كيف ألهم حصار العرب للقسطنطينية صنّاع صراع العروش؟

لم يقتصر مسلسل صراع العروش على المكائد والصراعات العائلية، بل برز الجانب الحربي فيه أيضًا. ورغم مخيلة صنّاعه المذهلة في تخطيط الكثير من المعارك في المسلسل الشهير، إلّا أن الواقع قد يكون أكثر إذهالًا. ويعتبر حصار العرب للقسطنطينية 717-718 (المعروف بالحصار العربي الثاني) الذي يعد من أهم المعارك في تاريخ أوروبا، مثالَا حيّا على ذلك. كيف لا وهي المعركة التي أنقذت الامبراطورية البيزنطية من الزوال. وسمحت لها بالاستمرار لأكثر من 600 عام. [1] وتظهر نقاط تشابه كثيرة بين الحصار ومعركة بلاك ووتر الشهيرة في مسلسل صراع العروش. وهذا ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

معركة بلاك ووتر

تعدّ معركة بلاك ووتر، التي تسمى أيضًا معركة خليج بلاكووتر، أكبر معركة في حرب الملوك الخمسة. وقادها ستانيس باراثيون الساعي للسيطرة على كينغز لاندينج “العاصمة” والاستيلاء على العرش الحديدي من الملك جوفري باراثيون. وكان لديه من القوات والسفن ما يكفي للنصر بينما كان جيش جوفري يقتصر على بعض القوات العاجزة عن التصدي لهجوم مماثل.

اجتاح أسطول ستانيس الطامع بالحكم، خليج بلاكووتر ليقترب من المدينة. لكن تيريون لانيستر مستشار الملك وضع خطة محكمة لحماية المدينة وكانت استخدام مادّة حارقة وتشتعل حتى فوق المياه. وسميت في المسلسل بالنار الجامحة.

تجسيد فني لمعركة بلاك ووتر في مسلسل صراع العروش ومشهد احتراق السفن. حقوق: (pinimg.com)

وبناء على خطته تلك، أمر المستشار تيريون سفينة صغيرة بإلقاء مادة النار الجامحة في مياه خليج بلاك ووتر الملاصق للمدينة. فأحرقت أسطول ستانيس براثيون عن بكره أبيه، مسببة تحولَا جذريًا في أحداث المسلسل. كما أدت إلى خسارة كبيرة لستانيس الذي لم يفكر في احتلال كينغز لانديغ مرة أخرى. ورسخّت حكم جوفري براثيون المتكبر. [3]

حصار العرب الثاني القسطنطينية 717 – 718

استعدّ الخليفة الأموي الخليفة سليمان بن عبد الملك بحلول السنوات الأولى من القرن الثامن للإجهاز النهائي على الإمبراطورية البيزنطية. وكانت القسطنطينية عاصمةً للامبراطورية وسقوطها سيكون المسمار الأخير في نعشها وسيقضي عليها بالكامل. وكانت الامبراطورية البيزنطية في ذلك الوقت قد أنهكتها الحروب الأهلية، كما انهارت دفاعاتها الشرقية نتيجة هجمات العرب المتتالية على أراضيها.

وفي خريف عام 717 م، أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك، شقيقه مسلمة بمحاصرة القسطنطينية. وترأس مسلمة جيشًا قوامه 80 آلاف جندي وأسطولًا بحريًا مكونًا من حوالي مائتي سفينة. ولأهمية تلك المعركة البالغة، وجّه الخليفة بنفسه الهجوم من دمشق. لكن في الوقت ذاته، كان الامبراطور البيزنطي ليو الثالث جنديًا متمرسًا، وكان مستعدًا لذلك الحصار. فحصّن جدران المدينة، وزودها بمخزون ضخم من الإمدادات. وأمر أي مدني لم يكن لديه ما يكفيه من الطعام لمدة ثلاث سنوات بمغادرة المدينة.

في تلك الأثناء، ورغم ضخامة أسطول الأمويين وجهودهم المستمرة لإغلاق الممر المائي وعزل المدينة عن البحر الأسود، إلّا أن البحرية البيزنطية قاتلت بشراسة وتمكنّت من إبقاء مضيق البوسفور مفتوحًا. ولم يكتفي البيزنطيون بذلك، بل أعدّو أيضًا سلاحًا سريًا، وهو النيران الإغريقية. [1]

النار الإغريقية كلمة السر!

النار الإغريقية هي عبارة تركيبة قابلة للاشتعال، وقد استخدمت في حروب العصور القديمة والعصور الوسطى. وبشكل أكثر تحديدًا، يشير المصطلح إلى خليط ابتكره البيزنطيون في القرن السابع الميلادي.

إن استخدام المواد الحارقة في الحرب قديم جدًا؛ فقد وثّق العديد من مؤرخي العصور القديمة استخدام الأسهم المشتعلة، ومواقد النار التي تحتوي موادً مثل القار، والنفتا، والكبريت، والفحم. وفي القرون اللاحقة، ظهر أيضًا استخدام الملح الصخري وزيت التربنتين. وكانت جملة الخلائط القابلة للاشتعال السابقة معروفة لدى الصليبيين باسم النار الإغريقية أو النار الجامحة. ويُعتقد أيضًا أن النار الإغريقيةكانت خليطًا من النفط، تم اختراعه في عهد الامبراطور قسطنطين الرابع بوغوناتوس (668-685) م على يد رجل يدعى كالينيكوس.

وتميزت النيران اليونانية بقابلة الوضع في أوانِ ويمكن تفريغها عبر الأنابيب وتشتعل فيها النيران بشكل تلقائي ولا يمكن إخمادها بالماء. [2] وقد سمح هذا السلاح للسفن البيزنطية بتدمير العديد من السفن العربية. وفي حين كان البيزنطيون يتلقون إمدادات منتظمة عن طريق البحر، عانى العرب من مشقة الحصول على الامدادات، وخاصة في فصل الشتاء.

نهاية الحصار

بقيت أسوار المدينة صامدة أمام هجمات الجيش العربي رغم التعزيزات التي وصلته. وفي صيف عام 718 م، هاجم البلغار المتحالفون مع البيزنطيين العرب وقتلوا 5000 جندي. ونتيجة لذلك، حوصرت القوات الأموية بين أسوار القسطنطينية الصامدة والبلغار.

أمر الخليفة جيشه بالانسحاب من القسطنطينية، لكن قوات البلغار هاجمتهم وقتلت حوالي 30 ألف جندي قبل أن يتمكنوا من الصعود على متن السفن. وطاردت البحرية البيزنطية البحرية الأموية ودمرت العديد من السفن. فكانت خسارة ضخمة.

يظهر مما سبق التشابه الواضح بين حصار القسطنطينية ومعركة بلاك ووتر في مسلسل صراع العروش. بدءًا بأسلوب القتال والتحوّل المصيري الناتج عنها وانتهاءًا بالسلاح الحاسم المستخدم في كلا المعركتين.

المصادر:

1- How did the Second Arab Siege of Constantinople 717-718, change world history – DailyHistory.org
2 – Greek fire | weaponry | Britannica
3- Battle of the Blackwater | Game of Thrones Wiki | Fandom

موجز في تاريخ الطائرات بدون طيار

سواء تلك التي تحمل رأس ذخيرة متفجر أو الخاصة بتوصيل الطعام، أو تقديم المساعدات اللوجستية والإنسانية، تعددت مهام استخدامها بين الأعمال العسكرية والمدنية. بينما لهذه الانجازات تفصيلٌ مخفية، سنستعرض هنا منها موجزًا في تاريخ الطائرات بدون طيار لنتعرف عليها.

تعددت التسميات في عالم التقنية العسكرية للطائرة بدون طيار أو الطائرة غير المأهولة، لكنها غدت في كل الأحوال من الأسلحة الأكثر فتكًا وتقدمًا ودقةً في الترسانة العسكرية. وينظر إليها اليوم بوصفها أسلحة ضرورية للجيوش. [9]

بنيت الطائرات بدون طيار في الأصل لأغراض عسكرية في الحرب العالمية الأولى والثانية، إلا أنها شهدت تطورًا سريعًا ومتواصلاً أدى إلى زيادة استهلاكها. إذ في بداياتها استخدمت كأسلحة على شكل صواريخ جوية موجهة عن بعد. أما اليوم، فتستخدم في مجموعة واسعة من تطبيقات الاستخدام المدني. [1][2]

ما هي الطائرات بدون طيار تحديدًا؟

قبل الدخول في التفاصيل الدقيقة لتاريخ الطائرات بدون طيار، قد يكون من المفيد تحديد تعريفها بدقة. وتميل قواميسٌ مختلفة لتعريف الطائرة بدون طيار بأنها:

“طائرة أو سفينة بدون طيار تسترشد بالتحكم عن بعد أو بأجهزة كمبيوتر على متنها.” [2]

الطائرة بدون طيار، من الناحية التكنولوجية، هي طائرة بدون شخص داخلها يتحكم فيها. وتعد روبوتًا طائرًا يمكن التحكم فيه عن بُعد، أو يمكنه الطيران بشكل مستقل من خلال خطط الطيران التي يتم التحكم فيها بالبرمجيات في أنظمتها المدمجة. وتعمل جنبًا إلى جنب مع أجهزة الاستشعار الموجودة على متن الطائرة و «GPS – نظام تحديد المواقع» . [3] وسنركز في هذا المقال على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.

استخدمت الطائرات بدون طيار المزودة بكاميرات للاستطلاع أول مرة في حرب فيتنام. وقد شهدت هذه الحرب أول انتشار واسع النطاق للطائرات بدون طيار باعتبارها طائرات استطلاعية. تطور الأمر وبدأ استخدام الطائرات بدون طيار أيضًا في مجموعة من الأدوار الجديدة، كالقيام بدور الشراك الخداعية في القتال، وإطلاق الصواريخ على أهداف ثابتة، وإلقاء المنشورات الدعائية النفسية [4].

مراحل تاريخ الطائرات بدون طيار

طائرات «ار-س RC» الترفيهية في الستينيات

بفضل التطور في تقنية الترانزستور، يمكن اليوم تصغير المكونات التي يتم التحكم فيها عن طريق الراديو بما يكفي لبيعها للعملاء المدنيين بتكلفة معقولة. أدى هذا الأمر لازدهار العمل بطائرات «RC – (ار-س)» خلال ذلك العقد. [5] وسمح ظهور عدة أشكال من هذه الطائرات للمتحمسين ببناء طائرات RC. كما بدأ الهواة في تنظيم نوادي طائرات RC، مما أدى إلى ظهور صناعة منزلية، سرّعت تطوير تقنية RC التجارية.

تعزيز الطائرات العسكرية الهجومية خلال 1980-1989

 على الرغم من قدرة الولايات المتحدة على تحقيق طفرة في التصنيع الشامل وتزويد الجيش بالطائرات بدون طيار، إلا أنها اعتبرت غالبًا  مكلفة وغير موثوقة. لكن تغير هذا الرأي عنها في عام 1982، حين استخدمت القوات الإسرائيلية طائرات بدون طيار للفوز على القوات الجوية السورية بأقل الخسائر. [1]

 بدأت الولايات المتحدة في عام 1980 برنامجًا يهدف إلى بناء طائرة لعمليات الأسطول بدون طيار وغير مكلفة. وأدى مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عام 1986 إلى تطوير «طائرة استطلاع متوسطة الحجم- RQ2 Pioneer».

خلال هذه الفترة أيضًا، بدأ مطورو الطائرات بدون طيار في تركيز انتباههم على مصادر الطاقة البديلة للطائرات بدون طيار. وكانت الطاقة الشمسية أحد أوضح المصادر وأكثرها جذبًا. [6]

 تطوير الطائرات العسكرية والمدنية بدون طيار خلال الفترة ما بين 1990- 2010

أنتِجت إصدارات مصغرة من الطائرات بدون طيار في عام 1990. كما قدِّمت طائرة بريداتور الشهيرة في عام 2000. استخدِمت هذه الطائرات في أفغانستان لإطلاق الصواريخ والبحث عن أسامة بن لادن وغيرها من الحروب الهجينة والحروب بالوكالة. وفي السنوات التالية، طورت الشركة العسكرية « AeroVironment Inc -ايروفيرمينمينت » عددًا من طائرات المراقبة صغيرة الحجم وذات الأجنحة الثابتة مثل «غراب أسود- Raven » و«دبور- Wasp» و«بوما-puma». وينتشر استخدام Raven حاليًا في بلدان كثيرة، ويصل عددها إلى عشرات الآلاف من الوحدات. [9] [7] [8] [6]

كان عام 2006 عامًا محوريًا في تاريخ الطائرات بدون طيار. إذ كان هذا العام هو تاريخ إصدار إدارة الطيران الفيدرالية رسميًا أول تصريح تجاري للطائرة بدون طيار. وتباطأت طلبات المستهلكين في البداية، حيث تقدم عدد قليل جدًا من الأشخاص بطلب للحصول على تصاريح في السنوات القليلة الأولى. مما هدد وجودها المدني بشكل كبير.

العصر الذهبي للطائرات بدون طيار

شهدت السنوات العشر الأخيرة انفجارًا هائلاً في ابتكار الطائرات بدون طيار من أجل المصالح التجارية. بينما كانت الطائرات بدون طيار تستخدم قبل ذلك في المقام الأول للأغراض العسكرية أو للهواة. وبدءًا من أوائل عام 2010، اقترِحت مجموعة من الاستخدامات الجديدة للطائرات بدون طيار، بما في ذلك استخدامها كمركبات توصيل. [13]

بحلول منتصف العقد، كانت إدارة الطيران الفيدرالية تشهد نموًا هائلاً في الطلب على تصاريح الطائرات بدون طيار. وأصدِرت حوالي ألف تصريح تجاري للطائرات بدون طيار في عام 2015. وتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بعد عام واحد، واستمر في النمو بشكل كبير منذ ذلك الحين. [13]

أثر تكنولوجيا الهواتف الذكية على تطوير الطائرات بدون طيار

أصبح تجهيز الطائرات بدون طيار بالكاميرات أمرًا شائعًا الآن في التصوير التجاري وتصوير الفيديو. وذلك نتيجة لدمج الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد (RC) وتكنولوجيا الهواتف الذكية. كما أدى النمو السريع في استخدام الهواتف الذكية إلى خفض أسعار وحدات التحكم الدقيقة ومقاييس التسارع وأجهزة استشعار الكاميرا، والتي تعتبر مثالية للاستخدام في طائرات الهواة الثابتة الجناحين. وسمحت التطورات الإضافية بالتحكم في طائرة بدون طيار بها 4 دوارات أو أكثر عن طريق ضبط سرعة الدوارات الفردية. وفتح تحسين استقرار الطائرات متعددة المحركات فرصًا جديدة لاستخدامها. [12]

أصبح استخدام الطائرات بدون طيار DIY أكثر شيوعًا نظرًا لصغر حجمها وإمكانية نقلها. كما أصبحت الطائرات بدون طيار DIY مناسبة للاستخدام من قبل قوات الشرطة وخدمات الإطفاء للمراقبة. ومع ذلك، فإن الاستخدام المتزايد غير المنظم للطائرات بدون طيار أثار تساؤلات حول الخصوصية والسلامة الجسدية. فهل أنت مع انتشارها أم ضده؟

المصادر: 

  1. If I Fly a UAV Over My Neighbor’s House, Is It Trespassing? – The Atlantic
  2. Innovation News | New Innovations | Scientific Innovations in Technology, Health, Ideas & Industrial Products (interestingengineering.com)
  3. We need drone aircraft, says police chief Alex Marshall | The Independent | The Independent
  4. If I Fly a UAV Over My Neighbor’s House, Is It Trespassing? – The Atlantic
  5. https://www.amazon.com/b?node=507846
  6. USAF Buys Millions-Worth of Hand-Launched Puma 3 Drones, Spares for the Raven (autoevolution.com)
  7. Predator RQ-1 / MQ-1 / MQ-9 Reaper UAV, United States of America (airforce-technology.com)
  8. What is a Drone? – Definition from WhatIs.com (techtarget.com)
  9. Drone Definition & Meaning – Merriam-Webster

حرب الفضاء، هل ستصبح حقيقة؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

لا تنتهي أطماع وطموحات الإنسان على الأرض بل بلغت حد السماء وأكثر. حيث برزت مظاهر صراع بين عدة دول للاستحواذ على الفضاء الخارجي أيضًا. تارةً بالسباق العلمي أو حتى بالوصول إلى النزاع المسلّح. ورغم أنّ الحديث عن حرب الفضاء يبدو ضرب من الخيال أو قصة فيلم من أفلام الخيال العلمي. إلّا أنّ مظاهره المختلفة حقيقية وموجودة بالفعل وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

مفهوم الحرب الفضائية

حرب الفضاء هي قتال يحدث في الفضاء الخارجي، أي خارج الغلاف الجوي للأرض. وبالتالي، فإن حرب الفضاء تشمل الحروب من الأرض إلى الفضاء، مثل مهاجمة الأقمار الصناعية من الأرض. وكذلك حرب الفضاء إلى الفضاء، مثل الأقمار الصناعية التي تهاجم الأقمار الصناعية الأخرى.[1]

يوجد في مدار الأرض حوالي 4550  قمرًا صناعيًا حتى 1 سبتمبر 2021.[2] وأي تهديد أو اصطدام أو تشويش على أحدها قد ينذر بحرب ما أو صراع. وقد غزا الإنسان الفضاء منذ الـ4 من شهر أكتوبر في 1957. عندما أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الاصطناعي “سبوتنيك”. [3] و يُنظر إلى حرب الفضاء التي بدأت لاحقًا على أنها امتداد للحروب النووية في المقام الأول [1]. وذلك بسبب ارتباط بداياتها بسباق التسلح وعصر الأسلحة النووية.

كيف بدأ الصراع في الفضاء؟

لاحقًا مع تزايد حدّة الحرب الباردة بين القطبين العملاقين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، انتقلت الدولتان من سباق الوصول إلى الفضاء إلى سباق فرض السيطرة عليه. وكانت القوتان العظمتان تتنافسان لتطوير الصواريخ العابرة للقارات. فطور الاتحاد السوفياتي، عبر مصمم الصواريخ سيرجي كورولييف صاروخ “R7″، وهو أول صاروخ باليستي عابر للقارات.[3]

وتم توجيه الجهود المبكرة لشن حرب فضائية إلى نطاق الفضاء بعيدًا عن الأرض. حيث اعتبرت أنظمة (أرض- فضاء) بطيئة ومعزولة بسبب الغلاف الجوي للأرض والجاذبية، كما لن تكون فعالة.

علمًا أن تاريخ التطور النشط يعود لحرب الفضاء إلى ستينيات القرن الماضي عندما بدأ الاتحاد السوفيتي مشروع ألماز ” Алмаз”. ومن ثمّ تبعتها الولايات المتحدة بإطلاق مشروع “بلو جيميني” ” Blue Gemini”. وكان الغرض من المشروعين آنذاك هو نشر الأسلحة في الفضاء وجمع المعلومات والمراقبة. [1]

أمّا خلال السبعينات فقد طوّر كل من السوفييت والولايات المتحدة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، ومصممة لإسقاطها. وصمم الطرفان واختبرا مجموعة من الأسلحة المصممة خصيصًا لحرب الفضاء. [1]

وتتعلق العمليات العسكرية في الفضاء في الوقت الحالي بشكل أساسي إما بالمزايا التكتيكية الهائلة للمراقبة عبر الأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات وتحديد المواقع، أو الآليات المستخدمة لحرمان الخصم من المزايا التكتيكية السابق ذكرها.

حرب النجوم

مع تعاظم تسليح الطرفين في ثمانينيات القرن الماضي، أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي ريجان مبادرة للدفاع الاستراتيجي. وقد بلغت ميزانيتها مليارات الدولارات وعُرفت باسم “حرب النجوم”. [4] ففي عام 1985، استعرضت القوات الأمريكية قدراتها بإخراجها أحد أقمارها الصناعية من مداره المنخفض بواسطة مقذوف أطلقتها طائرة إف 15. [4]

ولو استمرت الحرب الباردة، لشهد سباق التسلح الفضائي ذاك مراحل أكثر تقدمًا. فمع انتهائها والتطور المستمر لتكنولوجيا الأقمار الصناعية والإلكترونيات، تركز الاهتمام على الفضاء كمسرح داعم للحرب التقليدية. فمنذ عام 1985 إلى عام 2002، كانت هناك قيادة فضاء أمريكية. ثم اندمجت لاحقًا في عام 2002 مع القيادة الاستراتيجية للولايات المتحدة. كما توجد قوة فضاء روسية أيضًأ، وتأسست في 10 أغسطس 1992. وقد أصبحت تلك القوة قسمًا مستقلاً من الجيش الروسي في 1 يونيو 2001. [1]

لكنّ طرفي الحرب الباردة ليسا اللاعبين الدوليين الوحيدين في الفضاء. ففي عام 2007، استخدمت جمهورية الصين الشعبية نظامًا صاروخيًا لتدمير أحد أقمارها الصناعية المتقادمة. وقد اختبرت حينها صاروخًا باليستيًا مضادًا للأقمار الصناعية. كل ذلك يشير إلى تعدد الأسلحة المستخدمة في حرب الفضاء.

الأسلحة المستخدمة في حروب الفضاء

توجد طرق عدّة خالية من الخيال والأضواء المبهرة لتعطيل الأقمار الصناعية أو تدميرها دون تفجيرها بشكل استفزازي بواسطة الصواريخ. إذ يمكن لمركبة فضائية أن تقترب من القمر الصناعي وتعطل أجهزته البصرية باستخدام الطلاء. أو يمكنها تدمير هوائيات الاتصال، أو محاولة إخراجه من مداره أو زعزعة استقرار القمر في مداره. [4]

وتراوحت الأنظمة العسكرية المقترحة في الصراع، من تدابير بسيطة كالصواريخ المضادة والصواريخ الأرضية والفضائية إلى المدافع الكهرومغناطيسية وأشعة الليزر الفضائية والألغام المدارية وغيرها من الأسلحة المستقبلية.[1] إذ فجّرت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1962، سلاحًا نوويًا أرضيًا في الفضاء لاختبار تأثيرات النبض الكهرومغناطيسي والذي أدّى لتعطيل العديد من الأقمار الصناعية.[1]

كما حاولت العديد من الدول أيضًا تطوير أقمار صناعية صغيرة  “بحجم ثلاجة تقريبًا”. تهدف تلك الأقمار الصغيرة إلى التشويش على الأقمار الصناعية أو لحماية الأقمار الصديقة. وقد يتم تطويرها لتكون ذكية بما يكفي لتؤدي مهام متعددة للأقمار الصناعية كإصلاحها أو تخريبها أو اختطافها أو ببساطة الاصطدام بها.[1]

ويمكن استخدام الليزر بهدف تعطيل مؤقت للأقمار الصناعية أو تخريب مكوناتها، كتخريب أجهزة الاستشعار الحساسة  بشكل خاص. أو عبر التشويش أو السيطرة على موجات الإرسال القادمة أو الصادرة من محطات التحكم الأرضية. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام موجات الراديو أو الموجات الصُّغروية (الميكروويف). [4]

إضافة لذلك، يمكن استخدام القصف الحركي عبر استخدام القمامة الفضائية. حيث يمكن لأي حطام طائش أو توجيه متعمد للحطام أن يحدث ضررًا بالغًا للأقمار الصناعية. [4]

ومع التطور المستمر للأسلحة الفضائية نتيجة التقدم المتسارع في علوم الفضاء والتكنولوجيا وتعاظم قوة الدول على الأرض، يظهر ميل الدول العظمى للحيازة على الفضاء أو الحصول على الجزء الأكبر منه، فلماذا؟

لماذا تلجأ الدول إلى حرب الفضاء؟

تعتمد معظم أنظمة الاتصالات في العالم بشكل كبير على وجود أقمار صناعية في مدار حول الأرض. لذا تسعى الدول بشكل جدي لحماية ما تعتمد عليه من موارد. لا سيما البلدان المتقدمة التي لديها إمكانية الوصول إلى الفضاء.[1]

كما يشكل الخوف من نشوب حروب الفضاء عاملًا حاسمًا يدفع الدول باستمرار إلى تطوير أنظمة دفاعية وهجومية لحمايتها وحماية أقمارها مستقبلًا. وقد يشكل التهديد بحدوث حرب فضائية ضغطًا كبيرًا على النظام السياسي لدولة ما. مما يدفعها لتطوير دفاعاتها أو حتى القيام بمناورات عسكرية من شأنها أن تشكل رادعًا لحروب مستقبلية. [1]

وقد تخوض الدول التي ترتاد الفضاء حربًا من أجل السيطرة على موارد خارج الكواكب. ويمكن لمثل هذا الصراع أن يصل بسهولة لمستوى الحرب داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض. وهناك موارد فضائية مهمة ومكتشفة بالفعل، مثل موارد الهليوم في المنطقة القطبية الجنوبية للقمر. حيث أعلنت روسيا عن نيتها في الحصول على هذه المورد. ومن المقرر أن تهبط المهمة القمرية الصينية في تلك المنطقة في عام 2024. [1] لكنّ رغم المزايا التي توفّرها هذه الحروب للدول إلّا أنّ العيوب التي تكتنفها كثيرة.

عيوب حروب الفضاء

  • تشكل المسافات الشاسعة في الفضاء تحدٍ صعب في الاستهداف والتتبع. ويتطلب الضوء بضع ثوانٍ لاجتياز نطاقات تقاس بمئات الآلاف من الكيلومترات.

فإذا حاولت إطلاق النار على هدف على مسافة القمر من الأرض مثلًا، فإن الصورة التي يراها المرء تعكس موقع الهدف قبل أكثر من ثانية بقليل. [1]

  • حرب الفضاء التي تنطوي على نشر البشر في الفضاء لمحاربة بعضهم البعض ليست عملية حاليًا. ذلك بسبب صعوبة وتكلفة الحفاظ على حياة الإنسان في الفضاء. خاصة على مدى فترات طويلة من الزمن. [1]
  • كما أن هناك القليل من الأشياء التي يمكن تحقيقها من خلال حرب الفضاء. والتي يمكن لأي دولة تمويلها وإنجازها بتكلفة أقل بكثير باستخدام الوسائل التقليدية. فدول اليوم تلجأ إلى تكتيكات الحرب الهجينة لأنّها أقل تكلفة. [1]
  • ضعف الأقمار الصناعية -خاصة الموجودة في المدارات الأرضية المتزامنة على ارتفاع 35 ألف كيلومتر أو أكثر. مما يجعل استهدافها أمرًا يسيرًا للدولة المهاجمة وكذلك الدولة المتضررة. [4] لذا فإن الرد على تدمير قمر بتدمير آخر أمر في غاية البساطة.
  • تشكل النفايات الفضائية أكبر تهديد للأقمار الصناعية ككل. وتزداد كمية تلك النفايات بزيادة الهجمات على الأقمار الصناعية وتدميرها. فمن السهل للغاية صناعة نفايات الفضاء ولكن من الصعب أيضًا التخلص منها. [4]
  • وإذا ما استخدمت دولة النفايات الفضائية أو الكتل المعدنية العشوائية لتدمير قمر صناعي للعدو، فقد يكون الحطام الناتج أكثر خطورة عليها. وقد يتسبب ذلك الحطام في سلسلة متتالية من ردود الفعل تحول مدار الأرض إلى كتل من الدمار.[4]

هل ستلجأ الدول إلى حرب الفضاء لحل نزاعاتها؟

احتمال أن تلجأ الدول إلى حروب الفضاء ضئيل جدًا. ليس بسبب التكاليف الباهظة لها فحسب، بل لأن خسائرها غير محدودة وغير معروفة على الطرفين المتصارعين. بل وحتى على الأطراف الأخرى التي تدور أقمارها في مداراتها الفضائية بسلام. فمجرد الاقتراب من الأقمار الصناعية الاستراتيجية للعدو قد يُعَد تهديدًا.

وقد أعلنت روسيا أنها سوف تنسحب من المحطة الفضائية الدولية، بحلول عام 2024، وأنها ستبني محطة فضائية خاصة بها. ولكن ورغم المخاوف من تفاقم الصراع بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة ذلك، إلّا أنّ البلدين وقعا اتفاقا يسمح لرواد الفضاء الروس بالسفر على المركبات الأمريكية والعكس.

وتسعى الدول إلى إنشاء معاهدات دولية تحكم الفضاء والتي من شأنها أن تحد أو تنظم النزاعات في الفضاء. كما تأمل الدول أن تحد تلك المعاهدات من تركيب أنظمة الأسلحة، كمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. وتمكنت تلك المعاهدة من حظر استخدام أو اختبار أو تخزين الأسلحة النووية خارج الغلاف الجوي للأرض. إضافة لمحاولة إقامة محادثات بشأن مدونة لقواعد السلوك صاغها الاتحاد الأوروبي للدول التي ترتاد الفضاء.

ونأمل في الأكاديمية بوست أن يحد الإنسان من أطماعه، ويدرك أن الفضاء الخارجي ليس ملكًا لأحد. كما لا يحق لأحد السيطرة عليه، اتركوه للبشرية فحسب بلا حدود وصراعات، فهل تتفق معنا؟

المصادر:

1- military-history
2- dewesoft
3- nationalgeographic
4- scientificamerican

شبح الحروب الاقتصادية أشدّ فتكًا على الإنسان من القذائف

هذه المقالة هي الجزء 6 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

مع تصاعد أزمة الغاز العالمية وزيادة المخاوف من احتدام الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، يمكننا القول أننا ندرك جميعًا مساوئ الحروب على الاقتصاد. فلطالما كانت المجاعات الناجمة عن الحروب أكثر فتكًا من الحروب نفسها. فالحصار ونقص المؤن وتردي الأوضاع المعيشية هي أكثر ما قد يسعد الخصم الدولي لأي بلد اليوم. وجميعها جزء من أدوات الحرب الاقتصادية وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

تعريف الحروب الاقتصادية

الحرب الاقتصادية، هي استخدام، أو التهديد باستخدام الوسائل الاقتصادية ضد بلد ما بغية إضعاف اقتصادها وبالتالي الحد من قوتها السياسية والعسكرية. وتشمل الحرب الاقتصادية أيضًا استخدام الوسائل الاقتصادية لإجبار الخصم على تغيير سياساته أو سلوكه أو تقويض قدرته على إدارة علاقات طبيعية مع الدول الأخرى.[1]

أدرك الإنسان منذ فجر التاريخ أنّ إضعاف الخصم ووهن عزيمته يحقق نصرًا حاسمًا واستراتيجيًا. ويخلق لدى العدو هالة رعب من تكرار ما حدث في الماضي. ورغم أنّ الحروب البيولوجية كانت أكثر الحروب دموية وفتكًا على مرّ التاريخ، إلّا أن آثار الحروب الاقتصادية مدمّرة أكثر على الصعيد الإنساني وقادرة على إضعاف الإنسان وإعادته إلى أصوله الهمجية الأولى مفقدةً إيّاه البعد الحضاري الذي يتغنى به دائمًا ويتسامى به عن بقية الكائنات الحيّة الأخرى.

“إن ممارسة ضغط الحرب على جميع السكان، وليس فقط على الجيوش في الميدان، هي روح الحرب الحديثة.”

ألفريد ثاير ماهان، نوفمبر ١٩١٠ [2]

فمع ازدياد ترابط اقتصاديات الدول ببعضها البعض، وخاصة أننا نعيش في عصر العولمة وتشابك الاقتصادات الوطنية مع الاقتصاد الدولي، وصل التبادل التجاري أوجه مع استخدام الفضاء السيبراني كمجال لتبادل المنتجات والخدمات، وأصبحت تحديّات هذه الحرب أكثر تعقيدًا وتأثيرًا.

نشأة الحروب الاقتصادية

تسعى البلدان المنخرطة في الحروب الاقتصادية إلى إضعاف اقتصاد الخصم. عن طريق حرمانه من الوصول إلى الموارد المادية والمالية والتكنولوجية الضرورية. أو منع قدرته على الاستفادة من التبادل التجاري والمالي والتكنولوجي مع البلدان الأخرى.[1]

ويعد الحصار أكثر الأدوات شيوعًا. حيث يمارس حصار واعتراض البضائع المهربة بين المتحاربين منذ ما قبل الحرب البيلوبونيسية (431-404 قبل الميلاد) في اليونان القديمة.

أما في العصر الحديث، فقد توسعت استخدامات الحروب الاقتصادية لتشمل الضغط على الدول المحايدة. إذ يمكن للدول المعادية الحصول من تلك الدول المحايدة على الإمدادات. وبالتالي، حرمان الأعداء المحتملين من السلع التي قد تساهم في قدرتهم على شن الحرب.[1]

ومن المسلم به أنه يتم تطوير أسلحة إلكترونية لاستخدامها مع القوات القتالية كحروب سيبرانية. وبالمثل فإن إمكانية مهاجمة البنية التحتية الاقتصادية الحيوية للعدو لتقويض قدراته العسكرية أو المدنية أصبحت معروفة الآن على نطاق واسع[2]، ولها أدواتها المختلفة.

أدوات الحروب الاقتصادية

أدى التحول في النظام الاقتصادي العالمي إلى إحداث تغييرات في طبيعة الحرب نفسها.[2] وبالتالي تغيير في الأدوات المستخدمة، كحظر سلاسل التوريد العالمية أو الحظر التجاري. وقد لا يشمل مقاطعة كليّة وإنّما محاولة التأثير على حركة التجارة عبر التمييز الجمركي.

ويُعد استهداف البنية التحتية الاقتصادية الحيوية هجومًا دقيقًا على الأصول المادية. ويحدث ذلك باستعمال أدوات معينة، كالمقاطعة الاقتصادية أو العقوبات أو تجميد الأصول الرأسمالية أو وقف المساعدات أو حظر الاستثمار وتدفقات رأس المال الأخرى أو مصادرة الممتلكات. [1]

ومن الأدوات المفصلية حديثًا محاولة التأثير على شبكة الاتصالات. فيمكن أن يؤثر قطع الشبكة على المدنيين أيضًا وليس حكوماتهم أو قواتهم المسلحة فحسب، وبتأثير مباشر وسريع أكثر مما كان ممكنًا في السابق.[2] فاستقرار الاقتصادات الوطنية والاقتصاد الدولي حديثًا لا يعتمد على حرية حركة السلع والمال فحسب. بل يعتمد أيضًا على حرية تبادل المعرفة والمعلومات حول العالم.[2]

إضافة إلى ما سبق، تستهدف الحرب الاقتصادية أيضًا مجتمع العدو من خلال تشويش اقتصاده الوطني بهدف تقويض شرعية الدولة المعادية ودعمها الداخلي. مستهدفة الأنظمة التي تدعم أسلوب حياة المجتمع لا المجتمع نفسه. حيث أصبح المدنيون هم الهدف في الحرب الاقتصادية لا الجيوش. [2] وتهدف جميع الأدوات الحديثة والقديمة إلى توجيه ضربة قاضية معطلة من شأنها أن تجنّب الحاجة إلى أنواع حروب أكثر حدّة وتكلفة وأطول أمدًا. ولكن من المهم أن نعرف أن استخدام استراتيجية الحرب الاقتصادية أسهل قولًا من فعلها [2] لذا على الدول أن تستخدمها بحكمة.

كيف تضمن الدول استخدام هذه الاستراتيجية بفعالية أكبر؟

تعتمد فعالية الحرب الاقتصادية على عدد من العوامل، كقدرة الخصم على إنتاج السلع المقيدة داخليًا أو الحصول عليها من دول أخرى. فعلى سبيل المثال، أُحبِطت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة للإطاحة بفيدل كاسترو من السلطة في كوبا من خلال الإبقاء على حظر دام عقودًا بسبب زيادة التجارة بين كوبا والمكسيك وكندا وأوروبا الغربية.[1]

فعلى الرغم من أن الحرب الاقتصادية غالبًا ما تُعتبر مكملاً أو بديلًا غير مكلف نسبيًا للمشاركة العسكرية. إلا أنها تفرض تكاليف على الدولة التي تبادر بالبدء، من خلال حرمانها من الوصول إلى التبادل الاقتصادي مع الدولة المستهدفة. على سبيل المثال، دفع المستهلكون في الولايات المتحدة تكاليف أعلى للسلع التي كان من الممكن استيرادها بتكلفة أقل من كوبا أو من البلدان المستهدفة الأخرى، مثل إيران. وحُرمت الشركات الأمريكية من الوصول إلى سلعها وأسواقها أيضًا.[1] لذا يجب أن تعمل الدولة على إحداث خرق اقتصادي يسبب أذى للخصم، لا لها. ويضمن إيجاد البدائل الأقل تكلفة.

إنّ فعالية الحرب الاقتصادية محدودة أيضًا بقدرة حكومة الخصم على إعادة توزيع ثروة محلية كافية نحو الجيش أو المؤسسات الأخرى للتعويض عن التخفيضات في القدرات الناجمة عن فقدان السلع المقيدة. في التسعينيات، على سبيل المثال، لم تقلل الحرب الاقتصادية ضد العراق وضد كوريا الشمالية بشكل كبير من التهديد العسكري الذي تشكله هاتان الدولتان لأنهما كانتا قادرتين على توجيه مواردهما الاقتصادية المحدودة نحو جيوشهما. [1] ويزخر التاريخ بأمثلة كثيرة أخرى عن الحروب الاقتصادية وهي قائمة في وقتنا الحاضر أيضًا.

أمثلة عن الحروب الاقتصادية

يوجد في التاريخ الكثير من الأمثلة على الحروب الاقتصادية. فهي مرتبطة بالحروب الشاملة وأكثر فعالية في الحروب الهجينة جنبًا إلى جنب مع الحروب السيبرانية.

حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها خلال الحرب الباردة منع الاتحاد السوفيتي وحلفائه من الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر ومعدات الاتصالات السلكية واللا سلكية وغيرها من التقنيات ذات القيمة الاقتصادية والعسكرية العالية.

وفي الوقت الحالي، إضافة إلى تصاعد الخلافات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والتنين الصيني، تلوح في الأفق مخاوف من تصاعد أزمة الوقود العالمية. حدثت الأزمة كنتيجة للمقاطعة الاقتصادية المفروضة على روسيا بعد الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة. ولكن قد يرتد الأمر على المبادرين مرة أخرى. إذ يمكن أن تحول روسيا شتاء أوروبا القادم إلى جحيم بارد وخاصة أنّ دولًا كثيرة تعتمد على الغاز الروسي بدرجة كبيرة. فعلي سبيل المثال، تمثل روسيا 35٪ من إمدادات الغاز الألمانية. و تعتمد بولندا على روسيا لنحو نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي. [3]

أمثلة أخرى مثل الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على دول مثل إيران وسوريا أو على مناطق محددة كقطاع غزة. أو مخاوف نقص القمح بعد الحرب الأوكرانية.

على الرغم من أنّ حلم الاكتفاء الذاتي أصبح بعيد المنال منذ الثورة الصناعية إلى اليوم. إلّا أنّ دول اليوم مضطرة لإيجاد حلول لتقليل الاعتمادية على اقتصادات دول أخرى. فتعرض أي دولة في الوقت الحالي لحرب اقتصادية سيكون بالغ التأثير عليها. وخاصة أنّها تؤثر على المدنيين الأبرياء بدرجة كبيرة جدًا وتحمل الدولة خسائر قد تحتاج عقودًا لتداركها.

المصادر:

1- britannica
2- carnegieendowment
3- bloomberg

الحروب السيبرانية، وجهٌ جديد للعنف الدولي

هذه المقالة هي الجزء 8 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

لم يعد الأذى مقتصرًا على التدمير المادي أو الشامل في الحروب، حيث أصبح العدو يتكبد أكبر الخسائر بدون قطرة دم واحدة أو تدمير متر مربع واحد. وباتت أقوى الأسلحة في بعض الأوقات غير قادرة على تحقيق الأذى الذي قد تسببه نقرة زر في هجمة من هجمات الحروب السيبرانية. فما هي الحروب السيبرانية؟ هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا.

تعريف الحروب السيبرانية

تم استخدام هذا المصطلح لأول مرّة في عام 1993 في مقال نشرته مؤسسة RAND، وكتبه الباحثان جون أركيلا وديفيد رونفيلدت. [2] والحروب السيبرانية أو الإلكترونية هي الحروب التي تحدث عبر الفضاء السيبراني؛ أي أجهزة الحاسوب والشبكات التي تربط بينها. حيث تشنّها الدول أو وكلاؤها ضد دول أخرى.

وتشنّ عادةً هذه الحروب ضدّ الشبكات العسكرية والحكومية، بهدف تعطيلها  أو تدميرها أو حجب استخدامها. [1] وتكمن خطورة هذه الحروب في ازدياد استخدام الفضاء السيبراني في الدول المتطورة أو النامية على حدٍّ سواء. حيث أنّ كل ما يحتاجه المجتمع الحديث ليعمل من البنى التحتية الحيوية والمؤسسات المالية إلى أنماط التجارة وأدوات الأمن القومي، يعتمد إلى حد ما على الفضاء السيبراني. [1] مما يعني أنّ تزايد استخدام الفضاء السيبراني المتسارع يزيد من خطورة هذه الحرب عن ذي قبل، التي أصبحت قلقًا مستقبليًا للحكومات والجيوش

ما هو الفضاء السيبراني؟

يستخدم مصطلح الفضاء السيبراني للإشارة إلى عالم الحاسوب الافتراضي، وهو بيئة تفاعلية وافتراضية للمشتركين فيه. [3] ويتكون الفضاء السيبراني من ثلاث طبقات، يمكن لهجمات الحروب السيبرانية أن تشنّ على أي من الطبقات الثلاث وهي: [1]

  • الطبقة المادية التي تشمل أجهزة الحاسوب والكابلات والأقمار الصناعية وغيرها من المعدّات. والتي يتم مهاجمتها باستخدام الأسلحة والهجمات التقليدية عبر تدميرها بشكل مباشر.
  • الطبقة البنيوية وتتضمن البرنامج الذي يوفر تعليمات التشغيل للمعدّات المادية. و يمكن شنّ هجمات ضدها باستخدام الأسلحة الإلكترونية التي تدمر أو تتداخل أو تفسد أو تراقب أو تلحق الضرر بالبرامج التي تعمل بأنظمة الحواسيب. كهجمات حجب الخدمة الموزعة، أو هجمات “DDoS”، و هي هجمات تتم عن طريق إغراق المواقع بسيل من البيانات غير الضرورية، يتم إرسالها عن طريق أجهزة مصابة.
  • الطبقة الاجتماعية وتتضمن التفاعل البشري مع المعلومات التي توّلدها أجهزة الحاسوب، وطريقة استخدامهم وتفسيرهم لهذه المعلومات. وتتم مهاجمتها عبر إخضاع مستخدميها أو خداعهم أو قتلهم.

ورغم حداثة هذا النوع من الحروب إلّا أنّ التاريخ الحديث لا يخلو من أمثلة عليها.

أمثلة عن الحروب السيبرانية

  • قامت الولايات المتحدة بهجمات إلكترونية مباشرة في العراق في عام 2003. حيث تسببت بضرر في شبكات الاتصالات ومنشآت الحواسيب والاتصالات السلكية واللاسلكية أو دمرتها.[1]
  • الهجمات الإلكترونية ضد أستونيا في 2007 والتي استمرت لأسابيع. حيث تم القضاء على الخدمات عبر الإنترنت للبنوك الأستونية، ووسائل الإعلام والهيئات الحكومية بسبب مستويات غير مسبوقة من حركة الإنترنت.[7]
  • اكتشفت الدودة الحاسوبية ستوكسنت ” Stuxnet” في عام 2010، حيث استخدمتها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ضدّ المفاعل النووي الإيراني. [4] ويعتقد أنّها تسببت في تخريب 20% من الترسانة النووية الإيرانية.[5]
  • في عام 2015 تسبب المخترقون الروس في أول انقطاع للتيار الكهربائي ناجم عن هجوم إلكتروني ضد أوكرانيا. ونجحوا في التسبب بانقطاع التيار الكهربائي عن عدد كبير من الأوكرانيين في كييف وفي مدن أخرى.[6]
  • في عام 2017، أعلنت وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، استهداف 21 ولاية من قبل الجهود الروسية لاختراق أنظمتها الانتخابية في عام 2016. وتمكن المتسللون الروس من الوصول إلى الأنظمة التي منحت القدرة على تغيير بيانات تسجيل الناخبين وحذفها في سبعٍ من هذه الولايات.[8]

تختلف الأساليب المتبعة في الحروب السيبرانية، والتي يزداد نطاق استخدامها وخاصة مع بزوغ عصر الحروب الهجينة والتي تعتبر الهجمات السيبرانية أحد أهم أدواتها. وتتمتع الحروب السيبرانية بالعديد من الخصائص التي زادت من جاذبيتها كوسيلة فعّالة في الحروب.

خصائص الحروب السيبرانية

تتمتع الحروب السيبرانية بالعديد من الخصائص ومنها:

  • التكلفة المنخفضة وهو خاصية مهمة، حيث تميل الدول المعاصرة إلى اللجوء إلى التكتيكات والاستراتيجيات منخفضة التكلفة والفعّالة في آن معًا.
  • يمكن استخدامها من قبل أي شخص متقن لأدواتها.
  • عدم وضوح الوضع القانوني للمهاجم مما يمثل صعوبة إيجاد الوسائل الفعّالة لمعاقبتهم.
  • إمكانية إخفاء هوية المعتدي، أي أن الدول التي تستعمل هذه الهجمات قد تضمن عدم الرد عليها بسبب عدم القدرة على إثبات تورطها أو تسببها فيها.
  • تحافظ العمليات السيبرانية الهجومية على ميزة تفوق العمليات الدفاعية (إلى حد كبير)، بسبب عنصر المفاجأة ووتيرة التحديث التكنولوجي الذي يستمر في إنشاء مداخل جديدة للهجوم.[8]
  • تهيمن الجريمة على الفضاء الإلكتروني لأن أي دفاع يجب أن يتصدى للهجمات على الشبكات الكبيرة المعرضة للخطر والتي يديرها مستخدمون بشريون غير معصومون. وبينما يجب أن ينجح الجاني مرة واحدة فقط، يجب على المدافع أن يكون ناجحًا مرارًا وتكرارًا.[1]

تمثل الثغرات الأمنية بابًا مفتوحًا للهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحكومية والوطنية. ويعني عدم وجود معايير دولية لمواجهة تلك الهجمات وجود الدولة في المنطقة الرمادية وعلى أعتاب حرب شاملة. لذا يجب أن تتبع الدول معايير لحماية أمنها السيبرانية لا تقل أهمية عن تشييد الحدود وتعزيز الجيوش.

ماذا يجب على الدول أن تفعل لمواجهة الهجمات السيبرانية؟

تمثل حداثة هذا التهديد وتطوره المستمر قلقًا مستمرًا للدولة الحديثة، وخاصة أنّ كل شيء في عالم اليوم قابل للعمل عبر الشبكة الإلكترونية. فقد أصبحت محطات توليد الطاقة أو توليد المياه أو حتى الانتخابات المحلية عرضة للتهديد والاختراق في أيّة لحظة. لذا يجب على الدول أن تسارع لاتخاذ إجراءات فعّالة لمواجهة هذا الخطر.

على الحكومات أن تسعى لبناء شراكات أعمق مع الدول الأخرى والشركات الرائدة وحتى الأشخاص المبدعون في هذا المجال لتعزيز نظام الأمن السيبراني. فربما تتمكن هذه الشراكات من إتاحة المزيد من التعاون الفعّال وتبادل المعلومات.[8]

إضافة إلى الاستخدام السريع للتقنيات المبتكرة والناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مع التركيز على حماية الذكاء الاصطناعي.[8]

إنشاء كتيبات إرشادات شاملة لتوحيد الإجراءات الحكومية عبر الدفاع والأمن الداخلي وتطبيق القانون والاستخبارات ووكالات الدولة. يمكن أن يؤدي هذا إلى توحيد إيجاد صيغة مشتركة وفعّالة لتوحيد الجهود القومية. [8]

وتشمل الميزات الرئيسية لأي هيكل رئيسي للدفاع الإلكتروني، جدران الحماية لتصفية حركة مرور الشبكة، وتشفير البيانات، وأدوات لمنع وكشف المتطفلين على الشبكة، والأمن المادي للمعدات والمرافق، وتدريب مستخدمي الشبكة ومراقبتهم.[1]

مما سبق يتضح أن الحرب الإلكترونية قدمت وستقدم بُعدًا جديدًا للحرب، قادرًا على تجاوز الخطوط الأمامية وإحداث الخراب في البنية التحتية التكنولوجية للعدو. لكنّها لا تفقد الحرب سمتها العنيفة، وإنما تظهر وجهًا جديدًا مختلفًا لحروب اليوم، والذي يثبت قدرة الإنسان على ابتداع واستخدام شتّى الوسائل للوصول إلى أهدافه.

المصادر:
1- britannica
2- rand
3- techopedia
4- britannica
5- fortinet
6- nordpass
7- bbc

8- rand

ما هي الحرب الهجينة وخصائصها ولماذا هي مهمة اليوم؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

تُظهر الدراسات الحديثة حول الحروب في أفغانستان والعراق مدى تكلفة الحروب الشاملة من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بغض النظر عن مدى تفاوت قدرات الأطراف المتصارعة أو الخصوم. بسبب التقدم التكنولوجي السريع وظهور الحرب غير المتكافئة، يمكن أن تكون الحروب الشاملة غير فعّالة حتى في مواجهة القوى التي لديها موارد ونفوذ أقل نسبيًا. وبالتالي، قد يصبح النصر احتمالًا صعبًا للغاية.

لكن هذا لا ينذر بتلاشي الصراعات، بل بتغير ديناميكيات الحرب. وظهور استراتيجيات جديدة كاستراتيجية الحرب الهجينة وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

مفهوم الحرب الهجينة

لا يعد مفهوم الحرب الهجينة مفهومًا جديدًا، فهو قديم قدم الحرب، ولطالما لجأ الإنسان إلى أساليب الخداع والمناورة.

“إخضاع العدو دون قتال هو ذروة المهارة”.

صن تزو في كتابه “فن الحرب” [1]

شاع المفهوم الحديث للحرب الهجينة من قبل فرانك هوفمان في عام 2007، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية وباحث دفاعي. وعرّفها قائلًا “تتضمن الحروب الهجينة مجموعة من أنماط الحرب المختلفة، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية، والعنف العشوائي والإكراه والفوضى الإجرامية.” [1]

ويمكن القول إن تكامل الأساليب التقليدية وغير النظامية للحرب ميّز هذه الحروب الهجينة عن أشكالها التاريخية. [3] ويحاول مصطلح الحرب الهجينة فهم التعقيد الذي تتسم به حروب القرن الـ21، والتي تتضمن تعدد الفاعلين، ويطمس الفروق التقليدية بين أنواع النزاع المسلح، وحتى بين الحرب والسلام.

كما يُستخدم أيضًا لوصف الطابع المتغير للحرب المعاصرة، لأسباب ليس أقلها التعقيد والفتك المتزايدين للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية، والإمكانات المتزايدة للحرب السيبرانية.[3] لكن على الرغم من التعريفات الكثيرة لها، إلّا أنّ مفهومها متنازع عليه ولا يوجد لها تعريف متفق عليه عالميًا. وتعرضت للكثير من الانتقادات بسبب افتقارها إلى الوضوح المفاهيمي. [2] لذا، فمن المهم إيجاد تعريف واضح ومحدد لها، لتتمكن الدول من إدراك التهديدات الهجينة وتفعيل آليات للاستجابة لها ولأدواتها.

أدوات الحرب الهجينة

تستلزم الحرب الهجينة تفاعلًا أو اندماجًا بين أدوات القوة التقليدية وغير التقليدية وأدوات التخريب. ويتم مزج هذه الأدوات والوسائل بطريقة متزامنة لاستغلال نقاط ضعف الخصم. وتشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة وتستخدم الأدوات المختلفة لزعزعة استقرار المجتمع من خلال التأثير على صنع القرار فيه. وتشمل الأدوات التالية:

  • التدخل في الانتخابات.
  • التضليل ونشر الأخبار الكاذبة.
  • الهجمات السيبرانية.
  • هجمات الطائرات بدون طيار.
  • التأثير المالي والضغط الاقتصادي. [4]
  • التدريبات العسكرية على الحدود وواسعة النطاق، والاستعراضات العسكرية والإكراه والتخويف.[2]
  • زعزعة الثقة بين الحكومات والشعوب، وإفقاد السلطة للشرعية.[2]
  • استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية للتأثير على الشعوب.[2]

وتمنح هذه الأدوات الحروب الهجينة القدرة على تحقيق النصر بدون قتال. وتميزها بخصائص تجعلها حروب قادرة على تغيير موازين القوى لصالح الطرف الأضعف في الحروب غير المتكافئة.

خصائص الحرب الهجينة

ما يميّز الحرب الهجينة هي قدرتها على دمج عدّة أساليب في وقت واحد وتحقيق الأهداف بأرخص السبل وبأفضل النتائج. فبخلطها بين الأدوات الحركية وغير الحركية تلحق الضرر بالدولة الخصم بالطريقة المثلى. ومع غياب الحد الفاصل بين الحرب والسلم أو ما يسمى بالمنطقة الرمادية يصبح من الصعب تفعيل الحرب أو المواجهة المباشرة.

تكاليفها ومخاطرها منخفضة بشكل ملحوظ. فبدلًا من إرسال الدبابات والطائرات وخوض معارك دامية، تكتفي هذه الاستراتيجية بتمويل نشر المعلومات المضللة أو التعاون مع أطراف أخرى غير حكومية كحرب بالوكالة. محققة بذلك إخضاعاً للعدو بدون قتال. [2]

من خصائص الحرب الهجينة المميزة أيضًا هو جانب الغموض والإسناد. حيث تنشئ الجهات الفاعلة جانب الغموض بحكمة وتعمل على توسيعه ونشره. بعبارة أخرى، تصبح الدولة المستهدفة إما غير قادرة على اكتشاف هجوم مختلط أو غير قادرة على نسبته إلى دولة قد تكون هي من تقوم به أو ترعاه. ويصبح من الصعب على الدولة المستهدفة تطوير استراتيجية دفاعية مناسبة.

كما تسمح هذه الحرب بتقويض الخصم على جبهتين، الأولى وهي جبهته المادية؛ العسكرية والبنية التحتية والاقتصادية. أمّا الجبهة الأخرى فهو شرعية سلطة وثقة الشعب بها.[2] وبذلك تدمّر العدو المستهدف من الداخل وتجعله مشتتًا بين صراعاته الداخلية ومواجهة هجمات العدو الهجينة. ويسمح تأثير تكنولوجيا المعلومات الناشئة للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية باستهداف صانعي القرار والجمهور من خلال وسائل الإعلام المعولمة والمتشابكة والإنترنت. [4] وتستخدم الحرب الهجينة عدّة تكتيكات عسكرية، فإضافة إلى استخدام الوكلاء قد تلجأ إلى حرب العصابات أوالمتمردين أوالإرهابيين. [3]

ما الذي يجعل هذا الاستراتيجية تحوّلا مهمًا في الصراعات اليوم؟

غيّرت هذه الاستراتيجية الشكل التقليدي للصراع. فقد تمّكن الاتحاد الروسي من ضم شبه جزيرة القرم، مستخدمًا أسلوب التضليل الإعلامي. حيث أنّه في الـ13 من مارس عام 2014، ظهر في شبه الجزيرة مجموعات مسلحة ترتدي الزي العسكري الروسي وتحمل سلاحه ولكن بدون شارات أو دلالات تدل على انتمائه إلى أي طرف، وقامت باحتلال مطار ومجموعة قواعد عسكرية أوكرانية، وأطلق عليهم “الرجال الخضر الصغار”. أظهرهم الإعلام الروسي كدليل على الرضا الشعبي من المدنيين الأوكران فيها. ودعوة منهم للتدخل الروسي والدخول إلى شبه الجزيرة وذلك ما حصل بالفعل.[6]

كما استخدموها في حربهم الحالية ضدّ أوكرانية فمن الهجمات السيبرانية إلى استخدام الطائرات من دون طيّار وغيرها من التكتيكات التي تشير إلى حرب هجينة فيها. وفي المقابل استخدم الأمريكان استراتيجيات مضّادة كحجب المواقع الروسية عن الشبكة أو تدخل شركات عملاقة ك”ميتا” أو نشر الإنترنت الفضائي من قبل المليادير الأمريكي إيلون ماسك. [5]

يمكن لهذا الاستراتيجية تحقيق مكاسب صفرية في مواجهة الخصوم. كضم مناطق كاملة بلا إراقة دماء أو توجيه ضربات موجعة للخصوم قادرة على شلّ حركتهم لفترات طويلة بأرخص السبل وأبسطها.

وفي الختام لا تغيّر الحرب الهجينة طبيعة الحرب. حيث يظل الإكراه في صميم الحرب الهجينة كما هو الحال مع أي شكل من أشكال الحرب. ويبقى الهدف هو نفسه، وهو اكتساب ميزة جسدية أو نفسية ليخسر الخصم. ومما لا شك فيه أنها تمثل تحديًا لمؤسسات الأمن القومي لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات التي يمكن وصفها بالحرب الهجينة. وخاصة أنّها قد تؤذن بصعود قوى عالمية جديدة قد تلقي بعصر القطبية الواحدة في غياهب النسيان.

المصادر:

1- Economist
2- Nato.int
3- marshallcenter
4- carnegieeurope
5- orfonline
6- e-ir.info

الحرب البيولوجية سلاح في يد العلماء تظهر جانبهم المظلم

هذه المقالة هي الجزء 7 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

لطالما اتبع الإنسان كل الطرق الأخلاقية واللا أخلاقية في الحروب. فتحقيق النصر والغلبة كان الهدف الوحيد حتى ولو على حساب بشر ومخلوقات بريئة لا ناقة لها في تلك الحروب ولا جمل. وتميل الجيوش والدول إلى اللجوء إلى الأساليب الأرخص والأسرع والأكثر بطشًا. فلجأت إلى استعمال الأسلحة البيولوجية (القنبلة الذرية للرجل الفقير)  فكانت الحروب البيولوجية وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

ما هي الحروب البيولوجية؟

الحرب البيولوجية هي الاستخدام المتعمد للكائنات الحية، أو السموم المشتقة منها. والتي تسبب المرض أو الموت للإنسان أو الحيوانات أو النباتات، في نزاع أو هجوم إرهابي. [1]

استخدم الإنسان السموم لأغراض الاغتيال منذ فجر التاريخ. ليس فقط ضد الأعداء الأفراد ولكن أيضًا ضد الجيوش أحيانًا. ومع ذلك، فإن تأسيس علم الأحياء الدقيقة من قبل لويس باستير وروبرت كوخ قدّم آفاقًا جديدة للمهتمين بالأسلحة البيولوجية. إذ سمح باختيار العوامل وتصميمها بالطرق العلمية. [2] مما نقل الحروب البيولوجية إلى مستوى آخر بسبب تلك الأسلحة.

وبالإضافة إلى التطبيقات العسكرية الاستراتيجية أو التكتيكية. يمكن استخدام الأسلحة البيولوجية في الاغتيالات السياسية. وإصابة الماشية أو المنتجات الزراعية للتسبب في نقص الغذاء والخسارة الاقتصادية. وخلق كوارث بيئية، وانتشار المرض والخوف وانعدام الثقة بين الحكومة والشعب. [4]

وأنواع الأمراض اللي تستخدم كأسلحة كثيرة، ومنها أنواع قد انقرضت بالفعل تم تخزينها في مختبرات في الكثير من الدول أو قديمة تمت تطويرها في مختبرات سرية.

أنواع الأوبئة المستخدمة كأسلحة بيولوجية

يمكن استخدام أي كائن حي مسبب للأمراض (مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات أو البريونات أو الريكتسيا). أو السموم مثل السموم المشتقة من الحيوانات أو النباتات أو الكائنات الحية الدقيقة أو المواد المماثلة المنتجة صناعياً في الأسلحة البيولوجية. ويمكن تطويرها لجعلها أكثر ملاءمة للإنتاج الضخم والتخزين والنشر كأسلحة.[4]

واستخدم الإنسان الأوبئة المعدية كالطاعون عبر التاريخ. لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت أي من هذه الهجمات قد تسببت في انتشار المرض.[3] ومن أشهر الأنواع التي استخدمت في العصور الحديثة هي الجمرة الخبيثة التي استخدمت منذ الحرب العالمية الأولى وحتى مطلع القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. والحمى النزفية التي يسببها الفيروس كفيروس إيبولا وغيره.[3] ومرض الجدري الذي تثير احتمالات انتشاره مخاوفًا حقيقية وخاصة مع تضاؤل عدد الناس الملقحين ضده، [2] ومرض التولاريميا، وداء البروسيلات، والكوليرا، والتهاب الدماغ، والتسمم الغذائي، والرعام والببغائية وحمى كيو، والتيفوس، والبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المختلفة. [3]

وتتكون الأسلحة البيولوجية بشكل عام من جزئين، العامل المسبب للمرض وطرق نقله.

أنظمة نقل الأسلحة البيولوجية

يمكن أن تتخذ أنظمة نقل الأسلحة البيولوجية عدة أشكال. وقد صنعت برامج صناعة الأسلحة البيولوجية قنابل يدوية وصواريخ من أجل إيصال أسلحة بيولوجية لوجهتها. كما صممت عدد من البرامج خزانات الرش لتركيبها في الطائرات والسيارات والشاحنات والقوارب. كما كانت هناك جهود موثقة لتطوير أجهزة توصيل لعمليات الاغتيال أو التخريب. بما في ذلك مجموعة متنوعة من البخاخات والفرش وأنظمة الحقن. وكذلك وسائل تلويث الطعام والملابس.[4] وطوِّرت الصواريخ البالستية العابرة للقارات المحملة بالأمراض أيضًا.

وعلى الرغم من قبح هذه الأسلحة إلّا أن العديد من الدول استخدمتها في حروب شاملة وهناك العديد من الأمثلة عليها في التاريخ.

الحروب البيولوجية في العصور التاريخية القديمة

الحرب البيولوجية قديمة قدم الحضارة ويشير هذا التسلسل التاريخي إلى بعض الأمثلة:

  • في عام 1155 قام الإمبراطور بربروسا بتسميم آبار المياه بالجثث البشرية في مدينة تورتونا في إيطاليا.
  • وفي عام 1346  قذف المغول جثث ضحايا الطاعون فوق أسوار مدينة كافا، في شبه جزيرة القرم.
  • في عام 1763 وزّع البريطانيون بطانيات مرضى الجدري على الأمريكيين الأصليين.
  • وفي عام 1797 غَمر نابليون السهول حول مانتوا بإيطاليا لتعزيز انتشار الملاريا.
  • وفي عام 1863 باع الكونفدراليون ملابس مرضى الحمى الصفراء والجدري لقوات الاتحاد في الولايات المتحدة الأمريكية.

أمّا في العصور الحديثة فقد اختلفت الأسلحة والاستراتيجيات المختلفة في الحرب حيث بدأت الدول بتطوير منظومات متكاملة وخاصة مع تصاعد الحرب الشاملة وصولًا إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي وصلت فيها الحرب البيولوجية إلى الذروة. وزادت الحرب الباردة من حدّة السريّة وخاصة بعد ظهور الحلول الدبلوماسية والقانونية من معاهدات واتفاقيات وغيرها. واستعملت كل من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان الأسلحة البيولوجية بطرق وحشية مختلفة.

الحرب البيولوجية الألمانية

كان الجيش الألماني أول من استخدم أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية، خلال الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من أن هجماتها بالأسلحة البيولوجية كانت على نطاق صغير إلى حد ما، لم تحقق نصرًا ساحقًا في عمليات سرية باستخدام كل من الجمرة الخبيثة والرعام. وبإصابة الحيوانات مباشرة أو تلويث علف الحيوانات في العديد من البلدان المعادية لها.[3] ما دفع الدول الأوربية إلى تشكيل برامج سلاح مماثلة لمواجهتها، وعلى رأسها بريطانيا.

الحرب البيولوجية البريطانية

تبيّن في الأمثلة السابقة أن البريطانيون كانوا سبّاقين إلى اعتماد الأمراض كسلاح فتّاك، وتحديدًا بعد انتهاء الحرب بلا تحقيق سلام شامل. بالإضافة إلى تقارير استخباراتية كاذبة ومقلقة، حرّضت دول أوروبية مختلفة على برامج الحرب البيولوجية الخاصة بها، قبل وقت طويل من اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها المملكة المتحدة، التي أطلقت برنامج أبحاث الأسلحة البيولوجية. حيث أنشأ السير فريدريك بانتينج، مكتشف الأنسولين الحائز على جائزة نوبل، ما يمكن تسميته بأول مركز أبحاث خاص للأسلحة البيولوجية في عام 1940 بمساعدة رعاة من الشركات. كما قامت بريطانيا بالضغط على حلفائها الفرنسيين والأمريكيين للقيام بتجارب وأبحاث مشابهة خشية هجوم بيولوجي تشنّه ألمانيا.

وعلى الرغم من أنّ النازيين لم يفكروا بجديّة في استخدام الأسلحة البيولوجية إلّا أنّ حلفاءهم اليابانيين كانوا شرسين وعديمي الرحمة في تجاربهم وهجماتهم البيولوجية.[3]

الحرب البيولوجية اليابانية على الصين

شرع اليابانيون في برنامج واسع النطاق لتطوير أسلحة بيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية. واستخدموها في النهاية في غزوهم للصين. حيث اعتقد والد برنامج الأسلحة البيولوجية الياباني، القومي الراديكالي شيرو إيشي قائد الوحدة 731 المسؤولة عن تنفيذ الهجمات البيولوجية [5]. أن مثل هذه الأسلحة ستشكل أدوات هائلة لتعزيز الخطط الإمبريالية اليابانية.

وعندما أصبح رئيسًا لبرنامج الأسلحة البيولوجية الياباني خلال تلك الفترة، قتل ما يصل إلى 600 سجين سنويًا في تجارب بشرية في واحد من مراكزه ال26 فقط ليصنف كسفاح. كما اختبر اليابانيون ما لا يقل عن 25 من العوامل المسببة للأمراض المختلفة على السجناء والمدنيين الأبرياء. وخلال الحرب، سمم الجيش الياباني أكثر من ألف بئر مياه في القرى الصينية لدراسة تفشي الكوليرا والتيفود. وأسقطت الطائرات اليابانية البراغيث الموبوءة بالطاعون فوق المدن الصينية وربما تكون قد وزعتها عن طريق المخربين في حقول الأرز وعلى طول الطرق. واستمرت بعض الأوبئة التي تسببت فيها لسنوات وقتلت نحو أكثر من 30 ألف شخص في عام 1947.

كان اليابانيون معروفين بشراستهم وبطشهم ولجوئهم إلى أعنف الأساليب في القتال، وظهر ذلك جليًا في معركتهم ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية.

الحرب البيولوجية اليابانية على الولايات المتحدة الأمريكية

طوّر الجيش الياباني خطة يائسة لمهاجمة الساحل الغربي لأمريكا بأسلحة بيولوجية. وبدأ كل شيء خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، نتيجة اقتراب قوات الحلفاء من الجزر اليابانية. مما جعل قيادة الجيش الإمبراطوري الياباني أكثر يأسًا من أي وقت مضى لوقف تقدمهم، فاضطرت لأن تلجأ لكل الفرص المحتملة للفوز. فلجأت لهجمات “بانزاي” الجماعية ضد القوات الأمريكية. كما اعتمدت على هجمات كاميكازي الانتحارية بكثرة. وكانت تلك من الأساليب التي أتبعتها في أقصى درجات يأسها من الفوز.

وعلى الرغم من صرامة تلك الأساليب التي تسببت في خسائر كبيرة في صفوف الحلفاء المتقدمين، إلا أنها لم توقفهم. وبعد معارك أوكيناوا وإيو جيما، كان الحلفاء على أعتاب الجزر اليابانية، يستعدون لغزو جماعي.

في تلك الأيام الأخيرة اليائسة من الحرب، توصل اليابانيون إلى خطة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تشكل جريمة حرب وهي مهاجمة جنوب كاليفورنيا بأسلحة بيولوجية. وكان إنجاز تلك المهمة على يد الوحدة 731 سيتطلب نشر أكبر غواصات تم صنعها سرًا على الإطلاق لتغطية آلاف الأميال قبل الصعود إلى السطح لإطلاق طائرات من شأنها إسقاط الأسلحة البيولوجية على مدن أمريكية غير متوقعة.

وتم تجهيز خمس غواصات طويلة المدى جديدة من فئة I-400، وهي أكبر الغواصات التي تم بناؤها حتى عصر الغواصات النووية البالستية في الستينيات. كان من المخطط لها أن تسافر من اليابان إلى كاليفورنيا حاملة كل واحدة منها ثلاث طائرات من طراز آيتشي M6A. وبمجرد الاقتراب من سان دييغو، ستطلق الغواصات الطائرات المسلحة بقنابل تحتوي على براغيث مصابة بالطاعون. وكان من المقدر لها أن تصبح مهمة انتحارية، لعدم وجود فرصة تقريبًا لبقاء الطيارين أحياء، وفرصة صغيرة لبقاء الغواصات وأطقمها على قيد الحياة.

تم التخطيط لإطلاق العملية في 22 سبتمبر 1945. ولكن في 6 و 9 أغسطس، ألقت الولايات المتحدة قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين على التوالي، فاستسلمت اليابان في 15 أغسطس. [5] وانتهت العملية التي لم يكن ليعلم مدى الأذى الذي كانت ستسببه للولايات المتحدة الأمريكية.

بعد فترة طويلة من استسلام اليابانيين، استخدمت قوات إيشي أيضًا بعض عملائها ضد الجيش السوفيتي. لكن لم يؤكد ما إذا كانت الإصابات في كلا الجانبين ناجمة عن هذا الانتشار المتعمد للمرض أو عن طريق العدوى الطبيعية.

وبعد انتهاء الحرب، أدان السوفييت بعض الباحثين اليابانيين في مجال الحرب البيولوجية بارتكاب جرائم حرب. لكن الولايات المتحدة منحت الحرية لجميع الباحثين في مقابل الحصول على معلومات عن تجاربهم البشرية. [3]

حرب الولايات المتحدة الأمريكية البيولوجية

ركّز الجهد الرئيسي خلال الحرب العالمية الثانية على تطوير القدرات لمواجهة هجوم ياباني بأسلحة بيولوجية. لكن الوثائق تشير إلى أن الحكومة الأمريكية لم تركّز على الدفاع فحسب بل ناقشت فكرة الهجوم أيضًا، وقامت بالعديد من التجارب، كاستخدام الأسلحة المضادة للمحاصيل. و بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، شرع الجيش الأمريكي في اختبارات في الهواء الطلق. حيث عرّض حيوانات الاختبار والمتطوعين من المدنيين الأبرياء لكل من الميكروبات المسببة للأمراض وغير المسببة للأمراض. كما أدى إطلاق البكتيريا من السفن البحرية قبالة سواحل فرجينيا وسان فرانسيسكو إلى إصابة العديد من الأشخاص. بما في ذلك حوالي 800 ألف شخص في منطقة باي وحدها. وتم إطلاق الهباء الجوي الجرثومي في أكثر من 200 موقع. وكان الاختبار الأكثر شهرة هو تلوث نظام مترو نيويورك عام 1966 ببكتيريا جلوبيجي العصوية. وهي بكتيريا غير معدية تستخدم لمحاكاة إطلاق الجمرة الخبيثة، لدراسة انتشار العامل الممرض في مدينة كبيرة.[3]

خلال الحرب، أطلقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي برامج أسلحة بيولوجية واسعة النطاق. تضمنت تلك البرامج تطوير بخاخات رذاذ قادرة على إيصال العوامل البكتيرية والفيروسية بالطائرة أو الصواريخ الباليستية. [2]

وفي الواقع، كان الاتحاد السوفييتي سبّاقًا إلى تلك البرامج، ونفذّ تجارب تسببت بخسائر بشرية فادحة.

حرب الاتحاد السوفييتي البيولوجية

على الرغم من توقيعهم على اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية. فقد أسس الاتحاد السوفيتي برنامج ” Biopreparat” أي الاستعداد البيولوجي. وهو مشروع حرب بيولوجي عملاق، وظّف في ذروته أكثر من 50 ألف شخص في مختلف مراكز البحث والإنتاج. كان حجم ونطاق جهود الاتحاد السوفييتي مذهلين حقًا، فقد أنتجوا وخزنوا أطنانًا من عصيات الجمرة الخبيثة وفيروس الجدري. بعضها لاستخدامه في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. إضافة إلى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المختلفة، بما في ذلك الطاعون. كما عملوا على فيروسات الحمى النزفية المسببة لمرض إيبولا، وهي بعض أكثر مسببات الأمراض فتكًا التي واجهتها البشرية.

لكنّ تلك التجارب تسببت في وفيات كثيرة لمواطني الاتحاد. حيث في عام 1971، تفشى مرض الجدري في مدينة أرالسك الكازاخستانية وقتل ثلاثة من الأشخاص العشرة المصابين. و يُعتقد أنهم أصيبوا من مركز أبحاث الأسلحة البيولوجية في جزيرة صغيرة في بحر آرال. [3] وفي عام 1979، قتل 100 شخص وعدد لا يحصى من الماشية بعد الإطلاق العرضي لجراثيم الجمرة الخبيثة من مصنع للأسلحة البيولوجية في مدينة سفيردلوفسك الروسية.[2] إضافة إلى بيع لحوم مسمومة من حيوانات ملوثة بالجمرة الخبيثة في السوق السوداء حيث تم الكشف في النهاية أنه كان بسبب حادث في مصنع للأسلحة البيولوجية. كانت السرية المحيطة بهذا البرنامج مذهلة للغاية، وخاصة في فترة الحرب العالمية الثانية.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، توقفت معظم هذه البرامج وتم التخلي عن مراكز البحث أو تحويلها للاستخدام المدني. ومع ذلك، لا يعلم أحد ما الذي يعمل عليه الروس اليوم وماذا حدث للأسلحة التي أنتجوها. و يخشى خبراء الأمن الغربيون الآن من أن بعض مخزونات الأسلحة البيولوجية ربما لم يتم تدميرها أو قد تكون سقطت في أيدٍ أخرى. ويتصاعد اليوم الخوف من استخدام الأسلحة البيولوجية كسلاح للإرهاب الدولي، وقد حدث ذلك سابقًا.[3]

هل استخدام الأسلحة البيولوجية حكر على الحكومات؟

الإجابة هي قطعًا لا، فلا يتطلب إنتاج الأسلحة البيولوجية أكثر من عالم خبير ومختبر مزوّد بالمعدات اللازمة. فالخرائط الجينية للفيروسات والبكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى القاتلة متاحة بالفعل على نطاق واسع في المجال العام. على سبيل المثال، نشرت مجلة علمية رائدة الشفرة الوراثية الكاملة لمسببات الكوليرا.

ويعمل الباحثون على رسم خرائط الجينوم لأكثر من 100 ميكروب آخر. بما في ذلك البكتيريا التي تسبب الجمرة الخبيثة والطاعون. فأي عالم يملك رغبة التدمير يمكنه استخدام هذه المعلومات لمحاولة استنساخ سلالات شديدة الضراوة من البكتيريا والفيروسات.

وهناك الكثير من علماء الأحياء المجهرية في العالم الذين يتقاضون أجورًا منخفضة. والذين قد يكونون متحمسين للعمل مع عملاء عديمي الضمير. مما ينتج “أمراض مصممة” غير قابلة للشفاء، مثل الجمرة الخبيثة المقاومة للبنسلين، أو “الفيروسات الخفية” التي تصيب المضيف ولكنها تبقى صامتة حتى يتم تنشيطه بواسطة محفز خارجي. كالتعرض لمادة كيميائية غير ضارة في العادة. [2]

إضافة إلى أن وجود مخزون لدى الدول من الأمراض كالجدري مثلًا قد يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت. حيث قام كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية بتخزين الكثير من الجمرة الخبيثة.[2] ووقوع هذه المخازن في الأيدي الخطأ قد يتسبب في كارثة إنسانية حقيقية.

علي سبيل المثال، تسبب الهجوم بغاز السارين عام 1995 داخل مترو أنفاق طوكيو من قبل طائفة نهاية العالم اليابانية أوم شينريكيو، بمقتل 13 شخصًا وإدخال الآلاف إلى المستشفيات. إضافة إلى سلسلة من الهجمات الفاشلة عبرالتسمم الغذائي والجمرة الخبيثة بالقرب من القصر الإمبراطوري، ومطار طوكيو وقاعدتين عسكريتين أمريكيتين. [2]

كما نشرت طائفة دينية السالمونيلا التي أدت إلى انتشار التهاب الكبد والالتهابات الطفيلية والإسهال الشديد والتهاب المعدة والأمعاء، في الولايات المتحدة للتدخل في الانتخابات المحلية.[3]

وللأسف لا تعدّ الهجمات الإرهابية رغم سوءها المخاطر الوحيدة للجوء الحكومات والجماعات والأفراد إلى هجمات الحرب البيولوجية.

مخاطر الحرب البيولوجية

لا تتضمن اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية آليات للتحقق. لذا يمكن لأي دولة أن تتهم دولة أخرى بوجود السلاح لديها. فبالرغم من أنّ العديد من هذه المزاعم قد تبين أنها خاطئة فيما بعد. لكن تم استغلالها إما كدعاية أو كذريعة للحرب، كما شوهد مؤخرًا في حالة حرب العراق. [3] أو الحرب الروسية الأوكرانية مع اتهام روسيا لأوكرانيا بأنها تستخدم الطيور لشنّ هجمات بيولوجية عليها.

إضافة إلى وجود اتهامات كاذبة باستخدام الأسلحة البيولوجية، مما يبرز صعوبة التمييز بين الأمراض التي تحدث بشكل طبيعي والحوادث والاستخدام المتعمد، [4] مثل ما حدث مع فيروس كورونا مثلًا.

إضافة إلى استخدام الكثير من الأمراض كذرائع أو نشرها كإشاعات لاستخدامها كذرائع مستقبلًا. كنظرية المؤامرة القائلة بأن فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب هو سلاح بيولوجي. التي لا تزال حية في أذهان بعض الناس. فاعتمادًا على من يسأل، قيل أنّ علماء المخابرات الروسية أو الأمريكية هم من طوروا فيروس نقص المناعة البشرية، إمّا لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة أو لزعزعة استقرار كوبا.

إضافة إلى عدم معرفة مدى الضرر الذي قد يسببه استخدام هذه الأمراض على الإنسان وبقية الأحياء على حد سواء. وخاصة أنّ الكثير من الأمراض وخاصة الفيروسية منها قابلة للتحور والتبدل. وقد لا تملك الدول آليات دفاعية ضدها لحماية مواطنيها.

عمليًا، لم تمتنع أي دولة لديها القدرة على تطوير أسلحة الدمار الشامل عن القيام بذلك. لكن وجدت عدّة محاولات وجهود دبلوماسية ودولية للحد من انتشار هذه الأسلحة.

الجهود الدبلوماسية للحد من انتشار الأسلحة البيولوجية

وقعت خلال الحرب العالمية الأولى معاهدة عام 1925 لحظر استخدام الأسلحة البيولوجية خلال الحروب المستقبلية. لكن لم توقع الولايات المتحدة ولا اليابان على المعاهدة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. لذا تم تطوير الجمرة الخبيثة وغيرها من الأسلحة البيولوجية سراً من قبل كلا البلدين. وكذلك من قبل ألمانيا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى.

وفي عام 1969، أصدر الرئيس ريتشارد نيكسون أمرًا تنفيذيًا من جانب واحد وغير مشروط ينهي برنامج الأسلحة البيولوجية الأمريكي. وتم تدمير جميع المخزونات الأمريكية بحلول عام 1972. وفي نفس العام، وقعت 160 دولة معاهدة تحظر جميع استخدامات الأسلحة البيولوجية والكيميائية. وصدقت 143 دولة في النهاية على المعاهدة. بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والعراق وإيران وليبيا وكوريا الشمالية. لكن 52 دولة لم توقع على الاتفاقية، بما في ذلك إسرائيل.

لكن على الرغم من النوايا النبيلة. إلا أن معاهدة عام 1972 تفتقر إلى أي أحكام مهمة للتنفيذ أو التحقق. نتيجة لذلك، حافظ عدد من الموقعين على المعاهدة على برامج نشطة للأسلحة البيولوجية.[3] أي أن المعاهدتين فشلتا إلى حد كبير في منع البلدان من إجراء أبحاث حول الأسلحة الهجومية وإنتاج أسلحة بيولوجية على نطاق واسع، لعدم وجود آليات للسيطرة أو الرقابة الدورية.

لذا يجب على الدول تطوير آليات دفاعية للتخفيف من آثار الهجمات البيولوجية أو منعها. وعليها تطوير أجهزة عالية التقنية قادرة على الكشف الفوري عن البكتيريا والفيروسات القاتلة في البيئة، والتشجيع على إنتاج وتخزين لقاحات جديدة. إضافة إلى المطالبة بعمليات تفتيش دولية متبادلة لضمان الامتثال للمعاهدة.[2] فالاستعداد لهذا الحدث ومنعه يجب أن يشمل أيضًا تنسيقًا متعدد القطاعات. ولتبادل المعلومات حول الاستعداد لتفشي الأمراض وهجمات الأسلحة البيولوجية والاستجابة لها.[4]

ختامًا إننا نميل إلى القول إنه لن يستخدم أي شخص سليم العقل هذه الأشياء على الإطلاق. وفي الواقع إنّ الخاسر الأكبر من هذه الحروب الرخيصة هو الإنسان البريء والمذنب على حد سواء. لأنّ تأثيرات هذه الحروب يمتد إلى مستخدم أسلحتها نفسه. وهي أقرب ما تكون إلى حروب انتحارية شاملة لا يعرف مداها أو نهايتها.

المصادر:

1- Sciencedirect
2- Stanford
3- Ncbi
4- UN
5- Sandboxx

ما هي حرب العصابات؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

قد لا تصدّق في أيامنا هذه فكرة قدرة جيش غير منظم على هزيمة جيشٍ نظامي بكامل عتاده الحربي. وخاصة مع تطوّر الأسلحة والاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية. لكنّ أهل مكة أدرى بشعابها. والشعوب المقاومة والتي تحمل عقيدة النضال قادرة على دحر أعتى الجيوش وإلحاق أشدّ الخسائر بها، عبر استخدامها لتكتيكات حرب العصابات وهو ما سنتعرف عليه في مقالتنا هذه.

تعريف حرب العصابات؟

نوع من الحروب تخوضها قوّات غير نظامية. عبر قيامها بعمليات سريعة على نطاق ضيق ضدّ القوّات المسلحة التقليدية والشرطة، وفي بعض الأحيان ضدّ قوّات متمردة منافسة. إمّا بشكل مستقل أو بالتزامن مع استراتيجية سياسية – عسكرية أكبر.[1]

يتميز هذا النوع من الحروب بالكمائن والغارات المفاجئة والأساليب غير النظامية للقتال. وتصبح وحشية وفوضوية وغير منظمة في كثير من الأحيان.[2]

ولها دور كبير في تغيير مجريات الأحداث والمعارك. فتمركزها في الأرياف والمناطق المحيطة في المدن منحها هالة من الرعب النفسي للخصوم. فكانت تكتيكًا مهمًا في الحروب النفسية. ورغم ما قد تكتنفه من عيوب إلّا أنّها تحولت إلى مظهر رئيسي في الصراعات وخاصة بعد قيام الحرب الباردة.

تأخذ هذه الحرب طابعًا عقائديًا وأيديولوجيًا. فأغلب الحروب قامت بغرض التحرير والاستقلال ولذلك تنال شهرة واسعة وشعبية كبيرة. وتتلقى كل أشكال الدعم من الرأي العام سواء أكان دعمًا ماديًا أو دعمًا بالعنصر البشري. [1]

واستخدم مصطلح حرب العصابات لأول مرة في القرن الـ19 لوصف المعارك التي خاضها الجنود الأسبان والبرتغاليون غير المنظمين ضد جيش نابليون. وأخذت شهرتها منذ ذلك الحين لتمكن أولئك القروين من هزيمة جيش بذلك الحجم وإخراجه من شبه الجزيرة الإيبيرية. وتزايد دورها بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية. [1]

ورغم حداثة المصطلح إلا أنّ حرب العصابات قديمة قدم التاريخ وهناك الكثير من الأمثلة التاريخية عليها.

أمثلة عن حرب العصابات

حرب العصابات في العصور القديمة

في عام 512 قبل الميلاد، انحنى الملك المحارب الفارسي داريوس الأول، والذي حكم أكبر إمبراطورية وقاد أفضل جيش في العالم، لتكتيكات الكر والفر التي اتبعها البدو الرحل. مما دفعه لمغادرة أراضيهم وراء نهر الدانوب.

كما واجه الملك المقدوني الإسكندر الأكبر (356-323 قبل الميلاد) معارضة حرب العصابات الجادة. وتغلب عليها عبر تعديل تكتيكاته وكسب قبائل مهمة إلى جانبه.

كما تم استخدام عمليات حرب العصابات وشبه حرب العصابات لأهداف عدوانية في القرون التالية من قبل الفايكنج، الذين اجتاحوا أيرلندا وإنجلترا وفرنسا. واستخدمها المغول الذين غزوا الصين وأرعبوا وسط أوروبا.

وفي القرن الثاني عشر، تعرقل الغزو الصليبي للعرب أحيانًا بسبب تكتيكات حرب العصابات التي اتبعها السلاجقة. [1]

حرب العصابات في العصور الحديثة

أصبحت حرب العصابات حديثًا عاملًا مساعدًا مفيدًا للاستراتيجيات السياسية والعسكرية المهمة والتقليدية داخل أراضي العدو وفي المناطق التي يحتلها. فبعد هزيمة الفرنسيين على يد الثوار الإسبان بقرنين ازدهرت حرب العصابات. حيث حاول الثوار والمناضلون مجابهة الاستعمار عبثًا في كل من الهند والجزائر والمغرب وبورما (ميانمار) ونيوزيلندا والبلقان.
كما استخدمت القبائل العربية بقيادة الأمير فيصل الأول تكتيكات حرب العصابات لإخراج العثمانيين من أراضيهم خلال فترة الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1927 رفع الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ علم التمرد الريفي الذي استمر لمدة 22 عامًا.[1] والذي طوّر من تكتيكات الحرب ووسائلها حتى وصل إلى النصر الذي صنع الصين التي نعرفها اليوم.

وخلال فترة الحرب العالمية الثانية أصبحت الأيديولوجية السياسية عاملًا أكثر وضوحًا في حملات حرب العصابات العديدة. حيث استخدمها الشيوعيون المحليّون في معظم البلدان التي غزتها ألمانيا وإيطاليا واليابان. وخلال الحرب الباردة، دعم الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة سلسلة من حركات التمرد والتمرد المضّاد في حروب بالوكالة. [1] والتي كانت حرب العصابات تكتيكها الحربي الرئيسي.

بعد عام 1948 واجه الكيان الصهيوني حرب عصابات شنّها الفدائيون الفلسطينيون. وهو صراع طويل الأمد وما زال مستمرًا إلى اليوم. [1]

غيّرت حرب العصابات مصائر الكثير من الشعوب وحررتها من الاستعمار. حيث أخرج الثوار الجزائريون الاحتلال الفرنسي من أراضيهم. وأنهت الحكم البريطاني في كينيا وقبرص. وأطاح فيديل كاسترو في كوبا بنظام باتيستا المترنّح والفاسد والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1959. [1] وتختلف الدوافع والأهداف وراء قيام هذه الحرب.

الدوافع من قيام حروب العصابات

قد لا يخفى على البعض السمعة السيئة لهذا النوع من الحروب. ويعود ذلك إلى أنّ الحكومات والجيوش المنظمة التي تواجهها تروّج لها على أنّها عمل همجي تخريبي. وبسبب غياب التنظيم ووضوح الرؤية السياسية في أغلبها والذي يؤدي أحيانًا إلى فشلها في النهاية وزعزعة الاستقرار فحسب. لكنّ الحقيقة أنّها قد تحمل في طياتها أهدافًا نضالية نبيلة. وغالبًا ما يكون هدفها تحقيق العدالة وكسب الحقوق. كمقارعة الاحتلال والتحرر من العبودية أو مواجهة الدكتاتوريات الشمولية.

قد تحمل في العصور الحديثة دوافع وأهداف مختلفة وخاصة لدى الأصوليين المتطرفين. كالقاعدة وداعش وغيرها. أو دوافع سياسية وأيديولوجية أو قومية انفصالية. [1] ولكن على الرغم من الفوضى التي قد تنضوي عليها، ذلك لا يعني غياب الاستراتيجيات والتكتيكات التي تعد أبرز مظاهرها.

الاستراتيجيات والتكيتكات

تتمثل الاستراتيجية العريضة التي تقوم عليها حرب العصابات الناجحة بالمضايقات المطولة معتمدة تكتيكات دقيقة ومرنة ومصممة لإرهاق العدو. تجسّد هذه الاستراتيجية العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يخضع لها العنصر العسكري في كثير من الأحيان. ولكن دون التقليل من الأهمية القصوى للدور العسكري.

ومن الأمثلة الهامة على هذه الاستراتيجية كان الاستراتيجية التي وضعها لورنس العرب 1916-1918 في الجزيرة العربية. والتي كان الغرض الأساسي منها بناء القيادة العربية المتماسكة المتمثلة بالأمير فيصل. إضافة إلى إحداث خسارة نفسية في صفوف العثمانيين عبر قطع خطوط الإمداد، عبر تدمير سكة الحجاز.

لجأ ماو تسي تونغ إلى استراتيجية حرب العصابات لتحقيق غاية استيلاء الشيوعيين على الصين. حيث أدرك أنّ ذلك يتطلب حربًا طويلة الأمد ضد الجيش التقليدي. وأكدت حملة حرب العصابات التي شنها ماو على مدى أكثر من عقدين على التكتيكات المرنة القائمة على عنصري المفاجأة والخداع، والهجوم في العمق، وتوجيه الضربات الخاطفة، والمواجهة فقط في حالة النصر المضمون أو الانسحاب من الأرض.

كسب الدعم الشعبي من الاستراتيجيات الهامة أيضًا. فهو مصدر للتمويل والسلاح والمؤن والقوة البشرية، عبر الترهيب أو نشر الفكر عبر وسائل الإعلام.

إضافة إلى ما سبق، يعد كسب الدعم الخارجي من الاستراتيجيات الهامة أيضًا، وتوحيد الصفوف والتنظيم وإيجاد الهدف السياسي الواضح.[3] واستراتيجية الترهيب المنظم عبر الاغتيالات المنظمة لقادة ومرؤوسي العدو. أو ارتكاب مجازر جماعية، بهدف الترهيب واستمرار الولاء والتمويل والحماية لهم. أو لإجبار الحكومات على الدخول في مفاوضات، رغم أنّ المفاوضات غالبًا ما تفضي لحدوث انشقاقات داخلية.

من المهم لقائد المجموعات تطوير أساليبه وتكتيكاته بشكل مستمر، لأنّ هذه الحروب طويلة الأمد.[3] ومن التكتيكات الهامة المستخدمة: تكتيك الهروب الوهمي، وعمليات الوحدات الصغيرة، والتشكيلات الفضفاضة، واللباس غير الرسمي، والحركة السريعة، والانضباط في إطلاق النار، واستخدام الرعب والكمين والهجوم المفاجئ. [3]

تظهر حرب العصابات أهمية وجود عقلية عسكرية فذة لتنظيم الهجمات. ولكنّ نوع السلاح المستخدم يلعب دورًا هامًا أيضًا في حسم الصراع أو توجيهه في كثير من الأحيان.

الأسلحة المستخدمة

بداية كانت العصابات تلجأ لاستخدام السلاح الأبيض، ثم تحوّلت إلى سرقة سلاح العدو وتنظيم هجمات منظمة على مستودعات الذخيرة. وكثيرًا ما استخدمت بنادق محلية الصنع. وقنابل يدوية وشراك خداعية وألغام. إضافة إلى قنابل المولوتوف والقنابل البلاستيكية (المتفجرة البلاستيكية) رخيصة الثمن والفعالة للغاية في ظل ظروف معينة.

و أضاف الانتشار العالمي للأسلحة خلال عقود الحرب الباردة بعدًا جديدًا لقدرات حرب العصابات. حيث قدمت القوى العظمى والدول الأخرى بنادق هجومية حديثة ومدافع رشاشة ومدافع هاون. وأسلحة متطورة مثل القذائف الصاروخية والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات. كما أدى انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول بعض جمهورياته إلى دول مستقلة إلى بيع المزيد من الأسلحة.[1]

وفي الختام، أطلق على ممارسي حرب العصابات اسم المتمردين أو المرتزقة على مر القرون. حيث دأب القادة العسكريون المحبطون على تسميتهم بالإرهابيين والخارجين عن القانون. في حين وصفهم آخرون بالمحاربين الوطنيين وقادة الحروب الثورية الصغيرة. و بغض النظر عن المصطلحات، تباينت أهمية حرب العصابات بشكل كبير عبر التاريخ.

تقليديًا، كانت سلاح احتجاج يستخدم لتصحيح الأخطاء الحقيقية أو المتخيلة التي تُفرض على شعب إما من قبل حكومة حاكمة أو من قبل محتل أجنبي. لذا يمكننا القول أنّها حققت نجاحات ملحوظة أحيانًا وعانت من هزائم كارثية في أحيان أخرى.

المصادر:

1- Britannica
2- Battlefields
3- Britannica

ما هو علم البالستيات؟

تؤثر البالستيات في العديد من مجالات الدراسة، والتي تتراوح من تحليل منحني مسار كرة البيسبول إلى تطوير أنظمة توجيه الصواريخ في الجيش. [2]

لنتعرف في هذا المقال على علم المقذوفات ومجالات دراسته.

علم «البالستيات-Ballistics» (القذائف)

هو العلم الذي يدرس حركة وتأثير المقذوفات. ويقسم إلى عدة تخصصات، وهي البالستيات الداخلية والخارجية، وتبحثان في دفع وطيران المقذوفات. ويسمى الانتقال بين هذين النظامين البالستيات الوسيطة. والبالستيات النهائية، وتدرس تأثير المقذوفات على الأجسام المستهدفة.

و«القذيفة-Projectile» هي الجسم الذي تم إطلاقه أو إسقاطه، والذي يستمر في الحركة بسبب عطالته. ويحدد مسارها بواسطة سرعتها الابتدائية واتجاهها وقوى الجاذبية ومقاومة الهواء. فمثلاً، بالنسبة للأجسام المقذوفة بالقرب من الأرض ومع مقاومة هواء مهملة، يتخذ المسار شكل قطع مكافئ. [1]، [2]

دفع القذائف

تعد البندقية والمحرك الصاروخي مثلًا نوعان من المحركات الحرارية، يحوّلان جزئيًا الطاقة الكيميائية للوقود الدافع إلى طاقة حركية للقذيفة. وتختلف المواد الدافعة عن أنواع الوقود التقليدية من حيث أن احتراقها لا يتطلب الأوكسجين الجوي. ويؤدي إنتاج الغازات الساخنة عن طريق الوقود المحترق إلى زيادة الضغط الذي يدفع القذيفة ويزيد من معدل الاحتراق. كما تسبب الغازات الساخنة تآكل تجويف البندقية.

عندما تشتعل شحنة المادة الدافعة في حجرة البندقية، تحصر غازات الاحتراق بواسطة الطلقة؛ فيرتفع الضغط. وتبدأ الطلقة في التحرك عندما يتغلب الضغط على مقاومتها للحركة. يستمر الضغط في الارتفاع لبعض الوقت ثم ينخفض، وذلك بينما تسرّع الطلقة لتصل إلى سرعة عالية. سرعان ما ينفد الوقود الدافع الذي يحترق بسرعة، وفي الوقت المناسب تخرج الطلقة من الفوهة. وقد سجّلت سرعات تصل إلى 15 كيلومترًا (9 أميال) في الثانية. تعمل البنادق المقاومة للارتداد على تنفيس الغاز عبر الجزء الخلفي من الحجرة لمقاومة قوى الارتداد.

يحدث الانفجار الأولي الذي يسبق خروج الطلقة، ثم يتبعه الانفجار الرئيسي، حيث تطلق الغازات المضغوطة خلف الطلقة. يتخطى التدفق الغازيّ السريع الطلقة لفترة وجيزة وبالتالي قد تعاني من تذبذب شديد. وتسمع موجة الصدمة الانفجارية، التي تنتقل إلى الخارج بسرعة أكبر من سرعة الصوت، كطلقات نارية. وتتسبب الحرارة المتولدة قرب الفوهة في حدوث وميض تصاحبه ألسنة اللهب في المدافع الكبيرة. كما يمكن تثبيت الأجهزة على الفوهة لكتم الانفجار والوميض عن طريق تشتيت موجات الصدمة، ويمكنها تقليل الارتداد عن طريق تشتيت التدفق. [1]

تعرّف البالستيات الوسيطة أو الانتقالية بأنها حالة انتقالية بين البالستيات الداخلية والخارجية قرب الفوهة. إذ يدل انبعاث الغاز من السبطانة أمام القذيفة وتفريغ الغازات الدافعة خلفها على هذه التغيرات الانتقالية. وفي هذا الصدد، فإن التأثير على مغادرة القذيفة للمدفع واستخدام زخم الغازات الدافعة لهما أهمية خاصة. [3]

السقوط الحر للأجسام

لفهم حركة المقذوفات من الضروري أولاً فهم حركة «السقوط الحر-Free Fall» للأجسام، وهي أجسام نسقطها ببساطة من ارتفاع معين فوق الأرض. في أبسط الحالات، عندما تكون مقاومة الهواء مهملة وعندما تكون الأجسام قريبة من سطح الأرض، بيّن الفلكي والفيزيائي الإيطالي «جاليليو جاليلي-Galileo Galilei» (1564-1642) أن جسمين يسقطان نفس المسافة وفي نفس الفترة الزمنية، بغض النظر عن وزنيهما. تزيد سرعة الجسم الساقط زيادات متساوية في فترات زمنية متساوية. على سبيل المثال، ستبدأ الكرة التي تسقط من أعلى مبنى من السكون، وتزيد سرعتها إلى 32 قدمًا (9.8 مترًا) في الثانية بعد ثانية واحدة، ثم إلى سرعة 64 قدمًا (19.6 مترًا) في الثانية بعد ثانيتين، ثم إلى سرعة 96 قدمًا (29.4 مترًا) في الثانية بعد ثلاث ثوانٍ، وهكذا. وبالتالي، نجد أن التغير في السرعة هو دائمًا 32 قدمًا في الثانية. يعرف التغير في السرعة لكل فترة زمنية بالتسارع وهو ثابت. ويساوي هذا التسارع 1 g حيث يرمز g إلى التسارع الناتج عن قوة الجاذبية الأرضية.

يصبح تسارع الجاذبية g أصغر مع زيادة المسافة عن الأرض. ولكن بالنسبة لمعظم التطبيقات الأرضية يمكن أن نعد قيمة g ثابتة (تتغير فقط بنسبة 0.5٪ مع تغير الارتفاع بمقدار 10 أميال [16 كم]). من ناحية أخرى يمكن أن تختلف «مقاومة الهواء-Air Resistance» اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على الارتفاع والرياح وخصائص وسرعة المقذوف نفسه. فمن المعروف أن المظلّيّين يمكنهم تغيير ارتفاعهم بالنسبة إلى المظليين الآخرين ببساطة عن طريق تغيير شكل أجسامهم. ومن المعروف أيضًا أن الصخرة ستسقط بسرعة أكبر من سقوط الريشة. فعند البحث في مسائل المقذوفات، من الضروري فصل التأثيرات الناتجة عن الجاذبية -وهي بسيطة جدًا- والتأثيرات الناتجة عن مقاومة الهواء، وهي أكثر تعقيدًا. [2]

المصادر

[1]

[2]

[3]

ما هي الحرب الباردة وكيف أنهكت العالم؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

أعلن الرئيس الأمريكي ترومان استسلام اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية بعدما ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 6 و 9 أغسطس 1945 على التوالي [2]. وفي 8 مايو 1945، انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا. وبعدها بأشهر قليلة في ذات العام، تم التوقيع على وثائق الاستسلام الرسمية على متن السفينة يو إس إس ميسوري. وانتهت الحرب العالمية بشكل رسمي [1]، ليبدأ بعدها عهد الحرب الباردة وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

ما هي الحرب الباردة؟

الحرب الباردة هي منافسة سرية ومقيدة في ذات الوقت، نشأت بعد الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهما. شنّت الحرب الباردة على جبهات سياسية واقتصادية ودعائية وبلجوء محدود لاستخدام السلاح. تم استخدام المصطلح لأول مرة من قبل الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في مقال نُشر عام 1945 للإشارة إلى ما توقع أنّه سيكون مأزقًا نوويًا بين “دولتين أو ثلاث دول عظمى وحشية، تمتلك كل منها سلاحًا قادرًا على الفتك بالملايين في بضع ثوان”[3].

أظهر استخدام الأسلحة الذرية التفوق التكنولوجي لأمريكا، ولكنه زاد أيضًا من حدّة التوتر مع الاتحاد السوفيتي، ممهدًا الطريق للحرب الباردة.[2] وسعى الاتحاد السوفييتي إلى إقامة أنظمة شيوعية في أوروبا الشرقية لحمايته من أي تهديد محتمل من ألمانيا. وخشي الأميركيون والبريطانيون من الهيمنة السوفييتية على أوروبا الشرقية ووصول الأحزاب الشيوعية إلى السلطة في أوروبا الغربية.[3]

بداية الحرب الباردة

اشتعلت الحرب الباردة بين عامي 1947-1948، عندما أدت المساعدة الأمريكية المقدمة للدول أوروبا الغربية بموجب خطة مارشال إلى وضعها تحت النفوذ الأميركي.[3]

وفي عام 1949 شكلّت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وهي قيادة عسكرية موحدة لمقاومة الوجود السوفييتي في أوروبا. وفي العام ذاته أنهى الاتحاد السوفييتي احتكار الولايات المتحدة الأميركية للسلاح الذري بتفجيره رأسه الحربي الأول [3]. ليبدأ معه سباق التسلح بين الدولتين. إضافة إلى وصول الشيوعيون الصينيون إلى السلطة. وبلغت الحرب الباردة الذروة في خمسينات القرن الماضي.

الحرب الباردة في خمسينات القرن العشرين

اندلعت الحرب الكورية عام 1950، حيث دعم الاتحاد السوفييتي حكومة كوريا الشمالية الشيوعية ودعمت الحكومة الأميركية حكومة كوريا الجنوبية واستمرت الحرب حتى عام 1953. [3]

هدأ التوتر بين الدولتين بين عامي 1953 و 1957، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى وفاة زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين. لكن رغم ذلك تم الإعلان عن تشكيل حلف وراسو في عام 1955. وهو منظمة عسكرية تضم دول التكتل السوفييتي. وتم قبول ألمانيا الغربية في حلف الناتو في العام ذاته.[3] وانتقلت بعدها الحرب الباردة في الستينات إلى مستوى آخر.

الحرب الباردة في ستينات القرن العشرين

خلال الستينات بدأت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي بتطوير الصواريخ العابرة للقارات. وفي عام 1962 نصب السوفييت سرًا في كوبا صواريخ قادرة على شنّ هجوم نووي على المدن الأميركية. وهو ما أدى إلى اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية والتي تسببت في تزايد وتيرة الصراع بين الدولتين إلى حد الخوف من قيام حرب شاملة بينهما، ولكنّ الصراع انتهى عند التوصل إلى اتفاق سحب الصواريخ.[3]

ونتيجة التخوّف من اندلاع حرب نووية شاملة بين الدولتين وقعتا على اتفاقية حظر الأسلحة النووية في عام 1963. ليبدأ بعدها سباق التسلح سرًا بين الدولتين. [3] ولكنّ هدأ التوتر في السبعينات قليلًا.

الحرب الباردة في سبعينات القرن العشرين

شهدت فترة السبعينات تخفيفًا من حدّة الصراع بين القوتين العملاقتين. حيث عقدت محادثات للحد من من الأسلحة الاستراتيجية تمخض عنها اتفاقيتا SALT 1 عام 1972 و SALT 2 عام 1979. وحدّتا الاتفاقيتين من ترسانة الدولتين الصاروخية. [3] لكنّ سباق التسلح بقي مستمرًا في الثمانينات. ومارست الدولتان نفوذهما على بلدان العالم الثالث في تلك الفترة وكانت الحرب بالوكالة أبرز مظاهر ذلك النفوذ.

نماذج عن حروب بالوكالة خلال فترة الحرب الباردة

تجنبت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المواجهة العسكرية المباشرة خلال فترة الحرب الباردة تخوفًا من استخدام الأسلحة الذرية. وانخرطتا في عمليات قتالية فعلية فقط لمنع الحلفاء من الانضمام إلى الجانب الآخر أو الإطاحة بهم إن فعلوا. حيث أرسل الاتحاد السوفيتي قوات للحفاظ على الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية (1953)، والمجر (1956)، وتشيكوسلوفاكيا (1968)، وأفغانستان (1979). [3]

أمّا الولايات المتحدة فقد أطاحت بحكومة يسارية في غواتيمالا (1954)، ودعمت غزوًا فاشلاً لكوبا (1961)، وغزت جمهورية الدومينيكان (1965) وغرينادا (1983). [3]

ولم تكن الحرب بالوكالة نمط الصراع الوحيد خلال الحرب الباردة، حيث كان للصراع بين القطبين العملاقين أشكال أخرى.

أشكال الصراع في الحرب الباردة

لم يقتصر التنافس بين الدولتين على سباق التسلح أو الحروب ضد الشيوعية. بكل كان صراعًا أيديولوجيًا بين الفكرين الاشتراكي والرأسمالي أيضًا. وإضافة إلى ذلك كانت حرب الجاسوسية في أوجها. كما تنافست الدولتان لإثبات هيمنتهما التكنولوجية في سباق الفضاء لمدة 20 عامًا. وكان للاتحاد السوفييتي السبق بإطلاق سبوتنيك-1 في عام 1957، وهو أول قمر اصطناعي. بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول من يرسل رجلًا إلى القمر في عام 1969. وبقي التنافس قائمًا حتى منتصف السبعينات حيث بدأت الدولتان بالتعاون في مهمات مشتركة [4]

كما اكتسبت لعبة الشطرنج أهمية سياسية هائلة، وسرعان ما أصبحت رمزًا للكرامة الوطنية لدى السوفييت. وعومل عباقرة الشطرنج السوفييت كأصول قومية وأبطال وطنيين. واستخدموهم كدعاية خلال الحرب الباردة للدلالة على عظمة ثقافتهم. وسيطر الروس كأسياد للعبة حتى انتزع منهم الأمريكي بوبي فيشر اللقب عندما هزم سباسكي في عام 1972. [5] وكان لهذه المواجهة وقع قوي، حيث كان لها أبعاد فكرية وعقائدية كبيرة بين الطرفين.

نهاية الحرب الباردة

بحلول منتصف ثمانينيات القرن الماضي ومع وصول الرئيس جورباتشوف إلى السلطة، تغيّرت الحياة خلف ستار الاتحاد السوفييتي الحديدي. وحصلت الانتفاضات الديمقراطية في دول الكتلة السوفيتية. حيث كان يصارع الفوضى الاقتصادية والسياسية. وأقامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي علاقة أكثر انفتاحًا، حتى توصلتا إلى معاهدة نووية في عام 1987 قضت على فئة من الصواريخ الأرضية الخطرة بشكل خاص من ترسانات الدولتين. [5]

أقام الرئيس جورباتشوف إصلاحات اقتصادية. لكنّها أضعفت حزبه الشيوعي وسمحت للسلطة بالانتقال إلى روسيا والجمهوريات الأخرى المكونة للاتحاد السوفيتي. وفي أواخر عام 1991 انهار الاتحاد السوفيتي وولدت 15 دولة مستقلة. وتزعم روسيا زعيم منتخب ديمقراطيًا ومعادٍ للشيوعية. فانتهت بذلك الحرب الباردة بين الدولتين.[3]

ختامًا، نقلت الحرب الباردة البشرية إلى مرحلة جديدة من الصراع، نتيجة تخوّف الدول من حدوث حرب نووية ستودي بكل أشكال الحياة على الأرض. كما حدّت من انتشار الأسلحة النووية نتيجة الاتفاقات التي حدثت خلالها والتي وضعت شروطًا قاسية لحيازة تلك الأسلحة. كما أظهرت أنّ الإنسان قادر على تحقيق السلام بشكل أو بآخر حتى ولو بحرب باردة!

المصادر
1- Nationalww2museum
2- Titanmissilemuseum
3- britannica
4- Nationalgeographic
5- Globalhistory

ما هي الحرب بالوكالة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

حروب أهلية وصراعات على مناطق نفوذ وثورات وانقلابات عسكرية بقيت آثارها لعقود وغيّرت الخارطة السياسية لعدّة دول ومصائر شعوب بأكملها. وفي كثير من الأحيان تحدث تلك الحروب تحت مسميات وشعارات خلابة، ولكن في حقيقتها لم تكن أكثر من وسيلة وأداة في أيدي القوى العظمى لتحقيق استراتيجياتها التوسعية. فمن صراع الكوريتين إلى باكستان وأفغانستان والشرق الأوسط ووصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية. قائمة تطول من حروب دامية وصراعات طويلة الأمد وجميعها تصنف كحروب بالوكالة، فما هي الحرب بالوكالة؟ هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا هنا.

ما هي الحرب بالوكالة؟

تحدث الحرب بالوكالة عندما تحرّض قوّة عظمى أو تلعب دورًا رئيسيًا في دعم وتوجيه طرف ما إلى نزاع. ولكنها لا تقوم إلا بجزء صغير من القتال الفعلي نفسه. [1] وتتناقض الحرب بالوكالة ليس فقط مع الحرب التقليدية – عندما تتحمل الدولة عبء دفاعها (أو الهجوم) – ولكن أيضًا مع مفهوم التحالف. أي لا يمكننا تصنيف أي تحالف كحرب بالوكالة. [1]

وقد تم استخدامها لقرون عدّة لكن استخدامها بالشكل السائد الذي نعرفه بدأ بشكل خاص منذ عام 1945. [2] ومن وسائلها الدعم اللوجستي وتقديم المعلومات الاستخباراتية واستخدام قوات العمليات الخاصة والطائرات بدون طيار. حيث يقوم الوكيل بكامل المهام القتالية والعمليات المباشرة على الأرض.

ما أسباب لجوء الدول إلى الحرب بالوكالة؟

وصف الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الحروب بالوكالة ذات مرة بأنها “أرخص تأمين في العالم”. بينما قال الرئيس الباكستاني ضياء الحق عنها أنها “تبقي النزاع متأججًا” في مناطق الصراع القائمة [2]. وتلجأ الدول إلى اعتماد هذه الاستراتيجية لعدّة أسباب وهي:

  • أنّ قتال السكان المحليين سيخفف الخسائر البشرية للقوى العظمى الداعمة لهم [1]. ولأنّ الوكلاء في الغالب أكثر قبولًا في مجتماعتهم المحلية.
  • ويمكّن الوكيل الراعي من الحصول على معلومات أكثر عن المجتمعات المحلية وخاصة إذا ما كان الوكيل قوّة حرب عصابات. فالعصابات المحلية تملك معرفة كاملة بتضاريس وسكان البلد ويمكنهم الاندماج مع السكان المحليين بطريقة يستحيل أن تفعلها قوة أجنبية.
  • هذا النوع من الحروب يقلل من احتمالية تحفيز رد فعل قومي أو وطني والذي غالبًا ما يحصل عند التدخلات الأجنبية. [1]
  • افتقار الدول إلى القوة العسكرية اللازمة للقيام بتدخل مباشر أو حرب شاملة يدفعها إلى التأثير عبر الحدود باستخدام وكلاء لها. مثل دعم طهران للحوثيين في اليمن الذي يمنحها نفوذًا هناك.[1]
  • كما أن الحرب بالوكالة تعد حربًا رخيصة [2] مقارنة بالتدخل العسكري المباشر.
  • وقد تساعد الإيديولوجيا المشتركة سواء أكانت إيديولوجيا دينية أو سياسية.
  • يمكن استخدام الوكيل لحسم الصراع أو جعله مقتصرًا على نطاق جغرافي أو بشري.[1]
  • نقل مناطق الصراع إلى أراضي الوكيل الذي قد تصبح أرضه ساحة معركة. مما يجعل أطراف النزاع الحقيقيين محافظين على قوتهم البشرية المحاربة وبنيتهم التحتية وسلامة مواطنيهم.

وقد توجد عوامل تخص دولة بعينها لاستخدام هذا النوع من الحروب كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية عرّابة الحروب بالوكالة. حيث أنّ خسارتها في حرب فيتنام [3]، دفعتها للجوء إلى استراتيجيات أقل تكلفة. إضافة إلى زيادة مكانة وأهمية الشركات العسكرية الخاصة في القتال الحربي المعاصر, كما جاء الاستخدام المتزايد للفضاء السيبراني كمنصة لشن الحرب بشكل غير مباشر وصعود الصين كقوة عالمية عظمى من الأسباب المهمة. [2]

سلبيات لجوء الدول إلى الحرب بالوكالة

على الرغم من كل ما سبق إلّا أن الحرب بالوكالة تنضوي على الكثير من المخاطر وهي:

  • يتصرف الوكلاء بشكل ثابت وفقًا لمصالحهم ودوافعهم، مما يخلق توترًا لراعي الوكيل. فالراعي قد لا يتمكن من السيطرة على الوكيل نهائيًا وخاصة إذا ما كان الوكيل قويًا.
  • قد يجر الراعي إلى صراع غير مرغوب فيه نيابة عن وكيله. أو قد يتصرف الوكيل بتهور بسبب ثقته العمياء في أنّ راعيه سيقدم له دعمًا ويجعلهم آمنين من المشاكل.
  • غالبًا ما يكون الوكلاء فاسدين ووحشيين وغير كفؤين، وخاصة في حال كانوا ميليشيات مسلحة أو قوة حرب عصابات غير مدربة بشكل كامل.
  • إضافة إلى اساليبها الهمجية التي تسيء لسمعة الراعي في المحافل الدولية.
  • غالبًا ما يدفع حصول وكيل ما على دعم من قبل دولة ما إلى تحرك الدول الأخرى لزيادة دعم وكلائها (كما حدث في لبنان على سبيل المثال). وهذا ما يؤدي إلى تفاقم الصراع وزيادة قوة الوكيل الذي يتعامل مع فوضى الرعاة هذه على أنها ورقة رابحة لزيادة استقلاليته.
  • بمجرد أن يبدأ الراعي بتمويل الوكيل يصبح مضطرًا إلى الاستمرار في ذلك لمدى طويل.
  • صعوبة الحصول على وكلاء جيدين وقادرين على تزويد الراعي بالمعلومات الدقيقة.
  • قد يحدث صدام مع وكيل الراعي الخصم والذي سيكون مسيئًا وغير كفؤ بالضرورة. مما قد يؤثر على قدرة الدولة على تحقيق أهداف سياستها الخارجية المرجوة.

أدّت الحروب بالوكالة إلى أزمات إنسانية لا حصر لها، ونزوح أعداد هائلة من السكان المحليين خارجيًا وداخليًا. فعلى سبيل المثال، قدّرت الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 12 مليون شخص فروا من ديارهم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. [4] إضافة إلى أزمات الوقود والأزمات الاقتصادية والتي من المحتمل أن تتضاعف تأثيراتها في المستقبل. لذا فمن الضروري فهم وقراءة هذه الحروب بشكل جيد لأنّ احتمال استمرارية حدوثها في المستقبل كبير.

المصادر:

  1. brookings
  2. Tandfonline
  3. Wikipedia
  4. bbc

ما هي الحرب الشاملة؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

غيّرت الحروب الشاملة العالم وحولته إلى الشكل الذي نعرفه اليوم، مؤدية إلى انهيار امبراطوريات وصعود أخرى. متجاوزة بتأثيرها الحدود الجغرافية التي تحدث فيها بسبب تأثيرها على الثقافة والإيديولوجية والاقتصاد والسكان. وسنتعرف في مقالتنا هذه عن هذا النوع من الحروب. فما هي الحرب الشاملة؟

ما هي الحرب الشاملة؟

عرّفت الحرب الشاملة على أنّها صراع عسكري يكون فيه أطراف النزاع مستعدين لتقديم كل التضحيات اللازمة من أرواح وموارد لتحقيق النصر المطلق. [1] وهي على عكس الحرب المحدودة التي يستخدم بها أجزاء من قوة المتحاربين وشعوبهم ومواردهم المادية [2]، حيث تؤدي بسبب شموليتها إلى التعبئة العامة الكاملة للقوى البشرية وموارد الحرب.

الفرق بين الحرب الشاملة والحرب المحدودة

ما يميّز الحرب المحدودة عن الشاملة أيضًا بأن المتحاربين يحددون عمدًا أهدافهم السياسية والعسكرية من الحرب وحجم وطبيعة القوات والوسائل التي تشترك في الصراع ومناطق القتال، والأهداف المطلوب تدميرها أو الاستيلاء عليها. ولذلك يختلف مجال ومدة الحروب المحدودة اختلافًا كبيرًا طبقًا للقيود التي تفرضها الأطراف المتحاربة.[2] أما الحرب الشاملة فتستلزم حشد كل القوات وتوجيهها إلى الخصم بغرض تدميره اقتصاديًا وعسكريًا. فيتضاءل التمايز بين المقاتلين وغير المقاتلين بل ويختفي أحيانًا تمامًا نظرًا لأن الأطراف المتعارضة تعتبر كل الموارد البشرية تقريبًا، حتى غير المقاتلة منها، جزءًا من المجهود الحربي. [3]

على الرغم من الغموض الذي يكتنف الفوارق بين نوعي الحرب إلّا أنّ المؤرخين والقادة العسكريين وصنّاع السياسات دأبوا على استخدام المصطلحين لأغراض تقسيم التاريخ إلى عصور. وأيضًا كوسيلة للترويج للحرب الشاملة باعتبارها أقصى أشكال النزاع. [5]

2 – لماذا تلجأ الدول لهذا النوع من الحروب؟

أدى التوسع الاقليمي إلى التزامات مختلفة في الحروب، أضف إلى ذلك الحاجة لضمان نصر سريع ليتم استخدامه كمفتاح للمساومة الدبلوماسية المفيدة. فغياب النصر السريع يخلق احتمالًا لقيام الانقسامات السياسية التي قلبت تاريخيًا ميزان القوى المنتصرة في العاصمة لصالح القوات المنسحبة [4]. مما قد يضطر الأطراف المتحاربة إلى استخدام كامل قوتها لإضعاف الخصوم، إضافة إلى استهداف المدنيين خوفًا من تمردهم. لأن حقيقة الغزو والاحتلال تولد التماسك، وتقلل من القيود المفروضة على التعبئة العسكرية، وتزيد من الاستعداد لتحمل التكاليف. [4]

3 – أمثلة عن الحروب الشاملة

استخدم مصطلح الحرب الشاملة لأول مرة في القرن التاسع عشر. حيث حدد العلماء “الحرب الشاملة” كفئة منفصلة من الحرب [8]. لكن صنفت الكثير من الحروب تاريخيًا كحروب شاملة، مثل الغزو المغولي خلال العصور الوسطى [6]. فقد اجتاح مناطق بأكملها ودمّر حضارتها وقتل سكانها العزّل. كما استخدم هذا المصطلح كإشارة إلى الحروب النابليونية التي أطلقت عليها تسمية الحرب المطلقة في مصادر أخرى. واعتبر بعض المؤرخين  معركة بوردينيو بين فرنسا وروسيا عام 1812 أول حرب شاملة في التاريخ [7]. في حين قال آخرون ذلك عن الحرب الأهلية الأميركية [1].

وتعد الحربان العالميتان الأولى والثانية مثالًا دامغًا في التاريخ عن فظاعة وهول الحروب الشاملة. حيث حشدت الحرب العالمية الأولى جميع الدول الأوروبية تقريبًا ومستعمراتها في حرب شاملة بتكاليف باهظة. ليس فقط للأفراد العسكريين الذين فُقدوا في المعركة، ولكن لمجتمعات بأكملها. مما أثر بشكل كبير على التمويل والثقافة والصناعة. [3]

ووصلت الحرب العالمية الثانية في شمولها إلى أقصى الدرجات مع استعمال الأسلحة النووية في هيروشيما ونكازاغي. فوضعت الدول أمام خيارات قاسية وجعلتها تدرك حجم الأهوال التي قد يسببها ذلك النوع من الحروب. إلّا أنّ الحروب الشاملة بقيت خيارًا متاحًا للدول ولكن في أقصى درجات النزاع، كحرب أميركا على العراق في عام 2003.

ورغم وجود أنواع وتصنيفات أخرى للحروب إلّا أنّ الحروب الشاملة هي الأكثر دموية لما تسببه من هلاك للإنسانية إن لم تحكمها ضوابط وقوانين رادعة. ورغم أننا نعيش في أكثر العصور سلامًا إلّا أنّ أهوال تلك الحروب وتأثيراتها باقية إلى يومنا هذا.

المصادر:

1- Britannica
2- Wikipedia
3- Lumenlearnin
4- Jstor
5- Owlcation
6- Wikipedia
7- History.princeton.edu

Exit mobile version