أهمية الذاكرة في عملية التعلم

يعتمد التعلم بشكل أساسي على استرجاع المعلومات والبيانات والخبرات التي -تم تخزينها مسبقًا- من الذاكرة، إذن الذاكرة هي لُب موضوع التعلم، فما أهمية الذاكرة في عملية التعلم؟ وإلى أي مدى يعتمد التعلم على الذاكرة؟ وما هي أبرز العوامل التي يمكنها أن تحفز الذاكرة؟ وكيف يمكن استغلال أبسط المهارات والعادات الخاصة بك في القيام بذلك؟

تخيل طفلًا يحاول ربط حذائه لأول مرة، إدًا فذاكرة هذا الطفل تخلو من أي خبرة أو معلومة مسبقة عن ربط الحذاء. يحتاج هذا الطفل إلى مشاهدة كيفية ربط الحذاء مرات، مستمعًا إلى تعليمات تساعده على المعرفة أحيانًا! يلجأ للتقليد تارةً. يستمر الطفل في محاولاته مرات ومرات مع إحراز التقدم البسيط في كل مرة.

إن كل ما يحتاجه الطفل هو التدريب وتنويع أساليب التحصيل. فهذا الجهد الذي قام به الطفل يسمى بالتعلم. وفي نهاية المطاف عندما يتوصل الطفل أخيرًا إلى ربط حذائه بسرعة، مسترجعًا ما تلقى من مهارات ومعلومات، يتجلى هنا دور الذاكرة، حيث استرجاع المعلومات بالترتيب التسلسلي.

إذًا فالذاكرة والتعلم وجهان لعملة واحدة، فالذاكرة هي السر الكامن وراء عملية التعلم، فيشير الأخير إلى عملية اكتساب المهارات والخبرات، بينما تنطوي الذاكرة على التعبير عما تعلمته. لكن لماذا نجد على المستوى المدرسي مكافحة الطلاب قبل الامتحان من أجل تذكر المعلومات التي تعرضوا إليها قبل أسابيع قليلة، على الرغم من شعورهم بالثقةِ الكاملة في فهمها حين تلقوها لأول مرة؟ إذًا ماذا حدث؟ ولِمَ لمْ تستقر تلك المعلومات فترة أطول؟

دعنا نُجِيبُك بنتيجة دراسة أشارت إلى أن الناس ينسون قُرابة ٨٠٪ مما يتعلمونه بعد مرور يومٍ واحد فقط! إذا لم يعتمدوا أساليبًا وعاداتٍ مختلفة للدراسة، والتي تساعد الذاكرة على تحويل المعلومات التي استقرت في الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة والنوم.

النوم هوأبرز العوامل والعادات التي تدعم الذاكرة، وتعمل على تعززيها. فعلى الرغم من أن فترة الاستيقاظ هي أفضل وقت للتعلم؛ إلا أن النوم يوفر الظروف المثلى لمعالجة المعلومات الخارجية بشكل كبير، وبالتالي يساعد في عملية التعلم. لكن كيف تعزز حالة النوم الخاصة بك؟

يمكنك اعتبار النوم عادة كأي عادة يمكن أن تتطور وينالها التحسين إذا توافرت لها الظروف المساعدة لذلك مثل:

  • الحرص على الحصول على عدد ساعات النوم اللازمة، على الرغم من إختلاف هذا المُعدل من شخص لآخر، إلا أن عدد ساعات النوم المُثلى للأشخاص البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٦٤ عامًا هي بين ٧ و ٩ ساعات من النوم المتواصل والمنتظم أسبوعيًا، وذلك حسب منظمة النوم الوطنية الأمريكية Sleep Foundation –
  • تجنب تناول الكحول، الكافيين، التبغ والوجبات الغير صحية خصوصًا في المساء.
  • تقليل التعرض للضوء الأزرق الناتج عن الأجهزة الإلكترونية كالهاتف والكمبيوتر المحمول.
  • احرص على أن تكون بيئة النوم الخاصة بك باردة، خالية من مصادر الضوضاء وكل ما يتعلق بالعمل أو الترفيه.
  • يمكنك اللجوء إلى الغفوة القصيرة، فإذا شعرت بأن طاقتك وقدرتك على التركيز بدأت في الانخفاض أثناء وقت التعلم؛ يمكنك أخذُ قسطًا من الراحة تحديدًا غفوة قصيرة، بشرط ألا تزيد عن ٢٥ دقيقة ولا تقل عن ١٠ دقائق. حتى تستطيع النيلُ من  بعض فوائدها مثل تهيئة الذاكرة قصيرة المدى لاستقبال المعلومات وربط بعضها البعض.

الخرائط الذهنية – Mind Mapping

غالبًا ما تنتشر مشكلة أخرى لدى الطلاب، ألا وهي خلط المعلومات وصعوبة تنظيم وتحليل وتقييم الأفكار. هنا يمكن للخرائط الذهنية أن تصبح حلاً بسيطًا وممتعًا. فما هي الخرائط الذهنية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تساعد في استرجاع المعلومات والأفكار؟

الخرائط الذهنية هي أداة الدماغ التي يمكن من خلالها أن يحتفظ بالمعلومات وربط الحديث منها بالقديم. ويمكنك القول بأنها كائنات تستطيع أن  تصممها بنفسك، فمن الممكن أن تأخذ أشكالاً متعددة لذا فهي مرنة تساعد المتعلم على التفكير، التذكر، خلق والانتقال بين العناصر والأفكار بسهولة، وتتميز الخرائط الذهنية بأنها :

  • بسيطة، مرنة مما يجعلها تساعد على توضيح الاختلافات بسهولة.
  • يمكن العمل بها في كل المراحل التعليمة، حتى المبكرة منها، فهي تصلح لأي محتوى دراسي.
  • تضع أمام أعين المتعلم ما تعلمه حقًا وما هو بحاجة إلى إعادة المراجعة، فتسمح للتعديل بسهولة.
  • التدرج في وصف وتحليل المعلومات بالأسلوب المناسب للطالب.

أما عن بعض فوائد الخرائط الذهنية فهي:

  • تعمل على تعزيز قدرات المتعلم في توليد الأفكار، وجمعها وترتيبها، وبالتالي سهولة استرجاعها في المشكلات المقبلة سواءً كانت مواقف حياتية أو اختبارات دراسية.
  • تعمل الخرائط الذهنية على التعبير بسهولة عن المعلومات والأفكار بأكثر من أسلوب.
  • تساعد على تعلم كم كبير غير مألوف من المعلومات، وتنظيم المعلومات بشكل كبير. وذلك بمساعدة الرسوم والأشكال التي يستطيع المتعلم إنشاؤها خلال رسم الخرائط.
  • تزيد من فعالية التعلم. حيث تعمل على ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات السابقة، وذلك من خلال إجبار عقلك على إجراء الروابط بين ما تعرفه وما تعلمته للتو.

دعنا نزيدك من الشعر بيتًا، فنضعُ بين يديك بعض العوامل الأخرى التي يمكنها أن تزيد من كفاءة الذاكرة الخاصة بك نذكر بعضها:

  • أنشئ مساحة التعلم الخاصة بك، حدد مكانًا متميزًا واجعله خاصًا بالتعلم، فلا تستخدمه لأنشطة أخرى كالنوم ومشاهدة التلفاز -قدر الإمكان- .
  • استمتع بفترات راحة منتظمة هنلك بعض الممارسات البسيطة التي قد تساعدك كالوقوف كل فترة أثناء فترة الدراسة أو التمدد، يمكنك أيضًا أن ترِح عينك كل ٢٠ دقيقة.
  • إذا كنت تمارس التعلم عبر الانترنت؛ فأبعد العناصر المُشتتة عنك، كنوافذ المتصفح غير ذات الصلة بالتعلم الخاص بك، اغلق أيضًا إشعارات الهاتف الخاص بك.
  • نظم وقتك، ضع جدولاً زمنيًا، اتبع روتين يومي صحي، يحقق لك أفضل استفادة ممكنة من الوقت المتاح لديك. نظم أسلوب الدراسة الخاصة بك، نظم مواعيد التعلم والدراسة، وكُن على عِلمٍ بمواعيد الاختبارات ليكون لديك الوقت الكافي للمراجعة.
  • كُن لطيفًا مع نفسك. حدد أهدافًا معقولة،احرص على تقييم نفسك باستمرار، ولا تتوقع إنتاجية عالية حتى لا يتفاقم التوتر لديك.

إن التعلم رحلة تنتهي بانتهاء الحياة. رفيقك المخلص فيها هي الذاكرة، فلا فائدة من علمٍ لا تسعه الذاكرة. وحرصك على الرعاية الذاتية بإتباع أفضل الممارسات من خرائط ذهنية، نومٍ كافٍ منتظم وإدراك وإتقان العادات الصحية في جميع نواحي الحياة، يؤهلك للحظي بذاكرةٍ أقوى. وكلما حظيت على ذاكرة أقوى كلما حَصُلت على فرص أنجح وأكثر فعالية في التعلم.

اقرأ أيضا: كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

المصادر :

NCPI
lumenlearning
edx
Simple mind
business

هل يمكن للحرمان من النوم أن يؤدي إلى الوفاة؟

هل يمكن للحرمان من النوم أن يؤدي إلى الوفاة؟

لا شك أنك قرأت العديد من الأخبار، وشاهدت وثائقيات عدة تتحدث عن النوم، وربما تطرقت بعض منها إلى دراسة تأثير قلة النوم على صحة الإنسان.

يقضي البشر ثلث حياتهم نائمين، وقد اعتبر النوم حتى خمسينيات القرن الماضي  جزءاً سلبياً وغير نشط من حياتنا اليومية، لكن اليوم نحن نعلم جيداً أن أدمغتنا تبقى نشطة بشدة حتى ونحن نغط في نوم عميق، كما أنه يؤثر على وظائفنا اليومية، وصحتنا الجسدية والعقلية بطرق عدة بدأنا نفهمها للتو.

إذا ما هو النوم؟

يحمل العديد منا فكرة غامضة عن ماهية النوم، وتحديد هذا الجزء الغامض ليس بالأمر السهل.

لا يمكننا معرفة ما يجري في أدمغتنا أثناء النوم، لأننا ببساطة نكون غير مدركين لما يجري حولنا، وحتى إن حاولنا مراقبة نوم الآخرين فإن الكثير مما يختبرونه من تغيرات في وظائف أدمغتهم، وأجسادهم لا يمكن رؤيته بسهولة من الخارج.

اكتشف علماء النوم هذه التغييرات، وعليه فإن تعريفهم للنوم مرتبط بأنماط مميزة لموجات الدماغ، والوظائف الفسيولوجية الأخرى، فالنوم ليس فقداناً للوعي أو غيبوبة، إنما هو حالة خاصة يمر بها الإنسان وتتم خلالها أنشطة كثيرة.

دورة النوم

مثلما تختلف العديد من الخصائص البشرية من شخص لآخر، تختلف أنماط النوم بشكل كبير إعتماداً على عوامل عدة منها؛ العمر، الحالة الصحية، ماهية عمل الشخص، إلى جانب الكثير من العوامل الأخرى. فاﻹنسان يمر خلال نومه بعدة مراحل ولكل منها دورها.

يكون النوم خفيفاً خلال المرحلة الأولى والثانية؛ وتبداً المرحلتان مع بداية النوم، ثم تبدأ المرحلتان الثالثة والرابعة أو ما يعرف بالنوم العميق،هاتين المرحلتين مهمتين ﻻستعادة الجسم نشاطه وفيهما يتم إفراز العديد من الهرمونات، منها هرمون النمو، والذي يعد مهما لنمو العضلات والعظام، كما أنه مهم في عملية التمثيل الغذائي للدهون، وبالتالي صحة الجسم.

ساعات النوم الصحية

يقدر العلماء ساعات النوم التي يجب علينا الحصول عليها لننعم بصحة جيدة ما بين 6- 8 ساعات يومياً، لكن مع وتيرة الحياة المتسارعة التي نعيشها اليوم، فإننا غالبا ننام ساعات أقل، وهذا قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطرة.

الحياة المتسارعة، الضغوطات، الأجهزة الذكية، كلها أسباب ذكرها الناس في العديد من الدراسات الاستقصائية التي أجراها الباحثون لمعرفة أسباب قلة النوم.

تأثيرات قلة النوم

أظهرت الدراسات أن النوم لساعات كافية يؤثر إيجابا على جهاز المناعة، وخاصة وظيفة الخلايا التائية، وبالتالي فهو يعزز مكافحته للجراثيم كما يحارب نمو الخلايا السرطانية.

كما أثبتت دراسات عدة أن مستوى الإبداع، والقدرة على حل المشكلات، وحتى القدرة على إجتياز الإختبارات له علاقة وطيدة بالنوم، فأولئك الذين لا يحصلون على قدر كاف من النوم يواجهون العديد من المشكلات سواء على المدى القريب أو البعيد.

فقد قدرت المؤسسة الوطنية الأمريكية للنوم ” National sleep foundation” أن أكثر من 60 بليون دولار يتم خسارتها سنوياً في أمريكا بسبب قلة الإنتاجية للعمال الذين يعانون من الحرمان من النوم. تتراوح مخاطر الحرمان من النوم من أعراض بسيطة إلى أعراض خطرة وقد تكون قاتلة.

فمن فقدان التركيز والانتباه، القلق، والمشكلات النفسية المختلفة كالهلوسات، وصولاً إلى أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، أمراض السكر والسمنة، وحتى الإكتئاب، والموت في حالة الحرمان التام من النوم لفترات طويلة.

في إحدى الدراسات التي أجراها باحثون في شيكاغو عام 1989م، حيث حرمت مجموعة من الفئران من النوم تماماً، بما في ذلك منعهم حتى من أخذ قيلولة؛ لاحظ العلماء بعد مرور 9- 13 يوماً أن جميع الفئران قد ماتت بالرغم من أنهم حرصوا على أن يتناول الفئران طعامهم في الأوقات المحددة، ولم يجدوا فيها أي تشوهات تشريحية، أو أسباب أخرى قد تؤدي إلى الموت سوى حرمانهم التام من النوم والذي ربما أدى إلى فشل تام في وظائف الأعضاء.

لا تزال الأبحاث قائمة من قبل العلماء والباحثين لمعرفة علاقة الحرمان من النوم بالموت، فعلى الرغم من تعدد الدراسات التي تبحث هذا الموضوع، يظل السؤال المهم دون حل؛ لماذا تموت الحيوانات عندما لا تنام؟

أخر الدراسات العلمية

الآن، حدد علماء الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد وجود علاقة سببية غير متوقعة بين الحرمان من النوم والوفاة المبكرة.

ففي دراسة عن ذباب الفاكهة المحروم من النوم؛ نشرت في مجلة الخلية- Cell في 4/ يونيو، وجد الباحثون أن الموت يسبقه دائماً تراكم جزيئات معروفة باسم ” أنواع الأكسجين التفاعلية- Reactive oxygen species” في الأمعاء.

عندما أعطيت ذبابة الفاكهة مركبات مضادة للأكسدة عملت على إزالة وتحييد ROS من الأمعاء، ظل الذباب المحروم من النوم نشطاً ولديه عمر طبيعي.

كما أكدت تجارب إضافية على الفئران أن ال ROS تتراكم في الأمعاء عندما يكون النوم غير كاف.

تشير النتائج إلى إمكانية بقاء الحيوانات بالفعل دون نوم في ظروف معينة، وقال العلماء أن هذه النتائج ستفتح سبلاً جديدة لدراسة وفهم العواقب الكاملة لقلة النوم، وقد تفيد يوماً ما في تصميم مناهج لمواجهة آثاره الضارة على البشر.

المصادر

sleepassociation

neurosciencenews

harvard

wikipedia

هل يمكن أن يحولنا النوم لقتلة؟

هل يمكن أن يحولنا النوم لقتلة؟

لا يخفى على أحد منا أن النوم يعد من أهم العمليات التي تساعدنا على الاسترخاء بعد عناء يوم طويل من العمل والتركيز، ولكن قد يجد البعض صعوبة في الوصول إلى تلك الراحة نظرا لما يعانونه من اضطرابات عديدة أثناء النوم، تلك الاضطرابات التي قد توصل أحدهم إلى تنفيذ جريمة دون أن يدري!

أحد تلك الجرائم التي حدثت في كندا، في شهر مايو عام 1987 عندما خرج “كينيث باركس” أثناء نومه من بيته ليركب سيارته ويقود بها مسافة 20 كيلومتر إلى بيت حماته (والدة زوجته) ليقتلها هي وحماه (والد زوجته) وبعد نجاحه في قتل المرأة وإصابة الرجل، توجه إلى قسم الشرطة ليسلم نفسه وهو ملطخ بدماء الجريمة، ويقول: “يبدو أنني قد قتلت أحدهم”.حتى نستطيع تفسير ما حدث يجب أن نعرف أكثر عن تفاصيل ومراحل عملية النوم.

كينيث باركس

كيف تسير عملية النوم؟

تتكون العملية إجمالا من خمس مراحل مقسمة على جزئين، وتبدأ بجزء يسمى عدم «حركة العينين السريع-Non Rapid Eye Movement» ونمر فيه بأربع مراحل، تبدأ المرحلة الأولى بإغلاق العينين والدخول في النوم، ثم المرحلة الثانية حيث ينخفض ضغط الجسم وتنخفض أيضا درجة الحرارة ويستعد الجسم للدخول للمرحلتين التاليتين وهما مرحلتي النوم العميق؛ حيث تكون العضلات منبسطة ويقل نشاط الدماغ. ثم ننتقل إلى جزء آخر يسمى «حركة العينين السريع-Rapid Eye Movement» وهنا تراودنا الأحلام وتكون العضلات في كامل استرخائها وعدم قدرتها على الحركة بينما يكون العقل في قمة نشاطه وتتحرك العينين في جميع الاتجاهات. تدوم تلك عملية لمدة 90 دقيقة تقريباً ثم تتكرر مرة أخرى، ولكن مع الوقت تقل الفترة المتاحة لمرحلتي النوم العميق. ولعلك إن حاولت إيقاظ شخص وهو في جزئه الأول من النوم قد تجد بعض الصعوبات ولكنه سيفيق، ولكن إن حاولت إيقاظه في الجزء الثاني قد لا يستجيب لك وخصوصا إذا كان في بدايته، وإن استجاب ستجده غير مدرك لما يحدث حوله.

مراحل النوم

إذاً ما الذي حدث أثناء نوم “باركس” جعله يقدم على ما فعل؟

يفسر العلماء ما حدث باضطرابات النوم وهي عدة أنواع ولعل ما يتعلق بحادثتنا هما اثنان، ونفرق بينهما بحسب الأجزاء التي تحدثنا عنها، فإن حدثت في الجزء الأول وخصوصاً في مرحلتي النوم العميق نتج عنها ما يسمى «بالمشي أثناء النوم-Somnambulism» فيصدر عن الشخص أفعال قد تدل على أنه واعٍ لكنه في الحقيقة عكس ذلك. أما إذا حدثت في الجزء الثاني فينتج عنه «اضطراب نوم حركة العين السريعة السلوكي-REM sleep behavior disorder» ويميل فيه الشخص إلى إصدار كلمات وفعل حركات ليمثل فيها أحلامه التي يراها. لعل ما يميز الاضطراب الثاني أن الشخص قد يستيقظ حينما تلامس قدماه الأرض، مما يجعل احتمالية حدوث الاضطراب الأول مع “باركس” هو الاحتمال الأكبر. ولكن ما الذي يوجد وراء تلك الاضطرابات؟

مما تنشأ هذه الاضطرابات؟

دعنا نأخذ “باركس” كمثال لشرح هذه النقطة، عندما تم التقصي حوله وجدوا أنه غارق في الديون ويتم التحقيق معه في قضية اختلاس أموال شركته وأن هذا الأمر قد أثر على نومه. مما يطرح سببين محتملين وهما الضغط النفسي، وقلة ساعات النوم. وهناك سبب آخر يطرح نفسه بقوة وهو شرب الكحول؛ فبشهادة من حوله كان “باركس” شاربا نهماً للكحوليات. ويظهر السبب الرابع عند محاكمته فقد قدم محاميه دليلاً مهما يفيد بأن “باركس” له تاريخ في المشي أثناء النوم وأن والده كان عنده نفس الاضطرابات، مما يجعل التاريخ المرضي للشخص وعائلته أحد الأسباب أيضا. ومن الأمور المهمة المساهمة في نشوء اضطراب عنيف هو العداء بين المريض والشخص الذي يطاله الأذى، ولكن لم يكن هذا سبباً في حادثتنا فعندما بحث المحققون وجدوا أن العلاقة كانت طيبة بين “باركس” ووالدي زوجته، فقد كانا داعما قويا له، ولكن ما انتهوا إليه أن آخر ما دار في حديثه مع زوجته في الليلة المشؤومة كان حول ذهابه لهما في اليوم التالي، مما جعل تفكيره متوجها إليهما بصورة غير واعية. في نهاية الأمر حُكم ببراءة “باركس” بعد فحصه من قبل أخصائيين وثبوت أنه يعاني من هذا الاضطراب، ولكن لم تكن أجهزة الفحص كجهاز «تشخيص النوم-polysomnography» (جهاز يتيح فحص حركة العين والعضلات ونشاط الدماغ) قد دخلت حيز التنفيذ والاستخدام، ولعلها لو استُخدمت لتوصلت المحكمة إلى قرار آخر إذا ثبت عدم مرضه.

فبذلك نخلص أن الأسباب الؤدية لمثل تلك الحالات تتلخص في الضغط النفسي، وقلة ساعات النوم، وشرب الكحول، والتاريخ المرضي للشخص وعائلته، والعداء بين المريض والشخص الذي يطاله الأذى. فعليه ننصحك عزيزي القارئ باتباع نصائح بعض المختصين من جامعة هارفارد، حيث ينصحون بتجنب المنبهات قبل النوم وتجنب شرب الكحول والحرص على ممارسة الرياضة بشكل منتظم واحرص على تحديد ميعاد ثابت للنوم، كي تنعم بنوم أفضل بلا اضطرابات.

مصادر (هل يمكن أن يحولنا النوم لقتلة؟):

While You Were Sleepwalking: Science and Neurobiology of Sleep Disorders & the Enigma of Legal Responsibility of Violence During Parasomnia

Violence in Sleep

Twelve Simple Tips to Improve Your Sleep

ما أثر تأخر يومك الدراسي على النوم والصحة وعلاقته بتحسن الأداء؟

يعد النوم الجيد مهماً للنشاط والتركيز طوال اليوم. فما أثر تأخر يومك الدراسي على النوم والصحة؟

تعاني مجتماعتنا الحديثة من أزمة الحرمان من النوم ويُعتبر المراهقون أكثر الفئات تضرراً حسب نتائج أبحاث النوم في الفترة الأخيرة.

أثر توقيت النوم على صحة الأطفال والمراهقين

أكدت أبحاث سابقة أنَّ قصر فترة النوم يزيد من خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب بين الأطفال. لكن نادراً ما درس الباحثون كيفية تأثير موعد النوم  على الصحة.

وجدت دراسة جديدة، أجراها باحثون من كلية الطب بجامعة هارفرد، أنَّ تفضيلات المراهقين لتوقيت النوم وأنماطه تُعتبر عوامل خطر للسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية. كما وجدوا أنَّ هذه العوامل أشد تأثيراً في الفتيات مقارنة بالصبيان.

توقيت النوم والساعة البيولوجية

تقول الباحثة  Elsie Taveras : يعد توقيت النوم عاملاً حيوياً، حيث يحدد تزامن ساعة الفرد البيولوجية مع إيقاعات أنشطته اليومية.
ويكتسب الأمر أهمية خاصة لدى المراهقين. حيث تؤدي تفضيلاتهم ومطالبهم الأكاديمية إلى عدم انتظام مواعيد النوم.

استنتج الباحثون أهمية ثبات نمط النوم خلال الأسبوع وأيام الإجازة للتقليل من مخاطر السمنة وأمراض القلب.

دور المدرسة والعائلة

تقول قائدة البحث Elizabeth Feliciano : يجب على العائلات تشجيع أطفالهم على تنظيم مواعيد النوم، والحد من استخدام الأجهزة الالكترونية والكافيين في المساء.

وتقول الباحثة Taveras : يمكن للمدارس أن تلعب دوراً هاماً بتأخير بدء الدوام المدرسي وتخصيص وقت للأنشطة الأكاديمية خلال اليوم الدراسي.

أثر تأخر يومك الدراسي على النوم والصحة

قامت مدرسة Alsdorf الألمانية بتغيير ثابت لوقت بدء الدراسة حيث منحت طلابها حرية الاختيار. وفرت المدرسة فرصة فريدة لدراسة فوائد النظام الجديد للمراهقين المحرومين من النوم.

كان النظام الجديد مرناً حيث مكَّن الطلاب من تحديد موعد بدء يومهم الدراسي. حيث كان أمامهم ثلاثة خيارات، الثامنة صباحاً أو الثامنة وخمسون دقيقة أو تخطي الفترة الصباحية.

جمع الباحثون مواعيد نوم الطلاب لمدة تسعة أسابيع، بالإضافة إلى بيانات الحركة من أجهزة مراقبة النوم التي ارتداها بعض الطلاب في معاصمهم.

نتائج البحث

وجد الباحثون أنَّ تأجيل بدء اليوم المدرسي ساعة واحدة منح الطلاب وقت نوم إضافي مفيد.

كان أحد أكبر المخاوف لتأخير بدء اليوم المدرسي هو بقاء الطلاب مستيقظين مساء بوعي أو بسبب تأثير الساعة البيولوجة. لكن لم يجد الباحثون دليلاً على ذلك. فلم تختلف مواعيد النوم بين المجموعات التي بدأت يومها الساعة 8:00 وتلك التي بدأت في الساعة 8:50.

استنتج الباحثون في النهاية أنَّ تأخير بدء اليوم الدراسي يقلل من تراكم ديون النوم خلال الأسبوع ويحسن أداء الطلاب.

المصادر :

Harvard

Science Alert

Oxford Academic

ماذا تعرف عن النوم؟ وما الذي يقوم به المخ والمواد الكيميائية لجعلك تنام؟

ماهو النوم، وما الذي يفعله المخ لجعلك تنام؟

يعتبر النوم جزءًا مهمًا من الروتين اليومي، فنحن نقضي ثلث وقتنا تقريبًا فيه. ويعد النوم الجيد -بالحصول على ما يكفي منه في الأوقات المناسبة– ضرورة من ضروريات الحياة كالطعام والشراب.

ولا يمكن للعقل أيضًا تكوين –أو حتى الحفاظ- على مساراتٍ تتيح التعلم وإنشاء ذكريات جديدة بدون النوم، كما أنه من الصعب التركيز والاستجابة بسرعة. وفي الواقع، يبقى العقل والجسم نشيطين بشكل ملحوظ أثناء النوم، فهو يعمل عمل المكنسة الكهربائية؛ منقيًا العقل من السموم والشوائب التي تراكمت أثناء يقظتك، وهو ما تشير إليه النتائج الحديثة.

يؤثر النوم على كل نوع من الأنسجة والأجهزة في الجسم تقريبًا، بدءًا من المخ والقلب والرئتين وحتى المناعة والمزاج ومقاومة الأمراض. ويحتاج الجميع للنوم بالطبع لكن الغرض البيولوجي منه لا يزال لغزًا.

لكن ما الذي يجعلنا ننام؟ وما الذي يحدث داخل المخ؟

تحتوي منطقة ما تحت المهاد في المخ –منطقة بحجم الفول السوداني في عمق الدماغ- على مجموعات من الخلايا العصبية التي تعمل كمراكز مراقبة تؤثر على النوم والإثارة، وتوجد أيضًا هناك منطقة أخرى تسمى (النواة الحركية) –وهي مجموعات من الخلايا تتلقى معلومات من العين حول التعرض للضوء مباشرة.

في البداية، تنتج الخلايا المعززة للنوم مادة كيميائية في المخ تسمى (جابا) تعمل على تقليل نشاط مراكز الإثارة، ثم يرسل جذع الدماغ إشارات لإرخاء العضلات المحركة للجسم والأطراف؛ حتى لا نقوم بتحقيق أحلامنا أثناء حدوثها.

ثم تستقبل الغدة الصنوبرية إشارات وتزيد من إنتاج هرمون (الميلاتونين)، والذي يساعد على النوم بمجرد إطفاء الأنوار. فمثلًا لا يمكن لفاقدي للبصر تنسيق دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية باستخدام الضوء الطبيعي، لكن يتم تثبيت أنماط نومهم عن طريق تناول كميات صغيرة من الميلاتونين في نفس الوقت كل يوم.

لكن لم ننتهِ هنا بالطبع، فيوجد بجانب كل ذلك (الأدينوسين) – ليدعم دورة النوم، والذي يقوم الكافيين بعرقلته منتجًا مقاومة للنعاس، فهناك حربًا تدور لتظل مستيقظُا.)

وخلال معظم مراحل النوم، تعمل منطقة (المهاد) بمثابة ناقل للمعلومات، وذلك من الحواس المختلفة إلى القشرة الدماغية -غطاء الدماغ الذي ينقي المعلومات من الذاكرة القصيرة إلى الطويلة المدى- ولكن أثناء نوم الريم، يكون المهاد نشطًا، حيث يقوم بإرسال الصور والأصوات والأحاسيس الأخرى لتملأ بها أحلامنا.

المواد الكيميائية المسببة للنوم

تصبح مجموعات الخلايا العصبية المعززة للنوم في أجزاء كثيرة من الدماغ أكثر نشاطًا عند الاستعداد للنوم، فالناقلات العصبية يمكن أن تغلق أو تثبط نشاط الخلايا التي تشير إلى الإثارة، وتشمل الناقلات العصبية الأخرى التي تشكل النوم واليقظة كالميلاتونين والأسيتيل والهستامين والأدرينالين والكورتيزول ووالسيروتونين.

لكن ما الذي ينظم النوم داخل جسدنا رغمًا عنا؟

يتم تنظيم النوم عن طريق آليتين بيولوجيتين يعملان معًا، إيقاع الساعة البيولوجية والتوازن. تظهر آثار إيقاعات الساعة البيولوجية في مجموعة واسعة من الوظائف اليومية للجسم أثناء اليقظة، فتظهر مثلًا في درجة حرارة الجسم والهرمونات.

والتي تتحكم بدورها في توقيت نومك وتسبب الشعور بالنعاس في الليل والميل للاستيقاظ في الصباح دون سابق إنذار. تتحكم الساعة البيولوجية في جسمك على مدار 24 ساعة تقريبًا، في معظم الإيقاعات اليومية، والتي تتزامن مع الإشارات البيئية -كالضوء ودرجة الحرارة- لتظهر الوقت الفعلي لليوم، ولكنها تحدث أيضًا حتى في حالة عدم وجود تلك الإشارات.

صورة توضح مستوى الميلاتونين ودرجة الحرارة والضغط في الجسم على مدار اليوم وتأثيرهم على النوم

أما بالنسبة للتوازن، فإن توازن النوم والاستيقاظ يتتبع حاجتك للنوم. فيذكّر محرك النوم –الثابت- الجسم بالنوم بعد وقت معين وينظم كثافته، بل ويصبح أقوى كل ساعة كنت مستيقظًا فيها، مؤديًا إلى النوم لفترة أطول وبعمق أكبر بعد طول كل فترة من الحرمان من النوم.

وتشمل العوامل التي تؤثر على احتياجاتك للنوم الحالات الطبية والأدوية والإجهاد وبيئة النوم، وما تأكله وتشربه بالتأكيد، لكن لعل أكبر تأثير هو التعرض للضوء، فالخلايا المتخصصة في شبكية العين تعالج الضوء وتُخبر المخ ما إذا كان الوقت نهارًا أم ليلًا.

مقدار ما يحتاج إليه الجسم من النوم

إن حاجة الشخص للنوم وأنماط النوم نفسها اتغير مع تقدم السن، ولكنها ليست قاعدة لوجود اختلافات كبيرة بين الأفراد من نفس العمر، فلا يوجد عدد ساعات النوم سحري يصلح للجميع من نفس العمر.

فالأطفال ينامون مبدئيًا ما بين 16 إلى 18 ساعة يوميً، مما يعزز النمو والتطور -خاصة الدماغ-، في حين يحتاج الأطفال والمراهقون في سن المدرسة في المتوسط إلى حوالي 9.5 ساعات من النوم في الليلة.

في حين يحتاج معظم البالغين إلى 7-9 ساعات من النوم في الليلة الواحدة. ولكن بعد سن الستين، يميل النوم ليلًا إلى أن يكون أقصر وأخف يقطعه استيقاظٌ متعدد لعدة أسباب أخرى.

لكن وبشكل عام، يحصل الناس على نوم أقل مما يحتاجون إليه بسبب طول ساعات العمل وتوفر وسائل الترفيه على مدار الساعة وغيرها من الأنشطة.

وقد يشعر الكثير من الناس أنهم يستطيعون (اللحاق) بالنوم المفقود خلال عطلة نهاية الأسبوع اعتمادًا على مدى حرمانهم من النوم، والذي لا يكون كافيًا حتى إن نام الشخص لفترةٍ أطول من المعتاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد وترجمة: دينا الخطيب

المصدر:

NIH

Exit mobile version