الحرب البيولوجية سلاح في يد العلماء تظهر جانبهم المظلم

هذه المقالة هي الجزء 7 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

لطالما اتبع الإنسان كل الطرق الأخلاقية واللا أخلاقية في الحروب. فتحقيق النصر والغلبة كان الهدف الوحيد حتى ولو على حساب بشر ومخلوقات بريئة لا ناقة لها في تلك الحروب ولا جمل. وتميل الجيوش والدول إلى اللجوء إلى الأساليب الأرخص والأسرع والأكثر بطشًا. فلجأت إلى استعمال الأسلحة البيولوجية (القنبلة الذرية للرجل الفقير)  فكانت الحروب البيولوجية وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

ما هي الحروب البيولوجية؟

الحرب البيولوجية هي الاستخدام المتعمد للكائنات الحية، أو السموم المشتقة منها. والتي تسبب المرض أو الموت للإنسان أو الحيوانات أو النباتات، في نزاع أو هجوم إرهابي. [1]

استخدم الإنسان السموم لأغراض الاغتيال منذ فجر التاريخ. ليس فقط ضد الأعداء الأفراد ولكن أيضًا ضد الجيوش أحيانًا. ومع ذلك، فإن تأسيس علم الأحياء الدقيقة من قبل لويس باستير وروبرت كوخ قدّم آفاقًا جديدة للمهتمين بالأسلحة البيولوجية. إذ سمح باختيار العوامل وتصميمها بالطرق العلمية. [2] مما نقل الحروب البيولوجية إلى مستوى آخر بسبب تلك الأسلحة.

وبالإضافة إلى التطبيقات العسكرية الاستراتيجية أو التكتيكية. يمكن استخدام الأسلحة البيولوجية في الاغتيالات السياسية. وإصابة الماشية أو المنتجات الزراعية للتسبب في نقص الغذاء والخسارة الاقتصادية. وخلق كوارث بيئية، وانتشار المرض والخوف وانعدام الثقة بين الحكومة والشعب. [4]

وأنواع الأمراض اللي تستخدم كأسلحة كثيرة، ومنها أنواع قد انقرضت بالفعل تم تخزينها في مختبرات في الكثير من الدول أو قديمة تمت تطويرها في مختبرات سرية.

أنواع الأوبئة المستخدمة كأسلحة بيولوجية

يمكن استخدام أي كائن حي مسبب للأمراض (مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات أو البريونات أو الريكتسيا). أو السموم مثل السموم المشتقة من الحيوانات أو النباتات أو الكائنات الحية الدقيقة أو المواد المماثلة المنتجة صناعياً في الأسلحة البيولوجية. ويمكن تطويرها لجعلها أكثر ملاءمة للإنتاج الضخم والتخزين والنشر كأسلحة.[4]

واستخدم الإنسان الأوبئة المعدية كالطاعون عبر التاريخ. لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت أي من هذه الهجمات قد تسببت في انتشار المرض.[3] ومن أشهر الأنواع التي استخدمت في العصور الحديثة هي الجمرة الخبيثة التي استخدمت منذ الحرب العالمية الأولى وحتى مطلع القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. والحمى النزفية التي يسببها الفيروس كفيروس إيبولا وغيره.[3] ومرض الجدري الذي تثير احتمالات انتشاره مخاوفًا حقيقية وخاصة مع تضاؤل عدد الناس الملقحين ضده، [2] ومرض التولاريميا، وداء البروسيلات، والكوليرا، والتهاب الدماغ، والتسمم الغذائي، والرعام والببغائية وحمى كيو، والتيفوس، والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المختلفة. [3]

وتتكون الأسلحة البيولوجية بشكل عام من جزئين، العامل المسبب للمرض وطرق نقله.

أنظمة نقل الأسلحة البيولوجية

يمكن أن تتخذ أنظمة نقل الأسلحة البيولوجية عدة أشكال. وقد صنعت برامج صناعة الأسلحة البيولوجية قنابل يدوية وصواريخ من أجل إيصال أسلحة بيولوجية لوجهتها. كما صممت عدد من البرامج خزانات الرش لتركيبها في الطائرات والسيارات والشاحنات والقوارب. كما كانت هناك جهود موثقة لتطوير أجهزة توصيل لعمليات الاغتيال أو التخريب. بما في ذلك مجموعة متنوعة من البخاخات والفرش وأنظمة الحقن. وكذلك وسائل تلويث الطعام والملابس.[4] وطوِّرت الصواريخ البالستية العابرة للقارات المحملة بالأمراض أيضًا.

وعلى الرغم من قبح هذه الأسلحة إلّا أن العديد من الدول استخدمتها في حروب شاملة وهناك العديد من الأمثلة عليها في التاريخ.

الحروب البيولوجية في العصور التاريخية القديمة

الحرب البيولوجية قديمة قدم الحضارة ويشير هذا التسلسل التاريخي إلى بعض الأمثلة:

  • في عام 1155 قام الإمبراطور بربروسا بتسميم آبار المياه بالجثث البشرية في مدينة تورتونا في إيطاليا.
  • وفي عام 1346  قذف المغول جثث ضحايا الطاعون فوق أسوار مدينة كافا، في شبه جزيرة القرم.
  • في عام 1763 وزّع البريطانيون بطانيات مرضى الجدري على الأمريكيين الأصليين.
  • وفي عام 1797 غَمر نابليون السهول حول مانتوا بإيطاليا لتعزيز انتشار الملاريا.
  • وفي عام 1863 باع الكونفدراليون ملابس مرضى الحمى الصفراء والجدري لقوات الاتحاد في الولايات المتحدة الأمريكية.

أمّا في العصور الحديثة فقد اختلفت الأسلحة والاستراتيجيات المختلفة في الحرب حيث بدأت الدول بتطوير منظومات متكاملة وخاصة مع تصاعد الحرب الشاملة وصولًا إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي وصلت فيها الحرب البيولوجية إلى الذروة. وزادت الحرب الباردة من حدّة السريّة وخاصة بعد ظهور الحلول الدبلوماسية والقانونية من معاهدات واتفاقيات وغيرها. واستعملت كل من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان الأسلحة البيولوجية بطرق وحشية مختلفة.

الحرب البيولوجية الألمانية

كان الجيش الألماني أول من استخدم أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية، خلال الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من أن هجماتها بالأسلحة البيولوجية كانت على نطاق صغير إلى حد ما، لم تحقق نصرًا ساحقًا في عمليات سرية باستخدام كل من الجمرة الخبيثة والرعام. وبإصابة الحيوانات مباشرة أو تلويث علف الحيوانات في العديد من البلدان المعادية لها.[3] ما دفع الدول الأوربية إلى تشكيل برامج سلاح مماثلة لمواجهتها، وعلى رأسها بريطانيا.

الحرب البيولوجية البريطانية

تبيّن في الأمثلة السابقة أن البريطانيون كانوا سبّاقين إلى اعتماد الأمراض كسلاح فتّاك، وتحديدًا بعد انتهاء الحرب بلا تحقيق سلام شامل. بالإضافة إلى تقارير استخباراتية كاذبة ومقلقة، حرّضت دول أوروبية مختلفة على برامج الحرب البيولوجية الخاصة بها، قبل وقت طويل من اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها المملكة المتحدة، التي أطلقت برنامج أبحاث الأسلحة البيولوجية. حيث أنشأ السير فريدريك بانتينج، مكتشف الأنسولين الحائز على جائزة نوبل، ما يمكن تسميته بأول مركز أبحاث خاص للأسلحة البيولوجية في عام 1940 بمساعدة رعاة من الشركات. كما قامت بريطانيا بالضغط على حلفائها الفرنسيين والأمريكيين للقيام بتجارب وأبحاث مشابهة خشية هجوم بيولوجي تشنّه ألمانيا.

وعلى الرغم من أنّ النازيين لم يفكروا بجديّة في استخدام الأسلحة البيولوجية إلّا أنّ حلفاءهم اليابانيين كانوا شرسين وعديمي الرحمة في تجاربهم وهجماتهم البيولوجية.[3]

الحرب البيولوجية اليابانية على الصين

شرع اليابانيون في برنامج واسع النطاق لتطوير أسلحة بيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية. واستخدموها في النهاية في غزوهم للصين. حيث اعتقد والد برنامج الأسلحة البيولوجية الياباني، القومي الراديكالي شيرو إيشي قائد الوحدة 731 المسؤولة عن تنفيذ الهجمات البيولوجية [5]. أن مثل هذه الأسلحة ستشكل أدوات هائلة لتعزيز الخطط الإمبريالية اليابانية.

وعندما أصبح رئيسًا لبرنامج الأسلحة البيولوجية الياباني خلال تلك الفترة، قتل ما يصل إلى 600 سجين سنويًا في تجارب بشرية في واحد من مراكزه ال26 فقط ليصنف كسفاح. كما اختبر اليابانيون ما لا يقل عن 25 من العوامل المسببة للأمراض المختلفة على السجناء والمدنيين الأبرياء. وخلال الحرب، سمم الجيش الياباني أكثر من ألف بئر مياه في القرى الصينية لدراسة تفشي الكوليرا والتيفود. وأسقطت الطائرات اليابانية البراغيث الموبوءة بالطاعون فوق المدن الصينية وربما تكون قد وزعتها عن طريق المخربين في حقول الأرز وعلى طول الطرق. واستمرت بعض الأوبئة التي تسببت فيها لسنوات وقتلت نحو أكثر من 30 ألف شخص في عام 1947.

كان اليابانيون معروفين بشراستهم وبطشهم ولجوئهم إلى أعنف الأساليب في القتال، وظهر ذلك جليًا في معركتهم ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية.

الحرب البيولوجية اليابانية على الولايات المتحدة الأمريكية

طوّر الجيش الياباني خطة يائسة لمهاجمة الساحل الغربي لأمريكا بأسلحة بيولوجية. وبدأ كل شيء خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، نتيجة اقتراب قوات الحلفاء من الجزر اليابانية. مما جعل قيادة الجيش الإمبراطوري الياباني أكثر يأسًا من أي وقت مضى لوقف تقدمهم، فاضطرت لأن تلجأ لكل الفرص المحتملة للفوز. فلجأت لهجمات “بانزاي” الجماعية ضد القوات الأمريكية. كما اعتمدت على هجمات كاميكازي الانتحارية بكثرة. وكانت تلك من الأساليب التي أتبعتها في أقصى درجات يأسها من الفوز.

وعلى الرغم من صرامة تلك الأساليب التي تسببت في خسائر كبيرة في صفوف الحلفاء المتقدمين، إلا أنها لم توقفهم. وبعد معارك أوكيناوا وإيو جيما، كان الحلفاء على أعتاب الجزر اليابانية، يستعدون لغزو جماعي.

في تلك الأيام الأخيرة اليائسة من الحرب، توصل اليابانيون إلى خطة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تشكل جريمة حرب وهي مهاجمة جنوب كاليفورنيا بأسلحة بيولوجية. وكان إنجاز تلك المهمة على يد الوحدة 731 سيتطلب نشر أكبر غواصات تم صنعها سرًا على الإطلاق لتغطية آلاف الأميال قبل الصعود إلى السطح لإطلاق طائرات من شأنها إسقاط الأسلحة البيولوجية على مدن أمريكية غير متوقعة.

وتم تجهيز خمس غواصات طويلة المدى جديدة من فئة I-400، وهي أكبر الغواصات التي تم بناؤها حتى عصر الغواصات النووية البالستية في الستينيات. كان من المخطط لها أن تسافر من اليابان إلى كاليفورنيا حاملة كل واحدة منها ثلاث طائرات من طراز آيتشي M6A. وبمجرد الاقتراب من سان دييغو، ستطلق الغواصات الطائرات المسلحة بقنابل تحتوي على براغيث مصابة بالطاعون. وكان من المقدر لها أن تصبح مهمة انتحارية، لعدم وجود فرصة تقريبًا لبقاء الطيارين أحياء، وفرصة صغيرة لبقاء الغواصات وأطقمها على قيد الحياة.

تم التخطيط لإطلاق العملية في 22 سبتمبر 1945. ولكن في 6 و 9 أغسطس، ألقت الولايات المتحدة قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين على التوالي، فاستسلمت اليابان في 15 أغسطس. [5] وانتهت العملية التي لم يكن ليعلم مدى الأذى الذي كانت ستسببه للولايات المتحدة الأمريكية.

بعد فترة طويلة من استسلام اليابانيين، استخدمت قوات إيشي أيضًا بعض عملائها ضد الجيش السوفيتي. لكن لم يؤكد ما إذا كانت الإصابات في كلا الجانبين ناجمة عن هذا الانتشار المتعمد للمرض أو عن طريق العدوى الطبيعية.

وبعد انتهاء الحرب، أدان السوفييت بعض الباحثين اليابانيين في مجال الحرب البيولوجية بارتكاب جرائم حرب. لكن الولايات المتحدة منحت الحرية لجميع الباحثين في مقابل الحصول على معلومات عن تجاربهم البشرية. [3]

حرب الولايات المتحدة الأمريكية البيولوجية

ركّز الجهد الرئيسي خلال الحرب العالمية الثانية على تطوير القدرات لمواجهة هجوم ياباني بأسلحة بيولوجية. لكن الوثائق تشير إلى أن الحكومة الأمريكية لم تركّز على الدفاع فحسب بل ناقشت فكرة الهجوم أيضًا، وقامت بالعديد من التجارب، كاستخدام الأسلحة المضادة للمحاصيل. و بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، شرع الجيش الأمريكي في اختبارات في الهواء الطلق. حيث عرّض حيوانات الاختبار والمتطوعين من المدنيين الأبرياء لكل من الميكروبات المسببة للأمراض وغير المسببة للأمراض. كما أدى إطلاق البكتيريا من السفن البحرية قبالة سواحل فرجينيا وسان فرانسيسكو إلى إصابة العديد من الأشخاص. بما في ذلك حوالي 800 ألف شخص في منطقة باي وحدها. وتم إطلاق الهباء الجوي الجرثومي في أكثر من 200 موقع. وكان الاختبار الأكثر شهرة هو تلوث نظام مترو نيويورك عام 1966 ببكتيريا جلوبيجي العصوية. وهي بكتيريا غير معدية تستخدم لمحاكاة إطلاق الجمرة الخبيثة، لدراسة انتشار العامل الممرض في مدينة كبيرة.[3]

خلال الحرب، أطلقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي برامج أسلحة بيولوجية واسعة النطاق. تضمنت تلك البرامج تطوير بخاخات رذاذ قادرة على إيصال العوامل البكتيرية والفيروسية بالطائرة أو الصواريخ الباليستية. [2]

وفي الواقع، كان الاتحاد السوفييتي سبّاقًا إلى تلك البرامج، ونفذّ تجارب تسببت بخسائر بشرية فادحة.

حرب الاتحاد السوفييتي البيولوجية

على الرغم من توقيعهم على اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية. فقد أسس الاتحاد السوفيتي برنامج ” Biopreparat” أي الاستعداد البيولوجي. وهو مشروع حرب بيولوجي عملاق، وظّف في ذروته أكثر من 50 ألف شخص في مختلف مراكز البحث والإنتاج. كان حجم ونطاق جهود الاتحاد السوفييتي مذهلين حقًا، فقد أنتجوا وخزنوا أطنانًا من عصيات الجمرة الخبيثة وفيروس الجدري. بعضها لاستخدامه في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. إضافة إلى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المختلفة، بما في ذلك الطاعون. كما عملوا على فيروسات الحمى النزفية المسببة لمرض إيبولا، وهي بعض أكثر مسببات الأمراض فتكًا التي واجهتها البشرية.

لكنّ تلك التجارب تسببت في وفيات كثيرة لمواطني الاتحاد. حيث في عام 1971، تفشى مرض الجدري في مدينة أرالسك الكازاخستانية وقتل ثلاثة من الأشخاص العشرة المصابين. و يُعتقد أنهم أصيبوا من مركز أبحاث الأسلحة البيولوجية في جزيرة صغيرة في بحر آرال. [3] وفي عام 1979، قتل 100 شخص وعدد لا يحصى من الماشية بعد الإطلاق العرضي لجراثيم الجمرة الخبيثة من مصنع للأسلحة البيولوجية في مدينة سفيردلوفسك الروسية.[2] إضافة إلى بيع لحوم مسمومة من حيوانات ملوثة بالجمرة الخبيثة في السوق السوداء حيث تم الكشف في النهاية أنه كان بسبب حادث في مصنع للأسلحة البيولوجية. كانت السرية المحيطة بهذا البرنامج مذهلة للغاية، وخاصة في فترة الحرب العالمية الثانية.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، توقفت معظم هذه البرامج وتم التخلي عن مراكز البحث أو تحويلها للاستخدام المدني. ومع ذلك، لا يعلم أحد ما الذي يعمل عليه الروس اليوم وماذا حدث للأسلحة التي أنتجوها. و يخشى خبراء الأمن الغربيون الآن من أن بعض مخزونات الأسلحة البيولوجية ربما لم يتم تدميرها أو قد تكون سقطت في أيدٍ أخرى. ويتصاعد اليوم الخوف من استخدام الأسلحة البيولوجية كسلاح للإرهاب الدولي، وقد حدث ذلك سابقًا.[3]

هل استخدام الأسلحة البيولوجية حكر على الحكومات؟

الإجابة هي قطعًا لا، فلا يتطلب إنتاج الأسلحة البيولوجية أكثر من عالم خبير ومختبر مزوّد بالمعدات اللازمة. فالخرائط الجينية للفيروسات والبكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى القاتلة متاحة بالفعل على نطاق واسع في المجال العام. على سبيل المثال، نشرت مجلة علمية رائدة الشفرة الوراثية الكاملة لمسببات الكوليرا.

ويعمل الباحثون على رسم خرائط الجينوم لأكثر من 100 ميكروب آخر. بما في ذلك البكتيريا التي تسبب الجمرة الخبيثة والطاعون. فأي عالم يملك رغبة التدمير يمكنه استخدام هذه المعلومات لمحاولة استنساخ سلالات شديدة الضراوة من البكتيريا والفيروسات.

وهناك الكثير من علماء الأحياء المجهرية في العالم الذين يتقاضون أجورًا منخفضة. والذين قد يكونون متحمسين للعمل مع عملاء عديمي الضمير. مما ينتج “أمراض مصممة” غير قابلة للشفاء، مثل الجمرة الخبيثة المقاومة للبنسلين، أو “الفيروسات الخفية” التي تصيب المضيف ولكنها تبقى صامتة حتى يتم تنشيطه بواسطة محفز خارجي. كالتعرض لمادة كيميائية غير ضارة في العادة. [2]

إضافة إلى أن وجود مخزون لدى الدول من الأمراض كالجدري مثلًا قد يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت. حيث قام كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية بتخزين الكثير من الجمرة الخبيثة.[2] ووقوع هذه المخازن في الأيدي الخطأ قد يتسبب في كارثة إنسانية حقيقية.

علي سبيل المثال، تسبب الهجوم بغاز السارين عام 1995 داخل مترو أنفاق طوكيو من قبل طائفة نهاية العالم اليابانية أوم شينريكيو، بمقتل 13 شخصًا وإدخال الآلاف إلى المستشفيات. إضافة إلى سلسلة من الهجمات الفاشلة عبرالتسمم الغذائي والجمرة الخبيثة بالقرب من القصر الإمبراطوري، ومطار طوكيو وقاعدتين عسكريتين أمريكيتين. [2]

كما نشرت طائفة دينية السالمونيلا التي أدت إلى انتشار التهاب الكبد والالتهابات الطفيلية والإسهال الشديد والتهاب المعدة والأمعاء، في الولايات المتحدة للتدخل في الانتخابات المحلية.[3]

وللأسف لا تعدّ الهجمات الإرهابية رغم سوءها المخاطر الوحيدة للجوء الحكومات والجماعات والأفراد إلى هجمات الحرب البيولوجية.

مخاطر الحرب البيولوجية

لا تتضمن اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية آليات للتحقق. لذا يمكن لأي دولة أن تتهم دولة أخرى بوجود السلاح لديها. فبالرغم من أنّ العديد من هذه المزاعم قد تبين أنها خاطئة فيما بعد. لكن تم استغلالها إما كدعاية أو كذريعة للحرب، كما شوهد مؤخرًا في حالة حرب العراق. [3] أو الحرب الروسية الأوكرانية مع اتهام روسيا لأوكرانيا بأنها تستخدم الطيور لشنّ هجمات بيولوجية عليها.

إضافة إلى وجود اتهامات كاذبة باستخدام الأسلحة البيولوجية، مما يبرز صعوبة التمييز بين الأمراض التي تحدث بشكل طبيعي والحوادث والاستخدام المتعمد، [4] مثل ما حدث مع فيروس كورونا مثلًا.

إضافة إلى استخدام الكثير من الأمراض كذرائع أو نشرها كإشاعات لاستخدامها كذرائع مستقبلًا. كنظرية المؤامرة القائلة بأن فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب هو سلاح بيولوجي. التي لا تزال حية في أذهان بعض الناس. فاعتمادًا على من يسأل، قيل أنّ علماء المخابرات الروسية أو الأمريكية هم من طوروا فيروس نقص المناعة البشرية، إمّا لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة أو لزعزعة استقرار كوبا.

إضافة إلى عدم معرفة مدى الضرر الذي قد يسببه استخدام هذه الأمراض على الإنسان وبقية الأحياء على حد سواء. وخاصة أنّ الكثير من الأمراض وخاصة الفيروسية منها قابلة للتحور والتبدل. وقد لا تملك الدول آليات دفاعية ضدها لحماية مواطنيها.

عمليًا، لم تمتنع أي دولة لديها القدرة على تطوير أسلحة الدمار الشامل عن القيام بذلك. لكن وجدت عدّة محاولات وجهود دبلوماسية ودولية للحد من انتشار هذه الأسلحة.

الجهود الدبلوماسية للحد من انتشار الأسلحة البيولوجية

وقعت خلال الحرب العالمية الأولى معاهدة عام 1925 لحظر استخدام الأسلحة البيولوجية خلال الحروب المستقبلية. لكن لم توقع الولايات المتحدة ولا اليابان على المعاهدة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. لذا تم تطوير الجمرة الخبيثة وغيرها من الأسلحة البيولوجية سراً من قبل كلا البلدين. وكذلك من قبل ألمانيا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى.

وفي عام 1969، أصدر الرئيس ريتشارد نيكسون أمرًا تنفيذيًا من جانب واحد وغير مشروط ينهي برنامج الأسلحة البيولوجية الأمريكي. وتم تدمير جميع المخزونات الأمريكية بحلول عام 1972. وفي نفس العام، وقعت 160 دولة معاهدة تحظر جميع استخدامات الأسلحة البيولوجية والكيميائية. وصدقت 143 دولة في النهاية على المعاهدة. بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والعراق وإيران وليبيا وكوريا الشمالية. لكن 52 دولة لم توقع على الاتفاقية، بما في ذلك إسرائيل.

لكن على الرغم من النوايا النبيلة. إلا أن معاهدة عام 1972 تفتقر إلى أي أحكام مهمة للتنفيذ أو التحقق. نتيجة لذلك، حافظ عدد من الموقعين على المعاهدة على برامج نشطة للأسلحة البيولوجية.[3] أي أن المعاهدتين فشلتا إلى حد كبير في منع البلدان من إجراء أبحاث حول الأسلحة الهجومية وإنتاج أسلحة بيولوجية على نطاق واسع، لعدم وجود آليات للسيطرة أو الرقابة الدورية.

لذا يجب على الدول تطوير آليات دفاعية للتخفيف من آثار الهجمات البيولوجية أو منعها. وعليها تطوير أجهزة عالية التقنية قادرة على الكشف الفوري عن البكتيريا والفيروسات القاتلة في البيئة، والتشجيع على إنتاج وتخزين لقاحات جديدة. إضافة إلى المطالبة بعمليات تفتيش دولية متبادلة لضمان الامتثال للمعاهدة.[2] فالاستعداد لهذا الحدث ومنعه يجب أن يشمل أيضًا تنسيقًا متعدد القطاعات. ولتبادل المعلومات حول الاستعداد لتفشي الأمراض وهجمات الأسلحة البيولوجية والاستجابة لها.[4]

ختامًا إننا نميل إلى القول إنه لن يستخدم أي شخص سليم العقل هذه الأشياء على الإطلاق. وفي الواقع إنّ الخاسر الأكبر من هذه الحروب الرخيصة هو الإنسان البريء والمذنب على حد سواء. لأنّ تأثيرات هذه الحروب يمتد إلى مستخدم أسلحتها نفسه. وهي أقرب ما تكون إلى حروب انتحارية شاملة لا يعرف مداها أو نهايتها.

المصادر:

1- Sciencedirect
2- Stanford
3- Ncbi
4- UN
5- Sandboxx

ما هي الحرب الشاملة؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

غيّرت الحروب الشاملة العالم وحولته إلى الشكل الذي نعرفه اليوم، مؤدية إلى انهيار امبراطوريات وصعود أخرى. متجاوزة بتأثيرها الحدود الجغرافية التي تحدث فيها بسبب تأثيرها على الثقافة والإيديولوجية والاقتصاد والسكان. وسنتعرف في مقالتنا هذه عن هذا النوع من الحروب. فما هي الحرب الشاملة؟

ما هي الحرب الشاملة؟

عرّفت الحرب الشاملة على أنّها صراع عسكري يكون فيه أطراف النزاع مستعدين لتقديم كل التضحيات اللازمة من أرواح وموارد لتحقيق النصر المطلق. [1] وهي على عكس الحرب المحدودة التي يستخدم بها أجزاء من قوة المتحاربين وشعوبهم ومواردهم المادية [2]، حيث تؤدي بسبب شموليتها إلى التعبئة العامة الكاملة للقوى البشرية وموارد الحرب.

الفرق بين الحرب الشاملة والحرب المحدودة

ما يميّز الحرب المحدودة عن الشاملة أيضًا بأن المتحاربين يحددون عمدًا أهدافهم السياسية والعسكرية من الحرب وحجم وطبيعة القوات والوسائل التي تشترك في الصراع ومناطق القتال، والأهداف المطلوب تدميرها أو الاستيلاء عليها. ولذلك يختلف مجال ومدة الحروب المحدودة اختلافًا كبيرًا طبقًا للقيود التي تفرضها الأطراف المتحاربة.[2] أما الحرب الشاملة فتستلزم حشد كل القوات وتوجيهها إلى الخصم بغرض تدميره اقتصاديًا وعسكريًا. فيتضاءل التمايز بين المقاتلين وغير المقاتلين بل ويختفي أحيانًا تمامًا نظرًا لأن الأطراف المتعارضة تعتبر كل الموارد البشرية تقريبًا، حتى غير المقاتلة منها، جزءًا من المجهود الحربي. [3]

على الرغم من الغموض الذي يكتنف الفوارق بين نوعي الحرب إلّا أنّ المؤرخين والقادة العسكريين وصنّاع السياسات دأبوا على استخدام المصطلحين لأغراض تقسيم التاريخ إلى عصور. وأيضًا كوسيلة للترويج للحرب الشاملة باعتبارها أقصى أشكال النزاع. [5]

2 – لماذا تلجأ الدول لهذا النوع من الحروب؟

أدى التوسع الاقليمي إلى التزامات مختلفة في الحروب، أضف إلى ذلك الحاجة لضمان نصر سريع ليتم استخدامه كمفتاح للمساومة الدبلوماسية المفيدة. فغياب النصر السريع يخلق احتمالًا لقيام الانقسامات السياسية التي قلبت تاريخيًا ميزان القوى المنتصرة في العاصمة لصالح القوات المنسحبة [4]. مما قد يضطر الأطراف المتحاربة إلى استخدام كامل قوتها لإضعاف الخصوم، إضافة إلى استهداف المدنيين خوفًا من تمردهم. لأن حقيقة الغزو والاحتلال تولد التماسك، وتقلل من القيود المفروضة على التعبئة العسكرية، وتزيد من الاستعداد لتحمل التكاليف. [4]

3 – أمثلة عن الحروب الشاملة

استخدم مصطلح الحرب الشاملة لأول مرة في القرن التاسع عشر. حيث حدد العلماء “الحرب الشاملة” كفئة منفصلة من الحرب [8]. لكن صنفت الكثير من الحروب تاريخيًا كحروب شاملة، مثل الغزو المغولي خلال العصور الوسطى [6]. فقد اجتاح مناطق بأكملها ودمّر حضارتها وقتل سكانها العزّل. كما استخدم هذا المصطلح كإشارة إلى الحروب النابليونية التي أطلقت عليها تسمية الحرب المطلقة في مصادر أخرى. واعتبر بعض المؤرخين  معركة بوردينيو بين فرنسا وروسيا عام 1812 أول حرب شاملة في التاريخ [7]. في حين قال آخرون ذلك عن الحرب الأهلية الأميركية [1].

وتعد الحربان العالميتان الأولى والثانية مثالًا دامغًا في التاريخ عن فظاعة وهول الحروب الشاملة. حيث حشدت الحرب العالمية الأولى جميع الدول الأوروبية تقريبًا ومستعمراتها في حرب شاملة بتكاليف باهظة. ليس فقط للأفراد العسكريين الذين فُقدوا في المعركة، ولكن لمجتمعات بأكملها. مما أثر بشكل كبير على التمويل والثقافة والصناعة. [3]

ووصلت الحرب العالمية الثانية في شمولها إلى أقصى الدرجات مع استعمال الأسلحة النووية في هيروشيما ونكازاغي. فوضعت الدول أمام خيارات قاسية وجعلتها تدرك حجم الأهوال التي قد يسببها ذلك النوع من الحروب. إلّا أنّ الحروب الشاملة بقيت خيارًا متاحًا للدول ولكن في أقصى درجات النزاع، كحرب أميركا على العراق في عام 2003.

ورغم وجود أنواع وتصنيفات أخرى للحروب إلّا أنّ الحروب الشاملة هي الأكثر دموية لما تسببه من هلاك للإنسانية إن لم تحكمها ضوابط وقوانين رادعة. ورغم أننا نعيش في أكثر العصور سلامًا إلّا أنّ أهوال تلك الحروب وتأثيراتها باقية إلى يومنا هذا.

المصادر:

1- Britannica
2- Wikipedia
3- Lumenlearnin
4- Jstor
5- Owlcation
6- Wikipedia
7- History.princeton.edu

لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟

لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟ هل حقا هي البلد الأصلي؟ كيف تخلص العالم من تلك الجائحة؟

من حين لأخر قد تجد نفسك أو أحد معارفك يختفي عن الأنظار لعدة أيام، ولعل السبب الشائع هو الإصابة بالبرد أو الإنفلونزا. حيث ترتبط سيرتها في الأذهان بالخمول وشعور بالألم وعدم الراحة يسري في الجسد، بالإضافة إلى زيادة كمية المخاط بالأنف الذي يسد فوهاتها والتي تدفع صاحبها لاستخدام أوراق المناديل باستمرار؛ وقد يتطور الأمر إلى السعال وضيق بالتنفس. وعندما تظهر مثل تلك الأعراض على صاحبها يحاول أن يفرض على نفسه تباعدا اجتماعيا بقدر الممكن كتعريف مخفف للعزل الذاتي بسبب شيوع الوعي أنه يمكن لمثل تلك الأنفلونزا الخفيفة أن ينتقل مسببها وهو فيرس الإنفلونزا من شخص إلى آخر، وتصيبه مثل تلك الأعراض التي تظهر على صاحبها؛ على الرغم من أن البعض لا يعرف أن مثل تلك الإنفلونزا الموسمية الخفيفة تقتل أكثر من نصف مليون شخص سنويا طبقا لتقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، وهذا قد يعيد لأذهاننا التحدث عن الجائحة الأكبر في التاريخ الحديث وهي الإنفلونزا الإسبانية.

لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟

التشاؤم يزيد، هل عززت الإنفلونزا الإسبانية من وجوده؟

في العام الذي ظهرت فيه الإنفلونزا الإسبانية، كان العالم قبلها يعاني من حالة تشاؤم وسوداوية شديدة، حيث كانت نسبة الوفيات والقتلى مرتفعة للغاية بسبب آثار الحرب العالمية الأولى، ومن تداعيات تلك الحرب أنها خلفت مجاعات شديدة تسببت في زيادة أعداد الوفيات في البلدان التي حطت عليها. بالإضافة إلى العديد من الأمراض التي ساهمت تلك الحرب في انتشارها مثل مرض السل الذي لم يتسنَ للعلم وقتها أن يجد له علاجا شافيا بسبب تلك الظروف. كل تلك العوامل عززت من ظهور الإنفلونزا الإسبانية والتي كانت سببا في إصابة ثلث الكرة الأرضية.

كيف فرضت الإنفلونزا الإسبانية نفسها؟

لم يستطع العلماء أن يحددوا المكان الذي ظهر فيه ذلك الوباء، لكن تضاربت الآراء ويعزى البعض بداية ظهورها بين ثلاث دول في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ثم فرنسا والصين، وسرعان ما انتشرت بالعالم كله، وبدأت في التفشي بكثرة داخل معسكرات الجنود المشاركين في الحرب نظرا للبيئة غير النظيفة التي خيمت فيها المعسكرات جانب حظائر الطيور والخنازير. ولم يعرف العلماء السبب الرئيسي في ظهور ذلك الوباء وقتها، لكن فيما بعد توصل بعض منهم لإمكانية أنه قد يكون انتقل من أحد سلالات الطيور المصابة بالفيروس المسبب لهذا المرض.

دور الشفافية الصحفية في تسجيل التاريخ؟

كانت إسبانيا من الدول المحايدة التي لم تشارك في الحرب العالمية الأولى، ولم تفرض سلطاتها أي رقابة أو تشديدات على صحافتها، على عكس الدول المشاركة بالحرب التي لم يظهر في صحافتها عنوانا صحفيا إلا ومر على جهات تخص السلطة للبت في نشره. وتلك الحرية الصحفية التي تمتعت بها إسبانيا جعلتها تقترب أكثر من وضع الجائحة في العديد من الدول، فكانت تسجل أخبار ذلك الوباء وتذيع تحديثاته باستمرار.


سجلت شراسة تلك الجائحة التي أصابت ٥٠٠ مليون شخصا على مستوى العالم، وقتلت بين ٣٠ إلى ٥٠ مليونا من المصابين خلال عام واحد، وذلك لتحور المرض داخل جسد المصاب والذي تزداد شدته فتملأ رئتيه بالسوائل الناتجة عن الإلتهاب، فيفشل عن التنفس. وعلى الرغم من أن الصحافة الإسبانية كانت تطلق على ذلك المرض “الإنفلونزا الفرنسية”، لكن لارتباط أخبار هذا المرض في أذهان الناس بالصحافة الإسبانية، تم تسميته بالإنفلونزا الإسبانية.

حلول سريعة، ما عواقبها؟

مع ظهور الجائحة وزيادة أعداد المصابين والوفيات، وضعف وضحالة الخدمات الصحية المقدمة من الحكومات تجاه هذا الوباء، أشار بعض الأطباء على الحكومات في تطبيق العزل الإجتماعي على المواطنين، وهو ما تبنته الحكومات وقت الجائحة الإسبانية، وقامت بفرض حظر التجوال والحجر الصحي المنزلي وعزلت المدن عن بعضها وفرضت غرامات على المخالفين، وهو ما تسبب في تراجع نسب المصابين والوفيات، وعند تخفيف تلك التشديدات ظهرت موجة جديدة للمرض، وارتفعت نسب الإصابات والوفيات من جديد. وتبنى أحد الأطباء فكرة معالجة الأعراض التي تظهر على المصابين بالأسبرين، فكان يعطي للشخص المصاب ٣٠ جراما يوميا من هذا العقار، والذي ثبت بعدها بأيام أن الوضع ازداد سوءا، ومات كثيرا من المصابين الذين تعاطوا الأسبرين، وذلك لأن الجرعة القصوى التي يتحملها الجسم لا تزيد عن ٤ جرامات يوميا.

هل فهمنا الدرس؟

الجدير بالذكر أن العلماء لم يضعوا أسبابا واضحة عن كيفية تخلص العالم من تلك الجائحة، لكن السبب الوحيد والذي يراه البعض منطقيا هو اكتساب سكان الكرة الأرضية مناعة القطيع ضد هذا المرض، فتمكنت مناعتهم من التعامل معه؛ لكن تلك الجائحة نبهت إلى أهمية تبني الحكومات إنشاء المستشفيات والمستوصفات الطبية، وتولية الاهتمام لتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بدارسة الفيروسات وفهم جيناتها حتى يستطيع العلماء اختراع اللقاحات والأدوية المناسبة لمحاربتها. وعلى الرغم أن حالة المجتمعات في عصر الإنفلونزا الإسبانية لم تكن بمقدار التحضر أو التمدن الحالي من حيث وسائل المواصلات البسيطة والقليلة أو عدد السكان والذي كان يفترض أن تستغل تلك النقطة في تخفيف آثار تلك الجائحة! لكن هذا يدفعنا إلى المزيد من التفكير والبحث في الكيفية التي تنتقل بها مثل تلك الأوبئة.

والدرس المهم الذي نتعلمه، أن البشرية طوال سجلها التاريخي لم تسلم من شيوع مثل تلك الجوائح والأوبئة، وهذا يعني بالضرورة أن مثل تلك الأمراض سوف تستمر في الظهور بين الحين والآخر، فيجب أن نعد له العدة ونستعد لتلقي جوائح جديدة، نحن بصدد مواجهة واحدة منها الآن، وهي جائحة فيروس كورونا المستجد (covid 19 – كوفيد ١٩).

المصادر:

Stanford.Edu, World Economic Forum, National Geographic, CDC USA, History.

مواضيع قد تهمك:

مواضيع الأكاديمية بوست عن فيروس كورونا
حوار مع بيل غيتس حول سياق تنبؤاته لفيروس كورونا قبل 5 سنوات ومستلزمات اللقاح
هل العدوى الفيروسية مسبب محتمل لمرض الألزهايمر؟

Exit mobile version