كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

بينما يجلس كلايف ويرنج يعزف البيانو، تدخل عليه زوجته فيقوم ليحييها بحرارة. وبعد قليل عندما تخرج زوجته لتعد كوبًا من الشاي يعود كلايف إلى عزفه. حينما تدخل الزوجة الغرفة حاملة الشاي يحييها كلايف بنفس الحرارة مجددًا كأنه لم يراها منذ دقائق معدودة. فما تفسير هذا التصرف؟ كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

مفهوم الذاكرة واسع ومراوغ للغاية. فلا تشمل الذاكرة معرفتك لاسمك وأحداث حياتك فقط، بل تمتد لتشمل أدق أجزاء المعرفة، منها معرفتك للمشي والوقوف والجلوس والمضغ والبلع. لكن ما هي الذاكرة؟ كيف تعمل ومم تتكون؟ هل يسعنا اختيار ما نتذكره؟ وإذا كانت الإجابة نعم، كيف يحدث ذلك؟ وفي ضوء القصة التي ذكرناها، كيف يحدث النسيان؟ وما تفسير تصرف كلايف ويرنج؟ كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

ما هي الذاكرة؟

يشير مصطلح الذاكرة إلى قدرتنا على الحصول على المعلومات، وتخزينها، وحفظها، ولاحقًا استرجاعها. وذلك عن طريق عمليات ثلاثة وهي: الترميز، والتخزين، والاسترجاع.

كل منها يمثل مرحلة مختلفة لتكوين الذكريات. فتمثل عملية الترميز التجربة التي تمر بها، او النشاط الذي تقوم به، والتخزين هو انتقال المعلومات الى الذاكرة، والاسترجاع هو القدرة على استخراج هذه المعلومات وقت الحاجة. لكننا نمر بمئات التجارب يوميًا ويحيط بنا كميات هائلة من المعلومات، فأيها نتذكره؟ وأيها لا؟ وعلى أي أساس يتم الاختيار؟ والإجابة هي الانتباه.

الانتباه

يشير مصطلح الانتباه إلى قدرتنا على معالجة المعلومات في البيئة المحيطة بنا. فهناك العديد من المؤثرات تحيط بنا دائمًا، مثلما تجلس أنت الآن وتقرأ هذا المقال، ويضغط الكرسي الذي تجلس عليه على جسدك، وتسمع أصوات الجيران، وتشعر بدفء ملابسك، وترى مكونات الغرفة التي تجلس بها. كل هذه مؤثرات تحيط بنا طوال الوقت، لكننا لا ننتبه لها ولا نتذكرها جميعًا. لو حدث ذلك، فسنصاب حتمًا بالجنون.

لذا يأتي السؤال، ما الذي يتحكم في دخول المعلومات الذاكرة؟ والإجابة هي الانتباه. يمكن اعتبار الانتباه بمثابة ضوء مسلط على التجربة التي تمر بها الآن، فيختار الحدث الأهم ويركز عليه ليدخل الذاكرة.

وللانتباه عدة خصائص:

١. محدود:

يمكننا الانتباه لعدد محدود من المحفزات ولفترة محدودة فقط. ويعتمد هذا الأمر على عدة متغيرات منها: وجود عوامل تشتت، ومدى الاهتمام بالمحفز المذكور. ولهذا السبب اعتبر العلماء عملية «تعدد المهام-Multitasking» خرافة لا أساس علمي لها. لأنها ستكلف الشخص وقتا أطول كما تقلل من جودة الانتباه إلى جميع المهام.

٢. اختياري:

يمكننا اختيار الأشياء التي نتنبه لها. لكن لا يحدث هذا دائمًا، فهناك بعض الأشياء التي نتنبه لها تلقائيًا، مثل: معاني الكلمات. فيما يُعرف بـ «تأثير ستروب-Stroop Effect». ولفهمه يمكنك إجراء هذا الاختبار الذي يطلب منك نطق لون الكلمة وليست الكلمة نفسها وتسجيل الوقت الذي يستغرقك لفعل هذا. من هنا

يفسر فارق الوقت بأن معرفتك للقراءة تصعب عليك مهمة نطق الألوان، فأنت تنتبه لمعاني الكلمات تلقائيًا رغم إرادتك لمزيد من الانتباه وجد العلماء أن الخاصية الاختيارية للانتباه مرتبطة بظاهرة شيقة أخرى تعرف باسم «عمى التغير-Change Blindness». ولفهم ذلك سأطلب منك مشاهدة هذا المقطع وعد التمريرات التي يقوم بها الفريق بالزي الأبيض.

الإجابة الصحيحة هي ١٥، لكن هل انتبهت للغوريلا؟ حوالي ٥٠٪ من الأشخاص الذين لم يروا هذا المقطع من قبل وقاموا بالعد لا يلاحظوا الغوريلا. أما الأشخاص الذين لم يقوموا بالعد لاحظوها.

تجربة أخرى أجراها العالم دان سايمونز يختار فيها أحد المشاة بشكل عشوائي ويسأله عن الطريق، وبينما يتحدثان يمر بينهما شخصان يحملان باب ويُستبدل السائل الأول بشخص آخر. وجاءت النتائج أن حوالي ٥٠٪ من الأشخاص لم يلاحظوا تغير السائل مطلقًا. فكيف يحدث هذا؟

يمكننا القول أن الانتباه نافذة ضيقة للغاية، فبينما تركز على شيء معين، تغفل عن الكثير من الأشياء من الأخرى. وهذا أمر طبيعي ومقبول، لأن الذاكرة تعمل وفقًا لحقيقة أن معظم الأشياء تظل على حالها طول الوقت، وليس من الضروري حفظ التفاصيل الدقيقة لكل مشهد، فمن غير المتوقع أن يتبدل الغريب الذي التقيته في الشارع إذا أشحت بوجهك عنه لثوان معدودة. والمغزى العام هنا هو أن إدراكنا للواقع ضئيل ومحدود أكثر مما تعتقد.

مم تتكون الذاكرة؟

عندما تشاهد فيلمًا يتحدث عن فقدان الذاكرة، تجد البطل يتجول في الشوارع شاردًا لا يتذكر اسمه أو أحداث حياته. وهذه هي الصورة التقليدية التي يتبناها البشر عن الذاكرة، ذاكرة السيرة الذاتية. لكن الحقيقة كما أسلفنا أن الذاكرة تشمل معرفتك لأصغر الأفعال مثل المشي والأكل والحديث، وهناك أنواع مختلفة لها: الذاكرة الحسية، والذاكرة قصيرة المدى أو الذاكرة العاملة، والذاكرة طويلة المدى.

كل عملية من عمليات تكوين الذاكرة التي أسلفنا ذكرها -الترميز والتخزين والاسترجاع- تختص بنوع من أنواع الذاكرة الثلاث.

أولًا: عملية «الترميز-Encoding»

بعد انتهاء دور الانتباه، واختياره المعلومات التي ستدخل المخ، يبدأ دور الترميز. والترميز هو عملية تحويل الإشارات/المعلومات القادمة من أعضاء الحس إلى صيغة يستطيع المخ التعامل معها وبالتالي تخزينها. وهناك تلاثة أنواع للترميز:

  • ترميز بصري: وهنا تُخزن المعلومة على هيئة صور.
  • ترميز سمعي: وهنا تُخزن المعلومة على هيئة أصوات.

وكلاهما يعرف بـ «المعالجة السطحية-Shallow Processing» وتختص بالذاكرة قصيرة المدى.

  • ترميز دلالي: وهُنا تخزن المعلومة على هيئة معاني. فيما يُعرف بـ «المعالجة العميقة-Deep Processing» وتختص بالذاكرة طويلة المدى.

    مثال: عندما تقرأ (ترى) كلمة في كتاب، يخزنها المخ بعد تحويلها إلى صوت أو معنى. الصورة الأولى للكلمة تخزن في الذاكرة الحسية لكنها سرعان ما تتلاشى. أما عند حفظ الكلمة وتكرارها عدة مرات فتخزن كصوت في الذاكرة قصيرة المدى، لكنها أيضًا تتلاشى بعد وقت قصير. وأخيرًا عند معرفة معنى هذه الكلمة فإنها تخزن في الذاكرة طويلة المدى لفترة طويلة جدًا. وهذا يأخذنا إلى المرحلة الثانية من عمل الذاكرة وهي التخزين.

ثانيًا: «التخزين-Storing»

هي عملية تخزين المعلومات لمدة قصيرة تصل إلى ثلاثين ثانية فقط في الذاكرة قصيرة المدى عن طريق التكرار (الاحتفاظ بالصوت أو الصورة). أو لمدة طويلة قد تصل إلى عمر كامل في الذاكرة طويلة المدى عن طريق الترميز الدلالي (الاحتفاظ بالمعنى). وتتأثر عملية التخزين بعوامل أخرى مثل: كمية المعلومات المخزنة ونوعها وكذلك مدة ومكان تخزينها.

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

مكان التخزين نوعان:
الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى وهناك العديد من الدراسات التي توضح الفرق بينهما:

الذاكرة طويلة المدى

لدى الذاكرة طويلة المدى مساحة تخزين هائلة. فتتضمن مثلًا جميع كلمات اللغة(٦٠-٨٠ كلمة) ،ووجوه وأسماء جميع الأشخاص اللذين تعرفهم، والأماكن التي تتردد عليها، والكتب التي تقرأها، والأغاني التي تسمعها وغيرها الكثير، وهذه كمية معلومات هائلة. حتى الآن لم يستطع العلماء حصر المساحة الكاملة للذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة قصيرة المدى

أما عن الذاكرة قصيرة المدى فهي محدودة للغاية مقارنة بنظيرتها. فلا تحمل من يزيد عن تسع قطع أو Chunks. والقطعة هي المصطلح الذي أعطاه عالم النفس جورج ميلر لوحدات التخزين الرئيسية للذاكرة. مثال: l a m a i s o n كل حرف من هذه الحروف يمثل قطعة أو Chunk، وإذا لم تستطع تكوين كلمات منها فستراها كسبع قطع منفردة. أما إذا كنت تعرف الفرنسية فستراها كقطعتين فقط، كلمة la وكلمة maison بمعنى المنزل.

وبالطبع يصبح تذكرها في هذه الحالة أسهل. وهنا يمكننا القول أن مقدار المعرفة يؤثر على مقدار ما نتذكر. لأنه يؤثر على ما يمكن احتسابه كقطعة/وحدة تخزين في الذاكرة، وهذا يظهر في «تأثير الخبراء-Expertise effect».

يظهر تأثير الخبراء في أحد التجارب التي أُجريت على مجموعة من المبتدئين والخبراء في لعبة الشطرنج. عُرضت عليهم اللوحة لعدة ثوان، وقطعها مرتبة بترتيب معين لاستراتيجية معروفة لممارسي اللعبة، ثم طُلب منهم إعادة ترتيبها بأنفسهم. استطاع الخبراء فعل هذا الأمر بسهولة بينما تعثر المبتدئين ووقعوا في بعض الأخطاء. وعند إعادة التجربة بترتيب القطع ترتيبًا عشوائيًا لا يشبه أي استراتيجية مألوفة. تعثر كل من الخبراء والمبتدئين في إعادة الترتيب.

وتؤكد هذه التجربة أن زيادة المعرفة وإضفاء المعنى والمنطق على المعلومة يساهم في تذكرها وسهولة تخزينها. رجوعًا إلى الذاكرة طويلة المدى، كيف تنتقل المعلومات من تذكرها لعدة ثوانٍ فقط (الذاكرة قصيرة المدى) إلى الاحتفاظ بها لعمر كامل (الذاكرة طويلة المدى)؟

ذكرنا أن الممارسة أو تكرار المحفز داخل رأسك مرارًا وتكرارًا يُمكنك من الاحتفاظ به في الذاكرة قصيرة المدى. فيظل الأمر عالقًا داخل رأسك طالما تكرره، لكنه لا يترسخ في الذاكرة طويلة المدى. تحتاج المعلومات إلى التنظيم والمعنى لكي تترسخ فيها. بمعنى أنه كلما فكرت في الأمر بشكل أعمق، كلما أكسبته المعنى والمنطق فيما عرفناه بالمعالجة العميقة، صار تذكره أسهل.

ثالثًا: عملية «الاسترجاع-Retrieval»

وكما يوضح الاسم تختص هذه العملية باسترجاع المعلومات المخزنة.

وتنقسم عملية الاسترجاع إلى مرحلتين:

أولًا «الاستعادة-Recall» وهي استخراج الذكرى فقط.
ثانيًا «الادراك-Recognition» وهو إدراك معنى الذكرى، وما كانت تتناظر معه في الماضي.

ويحدث الاسترجاع بشكل أساسي عن طريق «دلالات الاسترجاع-Retrieval cues» وهي إشارات ترتبط بالأمر الذي تحاول تذكره، فعندما تدعو شخصًا لموعد غداء ثم تراه صدفة، تتذكر هذا الموعد. وهذه الحالة (عندما يتماثل السياق الذي حدث فيه ترميز المعلومة واسترجاعها) تُعرف بمبدأ التوافق.

بمعنى أنك تتذكر الأشياء بشكل أفضل في السياق الذي تعلمته بها. فيما يعرف أيضًا بـ «الذاكرة المعتمدة على السياق-Context dependent memory» و«الذاكرة المعتمدة على الحالة-State dependent memory».

مثال: -من المرجح أنك ستتذكر المعلومات بشكل أفضل في امتحانك النهائي، إذا حضرته في نفس القاعة التي حضرت فيها محاضراته. لأن وجودك في نفس الغرفة سيعيد إليك دلالات الاسترجاع.

-الأشخاص اللذين يتعلمون أشياء تحت تأثير المخدرات (تأثير منخفض لا يؤثر على النشاطات العقلية الأخرى) يتذكرونها بشكل أفضل وهم تحت تأثير المخدرات مجددًا لا في حالتهم الواعية. هذا الأمر ينطبق أيضًا على شرب الكحوليات.

-الأشخاص اللذين يتعلمون أشياء وهم في حالة اكتئاب، أكثر قدرة على تذكره وهم في نفس الحالة المزاجية لا في حالتهم الطبيعية. وهنا توضح لنا هذه الأمثلة أن جزء كبير من استرجاع المعلومات يعتمد على استرجاع السياق الذي تم ترميزها به.

عندما تخفق الذاكرة- النسيان

تحدثنا عن العالم من حولنا ودور الانتباه في انتقاء المعلومات البارزة أما إراديًا أو لا إراديًا لكي تدخل المخ. وكيف تتم معالجة المعلومات في المخ من ترميز وتخزين واسترجاع. لكن يبقى مسار آخر لم نتحدث عنه وهو النسيان، ليس كل ما نتذكره نحتفظ به للأبد.

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

كيف يحدث النسيان؟

النسيان نوعان:

النسيان الطبيعي

الذي يحدث بمرور الزمن وتغير الأشياء وله أسبابه:

أحد التفسيرات أن المخ شيء مادي، وجميع الأشياء المادية تتلف مع الوقت، كذلك مسارات المخ فيحدث النسيان.

الإجابة الثانية هي التداخل. تزداد صعوبة استرجاع المعلومات عندما يتعلم الشخص معلومات أخرى مشابهة لها. لذا يمكن القول أن قدرة الشخص على التعلم تضعف عندما يتعلم المزيد من الأشياء المتصلة بها، بسبب حدوث التداخل أو ارتباك داخل الذاكرة. بسبب تغير دلالات الاسترجاع: كلما مر الوقت كلما تغير العالم، وبما أن التذكر يعتمد بشكل كبير على دلالات الاسترجاع، فكلما تتغير أو تقل يحدث النسيان.

النسيان الذي يحدث بسبب تلف المخ.

مثل: «فقدان الذاكرة الرجعي-Retrograde amnesia» وهو فقدان جميع ذكريات الماضي، وقد يحدث نتيجة صدمة في الرأس فيفقد الشخص جميع ذكريات ذاكرته العرضية/ذاكرة السيرة الذاتية المختصة بأحداث حياته، وهذه هي الصورة التقليدية لفقدان الذاكرة كما ذكرنا.

«فقدان الذاكرة التقدمي-Anterograde amnesia» وهو فقدان القدرة على تكوين أي ذكريات جديدة، والمثال الأشهر على ذلك هو كلايف ويرنج الذي ذكرناه في بداية المقال.

ويرنج موسيقي بريطاني أُصيب يومًا بفيروس الزهري، الذي انتقل إلى مخه وأحدث تلفًا في الحصين وهو الجزء المختص بالذاكرة. فقد ويرنج ذاكرته الرجعية باستثناء بعض الأحداث المهمة مثل حبه لزوجته وامتلاكه لأولاد لا يذكر أسمائهم وكيفية لعب البيانو. وفقد ذاكرته التقدمية ففقد القدرة على تكوين أي ذكريات جديدة وعاش في حاضر دائم. لذا ينسى أنه رأى زوجته منذ دقائق معدودة فيحييها كأنه يراها أول مرة، وينسى أنه استيقظ من النوم فيقضي يومه في الاستيقاظ مجددًا كل بضعة دقائق!

يُفسر عدم نسيان ويرنج لكيفية لعب البيانو إلى أن هذا الفعل يُخزن في «الذاكرة الاجرائية-procedural memory» من الذاكرة طويلة المدى، وهذا الجزء من المخ لم يُصب بأذى. فبينما تتذكر أصابعه كيفية اللعب تغيب عن ذاكرة ويرنج أية ذكرى لتعلمه العزف. واعتبر العلماء حالة كلايف ويرنج من أشد حالات فقدان الذاكرة التي عرفتها البشرية على مر التاريخ.

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

والآن إذا نجح هذا المقال في الاستحواذ على انتباهك، واستطاعت بعض معلوماته اجتياز حاجز الترميز والتخزين ووصلت بمساعدة المعنى والمنطق إلى الذاكرة طويلة المدى. فلا تنسى حديثنا عن الانتباه ورؤيته المحدودة للواقع بأفكارنا ومشاعرنا وتفضيلاتنا. كذلك كيفية صنع الذكريات، والعمليات الثلاثة التي تمر بها المعلومات لتصنع ماضينا وحاضرنا. وأخيرًا النسيان كناتج طبيعي لتغير المخ والعالم. وحالة كلايف ويرنج الشهير الذي يعيش في حاضر دائم.

اقرأ أيضًا: التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

مصادر ( كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟ ):

1- simplepsychology
2- psychology.wikia.
3– /psychology.wikia

آلية عمل الذاكرة البشرية وأنواعها

آلية عمل الذاكرة البشرية وأنواعها تُبنى على الخلايا العصبية، حيث تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها عن طريق “مشابك عصبية” تربط كل خلية عصبية بالآخرى. ولتحفيز هذه التشابكات العصبية يلزم وجود “ناقلات عصبية” (مواد كيميائية تسمح بنقل الإشارات من خلية عصبية أخرى وتوجد في المشابك العصبية).

يمكننا تشبيه “الناقلات العصبية” بالبريد الإلكتروني، إذا تلقيت رسالة بريد إلكتروني واحدة فيمكنك تجاهلها. ولكن، إذا تلقيت مئات الرسائل من شخص يحدثك بنفس الموضوع في نفس الوقت، فمن المحتمل أن تبدأ في الانتباه والتحدث معه.

بالمثل، تفتح الخلايا العصبية خط اتصال مع بعضها عندما تتلقى تحفيزًا مستمرًا من العديد من الناقلات العصبية في وقت واحد مثلاً إنك تضطر لتكرار رقم مُعين لحفظه عندها يكون المُحفز تكرار الرقم. إذاً تعتمد قدرتك على تذكر بعض الأحداث دونًا عن غيرها على قوة وتكرار الاتصال بين التشابكات العصبية. الأشياء التي تكررها مثل رقم التليفون أو عنوان المنزل تكون حاضرة بذهنك وبتحفيز بسيط للذاكرة تستطيع أن تسترجع المعلومة بسهولة، أما الأشياء التي لا تكررها تتضائل وتتناسى. 1

صورة توضح شكل الخلية العصبية والمشبك العصبي

صورة توضح الناقلات العصبية بالمشابك وبين الخلايا العصبية

مراحل الذاكرة

تمر الذاكرة بثلاث مراحل ولنسهل عليك الأمر دعنا نشبه الذاكرة بحافظ الملفات، مثلاً عندما تشهد حدث معين تقوم الذاكرة بإنشاء ملف له وحفظه بمخك ثم تسترجعه حين طلبك له مرة أخرى.

1- الترميز: هي عملية الذاكرة الأولى تعتمد على نقل المعلومات الآتية من المستقبلات الحسية إلى الخلايا العصبية ليتم تخزينها.
2- التخزين: يتم تخزين الذكرى لحين استرجاعها، وتحتوي هذه العملية على تخزين معلومات عن الحدث مثلاً في أي وقت وفي أي مكان.
3- الإسترجاع: هذه العملية تشير إلى الحصول على المعلومات بعد تخزينها حين تطلبها.

إذاً لماذا ننسى؟

يمكننا القول بأن النسيان هو عملية عجز مؤقتة بإسترداد معلومة معينة مما تم حفظه مسبقاً في الذاكرة.
تذكر بعض المواقف دوناً عن غيرها تعتمد علي قوة التكرار الحدث بين الخلايا العصبية. وهذا يسمح لدماغك استرجاع هذه الذكرى بمعدل أعلى، قد يفسر هذا سبب كون بعض الذكريات أكثر حيوية من غيرها. مثلا إنك لا تنسى أول مرة ركبت بها الدراجة ولكن تنسى ما هو اليوم بالتحديد ذلك لأنك بكل مرة تتذكر فيها هذا الموقف لا تسترجع بها معلومات اليوم ولكن تسترجع الموقف فقط.

للنسيان ثلاث نظريات

الأولى: أنك لم تهتم بالذكرى بالقدر الكافي فلم يتم تسجيلها بالذاكرة.
الثانية: أن الذاكرة نفسها لم تقم بالإحتفاظ بالذكرى.
الثالثة: أنها موجودة بمكان ما بالذاكرة ولكنك غير قادر على استرجاعها.

أنواع الذاكرة
1- الذاكرة الحسية – sensory memory

هي أقصر أنواع الذاكرة وقتاً ومسؤولة عن الإحساس الذي يصلنا من الحواس الخمسة “اللمس، الشم، البصر والسمع” وعادة ما تستمر هذه الذاكرة إلى ثانية أو أقل، تقوم بحفظ انطباع قصير عن المؤثر الحسي بعد انتهاءه.
مثلا: عند مشاهدتك للبرق ترى ضوء خفيف بعد انتهائه أو بعد أن تشم الأزهار تبقى الرائحة في أنفك، لا تستمر هذه الأشياء سوى ثوان.

أيضا تعمل هذه الذاكرة على حفظ وتخزين اللقطات المهمة والمعلومات السريعة التي قد يستفيد بها العقل في وقت لاحق وتنقها إلى الذاكرة قصيرة المدى. 3


2- الذاكرة قصيرة المدى – short term memory

تعتبر الذاكرة قصيرة المدى حلقة الوصل بين الذاكرة الحسية والذاكرة طويلة المدى، تشبه الذاكرة قصيرة المدى الأوراق اللاصقة التي نكتب عليها ملاحظات سريعة. مسؤولة عن التفكير اللحظي والمعلومات السريعة وتستمر هذه الذاكرة بضعة ثواني ويمكن أن تمتد لدقيقة.

على سبيل المثال: لتفهم معنى هذه الجملة يجب أن تكون بداية الجملة حاضرةً في عقلك أثناء قراءة المتبقي منها، هذه مهمة الذاكرة قصيرة المدى. وهذه الإجابة عن السؤال لماذا أنسى أين وضعت مفاتيحي أو لماذا جئت إلى هنا ذلك لأن هذه المعلومات تُحفظ في الذاكرة قصيرة المدى التي لا تبقى سوى دقائق، لا تقلق أنت بخير. 2


3- الذاكرة طويلة المدى – long term memory

أطول أنواع الذاكرة وقتاً وهي المسؤولة عن تخزين المعلومات وإدارتها واسترجاعها. الذكريات الحسية تومض فقط لمدة أقل من ثانية والذكريات قصيرة المدى تستمر لمدة دقيقة أو دقيقتين، أما الذاكرة طويلة المدى تشمل أي شيء حدث قبل خمس دقائق إلى 20 عامًا مضت.

بعض أنواع هذه الذاكرة متعلق بالعقل الواعي مما يتطلب منك التفكير العميق من أجل تذكر جزء من المعلومات وبعضها في اللا واعي مثل تذكر الطريق من المنزل إلى العمل دون التفكير في ذلك. دعونا نلقي نظرة على بعض هذه الأنواع . 3

أنواع الذاكرة طويلة المدى

1-الذاكرة السمعية

تساعدنا الذاكرة السمعية في الاحتفاظ بالمعلومات بناءً على الأصوات التي نسمعها، عندما نعلم الأطفال الأصوات التي تصدرها الحروف، فإن ذاكرته السمعية هي التي ستسمح له بتذكر أن صوت الحرف ” ك” هو نفسه الصوت الذي نسمعه في كلمة “كرة”.

2-الذاكرة البصرية

هي التي تساعد الطفل على ربط صورة كرة السلة بكلمة “كرة”.

3- الذاكرة الصريحة – explicit memory

مسئولة عن الاستدعاء المتعمد للمعلومات. كالإجابة عن سؤال بالامتحان عليك أن تتذكر المعلومة بدقة.

4- الذاكرة التقريرية -Declarative Memory

هذه الذاكرة مسئولة عن الاحتفاظ بالحقائق المهمة واسترجاعها، مثل التواريخ والأحداث والمعلومات.

5- الذاكرة العرضية -Episodic Memory

تضمن القدرة على تذكر التجارب المباشرة من حياتك.

6- الذاكرة الدلالية – Semantic Memory

تشير الذاكرة الدلالية إلى تخزين الذاكرة للمفردات والحقائق الأساسية والأسماء والمعرفة العامة. 4

لا يزال البحث مستمر حول العقل البشري والذاكرة فالعلم وراء الذاكرة هو علم معقد، ومن المرجح أن يدرس لعقود قادمة هناك الكثير من الأبحاث التي يجب القيام به لفهم كيف يولد أدماغتنا الذكريات ويسترجعها.

مصادر( آلية عمل الذاكرة البشرية وأنواعها؟):
1- harvard university
2- sciencedirect
3- american psychological association apa
4- medscape
PMC -5

اقرأ أيضاً: مترجم: أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تذكر الأشياء؟

علاقة النسيان والساعة البيولوجية بتفاصيل حياتك اليومية

علاقة النسيان والساعة البيولوجية بحياتك اليومية وكيفية تحسين الذاكرة

يظهر النسيان دوماً كعدوٍ يباغتنا في أوقات حرجة، فكم مرة دخلت غرفة ونسيت ما تريد فعله هناك؟ أو بحثت عن مفاتيحك عبثاً وأنت تحاول تذكر آخر مكان وضعته فيها؟ أما الموقف الأصعب أن تلتقي بشخص تعرفه جيداً فيداهمك النسيان ويصعب عليك تذكر اسمه. تسمى لحظات النسيان هذه بفقدان الذاكرة المرتبط بالعمر ARML، وهي تحدث للجميع حتى في مرحلة الشباب.

النسيان والساعة البيولوجية

تعد قلة النوم المؤثرة سلبا على الساعة البيولوجية وبعض الأدوية كمضادات الاكتئاب وإدمان الكحول سبباً رئيسياً للنسيان. كما يساهم القلق والتوتر والإحباط وأمراض الغدة في تراجع الذاكرة. يُعتبر النسيان من وقت لآخر طبيعياً، كما أنَّ تراجع الذاكرة مع التقدم بالعمر يعد أمراً عادياً إلى حد ما.

تصنف مشاكل الذاكرة الطبيعية إلى سبعة أنواع؛ فالنسيان العابر كنسيان الحقائق والأحداث بمرور الوقت، ونسيان المعلومات بعد تعلمها يبدو كعلامة ضعف في الذاكرة؛ لكنَّ علماء الدماغ يعتبرونه مفيداً، لأنَّه يُخلص الدماغ من الذكريات غير المستخدمة، مما يتيح المجال أمام ذكريات جديدة وأكثر فائدة.

ويحدث شرود الذهن أو الذهول بسبب قلة الانتباه، كنسيانك مكان القلم، ونسيان بعض المعلومات بسبب التفكير بأمر آخر، ونسيان تناول الدواء في الموعد المحدد. وأما العجز المؤقت عن استرداد الذاكرة فيحدث بسبب وجود ذاكرة مشابهة للذاكرة التي تبحث عنها حيث تسترجع الذاكرة الخاطئة بدلاً منها.

جين جديد مسؤول عن النسيان

حدد العلماء جيناً في الفئران يؤثر على استرجاع الذاكرة في أوقات مختلفة من اليوم، وتتبعوا الطريقة التي يجعل بها هذا الجين الفئران أكثر نسياناً قبل استيقاظها. ويدرس العديد من الباحثين كيفية صنع ذكريات جديدة، لكن تعد دراسة النسيان أكثر تعقيداً بسبب صعوبة التمييز بين عدم المعرفة وعدم التذكر.

يقول الباحث Kida Satoshi من جامعة طوكيو : “لقد صممنا اختباراً للذاكرة، يمكنه التمييز بين عدم التعلم مقابل معرفة المعلومة مع عدم القدرة على تذكرها”. حيث اختبر الباحثون الذاكرة لمجموعة من الفئران البالغين، ففي مرحلة التعلم سُمح للفئران باستكشاف شيئاً جديداً لعدة دقائق، وفي مرحلة الاسترجاع رصد الباحثون مدة الوقت التي تقضيها الفئران في لمس الشيء عند إعادة تقديمه. ولاحظ الباحثون أنَّ الفئران تقضي وقتاً أقل في لمس الأشياء التي تتذكر مشاهدتها من قبل، وأعاد الباحثون التجربة في أوقات مختلفة من اليوم.

النتائج

التذكر

استطاعت الفئران التي دُربت قبل موعد استيقاظها المعتاد واختبرت مباشرة بعد وقت نومها تمييز الشيء. بينما الفئران التي تدربت في نفس الوقت ولكن اختبرت بعد 24 ساعة لم تميز الشيء.

أظهرت الفئران السليمة والفئران التي تفتقد بروتين BMAL1 نفس نمط النتائج، لكن الأخيرة كانت أكثر نسياناً قبل موعد استيقاظها. يعتقد العلماء وجود شيء في وقت النهار قبل موعد استيقاظ الفئران يجعلها لا تتذكر شيئاً تعلمته في السابق.

الساعة البيولوجية

يقول العالم Kida Satoshi : ” إنَّ مجتمع أبحاث الذاكرة اقترح في السابق أنَّ الساعة البيولوجية المسؤولة عن تنظيم دورات النوم تؤثر أيضاً على التعلم وتكوين الذاكرة. والآن لدينا الدليل على أنَّ الساعة البيولوجية تنظم أيضاً استرجاع الذاكرة”

تتبع الباحثون دور بروتين BMAL1 في استرجاع الذاكرة إلى منطقة معينة في الدماغ تسمى الحصين، وربطوا دور هذا البروتين بتنشيط مستقبلات الدوبامين وتعديل جزيئات اخرى في الدماغ.

يقول Kida : إذا استطعنا تحديد طرق لتعزيز استرجاع الذاكرة من خلال مسار BMAL1 فيمكننا التفكير في التطبيقات الخاصة بأمراض الذاكرة البشرية مثل الخرف ومرض ألزهايمر.

المصادر
Harvard1

Harvard2

Parkview

Science Daily

Exit mobile version