيب المضيف ولكنها تبقى صامتة حتى يتم تنشيطه بواسطة محفز خارجي. كالتعرض لمادة كيميائية غير ضارة في العادة. [2]

إضافة إلى أن وجود مخزون لدى الدول من الأمراض كالجدري مثلًا قد يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت. حيث قام كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية بتخزين الكثير من الجمرة الخبيثة.[2] ووقوع هذه المخازن في الأيدي الخطأ قد يتسبب في كارثة إنسانية حقيقية.

علي سبيل المثال، تسبب الهجوم بغاز السارين عام 1995 داخل مترو أنفاق طوكيو من قبل طائفة نهاية العالم اليابانية أوم شينريكيو، بمقتل 13 شخصًا وإدخال الآلاف إلى المستشفيات. إضافة إلى سلسلة من الهجمات الفاشلة عبرالتسمم الغذائي والجمرة الخبيثة بالقرب من القصر الإمبراطوري، ومطار طوكيو وقاعدتين عسكريتين أمريكيتين. [2]

كما نشرت طائفة دينية السالمونيلا التي أدت إلى انتشار التهاب الكبد والالتهابات الطفيلية والإسهال الشديد والتهاب المعدة والأمعاء، في الولايات المتحدة للتدخل في الانتخابات المحلية.[3]

وللأسف لا تعدّ الهجمات الإرهابية رغم سوءها المخاطر الوحيدة للجوء الحكومات والجماعات والأفراد إلى هجمات الحرب البيولوجية.

مخاطر الحرب البيولوجية

لا تتضمن اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية آليات للتحقق. لذا يمكن لأي دولة أن تتهم دولة أخرى بوجود السلاح لديها. فبالرغم من أنّ العديد من هذه المزاعم قد تبين أنها خاطئة فيما بعد. لكن تم استغلالها إما كدعاية أو كذريعة للحرب، كما شوهد مؤخرًا في حالة حرب العراق. [3] أو الحرب الروسية الأوكرانية مع اتهام روسيا لأوكرانيا بأنها تستخدم الطيور لشنّ هجمات بيولوجية عليها.

إضافة إلى وجود اتهامات كاذبة باستخدام الأسلحة البيولوجية، مما يبرز صعوبة التمييز بين الأمراض التي تحدث بشكل طبيعي والحوادث والاستخدام المتعمد، [4] مثل ما حدث مع فيروس كورونا مثلًا.

إضافة إلى استخدام الكثير من الأمراض كذرائع أو نشرها كإشاعات لاستخدامها كذرائع مستقبلًا. كنظرية المؤامرة القائلة بأن فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب هو سلاح بيولوجي. التي لا تزال حية في أذهان بعض الناس. فاعتمادًا على من يسأل، قيل أنّ علماء المخابرات الروسية أو الأمريكية هم من طوروا فيروس نقص المناعة البشرية، إمّا لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة أو لزعزعة استقرار كوبا.

إضافة إلى عدم معرفة مدى الضرر الذي قد يسببه استخدام هذه الأمراض على الإنسان وبقية الأحياء على حد سواء. وخاصة أنّ الكثير من الأمراض وخاصة الفيروسية منها قابلة للتحور والتبدل. وقد لا تملك الدول آليات دفاعية ضدها لحماية مواطنيها.

عمليًا، لم تمتنع أي دولة لديها القدرة على تطوير أسلحة الدمار الشامل عن القيام بذلك. لكن وجدت عدّة محاولات وجهود دبلوماسية ودولية للحد من انتشار هذه الأسلحة.

الجهود الدبلوماسية للحد من انتشار الأسلحة البيولوجية

وقعت خلال الحرب العالمية الأولى معاهدة عام 1925 لحظر استخدام الأسلحة البيولوجية خلال الحروب المستقبلية. لكن لم توقع الولايات المتحدة ولا اليابان على المعاهدة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. لذا تم تطوير الجمرة الخبيثة وغيرها من الأسلحة البيولوجية سراً من قبل كلا البلدين. وكذلك من قبل ألمانيا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى.

وفي عام 1969، أصدر الرئيس ريتشارد نيكسون أمرًا تنفيذيًا من جانب واحد وغير مشروط ينهي برنامج الأسلحة البيولوجية الأمريكي. وتم تدمير جميع المخزونات الأمريكية بحلول عام 1972. وفي نفس العام، وقعت 160 دولة معاهدة تحظر جميع استخدامات الأسلحة البيولوجية والكيميائية. وصدقت 143 دولة في النهاية على المعاهدة. بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والعراق وإيران وليبيا وكوريا الشمالية. لكن 52 دولة لم توقع على الاتفاقية، بما في ذلك إسرائيل.

لكن على الرغم من النوايا النبيلة. إلا أن معاهدة عام 1972 تفتقر إلى أي أحكام مهمة للتنفيذ أو التحقق. نتيجة لذلك، حافظ عدد من الموقعين على المعاهدة على برامج نشطة للأسلحة البيولوجية.[3] أي أن المعاهدتين فشلتا إلى حد كبير في منع البلدان من إجراء أبحاث حول الأسلحة الهجومية وإنتاج أسلحة بيولوجية على نطاق واسع، لعدم وجود آليات للسيطرة أو الرقابة الدورية.

لذا يجب على الدول تطوير آليات دفاعية للتخفيف من آثار الهجمات البيولوجية أو منعها. وعليها تطوير أجهزة عالية التقنية قادرة على الكشف الفوري عن البكتيريا والفيروسات القاتلة في البيئة، والتشجيع على إنتاج وتخزين لقاحات جديدة. إضافة إلى المطالبة بعمليات تفتيش دولية متبادلة لضمان الامتثال للمعاهدة.[2] فالاستعداد لهذا الحدث ومنعه يجب أن يشمل أيضًا تنسيقًا متعدد القطاعات. ولتبادل المعلومات حول الاستعداد لتفشي الأمراض وهجمات الأسلحة البيولوجية والاستجابة لها.[4]

ختامًا إننا نميل إلى القول إنه لن يستخدم أي شخص سليم العقل هذه الأشياء على الإطلاق. وفي الواقع إنّ الخاسر الأكبر من هذه الحروب الرخيصة هو الإنسان البريء والمذنب على حد سواء. لأنّ تأثيرات هذه الحروب يمتد إلى مستخدم أسلحتها نفسه. وهي أقرب ما تكون إلى حروب انتحارية شاملة لا يعرف مداها أو نهايتها.

المصادر:

1- Sciencedirect
2- Stanford
3- Ncbi
4- UN
5- Sandboxx

Exit mobile version