الخدع الثلاث الأساسية لصناعة واقع افتراضي

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة ما هو الواقع الافتراضي وكيف سيشكل مستقبلنا؟

يعتمد عمل الواقع الافتراضي بشكل كبير على خداع الحواس والعقل لتوليد الإدراك. ونقصد بالخِدع هنا أن العقل قد أُوهم بأن ما يراه صحيحًا. ويتم تصنيف الخدع إلى ثلاث أنواع سنتحدث عنها في هذا والمقال وهي بمثابة الخدع الثلاث الأساسية لصناعة واقع افتراضي، فما هي؟

الخدع الثلاث الأساسية لصناعة واقع افتراضي

1- خدعة المكان «Place Illusion»

تعمل هذه الخدعة على خلق تأثير أو حالة من الشعور بأن الشخص قد انتقل من مكانه إلى مكان آخر كلياً. لتحقيق هذه الحالة يجب أخذ عدّة عوامل بعين الاعتبار، وهذه العوامل هي:

1- جودة العرض

كما نعلم فإن دقة العرض تلعب دورًا مهمًا في توليد الإدراك، لذلك يجب أن تكون الدقة عالية بالإضافة إلى عامل آخر مهم وهو معدل الإطار. نعلم أن معدل الإطار الطبيعي للعين هو في المجال بين 30 إلى 60 إطار بالثانية، لذلك يجب توليد رسوميات بمعدل إطار بين 75 إلى 120 إطار بالثانية، وكلما زادت القيمة كلما كانت الحركة أقرب إلى الواقعية أكثر.[1]

2- تتبع الحركة وزوايا الميل

تتعلق جودة التتبع بمقياس مهم وهو درجة الحرية التي توفرها أداة التحكم. درجة الحرية هي الحركات والزوايا التي تستطيع الأداة قياسها، وبالتالي كلما زادت كلما كان لدى المستخدم حرية أكبر في الحركة. فمثلًا، لو كان للأداة درجة حرية منخفضة وقام المستخدم بحركة معينة ولم يستجيب لها الجهاز، سيلغى الشعور بالواقعية مباشرةً مما قد يؤثر سلبًا على جودة استخدامه للواقع الافتراضي.

3- أدوات التحكم

وهذا يتعلق بالبندين المذكورين سابقًا، أي لتحقيق جودة عرض عالية و تتبع حركة دقيق، يجب استخدام أدوات ذات جودة عالية تلبي هذه المطالب للإبقاء على الوهم بدون توليد شكوك حول صحته. أيضًا المؤثرات السمعية ذات أهمية كبيرة لتعزيز الوهم المكاني وتوليد الإدراك المطلوب لدى المستخدم.[2]

2- خدعة المعقولية «Plausibility Illusion»

تعمل هذه الخدعة على مبدأ خلق بيئة معقولة يمكن تصديق وجودها وأن كل ما فيها يحدث فعلاً. وهي أهم نوع من الخدع لأنها تستهدف إدراك الدماغ مباشرة وليس الحواس. مثلًا، لو دخلت لتجريب واقع افتراضي يسمح لك بالسفر إلى بلد آخر، ورأيت مخلوقات غريبة، سوف يدرك دماغك أنه محض خيال ويقوم بإلغاء الإدراك بأن ما تراه واقعي. العوامل المؤثرة بالخداع المكاني تؤثر أيضًا على هذا النوع ولكن من الممكن أن يلغى وهم المعقولية في حالتين:

1- البيئة لا تتجاوب

في حال كانت البيئة الافتراضي لا تتجاوب مع تفاعل المستخدم معها بشكل صحيح وواقعي، سيؤدي هذا إلى خلل في الإدراك فمثلًا، لو كنت تسير في غابة افتراضية وعبرت من خلال شجرة بشكل طبيعي دون الإحساس بعائق يوقفك، فإن عقلك سيلاحظ الخطأ المنطقي الحاصل وسيؤدي هذا إلى إفساد كامل التجربة.

2- حركة العناصر

إذا كانت حركة العناصر عبارة عن حركات مكررة إلى حد كبير أو غير منطقية سيلاحظ العقل الأخطاء المنطقية مباشرةً ويلغي الإدراك فمثلًا، لو كنت في الغابة ولاحظت أن مجموعة من الحيوانات يقومون بنفس الحركات بالضبط دون أي تغيير لمسافة معينة ثم يعودون لنقطة البداية، ستلاحظ الخطأ مباشرةً لأن العشوائية هي سمة الطبيعة. [2]

إن تجنب حدوث هكذا أخطاء يتطلب مقدرة كبيرة على محاكاة الطبيعة ضمن أنظمة الواقع الافتراضي. فالمحاكاة الصحيحة هي نواة النظام وفشلها يؤدي إلى فشله مباشرةً. ولكن ما الفرق بين خدعة المكان وخدعة المعقولية؟

في خدعة المكان وكما ذكرنا سابقًا، يجب أن يشعر المستخدم أنه قد انتقل إلى عالم آخر تمامًا. وفي حال حدوث شيء أدى إلى إفساد هذه الخدعة، فيمكن إعادته لأن الأمر يعتمد على خداع الحواس قبل الدماغ. أما خدعة المعقولية، فهي تعتمد على أن المستخدم يصدق بواقعية وصحة ما يراه. وفي حال حدوث شيء أدى إلى إزالة هذه الخدعة مؤقتًا، فإن العقل سيبدأ بالتشكيك بكل ما يراه بعدها. وبالمحصلة سيركز العقل على ملاحظة الأشياء غير الواقعية، مما يؤدي إلى فشل هذه الخدعة بشكل كامل وصعوبة استرجاعها. [2] لذلك من المهم والضروري العمل على تحقيق أعلى مستويات الدقة عند تصميم أنظمة الواقع الافتراضي.

3-خدعة التجسيد «Embodiment Illusion»

وظيفة هذه الخدعة هي خلق إحساس لدى المستخدم بالانتماء الجسدي بالواقع الافتراضي. ويعتمد هذا بشكل أساسي على تتبع الحركة و زوايا الميل كي تنتقل الحركة الحقيقية بشكل كامل ودقيق إلى الواقع الافتراضي. أحد العوامل الأساسية ضمن هذه الخدعة هو التغذية العكسية اللمسية. تولد التغذية العكسية اللمسية شعور واقعي عند ملامسة العناصر المختلفة ضمن الواقع الافتراضي.[3]

تحقيق التوافق بين الخدع الثلاث مهم بدرجة كبيرة لخلق إدراك قوي بواقعية التجربة. وكما نلاحظ فإن التكامل بين جميع العوامل مهم، وأي خلل في إحداها سيؤدي إلى خلل كامل المنظومة.

المصادر:

1- NCBI
2- Geeks For Geeks
3- Virtual Body Works

فلسفة العقل وعلاقة العقل بالجسد

هذه المقالة هي الجزء 3 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

فلسفة العقل وعلاقة العقل بالجسد

يمكن تعريف فلسفة العقل (Philosophy of Mind) على أنها دراسة طبيعة العقل، والظواهر والوظائف والخواص العقلية. كما يبحث هذا الاختصاص من الفلسفة في ماهية العلاقة بين العقل والجسد [1]. ويسعى للإجابة على التساؤلات حول اختلاف العقل عن المادة، وماهية التفكير والإحساس والتجربة والتذكر وغيرها من الوظائف المرتبطة بالعقل دون الجسد [2].

فسر الفلاسفة في هذا الاختصاص طبيعة العقل بطرقٍ عدة. ونتج عن هذه التفسيرات والتحليلات لعلاقة العقل بالجسد أكثر من اتجاه. سنسلط الضوء في هذا المقال على كل من الثنائية (Dualism)، ونظرية هوية العقل (Identity theory)، والوظائفية (Functionalism).

الثنائية في فلسفة العقل – ثنائية العقل والجسد

في تفسيره للعقل واختلافه عن الجسد، يشرح ديكارت (Descartes) أن مكوّنات العقل تختلف اختلافاً كلياً عن مكونات الجسد. فالعقل ذو طبيعة لا مادية، ولكنّ الجسد هو مادة ملموسة [3].

ويؤكد أنصار هذا الاتجاه على الاختلاف الجذري بين العقل والمادة. ويذهبون إلى رفض اعتبار أن العقل والدماغ هما شيء واحد. بل يصل بعضهم إلى حد رفض فكرة أن العقل هو بكلّيّته منتج من منتجات الدماغ. إذاً، كيف يفسر أنصار الثنائية هذا الاختلاف بين العالمين العقلي والمادي؟

تناقش الثنائية المادية أن العقل والجسد مؤلفان من مادتين مختلفتين. فالعقل هو أداة تفكير لا يتمتع بخواص الأشياء المادية كالحجم والشكل والصلابة. ولا يتبع قوانين الفيزياء التي تتأثر بها الأشياء المحسوسة. ويفسر بعض هؤلاء العلاقة بين الجسد والعقل على أنها علاقة تفاعلية يؤثر فيها كل منهما على الآخر [4]. ولكن هذا يضعهم أمام تساؤل عن كيفية تأثر مادتين مختلفتين ببعضهما. فقد واجه ديكارت هذا الاستفسار حول إمكانية العقل البشري، وهو أداة التفكير غير المادية، بأن يحدد تحركات الجسد المادي [3].

نظرية هوية العقل في الفلسفة

من جهة أخرى، ترى نظرية هوية العقل أن العقل هو شيء مادي. ويشرح هذا الاتجاه أن حالات العقل وعملياته هي متطابقة تماماً مع حالات الدماغ وعملياته. والدماغ هو مادة باعتباره عضواً من الجسم البشري. فمثلاً عندما نشعر بالألم، أو نرى شيئاً، أو نتخيل شيئاً، تفسر نظرية هوية العقل أن هذه التجارب التي نعيشها في عقلنا ليست مرتبطة بالدماغ مجرد ارتباط، بل هي عمليات تحصل في الدماغ فعلاً. وتدعي هذه النظرية أن كل الظواهر العقلية تقابلها حالات جسدية. فالشعور بالألم مثلاً، أو الإحساس بالمحبة لشيء ما أو الكره لشيء آخر، يقابله تحفيز لإحدى الألياف العصبية [5].

لكن تواجه نظرية طبيعة العقل تساؤلات من منظور “التحقيقية المتعددة” (Multiple realisability). حيث تطرح فكرة إمكانية تجسيد الحالات العقلية بأكثر من حالة جسدية. كما أنه يمكن للأحياء الأخرى أن تعيش نفس الحالات الجسدية من دون وجود حالات عقلية تشبه تلك الموجودة لدى البشر. فالأحياء تشعر بالألم مثلاً، ولكن أدمغتها ليست كأدمغة البشر، ولا تعيش الحالات العقلية نفسها التي تسبب لدى البشر تحفيز شعور الألم. أي أن هذا الشعور الممثل لحالة عقلية معينة، يتفسر جسدياً بأكثر من طريقة لدى أكثر من كائن. وهذا يتحدى فكرة ارتباط حالة عقلية بحالة جسدية مقابلة لها كما تطرحها نظرية هوية العقل [3] [6].

الوظائفية

وأخيراً، ترى الوظائفية أن الظواهر العقلية لا تُعرَّف بمادتها ومكوناتها. بل هي عبارة عن الوظائف التي تؤديها والدور الذي تلعبه في المنظومة التي تشكل جزءاً منها. وفق هذا، يفسَّر الألم على أنه الحالة التي تخلق شعوراً بوجود شيء ليس على ما يرام في الجسد. وهذا يؤدي إلى رغبة بالخروج من هذه الحالة. حيث أنه يمكن لكل المخلوقات أن تشعر بالألم وتعيش تلك الحالة العقلية إذا أدت لديها نفس الوظيفة. أي إذا خلقت لديها الرغبة بالخروج من هذه الحالة [7].

مقارنة العقل بجهاز الحاسوب

مهدت الوظائفية الطريق لمقارنة العقل بجهاز الحاسوب من ناحية عمله. فالحاسوب هو جهاز لمعالجة المعلومات. يعمل عن طريق تلقي نوع معين من المعلومات (كدفعة كهربائية ناتجة عن ضغط زر معين)، ثم يحولها إلى معلومة من نوع آخر (ظهور حرف معين على الشاشة). ومثله العقل الذي يأخذ المعلومات من الحواس والحالات العقلية التي نعيشها، ثم يعالجها، ويخرج بسلوكيات أو حالات عقلية أخرى.

ولكن تواجه هذه المقارنة بعض التحديات. إذ تعمل الحواسيب على معالجة رموز محددة تتلقاها. وللرمز جانبان مترابطان، هما الجانب البنيوي (syntactic) والجانب المعنوي (semantic). مثلاً، يمكن ربط رمز معين – ولنقل المربع – ببدء نشاط معين – وليكن الرسم. يتمثل الجانب البنيوي بشكل الرمز (أربعة أضلاع وأربع زوايا قائمة). في حين يمثل بدء الرسم الجانب المعنوي المرتبط بالرمز. عند برمجة جهاز حاسوب على هذا، سيبدأ بالرسم فور إدخال رمز المربع. وبنفس الطريقة، عند تعريف العلاقة بين المربع والرسم للعقل، سيقوم بربطهما وبإعطاء الأوامر لبدء الرسم فور رؤية المربع. ولكن الفرق هنا، والذي يمثل تحدياً أو تساؤلاً لتشبيه الحاسوب بالعقل، هو أن الحاسوب يعمل فقط على الجانب البنيوي للمعلومة أو الرمز الذي يعطى له. فهو مبرمج على إعطاء مخرج معين عند إعطائه مدخلاً ما، ولكنه لا يفهم الجانب المعنوي للرمز. ولا يعمل وفقاً لمعناه. بل يركز فقط على شكله [3].

إذاً، تمثل طبيعة العقل موضوعاً شائكاً في الفلسفة أدى إلى ظهور فلسفة العقل المختصة بهذا السياق. ولا يمكن القول بأنه يوجد اتفاق على طبيعة العقل وعلاقته بالجسد. بل توجد عدة اتجاهات ترى هذا الموضوع من منظار معين لكل منها. وبنفس الوقت، تواجه كل منها تحديات وتساؤلات تؤدي إلى الخروج باتجاهات أخرى.

اقرأ أيضاً: كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

المصادر:

الفيلسوف أناكساغوراس ومفهوم ناوس

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة مدخل إلى فلسفة ما قبل سقراط

الفيلسوف أناكساغوراس ومفهوم ناوس

اعتدنا أن ننسب المغامرات الفلسفية الأولى إلى أثينا. بالكاد نعرف شيئا عن المدن الإغريقية الأخرى التي أعطت للتفلسف حيزًا. حسب التاريخ المتفق عليه، لم تعرف أثينا الفلسفة قط قبل أن يدخلها معه أناكساغوراس بدعوة من حاكم أثينا بيريكليز. لا تتميز فلسفة أناكساغوراس بوجود نسق أصيل كما هي الحال مع هيراكليتس ولا هي بفيض شعري كما هي عند أمبادوكليس. ما يمنح فلسفت أناكساغوراس بعض الجاذبية هو مفهوم ناوس (Nous) التي حاول من خلالها أن يسد الصدع الموجودة في الأنطولوجيا القديمة. في هذا المقال سنلقي الضوء على مفهوم ناوس عند أناكساغوراس.

حياة أناكساغوراس

ولد أناكساغوراس في كلازومينيا حوالي عام 500.ق.م. كان من أسرة نبيلة ويملك ثروة طائلة، إلا أنه تخلى عن الثروة سعيًا نحو العلم والفلسفة [1]. كان له علاقة مع الوسط الأثني السياسي والأدبي، فدعاه القيادي والسياسي الأثني بريكليس إلى أثينا لتتحول إلى مركز التفلسف العالمي. ظل في أثينا ثلاثة عقود، لكن الصراع السياسي عصرئذ لم يكن لصالحه، فتم اتهامه بالإلحاد لقوله بأن الشمس والنجوم صخور ملتهبة وأن القمر كوكب. بسبب تلك التهم دخل السجن، وكان سيكون مصيره مصير سقراط لولا تدخل بريكليس الذي ساعده ليهرب من السجن. بعد النفي استقر في لامباسكوس ومات هناك وهو في الثانية والسبعين من العمر[2].

نشر أناكساغوراس كتابه (حول الطبيعة) في سن متأخر، كما أسس مدرسة فلسفية في أواخر حياته.

البداية

كما كانت الحال مع الفلاسفة الذين سبقوه، قال أناكساغوراس بعالم قديم، لكنه اختلف معهم في تفاصيل جوهرية. العالم الذي يراه أناكساغوراس عالم ميكانيكي آلي، فهو لا يؤمن بصراع الأضداد مثل هيراكليتس ولا حركة الأبيرون كما أناكسيماندر. في البدء كل أنواع المادة كانت مختلطة في كتلة سديمية، وهذه الكتلة تمتد إلى ما لا نهاية عبر المكان والأنواع المختلفة للمادة، تختلط وتنفذ كل منها في أخرى [3].

هذه البادية كانت هلامية، حيث لم تكن هناك هوية للموجود، كل الأشياء كانت موجودة وغير موجودة في نفس الوقت. يصف تلك البداية بقوله: “كانت جميع الأشياء معًا لا نهاية لها في العدد والصغر، لأن الصغر أيضًا لا نهائي، لما كانت جميع الأشياء معًا فلم يكن ممكنًا لصغرها تمييز أي شيء منها[4].الفيلسوف طاليس وبداية القول الفلسفي

العقل عند أناكساغوراس

مفهوم العقل-ناوس فيه الكثير من اللبس، ذلك لأنه يوحي بأكثر من معنى، يأتي العقل أحيانًا بمعنى لاهوتي وأحيان أخرى بمعنى طبيعي. في الفلسفة الإغريقية بشكل عام لم يتم تحديد المقصد من العقل بدقة. عند أناكساغوراس، وضع العقل في موقع حرج من الأنطولوجيا الكونية، ما أدى إلى اختلافات تأويلية قديمًا وحديثًا حول جوهرة فلسفته –ناوس.

دور العقل

يبدو أن الكون كان حائرًا قبل أن يكون هناك عقل، كان يتخبط في نفسه دون دليل أو منظم إلى أن جاء العقل. العقل هو العامل المسؤول عن دوران وفصل الخليط البدائي [السديم]، وهو الذي أحدث الحركة البدائية (أنس). حول دور العقل لأناكساغوراس رأيين مختلفين، فتارة يختزل دوره في الحركة الأولى. فيقول، “في البداية كان هناك خليط سديمي من الأنواع المختلفة للمادة، والعقل ادخل دوامة في نقطة وسط هذه الكتلة”[5]. وتارة أخرى يبين أن العقل يذهب في ترتيب تفاصيل العالم.

طبيعة العقل

هذه الطبيعة غير محددة تمامًا وإن وصف أناكساغوراس لا يخلو من اللبس، غير أن ثمة سمات عامة للعقل في فلسفته[6] وهي:

  • العقل بسيط وغير مركب.
  • متميز عن المادة.
  • لا نهائي وأبدي.

البذور واستحالة الموت والولادة وفق أناكساغوراس

يجد أناكساغوراس في مسألتي الولادة والموت مشكلة فلسفية حقيقية. عندما نقول بالولادة فأننا نشير إلى أن شيء ما دخل إلينا من اللاوجود وفكرة الموت تعني المرور إلى اللاوجود. لأنه لا وجود للاوجود فالولادة غير ممكنة وليس ثمة أفق في اللاوجود ليكون هناك فناء أو موت لينتقل الموجودات إليه. يعلق على المسألة قائلًا: “يخطئ الإغريق بقولهم أن الأشياء تظهر إلى الوجود ثم تختفي. لا شيء يظهر أو يختفي عن الوجود، هناك إنفصال وامتزاج لما هو موجود وحسب”[3].

البذور

إذن، من أين تأتي هذه الأشياء الموجودة كلها؟ هل تأتي من العدم أم أنها نتجت من أشياء أخرى؟ للإجابة عن هذا السؤال يقتضي علينا العودة إلى السديم أو الحساء الأولي. هناك مبدأ رئيس في فلسفة أناكساغوراس، كل شيء موجود في كل شيء، يدل المبدأ هذا أن الأشياء موجدة منذ الأزل. لكن كيف كانت تلك الكينونة؟

الوجود –وفقًا لأناكساغوراس – لا يأتي من اللا وجود، بل كل ما هو موجود كائن منذ الأزل على صورة بذور. هذه البذور لا نهائية من حيث الكمية، لكنها تختلف في أشكالها وألوانها ومذاقها وبالتالي فهي لا تتشابه. كل الأشياء كانت توجود في الكل معًا ممتزجةً[6].

وفقًا للمبدأ المذكور فإن الأشياء غير نقية تمامًا، لا توجد مجاميع منفصلة للبذور، بل هي تتجاور، وتتجاوز تخومها المفترضة أيضا لتكون مضمرة في غيرها. يستقل الشيء عن السديم من خلال انفصال عناصره عن الكتلة السديمية بواسطة الوامة الموجودة للأبد.

الحجة الغائية عند أناكساغوراس

هنا نتساءل، لماذا احتاج أناكساغوراس إلى إدخال العقل في معادلة الخلق؟ لماذا لم يكتفي مثل سابقيه بفكرة البذور والسديم؟ هنا تبرز الثنائية التي ستكتسح الفلسفة بلا هوادة، ثنائية المادة والعقل. ما دفعه إلى هذا القول هو أنه رفض قدرة المادة وحدها على خلق عالم متسق ومتماسك وجميل. لم يجد في المادة ما يساعدها على أن تتحرر من المادة نفسها لتكوين كيان متسق وجميل؛ فجاء بالعقل كعنصر متميز ومفكر يمكنه أن يقود إلى خلق حسن.

مكانة أناكساغوراس في الفلسفة

الفيلسوف الذي وهب الفلسفة لأثينا، يعيد ترتيب حسابات الفلسفة الكونية والأنطولوجية والمعرفية. جاءت فلسفته ردًا على النزعة المادية في الفلسفة، ركز سابقوه على العنصر أو العناصر القصوى التي يتشكل منها العالم. بيد أن أناكساغوراس لم يرد أن يتمسك بعنصر ما لتفسير الكثرة الماثلة في العالم. مضى قدمًا نحو تخوم أكثر حرية ورعبًا، العقل-ناوس، هذا المفهوم هو الحجر الأساس في فلسفته. العقل هو الذي حرر الأشياء من الكتلة السديمية البدائية واعطاها هوية.

المصادر:

  1. ولتر ستيس, تاريخ الفلسفة اليونانية, ترجمة مجاهد عبدالمنعم, دار الثقافة, ص87.
  2. https://www.britannica.com/biography/Anaxagoras
  3. https://plato.stanford.edu/entries/anaxagoras/
  4. عزت قرني, الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون, ص71.
  5. ولتر ستيس, مصدر سابق, ص93.
  6. https://iep.utm.edu/anaxagor/

7 فوائد لممارسة الرياضة على العقل والذاكرة والتركيز

7 فوائد لممارسة الرياضة على العقل والذاكرة والتركيز

أثبتت العديد من الدراسات أن أجزاء الدماغ التي تتحكم في التفكير والذاكرة وهما (قشرة الفص الجبهي prefrontal cortex والقشرة الصدغية الوسطى medial temporal cortex والحصين) تكون بحجم أكبر لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة لذا سنوضح لكم 7 فوائد لممارسة الرياضة على العقل والذاكرة والتركيز.

تساعد ممارسة الرياضة الذاكرة والتفكير بشكل مباشر: عن طريق تقليل مقاومة الأنسولين وتقليل الالتهابات العامة بالجسم وتحفيز إطلاق عوامل النمو، وبشكل غير مباشر: عن طريق تحسين الحالة المزاجية والنوم وتقليل التوتر والقلق. فغالبًا ما تسبب المشكلات في هذه المناطق ضعفًا إدراكيًا بالدماغ أو تساهم فيه.[1]

فوائد ممارسة الرياضة على العقل

1- تحسين الدورة الدموية وتدفق الدم للمخ:

مع زيادة معدل ضربات القلب أثناء التمرين، يزداد تدفق الدم إلى الدماغ، وعند زيادة تدفق الدم له يتلقي دماغك مزيد من الأكسجين والمواد المغذية التي تزيد من نشاطه.
وقد ثبت علميًا أن كلاً من التمارين الهوائية وتمارين المقاومة تؤدي إلى زيادة عوامل النمو التي لها تأثيرإيجابي على الدماغ أثناء النمو في البالغين وعليها فإنها تقي من تعرضك للإصابة من الأمراض الدماغية مثل الألزهايمر أو الخرف. [2]

2- تحسن عمل الإشارات العصبية الموجودة بين الخلايا العصبية:

يحفز التمرين إطلاق البروتينات المفيدة من الجسم. وتحافظ هذه البروتينات المغذية على صحة الخلايا العصبية وتعزز نمو الخلايا الجديدة. الخلايا العصبية هي ” لبنات بناء الدماغ”، وتعد صحة الخلايا العصبية مهمة لصحة الدماغ بشكل عام. فعندما ينطلق هذه البروتينات تعزز عمل المواد الكيميائية الموجودة بين الخلايا العصبية فتزيد من عمل الإشارات العصبية.

3- الرياضة ومرونة الدماغ

مرونة الدماغ هي قدرة الدماغ على التكيف مع الظروف المحيطة باستمرار وتحسنها يأتي نتيجة لقدرة الخلايا العصبية على تعديل وتكوين اتصالات بين بعضها البعض استجابة للمؤثرات والحوافز الخارجية أو الداخلية.

يمكن أن تؤثر ممارسة الرياضة على تحسن مرونة الدماغ لدى الشباب وكبار السن عموماً وبعد الأمراض العصبية مثل مرض الشلل الرعاش parkinson’s disease أو بعد تليف الدماغ وأثبتت التجارب أن ممارسة الرياضة والتمرين البدني ينتج عنها معدل جيني قوي يؤدي إلى تغيرات وظيفية وهيكلية في المخ من أجل تحسين الوظيفة الإدراكية والمزاج العام للشخص. [3]

4- تساعدك ممارسة الرياضة على الإنتباه والتركيز

اشتهر في الماضي، أن الخلايا العصبية الجديدة لا يمكن أن تتجدد عند البالغين بدلاً من الخلايا التالفة.

لكن بدراسات في 1960 أكدت بياناتها أنه في جميع الثدييات التي تم تحليلها، يمكن تكوين خلايا عصبية جديدة بمنطقة الحصين- hippocampus وهذه النتائج مهمة للغاية لأن الحصين هو المركز الأساسي لتكوين أنواع معينة من الذاكرة مثل الذاكرة العرضية والذاكرة المكانية [2] وزيادة الخلايا الجديدة بالحصين تؤدي إلى زيادة حجم الحصين.

نتيجة لذلك يزداد تركيزك وإنتباهك بحياتك اليومية كلما مارست الرياضة.

5- تحسن قدرتك على النوم بشكل صحي

يمكن أن يساعدك التمرين في الحفاظ على مزاجك، والاسترخاء في وقت النوم وإنشاء دورة نوم واستيقاظ صحية (الساعة البيولوجية) ومنها الذهاب إلى النوم العميق والإبتعاد عن الأرق، الأشخاص الذين يمارسون الرياضة أكثر يميلون إلى الحصول على مزيد من النوم “العميق” الذي يساعد على تنشيط عقلك وجسمك. [4]

6- تحسن ممارسة الرياضة من مزاجك العام وتقلل التوترعن طريق:

عند ممارسة الرياضة يفرز جسمك مواد كيميائية مثل الدوبامين ( dopamin) والإندورفين (endorphins) وهي المواد التي تجعلك تشعر بالسعادة والفرح ولا يقتصر دور التمرين على هذا وحسب بل إن ممارسة الرياضة قد تساعد عقلك في التخلص من المواد الكيميائية التي تجعلك تشعر بالغضب والتوتر، أيضًا يساعدك في التحكم في عواطفك عندما تشعر بالغضب أو الانزعاج وتقليل الاكتئاب والقلق وتعمل التمارين الهوائية على تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق بشكل جيد عن طريق افراز مواد كيميائية مثل الدوبامين، وقد يقترحها بعض الأطباء كعلاج للإكتئاب والقلق المزمن نتيجة لفوائدها على الجهاز العصبي والمخ.

يمكن أن يكون آلية عمل ذلك أن ممارسة الرياضة تبطئ تلف خلايا الدماغ وانهيارها وتعمل على تكوين خلايا عصبية جديدة كما قلنا بالسابق. قد يستغرق الأمر عدة أشهر للحصول على الفائدة الكاملة لذا اعتد على أن تكون نشطًا ولا تمل سريعاً من ممارسة الرياضة. [3,4,5]

7- ممارسة الرياضة لتحسين الذاكرة

ما نوع الرياضة التي تحسن الذاكرة؟

لم تثبت الدراسات أن ممارسة الرياضة بشكل واحد محدد أفضل من الآخرى؛ حيث أن الرياضة بجيع أشكالها سواء هوائية أو تقوية أو جري أو حتى المشي تساهم بشكل أو بآخر في تقوية الذاكرة لذا ننصحك بممارسة رياضة المشي لمدة نصف ساعة يوميًا.

ما مقدار الوقت المطلوب في التمرين لتقوية الذاكرة؟

من 120 إلى 150 دقيقة بالأسبوع من التمارين متوسطة الشدة أو المشي كافية لتقوية الذاكرة وإن كنت مما لا يفضلون المشي فيوجد تمارين أخرى متوسطة الشدة، مثل السباحة أو صعود الدرج أو التنس أو الاسكواش أو الرقص.

وهنا بعض الوقت المخصص لكل فئة عمرية التي ينصح بها المتخصصين في ممارسة الرياضة:

– الأطفال (6-17 عامًا): يجب عليهم ممارسة 60 دقيقة أو أكثر يوميًا من النشاط البدني المعتدل، ومعظمها يجب أن يكون هوائيًا، مع نشاط قوي لمدة 3 أيام على الأقل في الأسبوع.

– البالغون (18 فيما فوق): يجب أن يتمرن البالغون أكثر وأن يمارسوا ما لا يقل عن 150-300 دقيقة من التمارين متوسط ​​الشدة، أو 75-150 دقيقة التمرينات الهوائية أسبوعيا وتمارين المقاومة القوية على الأقل يومين في الأسبوع.

– كبار السن يجب عليهم القيام بأكبر قدر ممكن من الأنشطة الهوائية وتقوية العضلات ، عل حسب ظروفهم الصحية الفردية. [5]

المصادر:
1- harvard
2-webmed
3-PMC
4-positivepsychology
5- APA

أقرأ أيضًا: قواعد ممارسة الرياضة والجري

كيف يؤثر القلب على إدراكنا للعالم الخارجي؟

كيف يؤثر القلب على إدراكنا للعالم الخارجي؟

يُنظر دومًا للعقل على أنَّه المركز المتحكم في كل شيء تقريبًا. الدماغ هو القائد الذي يؤثر بشكل واسع وجلي في كل اللاعبين-لا شك في هذا- ويتأثر بشكل كبير بالكثير من المثيرات الداخلية المُرسَلة من الأعضاء الأخرى بشكل مستمر دون أن نشعر بها في نطاق وعينا. رغم ذلك فقد وُجِدَ أنَّ هذه العمليات الحيوية-كضربات القلب- تقوم بأكثر مما نعرفه عن تنبيهها العقلَ لاحتياجات الجسم الآنية، فهي تؤثِّر على إدراكه ووعيه بالعالم من حولنا بشكلٍ جذري(1).

العقل يؤثِّر على ضربات القلب بالزيادة والنقصان حسبما تقتضي الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بنا، أنتَ تعرف هذا عندما تركض متأخرًا عن موعدك أو تشاهد فيلمَ رعبٍ في ذروتِه. لكنَّ المثير للاهتمام هو أنَّ العكس يحدث الآن وأنت تقرأ هذه السطور، ودائمًا ما كان يحدث دون أن تشعر. منذ ثلاثينيات القرن الماضي لاحظ العلماء انخفاض الشعور بالألم أثناء انقباض القلب، وتوالت البحوث بعدها مفسرة ذلك بإرسال مستقبلات الضغط في نسيج القلب بإشارات لمناطق مثبطة بالدماغ، وهكذا بتنا نعرف أن هناك تأثير من القلب وإن ظلت الطريقة التي يتبعها في ذلك غير واضحة(2).

كان هذا حتى توصَّل علماء من«معهد ماكس بلانك للإدراك البشري وعلوم الدماغ-Max Blank Institute for Human Cognitive and Brain Sciences» و«مدرسة برلين لعلوم العقل والدماغ-Berlin School of Mind and Brain» إلى آليتين يؤثِّر بهما القلب على العقل(1).

أُجريَت الدراسة عن طريق إرسال نبضات كهربية ضعيفة خلال أقطاب معلقة بأصابع المشاركين، وتسجيل نشاط الدماغ باستخدام «التخطيط الكهربائي للدماغ-EEG» ، وقياس نشاط القلب باستخدام «التخطيط الكهربائي للقلب-EKG».

1. تأثير التوقيت خلال الدورة القلبية على إدراك العالم الخارجي

تؤسس الآلية الأولى للعلاقة بين مراحل نبض القلب والإدراك الواعي، حيث يعمل القلب على ضخ الدم مارًا بما يعرف ب«الدورة القلبية-Cardiac Cycle» ،وهي تشير إلى طورين متعاقبين: «انقباض-Systole» و«استرخاء-Diastole»، وقد وجد العلماء أنه في أثناء الانقباض فإن معدل اكتشاف وتحديد أماكن المثيرات الحسية- وهي نبضات كهربية خفيفة على سطح الجلد في هذه الحالة- ينخفض، وذلك بالتزامن مع انخفاض النشاط الكهربائي المرتبط بالإدراك الواعي للمثيرات الحسية بالدماغ. لدغة بعوضة، لمسة يد، قطرة مطر. كلها مثيرات حسيَّة لحظية الحدوث تستقبلها مستشعرات على سطح الجلد لتسري بذلك إشارة خلال الأعصاب الحسيَّة إلى مراكز المعالجة بالدماغ، ومنها إلى الفص الجبهي حيث يتكون وعينا وادراكنا بما حدث للتو.

هنا يبدو أن العقل يمنع إشارات حسية من الوصول للوعي خلال فترة الانقبا، لكن العقل هنا يتعامل مع التغيرات المصاحبة لانقباض القلب واندفاع الدم خلال الجسم على أنها غير حقيقية، فلا أحد يود أن يشعر بنبض قلبه كل نبضة على حدى، ودفق الدم إلى أطرافه دفقة تلو الأخرى. فلا مانع إذاً من تفويت إشارات حسية طفيفة -وإن كانت حقيقية- عند تزامنها مع انقباض القلب. الأمر يشبه إلغاء مباراة بسبب الشغب -رغم وجود جماهير ملتزمة في المدرجات- حيث لا يمكنك التمييز بين من سبَّبَ الشغب ومن ذهب للتشجيع فحسب.

2. تأثير ضربات القلب على المعالجة الحسية

كما أخبرتك، فإن تأثير الآلية الأولى يكون على مستوى الوعي فحسب، أي الخطوة النهائية الملموسة التي ندركها، أمَّا الآلية الثانية فتؤثِّر على ما دون مستوى الوعي، فهي تؤثر في معالجة البيانات القادمة من البيئة. وجد العلماء أنَّ الأشخاص ذوِي الاستجابات الدماغية الكهربية الأعلَى لضربات القلب-أي الذين تنشغل عقولهم ببيانات ضربات القلب القادمة من بيئة الجسم الداخلية بشكل أكثر من غيرهم- تكون معالجة الإشارات الحسية لديهم أضعف، وبالتالي يكون إدراكهم الواعي لها أقل. من جديد الإشارات الداخلية على حساب البيئة الخارجية.

3. تأثيرات مشابهة على مناطق أخرى

لا يقتصر الأمر في الدماغ على الإدراك الحسي فحسب، فثمة تأثيرات مماثلة على الإشارات السمعية والبصرية اكتشفت منذ سبعينيات القرن الماضي(2)، حيث تزداد الاستجابة العصبية لهذه الإشارات أثناء انبساط القلب، وتقل أثناء انقباضِه. كما وجدت دراسة أخرى أنَ حركة العين السريعة تزداد أثناء الانقباض، بينما نثبت بصرَنا بشكل أكثر تكرارا أثناء الانبساط، وكأنَ دماغنا يخدعنا بحالة من العمى اللحظي كيلا نرى الأشياء من حولنا وكأنها تقفز. ثمَة تأثير آخر لانقباض القلب على الشعور بالخوف، ولكن على عكس التأثيرات السابقة، فإن منطقة «اللَّوْزَة-Amygdala» المسئولة عن الشعورِ بالخوف تكون أكثر نشاطا أثناء الانقباض. إنها طريقة أخري يتكيف بها العقل مع تزايد ضربات القلب عند الشعور بالخوف، فحينها لا يهم الشعور بالمثيرات الخارجية التي تشوش على الموقف، ولكن في نفس الوقت يجب أن تكون في حالة تيقُظ وقلق إن أردت أن تنجو(2).

الخطوات المترتبة على هذا الاكتشاف

تفتح الأبحاث الحالية المجال لفهم أوسع للعلاقة بين السكتات الدماغية والإصابة بمشكلات قلبية بعدها، أو حدوث خلل في الوظائف الإدراكية لدى مرضى القلب(3). كما تسهم في علاج مرضى الرُهاب متلازمة إجهاد ما بعد الصدمة عن طريق استثارة العقل بالمثيرات المسببة للحالة في أوقات معينة من الدورة القلبية(2).

لطالما نُظِرَ إلى العقل على أنَّه مركز التحكُّم الأوحد في كل ما ندركه ونَعِيهِ عن عالمنا الخارجي، وأنَّ الطريق بين القلب والعقل لا يحتمل سوى اتجاهٍ واحدٍ. لكنَّك الآن بتَّ تعرف شيئًا جديدًا عندما تتابع ضربات قلبك على ساعتك الذكية -إن كانت لديك واحدة-.تعرف أن هذه الضربات لطالما أثرت في إدراكك لما حولك بطرقٍ غير متوقعةٍ، ودُونَ أن تدري.

المصادر

  1. PNAS
  2. mpg
  3. Quanta Magazine

اقرأ أيضاً: اللحوم الحمراء واللحوم المصنّعة تسبب أمراض القلب!

كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

 

اهلا بكَ عزيزي القاريء بين سطور مقالنا هذا، وكنوع من حسن الضيافة اسمح لنا عزيزي بطرح سؤال صغير عليك، الأ وهو كيف وصلت إلى مقالنا أو بعبارة أخرى كيف وجهت أصبعك للضغط على رابط المقال؟ لا بد أنك تقول بالتفكير بذلك، بعدها تحرك أصبعك بالكيفية التي أردتها. لنضعها في سياق آخر، ونقول أن دماغك سينشط خلايا عصبية في تسلسل صحيح ليتحرك بذلك أصبع يدك ، لكن كيف تخبر دماغك بفعل ذلك؟ كيف تتواصل مع دماغك؟ معضلة العقل والجسم

 

معضلة العقل والجسم

هناك فجوة غير قابلة للعبور بين تجربة العقل وشكل الجسد الفيزيائي، وتعد معضلة الجسم والعقل «The mind body problem» معضلة قديمة قِدم الفيلسوف سقراط وحتى نكون واضحين، نحن لسنا أقرب منه في حل هذه المعضلة، لكن لدينا عدد من الأفكار الجيدة التي تناقش هذه القضية، نطرح عليك عزيزنا جزءا منها.

 

الثنائية

ترى الثنائية أن الوعي والفيزياء الجسدية كيانان منفصلان تماماً، فالحالة العقلية لا تتشابه مع عمل الدماغ، تخيل أنك تمتلك قدرة بصرية خارقة تستطيع اختراق جمجة احدهم والوصول للدماغ، ربما تستطيع رؤية السيالات العصبية لكنك لا تستطيع القول أنك تشاهد الوعي الخاص بهذا الشخص.
الوعي مختلف عن الحالة الفيزيائية للدماغ حتى لو بدا الأمران متقاربان، تتفرع الثنائية إلى عدة أفرع لكل منها تفسيره، نذكر منها:

ثنائية المادة

العقل والروح والوعي كلها أمور منفصلة تتفاعل فقط مع العالم الفيزيائي من خلال الدماغ.

ثنائية الخاصية

بعض أنواع المادة كالدماغ تملك نوعين من الخصائص، الخاصية الفيزيائية والخاصية اللافيزيائية.

الظاهراتية المصاحبة

المادة الفيزيائية تستطيع فقط أن تتفاعل مع المادة الفيزيائية، لذلك العقل اللافيزيائي لا يستطيع أن يحدث أي تغيير في الدماغ، وحدها السيالات العصبية هي من تحرك الدماغ وتتحرك لانها مربوطة بالقوانين الفيزيائية.
المادة اللافيزيائية أو المادة الناشئة منها تؤثر على جانب من عمل الدماغ حتى لو لم يكن لها تأثير حقيقي على العالم.

التوازي

العالم الفيزيائي واللافيزيائي لا يتفاعلان لكنهما يسيران بشكل متواز، أي حدث يتطابق بالضبط مع الحدث الذي يليه.

 

الوحدوية

مبدأ ينافس الثنائية، بدلاً من القول بوجود نوعين من الأشياء، تنص على ان هناك نوع واحد من المادة في الكون وهي الحالة الفيزيائية، وكما هو حال الثنائية تنقسم الوحدوية إلى عدة أقسام لكل منها تفسيره، نذكر منها:

المادية

هناك نوع واحد من الأشياء في الكون وهي مصنوعة من الذرات والجسيمات التحت ذرية، أما أمالنا ومشاعرنا فهي ناتجة عن «المدخلات الحسية-Sensory inputs»

المثالية

ليس هناك شيء يسمى المادة الفيزيائية، العقل الواعي اللافيزيائي هو الوحيد الموجود.

الوحدوية الطبيعية

ماذا لو كان هناك نوع واحد من المادة وهي ليست بفيزيائية أو لافيزيائي؟ هل من الممكن وجود شيء واحد يجمع بينهما، حاول أن تفكر في الهيئة الفيزيائية واللافيزيائية للأشياء كجهتين لعملة واحدة.

الوحدوية المعاكسة

هناك نوع واحد من المادة وهي ليست بفيزيائية أو لافيزيائية لكنها تعتمد على ما يحيط بها.

 

في الواقع كلا الفكرتين الثنائية أو الوحدوية غير قادرة على تفسير ما نخبره في العالم يومياً، لكن النقطة هنا هي ضرورة توسيع عقولنا ومداركنا وتقبل إحتمالية وجود عدد كبير من الإجابات للسؤال الذي لازم البشر منذ القدم.

 

Curiosity

Exit mobile version