ما هو المنطق؟ وما هي أنواع الاستدلال؟

ما هو المنطق؟ وما هي أنواع الاستدلال؟

تعتبر المناقشات والجدالات من العادات المتكررة في حياتنا اليومية، من الجدال على أبسط الأشياء إلى أعقدها. نحاول باستمرار تقديم دلائل وبراهين لتدعيم حججنا، لإثبات مصداقيتها والفوز بالنقاش. نتشارك جميعنا في رغبتنا في الوصول إلى الصواب، ونسعى إلى أن يكون موقفنا صائب. فنبني من الحجج ما يمكنه أن يدعم حقيقة إدعاءاتنا ويضفي عليها طابع الإقناع. ولكن كيف يمكننا القول بأن إدعاء شخص ما يبدو مقنعًا أكثر من الآخر؟ وكيف يمكن إثبات صحة الإدعاء من الأساس؟

من ذلك المنطلق يأتي مفهوم المنطق.

تعريف المنطق

يعرف المنطق على أنه العلم المهتم بالدراسة المنهجية لطرق الاستدلال على الحجج الصحيحة، والتفرقة بينها وبين المغالطات [1]. أي أنه يهدف إلى تحديد مبادئ ومعايير الاستدلال الصحيح اللازم للتحقق من مدى صلاحية الحجة، سواء كانت صالحة أم باطلة.
فعندما يقدم شخصٌ ما حجة معينة، فإنه يقوم باتباع طريقة معينة في التفكير والاستدلال على حجته تلك والتي ليست بالضرورة طريقه سليمة للاستدلال.

ولأن الهدف من دراسة طرق ومعايير الاستدلال المختلفة هو الوصول في النهاية إلى حجة منطقية سليمة فإن ذلك يقودنا إلى التساؤل عن تعريف الحجة المنطقية ذاتها؟ وما هي مكوناتها؟

«الحجة المنطقية-logical argument»

الحجة هي سلسلة من الافتراضات (propositions) حيث يكون بها افتراض معين يقوم بدور ال “مقدمة المنطقية-premise” للحجة ويقوم بدعم الافتراض الآخر الذي يمثل ال “ختام-conclusion”. تبنى الحجة المنطقية على تسلسل هذين الافتراضين بحيث تدعم أو تبرر المقدمة الختام. [2]

ولتوضيح فهم الحجة المنطقية يجدر بنا توضيح مفهوم الافتراض ذاته. ماذا يعني؟

«الافتراض-proposition»

هو جملة (أو شيء يتم التعبير عنه بجملة) يمكن أن يكون صحيحًا أو خاطئًا. [3]

أمثلة على الافتراضات:

  • أحمد طويل.
  • يصنف الليمون كفاكهة.
  • سقراط فيلسوف مشهور.
  • 2+3=6.

كلًا من الأمثلة السابقة تمثل افتراضًا لكونها تحتمل الصواب أو الخطأ.

أما الأمثلة التالية:

  • هل الجو مشمس اليوم؟
  • اترك الباب مفتوحًا.
  • يا إلهي!

لا يمكن اعتبارها افتراضات لأنها لا تحتمل الصواب أو الخطأ.

بالعودة للحديث عن الحجة المنطقية، ولزيادة توضيح تكوينها، فلنتناول المثال الآتي:

جميع النساء بشر. وليزلي امرأة. لذا، ليزلي من البشر.

هنا نرى تكوين الحجة المنطقية بشكل واضح في ثلاث جمل يمثل كل منهم افتراضًا، حيث كلًا من “جميع النساء بشر” و “ليزلي امرأة” يقومان بدور المقدمة المنطقية التي تدعم الخاتمة “ليزلي من البشر”.

أنواع المنطق

هناك أنواع عديدة من المنطق ويمكن تقسيمها إلى أربعة أنواع رئيسية:

«منطق رسمي-formal logic»

يتبع المنطق الرسمي طريقة استدلال تدعى الاستدلال الاستنتاجي. في الاستدلال الاستنتاجي يجب أن تكون المقدمات(premises) صحيحة، و يتم اتباعها للوصول إلى نتيجة رسمية. يتطلع الشخص في المنطق الرسمي إلي التأكد بأن المقدمات ترتبط منطقيًا وتدعم وجود النتيجة.

مثال على المنطق الرسمي:
الدراجات لها عجلتان. جون يركب دراجة. جون يركب عجلتين. [4]

«منطق غير رسمي-informal logic»

المنطق الغير رسمي هو ما يستخدم عادة في التفكير والجدالات اليومية. إنه المنطق الذي نتبعه في حواراتنا مع الآخرين. يحاول أيضا هذا النوع الغير رسمي أن يجعل مبادئ المنطق تتفق مع ممارسة التفكير اليومي. ويسمى “غير رسمي” لأنه يضع معايير ومقاييس غير رسمية لتحليل وتفسير ونقد وبناء الحجج.
كتب Frans H. van Eemeren أن التسمية “المنطق غير الرسمي” تغطي “مجموعة من المقاربات المعيارية لدراسة الاستدلال في اللغة العادية التي تظل أقرب إلى ممارسة الجدل من المنطق الرسمي”. [5]

يستخدم المنطق الغير رسمي نوعين من الاستدلال لتقديم الحجج هما:

• الاستدلال الاستنتاجي
حيث تمت الإشارة إليه مسبقًا في جزء المنطق الرسمي. وهو يعتمد على استخدام المعلومات من مصادر مختلفة ويطبق تلك المعلومات على الحجة المنطقية المطروحة لدعم الخاتمة أو استنتاج أكبر.

مثال:
جميع المربعات مستطيلات. كل المستطيلات لها أربعة جوانب. لذلك، كل المربعات لها أربعة جوانب.

• الاستدلال الاستقرائي
يستخدم معلومات محددة ويقدم تعميمًا واسعًا بناء على تلك المعلومات فقط. عادة ما يتضمن هذا النوع من الاستدلال قاعدة يتم وضعها بناءً على سلسلة من التجارب المتكررة.

مثال:
كل طفل في الثالثة من عمره تراه في الحديقة كل يوم بعد الظهر يقضي معظم وقته في البكاء والصراخ. فلذا، لا بد أن كل الأطفال في سن الثالثة يقضون فترة ما بعد الظهيرة في الصراخ.

«منطق رمزي-symbolic logic»

يتعامل المنطق الرمزي مع كيفية ارتباط الرموز ببعضها البعض. ويقوم بتعيين رموز لتمثيل أجزاء التفكير اللفظي من أجل التمكن من التحقق من صحة العبارات اللفظية من خلال عملية رياضية. عادة ما ترى هذا النوع من المنطق يستخدم في حساب التفاضل والتكامل.

«منطق رياضي-mathematical logic»

في المنطق الرياضي، يمكنك تطبيق المنطق الرسمي على الرياضيات. هذا النوع من المنطق هو جزء من أساس المنطق المستخدم في علوم الكمبيوتر. غالبًا ما يتم استخدام المنطق الرياضي والمنطق الرمزي بالتبادل. [6]

اقرأ أيضًا ملخص كتاب علم المنطق لمحمد مهران

مصادر:

[1] Wikipedia.
[2] University of Massachusetts Amherst.
[3] davidagler.com.
[4] study.com.
[5] stringfixer.
[6] your dictionary.

التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

لقد استيقظت توًا من النوم، نهضت لتستعد للذهاب إلى عملك، بينما تتسائل هل أذهب مشيًا أم أقود السيارة؟
وفجأة تظهر لك الإجابة، تتذكر أن طريق العمل مسدود منذ يومين لذا تختار الذهاب مشيًا.
ما الذي حدث هنا؟
لقد اتخذت قرارًا وحللت مشكلة بناءًا على تحليل منطقي، وهذه العمليات الثلاثة (اتخاذ القرار وحل المشكلات والتحليل المنطقي) مرتبطة بمهارة «الفكر-Thought» في نظامنا المعرفي. لكن السؤال هنا، هل تقوم بهذه العمليات الثلاثة في كل مرة تتخذ قرارًا في حياتك؟ التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

التحيز المعرفي والاستدلال

الإجابة، قطعًا لا. وهنا يأتي دور الاستدلال.
اعتقد العلماء قديمًا أن البشر مفكرون منطقيون، يستخدمون المنطق والعقلانية لاتخاذ قراراتهم. لكن أثبتت الدراسات أن لدينا نوع من الآليات المجهزة مسبقًا، مخطط للأنواع والمفاهيم التي يمكن أن نصادفها في حياتنا، فنعود إليها وقت الحاجة. فيما يُعرف بـ «الاستدلال-Heuristic»
وصف العلماء الاستدلالات أنها نوع من الاختصارات التي تساعدنا في اتخاذ القرارات بشكل أسرع، لكنها غالبًا ليست دقيقة تمامًا، بل يُمكن القول أنها مضللة في بعض الأحيان. وهناك أربعة أنواع من الاستدلالات التي يُمكن أن تعيق التفكير المنطقي فيما يُعرف بـ «التحيز المعرفي-Cognitive Bias»

التحيز المعرفي وتأثير التشكيل

أولًا. «تأثير التشكيل-Framing Effect»
هو نوع من التحيز المعرفي الذي يؤثر على قرارتنا عند تغير شكله، أو بمعنى آخر اختلاف القرارات باختلاف شكل نفس السؤال أو المشكلة.
مثال: ترى إعلانًا لمطعم بيتزا يخبرك أنها 90٪ خالية من الدهون، وآخرًا يخبرك أنها تحتوي على 10٪ من الدهون. أيهما ستختار؟
ستختار على الأغلب المطعم الأول. رغم أن كلا المطعمين يقدمان نفس نسبة الدهون، لكن طريقة عرض المعلومة أثرت على اختيارك، وهذا هو تأثير التشكيل.

ولا يقتصر تأثير التشكيل على البشر فقط، أجريت أحد الدراسات على قردة الكابوتشين لتختبر تأثير التشكيل عليهم. فكان هناك شخصان يقدمان الطعام للقردة، أحدهم يعرض عليهم موزتين أولًا، ثم يعطيهم الموزتين نصف عدد المرات، ويعطيهم موزة واحدة النصف الآخر. الشخص الثاني يعرض عليهم موزة واحدة في المقام الأول، ثم يفعل مثل زميله، يمنحهم موزتين نصف عدد المرات وموزة واحدة النصف الآخر. وجدت الدراسة أن القردة يفضلون الشخص الثاني على الشخص الأول، رغم حصولهم على نفس كمية الطعام في الحالتين. وذلك بسبب تأثير التشكيل.

التحيز المعرفي ومعدلات الإسناد

ثانيًا. «مغالطة معدلات الإسناد-Base rate Fallacy»
تخيل معي مجموعتين من سبعين مهندسًا وثلاثين محاميًا، من بينهم جون. جون رجل في منتصف الأربعينات، متزوج ولديه طفل، انطوائي، لا يهتم بالسياسة، هواياته الإبحار وحل الألغاز. فإلى أي المجموعتين ينتمي جون؟
ربما تقول مهندسًا، وهكذا يجيب أغلب الناس أيضًا. لكن هل وضعت في اعتبارك حجم المجموعتين عند اتخاذ قرارك؟
هذا هو تأثير معدلات الإسناد. عند جمع معلومتين إحداهما فردية تخص شخصًا ما، والأخرى إحصائية. يميل الناس إلى تجاهل الأعداد (معدلات الإسناد) والتركيز على المعلومة الشخصية.

التحيز للوفرة

ثالثًا. «التحيز للوفرة-Availability Bias»
أيهما تعتقد أكثر خطورة: سمكة القرش أم سلطة البطاطس؟
ربما يبدو هذا السؤال سخيفًا، بالطبع سمكة القرش أكثر خطورة. لكن دعنا نراجع بعض الأرقام أولًا: معدل الإصابة من أسماك القرش هو 1 من كل 6 مليون شخص، ومعدل القتل من أسماك للقرش هو 1 من كل 500 مليون شخص. معدل الإصابة بسبب تسمم الطعام هو 1 لكل 800 ألف شخص، أما معدل الموت بسبب تسمم الطعام هو 1 لكل 55 ألف شخص. إذن سلطة البطاطس أخطر ألف مرة من أسماك القرش!
والسبب في اعتقادنا أن أسماك القرش أكثر خطورة هو التحيز للوفرة. بمعنى أننا نميل إلى المبالغة في تقدير الحدث إذا كان مآساويًا أو رائعًا أو مثيرًا للانتباه فيسهل تذكره. وبالتأكيد موت شخص جراء هجوم سمكة قرش أكثر إثارة من الاختناق بسلطة بطاطس!
مثال آخر: أيهما تعتقد له النسبة الأكبر في اللغة الإنجليزية: الكلمات التي تنتهي بـ ng أم الكلمات التي تنتهي بـ ing؟
يميل أغلب الناس إلى الإجابة الثانية، لأن هذه المجموعة من الكلمات أسهل وأسرع تذكرًا. بينما الحقيقة أن الكلمات التي تنتهي بـ ng تحتوي الكلمات التي تنتهي بـ ing أيضًا وبالتالي لها النسبة الأكبر.

التحيز للتوكيد

رابعًا. «التحيز للتوكيد-Confirmation Bias»
تخيل معي أنك قاضٍ تحكم بين زوجين لتقرر أيهما يستحق حضانة طفلهما. أولهما صاحب دخل متوسط، ومهارات اجتماعية فقيرة، وبصحة جيدة، وعلاقة متوسطة مع الطفل، ولا يتنقل كثيرًا. والثاني له دخل مرتفع، وحياة اجتماعية ممتازة، ويعاني من مشاكل صحية طفيفة، وعلى علاقة مقربة بالطفل، ويسافر كثيرًا لقضاء أعماله. أيهما ستمنحه حضانة الطفل؟
من المرجح أنك ستختار الشخص الثاني، وهذا ما ذهب إليه أغلب الناس أيضًا.
أما عند عرض نفس المواصفات على مجموعة مختلفة من البشر وسؤالهم: أي الزوجين ستحرمه حضانة الطفل؟
تقع النسبة الأكبر على الشخص الثاني أيضًا، فما تفسير ذلك؟
يُمكن تفسير هذه النتائج وفقًا لمفهوم التحيز للتوكيد وهو تفضيل المعلومات التي تتماشي مع معتقداتنا أو تحيزاتنا السابقة وتجاهل تلك التي لا تتماشى معها. فتجد في السؤال الأول كلمة: منح الحضانة، ويتجه تفكيرك تلقائيًا إلى الصفات الإيجابية التي تستدعي المنح، ونجد أن الشخص الثاني يتمتع بها. أما في السؤال الثاني: حرمان الحضانة، وهنا يتجه تفكيرك إلى الصفات التي تستدعي الحرمان، ونجد هذه واضحة أيضًا في الشخص الثاني.
ونلاحظ أن هذا المثال ينطبق كذلك على تأثير التشكيل، فعندما اختلف شكل السؤال اختلفت الإجابة.

التحيز للتوكيد والأرض المسطحة

وأمثلة التحيز للتوكيد في واقعنا كثيرة، منها: المؤمنون بالأرض المسطحة، أو إنكار هبوط الإنسان على القمر. فنجد هؤلاء الأشخاص يفضلون المعلومات التي تتماشي مع معتقداتهم السابقة، ويرفضون أي معلومات مغايرة. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من التحيز إلى حالة من «ترسخ الاعتقاد-Belief perseverance» ورؤية العالم بذهن ثابت يرفض التغيير!

اقرأ أيضًا: كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

المصادر

١. Boycewire
٢. Verywellmind
٣. Verywellmind
٤. Decisionlab

Exit mobile version