كيف غيّر طب النانو من شكل حياتنا وكيف سيغير مستقبلنا؟

يعني طب النانو اليوم الكثير لمستقبل الطب، فهو يمنح الأطباء القدرة على الكشف المبكر عن الكثير من الأمراض ويزيد من دقة المعلومات التشخيصية ويساعد بتسريع العلاج وجعله أكثر فعالية. إذ يعد أداة رئيسية للطب المتخصص والموجه والتجديدي.

يتوقع العلماء أن يؤدي طب النانو قريبا إلى العديد من الاكتشافات المثيرة والتطبيقات المهمة طبيا. فما هو طب النانو؟ وما هي أنواعه، وتطبيقاته، وتحدياته؟

ما هو طب النانو؟

يعرف التطبيق الطبي لتقنيات النانو ضمن مجال الرعاية الصحية باسم “طب النانو”. وتُسخر في طب النانو تقنيات النانو للوقاية من الأمراض المختلفة، وتشخيصها ومراقبتها وعلاجها بطرق أكثر فعالية [1]. كما يصنع العلماء مواد وأجهزة تعمل ضمن الجسم على المستوي الذري أو الجزيئي مما يسمح بنتائج محددة الهدف ومحدودة الآثار الجانبية [2].

أنواع طب النانو

  • التشخيصي: وفيه تستخدم تقنيات النانو لتحسين جودة أجهزة ومعدات التشخيص الطبي. فمثلًا يمكن للجسيمات النانوية أن تعزز تقنيات كالتصوير بالأمواج فوق الصوتية والرنين المغناطيسي لإنتاج صور أكثر وضوحًا [2].
  • العلاجي: وفيه تستخدم تقنيات النانو لتحسين جودة وفعالية العلاج الطبي، فالجسيمات النانوية صغيرة بما يكفي ويمكن التحكم بها لإرسال الأدوية إلى مكان محدد من الجسم، مما يزيد فعالية العلاج ويقلل آثاره الجانبية. ويدرس العلماء حاليًا إمكانية تطوير علاجات فردية مصممة خصيصًا لجينات المريض فيما يعرف باسم “الطب الشخصي”[2].
  • طب النانو الوقائي: وفيه يمكن الاستفادة من الجسيمات النانوية ضمن اللقاحات لتحفيز الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة للفيروسات [2].
  • الطب التجديدي: يتم حاليا بالفعل استخدام جزيئات تسمى بالأنابيب النانوية الكربونية لإصلاح النسج التالفة. ويتوقع في المستقبل أننا سنتمكن من إعادة إنماء الأعصاب المتضررة وتجديدها. وكذلك قد نتمكن مع استخدام هياكل نانوية محددة ومناسبة من إصلاح خلايا الجلد البشري والعظام والعضلات وإعادتها للعمل [2].

بعض تطبيقات طب النانو اليوم وآفاقها المستقبلية

  1. استخدم طب النانو في تطوير لقاحات COVID-19، إذ تعد الجسيمات النانوية عنصرًا أساسيًا في لقاحات شركتي فايزر (PFIZER) وموديرنا (MODERNA). وتستخدم هذه اللقاحات رنا الرسول mRNA لتطوير مناعة ضد فيروس COVID-19. لكن يعرف الرنا الرسول بانهياره السريع، لذا احتاج العلماء لشيء يحمله لداخل الجسم قبل أن ينهار. ولهذا قام العلماء بوضعه داخل الجسيمات النانوية التي توصله للخلايا المناعية حيث يمكنه القيام بعمله. وتعتبر أكثر منتجات الطب النانوي اليوم هي أنظمة إيصال الدواء إلى مناطق محددة داخل الجسم. وقد سجل لقاح فايزر القائم على الجسيمات النانوية 90% فعالية للوقاية من فيروس كورونا بعد 7 أيام فقط من تلقي الجرعة الثانية [5].
  2. علاجات السرطان بطرق أكثر فعالية وأعراض جانبية أقل. نعلم أن العلاج الكيميائي يوصل أدوية مكافحة الخلايا السرطانية للخلايا كلها دون تمييز، مما ينتج آثارًا جانبية قد تؤدي للغثيان وتساقط الشعر وغيرها. ولكن سمح طب النانو للعلماء والأطباء بتوجيه العلاج نحو الخلايا السرطانية دون الخلايا السليمة. مما قلل كثيرًا من الآثار الجانبية ولا زالت الأبحاث تتطور يوميًا في هذا المجال.
  3. يستخدم الرنين المغناطيسي لإنتاج صور تشريحية للجسم والأعضاء والنسج، وتستخدم عادة مواد تباين تحقن عبر وريد المريض لتجعل الصور والتفاصيل ضمنها أكثر وضوحًا. إلا أنه مؤخرًا قدمت جسيمات النانو الفلورية تباين أفضل بكثير من مواد التباين التقليدية.
  4. يعتبر إيصال الدواء إلى الدماغ معضلة بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي الذي يمنع مرورها. ولكن مؤخرًا استطاعت الجسيمات النانوية بسبب حجمها الصغير عبور الحاجز الدموي الدماغي. مما يقدم وعودًا كبيرة لعلاجات أورام المخ والسكتات الدماغية والتهاب السحايا ومرض ألزهايمر.
  5. تحتوي العين أيضًا على حواجز لحمايتها من المواد الغريبة مما يجعل إيصال الدواء لهدفه عملية صعبة. وسيقدم طب النانو طرق فعالة لإيصال الدواء لهدفه في العين أيضًا. مما يساعد في علاج الملتحمة وإعتام عدسة العين وإصابات القرنية والتنكس النقعي والزرق.
  6. إصلاح إصابات الحبل الشوكي. إذ يمكن أن تساعد المواد النانوية أيضا الجسم في إصلاح تلف الأعصاب. ويسعى الأطباء إلى استخدام سقالات نانوية توجه نمو الأنسجة العصبية الجديدة.
  7. يمكن باستخدام تقنية النانو أن نقلل من عدد مرات أخذ الجرع الدوائية وحجم الجرعة، فمثلا يتطلب العلاج الحالي للضمور البقعي المرتبط بالعمر AMD حقن شهري في العين ضمن العيادة ولكن مع استخدام الجسيمات النانوية يمكن تقليل وتيرة الحقن إلى مرة كل ستة أشهر إذ تحمي الجسيمات النانوية الدواء من الجسم وتجعل تحلله أبطأ وتوصله مباشرة للهدف فيساعد ذلك بالحد من حجم الجرعة[1] .
  8. يأمل العلماء أن يتمكنوا مستقبلا باستخدام تقنية النانو من تطوير أجهزة مزروعة كناظمات الخطى والشبكات القلبية ورقائق وأجهزة استشعار صغيرة ترسل البيانات للطبيب المراقب عن بعد.
  9. التشخيص والكشف المبكر عن الأمراض من خلال مراقبة العلامات الحيوية التي تظهر على مستوى الخلية أو في الجسم في لحظة معينة. فمثلا يعتبر ارتفاع كوليسترول الدم علامة حيوية مبكرة لمرض القلب إذا اكتشف مبكرًا. وتعتبر الجسيمات النانوية أكثر حساسية لهذه العلامات ويمكن أن تعطي نتائج وقياسات أكثر دقة، بالتالي تتيح إمكانية التشخيص المبكر.

الأدوية النانوية في الأسواق

دخلت الأدوية النانوية بنجاح في الممارسات السريرية على مدى العقود الماضية بالفعل. وأدى التطور المستمر في البحوث الصيدلانية لخلق أبحاث أكثر تعقيدًا دخلت في مراحل التجارب السريرية [4]. فلدى طب النانو في الوقت الحاضر مئات المنتجات في مرحلة التجارب السريرية والتي تغطي جميع الأمراض الرئيسية بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والتنكس العصبي والعضلات الهيكلية والالتهابات. ويمتلك طب النانو بالفعل ما يقارب 80 منتجًا مسوقًا بدءًا من التوصيل النانوي والمستحضرات الصيدلانية إلى التصوير الطبي والتشخيص والمواد الحيوية [3].

في الاتحاد الأوروبي يتكون سوق الطب النانوي اليوم من الجسيمات النانوية، والبلورات النانوية، والمستحلبات النانوية، والمركبات البوليميرية.

يوضح الجدول التالي أمثلة على الأدوية النانوية المعتمدة حاليا في الأسواق ضمن الاتحاد الأوروبي.

تحديات تواجه طب النانو

كما هو الحال مع أي تقنية متقدمة فإن الاحتمالات الواعدة التي يقدمها الطب النانوي في المستقبل يجب موازنتها مع المخاطر [4]. إذ ظهرت بعض المخاوف بشأن قضايا سلامة استخدام المواد النانوية طبياً. فالخصائص الفيزيائية والكيميائية المختلفة للمواد النانوية يمكن أن تؤدي لحرائك دوائية كالامتصاصية والتوزع والتمثيل الغذائي والتخلص منها وإمكانية عبور الحواجز البيولوجية بسهولة أكبر والسمية واستمراريتها في البيئة والجسم هي بعض من الأمثلة بشأن المخاوف من تطبيق المواد النانوية طبياً [4].

ويتم تنظيم سلامة منتجات الطب النانوي تمامًا مثل الأدوية والأجهزة الطبية، ويتم تقييمها سريريًا من حيث نسبة الفائدة / المخاطر للمرضى. ومثل أي أجهزة أو عقاقير طبية يتم مراقبة الأدوية النانوية بشكل صارم، وتتبع التوصيف الشامل وتقييم السمية والتجارب السريرية متعددة المراحل لتقييم نسبة الفائدة / المخاطر قبل إتاحتها للتداول بكامل إمكانياتها. ومع ذلك، من الأهمية بمكان إجراء فحص مسبق بعناية ومسؤولية لجميع الآثار الجانبية المحتملة على الإنسان والبيئة. وقد أقيمت العديد من المشاريع الأوروبية لتتعامل مع هذه القضايا [3].

رغم أنه في العقود الماضية، أدخلت العديد من تطبيقات طب النانو في الممارسات السريرية بالفعل، ومع ذلك لا يزال الطريق طويل نحو التنظيم الكامل لطب النانو وتطوير بروتوكولات توصيف خاصة به [4] .

ختاما، إن طب النانو يثير توقعات عالية لملايين من المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية والطبية لحلول واعدة للعديد من الأمراض بطرق أكثر فعالية وكفاءة.

تستفيد اليوم العديد من مجالات الرعاية الطبية بالفعل من المزايا التي تقدمها تقنيات النانو التي أدخلت في جميع مجالات الطب. ورغم ذلك لا تزال البشرية تحارب عددا كبيرا من الأمراض الخطيرة والمعقدة مثل ( السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والتصلب المتعدد وألزهايمر وباركنسون ومرض السكري بالإضافة لأنواع مختلفة من الأمراض الالتهابية والفيروسية المعدية). لمعظم هذه الأمراض تأثير سلبي على المريض والمجتمع والأنظمة الاجتماعية والتأمينية المرتبطة به. فمن الأهمية بمكان ما مواجهة هذه الآفات بالوسائل المناسبة والتي يعتقد أن طب النانو هو الأداة الرئيسية لذلك في المستقبل القريب.

المصادر
[1]. cnm hopkins.org: what is nanomedicine?
[2]. webmd: nanomedicine what to know?
[3]. etp: what is nanomedicine?
[4]. frontiersin.org
[5]. wikipedia: لقاح فايزر بيونتك

المتحور دلتا، ما الذي نعرفه عن التحور المهيمن صانع ريمونتادا كوفيد 19 الجديدة؟

المتحور دلتا هو أحد أكثر تحورات فيروس كورونا شهرةً. بسبب الكارثة الإنسانية التي ألحقها بالهند. كذلك الزيادة في معدلات انتشاره على مستوى العالم. فقد تسبب في زيادة ملحوظة في أعداد الوفيات والإصابات بالهند. حتى أن المستشفيات اكتظت بالمرضى ولم تعد بها أماكن لاستقبال مرضى جدد. كما لم تتوفر أماكن كافية لحرق الجثث وفقاً للتقاليد الهندوسية وحدث نقص شديد في اسطوانات الأكسجين المستخدمة في إسعاف المرضى. [2] كذلك فقد سارع الكثير من أبناء الشعب الهندي لأخذ اللقاح ليساعدهم في حربهم ضد ذلك العدو الذي لا يرحم. حتى يتجنبوا المصير الذي يشاهدوه في الطرقات وعلى التلفاز والإنترنت وبين أقاربهم. الأمر الذي نتج عنه نفاذ كميات اللقاح المتوفرة في حينها. [3] كما أنه أثار ذعراً من نوع آخر حول إحتمالية قلة فاعلية لقاحات وعلاجات كوفيد-19 تجاهه. ومع استمرار انتشاره في كثير من دول العالم؛ أصبح كثير من قادة الدول يترقبون في حذر وصوله إلى دولهم وصورة الضحايا في الهند لا تغادر أذهانهم.

اكتشاف المتحور دلتا

في أواخر 2020 بدأت إصابات كوفيد-19 في الهند في الارتفاع. وهناك تم اكتشاف المتحور دلتا لأول مرة. وكان في مارس 2021 مسئولاً فقط عن 4% من الإصابات. إلا أنه في غضون شهرين فقط أصبح مسئولاً عن 70% من الإصابات. [2]

رسم يوضح ارتفاع عدد الحالات التي تسبب بها المتحور دلتا من مارس 2021 (<7%) إلى مايو 2021 (>70%). [2]

تصنيف منظمة الصحة العالمية للمتحور دلتا

بشكل عام تتطور كل الفيروسات بشكل مستمر بسبب حدوث طفرات كنتيجة لأخطاء تحدث أثناء عملية التكاثر ونسخ الشفرة الوراثية. الغالبية العظمى من تلك الطفرات لا يكون له تأثير على الفيروس. لكن بعضها قد يعطيه ميزات تطورية تمكنه من الانتشار بشكل أسرع أو يجعله مقاوماً لمضادات الفيروسات واللقاحات أو يتسبب في أمراض أو أعراض مختلفة أو أكثر خطورة من المشهور عنه.

وكأثر من آثار جائحة كوفيد-19 قامت منظمة الصحة العالمية بتتبع طفرات الفيروس المسئول وتحوراته وقامت بتصنيفها إلى قسمين:

1- تحور مثير للقلق Variant of concern:


لكي يكون تحور سارس-كوف-2 مصنفاً كتحور مثير للقلق؛ ينبغي أن تنطبق عليه أحد أو كل الشروط التالية:

1- زيادة شديدة في معدلات انتشاره وانتقاله.

2- زيادة في ضراوته وتغير في الأضرار التي يُلحقها بالمريض والصورة المرضية المشهورة عن المرض الذي يسببه.

3- انخفاض فاعلية أساليب الصحة العامة المعتمدة في الحد من أثره وانتشاره مثل: العلاجات المستخدمة، اللقاحات، وسائل التشخيص المعملية.

2- تحور مثير للاهتمام Variant of interest:

لكي يكون التحور مصنفاً كمثير للاهتمام؛ فلابد أن يتحقق به شرطان:

1- أن تحدث به طفرة جينية مُتوقع علمياً أن تتسبب في تغييرات تزيد من قدرته على الانتشار أو مقاومة الأدوية والمناعة أو تزيد من ضراوته وشدة المرض الذي يسببه.

2- يتسبب في حدوث إصابات محدودة في مناطق معينة أو منتشرة في عدد من الدول يزداد عددها مع الوقت بشكل ينذر بحدوث موجة جديدة من الإصابات.

وهذا التصنيف لا يعد بديلاً عن التصنيفات والتسميات المعتبرة في علم الفيروسات والتي تتولاها هيئات علمية دولية كبرى. ولكن هو محاولة للمساعدة في تبسيط النتائج التي يتوصل لها المختصون. ومن ثم يتمكن المسئولون وأصحاب القرار من اتخاذ قرارات وإجراءات بشكل أسرع وأكفأ في مواجهة أي تحور قد يشكل خطورة. وكذلك لتسهيل فهم التحورات على غير المختصين ومن ثم يزداد الوعي بها. وأيضاً كمحاولة لمنع التحيز والتمييز ضد سكان بلدان معينة تم اكتشاف هذا المتحور بها أول مرة.

كما قامت منظمة الصحة العالمية بابتكار نظام يسهل تسمية التحورات المهمة من فيروس سارس كوف 2 SARS-CoV-2 المسئول عن كوفيد-19. حيث يتم تسمية التحورات بالحروف اليونانية كالتالي:

ألفا Alpha، بيتا Beta ، جاما Gamma، دلتا Delta،…. وهكذا.

ويندرج المتحور دلتا تحت المتحورات المثيرة للقلق وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. [4]

صورة تعبيرية عن تنوع تحورات سارس-كوف-2. [15]

ما هي التحورات التي أنتجت المتحور دلتا؟

إن دلتا يحمل عدة طفرات في الجين المسئول عن إنتاج البروتين الشوكي (إس جين S gene). تتسبب في تحورات في البروتين الشوكي الذي يمكن الفيروس من دخول الخلية والذي هو أيضاَ هدف الأجسام المضادة التي يكونها جهاز المناعة سواء لدى المتعافين أو من تلقوا اللقاح. [7، 9]

بشكل عام يحمل المتحور دلتا تحورات في ثلاثة مناطق من البروتين الشوكي Spike protein:

1- نطاق الارتباط بالمستقبِل Receptor-binding domain (RBD):
هذا الجزء مسئول عن الارتباط بمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 Angiotensin Converting Enzyme 2 Receptor (ACE2 R) والتي يرتبط بها الفيروس على سطح الخلية حتى يتمكن من الدخول إلى الخلية.
ويمتلك المتحور دلتا ثلاث طفرات في هذا الجزء: الأولى تساعده في تفادي الأجسام المضادة والثانية تمكنه من الارتباط بكفاءة أكثر بالمستقبل ومن ثم الارتباط بالخلايا ودخولها بسرعة والانتشار أسرع و الثالثة تساعده في الارتباط بالمستقبلات وفي تفادي الأجسام المضادة.

2- موضع ا
لتكسير بالفيورين Furin Cleavage Site:
يتركب البروتين الشوكي من جزئين: جزء الارتباط بالمستقبل Receptor-binding subunit S1 وجزء الالتحام بالخلية Fusion subunit S2 وبينهما موضع التكسير بالفيورين. والذي يلزم تكسيره بعد ارتباط S1 بالمستقبل حتى يتمكن الجزء S2 من الالتحام بسطح الخلية. والمتحور دلتا يحمل طفرات بهذا الموضع تسهل عملية التكسير بالفيورين ومن ثم الدخول للخلية وبالتالي تساعده على الانتشار أكثر وأسرع.

3- نطاق النهاية الأمينية (الموضع مولد الضد الفائق) N-Terminal Domain (Antigen supersite):
يعتبر هذا الجزء من البروتين الشوكي أحد أهم نقاط ضعف الفيروس حيث يعتبر هدفاً للأجسام المضادة. لكن المتحور دلتا يتميز بامتلاكه عدد من الطفرات بهذا الجزء مما يجعله قادراً نسبياً على تفادي الأجسام المضادة والهروب منها. [7، 9]

معدل انتشار المتحور دلتا

لكن عزيزي القاريء هل يمكن أن يكون انتشار دلتا في الهند هو مجرد صدفة وإستعداد جسدي ما لدى المصابين في الهند كما حدث مع المتحور جاما في البرازيل سابقاً؟ والذي لم ينتشر بكثافة في أماكن أخرى في العالم كما انتشر بالبرازيل.

بناءاً على البيانات التي تم التوصل إليها فإن المتحور دلتا هو أكثر متحورات سارس-كوف-2 قدرة على الانتشار. إذ يبلغ معدل انتشاره تقريباً ضعف سلالة ووهان الأصلية. ويمكن تصنيفه كفائق الانتشار Superspreader. فقد أصبح المتحور دلتا في شهور قليلة المتحور المهيمن على عدوى كوفيد-19، ومن ثم حل محل التحورات الأخرى في معظم البلدان؛ مثل: أمريكا والهند وانجلترا واسكتلندا وإسرائيل وغيرهم. [9]

حيث انتشر دلتا في بريطانيا وحدها بمعدل أعلى ب 40 – 50 % من معدل انتشار المتحور ألفا والذي تم اكتشافه في بريطانيا سابقاً. وكان معدل انتشاره يفوق سلالة ووهان الأصلية بمعدل 50% [5]
كذلك في أستراليا ارتفعت نسبة إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا من 1% إلى 84% في غضون ثلاثة شهور فقط. أما بالنسبة لروسيا فإن نسبة الإصابات المسئول عنها المتحور دلتا ارتفعت من 0% إلى 95%. [2]

وحتى وقتنا الراهن فإن متحور دلتا مسئول عن ما يزيد على 80% من الإصابات في الولايات المتحدة. ومع كون ما يقرب من 50% فقط من الشعب الأميريكي قد تلقى اللقاح فإن ذلك مثار قلق هناك. خصوصاً أنه وفقاً للإحصائيات فإن معدلات الإصابة بدلتا تتناسب عكسياً مع نسب متلقّي اللقاحات في الولايات. [9، 10] وقد أعاد مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC إصدار توصيات بإرتداء الكمامات في الأماكن المغلقة حتى لمن تلقوا اللقاح بشكل كامل مع ظهور إصابات بين من تلقوا اللقاح وذلك من أجل الحد من انتشار العدوى. [11]

يٌعد أحد أكبر الألغاز التي يثيرها المتحور دلتا هو تمكنه من الهيمنة على العدوى بالمقارنة بمتحورات كورونا المنتشرة الأخرى. وذلك على الرغم من أن بعضها يمتلك تحورات تمكنها من تجنب الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة بفعالية أعلى من قدرة المتحور دلتا. [6]

تأثير المتحور دلتا عل شدة أعراض كوفيد والحاجة للحجز في مستشفى

قد أفادت بعض التقارير بإختفاء أعراض قديمة شهيرة عند الإصابة بالمتحور دلتا مثل: الكحة وفقدان حاستي الشم والتذوق وبوجود أعراض جديدة مصاحبة له؛ مثل: ضعف أو فقدان السمع، تكوّن جلطات مسببة موت الأنسجة وبالتالي غنغرينا. لكن حتى وقتنا الراهن لا يوجد دليل قاطع على ارتباط وثيق بين هذه الأعراض والإصابة بالمتحور دلتا، كذلك ارتباطه بمعدلات وفيات أكثر. ما يزال كل هذا محل بحث. بينما الأعراض مثل الصداع وإلتهاب الحلق والحمى مازالت ضمن الأعراض التي تظهر مع إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا [9]
لكن يبدو أن المتحور دلتا يزيد من إحتمالية الحجز بالمستشفى، حيث وجدت إحدى الدراسات أن الإصابة بالمتحور دلتا تزيد من إحتمالية الحاجة للحجز بالمستشفى بمعدل الضعف بالمقارنة بالمتحور ألفا والذي كان أشد من سلالة ووهان الأصلية. [12]

اللقاحات والمتحور دلتا – انخفضت فاعليتها لكن ما تزال قادرة على الحماية

منذ بدايات اكتشاف اللقاحات وهي تعد أحد أهم دفاعات البشر ضد الإصابة بالعدوى ووسيلة فعالة لإنقاذ حياة البشر وحمايتهم. لذلك عندما ظهرت جائحة كوفيد-19 وجه كثير من البشر آمالهم وتطلعت أبصارهم إلى مختبرات العلماء منتظرين منهم لقاح للحماية من تلك الجائحة الكارثية.
وقد كان وظهرت عدة لقاحات للوقاية من كوفيد-19. ولكن كما ذكرنا عزيزي القاريء فإن الفيروسات تتحور وبعض تحورات سارس-كوف-2 تكون في الهدف الذي تستهدفه اللقاحات في عملها. وهذا يثير تساؤلاً حول فاعلية اللقاحات في الوقاية من المتحور دلتا.

لقد لاحظت دراسة معملية انخفاض فعالية الأجسام المضادة المتكونة عند المتعافين أو من تلقوا اللقاح ضد سلالة دلتا بالمقارنة بالسلالة الأولى المعروفة بسلالة ووهان. مع ذلك ما تزال هذه الأجسام المضادة قادرة على توفير نوع من الحماية ضد فيروس دلتا. [8]

كما لاحظت دراسة أخرى باسكتلندا أن التطعيم بلقاح أسترازنيكا أو فايزر-بيونتك حتى وإن كان ذو فعالية أقل ضد المتحور دلتا فإنه يقلل من شدة الإصابة بالمتحور دلتا ويقلل كذلك من نسب الحاجة للحجز بمستشفى. [12]

كما أنه وُجد في دراسة أخرى في بريطانيا -لا تزال تحت التحكيم- أنه رغم إنخفاض كفاءة اللقاحات في توفير حماية من المتحور دلتا إلا أنها مازالت توفر حماية مقبولة. حيث كانت الحماية التي يوفرها لقاح فايزر-بيونتك مثلاً ضد المتحور دلتا حوالي 88%. كذلك فإن لقاح أسترازينيكا كان فعال بنسبة 67% ضد دلتا. كما وجدت الدراسة أيضاً أن اللقاحات تقلل من شدة الأعراض ومن ثم تقلل معدلات الحجز بالمستشفيات. حيث وجدت الدراسة مثلاً: أن استخدام اللقاحات يقي من الأعراض الخطيرة التي تتطلب حجز بمستشفى بنسبة تتراوح بين 71% و94% بعد الجرعة الأولى وبين 92% و96% بعد الجرعة الثانية. [13]

وعندما قارنت دراسة بين فاعلية الأجسام المضادة الموجودة عند متعافين من كوفيد-19 والمٌتكونة نتيجة لقاحات؛ وجدت أن فعالية الأجسام المضادة المتكونة نتيجة لقاحات أعلى في الحماية من المتحور دلتا. [7]

من ثم يمكن القول أن لقاحات كوفيد-19 لا تزال توفر نوع من الحماية حتى من المتحور دلتا.

كيف نواجه المتحور دلتا ونوقف تحور الفيروس؟

ربما تتسائل الآن عزيز القاريء عن كيفية مواجهة دلتا وخفض معدل التحورات عموماً. إن الاستراتيجية المتاحة أمامنا هي الحد من انتقال الفيروس بقدر الإمكان. من ثم نُوقف قدرته على التحور إلى أشكال أشد ضراوة وخطورة. والأسلحة التي في جعبتنا كأفراد حالياً هي الالتزام بالتباعد الاجتماعي وإرتداء الأقنعة الواقية وتناول اللقاحات المتوفرة. [9] وبالنسبة للمنظمات والجهات المسئولة ففي جعبتهم فرض وتطبيق لوائح وقوانين تحد من انتشار الفيروس. كذلك إتخاذ خطوات تسرع من عمليات التطعيم وتساعد في الترصد والكشف المبكر عن التحورات الجديدة التي قد تشكل خطورة جديدة. وهي أسلحة فعالة إلى حد كبير إذا ما أحسننا استخدامها قبل فوات الأوان.

يكمُن الخطر الحقيقي عزيزي القاريء في أنه بوجود أفراد لم يتلقوا اللقاح أو مع عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية من كوفيد 19 فإننا نسمح بوجود إصابات بالفيروس. مما يخلق وسطاً يساعده على التحور أكثر فأكثر بشكل سريع ولا يمكن توقع أثر أو مشاكل أو خطورة هذه التحورات مستقبلاً. في الواقع إن المتحور دلتا قد ظهر منه تحور جديد هو دلتا بلس والذي هو قيد البحث والتتبع حالياً أيضاُ. [14]

المصادر:

  1. WHO says delta variant driving Covids fourth wave in Middle Easts :مصدر الصورة البارزة للمقال
  2. Demystifying the Delta Variant with Data – Johns Hopkins Coronavirus Resource Center
  3. Covid-19 vaccination: Is India running out of doses?
  4. Tracking SARS-CoV-2 variants (who.int
  5. How Dangerous Is the Delta Variant, and Will It Cause a COVID Surge in the U.S.?
  6. Why Do Variants Such as Delta Become Dominant?
  7. Reduced sensitivity of SARS-CoV-2 variant Delta to antibody neutralization
  8. Infection and Vaccine-Induced Neutralizing-Antibody Responses to the SARS-CoV-2 B.1.617 Variants | NEJM
  9. How Dangerous Is the Delta Variant (B.1.617.2)? | ASM.org 
  10. CDC COVID Data Tracker
  11. Interim Public Health Recommendations for Fully Vaccinated People
  12. SARS-CoV-2 Delta VOC in Scotland: demographics, risk of hospital admission, and vaccine effectiveness
  13. Public library – PHE national
  14. S.Korea on alert for new Delta Plus COVID-19 variant
  15. Delta variant brings new pandemic threat to Germany 

ماهي مناعة القطيع؟ وهل من الممكن تحقيقها ضد فيروس كورونا المستجد؟

من المحتمل أنك سمعت مصطلح (مناعة القطيع) مرة على الأقل في الفترة الأخيرة أثناء قراءتك لأخبار جائحة فيروس كورونا المستجد-COVID-19.

فما الذي يعنيه هذا المصطلح؟ وهل وصل البشر إلى هذه المناعة ضد أمراض سابقة واجهتهم؟ وكيف نعرف إذا كان من الممكن تحقيقها ضد فيروس كورونا المستجد؟

ما هي مناعة القطيع؟
مناعة القطيع مصطلح في علم الأوبئة يعني أن مجتمعًا ما قد حصل ما يكفي من أفراده على المناعة ضد عدوى معينة، مؤديًا ذلك إلى لوقف انتشار هذه العدوى.

إلام تهدف مناعة القطيع تحديدًا؟
تهدف مناعة القطيع إلى كسر سلسلة انتشار العدوى، وحماية الآخرين. ذلك أن حصول شخص ما على المناعة، لا يحميه فقط من الإصابة بالعدوى، بل يمنعه من نقل العدوى إلى الآخرين، ويحمي بذلك ذوي المناعة الضعيفة أو من لا يستطيعون تلقي اللقاح، كالأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.


ما هي طرق بلوغ مناعة القطيع؟
يبلغ مجتمع ما مناعة القطيع بطريقتين: الأولى هي أخذ اللقاح ضد المرض، والأخرى هي المناعة الطبيعية، وهي الأجسام المضادة التي يشكلها جسم الإنسان طبيعيًا ضد الكائن المسبب للمرض، إثر تعرض سابق للعدوى به.
بالطبع، الطريقة الأولى هي المفضلة؛ إذ أن المناعة الطبيعية تتطلب إصابة الأفراد بالمرض ويحتمل هذا تطوير مضاعفات قد تكون خطيرة.


ما نوعية الأمراض التي تستهدفها مناعة القطيع؟
تحمي مناعة القطيع المجتمعات من الأمراض المعدية المنتقلة من إنسان إلى آخر. أما مرض الكزاز مثلًا(وهو مرض تسببه بكتيريا التيتانوس الموجودة في التراب وبراز الحيوانات، ويتجلى على هيئة تشنجات عصبية) فرغم توفر اللقاح، لا تحول مناعة القطيع دون الإصابة به، ذلك أنه حتى في حال حصول من حولك على لقاحاتهم ضد المرض، فمن الممكن أن تلتقط العدوى من بكتيريا في بيئتك المحيطة، وبذلك يكون حصولك أنت كذلك على اللقاح، هما فرصتك الوحيدة لتجنب هذه العدوى

ما هي نسبة أفراد المجتمع، التي يستلزم حصولها على المناعة لتحقيق مناعة القطيع؟
يعبر عن عدد الحالات التي يتسبب بها مصاب واحد عن طريق نقل العدوى إليهم، بمصطلح عدد التكاثر الأساسي-basal reproductive rate والمشار إليه بالرمز(R0).
لكل مرض معدٍ عدد انتشار أساسي خاص به، يخبرنا إلى أي حد هذا المرض معدٍ، ويعتبر هذا العدد العامل المحدد لنسبة الأفراد اللازم حصولهم على المناعة في المجتمع لتحقيق مناعة القطيع، ويسمى الحد الأدنى لهذه النسبة: (العتبة)، أو بداية مناعة القطيع-Herd immunity threshold، فتكون النسبة الأدنى اللازمة لبعض الأمراض 40%، لكنها تتراوح بين 80-95% لأغلب الأمراض.

فيما يخص مرض الحصبة مثلًا، يتطلب تحقيق مناعة القطيع أن يحصل 19 فرد من كل 20 على المناعة، ذلك أن الحصبة مرض ذو معدل انتشار عال.

هل ساعدتنا مناعة القطيع سابقًا في القضاء على الأمراض؟
وضعت مناعة القطيع حدًا للكثير من الأمراض المعدية عن طريق حصول أفراد المجتمعات على لقاحاتهم، مثل مرض الجدري المستأصل عام 1977، كما ساهمت في تقليل معدلات انتشار أمراض أخرى كإنفلونزا الخنازير(H1N1).

لماذا تعد مناعة القطيع حلًا غير مناسب لفيروس كورونا المستجد- COVID-19 في الوقت الحالي؟
ذكرنا أن تحقيق مناعة القطيع يكون عن طريق أخذ اللقاحات أو الإصابة بالمرض وتحقيق المناعة الطبيعية، وهذا تحديدًا ما يستبعدها في مواجهة فيروسCOVID-19 في الوقت الحالي، وذلك للأسباب الآتية:

– حتى وقت كتابة هذا المقال، لم يعلن عن اعتماد أي لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، ولم يعتمد رسميًا أي نوع من العقاقير لعلاج الحالات المصابة.

– عدد الانتشار الأساسي(R0) الخاص بفيروس كورونا المستجد هو ما يقارب ثلاث حالات لكل مصاب، وهذا يعني-في غياب اللقاح- أن السبيل الوحيد لتحقيق مناعة القطيع هو أن يصاب ما يقارب 70% من الناس بالعدوى، ونظرًا إلى خطورة المضاعفات التي قد يؤدي إليها هذا المرض، ونسبة الوفيات والحالات التي تحتاج العناية الطبية، فهذا يعني عددًا هائلًا من الوفيات والمرضى، وضغط لا تحتمله المنشآت الصحية، وكثرة المصابين هذه تزيد احتمالية نقل المرض إلى ذوي المناعة الضعيفة من كبار سن وأصحاب أمراض مزمنة.

– لم يثبت حتى لحظة كتابة هذا المقال، أن المتعافي من فيروس كورونا المستجد لا يصاب بالعدوى مجددًا.

لذا، وفي الوقت الحاضر..العزل الجيد والالتزام بتعليمات الوقاية هو وسيلتنا الوحيدة في مواجهة هذه الجائحة.

المصادر:
1- healthline

2 sciencealert

3- webMD

للمزيد تابع مقال: هل يمكن الإصابة بفيروس كورونا بعد الشفاء منه؟

Exit mobile version