كيف تؤدي البيئة إلى إصابتنا بالأمراض؟

ليست جيناتنا وحدها المسؤولة عن الأمراض التي تصيبنا. فالتعديلات فوق الجينية تساهم بشكل كبير في آلية حصول هذه الأمراض متأثرة بشدة بالبيئة المحيطة والعادات التغذوية والسلوكية التي نتبعها. مما يؤدي إلى تباين شديد في أسبابها ونوعية عالية في آلياتها. فما هي الأمراض التي تساهم البيئة في خلقها؟ وكيف يتآثر الإبيجينوم مع البيئة لإحداثها؟

المجاعة الهولندية

في الحرب العالمية الثانية وتحديداً في شهر تشرين الثاني من عام 1944، قطع النازيون الإمدادات الغذائية عن المناطق الغربية من هولندا انتقاماً لدعم الحكومة الهولندية آنذاك للحلفاء. وقد امتد هذا الحصار حتى شهر أيار من عام 1945. توفي على إثره حوالي 000 200 شخص، وتضرر ما يقراب ال4.5 مليون. بالإضافة إلى الحصار عانى السكان حينها من شتاء قاس ومحصول سيء وأربع سنوات متواصلة من الحرب.

العوامل المساعدة على الدراسة

درس العلماء على مدى 25 عاماً النتائج طويلة الأمد المترتبة عن هذه المجاعة للأشخاص الذين كانوا ما يزالون أجنة في أرحام أمهاتهم ذلك الشتاء بالإضافة إلى أولادهم فيما بعد وأحفادهم. وساعد على هذه الدراسة عدة عوامل منها:

1. فترة المجاعة محددة بدقة.

2.تمتعت الفئة السكانية المدروسة بمستوى تغذية جيد قبل المجاعة.

3.الغذاء المتوافر خلال المجاعة كان مسجلاً ومحدداً بدقة.

4.المتابعة الطبية من قبل الأطباء والقابلات واحتفاظهم بسجلات طبية دقيقة خلال المجاعة.

النتائج المترتبة على المجاعة

إن المجاعة التي حصلت وما تبعها من سوء تغذية شديد أدت إلى تأثيرات جسدية وعقلية متنوعة على الأطفال الذين كانوا في رحم أمهاتهم خلالها. ومن أهم الدروس المستفادة من دراسة حالة على هؤلاء الأشخاص:

  1. وجود تأثيرات صحية على الأطفال الذين عانت أمهاتهم من المجاعة فترة حملهن بهم دون أن يؤثر ذلك على حجم الطفل بعد الولادة.
  2. ارتبطت تأثيرات سوء التغذية في الرحم بالفترة التي تتطور فيها الأعضاء والأجهزة:
  • ظهرت التأثيرت الشديدة لمن تعرضوا للمجاعة وهم في مرحلتهم الجنينية الأولى لاحقاً. وقد ارتبط سوء التغذية الشديد في المراحل الأولى من الحمل بتطور الأعضاء الأساسية.
  • ارتبطت المعاناة من المجاعة في مرحلة منتصف الحمل بارتفاع خطر الإصابة بأمراض الكلية( انخفاض رشح الكرياتينين) والقلب(ارتفاع نسبة الألبومين المجهري_ micro-albuminuria). ففي منتصف الحمل تتطور النفرونات لذلك أثرت المجاعة في هذه الفترة على التطور السليم للكلية. بالإضافة إلى تطور الرئة والشجرة القصبية، مما يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بمرض انسداد الطرق الهوائية. [1]

بالإضافة إلى ذلك يرتفع لدى الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم للمجاعة خلال حملهن بهم خطر الإصابة بالفصام والسكري من النمط الثاني. بعد حوالي 60 عاماً من المجاعة قاس الباحثون معدل مثيلة الDNA لدى هؤلاء الأشخاص، فتبين أن معدل المثيلة مرتفع عند بعض الجينات ومنخفض عند جينات أخرى مقارنة بإخوتهم الذين لم يتعرضوا لمجاعة وهم أجنة. وهذا المعدل المتفاوت للمثيلة يوضح سبب ازدياد معدل الإصابة بالأمراض لديهم ودور البيئة فيه. [2]

تأثير ظروف البيئة وتغذية الأم على جنينها وإصابته بالأمراض

إنّ لنظام الأم الغذائي تأثير فوق جيني على التطور السلوكي العصبي كالعلاقة بين عمل الجهاز العصبي والسلوك الذي يؤدي إلى مشاكل في التعلم فترة الطفولة. ولكن هذه التأثيرات لا تزال غير مدروسة بشكل كاف. على سبيل المثال، يشير بحث إلى أن نظام الأم الغذائي قد يؤثر إيجاباً على المرونة العصبية طويلة الأمد (وهي قدرة الدماغ على تشكيل مشابك جديدة وإعادة تنظيمها) لمولودها. وجدت دراسة على الفئران أن نظام الأم الغني بالدهون والسكر معاً (الغربي) يحرض مثيلة جين BDNF في الدماغ بالإضافة إلى تأثيرات سلبية على السلوك. لكن أطفال أمهات الفئران اللواتي اتبعن نظاماً غنياً بالحموض الدهنية Omega-3 لم يتعرضوا للتأثيرات السلبية للنظام الغذائي الغربي. وقد أشار الباحثون إلى دور التعرض ل Omega-3 في الرحم في بناء احتياطي للدونة عصبية تحمي من مشاكل مستقبلية.

كما يمكن لطبيعة غذاء الأم أن تؤثر على تطور السرطانات لدى الطفل مستقبلاً. فقد وُجد في دراسة على جرذ أن نظام تغذية الأم عالي الدهون حرض تطور سرطان ثدي لدى الجرذ البنات والحفيدات أيضاً. ووجدت نفس الدراسة ارتباط النظام الغذائي عالي الدهون بنمط مثيلة معين في غدد الثدي. مما يشير إلى أن طبيعة غذاء الأم يمكن أن تؤثر على خطر الإصابة بالسرطان بآليات فوق جينية. [3]

السكري نمط 2

إنّ الآلية الإمراضية للسكري من نمط 2 معقدة نوعاً ما ومتعددة العوامل. حيث يتعلق بالاستعداد الجيني بالإضافة للسلوك كالنظام الغذائي والنشاط الفيزيائي. يوصف السكري من النمط 2 بخلل وظيفة خلايا بيتا البنكرياسية، ومقاومة الأنسولين وفرط أنسولين الدم. تتعلق هذه العوامل والأعراض بمرحلة المرض ومدى تأير الأنسولين وتنظيمه لمستوى الغلوكوز في الدم. لذلك نجد أن الآلية الإمراضية له تتعلق بعوامل جينية وفوق جينية ولا جينية.

على الرغم من اكتشاف مئات المتغيرات الجينية المرتبطة بالسكري نمط 2 إلا أنها لا تفسر سوى جزء بسيط من وراثة المرض. حيث أنه ينتج من تآثر الجينات مع العديد من العوامل البيئة بشكل أساسي.

تعد وظيفة خلايا بيتا البنكرياسية المفرزة للأنسولين مهمة جداً لتنظيم مستوى الغلوكوز في الدم. وفي حالة مرض السكري فإن خلل التنظيم فوق الجيني يؤدي إلى تقليل التعبير عن الجينات الضرورية لعمل خلايا بيتا بالإضافة إلى التعبير عن جينات لا يُفترض التعبير عنها في خلايا بيتا. مما يؤدي إلى زوال الطابع الجيني للخلية وبالتالي إلى فقدان هويتها. وفي النهاية، يؤدي ذلك إلى خلل وظيفة خلايا بيتا البنكرياسية، وضعف إفراز الأنسولين، وضعف وظيفة البنكرياس عامةً. فتكون السلسة على الشكل الآتي: البيئة-الكروماتين-الجينات-الخلايا-الأعضاء-الكائن الحي.

من المهم معرفة عوامل الخطر المتعددة التي تؤدي إلى خلل التنظيم فوق الجيني مثل انعدام الحركة والنشاط الفيزيائي، والسمنة الأبوية، وخلل وظائف الميتاكوندريا، والشيخوخة، وظروف البيئة غير السوية للأم أثناء الحمل التي تؤثر على جنينها، وتؤدي لإصابته بمختلف الأمراض. يمكن أن تؤثر هذه العوامل على المستوى فوق الجيني في مراحل زمنية مختلفة خلال حياة الفرد. بالإضافة إلى ذلك يتأثر الإبيجينوم بالظروف البيئية كالتمارين الرياضية والنظام الغذائي. وتعود هذه التآثرات إلى المرونة الإبيجينية.

بناءً على ما سبق أصبحت الأدوية التي تؤثر على الإبيجينوم هدفاً لمعالجة مرض السكري والحث على إفراز الأنسولين. [4]

السرطان

يعد السرطان أول مرض ارتبط بالمستوى فوق الجيني، وذلك في عام 1983. وقد وجد باحثون أن معدل مثيلة الDNA منخفض عند مرضى سرطان الكولون والمستقيم للخلايا المصابة بالسرطان مقارنة بالخلايا السليمة عند المرضى أنفسهم. وبما أن مثيلة الجينات توقف التعبير عنها بشكل طبيعي، فإن نقص مثيلة الجينات يؤدي إلى زيادة تفعيلها بشكل غير طبيعي. وبالمقابل فإن المثيلة الشديدة للجينات الكابحة الورمية يؤدي إلى فقدانها لوظيفتها الكابحة للورم.

وكما ذكرنا في مقالنا الأول فإن المثيلة تحدث على جزر CpG. يوجد كثافة لهذه الجزر في منطقة المحرض والتي لا تكون ممثيلة في الخلايا الطبيعية، ولكنها تصبح ممثيلة في الخلايا السرطانية. مما يؤدي إلى إسكات جينات لا يجب ان تكون معطلة في الحالة الطبيعية. وتعد هذه علامة واسمة للتعديلات فوق الجينية على الخلايا السرطانية في مراحلها الأولى. إن زيادة مثيلة جزر CpG عند بعض الجينات يوقف الخلايا الكابحة الورمية مما يؤدي إلى ظهور خلايا سرطانية. وتعد هذه الآلية في حدوث السرطان أكثر انتشاراً من وجود طفرات في تسلسل ال DNA.

كما يمكن للمثيلة الشديدة أن تؤثر على الترادفات المتسلسلة القصيرة(الساتل المكروي)-microsatellites، وهي تسلسلات متتالية من الDNA موجودة بشكل طبيعي لدى الأفراد ومكونة من تكرارات ثنائي النكليوتيد CA. إن المثيلة الشديدة لمعزاز جين MLH1 يؤدي إلى عدم استقرار الساتل المكروي، فإما أن يطوّل هذه التسلسلات أو يقصرها. وقد ارتبط هذا الخلل في الساتل المكروي بعدة سرطانات كسرطان القولون والمستقيم، والمبيض، وبطانة الرحم، والمعدة. [5]

متلازمة الصبغي X الهش

تعد متلازمة الصبغي X الهش من أكثر أمراض التخلف العقلي وراثةً وتحديداً عند الذكور. حيث إنه يصيب الجنسين ولكن لأن الذكور لديهم صبغي X وحيد فهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض. يعاني المصابون بهذه المتلازمة من إعاقة ذهنية شديدة ،وتأخر التطور اللفظي، بالإضافة إلى سلوك شبيه للتوحد.

تأخذ هذه المتلازمة اسمها من الطريقة التي تأخذ بها المناطق غير الطبيعية من الصبغي X شكلها. ويحدث ذلك نتيجة شذوذ جين FMR1. يملك الأشخاص الأسوياء 50 إلى 60 تكراراً لثلاثي نكليوتيد CGGs في جين FMR1. توجد الطفرة عند الأفراد الذين يملكون أكثر من 200 تكرار. حيث تظهر لديهم أعراض المتلازمة، لأن التكرارات الكثيرة من ثلاثيات نكليوتيدات CGGs تؤدي إلى مثيلة جزر CpG في معزاز جين FMR2، الذي لا يكون ممثيلاً في الحالة السوية. تؤدي هذه العملية بدورها إلى تعطيل الجين وإيقافه عن تشكيل بروتين التخلف العقلي المرتبط بالصبغي x الهش.[5]

أصبحنا اليوم مدركين أكثر للدور الذي تلعبه البيئة في التأثير على التعبير الجيني في خلايانا. كما أصبح علم ما فوق الجينات أحد أهم محاور الدراسات الطبية التي تساعد على فهم الأمراض بشكل أعمق، وبالتالي تطوير الأدوية المناسبة والنوعية لها.

المصادر:

  1. The Dutch Famine Birth Cohort | OHCU
  2. What is Epigenetics? | CDC
  3. Prenatal Nutrition: The Epigenetic Impact of Maternal Diets | Today’s Dietitian
  4. Diabetes and Epigenetics | IntechOpen
  5. Epigenetic Influences and Disease

كيف غيّر طب النانو من شكل حياتنا وكيف سيغير مستقبلنا؟

يعني طب النانو اليوم الكثير لمستقبل الطب، فهو يمنح الأطباء القدرة على الكشف المبكر عن الكثير من الأمراض ويزيد من دقة المعلومات التشخيصية ويساعد بتسريع العلاج وجعله أكثر فعالية. إذ يعد أداة رئيسية للطب المتخصص والموجه والتجديدي.

يتوقع العلماء أن يؤدي طب النانو قريبا إلى العديد من الاكتشافات المثيرة والتطبيقات المهمة طبيا. فما هو طب النانو؟ وما هي أنواعه، وتطبيقاته، وتحدياته؟

ما هو طب النانو؟

يعرف التطبيق الطبي لتقنيات النانو ضمن مجال الرعاية الصحية باسم “طب النانو”. وتُسخر في طب النانو تقنيات النانو للوقاية من الأمراض المختلفة، وتشخيصها ومراقبتها وعلاجها بطرق أكثر فعالية [1]. كما يصنع العلماء مواد وأجهزة تعمل ضمن الجسم على المستوي الذري أو الجزيئي مما يسمح بنتائج محددة الهدف ومحدودة الآثار الجانبية [2].

أنواع طب النانو

  • التشخيصي: وفيه تستخدم تقنيات النانو لتحسين جودة أجهزة ومعدات التشخيص الطبي. فمثلًا يمكن للجسيمات النانوية أن تعزز تقنيات كالتصوير بالأمواج فوق الصوتية والرنين المغناطيسي لإنتاج صور أكثر وضوحًا [2].
  • العلاجي: وفيه تستخدم تقنيات النانو لتحسين جودة وفعالية العلاج الطبي، فالجسيمات النانوية صغيرة بما يكفي ويمكن التحكم بها لإرسال الأدوية إلى مكان محدد من الجسم، مما يزيد فعالية العلاج ويقلل آثاره الجانبية. ويدرس العلماء حاليًا إمكانية تطوير علاجات فردية مصممة خصيصًا لجينات المريض فيما يعرف باسم “الطب الشخصي”[2].
  • طب النانو الوقائي: وفيه يمكن الاستفادة من الجسيمات النانوية ضمن اللقاحات لتحفيز الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة للفيروسات [2].
  • الطب التجديدي: يتم حاليا بالفعل استخدام جزيئات تسمى بالأنابيب النانوية الكربونية لإصلاح النسج التالفة. ويتوقع في المستقبل أننا سنتمكن من إعادة إنماء الأعصاب المتضررة وتجديدها. وكذلك قد نتمكن مع استخدام هياكل نانوية محددة ومناسبة من إصلاح خلايا الجلد البشري والعظام والعضلات وإعادتها للعمل [2].

بعض تطبيقات طب النانو اليوم وآفاقها المستقبلية

  1. استخدم طب النانو في تطوير لقاحات COVID-19، إذ تعد الجسيمات النانوية عنصرًا أساسيًا في لقاحات شركتي فايزر (PFIZER) وموديرنا (MODERNA). وتستخدم هذه اللقاحات رنا الرسول mRNA لتطوير مناعة ضد فيروس COVID-19. لكن يعرف الرنا الرسول بانهياره السريع، لذا احتاج العلماء لشيء يحمله لداخل الجسم قبل أن ينهار. ولهذا قام العلماء بوضعه داخل الجسيمات النانوية التي توصله للخلايا المناعية حيث يمكنه القيام بعمله. وتعتبر أكثر منتجات الطب النانوي اليوم هي أنظمة إيصال الدواء إلى مناطق محددة داخل الجسم. وقد سجل لقاح فايزر القائم على الجسيمات النانوية 90% فعالية للوقاية من فيروس كورونا بعد 7 أيام فقط من تلقي الجرعة الثانية [5].
  2. علاجات السرطان بطرق أكثر فعالية وأعراض جانبية أقل. نعلم أن العلاج الكيميائي يوصل أدوية مكافحة الخلايا السرطانية للخلايا كلها دون تمييز، مما ينتج آثارًا جانبية قد تؤدي للغثيان وتساقط الشعر وغيرها. ولكن سمح طب النانو للعلماء والأطباء بتوجيه العلاج نحو الخلايا السرطانية دون الخلايا السليمة. مما قلل كثيرًا من الآثار الجانبية ولا زالت الأبحاث تتطور يوميًا في هذا المجال.
  3. يستخدم الرنين المغناطيسي لإنتاج صور تشريحية للجسم والأعضاء والنسج، وتستخدم عادة مواد تباين تحقن عبر وريد المريض لتجعل الصور والتفاصيل ضمنها أكثر وضوحًا. إلا أنه مؤخرًا قدمت جسيمات النانو الفلورية تباين أفضل بكثير من مواد التباين التقليدية.
  4. يعتبر إيصال الدواء إلى الدماغ معضلة بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي الذي يمنع مرورها. ولكن مؤخرًا استطاعت الجسيمات النانوية بسبب حجمها الصغير عبور الحاجز الدموي الدماغي. مما يقدم وعودًا كبيرة لعلاجات أورام المخ والسكتات الدماغية والتهاب السحايا ومرض ألزهايمر.
  5. تحتوي العين أيضًا على حواجز لحمايتها من المواد الغريبة مما يجعل إيصال الدواء لهدفه عملية صعبة. وسيقدم طب النانو طرق فعالة لإيصال الدواء لهدفه في العين أيضًا. مما يساعد في علاج الملتحمة وإعتام عدسة العين وإصابات القرنية والتنكس النقعي والزرق.
  6. إصلاح إصابات الحبل الشوكي. إذ يمكن أن تساعد المواد النانوية أيضا الجسم في إصلاح تلف الأعصاب. ويسعى الأطباء إلى استخدام سقالات نانوية توجه نمو الأنسجة العصبية الجديدة.
  7. يمكن باستخدام تقنية النانو أن نقلل من عدد مرات أخذ الجرع الدوائية وحجم الجرعة، فمثلا يتطلب العلاج الحالي للضمور البقعي المرتبط بالعمر AMD حقن شهري في العين ضمن العيادة ولكن مع استخدام الجسيمات النانوية يمكن تقليل وتيرة الحقن إلى مرة كل ستة أشهر إذ تحمي الجسيمات النانوية الدواء من الجسم وتجعل تحلله أبطأ وتوصله مباشرة للهدف فيساعد ذلك بالحد من حجم الجرعة[1] .
  8. يأمل العلماء أن يتمكنوا مستقبلا باستخدام تقنية النانو من تطوير أجهزة مزروعة كناظمات الخطى والشبكات القلبية ورقائق وأجهزة استشعار صغيرة ترسل البيانات للطبيب المراقب عن بعد.
  9. التشخيص والكشف المبكر عن الأمراض من خلال مراقبة العلامات الحيوية التي تظهر على مستوى الخلية أو في الجسم في لحظة معينة. فمثلا يعتبر ارتفاع كوليسترول الدم علامة حيوية مبكرة لمرض القلب إذا اكتشف مبكرًا. وتعتبر الجسيمات النانوية أكثر حساسية لهذه العلامات ويمكن أن تعطي نتائج وقياسات أكثر دقة، بالتالي تتيح إمكانية التشخيص المبكر.

الأدوية النانوية في الأسواق

دخلت الأدوية النانوية بنجاح في الممارسات السريرية على مدى العقود الماضية بالفعل. وأدى التطور المستمر في البحوث الصيدلانية لخلق أبحاث أكثر تعقيدًا دخلت في مراحل التجارب السريرية [4]. فلدى طب النانو في الوقت الحاضر مئات المنتجات في مرحلة التجارب السريرية والتي تغطي جميع الأمراض الرئيسية بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والتنكس العصبي والعضلات الهيكلية والالتهابات. ويمتلك طب النانو بالفعل ما يقارب 80 منتجًا مسوقًا بدءًا من التوصيل النانوي والمستحضرات الصيدلانية إلى التصوير الطبي والتشخيص والمواد الحيوية [3].

في الاتحاد الأوروبي يتكون سوق الطب النانوي اليوم من الجسيمات النانوية، والبلورات النانوية، والمستحلبات النانوية، والمركبات البوليميرية.

يوضح الجدول التالي أمثلة على الأدوية النانوية المعتمدة حاليا في الأسواق ضمن الاتحاد الأوروبي.

تحديات تواجه طب النانو

كما هو الحال مع أي تقنية متقدمة فإن الاحتمالات الواعدة التي يقدمها الطب النانوي في المستقبل يجب موازنتها مع المخاطر [4]. إذ ظهرت بعض المخاوف بشأن قضايا سلامة استخدام المواد النانوية طبياً. فالخصائص الفيزيائية والكيميائية المختلفة للمواد النانوية يمكن أن تؤدي لحرائك دوائية كالامتصاصية والتوزع والتمثيل الغذائي والتخلص منها وإمكانية عبور الحواجز البيولوجية بسهولة أكبر والسمية واستمراريتها في البيئة والجسم هي بعض من الأمثلة بشأن المخاوف من تطبيق المواد النانوية طبياً [4].

ويتم تنظيم سلامة منتجات الطب النانوي تمامًا مثل الأدوية والأجهزة الطبية، ويتم تقييمها سريريًا من حيث نسبة الفائدة / المخاطر للمرضى. ومثل أي أجهزة أو عقاقير طبية يتم مراقبة الأدوية النانوية بشكل صارم، وتتبع التوصيف الشامل وتقييم السمية والتجارب السريرية متعددة المراحل لتقييم نسبة الفائدة / المخاطر قبل إتاحتها للتداول بكامل إمكانياتها. ومع ذلك، من الأهمية بمكان إجراء فحص مسبق بعناية ومسؤولية لجميع الآثار الجانبية المحتملة على الإنسان والبيئة. وقد أقيمت العديد من المشاريع الأوروبية لتتعامل مع هذه القضايا [3].

رغم أنه في العقود الماضية، أدخلت العديد من تطبيقات طب النانو في الممارسات السريرية بالفعل، ومع ذلك لا يزال الطريق طويل نحو التنظيم الكامل لطب النانو وتطوير بروتوكولات توصيف خاصة به [4] .

ختاما، إن طب النانو يثير توقعات عالية لملايين من المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية والطبية لحلول واعدة للعديد من الأمراض بطرق أكثر فعالية وكفاءة.

تستفيد اليوم العديد من مجالات الرعاية الطبية بالفعل من المزايا التي تقدمها تقنيات النانو التي أدخلت في جميع مجالات الطب. ورغم ذلك لا تزال البشرية تحارب عددا كبيرا من الأمراض الخطيرة والمعقدة مثل ( السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والتصلب المتعدد وألزهايمر وباركنسون ومرض السكري بالإضافة لأنواع مختلفة من الأمراض الالتهابية والفيروسية المعدية). لمعظم هذه الأمراض تأثير سلبي على المريض والمجتمع والأنظمة الاجتماعية والتأمينية المرتبطة به. فمن الأهمية بمكان ما مواجهة هذه الآفات بالوسائل المناسبة والتي يعتقد أن طب النانو هو الأداة الرئيسية لذلك في المستقبل القريب.

المصادر
[1]. cnm hopkins.org: what is nanomedicine?
[2]. webmd: nanomedicine what to know?
[3]. etp: what is nanomedicine?
[4]. frontiersin.org
[5]. wikipedia: لقاح فايزر بيونتك

هل الإندومي يسبب السرطان؟

من منا لا يحب الإندومي؟ ولماذا قد لا نحبه؟ فهو وجبة لذيذة، سريعة التحضير، ورخيصة. المشكلة أنه لم يسلم من الإشاعات؛ فكثيرًا ما نسمع أنه يسبب السرطان، ومصدر الكثير من الأمراض، بل ووصل الأمر إلى أنه يسبب الوفاة. فما حقيقة هذه الادعاءات؟ وهل فعلًا الإندومي مضر؟ وماذا عن الاعتماد عليه كوجبة غذائية متكاملة؟

تاريخ الاندومي

يعد الإندومي أحد أنواع الشعرية سريعة التحضير Noodles، والتي تم تقديمها للعالم لأول مرة عام 1958 في اليابان، وبسبب مذاقها الرائع وسرعة تحضيرها أُعجب بها اليابانيون. انتشرت شعبية النودلز بعد ذلك من اليابان إلى العالم أجمع وبالتحديد إندونيسيا.    

بعد وصول النودلز إلى إندونيسيا، انتشرت أنواع كثيرة، أشهرها “إندومي” وهو منتج شركة “إندوفوود”. سيطر الإندومي على السوق بعد إصداره رسميًا كمنتج عام 1971، وأصبح المنتج والخيار الأول للوجبات السريعة في إندونيسيا إلى وقتنا الحالي. استمر المنتج في الانتشار داخل وخارج إندونيسيا ليعرفه الاستراليين أولًا في تسعينيات القرن الماضي.

 بدأ الأمر عندما أحضر الإندونيسيين منتجهم إلى طلاب الجامعات في أستراليا، ليغزو المنتج القارة الصغيرة ويصبح من أشهر الخيارات المتاحة فيما يتعلق بالوجبات سريعة التحضير.

الإندومي الآن متوفر في حوالي 80 دولة حول العالم منهم أستراليا، وأمريكا، وهولندا، وألمانيا، وهونج كونج، ودبي، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والقائمة تطول..[1]

­هل الإندومي يسبب السرطان؟
أحادي جلوتامات الصوديوم Monosodium Glutamate (MSG)

من المسلمات عند الكثير الآباء والأمهات أن الإندومي يسبب السرطان. في الواقع لا نعرف مصدر هذا الادعاء، ولكن أغلب الظن أنه بسبب مادة أحادي جلوتامات الصوديوم Monosodium Glutamate (MSG)، والتي أثيرت حولها الكثير وقيل إنها تسبب السرطان، الربو، الصداع، وتلف الدماغ. فإذا أردنا أن نجيب على سؤال الفقرة، يجب أن نفحص هذه المادة أولًا…

أحادي جلوتامات الصوديوم (E621) هي عبارة عن مادة كيميائية بيضاء تشبه ملح الطعام، مشتقة من حمض الجلوتاميك الأميني، وهو من أكثر الأحماض الأمينية انتشارًا في الطبيعة، كما تستخدم أيضًا كمضاف غذائي لتحسين الطعم. حمض الجلوتاميك من الأحماض غير الأساسية. ذلك يعني أن الجسم بإمكانه تخليق هذا الحمض بدون الحاجة لعامل خارجي، كما أنه موجود في معظم الأطعمة.[2]

الهدف الأساسي من هذه المادة هو إضافة النكهة الخاصة (أومامي)، وهي المذاق الخامس المكمل للأربعة المشهورين؛ المالح، الحامض، المر، والحلو. تستخدم هذه المادة بكثرة اليابان وكوريا؛ حيث يبلغ معدل الاستهلاك اليومي لهذه المادة 1.5 جرام في اليابان وكوريا. أما في الولايات المتحدة وبريطانيا فمعدل الاستهلاك يساوي نصف المعدل السابق تقريبًا.[2]

هل أحادي جلوتامات الصوديوم مؤذية؟

في البداية يجب أن نعرف طبيعة عمل هذه المادة. يعمل حمض الجلوتاميك كناقل عصبي في الدماغ، يقوم بتحفيز الخلايا العصبية من أجل نقل الإشارات.

أدعى الكثير من الأشخاص أن هذه المادة تسبب تراكم الجلوتاميك في المخ. ذاك الادعاء جاء مدعومًا بورقة بحثية تم نشرها عام 1969. في تلك الورقة، أجرى الباحثون بعض الاختبارات على الفئران الصغيرة حديثة الولادة، وحقنوهم بجرعات كبيرة من أحادي جلوتامات الصوديوم. أدت تلك التجارب إلى إتلاف أعصاب مخية في الفئران.[3]

نعم، يؤدي تراكم الجلوتامات في الدماغ إلى أضرار عصبية، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، فلا يمكن للجلوتامات الغذائية أن تخترق الحاجز الدموي الدماغي بكميات كبيرة، مما يعني أنها آمنة. الكثير من المصادر الموثوقة مثل إدارة الغذاء والدواء (FDA) والتي صرحت أن “مادة أحادي جلوتامات الصوديوم آمنة”.[4]

هل الإندومي وجبة أساسية؟

بعدما أثبتنا أن الإندومي ليس مضرًا، هل يمكن أن نعتمد عليه كوجبة أساسية متكاملة؟ لكي نحكم على وجبة إذا كانت متكاملة أم لا، يجب أن نطلع على مكوناتها أولًا. الوجبة الأساسية هي التي تحتوي على الكمية المناسبة من المواد التي يحتاجها الجسم، من بروتينات، أو كربوهيدرات، أو دهون مشبعة وغير مشبعة، أو الأملاح والمعادن الأساسية…

فإذا نظرنا على مكونات الإندومي الأساسية سنجد أنها عبارة عن:

– الكربوهيدرات بنسبة تتجاوز ال 60 في المية، والمكون الرئيسي للكربوهيدرات هو دقيق القمح Durum.

– الدهون المشبعة ومصدرها زيت النخيل، وبالمناسبة الدهون المشبعة لها بعض المخاطر، ولكنها تقريبًا تستهلك يوميًا.

– بعض المعادن والأملاح مثل أحادي جلوتامات الصوديوم الذي تحدثنا عنه بالتفصيل. [1]

فإذا أخذنا نظرة سريعة على هذه المكونات سنجد أنها تفتقر للبروتينات، والفيتامينات، والأملاح المعدنية التي يحتاجها الجسم.

لا يوجد خلاف على مذاق الإندومي الشهي أو سرعة تحضيره، ولكنه وجبة فقيرة جدًا، ولا يمكن الاعتماد عليه كوجبة رئيسية كالغداء مثلًا.[5]

المصادر

  1. Indomie Australia
  2. Healthline
  3. PubMed
  4. FDA
  5. Indomie UK

5 أسباب جعلتنا لا نملُك علاج واحد لكل أنواع السرطان

5 أسباب جعلتنا لا نملُك علاج واحد لكل أنواع السرطان!

يُصيب السرطان 1 من كل 3 أشخاص في الولايات المتحدة [1]، ويمكن علاجه بنجاح في العديد من الحالات. في الواقع يعيش اليوم عدد أكبر من مرضى السرطان حياة كاملة بعد علاج السرطان أكثر من أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال تضاعَفَ معدل البقاء على قيد الحياة لمصابي السرطان في المملكة المتحدة في الأربعين عامًا الماضية، ففي سبعينيات القرن الماضي نجا 25٪ فقط من المصابين بالسرطان لمدة 10 سنوات أو أكثر بعد تشخيصهم أما اليوم فارتفعت هذه النسبة لحوالي 50%. [2]

على الرغم من كل هذا التقدم في علاج السرطان إلّا أنّنا لا زلنا لا نملك علاج واحد لكل أنواع السرطان. لفهم هذا الأمر دعونا أولًا نعرف كيف يحدث السرطان؟

كيف يحدث السرطان؟

يعتبر السرطان مرضًا متعدد العوامل ناتجًا عن التأثير المشترك للعديد من العوامل الوراثية والعوامل البيئية مثل الأشعة فوق البنفسجية، ودخان السجائر والفيروسات، وتعتبر 10% فقط من السرطانات وراثية بينما 90% تحدث بطريقة فردية ليست لها علاقة بالوراثة. [3]

يتكون جسدك من تريليونات من الخلايا التي تنمو وتنقسم بشكل طبيعي على مدار حياتك حسب الحاجة، وتموت هذه الخلايا عندما تصبح غير طبيعية أو تتقدم في السن، ولكن بعض الطفرات الّتي تحدُث تُحدِث خطأً في هذه العملية، فتستمر خلاياك في تكوين خلايا جديدة، والخلايا القديمة أو غير الطبيعية_السرطانية_ لا تموت عندما ينبغي، وبالتالي تنمو هذه الخلايا السرطانية خارج نطاق السيطرة، وعندها تُزاحم الخلايا الطبيعية وتُهاجمها، فيصعب على الخلايا الطبيعية أن تؤدي وظيفتها بالشكل المطلوب. [1]

ترتبط غالبًا نشأة السرطان بحدوث طفرات في فئة واحدة أو أكثر من 3 فئات من الجينات: «الجينات المسرطنة-oncogenes»، و«الجينات الكابتة للورم-tumor suppressor genes»، و«جينات إصلاح تلف الحمض النووي- DNA repair genes»، ولكن في الحقيقة لا يحدث السرطان نتيجة طفرة واحدة، وإنما نتيجة عدة طفرات متراكمة تُكسِب الخلية خصائص سرطانية مثل قدرة الخلية على الانقسام ذاتيًا وبشكل لا محدود، ومقاومة الخلايا للموت فتعيش الخلايا السرطانية لفترات طويلة أو تصبح خالدة، والقدرة على تخليق أوعية دموية يتغذى السرطان عن طريقها، والقدرة على مهاجمة الخلايا الطبيعية. [3]

على سبيل المثال؛ تكون «جينات إصلاح تلف الحمض النووي- DNA repair genes» مسؤولة على تصحيح الأخطاء الّتي تحدث في الحمض النووي أثناء تصنيعه خلال انقسام الخلايا، وبالتالي فإن حدوث طفرة في هذا الجين سيسمح بحدوث الأخطاء في الحمض النووي بدون تصحيح، وقد ينتج عن هذه الأخطاء حدوث طفرات أخرى تُكسِب الخلية الخصائص السرطانية.

إن محاولة علاج أي شخص مصاب بالسرطان تشبه إلى حد كبير محاولة علاج شخص ما من عدوى بكتيرية. كل ما عليك فعله هو قتل جميع الخلايا السيئة، وعدم تدمير الكثير من الخلايا السليمة في هذه العملية. هناك عدة علاجات يمكنها قتل الخلايا السرطانية بأقل أضرار للخلايا الطبيعية، ولكن يعتمد نجاح هذا العلاج على عدة عوامل مثل نوع ومرحلة السرطان. كذلك من الصعب أن يتأكد الطبيب أن هذا الشفاء نهائي بدون عودة السرطان مرة أخرى. [4]

لماذا لايوجد علاج واحد ناجح لكل أنواع السرطان؟

تُنفَق مليارات الجنيهات وتُستَثمر في أبحاث السرطانات على مدى عقود عديدة، ولكن لايزال علاج السرطان صعب لعدة أسباب أهمها:

1. السرطان ليس مرضًا واحدًا

لفهم سبب عدم علاجنا لكل أنواع السرطان بعلاج واحد حتى الآن، فإن أهم شيء يجب معرفته هو أن السرطان ليس مرضًا واحدًا. بدلاً من ذلك، فهو مصطلح شامل لأكثر من 200 مرض مختلف يحتوي كل نوع واسع من أنواع السرطان على العديد من الأنواع الفرعية، وكلها تبدو وتتصرف بشكل مختلف لأنها مختلفة على المستوى الجيني والجزيئي فمثلما ذكرنا بأن السرطان ينتج عن حدوث طفرات في خلايا أجسامنا، وبالتالي يختلف السرطان حسب نوع الخلايا. لذلك يمكن أن يكون كل سرطان مختلفًا ومتنوعًا مثل اختلاف وتنوع الناس.

2. يحدث السرطان بسبب عدد لا يحصى من الطفرات

يوجد عدد لا يحصى من الطفرات الجينية المختلفة الكامنة وراء أكثر من 200 نوع من أنواع السرطان المختلفة. كل سرطان ناتج عن مجموعة مختلفة من الطفرات، ومع نمو السرطان تتراكم المزيد والمزيد من الطفرات. هذا يعني أن كل سرطان لديه مجموعة فردية من الطفرات لذا فإن الدواء الذي يعمل مع مريض سرطان واحد قد لا يكون له أي تأثير على الإطلاق على آخر.

3. الخلايا السرطانية داخل الورم الواحد ليست متطابقة

لن يكون لكل خلية سرطانية في الورم نفس الطفرات الجينية مثل الخلايا السرطانية المجاورة، وهذا يعني أن العلاجات يمكن أن تقتل غالبًا نوعًا واحدًا من الخلايا في الورم بينما تنجو الخلايا الأخرى من العلاج مما يسمح للسرطان بالنمو مرة أخرى.

4. قد تُطوّر الخلايا السرطانية مقاومة ضد العلاج

قد تحدث طفرات جينية للخلايا السرطانية تجعلها تغير طريقة تصرفها بمرور الوقت. يمكن أن تكون هذه مشكلة صعبة للغاية أثناء العلاج لأن الطفرات أحيانًا تؤدي إلى جعل الخلايا السرطانية مقاومة للعلاج مما يجعل العلاج غير فعال. إذا حدث ذلك فسيتعين عندئذٍ إخضاع المريض لعلاج مختلف، ولكن مرة أخرى يمكن أن يطور السرطان مقاومة للعقار الجديد.

5. الخلايا السرطانية تقاوم الموت الخلوي

تمتلك الخلايا الطبيعية آليات معينة تمنعها من النمو أو الانقسام أكثر من اللازم، ولكن تفقد الخلايا السرطانية آليات التحكم هذه ويمكنها تطوير عدة حيل لتجنب الموت. [2]

إقرأ أيضًا: لماذا سمي السرطان بهذا الاسم؟

مصادر 5 أسباب جعلتنا لا نملُك علاج واحد لكل أنواع السرطان:
[1] Cancer.org
[2] Worldwidecancerresearch.org
[3] Britannica.com
[4] Discover magazine

لماذا سمي السرطان بهذا الاسم؟

تاريخ السرطان ومراجعه المبكرة

تٌسمى دراسة السرطان بعلم الأورام. وهو مرض معروف للبشرية منذ العصور القديمة. يظهر المرض عندما تبدأ الخلايا بالنمو في جزء من الجسم خارج نطاق السيطرة، وقد تتأثر عدة أجزاء مختلفة من الجسم بالسرطان.

كشفت الحفريات الأثرية عن العديد من البقايا العظمية التي تدل على الإصابة بالأورام، كآثار تضرر الجماجم الذي يسببه سرطان الرأس والرقبة. كما عُثر على إشارات إلى ذلك في المخطوطات القديمة.

بقايا من هياكل عظمية مصابة بالسرطان، في منطقة واحة الداخلة في مصر، تعود هذه البقايا إلى فترات مختلفة بين 3000-1500ق.م
حقوق الصورة: sciencedirect

إن أقدم وصف للمرض يعود إلى مصر، حوالي 3000 قبل الميلاد، على الرغم من عدم استخدام كلمة السرطان حينها. تسمى «بردية إدوين سميث-Edwin Smith Papyrus» وهي نسخة من جزء من كتاب مدرسي مصري قديم عن «جراحة الرضة-trauma surgery». ويصف 8 حالات أورام أو تقرحات بالثدي تم التعامل معها بالكي. ويضيف الوصف أنه لا يوجد علاج لهذه الحالة.

أصل كلمة ‘سرطان’ وسبب اختيارها

أول من استخدم كلمة “السرطان” للدلالة على المرض هو الطبيب اليوناني أبقراط (يعتبر “أبو الطب”، 460-370 قبل الميلاد)، حيث استخدم المصطلح “karkinos” لوصف الأورام.

تعني هذه الكلمة في اليونانية القديمة سرطان البحر،كان الوصف عبارة عن أسماء على السلطعون لأن النتوءات الخارجة من الورم الشبيهة بالإصابع تشبه إلى حد ما شكل السلطعون. في ذلك الوقت كان أبقراط يفحص فيه المرضى، كان العديد منهم في المرحلة النهائية من السرطان. وإذا قمت بفحص الورم في مراحله النهائية، فستلاحظ أنه صلبٌ مثل الصخرة. وقد أوضح البعض أنه يذكره بالقشرة الصلبة لسرطان البحر. لكن آخرين قالوا إنه ربما ذكّره بالألم الذي يسببه الورم الخبيث، فهو يشبه إلى حدٍ كبير قرصة حادة من مخلب سرطان البحر. بالإضافة إلى رسوخ الألم تمامًا كرسوخ مخلب سرطان البحر حين يقرص. وهذا يذكر أبقراط والأطباء الآخرين بمدى صعوبة إزالة هذه الأورام. وفي حوالي عام 47 م، الفيلسوف اليوناني الروماني سيلسوس (لم يكن طبيباً)، كتب موسوعة مهمة للطب – أطلق عليها اسم «السرطان-cancer»، وهي الكلمة اللاتينية لسرطان البحر، وهكذا بقيت هذه الكلمة حتى يومنا هذا.

استخدم طبيب روماني آخر يسمى جالينوس (130-200 م) مصطلح «أونكوس-oncos» (كلمة يونانية بمعنى ’التورم’) لوصف الأورام. “Oncos” الآن هي الكلمة الأساسية المُستخدمة لعلم الأورام أو دراسة السرطانات.

بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر

  • خلال بداية القرن الخامس عشر، تطور فهم العلماء أكثر حيال عمل جسم الإنسان ومسارات مرضه. أدى تشريح الجثث، الذي قام به هارفي (1628)، إلى فهم الدورة الدموية عبر القلب والجسم.
  • قام جيوفاني مورغاني من بادوفا في عام 1761 بترتيب تشريح الجثث لمعرفة سبب الأمراض، فوضع هذا الأساس لدراسة المرض أيضًا.
  • كان الجراح الاسكتلندي جون هانتر (1728-1793) هو من اقترح إمكانية علاج بعض أنواع هذا المرض عن طريق الجراحة. بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان، أدى تطوير التخدير إلى إجراء جراحة منتظمة للسرطانات “القابلة للتحريك” التي لم تنتشر إلى أعضاء أخرى.

القرن ال 19

وضع رودولف فيرشو الذي يدعى “مؤسس علم الأمراض الخلوية” الأساس للدراسة المرضية المجهرية للسرطان. وهكذا ربط فيرشو علم الأمراض المجهري بالسرطان. كما طور دراسة الأنسجة التي تم إزالتها بعد الجراحة. يمكن لأخصائي علم الأمراض أيضًا أن يخبر الجراح ما إذا كانت العملية قد أزالت السرطان تمامًا.

تطور النظريات حول مسببات السرطان

  • كانت هناك العديد من النظريات حول أسباب السرطان على مر العصور. على سبيل المثال، ألقى المصريون القدماء باللوم على الآلهة في الإصابة بالسرطان. يعتقد أبقراط أن الجسم يحتوي على 4 أخلاط (سوائل الجسم): الدم، والبلغم، والصفراء، والسوداء. وأشار إلى أن عدم توازن هذه الأخلاط مع وجود فائض من السوداء في مواقع مختلفة من الجسم يمكن أن يسبب السرطان. كانت هذه هي «نظرية الأخلاط الأربعة-humoral theory».
  • بعد نظرية الأخلاط الأربعة، جاءت النظرية الليمفاوية. وضع ستال وهوفمان نظرية مفادها أن هذا المرض يتكون من تخمر وانحلال اللمف، ومع تفاوت في الكثافة والحموضة والقلوية. وافق جون هانتر، الجراح الاسكتلندي من القرن الثامن عشر، على أن الأورام تنمو من اللمف.
    زاكوتوس لوسيتاني (1575-1642) ونيكولاس تولب (1593-1674) هما طبيبان من هولندا، أبرما على أن هذا المرض معدي. خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، اعتقد البعض أن هذا المرض كان معديًا بالفعل.
  • في عام 1838 أظهر عالم الأمراض الألماني يوهانس مولر أن هذا المرض يتكون من الخلايا وليس اللمف. اقترح مولر أن الخلايا السرطانية تطورت من «مادة أولية (أو مأرمة)-blastema» موجودة بين الأنسجة الطبيعية.
  • اقترح رودولف فيرشو (1821-1902) أن جميع الخلايا، بما في ذلك الخلايا السرطانية، مشتقة من خلايا أخرى، واقترح نظرية التهيج المزمن.كان يعتقد أن هذا المرض ينتشر كالسائل. في ستينيات القرن التاسع عشر، أظهر الجراح الألماني كارل تييرش أن السرطانات تنتشر من خلال انتشار الخلايا الخبيثة وليس من خلال سائل.
  • حتى عام 1920، كان يُعتقد أن الصدمة النفسية هي سبب الإصابة بالمرض.

تاريخ فحص واكتشاف السرطان

  • يساعد فحص الأورام السرطانية في الكشف المبكر، وكان أول اختبار فحص يستخدم على نطاق واسع لعلاج المرض هو اختبار عنق الرحم. تم تطويره من قبل جورج بابانيكولاو كطريقة بحث في فهم الدورة الشهرية. ثم أشار إلى أن الاختبار يمكن أن يساعد في اكتشاف سرطان عنق الرحم مبكرًا وقدم نتائجه في عام 1923.
  • في ذلك الوقت، روجت جمعية السرطان الأمريكية (ACS) للاختبار خلال أوائل الستينيات وأصبح يستخدم على نطاق واسع كأداة للفحص.
  • تم تطوير طرق التصوير الشعاعي للثدي الحديثة في أواخر الستينيات، وأوصي بها رسميًا لأول مرة لفحص سرطان الثدي من قبل جمعية السرطان الأمريكية في عام 1976.

تطور جراحة السرطان

  • الجراحة كانت تعتبر طريقة لعلاج هذا المرض منذ وقت مبكر جدًا. لاحظ الطبيب الروماني سيلسوس أنه على الرغم من إجراء الجراحة، كانت السرطانات تعاود إصابة الفرد مرة أخرى. كتب جالينوس عن تقنيات جراحة الأورام السرطانية. كانت الجراحة بدائية للغاية مع العديد من المضاعفات، بما في ذلك فقدان الدم. لكن ازدهرت جراحة الأورام السرطانية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بعد تقدم التخدير.
  • رواد جراحة السرطانات هم بيلروث في ألمانيا، وهاندلي في لندن، وهالستيد في بالتيمور. فقد طور هالستيد (أستاذ الجراحة في جامعة جونز هوبكنز) استئصال الثدي الجذري خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، لعلاج سرطان الثدي، علمًا أن عمله استند إلى دبليو سامبسون هاندلي.
  • اكتشف ستيفن باجيت، الجراح الإنجليزي المعاصر، أن السرطانات تنتشر أيضًا عن طريق الدورة الدموية. أصبح هذا الفهم للورم الخبيث عنصرًا أساسيًا في التعرف على المرضى الذين قد يستفيدون الجراحة.

تطوير العلاج الإشعاعي

في عام 1896، اكتشف أستاذ الفيزياء الألماني فيلهلم كونراد رونتجن، خصائص الأشعة السينية. تم استخدام الأشعة السينية للتشخيص في غضون الأشهر القليلة التالية، وفي السنوات الثلاث التالية تم استخدامها في علاج السرطانات. بدأ العلاج الإشعاعي بالراديوم وآلات التشخيص ذات الجهد المنخفض نسبيًا.

تطوير العلاج الكيميائي

لوحظ خلال الحرب العالمية الثانية، أنه تعرض الجنود لغاز الخردل أثناء العمل العسكري ساعد في تطور كبت نقي العظم (أو سمية نقيية). وسرعان ما تم العثور على مادة كيميائية مماثلة من خردل النيتروجين، أستخدمت ضد سرطان الغدد الليمفاوية. وضع هذا الأساس للعديد من الأدوية الجديدة التي يمكن استخدامها ضد السرطانات.

تطوير العلاج بالهرمونات

في القرن التاسع عشر، اكتشف توماس بيتسون أن أثداء الأرانب توقفت عن إنتاج الحليب بعد أن أزال المبيضين. حاول إزالة المبايض (تسمى عملية استئصال المبيض) في سرطان الثدي المتقدم، وتم هذا العمل قبل اكتشاف الهرمون المسبب نفسه. قدم عمله أساسًا للاستخدام الحديث للعلاج الهرموني، مثل عقار تاموكسيفين لعلاج سرطان الثدي أو الوقاية منه.

تطوير العلاج المناعي

  • مع فهم بيولوجيا الخلايا السرطانية، تم تطوير العديد من العوامل البيولوجية في علاج السرطانات. يسمى هذا العلاج بـ «معدِّل الاستجابة البيولوجية-biological response modifier (BRM)». ومن أبرزها هي «الأجسام المضادة وحيدة النسيلة-monoclonal antibodies».
  • تمت الموافقة على أول الأجسام المضادة أحادية النسيلة العلاجية خلال أواخر التسعينيات، لعلاج سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الثدي. يدرس العلماء أيضًا اللقاحات التي تعزز استجابة الجسم المناعية للخلايا السرطانية.
  • شهد الجزء الأخير من القرن العشرين أيضًا تطوير علاجات مثل مثبطات عامل النمو (مثل تراستوزوماب وجيفيتينيب وإيماتينيب وسيتوكسيماب). ومن الأدوية الأخرى هي مثبطات تكوين الأوعية الدموية مثل بيفاسيزوماب.

المصادر:
NPR
News Medical
Very Well Health

الأجسام المضادة الثلاثية – خطوة جديدة في العلاج المناعي للسرطان

الأجسام المضادة الثلاثية – خطوة جديدة في العلاج المناعي للسرطان

يحمل الجسم آليات دفاعية عديدة لمجابهة الأورام السرطانية، ورغم ذلك تتغلب الأخيرة على هذه الدفاعات إما عن طريق التنكر أو إضعافها كليًا، مما دفع العديد من العلماء لمحاولة تنشيط هذه الدفاعات ضد الخلايا السرطانية فيما يسمى بالعلاج المناعي، ولكن هذه المحاولات اقتصرت فقط على أنواع معدودة من الأورام بالإضافة إلى خطر الإصابة بأمراض مناعية أخرى، دعونا نتعرف سويا في هذا المقال على الأجسام المضادة الثلاثية ، التي يعتبرها البعض خطوة جديدة في العلاج المناعي للسرطان .

بحث جديد

لحسن الحظ فتح بحث نشر بدورية نيتشر لعلوم السرطان الباب أمام المزيد من التقدم عن طريق إعداد أجسام مضادة تستطيع أن تمسك بالخلايا المناعية والخلايا السرطانية في وقت واحد، جاعلة الخلايا المناعية أكثر قدرة على قتل الخلايا السرطانية.

كيف يحارب جسم الإنسان السرطان؟

يُعَدُّ جسم الإنسان من أعتد الأنظمة الحية التي تتعاون جميع أجزاءها لتحافظ على سلامة الجسد التي هي جزء منه، ولذلك يمتلك الجسم نظامًا محكمًا للخلايا المكونة له لضمان سلامتها، فإن توقفت عن العمل أو أصابها خلل تفعَّلت آلياتها المبرمجة داخلها لضمان تقلصها وانتهائها، لكن بعض الخلايا تهرب من عملية الموت الخلوي المبرمج هذه «Apoptosis»، وتنمو وتنقسم على حساب غيرها من الأنسجة السليمة، وهو ما يسمى بالورم «Tumor»، هنا يأتي دور جهاز المناعة ليهجم على الورم بشديد قوته ويقضي على تلك الخلايا الأبية للموت، رغم ذلك فبعض المجموعات من خلايا الجسم المختلفة تخدع جهاز المناعة، إما بأن تتخفى برداء وتتنكر في شكل الخلايا الطبيعية في الجسم موحية للخلايا المناعية أن كل الخلايا الموجودة سليمة لم يصبها شيء، او عن طريق تثبيط جهاز المناعة مباشرة؛ في هذه الحالة فتسمى خلايا الورم بالخلايا السرطانية «Cancerous Cells».

العلاقة بين الأورام وجهاز المناعة

يُقسّم العلماء العلاقة بين الأورام وجهاز المناعة إلى ثلاثة مراحل:

فالأول أن يكون جهاز المناعة قادرًا قدرة تامة على القضاء على الورم المتكون، فيقرأ المستقبلات الغريبة عن الجسم الظاهرة على أغلفة الخلايا «Non-self receptors»، فيسلط عليها آلياته المناعية مثل الخلايا التائية «T Lymphocyets» التي تلتصق بخلية الورم لتفرز عليها من الأسلحة والإنزيمات ما يمزق خلايا الورم إلى فتات صغير يتخلص منه الجسد فيما بعد.
أما المرحلة الثانية فحين ينمو الورم بدرجة كبيرة، ويكاد الجهاز المناعي يواكب معدل النمو هذا بتدمير خلايا الورم، فتصبح معدلات نمو الورم تساوي قدرة جهاز المناعة للقضاء على الورم، فيظل حجم الورم ثابتًا.
أما المرحلة الثالثة حينما يستمر الورم في النمو مجتازًا قدرة جهاز المناعة على المواكبة، في هذه الحالة يزداد حجم الورم ويتحول إلى ورم سرطاني، وخلال نموه يطور وسائل مختلفة لخداع جهاز المناعة، فقد يعرض على غشاءه الخلوي مستقبلات كتلك التي في الخلايا الطبيعية «Self receptors»، أو يخفي المستقبلات على غشائه الخلوي كليًا فلا يعرف جهاز المناعة بوجوده أصلًا، أما بعض الأورام فتفرز رسائل للخلايا المناعية لتخبرها -مجازًا- لأن تتوقف عن العمل والانتشار ومحاربة الجسد، مما يتيح الفرصة للسرطان بالنمو والانتشار.

حرب على السرطان باستخدام المناعة

كل ذلك دفع العلماء إلى تطوير علاجات تنشط جهاز المناعة ليكون أكثر قدرة على محاربة الأورام السرطانية فيما يسمى بالعلاج المناعي «Immunotherapy»، وذلك عن طريق تصميم مركبات كيميائية تسمى بالأجسام المضادة antibody، وتوجد في الجسم طبيعيًا وتساعده في التعرف على الأجسام الغريبة الموجودة داخله – كالميكروبات والخلايا السرطانية- وحصارها وجعلها فريسة سهلة للاستجابات المناعية، للأجسام المضادة يدان وتشبه حرف الـ Y في اللغة الانجليزية، في العلاج المناعي، يعدّل العلماء الأجسام المضادة تلك لتمسك إحدى يديها بالخلية السرطانية، أما اليد الأخرى فتمسك بالخلية التائية، مما يجعل المسافة بين الخليتين صغيرة جدًا فتستطيع الخلية التائية أن تفرز إنزيماتها لتدمر الخلية السرطانية.
في الواقع لا تعتمد فاعلية العلاج المناعي فقط على تقريب الخلية المناعية من الخلية السرطانية لممارسة مهمتها، ولكن لفهم ما يحدث علينا أولًا فهم كيف تتواصل الخلايا مع بعضها البعض.

كيف تتواصل الخلايا؟

خلايا الجسم كائنات جامدة غير عاقلة، لا تخطط ولا تفكر، ولكنها طورت نظامًا شديد التعقيد والتناسق في التواصل فيما بينها، هذا النظام يشمل المواد الكيميائية مثل الهرمونات وغيرها بالإضافة إلى المستقبلات التي تستقبلها، فتعرض كل خلية بروتينات مختلفة على سطحها تعرف بالمستقبلات، تمثل هذه المستقبلات بريدها التي تستقبل عليه الرسائل من الخلايا الأخرى المجاورة لها أو من الجانب الآخر كليًا من جسد الإنسان، وباقي الخلايا تفرز موادًا كيميائية تتشابك مع هذا المستقبل مثل المفتاح والقفل، والخلايا التائية ليست أجنبية عن ذلك، فهي تحمل مستقبلات مختلفة لرسائل الخلايا المجاورة، فمنها تعرف هل هناك خطر فيجب أن تنقسم وتتنشط لتقضي عليه؟ أم كل تحت السيطرة فلا داعي للنشاط والانقسام، ولكن بعض أنواع الخلايا السرطانية ترسل رسائل كاذبة وتأمر الخلايا التائية بأن يتوقف انقسامها ويقل نشاطها فكل شيءٍ على ما يرام! تكون هذه الرسائل في صورة انترليوكنات «Interleukin» وعوامل كيميائية أخرى، فتهدأ الخلايا التائية تاركة السرطان يفعل ما يحلو له.

كيف يحارب العلاج المناعي السرطانات؟

في العلاج المناعي لا يقوم الجسم المضاد المعدل بتقريب الخليتين من بعضها البعض، ولكنه يمسك في المستقبل المتحكم في تثبيط الخلية المناعية، فمهما أفرز السرطان من رسائل كاذبة ظلت المناعة نشطة تحارب الخلايا السرطانية، ولكن هذا يحمل خطر استمرار نشاطها إن غابت الخلايا السرطانية، مما يجعلها خطرًا على خلايا الجسم السليمة الأخرى فيما يسمى بتسمم المناعة الذاتية «Autoimmune toxicity»، وهنا جاءت الورقة البحثية في دورية نيتشر لعلوم السرطان «Nature Cancer» نوفمبر 2019 لتتقدم خطوة جديدة في العلاج المناعي.

ورقة بحثية جديدة

قام الباحثان لان وو «Lan Wu» و إدوار سون «Edward Sueng» وزملائهما بتطوير أجسام مضادة تعمل على تنشيط الخلايا المناعية بدلًا من منع تثبيطها، تقوم بذلك عن طريق تفعيل مستقبل خلوي يسمى CD28 والذي يعمل كمنشط مساعدة «Co-stimulatory» يساعد على انقسام الخلايا التائية وزيادة نشاطها ومنع موتها، مما يؤدي إلى استجابة مناعية قوية ضد الخلايا السرطانية، يمسك الجسم المضاد مستقبلين آخرين، الثاني هو CD3 في الخلية التائية والذي يعد عنصرًا رئيسيًا في تفعيلها وإطلاق أسلحتها ضد الخلية السرطانية، والثالث هو المستقبل الخلوي CD38 التي تظهره بعض الخلايا السرطانية على سطحها. في تجربتهم، أراد العلماء أن يعرفوا مدى تأثير المستقبل الخلوي CD28 الذي تتفاعل معه الأجسام المضادة على مقاومة جهاز المناعة للخلايا السرطانية، فزرعوا خلايا تائية بشرية وخلايا سرطان دم «Myeloma» بشرية في فئران التجارب، وأضافوا إليها العديد من الأجسام المضادة المختلفة في أطرافها وفي المستقبل التي تتفاعل معه، فوجدوا أن تفاعل الأجسام المضادة المعدلة مع المستقبل CD28 في الخلايا التائية زاد قدرتها على الانقسام و قتل الخلايا السرطانية، سواء في أجسام الفئران أو في المعمل، حتى في الجرعات الصغيرة من الأجسام المضادة.
رغم أن هذه الدراسة لم تقس خطر تكوين الأمراض المناعية نتيجة هذا النشاط الزائد للخلايا التائية، إلا أنها تعتبر خطوة هامة في العلاج المناعي للسرطان، فالأجسام المضادة ثلاثية الرابطة تمنح مرونةً أكبر للتعامل مع أنواع الأورام السرطانية المختلفة، وتفتح الباب أم مستقبلٍ أوسع في العلاج المناعي، جاعلة إياه أكثر فعالية ودقة.

مصادر:
1. Sciencedirect

2. CurrentProtocols

3. Nature

رابط الدراسة:
Nature Cancer

Exit mobile version