ما هو انقراض اللغات وكيف يحدث؟

إن الإنسان يحوز كينونته في شبكة علاقاته مع الآخرين، حيث أن الحديث عن الفرد هو حديث عن التخوم التي تضعه مع الآخرين. بذا، فأن أبرز ما يميز وجود الفرد الإنساني هو كونه يحمل هوية تصونها لغة ما. فكما أنه يستحيل مناقشة الإنسان خارج هويته، فالهوية نفسها لا يمكن اخضاعها للمناقشة في غياب لغة تصونها. ما يجعل من علاقة الفرد-الهوية-اللغة تبدو مقلقة هو أنه لا ضمان مع اللغة، فهي كأي عنصر من العناصر تمتثل لحكم الطبيعة. حيث تكون اللغة قابلة للزوال، التفكك والتحول. وفي هذا المقال سنسلط الضوء على ظاهرة انقراض اللغات.

ماذا نعني بانقراض اللغات؟

يبدو أن سردية الانقراض دخلت الفضاء النقاشي العام من باب التاريخ البيولوجي المادي؛ فالأبواب أمام الانقراضات الثقافية لا تنفتح إلا في سبيل المبالغة الإقصائية. ثمة تصورات عامة عن فناء الديناصورات وغيرها من الكائنات قدمها الإعلام العلمي، بيد أن انقراض لغة ما ليس من السهل تصوره. فهل يمكن أن يستيقظ المرء على خبر انقراض لغة ما؟ يحمل هذا السؤال نوع من التعقيد، فاللغات تموت بطرق مختلفة وبميتات متباينة. ففي عام 2008 توفيت السيدة ماري سميث في آلاسكا كآخر المتحدثين بلغة (إياك –  Eyak) في حين إن لغات أخرى (مثل اللاتينية والإغريقية القديمة) ماتت ميتة مغايرة1.

كما أن انقراض الديناصورات يعني موت آخر ديناصور؛ كذلك فأن انقراض لغة ما تعني موت آخر المتحدثين بها. تنقرض اللغة عندما تكف عن القول من خلال الآخرين، فهي تنسحب من المشهد اللغوي والتواصلي لصالح لغة أخرى2.

يعتقد بعض الناس ومن العلماء أيضًا بأن انقراض لغة ما هو حيقية من واقع الحياة على كوكب دائم التطور، بينما يرى آخرون أن ذلك لا يبرر سكوتنا عن فقداننا للغات، فيجب حمايتها لكونها تجعل منا بشرًا1.

أسباب وكيفية انقراض اللغات

  1. الهجرة:
    عندما تهاجر مجموعة لغوية إلى بلد آخر فثقافتها بالمجمل وتحديدًا لغتها تكون مهددة، ذلك لأن الدول تفرض لغتها أو على الأقل لا تعطي أولوية للغة المجموعة المهاجرة. كما أن إيجاد فرص العمل والدراسة يدفع بالمهاجرين إلى التركيز على لغة البلد الجديد، بالإضافة إلى التعاملات اليومية3.
  2. العولمة:
    إن الأقليات اللغوية لم تعد قادرة على الاعتماد الذاتي في توفير متطلبات الحياة اليومية؛ عليها الانخراط في النشاطات العالمية. الصيغة المعولمة لنظام العالم تفترض هيمنة لغات معينة، وعندما تصبح لغة ما مهيمنة فأن دائرة اهتمامات الأقليات اللغوية تغدو أضيق في إطار لغتها، وعليها بالتالي الاستسلام للغة المهيمنة. اللغة ليست كينونة جامدة، ما أن تكف عن الإنتاج الاصطلاحي يقتضي عليها فتح الباب أمام مفردات لغوية من اللغة المهيمنة. مع مرور الوقت تتعامل الأقلية اللغوية مع لغتها كلغة ثانوية إلى أن تختفي.
  3. الاضطهاد:
    إن الحروب والاضطهادات العرقية لا تشمل الاقصاء الفيزيائي وحسب، بل أنها موجهة بشكل ممنهج ضد الرأسمال الثقافي أيضًا. والعدواة بين المجموعات، لطالما تكون إقصائية، فمحو الهوية الخاصة دائما يصبح الهدف الرئيس، فالناس يعيشون داخل لغاتهم. في القرن العشرين ، تم إرسال العديد من الأطفال الأمريكيين الأصليين في كندا والولايات المتحدة إلى المدارس الداخلية ، حيث يُمنعون غالبًا من التحدث بلغتهم الأصلية. اليوم ، لا يزال العديد من الأمريكيين الناطقين باللغة الإنجليزية معاديين لغير الناطقين بالإنجليزية ، وخاصة الإسبان. لا يزال الاضطهاد الشديد يحدث أيضًا. في أغسطس الماضي ، ألقي القبض على عالم لغوي في الصين لمحاولته فتح مدارس تدرس لغته الأم ، الأويغور. لم يسمع عنه منذ ذلك الحين1.
  4. متوسط العمر:
    إن المورثات الثقافية (Memes) تحافظ على ديمومتها من خلال تمريرها بين الأجيال، واللغة من بين أكثر الميمات التي تحتاج إلى التمرير. عندما يتوقف الأطفال عن التحدث بلغتهم تكون تلك اللغة مهددة، وبعض اللغات في عالمنا الحالي موجودة فقط عند المسنين، ومع موتهم ستموت لغتهم بدورها2.

وتيرة الانقراض:

هناك أكثر من 7000 لغة على الأرض، ومع ذلك فإن نصف سكان العالم البالغ عددهم 7.6 مليار نسمة يتحدثون 24 لغة فقط و 95% يتحدثون 400 لغة فقط. هذا يترك خمسة بالمائة من سكان العالم منتشرين عبر 6600 لغة مختلفة ، المئات منها يتحدثها الآن أقل من عشرة أشخاص. (سيكر). وحسب بعض التقديرات، قد تختفي 80٪ من لغات العالم خلال القرن القادم2.

في فترة 1950-2010 دخلت 230 لغة إلى قائمة اللغات المنقرضة، هذا يعني أن حدث الانقراضات اللغوية شائع بشكل مخيف. والجدير بالذكر هو أن معظم هذه اللغات المنقرضة تعود إلى السكان الأصليين في الأمريكتين وأستراليا، لأسباب كولونيالية على الأغلب. ومن بين اللغات المنقرضة في الولايات المتحدة2:

  • إياك: انقرضت هذه اللغة في عام 2008.
  • يانا: كانت لغة شعب ياهي الأصليين في كاليفورنيا، انقرضت عام 1916.
  • تونيكا: 1930
  • تيلاموك وسويسلاو: انقرضتا في السبعينات القرن الماضي.

هناك موسوعات للغات المنقرضة ويمكن الإطلاع عليها (هنا) و (هنا).

انقراض اللغة العربية

مع أن اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي والدول العربية وهي أيضًا منتشرة في بلدان غير عربية فضلًا عن ثراء المكتبة العربية. بيد أن وجود أكثر من 422 مليون متحدث بالعربية لا يمنع من إحتمالية موت لغة الضاد. يرى بعض الباحثين إن ذلك محتمل جدًا في المستقبل القريب لأسباب مختلفة. فاللغة العربية الفصحى باتت لغة في المتحف الورقي، إذ أن اللهجات العامية هي المستخدمة بين الناس، وثمة هوة كبيرة بين العربية الفصحى واللهجات. وما يؤكد إنسحاب الفصحى من المشهد العربي اليومي هو أن الحديث بالفصحى يوحي بنوع من الاغتراب.

كما أن الذين يؤيدون فرضية انقراض اللغة العربية يأخذون عليها جمودها -حسب زعمهم- فهي لا تقدم إسهامات معرفية وعلمية في وقتنا الحاضر. ومن جهة أخرى، يرى البعض أن الفصحى باتت لغة خارجة عن السيطرة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية أيضًا، إذ أن الأخطاء النحوية وغيرها متشرة بشكل رهيب في الكتب والخطابات. إذا ما أخذنا التطورات التكنولوجية والعلمية المتسارعة بعين الإعتبار، فكما أن الكثير من الوظائف والآلات الحالية ستنقرض، فاللغات أيضًا ومنها العربية قد تنقرض في المستقبل القريب، أو قد تموت ميتة هادئة كالأغريقية القديمة واللاتينية4.

ماذا نخسر من خسارة لغة؟

إن اللغات تعدو أن تكون أداة للتواصل ونقل المعارف، فهي أكثر من وسيط. للغات وظائف أخرى يمكن استثمارها كأحفورات ثقافية، حيث يمكنها أن تساعدنا في فهم التطور المعرفي والإدراكي. من جانب آخر فكل لغة هي فضاء معرفي وطريقة معينة في التفكير، فحتى اللغات الفقيرة معجميًا تقدم تأويلات معرفية للعالم. كذلك إن موت لغة ما لا يعني مجرد التوقف عن الحديث بها بل ضياع تراث أدبي وديني وغنائي أيضًا. إن السماح بانقراض اللغات لا يختلف عن الابادات الجماعية، بمجرد أن تموت لغة يموت معها شعبهًا معنويًا5.

حماية اللغات من الانقراض

يجاهد اللغويين لتوثيق وأرشفة اللغات المحتضرة، ذلك من خلال وضع القواميس وتسجيل وأرشفة التقاليد الشعبية كذلك ترجمتها. عملية الأرشفة ستساعد في الشعوب في تنشيط لغاتها مستقبلًا. لغة شيروكي مثلًا كانت مهددة بالانقراض، فقام باحث بإنشاء مدرسة لشعب شيروكي ودرس فيها إلى أن أصبحت لغة تدرس في جامعة محلية6..

اقرأ أيضًا نظرية وظائف اللغة

المصادر

  1. BBC
  2. ils Translations
  3. day translations
  4. hafryat
  5. seeker
  6. linguistic society

الانقراض الأوردوفيشي، عندما انتقمت النجوم لموتها!

تعرضت الحياة على الأرض لخمسة انقراضات جماعية كبرى قتلت نسبة كبيرة من الكائنات الحية. يعد الانقراض الأوردوفيشي ثاني أكبر انقراض في تاريخ الأرض، حيث سبب اختفاء أكثر من 100 فصيلة من اللافقاريات البحرية منها «الترايلوبيت-Trilobite» المعروف بثلاثي الفصوص، وقد حدث في نهاية «العصر الأوردوفيشي-Ordovician period» منذ حوالي 440 مليون سنة متضمناً حدثي انقراض أساسيين بينهما حوالي 0.5-2 مليون سنة. يرجع العلماء السبب وراء الانقراض الثاني لفترة مفاجئة من التبريد السريع متبوعةً بفترة من الارتفاع الحراري السريع.

مستحاثة الترايلوبيت
حقوق الصورة:
https://static.wikia.nocookie.net/dinosaurs/images/0/03/Trilobite.jpg/revision/latest?cb=20130718022622

لطالما كانت احتمالية تأثر الحياة على الأرض بالأحداث الكونية أمرًا واردًا؛ حيث يعتقد الباحثون أن اصطدام كويكب عملاق سبب انقراض الديناصورات قبل حوالي 65 مليون عام. تقترح الفرضية التالية علاقة بين «التبريد العالمي-Global cooling» و«انفجارات أشعة غاما-Gamma-rays bursts».

كيف لانفجار أن يسبب انقراضًا؟

تنتج انفجارات أشعة غاما مقداراً هائلاً من الإشعاع في أحداث فلكية مهيبة قابلة للرصد في كوننا المنظور، بينما قد تشكل هذه الانفجارات تهديداً للحياة على الأرض إذا ما حدثت ضمن مجرتنا وتحديداً ضمن نطاق لا يتجاوز 10 آلاف سنة ضوئية من الأرض. وبحسب المعطيات الحالية؛ يقدر العلماء أن انفجاراً خطيراً قد يحدث بمعدل مرتين أو أكثر كل مليار سنة. أما شدة الخطر فتعتمد على المسافة أولاً، ومقدار الطاقة المتجهة نحو الأرض ثانياً لا على مقدار الطاقة الكلية المنتشرة في كل الاتجاهات. كما أن معدل حدوث انفجارات أشعة غاما كان أكبر في الماضي حين كان معدل تشكل النجوم أعلى.

ما هذه الانفجارات؟

وبالعودة لانفجارات أشعة غاما فهي شبيهة لحد ما ب«المستعر الأعظم-Supernovae»؛ ينهار النجم مخلفاً مادته وينتج وميضاً خاطفاً من أشعة غاما، ولكن هناك اختلافًا بسيطًا:  يكون المستعر الأعظم مجرد مفرقعات مقارنة بانفجار أشعة غاما! ولك أن تتخيل قوتها؛ فهي مرئية عبر مسافات شاسعة بسبب طاقتها الهائلة المتدفقة خلال ثوانٍ معدودة.

يرجح العلماء أن انفجاراً كهذا حدث قبل 440 مليون سنة ودفق كميات كبيرة من الإشعاع الضار إلى الجانب المواجه له من كوكب الأرض مسبباً مقتل الأحياء دون تمييز، بينما انتقلت العوامل الضارة الناتجة للنصف الآخر من الكوكب وجعلت منه عرضةً للأشعة فوق البنفسجية التي دمرت الأحياء البحرية.

إن معظم طاقة أشعة غاما تُمتص في منتصف طبقة «الستراتوسفير-Stratosphere» حيث تكون تركيزات غاز الأوزون مرتفعة، ويعمل كل فوتون منها على تأيين وتفكيك جزيئات هذا الغاز ويكون معظم تأثيرها على طبقة الأوزون. أما أهمية هذه الطبقة فتعود لامتصاصها 98% من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس وحمايتها الأرض من أضرارها، وفي حالة تخربها تكون العواقب وخيمة! حتى أن الزيادة الضئيلة في وصول الأشعة فوق البنفسجية لسطح الأرض (10-30%) يمكن أن يكون ساماً للعديد من الأحياء مثل «العوالق النباتية-Phytoplankton»؛ التي تشكل الغذاء الأساسي للكائنات البحرية بالإضافة إلى دورها في إنتاج غاز الأوكسجين اللازم للتنفس.

إلا أن الأشعة فوق البنفسجية تجتاز عشرات الأمتار من الماء فقط، فتسبب موت الكائنات البحرية عند تلك الأعماق، أما تلك الأنواع التي تعيش في المياه العميقة فتنجو. وبذلك نجد أن الكائنات التي تعيش في المياه الضحلة عانت أكثر من قريبتها التي تعيش في المياه الأعمق ضمن فترة الانقراض الأوردوفيشي.

التأثيرات الأخرى

يمكن للماء حماية الأحياء البحرية من حرارة انفجارات أشعة غاما ولكنه يعجز عن صد تأثيراتها الأخرى. حيث تحول أشعة غاما النيتروجين والأوكسجين في الغلاف الجوي إلى ثنائي أوكسيد النيتروجين وهو ذاته الغاز البني المتواجد في «الضباب الدخاني-Smog» في المناطق المدنية حالياً. يشكل ثنائي أوكسيد النيتروجين حاجزاً يمنع مرور الأشعة الشمسية مما يجعل السماء مظلمة ويسبب انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة من جهة أخرى. يستطيع هذا التأثير التبريدي أن يحفز عصراً جليدياً، ولابد من ذكر وجود دليل على عملية تجلد اجتاحت العالم قبل 440 مليون سنة سميت العصر الجليدي الأوردوفيشي؛ مما يدعم الفرضية.

كما تسبب أكاسيد النيتروجين الأمطار الحامضية التي قد تكون عاملاً إضافياً للانقراض بالإضافة لانخفاض منسوب المياه المترافق مع التبريد العالمي، تعتبر هذه التأثيرات (تخرب طبقة الأوزون و الأمطار الحامضية والتبريد العالمي) تأثيرات طويلة الأمد، ويمكنها أن تنتشر لجميع أنحاء الأرض عن طريق الرياح القوية وغيرها.

يمكن الكشف عن الآثار الداعمة لحدث كهذا عبر جمع معلومات أكثر عن النمط الجغرافي للانقراض الأوردوفيشي؛ وحتى ذلك الوقت يبقى كل ذلك مجرد فرضية! فرضية جديرة بالثقة كما يدعي الباحثون.

المصدر:

Cornell university

هل اكتشفنا السبب الحقيقي وراء انقراض وحيد القرن الصوفي ؟

السبب الحقيقي وراء انقراض وحيد القرن الصوفي

غالبًا ما كان يتم نسب انقراض حيوانات ما قبل التاريخ الضخمة كالماموث، أسد الكهف، وحيد القرن الصوفي إلى ظهور الإنسان البدائي حول الكرة الأرضية وممارسته للصيد الجائر.

على الرغم من أن الصيد الجائر أدى إلى انقراض بعض سلالات الحيوانات، ولكن اكتشفت دراسة حديثة نشرت بمجلة «Current Biology» أن انقراض وحيد القرن الصوفي ربما كان بسبب شئ آخر: التغيرات المناخية. وعن طريق دراسة تتابع الحمض النووي المستخرج من هياكل أربعة عشر من هذه الحيوانات العتيقة، وجد الباحثون أن أعداد أفراد وحيد القرن الصوفي ظلت مستقرة وثابتة حتى بضع ألاف من السنين مضت، قبل أن تختفي تمامًا هذه السلالة من سيبيريا، في الوقت الذي يعتقد فيه أن درجات الحرارة ارتفعت بشكل غير مناسب للكائنات التي اعتادت العيش في البرد.

فهل يمكن لهذا أن يكون السبب الحقيقي وراء انقراض وحيد القرن الصوفي ؟

هل ساهم الإنسان في انقراض وحيد القرن الصوفي ؟

يقول البروفسور «Love Dalén» : “اعتقد في الماضي أن البشر قد ظهروا في شمال شرق سيبيريا منذ أكثر من أربعة عشر أو خمسة عشر ألف سنة، وهو الوقت الذي انقرضت فيه سلالة وحيد القرن الصوفي.

لكن ظهرت العديد من الاكتشافات مؤخرًا والتي أثبتت أن الإنسان ظهر قبل تلك الحقبة بزمن طويل، أشهر تلك الاكتشافات قدر ظهور البشر في ذلك المكان بأنه تم منذ حوالي الثلاثين ألف عام.

بالتالي، لم يتزامن وقت انقراض وحيد القرن الصوفي كثيرًا مع الظهور الأول للبشر في تلك المنطقة. على العكس، يمكن القول أنه في تلك الفترة ربما ازدادت أعداد أفراد وحيد القرن بشكل طفيف.”

دراسة أجريت على الأحماض النووية لوحيد القرن الصوفي

ولمعرفة المزيد حول حجم السلالة واستقرارها في ذلك الوقت في سيبيريا، درس الباحثون الحمض النووي المستخرج من الأنسجة والعظام وعينات الشعر المأخوذة من أربعة عشر فردًا من تلك السلالة.

ومن خلال النظر إلى التنوع الجيني لأحماضهم النووية، استطاع الباحثون أن يقدروا أعداد أفراد تلك السلالة لعشرات الآلاف من السنين قبل انقراضها. تقول «Edana Lord»: “استمرت هذه السلالة في العيش باستقرار حتى بعد ظهور البشر في سيبيريا، وهو ما يعارض ما يجب أن نتوقع وجوده إن ظننا أن انقراض هذه السلالة كان بسبب صيد البشر لهم.”

كما أظهرت دراسة الأحماض النووية طفرات جينية ساعدت وحيد القرن الصوفي على التكيف على الأجواء الباردة. واحد من هذه الطفرات، وهو نوع من المستقبلات الموجودة في الجلد والمسئولة عن الإحساس بالسخونة والبرودة، تم ايجاده أيضًا في الماموث.

يمكن لهذه الطفرات أن تقترح أمرًا مهمًا، وهو أن وحيد القرن الصوفي، وهو الحيوان الذي اعتاد على العيش في البرد القارس الموجود في شمالي شرق سيبيريا، ربما انخفضت أعداد أفراده نتيجة لارتفاع درجات الحرارة الذي دام لمدة قصيرة، والتي تعرف باسم«Bølling-Allerød interstadial» ، والتي تزامنت مع انقراضهم في نهاية العصر الجليدي الأخير.

ماذا نستخلص من تلك الدراسة؟

تقول «Edana Lord»  :”يجعلنا ذلك نستبعد فكرة أن الانسان سيطر على كل شئ ما أن خرج إلى البيئة المحيطة به، وبدلًا من ذلك نقوم بالتركيز على دور الطقس في انقراض حيوانات ما قبل التاريخ الضخمة، وعلى الرغم من أنه لا يمكننا استبعاد تدخل الإنسان بالكامل، إلا أننا نقترح في الوقت الحالي أن انقراض وحيد القرن الصوفي ربما كان بسبب تقلبات الجو.”

المصادر
Sci-news
Sciencedaily

اقرأ أيضًا عن نجاح الهند في إنقاذ النمور البنغالية

نجاح الهند في إنقاذ النمور البنغالية من خطر الانقراض

نجاح باهر للهند في إنقاذ النمور البنغالية من خطر الإنقراض

كثيراً ما عانت النمور البنغالية ومثلها من الفصائل الأخرى من الصيد الجائر على مر السنين، ولحسن الحظ تم إنقاذ النمور بفضل المساهمات الهندية بعد مواجهتها لخطر الانقراض.
جميع فصائل الكوكب تعرضت منذ أن وطأ الإنسان الأرض للصيد الجائر، دون الأخذ في الاعتبار بتعدادها وأهميتها البيولوجية في حفظ التوازن البيئي. فكان الصيد إما لمجرد استهلاك غذائي أو غرض تجاري، وهو ما سارع في انقراض فصائل ووضع الكثير على حافة الانقراض.

مأساة النمور البنغالية على مر السنين

تعتبر النمور البنغالية  – Bengal Tiger أكثر سلالة عدداً للنمور في البرية، فمعظمها متواجد في الهند والأقلية موجود في بنغلاديش، نيبال، بوتان، الصين، وميانمار. لكنها تعرضت في الآونة الأخيرة لحملات صيد جائر واسعة، شارك فيها مشاهير، ملوك، أطباء العلاج التقليدي ومشاركو رياضة الصيد. تركزت هذه الحملة بين عامي 1875 و1925 مسببة في إبادة ما يقارب 80,000 نمر في الهند وحدها. مستخدمين الأسلحة، الرماح، الشباك، الفخاخ والسموم. وبحلول الستينيات تضاءل عدد النمور بشكل كبير.

صورة تذكارية لحاكم الهند اللورد جورج كورزن وزوجته مع جثة النمر البنغالي ضحية الصيد، عام 1903

لكن هناك تأثير آخر غير مباشر يهدد مواطن تلك النمور، فمع ارتفاع مستوى سطح البحر كل عام نتيجة الاحتباس الحراري، تضررت العديد من غابات المانغروف في ساندربانس-Sundarbans  – التي تشترك فيها بنغلاديش والهند – وهي الغابات الوحيدة التي تتواجد فيها النمور.

إنقاذ ما تبقى من النمور البنغالية

ونظراً للانخفاض المميت لهذه السلالة؛ وُضعت قوانين تحظر تجارة النمور البنغالية وتم البدأ في نشر توعية حولها السلالة من قبل العديد من الوكالات البيئية، مثل: WWF.  موضحة المخاطر التي تواجهها النمور وتعدادها المنخفض بمنحناه الخطير.
وتم بالفعل إنقاذ النمور البنغالية بفضل الجهود الهندية والحفاظ على ما تبقى من النمور وإعادة تأهيلها للتكاثر من جديد، دون التعرض لأي خطر من الصيادين.

الهند الآن أضحت أكبر وأكثر المواطن أمناً للنمور البنغالية في العالم، وبنسبة 70% من إجمالي عدد النمور

ظهرت تلك النتائج  خلال عرض إحصائية تقوم بها الهند لتعداد النمور في البرية كل 4 أعوام. وهي مهمة في غاية الصعوبة، فالعلماء وحماة الغابات يتجولون عبر نصف كم مربع لتعداد النمور وإحصائها. وأثمرت الجهود في هذه المرة عن زيادة أعداد النمور بصورة مبهجة، ففي عام 2014 قُدرت أعداد النمور 2226 نمر وفي عام 2018 وصل العدد إلى 2967 نمر.

قُدمت تلك النتائج ضمن تصريح رئيس الوزراء ناريندرا مودي – Narendra Modi، موضحاً أن الهند الآن باتت “واحدة من أكبر وأكثر المواطن للنمر البنغالي أمناً في العالم”. وعبّر رئيس الوزراء في تغريدة له عن إنجاز الهند في تلك المهمة:

“منذ 9 سنوات، تقرر في سان بطرسبرغ أن يكون هدف مضاعفة تعداد النمر في عام 2022. وقد أكملنا هذا الهدف في الهند قبل أربع سنوات”

وتعتبر الهند الآن موطن لحوالي 70 ٪ من النمور في العالم. وهو رقم قياسي بعد وضع تلك الحيوانات على شفا الهاوية.

العائد من قانون 1972 لحماية الحياة البرية على النمور البنغالية

ساهم هذا القانون في حماية الفصائل ذات الوضع الحرج، وبالأخص النمر البنغالي. فبفضل الاستثمارات لتوظيف المزيد من حراس الغابات وتحسين حماية الاحتياطيات في الهند؛ ظهرت نتائج قانون 1972 المبشرة في عام 2006. ومنذ ذلك الحين، أصبح ارتفاع عدد النمور في طوره الصحي من جديد. لكن هذا لا يعني توقف الصراع عند هذا الحد، فالهند تمتلك عدد كبير من النمور في مقابل عدد أقل من الغابات والمحميات، والتي بدورها ستزيد من حماية النمور إذا تم إنشاء محميات أكبر. ووفقاً لأحد التقديرات، فإن النمور تتكاثر وتعيش في حوالي 10٪ فقط من إجمالي مواطن النمر المحتملة في الهند والتي تبلغ مساحتها 300,000 كم مربع. وكثافة النمور في العديد من هذه المناطق مرتفعة، وفي بعض الأحيان تغامر النمور الفائضة بالخارج للحصول على الطعام، مما يجعلها في صراع مع البشر القريبين.

استمرارية الحفاظ على النمور البنغالية

يناشد دعاة الحفاظ على البيئة إلى توسيع مواطن النمور البنغالية في الهند وإلا ستزداد الصراعات البشرية معها، وهو ما لا نأمله بعد كل تلك المحاولات الكثيرة على مر السنين.

BBC

WWF

لا تنسَ تقييم المقال

200 حيوان رنّة ضحية التغير المناخي، والأسوء قادم لباقي الفصائل

200 جثة رّنة نافقة بسبب التغيرات المناخية

 

عثر باحثو المعهد القطبي النرويجي على جثث الرّنة المتناثرة في أرخبيل القطب الشمالي لسفالبارد-Svalbard وذلك خلال مشروع رصد تعداد الرّنة، ومدته 10 أسابيع، حيث أعلن الفريق أن 200 جثة رّنة نافقة بسبب التغيرات المناخية

 

وأشارت أصابع الإتهام إلى التغيرات المناخية، في مثل هذه الفاجعة البيئية؛ فذلك الرقم الكبير يعتبر عَرَضًا للوصول لمستوى عالٍ من خطر انقراض بعض الفصائل على الكوكب.

عثور عالمة البيئة Åshild Ønvik Pedersen في صيف 2017 على حيوان رنّة نافق بالقرب من مطار سفالبارد

 

الرنة المنتشرة في بعض المناطق المجاورة للقطب الشمالي كالغابات الشمالية، جرينلاند، اسكندنافيا، روسيا، ألاسكا وكندا. تُعد عنصرًا هامًا في النظام البيئي القطبي، والنفوق المستمر لها سيكون له تأثيرًا كبيرًا على البيئة والحيوانات في القطب الشمالي.

كما أنها ستزيد من انتشار بعض أنواع النباتات الغير مرغوب فيها.

وقد أكد الباحثون أن تعداد الرّنة على مستوى العالم قد انخفض إلى 56% بسبب أزمة الغذاء، بالإضافة لزيادة عدد الوفيات في مواليد العام الماضي، كما أن أضعفهم وأصغرهم لا يستطيع مواجهة الظروف القاسية المستجدة.

 

إذ أرجع الباحثون سبب النفوق إلى الأزمة المناخية، حيث تعتبر منطقة سفالبارد هي أكثر المناطق تأثرًا بتغيرات المناخ، فهي الأسرع إحترارًا على وجه الكوكب؛ فدرجة الحرارة ترتفع بمعدل يزيد عن ضعف معدلها في باقي إنحاء الكوكب، مسببة بذلك إلى سقوط الأمطار بغزارة، وتشكل طبقة صعبة الإختراق من الجليد على الغطاء النباتي من التندرا، مما يجعل عملية التنقيب والعثور على الغذاء مهمة صعبة إلى حد الفشل بالنسبة للرّنة التي اعتادت حفر الثلوج بإستخدام حوافرها. مما أدى إلى حدوث مجاعات بهذا الشكل.

كما وُجدت بعض أفراد الرّنة هزيلة، فاقدة الكثير من وزنها وتعاني من سوء التغذية؛ بسبب اتجاهها إلى استهلاك الأعشاب البحرية والأعشاب فوق المرتفعات والجبال العالية، كمحاولة للتكيف مع ظروف البيئة.

الرّنة لا تُعتبر الحيوان الوحيد الذي يعاني من آثار تغير المناخ، فالدببة القطبية المعزولة مهددة أيضا بخطر المجاعة المحتمل بسبب ذوبان الجليد.

 

الأمر ليس مجرد 200 جثة رّنة نافقة، إنما هو إنذار لكارثة على وشك الحدوث، فالأرض على مشارف إستقبال انقراض جماعي قد يودي ربع جميع الثدييات وثلث البرمائيات وحوالي 13%من جميع أنواع الطيور، إذ لم يتم التصدي للنشاط البشري من إزالة الغابات و الصيد الجائر والتلوث بالإضافة لأزمة المناخ الحالية.

المصدر:

ScienceAlert

Exit mobile version