ألبرت الصغير، ضحية تجارب الخوف

كيف يتشكل الخوف؟ وهل بالإمكان خلقه عند الشخص؟ هذا السؤال الذي حاول عالم النفس جون واتسون الإجابة عنه، مستخدمًا في ذلك طفلًا بعمر تسعة أشهر ليكون عينة لتجربته.

حقوق الصورة: newscientist

تجربة ألبرت الصغير

تجربة الطفل ألبرت، أو ألبرت الصغير هي تجربة قام بها عالم النفس السلوكي جون واتسون لاستكشاف التعلم العاطفي عند الطفل. أجريت هذه التجربة المضبوطة “في بيئة المختبر” عام 1920، وذلك في جامعة جونز هوبكنز، على طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر وذلك لاستكشاف موضوع التكييف الكلاسيكي. نُشرت النتائج أول مرة في عدد فبراير من مجلة علم النفس التجريبي. [1]
وكانت هذه التجربة مضبوطة، تظهر أدلة تجريبية على التكييف الكلاسيكي للبشر، ,وأظهرت أن ما قدمه بافلوف في تجاربه في التكييف المشروط على الحيوانات بالإمكان تطبيقها على البشر. وبالتالي بالإمكان خلق شعور، أو خوف عند إنسان لم يكن يخف من الشيء مسبقًأ. [1]

الأطروحة التي مهدت للتجربة

اعتمد واتسون في تجربته بشكل رئيسي على نظرية بافلوف في التكييف الشرطي، وحاول تطبيق ذلك بتعريض الطفل لمحفزات عديدة ثم ربطها بمحفزات أخرى، ليخلق لديه شعور الخوف من الفأر، الذي لم يكن يمتلكه الطفل مسبقًا. حيث يلعب التكييف الكلاسيكي دورًا رئيسيًا في تطوير المخاوف والفوبيا “الرهاب”، وقد تكون بعض أنواع التجارب ناتجة بشكل جزئي من التكييف الكلاسيكي. [2]

التكييف الكلاسيكي classical conditioning:

التكييف الكلاسيكي هو نوع من التعلم كان له تأثير كبير في مدارس علوم النفس وخصوصًا المدرسة السلوكية. اكتشفه عالم الفيزيولوجيا إيفان بافلوف. وهو عملية تعلم تحدث من خلال الارتباط بين المحفز البيئي والمحفز الذي يحدث بشكل طبيعي. يتضمن التكييف الكلاسيكي وضع إشارة محايدة قبل رد فعل طبيعي. في تجربة بافلوف الشهيرة مع الكلاب كانت الإشارة المحايدة هي صوت نغمة وكانت الاستجابة الطبيعية للكلب هي سيلان اللعاب استجابةً للطعام. ومن خلال ربط الحافز المحايد “النغمة” بالمحفز البيئي “الطعام” يمكن أن ينتج صوت النغم وحده الاستجابة الطبيعية، أي سيلان اللعاب. [3]

تفاصيل تجربة ألبرت الصغير

كان المشارك في التجربة طفل وتمت تسميته “ألبرت ب” وهو ليس اسمه الحقيقي، وهو العينة المدروسة في التجربة. الباحثان المشرفان على التجربة كانا واتسون أخصائي العلوم السلوكية وطالبته روزالي راينر.
بدأت التجربة بتعريض الطفل لعدة محفزات stimuli، منها فأر أبيض وقرد وأقنعة وصحف مشتعلة وتمت ملاحظة وتسجيل ردود أفعاله للمحفزات. الطفل لم يظهر أي خوف من أي من المحفزات التي تعرض لها.
في المرة التالية التي تم عرض الفأر على الطفل رافق ذلك إحداث واتسون لضوضاء عالية بالضرب على أنبوب معدني. وبطبيعة الحال فإن الطفل استجاب للضوضاء بالبكاء. تم إقران الضوضاء العالية بظهور الجرذ أمام الطفل لمرات عدة خلال فترات زمنية متفاوتة، وأدى ذلك لبكاء الطفل كلما رأى الفأر الأبيض، الذي ارتبط لديه بالمحفز الآخر.
كتب واتسون: “في اللحظة التي رأى فيها الطفل الفأر بدأ بالبكاء، استدار فورًا بحدة إلى اليسار، وسقط على جانبه الأيسر، وبدأ بالزحف بعيدًا عنه بسرعة، تمكننا بصعوبة الوصول له وإمساكه.” [4]

الارتباط مع نظرية التكييف الكلاسيكي

تقدم تجربة ألبرت الصغير مثالًا واضحًا عن كيفية تطبيق التكييف الكلاسيكي لتكييف الاستجابة العاطفية باستخدام المحفزات المختلفة.
المحفز المحايد: وهو محفز لا يثير أي استجابة في البداية وهو الجرذ الأبيض.
منبه غير مشروط: وهو الحافز الذي يثير استجابة انعكاسية لدى الطفل المدروس وهو الضوضاء العالية التي تسببت بالبكاء
الاستجابة غير المشروطة: وهي رد فعل طبيعي لمحفز معين “الخوف”، وفي التجربة هي خوف الطفل من الضوضاء وبكاءه.
المنبه المشروط: وهو حافز يثير استجابة بعد اقترانه بشكل متكرر بالحافز الغير مشروط، أي اقتران الحافز المحايد “الفأر” بالمنبه غير المشروط “الضوضاء” الذي يحول المحفز المحايد لمنبه مشروط.
الاستجابة الشرطية: وهي الاستجابة الناتجة عن الحافز الشرطي “الخوف” عند تعريض الطفل للمنبه المشروط “الفأر الذي اقترن بالضوضاء”. [4]

نتائج التجربة

أثبت واتسون وراينر أن الاستجابات العاطفية يمكن أن تكون مشروطة عند البشر. ولاحظا أن تعميم التحفيز قد حدث؛ أي أن ألبرت الصغير لم يخشى الفئران فقط بعد التجربة وإنما تعدى خوفه للعديد من الأجسام المشابه، أي شيء أبيض وذو فرو. وهذه الظاهرة يطلق عليها اسم التعميم.
بعد خمسة أيام وجد الباحثان أن ألبرت طور رهابًا من الأشياء التي تشترك مع الجرذ ببعض الخصائص بما في ذلك كلب العائلة، وبعض الصوف القطني. بعد أسابيع وأشهر من التجربة تمت ملاحظة ألبرت وكان خوفه من الفئران أقل وضوحًا، هذه العملية تسمى الانقراض. لم يتسنى لواتسون وراينر عكس التأثير الذي أحدثوه لدى الطفل وذلك لأن أمه قامت بسحبه فورًا بعد انتهاء التجربة. وأيضًا لم يتسنى للباحثين متابعة وضع وحالة الطفل حول الفوبيا هذه وذلك لوفاته في عمر السادسة بسبب استسقاء الرأس. [4]

نقد التجربة

كان واتسون قد خطط لعكس التكييف الذي أحدثه للطفل، وذلك بالقيام بعكس ما قام به؛ أي ربط التحفيز بمنبه شرطي محبب للطفل بدلًا من أن يكون مخيفًا له. ولكن تم سحب ألبرت من التجربة ذلك. بالتالي أصبح للطفل رعب لم يكن يمتلكه من قبل، ومن الممكن أن يرافقه طول حياته.
تعتبر ممارسة كهذه غير أخلاقية بتاتًا في عصرنا هذا وذلك بسبب المعايير التي حددتها جمعية علم النفس الأميريكية وجمعية علم النفس البريطانية. وينتقد المنهج المعرفي النموذج السلوكي لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار العمليات العقلية، ويجادلون بأن عمليات التفكير التي تحدث بين الحافز والاستجابة مسؤولة عن عنصر الشعور في الاستجابة. [5]

5- simplypsychology

ردود على نقد التطور

هذه المقالة هي الجزء 12 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد عرض أدلة التطور والرد على الطرح المضاد للتطور الذي يروج له الخلقيون، يحين موعدنا مع الرد على أشهر انتقادات وجهت لنظرية التطور.

التشابه ليس دليلًا على التطور

يعترض الخلقيون قائلين أن التشابه بين تراكيب الكائنات الحية ليس دليلًا على التطور. هذا ادعاء صحيح إلى حد ما، فليست كل التشابهات بين الكائنات الحية يمكن استخدامها على أنها دليل على تطورها من بعضها البعض بشكل مباشر.

على سبيل المثال، يمتلك كل من الطيور والحشرات الطائرة أجنحة، ولكن هذا لا يمكن أن يستخدم كدليل على انحدارهم من سلف مشترك امتلك أجنحة. في الواقع هذا ادعاء خاطئ، فقد طوّر كل منهم تركيبة الأجنحة بشكل منفصل. ولكن كيف يعرف العلماء ما إن كانت هذه التراكيب منحدرة من سلف مشترك أم تطورت بشكل منفصل؟

تكمن الإجابة في معرفة التركيبة والوظيفة للأعضاء التي نقارنها. فمثلًا، لدى كل من الخفافيش والطيور أجنحة، ولكنها مختلفة تمامًا في التركيبة على الرغم من تأديتهم لنفس الوظيفة. فعلى سبيل المثال، يتكون جناح الخفاش من غشاء يمتد بين أصابعه، بينما لا نرى ذلك في أجنحة الطيور.

حقوق الصورة: Macmillanhighered

ولكن عندما نأتي مثلًا لنرى زعانف الحيتان مقارنة بذراع الإنسان، نرى أنهما يتبعان نمطًا واحدًا كما ناقشنا في الجزء الأول من السلسلة. فعلى الرغم من امتلاكهم لوظائف مختلفة تمامًا، فنحن نرى نفس التركيبة. بالإضافة إلى أن زعانف الحوت لا تشبه زعانف الأسماك، ولكنها كما قلنا تتبع نمط الأطراف الأمامية لدى الثدييات. وهو ما يتوافق مع كونها ثدييات أصلًا.

باختصار، نوع التشابه الذي يستخدم للدلالة على التطور من سلف مشترك هو التشابه غير الضروري في تركيبة الأعضاء على الرغم من اختلاف الوظيفة. [1]

وجود فجوات في السجل الأحفوري

ينتقد الخلقيون نظرية التطور باعتبارها تفتقد لاكتمال السجل الأحفوري. فعندما يرون الكم الهائل من الأدلة التي تؤيد التطور من السجل الأحفوري، يقولون أن السجل الأحفوري غير مكتمل.

بالطبع هذا الادعاء صحيح، ولكنه لا يصلح لاستخدامه في نقد التطور. فتكوّن الحفريات عملية نادرة للغاية، ونحن على الأرجح لن نحصل على سجل أحفوري مكتمل في يوم من الأيام. ولكن هذا لا يصلح لمواجهة الكم الهائل من الحفريات التي عثرنا عليها، حيث أن كل حفرية من الحفريات الموجودة في السجل الأحفوري كانت “حلقة مفقودة” في مرحلة ما. على سبيل المثال، كان الاعتقاد سائدًا منذ زمن بعيد أن الإنسان والشيمبانزي متشابهان، ولكن لم تكن هناك حفريات انتقالية لتدعيم فكرة انحدار الإنسان والشيمبانزي من سلف مشترك. أصبح لدينا اليوم سجل أحفوري يزخر بالحفريات الانتقالية التي تحكي لنا قصة تطور الإنسان.

إذًا فمجرد وجود فجوات في السجل الأحفوري لن ينفي وجود عدد كبير من الحفريات الانتقالية المكتشفة بالفعل، ولا يصلح كنقد للتطور. يمكن اعتبار وجود فجوات في السجل الأحفوري دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في سد تلك الفجوات بممارسة البحث العلمي والحملات الاستكشافية لاكتشاف المزيد من الحفريات.

الانفجار الكمبري

ليس لدى الخلقيين حجة أفضل الانفجار الكمبري ليستخدموها في نقد التطور. إلا أنها مبنية على أساس نفس الادعاء السابق كما سنوضح. تتلخص حجتهم أن في مرحلة ما من تاريخ الأرض، ظهر عدد ضخم من الكائنات الحية بشكل “مفاجئ” في السجل الأحفوري. وأن داروين نفسه اعترف بندرة الحفريات مما قبل العصر الكمبري، مما يثبت فرضيتهم عن الخلق المباشر.

ولكن هذا ادعاء غير صحيح بالمرة، فالحياة لم تبدأ في العصر الكمبري. ولكن يمكننا اقتفاء أثر للحياة مما قبل الانفجار الكمبري بحوالي 3 بليون سنة! وصحيح أن الحفريات ما قبل الانفجار الكمبري كانت نادرة في عصر داروين، ولكن هذا كان في عصر داروين فقط!

وجد العلماء العديد من الحفريات مما قبل الكمبري، والتي تعتبر نماذجًا أولية لأشكال الحياة التي عاشت في العصر الكمبري. مثل «بارفانكورينا-Parvancorina»، والتي تُشبه «الترايلوبايت-Trilobites» التي عاشت في العصر الكمبري إلى حد كبير. ولا يمكننا معرفة ما إذا كانت هي الأسلاف الحقيقية للترايلوبايت، ولكننا نرى التشابه في الصفات التشريحية كما تتنبأ نظرية التطور بالضبط. كما عُثر عليها في نفس الطبقات الرسوبية التي يتنبأ التطور بوجودها فيها! [2]

حقوق الصورة: Research Gate

كما عثر العلماء على «الكمبريلا-Kimbrella»، والتي تشابه الرخويات بدرجة كبيرة. ومجددًا، في نفس الطبقات الرسوبية التي تتنبأ بها نظرية التطور. [3] وغيرها الكثير من أشكال الحياة البدائية التي يمكننا العثور عليها مما قبل الانفجار الكمبري، وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أن الانفجار الكمبري ليس “انفجارًا” حقًا.

أضف إلى علمك أن الانفجار الكمبري استمر لحوالي 20 مليون سنة، وهو ليس بالرقم الصغير! فمهما حدث من تنوع حيوي، فقد حدث على مدار 20 مليون سنة! [4]

في الواقع، لدينا أمثلة على تحولات تطورية كبيرة في فترات أقل بكثير من هذه، فلدينا سجل أحفوري جيد جدًا يوثق تطور الحيتانيات مثلًا. حتى أن نوعًا جديدًا من الحيتان البدائية اكتشف في وادي الحيتان في مصر في 2021 [5]، وأطلق عليه مكتشفوه اسم «فيوميسيتس أنوبيس-Phiomicetus Anubis». ونحن نعلم أن هذا التحول الكبير من حيوانات برية إلى الحيتان حدث في أقل من 10 مليون سنة فقط! [6]

إذًا فالعثور على حفريات انتقالية قبل الانفجار الكمبري تعد صورًا أولية للكائنات التي ظهرت فيه. ومعرفة أن الانفجار الكمبري استمر 20 مليون سنة، تكفي للإطاحة بحجة الانفجار الكمبري، وإثبات أنها لم تعد تصلح لاستخدامها في نقد التطور.

التطور يحدث داخل نفس النوع

يعترض الكثيرون قائلين أن التطور يحدث في نفس النوع فقط، ويتخيلون أن كل أمثلة التطور المرصود هي مجرد تكيفات ولا تصلح لاستخدامها كدليل على التطور. وللرد على هذا الادعاء علينا أولًا معرفة تعريف «النوع-species».

وفقًا للموسوعة البريطانية، النوع هو مجموعة من الكائنات الحية تضم أفرادًا يمتلكون خصائص متشابهة ويمكنهم التزاوج. [7]

والواقع أن هناك تجربة شهيرة توضح حدوث «الانتواع-Speciation»، مباشرة أمام أعيننا. حيث قامت «دايان دود-Diane Dodd» بتجربة بسيطة قامت فيها بعزل مجموعتين من ذباب الفاكهة، ووضعت كل مجموعة في قفص مغلق. قامت دايان بتغذية مجموعة منهم على طعام مكون بشكل أساسي من سكر «المالتوز-Maltose»، بينما غذّت المجموعة الأخرى بطعام مكوّن بشكل أساسي من «النشاء-Starch». وبعد فترة، أطلقت المجموعتين على بعضهما البعض لترى أنماط التزاوج التي سيتخذونها، وهنا كانت المفاجأة!

تزاوج ذباب المالتوز مع ذباب المالتوز، وذباب النشاء مع ذباب النشاء. هذا مثال على الانتواع يحدث أمام أعيننا، فقد أدى الانعزال والعيش في ظروف مختلفة لفترة من الزمن إلى ظهور نوعين من ذباب الفاكهة. [8] ولكنهم يقولون أن الذباب ظل ذبابًا، ولم يصبح أي كائن آخر. أجل، فهل تقول نظرية التطور أن الذباب سيبيض عصافيرًا مثلًا؟

ما يخبرنا به التطور أن التغيرات الصغيرة تتراكم على مدى زمني طويل لتصير تغيرات كبيرة ملحوظة. وكل التغيرات الصغيرة التي نرصدها في المعمل أو خارج المعمل ما هي إلا خطوات صغيرة إذا استمرت وتراكمت، ستصير الكائنات بشكل مختلف تمامًا. فتراكم السنتيمترات (على الرغم من صغرها) سيعطينا عاجلًا أم آجلًا كيلومترات، ولا يمكنك إنكار هذا لأنه لا يعجبك. وهنا قد تتساءل إذا لم يكن التطور الكبير مرصودًا فكيف للعلماء أن يعرفوا حدوثه؟

يعرف العلماء حدوثه من السجل الأحفوري الذي يوثق تطور أنواع كثيرة. كما يعرفونه من علم الأجنة الذي يوفّر أدلة قوية على التطور. وكذلك يعرفونه من الجينوم الذي أثبت حدوث التطور بأدلة قاطعة كما بينت كثيرًا في هذه السلسلة بطولها.

لوسي قرد عادي

نعم، هذا صحيح تمامًا، فالتصنيف العلمي لي ولك وللشيمبانزي والغوريلا والأورانجوتان هو «القردة العليا-Great Apes». وكذلك كان الأوسترالوبيثيكاس (لوسي)، ولكن ليس هذا ما يعنيه الخلقيون، ما يقصدونه هو أن لوسي مجرد شيمبانزي وليست ضمن الخط التطوري للبشر.

وهذا غير صحيح لأننا نجد صفات بشرية لدى لوسي ليست لدى القرود غير البشرية، مثل المشي المنتصب. نعرف أن لوسي قد مشيت منتصبة عن طريق معرفة زاوية تمفصل عظمة الفخذ مع عظمة الحوض في الحفرية. كما عثرنا على حفريات لآثار أقدامها، وهي مشابهة لآثار البشر كما ناقشنا بتفصيل أكثر في الجزء الخاص بالسجل الأحفوري.

رسومات إرنست هيكل

يقولون أن خط الأدلة من علم الأجنة مبني على رسومات إرنست هيكل التي اكتشف لاحقًا أنها مزيفة. حيث رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه يكون مشابهًا فيها لأسلافه في مرحلة البلوغ، فيما يُعرف ب«التلخيص-Recapitulation» وهذا لأن الجنين -وفقًا لرأي هيكل- يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه. فعلى سبيل المثال، سيبدأ الجنين البشري بكائن أحادي الخلية، ثم سمكة، ثم يصير كائنًا برمائيًا، وهكذا إلى أن يصل إلى الهيئة البشرية (وفقًا لفرضية هيكل).

وهذا مجرد هراء، فقد قمنا بتخطئة نظرية هيكل في أول فقرة من مقال علم الأجنة. كما دعّمنا الأدلة التي أوردناها من علم الأجنة بصور فوتوغرافية لا علاقة لها برسومات هيكل من قريب أو بعيد. وقد تجاوز العلم رسومات هيكل بسنوات من البحث والتدقيق والتمحيص. ولكن يبقى الخلقيون مولعون بالبحث في ركام الفرضيات العلمية التي قام المجتمع العلمي نفسه برفضها لينتقدوا بها العلم الحديث، وفي هذا تدليس واضح.

عدد كروموسومات الإنسان

يردد الخلقيون عن جهل هذا المثال كثيرًا، فيقولون كيف للإنسان أن يمتلك عددًا مختلفًا من الكروموسومات عن القردة العليا إن كان منهم؟ والحقيقة أن الكروموسوم 2 لدى الإنسان عبارة عن كروموسومين ملتحمين كما أثبتنا بشكل أكثر تفصيلًا في مقال أدلة الجينوم. هذا بغض النظر عن وجود حالات مرضية لتغير عدد الكروموسومات داخل نفس النوع، فلدينا نحن البشر مجموعة من التغيرات الكروموسومية بالفعل:

• «متلازمة داون-Down syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم زائد مماثل للزوج رقم 21، وبالتالي فإن كل خلايا الجسم تحتوي على 47 كروموسوم بدلًا من 46.
• «متلازمة كلاينفلتر- Klinefelter syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم X زائد في الحيوان المنوي، فتصبح كروموسومات الجنين XXY.
• «متلازمة تيرنر-Turner syndrome»، وتحدث في الإناث نتيجة عدم نقص وجود كروموسوم X بشكل كلي أو جزئي. [9]

كما أن الأبحاث العلمية أثبتت بشكل قطعي أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين ملتحمين، لذا فلا فائدة من نكرانه أو محاولة الهروب منه. فليتعامل الخلقيون مع ذلك!

«سمكة السيليكانث-Ceolacanth»

يحتج الخلقيون بأن سمكة السيليكانث لم تتطور على مدى ملايين السنين وهذا يجعل منها «أحفورة حية-Living fossil»، وأن هذا يعارض التطور. وهو ادعاء باطل من وجهين:

أولًا، لا تحتم نظرية التطور على كل الكائنات أن تستمر في التغير، فالانتخاب الطبيعي يحافظ على الصفات المناسبة لبيئتها بشكل كافٍ. لذا فوجود أي كائن لم يتغير على مدى سنين كثيرة لا يُعد حجة لتستخدم في نقد التطور.

ثانيًا، لا تعد السيليكانث أحفورة حية أصلًا، فالسجل الأحفوري يزخر بأقرباء السيليكانث المنقرضين مثلما نرى في هذه الصورة (سمكة Latimeria هي نوع السيليكانث الموجود حاليًا). [10]

حقوق الصورة: Ecologica

منذ أن خرجت نظرية التطور إلى النور وهي مبحث مهم من مباحث العلم الحديث. لذا فقد رأينا أن نعرض لكم أبرز أدلة التطور وأكثرها شيوعًا، مع العلم بأن هناك عدد أكبر من الأمثلة في كل خط من خطوط الأدلة التي ناقشناها. ويستمر البحث في نظرية التطور، وتستمر الأدلة في الزيادة، ونستمر في إطلاعكم بكل جديد في مجال العلوم.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Fossil Fandom
[3] Nature
[4] Springer
[5] Royal Society
[6] Whales
[7] Britannica
[8] Berkeley
[9] About Kids Health
[10] Ecologica

التصميم الذكي في ميزان العلم

هذه المقالة هي الجزء 11 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يلقى التصميم الذكي تأييدًا واسعًا لدى معارضي التطور، حيث يلجأون إليه في تفسير تنوع الكائنات الحية. لكن هل تصمد هذه الفكرة أمام نظرية التطور حقًا؟ سرعان ما يظهر تفوق التطور في توفير تفاسير علمية حقيقية للطبيعة، واليوم سنضع التصميم الذكي في ميزان العلم للرد عليه وعلى الادعاءات غير العلمية التي يرددها مؤيديه.

ليس غرضنا من هذا المقال التعرض لمسألة خلق الحياة من قريب أو من بعيد، فالتطور لا يناقش فكرة الخلق. التطور غير معنِي أصلًا بتلك المسائل أو بتفسير نشأة الحياة، وإنما يسعى لتفسير التنوع الحيوي بعد أن نشأت الحياة أصلًا. إن كنت تبحث عما يعارضه التطور، فالتطور يعارض مفهوم الخلق الخاص لكل نوع بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى بالتحديد. وقد وجب التنبيه لكي لا يُساء فهم مغزى المقال.

هل فكرة التصميم الذكي علمية؟

يحاول الخلقيون إقحام التصميم الذكي كتفسير علمي للتنوع الحيوي. ولكن سرعان ما ينهار أمام معايير الفرضية العلمية، وهذا لأن من معايير الفرضية العلمية أن تكون:

1- تركز على العالم الطبيعي المادي. إذ يطرح مؤيدو التصميم الذكي الفرضية كتفسير للتنوع الحيوي الطبيعي، والصفات التشريحية والجزيئية المادية لدى بعض الكائنات.

2- تسعى لتفسير العالم الطبيعي. ويدعي الخلقيون أن التصميم الذكي يفسر العالم الطبيعي ولكنه سرعان ما يكون مختصرًا للغاية في تفسيراته. على سبيل المثال، يفسر التصميم الذكي وجود السوط البكتيري بأنه بفعل مصمم ما ذكي، ولكنه يفشل في توفير أي معلومات عن طبيعة هذا المصمم أو عن كيفية تصميمه للسوط البكتيري.

3- تستخدم أفكارًا قابلة للاختبار. إذ يجب على أي فرضية علمية تقديم توقعات وتنبؤات بشأن الملاحظات التي نرصدها في العالم الطبيعي لتأييد أو دحض الفرضية. ولكن نظرًا لأن التصميم الذكي لا يعطي تفسيرًا لكيفية التصميم أو ماهية المصمم، فإنه يفشل في توفير تنبؤات دقيقة من شأنها أن تساعدنا على معرفة مدى صحة هذه الفكرة. باختصار، التصميم الذكي غير قابل للاختبار. أي لا يمكن أن يضع مؤيدوه شروط يمكن حينها إسقاط فرضية التصميم الذكي، بالتالي تفقد فرضية التصميم الذكي ركن أساسي في بنائها العلمي.

4- تقوم على الأدلة

نظرًا لكون التصميم الذكي غير قابل للاختبار فهو يفشل في طرح أدلة لدعمه. ولكن داعمو هذا الطرح يعمدون إلى الاستدلال على طرحهم بتوجيه الانتقادات للتطور (مثل فكرة التعقيد غير القابل للاختزال)، والتي تم اختبارها ودحضها علميًا كما سنبيّن بعد قليل.

5- تشمل المجتمع العلمي

لا ينشر مروجو التصميم الذكي أبحاثهم في المجلات العلمية المرموقة. ويقاومون تعديل أفكارهم لمواءمة تدقيق المجتمع العلمي والبيانات العلمية، ولكن لهم مجتمعًا خاصًا بهم. وهو مجتمع مسخّر لدعم أفكارهم، وليس لمحاولة فهم وتفسير العالم الطبيعي.

6- تساهم في حركة البحث العلمي

حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، لم يساهم التصميم الذكي في أي اكتشاف علمي جديد. بالطبع يستمر مؤيدو هذا الطرح في الكتابة عن هذه الفكرة ولكنه عمل غير إنتاجي، لا يساعد في تقديم أي تفسيرات دقيقة للعالم الطبيعي. [1] بالإضافة طبعًا إلى كون التصميم الذكي قائم على أكتاف أيدولوجيات دينية مبنية على تأويلات وفهم معين لبعض النصوص الدينية، مما يلقي به خارج سياج الفرضيات العلمية.

خلاصة ما سبق، إن فرضية التصميم الذكي هي أبعد ما تكون عن الفرضية العلمية. حتى لو كانت تسعى لتفسير العالم الطبيعي. وعلى الرغم من تقديم داعمي هذه الفرضية بعض الادعاءات قابلة للاختبار (وخاطئة) بشأن التطور، فالتصميم الذكي نفسه غير قابل للاختبار وفق المنهجية العلمية.

«التعقيد غير القابل للاختزال-Irreducible complexity»

التعقيد غير القابل للاختزال هو مصطلح صاغه «مايكل بيهي-Michael Behe» عام 1996 في كتابه «صندوق داروين الأسود-Darwin’s Black Box». وهو مصطلح يشير إلى الأنظمة الحيوية التي – من وجهة نظر بيهي – تعتمد في عملها على مجموعة من الأجزاء التي تعمل في تناسق مع بعضها البعض. ولا يمكن للنظام أن يعمل إذا تم استبعاد أحد هذه الأجزاء منه، وأن كل جزء في هذه الأنظمة لن يؤدي أي وظيفة بذاته. وبالتالي استحالة أن تكون هذه الأنظمة تطورت تدريجيًا، وإنما تحتاج إلى مصمم من وجهة نظر بيهي.

تكاد هذه الفكرة أن تصبح الدليل الوحيد القابل للمناقشة والتي يقدمها مروجو التصميم الذكي. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يعتمد على فجوات معرفية متوهَمة في العلم ليقحم فيها تفسيراته الأيديولوجية. وعلى الرغم من إثبات خطأ هذا الادعاء علميًا، إلا أنه ما زال يتردد على مسامعنا حتى اليوم. ولهذا رأينا أن نناقشه ونستعرض بعض أمثلتهم للرد عليها.

العين البشرية

بقع العين في الإيوجيلينا. مصدر الصورة: reference.com

يرى مروجو هذا الطرح أن العين البشرية معقدة للغاية، وتتكون من عدد من الأجزاء لا يمكن أن تعمل العين بدون إحداها. إذا فالعين لا يمكن أن تكون قد تطورت تدريجيا وإنما تحتاج إلى مصمم قام بخلقها بشكل مباشر. أليس كذلك؟

يبدو الطرح منطقيًا، لكنه غير صحيح على الإطلاق. فأبسط صور العيون في الطبيعة هي «بقع العين-Eyespots»، وهي عبارة عن بروتينات بسيطة حساسة للضوء. وتمتلك الكائنات البسيطة وحيدة الخلية مثل الإيوجلينا بقع العين، وعلى الرغم من عدم قابليتها لتكوين صورة، إلا أنها تساعد الإيوجلينا على رصد الضوء لتجنب مفترساتها.

أيضًا «كؤوس العين-Cup eyes» هي شكل أكثر تعقيدًا بقليل من بقع العين. تتكون كؤوس العين من سطح منحني من بقع العين، وهذا الانحناء يساعد على تحديد اتجاه الضوء. ويمكننا أن نجدها في «الديدان البلاناريانية-Planarian worms».

وباستمرار انحناء كcوس العين نرى ما يُعرف بPin eye، والتي تمتلكها كائنات مثل «النوتيلوس-Nautilus»، وهي تساعد على تكوين صورة مشوشة.

ومن ثم تأتي المرحلة الآتية وهي إضافة العدسة عند فتحة العين، والتي تمتلكها حيوانات كثيرة من ضمنها البشر، وتقوم هذه العدسة بتركيز أشعة الضوء عن طريق «الانكسار الضوئي-Light refraction».

هناك مقطع فيديو رائع لعالم الأحياء ريتشارد داوكينز يقوم فيه بشرح تطور العين يمكنك مشاهدته من هنا.

في الواقع، تطورت العيون في الكائنات الحية حوالي 40 مرة بشكل منفصل. وخلاصة القول في تطور العيون أنه حتى أبسط أجزاء العين البشرية موجودة في كائنات مختلفة وهي وظيفية وتوفر الرؤية لهذه الكائنات. يمكننا أن نرى كيف أن كائنات مختلفة تمتلك تراكيب مختلفة، وتفتقر إلى بعض أجزاء العين البشرية. ولكنها ما زالت تعمل (باختلاف درجة الجودة بالطبع)، وبهذا نرى أن العين ليست كما يدعي مؤيدو التصميم الذكي “غير قابلة للاختزال”. [2]

«الخنفساء القاذفة-Bombardier beetle»

الخنفساء القاذفة هي حشرة مميزة، وحظيت بهذا الاسم لكونها تقذف مزيجًا من الكيماويات ذات درجة الحرارة العالية تجاه مفترساتها. ويحدث هذا عن طريق عملية معروفة، تقوم فيها الخلايا بإنتاج «الهيدروكوينونات-Hydroquinones» و«بيروكسيد الهيدروجين-Hydrogen peroxide» (وبعض الكيماويات الأخرى حسب النوع). يقوم جسد الخنفساء بتجميع تلك الكيماويات في خزان، وينفتح هذا الخزان عن طريق صمام يتحكم فيه عضلات ويحجزها في غرفة تفاعل ذات جدران سميكة. جدران هذه الغرفة مبطنة بخلايا تفرز إنزيمات «الكاتالاز-Catalase»، و«البيروكسيداز-peroxidase». وتقوم الإنزيمات بتكسير بيروكسيد الهيدروجين بسرعة وتُسرع عملية أكسدة الهيدروكوينونات إلى “p-quinones”. وينتج عن هذه التفاعلات كميات من الأوكسجين وما يكفي من الحرارة لرفع درجة حرارة هذه الكيماويات إلى درجة الغليان. يتبخر حوالي 20% من الكيماويات، وتحت ضغط الغازات الناتجة عن هذه التفاعلات، ينغلق الصمام وتندفع الكيماويات الحارقة عن طريق فتحات في بطن الخنفساء.

ويرى مروجو التصميم الذكي أن هذه الآلية الدفاعية لا يمكن أن تكون قد تطورت بشكل تدريجي، وإنما يجب أن تكون أعصابها وعضلاتها والكيماويات التي تقذفها قد ظهرت في وقت واحد. لنرى صحة هذا الادعاء!

هذا الادعاء خاطئ أيضًا، إذ أننا أمام سيناريو لتطور هذه الآلية الدفاعية، خطوة بخطوة. لنرى:

1- تنتج خلايا بشرة الخنفساء الكوينونات، وهذا موجود في كثير من «المفصليات-Arthropods» الأخرى.
2- تستقر الكوينونات على بشرة الحشرة جاعلة منها سيئة المذاق بالنسبة لمفترساتها (تستخدم العديد من المفصليات الكوينونات كآلية دفاعية بالفعل).
3- تنشأ انبعاجات صغيرة في البشرة بين «الخلايا الخشبية-Scleritis»، وهذا يسمح للحشرة بإطلاق المزيد من الكوينونات إلى السطح عندما تهتز.
4- يزداد عمق الانبعاجات، وتتحرك العضلات قليلًا للسماح لها بإطلاق الكوينونات (لدى بعض أنواع النمل مثل هذه الغدد).
5- يزداد عمق انبعاجين (الخزانات الآن)، حتى تصبح بقية الانبعاجات غير مهمة بالمقارنة بهما.
6- تظهر كيماويات دفاعية أخرى بجانب الكوينونات في كثير من الحشرات التي تعيش اليوم لتساعدها ضد مفترساتها التي طورت مقاومة للكوينونات. إحدى هذه الكيماويات الدفاعية الجديدة هو الهيدروكوينون.
7- تكوّن الخلايا المنتجة للهيدروكوينون طبقات على الخزان لتنتج المزيد من الهيدروكوينون. وتسمح القنوات الموجودة بين الخلايا لكل الطبقات بنقل الهيدروكوينون إلى الخزان.
8- تصير القنوات أنبوبًا مخصصًا لنقل الكيماويات، وتنسحب الخلايا الإفرازية من سطح الخزان لتكون عضوًا منفصلًا. جدير بالذكر أن هذه المرحلة (الغدد الإفرازية المتصلة بالخزانات عن طريق أنابيب) موجودة بالفعل في كثير من أنواع الخنافس غير الخنفساء القاذفة.
9- تتكيف العضلات لإغلاق الخزان، كي تمنع تسرب الكيماويات خارجه في غير وقت الحاجة.
10- يختلط بيروكسيد الهيدروجين (وهو منتج ثانوي، يتم إنتاجه بشكل طبيعي أثناء عملية الأيض) مع الهيدروكوينونات، لتكوين مزيج يمكن استخدامه للدفاع في وقت الحاجة.
11- تظهر الخلايا المنتجة لإنزيمات الكاتالاز والبيروكسيداز، على طول الممر الخارج من الخزان. وهذا يضمن وجود المزيد من الكوينونات في الإفرازات الدفاعية.
الكاتالاز موجود في جميع الخلايا تقريبًا، والبيروكسيداز كذلك شائع لدى النباتات والحيوانات والبكتيريا. مما يعني أن هذه الإنزيمات لا تحتاج إلى صناعتها من الصفر، ولكن فقط تركيزها في مكان محدد.
12- ينتج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، لتزيد من حرارة السائل المقذوف. كما تزيد كذلك من سرعة قذفه نتيجة لوجود الأوكسجين الذي يُوّلد نتيجة التفاعل. تعتبر خنفساء Metrius contractus مثالًا جيدًا على الخنافس القاذفة التي تمتلك إخراجًا رغويًا، وليس على شكل نفاثات.
13- تصبح جدران الممر أقوى لتحمل الحرارة والضغط الناتجين عن التفاعل.
14- يستمر إنتاج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، كما تزداد جدران الممر قوة وسُمكًا حتى تأخذ شكل غرف التفاعل الموجودة في الخنافس القاذفة اليوم.
15- يزداد طول طرف بطن الخنفساء ويصبح أكثر مرونة للسماح لها بتصويب السائل في اتجاهات متعددة.

ونلاحظ من هذا السيناريو أن كل هذه الخطوات هي خطوات بسيطة وتحقق منفعة للخنفساء، لذا سيسمح الانتخاب الطبيعي بتمريرها. وقد يتساءل الخلقيون عن كيفية معرفتنا لهذا السيناريو، في الواقع، هذا مجرد سيناريو افتراضي قد يكون غير حقيقي أصلا!

فالفكرة ليست في كون السيناريو حقيقي، وإنما في توضيح إمكانية تأدية بعض أجزاء النظام لوظائف جزئية. أي بطلان فكرة التعقيد غير القابل للاختزال. بالإضافة إلى توافر آليات مشابهة في كائنات أخرى بشكل أبسط. ففي كل خطوة من السيناريو المفترض، حافظ النظام على وظيفته الأساسية وهي الحماية والدفاع. وفي كل خطوة، تطورت آلية الخنفساء الدفاعية بشكل أفضل.

مجددًا، لا يهم إن كان هذا هو السيناريو الحقيقي أم لا، المهم هو إمكانية تطور هذا النظام بشكل تدريجي مع الاحتفاظ بوظيفته في كل خطوة كما وضحنا. وهذا كافٍ لنعلم أنه ليس “غير قابل للاختزال” كما يروج داعمو التصميم الذكي. [3]

«السوط البكتيري-Bacterial flagellum»

السوط البكتيري هو تركيبة تشبه الذيل، حيث تعتبر وظيفته الأساسية هي مساعدة البكتيريا على التحرك. يرى الخلقيون أن السوط البكتيري مصنوع من مجموعة بروتينات لا يمكن أن يؤدي كل بروتين منها أي وظيفة وحده. وهذا يجعل السوط البكتيري غير قابل للاختزال في نظرهم، فهل ادعائهم صحيح؟

حقوق الصورة: youtube


هذا ادعاء خاطئ لأبعد درجة، فالطبيعة مليئة بنماذج أولية وظيفية للسوط البكتيري (تذكروا ادعاءهم بأن أي نموذج أولي لأي نظام غير قابل للاختزال هو نموذج غير وظيفي)، بل ووظيفة كافية لتسبب خطرًا على حياة الإنسان.

من المعروف أن بعض أنواع البكتيريا تسبب الأمراض للكائنات التي تضيفها، والتي تعرف باسم «المضيف-Host». ولتتمكن البكتيريا من إصابة المضيف، عليها أن تحقن خلايا الكائن المضيف بالمواد السامة. ولكي تفعل البكتيريا ذلك تستخدم جهازًا يُدعى «الجهاز الإفرازي من النوع الثالث-Type III secretory system»، والذي يُرمز له بTTSS. تستخدم البكتيريا ال TTSS لتحقن السموم مباشرة في السيتوبلازم الخاص بخلية المضيف.

وقد تتساءل عن علاقة الTTSS بالسوط البكتيري الذي نتحدث عنه. أظهرت الدراسات أن قاعدة السوط تتشابه في البروتينات التي تكوّنها إلى حد كبير مع البروتينات التي تكون الTTSS. بالطبع، خبر غير سار لداعمي التصميم الذكي! إذ أن فكرة التعقيد غير القابل للاختزال قائمة على أنه بإزالة جزء واحد من النظام سيفقد النظام وظيفته. لكن هذا غير صحيح، فإذا أزلنا معظم أجزاء السوط البكتيري سيتبقى لنا جهاز إفرازي من النوع الثالث، وهو جهاز وظيفي كما ذكرنا.

TTSS. حقوق الصورة: Researchgate


يُعد وجود الTTSS في عدد كبير من أنواع البكتيريا المختلفة دليلًا على أن جزءًا صغيرًا من نظام “غير قابل للاختزال” (كما يتوهم الخلقيون) لا يزال يؤدي وظيفة بيولوجية مهمة لدى البكتيريا. وهذا يعني أن ادعاءهم بأنه على السوط البكتيري أن يتم تجميعه بشكل كامل قبل أن يصبح أي جزء منه ذو وظيفة هو ادعاء خاطئ. وهو ما يعني أن السوط البكتيري ليس “غير قابل للاختزال” كما يدعون. [4] ، [5]

وخلاصة القول في التعقيد غير القابل للاختزال أنه مجرد دليل متهافت مبني على فهم منقوص لعلم الأحياء اخترعه مايكل بيهي ليدعم فرضية التصميم الذكي. وأن كل أمثلته كما ذكرنا ليست غير قابلة للاختزال، ويمكنها أن تتطور تدريجيًا وهو ما نتوقعه من التطور. فالانتخاب الطبيعي لا يبدأ من الصفر، وإنما يعمل على أجهزة وظيفية موجودة من الأساس ليكسبها وظيفة جديدة أو يعزز وظيفتها الأصلية.

دحض التصميم الذكي

والآن بعد أن أوضحنا مدى تهافت دليل التعقيد غير القابل للاختزال، والذي بانهياره ينهار التصميم الذكي ويصبح كرماد تذروه الرياح بلا أي دليل ليدعمه. نأتي الآن بنيان الخلقيين من القواعد، حيث أن الأمثلة التي سنذكرها بعد قليل لا يمكن تفسيرها في ضوء التصميم الذكي. كذلك لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء التطور.

«العصب الحنجري المتكرر-Recurrent laryngeal nerve»

العصب الحنجري هو العصب الذي يصل بين الحنجرة والدماغ. وعلى الرغم من قرب المسافة بين الحنجرة والدماغ إلا أنه يأخذ مسارًا على شكل حرف U في الأبجدية الإنجليزية بدلًا من أن يسلك مسلكًا مباشرًا. يلتف العصب الحنجري في جسد الإنسان من تحت الشريان «الأبهر-Aorta»، ثم يصعد مجددًا ليصل إلى الحنجرة. إلا أن الأمر يصبح أكثر غرابة عندما نأتي لحيوان كبير في الحجم مثل الزرافة. فيقوم هذا العصب بقطع مسافة تبلغ 15 قدم (حوالي 5 أمتار) ليلتف على شكل حرف U داخل عنق الزرافة!

العصب الحنجري. حقوق الصورة: The Bite Stuff

وكما نرى، فهذا التصميم ليس ضروريًا على الإطلاق. فليس بهذا العصب حاجة ليقطع كل هذه المسافة ويلتف من تحت الأبهر ثم يصعد مجددًا لبلوغ وجهته. فما هو التفسير الممكن لهذه الظاهرة وفقًا لنظرية التطور؟

يكمن السبب في أننا تطورنا من أسماك، حيث أن فرع العصب الحائر يمتد في الأسماك من الأعلى للأسفل بجانب الوعاء الدموي القوسي الخيشومي السادس. يظل العصب بهذا الشكل في الأسماك الناضجة ليصل المخ بالخياشيم ليساعدها على ضخ المياه.

العصب الحائر في الأسماك. حقوق الصورة: Art Station

أثناء تطورنا، فقدنا الوعاء الدموي من القوس الخامس. وتحركت الأوعية الدموية من الأقواس الرابع والسادس إلى الأسفل لتكوين الشريان الأبهر وشريانًا يصل الأبهر بالرئتين. ولكن كان على العصب الحنجري أن يظل متصلًا بالبِنى الجنينية التي ستكون الحنجرة، والتي ظلت بالقرب من المخ.

ولأن الشريان الأبهر تطور إلى الوراء باتجاه القلب، كان على العصب الحنجري أن يلتف من تحته. ويمكنك مشاهدة مقطع فيديو قصير يوضح تطور هذه العملية من هنا.

في الواقع، نمتلك نفس التكوين السمكي للأعصاب والأوعية الدموية أثناء النمو الجنيني. ولكن ينتهي بنا المطاف بهذا التصميم للعصب الحنجري. [6]

الجهاز الهضمي للباندا

على الرغم من اعتماد دببة الباندا على نبات البامبو بشكل أساسي في الغذاء، إلا أن جهازها الهضمي ليس متكيفًا مع هذا النمط الغذائي. تقضي الباندا 14 ساعة يوميًا في أكل المزيد والمزيد من البامبو، لكنه لا يستطيع الاستفادة إلا من 17% من كمية البامبو التي يأكلها، فلماذا؟

يرجع السبب إلى امتلاك الباندا جهازًا هضميًا متكيفًا أكثر مع أكل اللحوم. فجهازها الهضمي يعاني من غياب البكتيريا التي تفرز إنزيمات لهضم السيليلوز مثل بكتيريا Ruminococcaceae الموجودة في الحيوانات آكلة النباتات الأخرى.

لا يمكننا تفسير هذا في ضوء التصميم الذكي لجهاز الباندا الهضمي، ولكن يمكننا تفسيره في ضوء تطور الباندا من دببة آكلة للحوم. الأمر منطقي، فجميع أنواع الدببة الأخرى آكلة للحوم، وبالتالي فقد ورث الباندا جهازه الهضمي من الدببة التي تعتمد في غذائها بشكل أساسي على اللحوم. [7] بينما يغض الخلقيون البصر عن هذا المثال الذي لا يترك مجالًا لفرضيتهم، فالجهاز الهضمي للباندا غير مصمم بشكل خاص بوضوح.

الولادة البشرية

عملية الولادة البشرية مؤلمة بشكل لا يحتمل، وسببت الوفاقة قبل تطور الطب الحديث لعدد كبير من النساء مع أجنتهم أثناء الولادة. وتكمن المشكلة في أننا طورنا دماغًا كبيرًا نسبيًا، هذا الدماغ أكبر من فتحة الحوض التي يمر من خلالها رأس الجنين. احتاجت فتحة الحوض إلى أن تكون ضيقة لتبقي على خاصية المشي المنتصب لدى البشر، وهو ما يتسبب للمرأة بهذا الألم الشنيع أثناء الولادة.

فإذا كان الإنسان مصممًا بشكل خاص، لم يكن ليستخدم نفس آلية الولادة التي تستخدمها باقي الحيوانات بطريقة أقل ألمًا (والتي لا تناسبنا بسبب رؤوسنا الكبيرة). ولكننا محكومون بتاريخنا التطوري كغيرنا من الكائنات. [6]

لا يصلح التصميم الذكي كفرضية علمية، يقف اليوم بلا أي أدلة حقيقية تصلح لإعلانه بديل عن نظرية التطور بأي حال.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Nature
[3] Talk Origins
[4] NCBI
[5] Miller
[6] Why Evolution Is True?, By Jerry Coyne
[7] BIO M

العنف وجين المحارب The Warrior Gene، علاقة الجينات بالسلوكيات العنيفة؟

على مدى عقود يدرس العلماء ارتباط الجينات بالسلوكيات المختلفة. ولا يزال هناك عديد من التساؤلات حول ارتباط الجينات بهذه السلوكيات وحول تأثير البيئة والظروف المختلفة التي يتعرض لها الفرد على تحفيز هذه الجينات ليظهر السلوك. فكما ذكرنا مسبقاً في حديثنا عن الجينات الأنانية وكيف يفسر بعض العلماء سلوكيات مثل التضحية والإيثار في ضؤئها. فإن جين المحارب والجينات المماثلة له يُرجح العلماء أن تكون شديدة الارتباط بسلوك العنف لدى كثير من البشر.

جين المحارب

تلعب السيالات العصبية على سبيل المثال: الدوبامين والسيروتونين والنورأدرينالين دوراً محورياًً في التأثير على الحالة المزاجية للإنسان وقدرته على التعلم والتذكر ومشاعره تجاه من حوله.
يتم التحكم في مستويات هذه السيالات العصبية عن طريق إنزيم أوكسيداز أُحادي الأمين-أ (ماو-أ) Monoamine oxidase-A (MAO) والذي يقوم بتكسير هذه السيالات عند زيادتها عن الحد المعتدل. ويعتبر جين ماو-أ هو الجين الأساسي المسئول عن وظيفة إنزيم ماو-أ. ويقع هذا الجين على الكروموسوم الأنثوي إكس X Chromosome. ولكن تحوراً من هذا الجين يكون منخفض النشاط. من ثم لا ينتج الإنزيم بكميات كافية. وقد لوحظ أن حمل هذه النسخة منخفضة النشاط مرتبط بزيادة احتمال العنف او الجرأة على المخاطرة. يشار إلى هذا الجين المتحور بجين المحارب. [2]

إنزيم ماو-أ ينظم مستويات السيالات العصبية في الجسم. [3]
يشار إلى تحور جين ماو-أ ذو النشاط المنخفض بجين المحارب. [4]

الرابط بين العنف وجين المحارب في الدراسات العلمية

ارتباط جين المحارب ومستويات انزيم ماو-أ المنخفضة بالسلوك العنيف في البشر

في عام 1990 ميلادية ربطت دراسة بين قلة مستويات إنزيم ماو-أ والقيام بسلوكيات مضادة للمجتمع. خصوصاً لدى الأشخاص الذين تعرضوا لضغوطات وظروف صعبة في طفولتهم. [2] بينما في عام 1993 قام باحثون بتتبع جين المحارب في عائلة هولندية مشهورة بأفراد ذوي سلوك عدواني وتأخر في القدرات العقلية. وقد لاحظوا انتشار الجين بين ذكور العائلة. ومن هذه الدراسة تم اكتشاف أن هذا التحور من جين المحارب مسئول عن السلوك العنيف لدى المصابي بمتلازمة برونر Brunner Syndrome.
[5]

كذلك أُجريت في 2008 دراسة في الولايات المتحدة على أطفال في سن من 7 وحتى 12 سنة. وقد وجدت هذه الدراسة أن الأطفال الذين يمتلكون نسخة من جين ماو-أ ينتج عنها قلة إنتاج الإنزيم يكونون أكثر عدائية وعنف من أقرانهم الذين يمتلكون نسخة نتنج الإنزيم بكميات كافية. لكن ذلك يرتبط بأن يكون الطفل تعرض لظروف معيشية صعبة. تشمل على سبيل المثال: المشاكل الأسرية، قلة الأصدقاء بالمدرسة والرسوب في الامتحانات. [2]

لاحظت بعض الدراسات انتشار جين المحارب لدى الأطفال العدوانيين. [6]

بدا من دراسة أجراها باحثون على مجرمين في فنلندا وجود علاقة بين جين المحارب وارتكاب جرائم القتل. كما لاحظوا أن احتمال ارتكاب تلك الجرائم عند هؤلاء الأشخاص يزداد عندما يتعاطوا مواد مثل الكحول والأمفيتامينات. حيث تتسبب تلك المواد في زيادة الدوبامين ومن ثم يؤدي وجود جين المحارب إلى ضعف قدرة الجسم على تكسيره. لذلك ربما يكون ذلك سبب زيادة احتمالية ارتكاب هؤلاء الأشخاص تلك الجرائم. كما تمكنوا من اكتشاف جين آخر يرتبط بالعنف هو سي دي إتش 13 CDH13.
[7]

يبدو أن جين المحارب منتشراً بين المجرمين الخطرين. [8]

التجارب على الفئران تعضد الربط بين جين المحارب والعنف

كذلك فإن الدراسات المجراة على الفئران والتي تم تعديلها جينياً بحيث تم تعطيل جين ماو-أ بها كانت عدائية وغير اجتماعية. بينما أظهرت الفئران التي تم تعطيل الجين فيها جزئياً نشاطاً اجتماعياً أقل وإن كانت لم تظهر سلوكاً عنيفاً متزايداً كما في حالة التعطيل الكلي للجين. [5]

يؤدي غياب وظيفة ماو-أ إلى سلوكيات عدوانية في فئران التجارب. [9]

تأثير جين المحارب يظهر في تصويرالمخ بالأشعة

على صعيد آخر وجدت دراسة أن تأثير امتلاك نسخة من جين المحارب تظهر جلية على تركيب المخ. حيث أن الترابط بين المناطق المسئولة عن التحكم بالعواطف أظهر نمطاً مختلفاً عن الطبيعي. [5]

هل جين المحارب مسئول وحده عن العنف؟

تميل معظم الأبحاث المنشورة في هذا المجال إلى أن كون الشخص يحمل جين المحارب لا يكفي لكوّن الشخص سلوكاً معادياً للمجتمع وعنيفاً. وإنما ترى أنه ينبغي أن يصاحب ذلك تأثير من البيئة المحيطة. حيث وجدت دراسة أن احتمال تكوين شخصية عنيفة يزداد في حال تعرض الأطفال الذكور الحاملين لجين المحارب في طفولتهم لمعاملة أو ظروف سيئة. [10]

تميل العديد من الدراسات إلى أن الظروف التي ينشأ فيها الفرد قد تبرز أثر جين المحارب ومن ثم لا ترى ان حمله كافٍ وحده لتوليد سلوك عنيف. [11]

جينات أخرى مرتبطة بالعنف

في حقيقة الأمر تم رصد أكثر من جين يزيد حمل أشكال متحورة منها احتمالية تكوين شخصية عدائية وعنيفة. على سبيل المثال:

  1. جين دات1 DAT1 gene:
    هذا الجين مسئول عن تكوين ناقل للدوبامين يقوم بتعطيله ومن ثم السيطرة على كمياته وتأثيراته حتى لا تزيد عن الحد. [2]
  2. جين دي آر دي2 DRD2 gene:
    هذا الجين مسئول عن تكوين المستقبلات التي يرتبط بها الدوبامين. من ثم تساهم في تحفيز مركز المكافآت بالمخ. وقد وجد العلماء أن بعض تحورات هذا الجين قد تتسبب في زياة احتمالية تكوين شخصية عدوانية. ليس هذا فحسب، بل وجدوا أيضا أنها قد تزيد من احتمالية أن يكون الشخص مدمناً. [2، 12]
  3. جين مستقبل الأندروجن Androgen receptor gene:
    وجد العلماء تحورات لهذا الجين تتسبب في زيادة احتمالية أن يكون الشخص عنيفاً. [2]

ايجابيات دراسة جين المحارب وغيره من الجينات المرتبطة بالسلوك العنيف

  1. زيادة فهمنا لتأثير البيئة والظروف والتنشئة على تطور السلوك العنيف لدى حاملي هذه الجينات.
  2. تطوير أدوات فحص جينية قد تساعدنا في تشخيص الحالات التي تحمل الجينات المسئولة عن العنف.
  3. تطوير علاجات تساعد من يحملون تلك الجينات على السيطرة على السوك العنيف وتحسين قدراتهم الاجتماعية. [5]

تبعات اجتماعية لربط جين المحارب بالعنف

التأثير على أحكام القضاء

يرى البعض أن هذا الربط قد يستخدم كذريعة لتخفيف الأحكام على المجرمين. أو زيادة فترة حجزهم لتقليل خطرهم. حيث أجرى باحثون دراسة على 181 قاضٍ بالولايات المتحدة. عرضوا فيها على القضاة قضايا مختلفة تم فيها تقديم طلب بتخفيف الحكم على المجرم بحجة أنه يحمل جين المحارب. وكانت النتيجة أنه بشكل عام أدى عرض الدليل البيولوجي بالقضاة إلى تخفيف العقوبة. [13]

يخشى كثيرون من أن يستخدم جين المحارب كذريعة أمام القضاء للنجاة من العقاب. [14]

ربما بدت لك عزيزي القاريء تلك المخاوف نظرية. لذلك دعني أحدثك عن قصة فتاة إيطالية قامت بقتل أختها وحرق جثتها. ثم حاولت قتل والديها. وفي المحكمة طالب الدفاع من القاضي فحصها نفسياً. لكن الفحص النفسي أتى بنتائج متعارضة. من ثم طالب الدفاع بفحصها جينياً وبإجراء أشعة على المخ. وبالفعل تبين أنها حاملة لجينات تزيد احتمال تكوين سلوك عنيف. كما بينت الأشعة انها تعاني من خلل في بعض مناطق التحكم بالمشاعر. ونتيجة لذلك تم تخفيض عقوبتها من المؤبد إلى 20 عاماً. [15]

وهذه ليست الحالة الوحيدة. ففي خمس سنوات فقط كان هنا 20 حالة مماثلة. ويعترض بعض العلماء على استخدام مثل تلك االفحوصات كأداة للتبرير للمجرمين كون الأمر لا تحكمه الجينات وحدها. كذلك فإن مستويات الجين المحارب في جزء من الدماغ لا تستطيع أن تعبر عن كل أجزاء الدماغ. [17]

القلق من قبول الحتمية الجينية

بالإضافة لذلك يخشى البعض من التمييز بين البشر على أساس جيني. لكن أشد هذه المخاوف وأكثرها عمقاً هو خشية البعض من أن يؤدي ذلك إلى تقبُل فكرة الحتمية الجينية. [17]

لربما تثير تلك النتائج التي تربط بين السلوكيات والجينات في أنفسنا قلقاً حول إرادتنا الحرة وحرية الاختيار. لكننا ندعوك إلى عدم التسرع عزيزي القاريء. فمثل تلك النتائج لا تقطع بالحتمية الجينية أو بمعنى آخر لا تعني أننا أسرى لجيناتنا التي ورثناها دون اختيار. فحتى يومنا هذا يعتقد أغلب العلماء أنه من المبكر استخدام تلك النتائج في القطع بالحتمية الجينية. خصوصاً وانه كما ذكرنا سابقاً لا تزال الدراسات غير كافية والأمر معقد ومتداخل. ففي كثير من الأحيان يلعب أكثر من جين دوراً في الصفة الواحدة. كذلك التجارب التي نتعرض لها والبيئة التي ننشأ فيها وعادات جديدة نضيفها لجدولنا بل حتى الطعام الذي نتناوله قد يؤثروا في آلية عمل جيناتنا.

كما أن كثير من البشر استطاعوا التغيير في حالتهم المزاجية والجسدية وسلوكياتهم عن طريق إدخال تغييرات بسيطة تدرجية على نمط حياتهم كما ذكرنا في التغذية الجينومية في مقال القرصنة البيولوجية. ولربما شاهدت عزيزي القاريء بعض هؤلاء المحاربين الذين تمكنوا من خسارة وزنهم وانتصروا على استعدادهم الجيني للسمنة. ولذلك يميل عدد كبير من العلماء إلى الاعتقاد بحرية الإرادة وأن الإنسان قادر نسبياً على التحرر من قيود تركته الجينية.

المصادر:

  1. مصدر الصورة البارزة:
    Chasing the ‘warrior gene’ and why it looks like a dud so far – Genetic Literacy Project
  2. The genetics of violent behavior (jax.org)
  3. Schematic diagram of major routes of inactivation of the monoamine… | Download Scientific Diagram (researchgate.net)
  4. Japanese Samurai Warrior PNG Free Image | PNG All
  5. From warrior genes to translational solutions: novel insights into monoamine oxidases (MAOs) and aggression (nih.gov)
  6. Supporting a child with aggressive or difficult behaviour – Barefoot Social Work (weebly.com)
  7. Genetic background of extreme violent behavior | Molecular Psychiatry (nature.com)
  8. Silhouette Aggressive Criminal Attacking with Knife Dangerous Man Using Weapon by stockbusters (videohive.net)
  9. Drug calms violent rats | Nature
  10. MAOA, Childhood Maltreatment, and Antisocial Behavior: Meta-analysis of a Gene-Environment Interaction – Biological Psychiatry (biologicalpsychiatryjournal.com)
  11. Child abuse in Hong Kong escalating as pandemic sees children and stressed parents spending more time at home, expert says | South China Morning Post (scmp.com)
  12. The DRD2 gene in psychiatric and neurological disorders and its phenotypes – PubMed (nih.gov)
  13. The Double-Edged Sword: Does Biomechanism Increase or Decrease Judges’ Sentencing of Psychopaths? (science.org)
  14. Criminal Waiting For Courts Ruling Stock Photo – Download Image Now – iStock (istockphoto.com)
  15. Italian court reduces murder sentence based on neuroimaging data : News blog (nature.com)
  16. Stefania Albertani folle? Battaglia in aula – Homepage, Cirimido (laprovinciadicomo.it)
  17. Lighter sentence for murderer with ‘bad genes’ | Nature

أدلة التطور من الجينوم

هذه المقالة هي الجزء 10 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

في مقال اليوم نتعرف على أقوى خط من خطوط أدلة التطور، إذ سنتحدث عن أدلة التطور من الجينوم. الأدلة الجينومية هي نوع حديث نسبيًا من أنواع الأدلة على التطور، حيث أن كل ما سنذكره في مقال اليوم من أدلة لم يكن معروفًا قبل القرن الماضي. لقد تطورت علوم الجينوم بقوة وأصبحت ركيزة أساسية في علوم الطب والصحة والبيولوجيا. توقع الكثيرون أنها ستوجه ضربة قاضية لنظرية التطور، ولكنها على العكس، وجهت ضربة قاضية لكل ما يخالف التطور. لقد ظهرت جينات الأعضاء الضامرة بوضوح، بل وكيف ضمرت جينيًا. أصبح بالإمكان رسم شجرة التطور بواسطة الحواسيب من خلال تحليل تتابعات متعدد لجين معين ومعرفة رحلته التطورية عبر الكائنات الحية. والآن لنستعرض الأدلة، ولكن علينا أولًا أن نفهم بعض أساسيات علم «الأحياء الجزيئية-Molecular Biology».

ما هو ال DNA؟

قواعد الدنا النتيروجينية. حقوق الصورة: Medical News Today

تتكون كل الكائنات الحية التي تعيش على كوكبنا من خلايا، فالخلية هي الوحدة الأساسية لبناء الكائن الحي. وفي نواة الخلية، نجد جزيئات معقدة تُدعى «الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين-Deoxyribonucleic acid» وهي ما نرمز له ب “DNA”.

ويتكون ال DNA من تسلسل حروف هي A,C,T,G وكل حرف منهم يرمز إلى مركب كيميائي، حيث أن:

• حرف A يرمز إلى «أدينين-Adenine»
• حرف C يرمز إلى «سيتوزين-Cytosine»
• حرف T يرمز إلى «ثيامين-Thymine»
• حرف G يرمز إلى «جوانين-Guanine»

وتُدعى هذه المركبات الأربعة ب «القواعد النيتروجينية-Nitrogenous bases». عند اتحاد القواعد النتيروجينية مع جزيء «سكر خماسي الكربون-Pentose sugar»، و«مجموعة فوسفات-Phosphate group» تكون «النيوكليوتيدات-Nucleotides»، وهي وحدة البناء الأساسية لل DNA.

ما هي الجينات؟ وكيف تعمل؟

الجين هو قطعة لها بداية ونهاية من شريط الDNA، بمعنى أدق، هو تسلسل محدد من الحروف A,C,T,G. يحمل هذا التسلسل الأوامر اللازمة لإنتاج بروتين محدد، كأنها حروف في كتيب تعليمات لتركيب أجزاء المروحة. وفقًا لترتيب تلك الحروف، تترتب الأجزاء معًا وينتج في النهاية مروحة تعمل بكفاءة. ولكن كيف تعمل الجينات؟

يتم نسخ تسلسل حروف الجين الموجودة على شريط الDNA إلى تسلسل حروف آخر يُسمى «RNA رسول-Messenger RNA» ويُرمز له ب”mRNA”. ينتقل جزيء الmRNA هذا من نواة الخلية إلى «الريبوسوم-Ribosome» (أحد العُضيّات الموجودة داخل الخلية)، ويعمل الريبوسوم كآلة لإنتاج البروتين، حيث يقوم بقراءة تسلسل حروف الmRNA. تعطي كل 3 حروف الأمر لاختيار أي نوع من أنواع «الأحماض الأمينية-Amino Acids» بالتحديد ليضعه الريبوسوم في السلسلة. على سبيل المثال، الحروف “CAA” تخبر الريبوسوم أن يختار «الجلوتامين-Glutamine» (أحد الأحماض الأمينية). وعند الانتهاء من قراءة الmRNA تكون عملية تكوين البروتين قد تمت، ويمكنك مشاهدة مقطع يوضح هذه العملية الرائعة من هنا. [1]

وبعد هذه المقدمة التمهيدية البسيطة، ننتقل إلى استعراض أدلة التطور من الجينوم.

وحدة الشيفرة الجينية

كما ذكرنا، تستخدم كل الكائنات الحية على الأرض الDNA لتشفير معلوماتها الوراثية. كما تستخدم نفس طريقة صنع البروتين، حيث تعطي نفس الثلاث حروف الأمر للريبوسوم لوضع نفس الحمض الأميني في سلسلة الأحماض الأمينية لصنع البروتين في كل الكائنات الحية، ولكن ما هو تفسير هذا؟

وقد يتساءل القارئ عما إن كان هذا يتطلب تفسيرًا أصلًا، ولكن صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ، شيفرة الDNA ليست الشيفرة الوحيدة الممكنة.

أظهرت الأبحاث باستخدام برامج الحاسوب إمكانية تشفير المعلومات الوراثية بما يزيد عن مليون شيفرة جينية ممكنة غير الDNA. بل أن بعضها قد يؤدي وظيفته بشكل أفضل بكثير من الDNA، فلماذا تستخدم كل الكائنات نفس الشيفرة؟ [2] , [3]

لا يمكننا فهم هذا إلا في ضوء نظرية التطور من أصل مشترك. فنظرية التطور تخبرنا أن جميع هذه الكائنات ورثت شيفرتها الوراثية من نفس الكائن الأولي.

ولا يمكننا أن نفهم سر وحدة الشيفرة في ضوء فكرة الخلق الخاص. لو كانت كل الكائنات قد خُلقت بشكل منفصل لما كان هناك حاجة لتكون هناك شيفرة موحدة. بل على العكس، فوجود شيفرات مختلفة في الكائنات المختلفة كان ليمنع انتقال الفيروسات بين الحيوانات المختلفة، مثل إنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور والكورونا التي تصيب البشر، وغيرها من الفيروسات.

نسبة التشابه الجيني بين الرئيسيات

لا تتشارك الكائنات نفس الشيفرة فحسب، بل تتشارك في كمية كبيرة من الجينات. وتختلف نسبة التشابه الجيني بين الكائنات وفقًا لقربها أو بعدها عن بعضها البعض تطوريًا.

تبلغ نسبة الاختلاف الجيني بين البشر نسبة ضئيلة تُقدر ب 0.1%، وتستخدم نسبة التشابه في معرفة الأنساب وتحديدها قضائيًا اليوم. أما بيننا وبين أولاد عمومتنا من الشيمبانزي وقرود البونوبو تبلغ نسبة التشابه حوالي 1.2%، بينما تصل إلى 1.6% بيننا وبين الغوريلا. والأهم من ذلك، هو أن كل من البشر والشيمبانزي والبونوبو يتشاركون نفس نسبة الاختلاف الجيني عن الغوريلا. أي أن الشيمبانزي والبونوبو أقرب إلى الإنسان منهم إلى الغوريلا.

وتختلف طرق حساب نسبة التشابه والاختلاف الجيني، وباختلاف الطريقة تختلف النسبة. حيث أنه بأخذ الجينوم الكامل بالحسبان، تُظهر النتائج أن هناك مناطق من الDNA قد حُذفت، أو تمت مضاعفتها مرات ومرات. أضيف بعضها في أماكن أخرى من الجينوم أيضًا. وعند الأخذ بكل هذه الاختلافات، قد تصل نسبة الاختلاف الجيني بين الإنسان والشيمبانزي إلى ما بين 4% و5%. ومهما اختلفت طرق الحساب فالنتيجة واحدة، وهي أن الإنسان والشيمبانزي والبونوبو أقرب إلى بعضهم منهم إلى الغوريلا أو أي من الرئيسيات الأخرى. وهذا يخبرنا بحقيقة مدهشة وبديهية في الأوساط العلمية اليوم، وهي أننا لسنا فقط أقارب القردة العليا، بل نحن منهم!

وتتيح لنا دراسة نسب التشابه الجيني بين الكائنات بناء شجرة عائلة تربط هذه الكائنات ببعضها البعض. والمفاجأة أن هذه الشجرة تطابق ما يخبرنا به كل من التشريح المقارن ودراسة الحفريات في ضوء نظرية التطور. [4]

حقوق الصورة: Human Origins


يعترض بعض المشككين قائلين أن التشابه الجيني لا يعني وحدة الأصل. لكن الواقع يقول أن الجينات لا تنتقل بين الكائنات الحية إلا بالتكاثر، فكون الكائنات تمتلك نفس الجينات يعني انحدارها من نفس الأصول. وكما تثق في تحليل الDNA الذي يخبرك إذا ما كان الطفل ابنك البيولوجي أم لا، عليك أن تثق بنتائج تلك الأبحاث التي تخبرك عن علاقتك التطورية بينك وبين أبناء عمومتك من الشيمبانزي والبونوبو وباقي الرئيسيات. علمًا بأن تحليل الDNA يتم بنفس الطرق التي قيست بها هذه النسب.

الكروموسوم 2

لدى الإنسان 23 زوجًا من الكروموسومات (46 كروموسوم)، بينما تمتلك القردة العليا الأخرى (الشيمبانزي، والأورانجوتان، والبونوبو، والغوريلا) 24 زوجًا (48 كروموسوم). غالبًا ما يلجأ المشككون لهذه المعلومة لدحض التطور، فيقولون إذا كان الإنسان من القردة العليا، فلماذا يختلف عنهم في عدد الكروموسومات؟

وتكمن الإجابة في أن تسلسل الDNA على الكروموسوم 2 لدى الإنسان متطابق تقريبًا مع كروموسومين منفصلين لدى الشيمبانزي. اقترح العلماء أن سبب اختلاف عدد الكروموسومات وفقًا لنظرية التطور هو أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين مندمجين من كروموسومات القردة العليا، ولكن كيف نختبر هذه الفرضية؟

تُدعى أطراف الكروموسومات «تيلوميرات-Telomeres»، كما أن هناك منطقة تقع في منتصف الكروموسومات تُدعى «سنترومير-Centromere». يحتوي الكروموسوم الطبيعي على 2 تيلومير (نهايتين) وسنترومير واحد. فإذا كان الكروموسوم 2 في الإنسان عبارة عن اندماج في كروموسومين في القردة العليا، فعلينا أن نعثر على آثار لهذا الالتحام.

وجد العلماء آثار هذا الالتحام بالفعل، فقد أظهرت الأبحاث وجود بقايا تيلومير في منتصف الكروموسوم 2 (ناتج عن التحام تيلوميري الكروموسومين)، وبقايا سنترومير كذلك. هذا ما يثبت أن الكروموسوم 2 هو بالفعل عبارة عن اندماج كروموسومين من كروموسومات القردة العليا بشكل قاطع ولا يمكن تفسيره إلا باندماج كروموسومين. يدل هذا بما لا يدع مجال للشك على أصولنا المشتركة مع القردة العليا الأخرى. [5] , [6]

التحام الكروموسومين لتكوين كروموسوم 2. حقوق الصورة: Wikipedia

تكرار CMT1A الأقرب

على الكروموسوم 17 في الإنسان يقع جين PMP-22 الذي يشفر لإنتاج بروتين (Peripheral nerve protein-22)، محاطًا بنسختين من جين CMT1A، وهما «تكرار CMT1A الأقرب-Proximal CMT1A-REP»، و«تكرار CMT1A الأبعد-Destal CMT1A-REP».

ويؤدي «تعابُر الكروموسومات-Chromosome crossover» غير المتساوي، الناتج عن سوء اصطفاف التكرارين الأبعد والأقرب للجين CMT1A إلى مرضين عصبيين شائعين هما:
• Charcot-Marie-Tooth disease type (1A) (CMT1A)
• Hereditary Neuropathy with liability to Pressure Palsies (HNPP).

وبهذا نعتبر وجود نسختين من جين CMT1A خطأً وراثيًا، إذ يتسبب هذا التكرار غير الضروري بالإصابة بالأمراض العصبية، ولكن كيف يدل هذا على التطور؟

أظهرت تحاليل الDNA للرئيسيات امتلاكها جميعها لتكرار CMT1A الأبعد، ولكن فقط الإنسان والشيمبانزي وحدهما يمتلكان تكرار CMT1A الأقرب جنبًا إلى جنب مع التكرار الأبعد. أي أن هذا الخطأ الوراثي موجود فقط في الإنسان والشيمبانزي، ويمكننا تفسير هذا بحدوث عملية تضاعف للجين CMT1A في آخر سلف مشترك للإنسان والشيمبانزي.

لا يمكننا تفسير وجود هذا الخطأ لكل من الشيمبانزي والإنسان إلا وفق نظرية التطور. إذ ستتضاءل احتمالية حدوث نفس الخطأ لدى كل من النوعين بشكل منفصل دونًا عن بقية الرئيسيات التي أجريت عليها التحاليل. يصبح الأمر منطقيًا وفقًا لشجرة العائلة التطورية للقردة العليا. [7]

«الجينات الزائفة-Pseudogenes»

أثناء عملية التطور، تحدث طفرات لبعض الجينات متسببة في تعطيلها وتحويلها إلى جينات غير مشفرة للبروتين. تسمى هذه الجينات بالجينات الزائفة، لأنها لا تؤدي وظيفتها. تعتبر تلك الجينات الزائفة من أوضح الأمثلة على نظرية التطور، إذ لا يوجد ما يفسرها سوى النظرية. فهل من أمثلة؟

تنتج أجسام جميع الثدييات فيتامين C. إلا أن أجسام «الرئيسيات جافة الأنف-Haplorhini» (مجموعة تشمل قرود العالم القديم، وقرود العالم الجديد، والقرود العليا ومنها الإنسان) لا تستطيع صنع فيتامين C. تحصل الرئيسيات جافة الأنف علي فيتامين سي من غذائها، وفي حال عدم حصولها على الكميات الكافية، تُصاب بداء «الأسقربوط-Scurvy». يرجع هذا إلى عدم قدرتها على تصنيع إنزيم “l-gulono-gamma-lactone oxidase”، نظرًا لتعطل جين GULO المسئول عن إنتاج هذا الإنزيم.

المثير في الأمر هو أن جين GULO معطّل في جميع الرئيسيات جافة الأنف لنفس السبب، وهو فقدان «الإكسونات-Exons» (نطاقات مشفرة في الجينات) أرقام 1,2,3,5,6,8,11. وهو ما لا يمكننا فهمه إلا في ضوء انحدار الرئيسيات جافة الأنف من سلف مشترك.

ولا تصمد فكرة الخلق الخاص أو التصميم الذكي في محاولة تفسير الجينات الزائفة. فلا داعي لوجود جين GULO في تلك الأنواع إن كان معطلًا أصلًا. كما أنه لا داعي لأن يتم تعطيل الجين بفقدان نفس الإكسونات بين مختلف أنواع الرئيسيات جافة الأنف. إذ أن نفس الجين معطل في «خنزير غينيا-Guinea pig»، ولكن لأسباب مختلفة وهي فقدان الإكسون 5 وجزء من الإكسون 6. مما يعني أن هذا الجين قد تعطل لديه بشكل منفصل عن المسار التوري للرئيسيات جافة الأنف التي ينتمي إليها البشر. وبالتالي، لا يمكن تفسير تعطل جين GULO إلا في ضوء نظرية التطور من سلف مشترك. [8]

وكذلك حيوان «البلاتيبوس-Platypus»، الذي لا يمتلك معدة حقيقية، وعلى الرغم من ذلك، يمتلك جينين زائفين مرتبطين بصنع إنزيمات هضمية. [9]

وعلى الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان، فهي تمتلك جين MMP20 معطل يشفر لصنع بعض البروتينات التي تدخل في تركيبة الأسنان. وكما ذكرنا في الجزء الخاص بتطور الحيتانيات، تنمو لدى أجنة الحيتان البالينية براعم أسنان بالفعل. [10] كما تمتلك الطيور (وهي حيوانات بلا أسنان) جينات معطلة لتكوين أسنان! [11]

ووجود هذه الجينات الزائفة يعد من أقوى أدلة التطور من الجينوم، كما أنه دعم الأدلة التشريحية للتطور.

كيس المُح

نشترك نحن والزواحف والدجاج في امتلاكنا للبيض (البويضة في حالة إناث البشر). إلا أن الطيور (مثل الدجاج) لديها قشرة تحمي البيضة، كما تمتلك كيس المُح، والذي يقوم بتوفير الغذاء للجنين لمساعدته على النمو. ولكن بويضة الإنسان أصغر بكثير من بيض الدجاج، وليس فيها قشرة أو مُح حتى. ولكن تكون الأجنة البشرية كيس مح فارغ يختفي أثناء فترة الحمل، فهل من تفسير جيني؟

تمتلك كل الفقاريات التي تبيض بروتين Vitellogenin، مما يعني وجود جين يشفر لصنع هذا البروتين، فماذا تظهر الأبحاث؟

تظهر الأبحاث وجود قطع من DNA المُح في الجينوم البشري، مطابقة تماما للجينات الأصلية التي لدى الدجاج. ليس هذا وحسب، بل إنه عند مقارنة جينوم الإنسان بجينوم الدجاج يتضح أن هذه القطع محاطة بنفس الجينات لدى كل من الإنسان والدجاج. يعد هذا أحد أدلة التطور من الجينوم. [12] , [13]

جين NANOG

جين NANOG هو أحد «الجينات الزائفة المعالَجة-Processed pseudogenes». وهي جينات تنشأ نتيجة خطأ أثناء عملية نسخ حروف الDNA إلى mRNA. فبدلًا من أن تكتمل عملية إنتاج البروتين بشكل طبيعي، يُعاد بالخطأ نسخ الmRNA إلى الDNA لتكوين نسخة زائفة من الجين الأصلي في مكان آخر في الجينوم. هذا ما حدث مع NANOG، حيث نجد على الجينوم الخاص بنا 10 نسخ زائفة من هذا الجين بالإضافة إلى النسخة الأصلية التي تعمل. فكيف يكون هذا دليلًا على التطور؟

تكمن المفاجأة في أننا نتشارك 9 نسخ زائفة من جين NANOG مع أبناء عمومتنا من الشيمبانزي. بينما النسخة NANOGP8 حصرية لدى جينوم الإنسان. والأدهى، أن هذه النسخ ال 9 موجودة على جينوم الشيمبانزي في نفس الأماكن التي توجد فيها على جينوم الإنسان! إن احتمالية حدوث نفس الأخطاء 9 مرات في نفس المكان لدى النوعين بشكل منفصل احتمالية غاية في الضآلة. وأن تصدف هذه الاحتمالية شديدة الضآلة بين كائنين تصفهم نظرية التطور بالأقرابة يصعب الأمر على منكرين التطور. المشكلة لدى منكري التطور هو في إيجاد تفسير آخر خارج نظرية التطور لتلك الأدلة الحاسمة.

وهذا يعني أننا ورثنا 9 نسخ NANOG زائفة من آخر سلف مشترك بيننا وبين الشيمبانزي، أما عن النسخة المتبقية وهي NANOGP8، فهي وجدت في جينوم الإنسان بعد انفصاله عن الشيمبانزي، وهذا يعد أحد أقوى أدلة التطور من الجينوم. [14]

«سيتوكروم سي-Cytochrome C»

هناك جينات تتشاركها كل الكائنات الحية على اختلافها، لأنها تؤدي وظائف أساسية للغاية. جينات تتشاركها كل الكائنات ابتداء من أشكال الحياة وحيدة الخلية وحتى الإنسان، وتُعرف هذه الجينات ب «الجينات واسعة الانتشار-Ubiqitous genes».

وهذه الجينات ليس لها دخل بالصفات الخاصة بكل نوع، إذ أنها كما قلنا أعلاه، مسئولة عن وظائف أساسية للغاية تتشاركها معظم أشكال الحياة. ولا يُشترط أن تكون هذه الجينات بنفس تسلسل الحروف، إذ أن هناك عدد كبير من التسلسلات التي تؤدي نفس الوظيفة الحيوية الكيميائية.

والوراثة كما ذكرنا في أمثلة كثيرة أعلاه، تسمح بتمرير تسلسلات الجينات حتى وإن لم يكن لهذه التسلسلات فائدة وظيفية. وعلى هذا، فلا يمكننا تفسير وجود نفس التسلسل في هذه الجينات بين نوعين إلا بالوراثة؛ ذلك لأنهم لا يحتاجون نفس التسلسل إن كان كل منهم قد وجد بشكل منفصل كما يدعي المنكرون. يكفي وجود جين مكافئ يؤدي وظيفة مشابهة وهو أمر يحدث في الطبيعة بالفعل.

على سبيل المثال، نحن نعلم أن الإنسان والشيمبانزي متشابهين في كثير من الصفات. فيمكننا البناء على هذا، وتنبؤ استخدامهم لبروتينات متشابهة، بغض النظر عن ما إذا كانت تجمعهم علاقة وراثية أم لا. يصبح الأمر أكثر غرابة عندما نقارن بين تسلسلات جينية غير مؤثرة على خصائص أي من النوعين، فعلام نتحدث؟

نحن نتحدث عن بروتين «سيتوكروم سي-Cytochrome C»، وهو بروتين واسع الانتشار، إذ يوجد في كل أنواع الكائنات الحية بما في ذلك البكتيريا. وهو موجود في الميتوكندريا، حيث يقوم بنقل الإلكترونات في عملية أيض أساسية تُدعى ب «الفسفرة المؤكسدة-Oxidative phosphorylation».

ومما سبق يمكننا استنتاج أن امتلاك كل الكائنات لنفس تركيبة سيتوكروم سي شيء غير ضروري بالمرة، إذ يكفي فقط امتلاكها لبروتين مكافئ يؤدي نفس الوظيفة.

كما أظهرت الأبحاث أن سيتوكروم سي الخاص بالإنسان يعمل لدى الخميرة التي تم حذف نسخة سيتوكروم سي الخاصة بها. على الرغم من أن نسبة الاختلاف بين تركيبة السيتوكرومين تبلغ 40%.

في الواقع، سيتوكروم سي الخاص بالتونا (أسماك)، والحمام (طيور)، والأحصنة (ثدييات)، وذباب الفاكهة (حشرات)، والفئران (ثدييات)، جميعها تعمل في الخميرة التي تم حذف سيتوكروم سي الخاص بها!

علاوة على ذلك، أثبت تحليل جيني شامل لسيتوكروم سي أن أغلب الأحماض الأمينية الموجودة في تسلسل هذا البروتين غير ضرورية. وأنه فقط حوالي ثلث الأحماض الأمينية ال100 الموجودة في سيتوكروم سي كافية للقيام بوظيفته، وذلك لأن معظم الأحماض الأمينية في سيتوكروم سي هي أحماض «مفرطة التغيير-Hypervariable». والأحماض المفرطة التغيير يمكن استبدالها بعدد كبير من الأحماض الأمينية الأخرى التي ستكون قادرة على إتمام نفس الوظيفة.

تجربة هوبرت

والغريب في الأمر هو قيام الفيزيائي Hubert P. Yockey بحساب عدد تسلسلات الأحماض الأمينية الممكنة لتكوين البروتينات المكافئة لسيتوكروم سي، والقادرة على القيام بنفس تلك الوظيفة الأساسية. تبيّن أن عدد هذه التسلسلات الممكنة هو 10⁹³ × 2.316، وهو عدد مهول يزيد عن عدد الذرات في الكون المعروف بأكثر من بليون مرة! ومما سبق نستنتج أن تشابه تركيبة سيتوكروم سي بين الكائنات ليس ضروريًا على الإطلاق، فهل يخبرنا المنكرون سبب حدوثه إن كانت نظرية التطور خاطئة؟

ولكن العجيب هو أن الإنسان والشيمبانزي يتشاركون نفس تركيبة سيتوكروم سي، بلا أي اختلاف، واحتمالية حدوث هذا إذا أنكرنا العلاقة الوراثية بين الإنسان والشيمبانزي أقل من 10^-93 (1 من 10⁹³)، ويختلف كل من الإنسان والشيمبانزي عن باقي الثدييات الأخرى ب10 أحماض أمينية في تسلسل سيتوكروم سي فقط، وفرصة حدوث هذا إذا أنكرنا علاقتهم التطورية هي 10^-29 (1 من 10²⁹).

والخميرة أحد أبعد الكائنات «حقيقيات النوى-Eukaryotic» عن الإنسان، إلا أنها تختلف عنّا في تركيبة سيتوكروم سي ب51 حمض أميني فقط، وفرصة حدوث هذا دون وجود علاقة وراثية بيننا وبين الخميرة أقل من 10^-25 (1 من 10²⁵). [15]

ومن كل ما سبق نستنتج أن التشابه في تركيبة سيتوكروم سي بين الكائنات الحية إنما هو نتيجة انحدارها من أسلاف مشتركة بينها، وكلما كانت الكائنات أبعد في الشجرة التطورية عن بعضها البعض، كلما زادت الاختلافات في تركيبة بروتين سيتوكروم سي، وكل هذا يجعل من سيتوكروم سي أحد أقوى أدلة التطور من الجينوم.

تشفير DNA زائد عن الحاجة

كما هو الحال مع سيتوكروم سي، هناك جينات أخرى واسعة الانتشار. لا تحتاج الكائنات نفس التسلسل الجيني لإنتاج نفس البروتين، ولن نترك المثال السابق، فسنتحدث أيضًا عن الجين المسئول عن إنتاج بروتين سيتوكروم سي.

على الأقل، هناك ثلاث «كودونات-Codons» مختلفة يمكنها إعطاء الأمر للريبوسوم لاختيار نفس الحمض الأميني لوضعه في تسلسل البروتين. (الكودون هو الثلاث حروف من الDNA التي يقرأها الريبوسوم لاختيار الحمض الأميني). وهذا يعني أنه في حالة سيتوكروم سي، هناك حوالي 3¹⁰⁴ أو ما يزيد عن 10⁴⁶ تسلسل جيني مختلف يمكنهم إنتاج نفس البروتين بنفس تسلسل الأحماض الأمينية للقيام بنفس الوظيفة.

وبالتالي فاستخدام الكائنات المختلفة لنفس التسلسل لا يمكن تفسيره وفقًا لفكرة الخلق الخاص ولا التصميم الذكي لكل نوع بشكل منفرد. إذ يمكن لكل كائن أن يستخدم تسلسلًا جينيًا مختلفًا. والعجيب، والمتوقع وفق نظرية التطور، أننا عند فحص التسلسل الجيني المسئول عن إنتاج سيتوكروم سي لكل من الإنسان والشيمبانزي، نجد اختلافًا في 4 نيوكليوتيدات فقط (حوالي 1.2%)، على الرغم من وجود 10⁴⁶ تسلسل جيني ممكن.

في حالة سيتوكروم سي، سنجد أن التشابه في تسلسل الأحماض الأمينية غير ضروري! وكذلك في الجين المسئول عن تشفيره! مما يجعله دليلًا مزدوجًا من أدلة التطور من الجينوم. [15]

«الفيروسات القهقرية-Endogenous Retroviruses»

لا تستطيع الفيروسات التكاثر بذاتها، فعندما يُصاب الكائن بعدوى فيروسية، يقوم الفيروس بإدخال حمضه النووي إلى الحمض النووي الخاص بالخلية، فتقوم الخلية بصنع المزيد من الفيروسات من نفس النوع.

ولكن إذا أصاب الحمض النووي الفيروسي حيوانًا منويًا أو بويضة فسينتقل الحمض النووي الفيروسي إلى الأبناء. هذا لا يعني بالضرورة موت الإبن، إذ أن بعض الطفرات قد تحدث في الجين الفيروسي لتعطيله.

إذا فجينات الفيروسات القهقرية هي جينات موجودة في الجينوم الخاص بك، أتت إليك عندما أصيب أحد أسلافك بهذه الفيروسات ونقل جيناتها إليك على مدى أجيال. تعمل الفيروسات القهقرية كسجل تاريخي لك ولأسلافك من الكائنات الحية التي أصابتها من قبل.

يجب أن تكون الفيروسات القهقرية اختبارًا قويًا لنظرية التطور، أليس كذلك؟ فإذا كنا نحن والرئيسيات الأخرى انحدرنا من سلف مشترك فيجب أن نعثر على جينات فيروسات قهقرية من فيروسات أصابت أسلافهم قبل انفصال الرئيسيات عن بعضها البعض. كما يجب أن نعثر عليها في نفس المكان في الجينوم، إذ أن احتمالية أن يقوم الفيروس بإدخال الجين في نفس المكان على الجينوم لدى نوعين مختلفين دون افتراض وجود علاقة وراثية بينهما هي احتمالية غاية في الضآلة! تخيل أن تراكم عدد هائل من الاحتماليات شديدة الضآلة في كل الكائنات الحية لتفسير الأمر بالصدفة، يصبح تفسيرك مضحك للغاية بحق!

إن كان كل نوع من الرئيسيات قد خُلق بشكل خاص، فلا يجب أن تتشارك الرئيسيات جينات نفس الفيروسات في نفس الأماكن على الحمض النووي الخاص بها بالطبع. تسامحًا مع المنكرين، قد نعثر على نفس الفيروسات، ولكن ليس في نفس الأماكن أبدًا. إذ أن الفيروس عندما يصيب كائنًا ما، فهناك عدد كبير جدًا من الأماكن على الجينوم التي قد يُدخل حمضه النووي فيها. فقد أظهرت دراسات شاملة أن هناك ما يزيد عن 10 مليون مكان ممكن على الجينوم الخاص بالإنسان!

عند مقارنة الجينوم الخاص بالإنسان وذلك الخاص بالشيمبانزي، فاحتمالية عثورنا على جين فيروسي في نفس المكان بين النوعين، وأن يكون الجين عائدًا إلى نفس الفيروس، هي احتمالية أقل من 1 في 10 مليون.

قام العلماء بالبحث عن فيروس HERV-W لدى 12 نوع من الرئيسيات. ويمتلك الشيمبانزي من فيروس HERV-W عدد 208 نسخة، بينما يمتلك الإنسان 211 نسخة، فماذا وجدوا؟

أظهرت الدراسات أن الإنسان والشيمبانزي يتشاركون 205 نسخة من نفس هذا الفيروس في نفس المكان على جينوم كل منهما! [16] أنت الآن أمام دليل لا يدع مجال للشك أمام أي متخصص.

صورة توضيحية فقط وليست موضحة لأماكن الفيروسات، ولكنها لتبسيط الفكرة فقط. حقوق الصورة: Stated Clearly

إذا فقد ورث كل من الإنسان والشيمبانزي 205 نسخة من هذا الفيروس من آخر سلف مشترك لهما قبل انفصالهما. بينما ال 6 نسخ الحصرية لدى الإنسان وال 3 نسخ لدى الشيمبانزي، على الأرجح قد ظهرت بعد انفصال المسارات التطورية لكل منهما.

وهذا بحد ذاته كافٍ لتنحية فكرة الخلق الخاص أو التصميم الذكي. إذ أن احتمالية إصابة كلا النوعين بنفس الفيروس في نفس الأماكن على الجينوم بهذا العدد من النسخ بشكل منفصل هو احتمال ضئيل يبلغ 1 في 10¹⁴¹⁸ × 5.88. [17] وهذا يجعل من الفيروسات القهقرية دليلًا بالغ القوة من أدلة التطور من الجينوم.

جين ACYL3

نختتم كلامنا عن أدلة التطور من الجينوم بالحديث عن جين ACYL3 من باب التعديد وليس الإثبات، فما سبق أكثر من كاف. يعمل جين ACYL3 في كل الثدييات على كوكب الأرض (بما في ذلك الغوريلا والأورانجوتان) باستثناء نوعين فقط، وهما الإنسان والشيمبانزي. مما يعني تعطله في آخر سلف مشترك بين الإنسان والشيمبانزي، وهو ما يؤكده كون هذا الجين مُعطل لدى النوعين لنفس السبب بالضبط وهو حدوث طفرة أبدلت الجوانين بالأدينين. فبدلًا من أن يكون التسلسل هو TGG، والذي عند ترجمته يعطي الأمر للريبوسوم باختيار الحمض الأميني «تريبتوفان-Tryptophan»، جعلته الطفرة TGA، والذي عند ترجمته يعطي الأمر للريبوسوم بالتوقف ففسد الجين لدى هذين النوعين فقط. [18]

ولا يمكن تفسير تعطل الجين لدى نوعين فقط بنفس السبب إلا في ضوء نظرية التطور من سلف مشترك. وهو ما يجعله أحد أقوى وأبسط أدلة التطور من الجينوم.

قمنا في هذه السلسلة بسرد عدد كبير من أدلة التطور، وكلها كانت على سبيل المثال لا الحصر. فهناك عدد كبير من الأدلة التي لا يمكننا حصرها في سلسلة مقالات، بل أن هناك أدلة تظهر مع المزيد من الأبحاث يوميًا. فبعض الأدلة الواردة في هذا المقال مأخوذة من أبحاث لم يمر على نشرها 4 سنوات حتى، أي أن الأدلة في تزايد مع استمرار الأبحاث العلمية. فمجال التطور من أكثر المجالات التي تُنشر فيها الأبحاث العلمية. وبعد أن انتهينا من سرد أدلتنا، ننتقل في الجزء القادم إلى تفنيد دعاوى الخلقيين والرد عليهم بخصوص “التصميم الذكي”.

المصادر

[1] The Tech Genetics
[2] Livescience
[3] The Genetic Code: What Is It Good For? An Analysis of the Effects of
Selection Pressures on Genetic Codes, by Olivia P.Judson, Daniel Haydon
[4] Human Origins
[5] PNAS
[6] Springer
[7] Oxford
[8] Inactivation dates of the human and guinea pig vitamin C genes, by Marc Y. Lachapelle, Guy Drouin
[9] Bio med central
[10] Royal Society
[11] Bio med central
[12] PLOS
[13] Pubmed
[14] NCBI
[15] Talk Origins
[16] Pubmed
[17] Google.Docs
[18] PLOS

القرصنة البيولوجية Biohacking، ما هي؟ وما مميزاتها ومخاطرها؟

يسعى الإنسان منذ الأزل إلى تحسين قدراته الذهنية والجسدية بمختلف الوسائل. وقد أدت التطورات الحديثة في مختلف المجالات وسهولة التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى ظهور مجتمع من الهواة يهدف إلى استخدام التكنولوجيات المختلفة في تحسين قدراتهم. وقد ازدادت شهرة ما يعرف بالقرصنة البيولوجية خصوصاً مع اكتشاف كريسبر CRISPR. حيث أدى اكتشاف أداة التعديل الوراثي تلك- الرخيصة نسبياً- إلى زيادة كبيرة في عدد الهواة في مجال التعديل الجيني. وإلى سعيهم إلى تطبيق تلك المعرفة في تطوير منتجات تساعد في تحسين قدرات الفرد العقلية والبدنية وربما تعالج الأمراض المستعصية. فما هي القرصنة البيولوجية؟ ولماذا تثير قلق لدى كثير من العلماء والمتخصصين؟ وما الآمال التي تحملها للبشرية؟

تعريف القرصنة البيولوجية:

يمكن تعريف القرصنة البيولوجية بشكل عام على أنها أي محاولة لتحسين قدرات الفرد الذهنية أو الجسدية. وهذا التعريف واسع جداً. فوفقاً لهذا التعريف قد تكون أنت عزيزي القاريء قرصاناً بيولوجياً بذهابك للصالة الرياضية للتمرين أو إدخالك تغييرات في نظامك الغذائي أو حتى شربك للقهوة لزيادة انتباهك.
وبشكل خاص يمكن تعريف القرصنة البيولوجية على أنها إجراء تجارب وأبحاث على النفس (بتناول مواد كيميائية، أو تعديل جيني، أو تعديل غذائي، أو زراعة شرائح إلكترونية أو مواد تحت الجلد، أو تركيب أجهزة بالجسم) بهدف تطوير القدرات الجسة أو الذهنية أو بهدف علاج الأمراض وذلك بواسطة هواة في الأغلب أو متخصصين ولكن خارج الإطار التقليدي للأبحاث. كذلك يشمل التعديل وراثيًا في الكائنت الحية بواسطة هواة بهدف تطوير قدراتها لتعود بالنفع على الفرد. وفي بعض الأحيان يكون الهدف هو فقط تغيير في الشكل الظاهري للفرد مثل تغيير لون القزحية. [2، 3]

أنواع القرصنة البيولوجية:

النيوتريجينوميكس (التغذية الجينومية) Nutrigenomics:

في هذا النوع يقوم الفرد بإحداث تغييرات في بعض نواحي صحته البدنية والذهنية عن طريق القيام بتغييرات في العادات الغذائية بشكل تدريجي. وذلك بناءا على دراسة تفاعل الجينوم الخاص بالفرد مع المغذيات المختلفة. [3]

النيوتريجينوميكس هي أحد انواع القرصنة البيولوجية. [4]

جرايندرز Grinders:

يسعى هذا النوع إلى تطوير القدرات البدنية أو الذهنية للفرد عن طريق استخدام الأدوات التكنولوجية مثل الشرائح والأطراف الإلكترونية وبعض الحقن الكيميائية. [3]

قم بهِ بنفسك أو بيولوجيا الهواة Do it yourself biology:

هذا النوع يعتبر أكثرهم إثارة للجدل والقلق. حيث يقوم فيه الهواة باستخدام معلومات وتقنيات يزودهم بها المختصون ليقوموا بتجارب على أنفسهم. ويشمل ذلك تجارب تعديل جيني أو استخدام أدوية لم تختبر بعد. وقد ازدادت شهرة هذا النوع خصوصاً بعد اكتشاف تقنية كريسبر وتسهيلها عملية التعديل الجيني. [3]

فاعلية القرصنة البيولوجية:

إلى أي مدى تبدو تلك الوسائل فاعلة فعلاً في تحسين القدرات البشرية أو مواجهة الأمراض. وأي مسافة قطعت هذه الوسائل حقاً على طريق الوصول إلى الإنسان السوبرمان؟! [3]

فاعلية النيوتريجينوميكس (التغذية الجينومية): 

في الواقع فإن التغذية الجينومية لها عديد من الفوائد مثلاً:
1- عن طريق معرفة استعداد الفرد الوراثي لأمراض معينة وتجنب الأغذية التي تحفز الإصابة بهذه الأمراض يمكن الوقاية منها.

2- بعض الأغذية تؤثر على ميكروبات الأمعاء. من ثم يمكن وفقاً لبعض الدراسات عن طريق تعديل النظام الغذائي بشكل يحافظ على توزيع سليم لها تحسين وظائف الأمعاء والصحة النفسية للفرد في بعض الأحيان.

3- بعض الأنظمة الغذائية تساعد على تنظيم ضغط الدم والسكري. وكذلك خفض الوزن. مما له عظيم الأثر على صحة الفرد النفسية والجسدية.

ولكن يجدر الإشارة إلى أن كثير من العلماء يرون أن الاعتماد على هذه الوسائل وحدها غير كاف لإحداث تغييرات جسدية ونفسية حقيقية. [3]

فاعلية بيولوجيا الهواة والجريندرز:

بعض هذه التعديلات قد أثبت نجاحاً ما. لكن إلى أي مدى يمكن توسيع نطاق هذه التطبيقات؟ وما هي مخاطرها؟ لا يزال ذلك محل جدل واسع.


على سبيل المثال:

قام أحد الهواة بحقن نفسه بمادة الكلورين إي 6 Chlorin e6 في عينيه. ذلك بهدف تحسين قدرات الرؤية الليلية لديه. حيث تستطيع هذه المادة زيادة حساسية بعض الخلايا المسئولة عن الرؤية في العين. ومن ثم تستجيب للأضواء شديدة الخفوت. وقد نجح هذا الشخص في تبين أجساد أناس يتحركون في غابات شديدة العتمة. ولكن إلى أي مدى قد تتسبب تلك المادة في آثار جانبية على الجسم؟ لم يتم تبين ذلك بعد.

أيضاً قام بعض الجريندرز بزرع شرائح تحديد الهوية بموجات الراديو Radio Frequency Identification Chips بأجسامهم. مكنتهم هذه الشرائح من الدخول إلى أماكن تتطلب تصريح أمني مثل بعض المستشفيات. وقد يسبب هذا تهديد أمني خطير ناهيك عن المخاطر الصحية الغير معروفة من إلتهابات أو سرطانات أو خلافه. [3]

فوائد القرصنة البيولوجية:

مما لا شك فيه أن بعض وسائل القرصنة البيولوجية آمنة بل ومفيدة. فمثلاً:

1- تعديل نظامك الغذائي قد يساعدك على الوصول لوزن صحي ويقيك من السمنة وتوابعها. 

2- كذلك الحد من بعض الأغذية التي تزيد الالتهابات في الجسم قد يساعد على تقليل التهابات العظام وآلامها.

3- قد يؤثر نقص بعض الفيتامينات (ب12 على سبيل المثال) على كفاءتك الذهنية والجسدية. مراقبة مستواها في الدم يساعدك على متابعة مدى فاعلية المكملات أو المغذيات التي تتناولها لتعويض النقص في هذه الفيتامينات.

4- الصيام المتقطع Intermittent fasting له عديد من الفوائد وفقاً لكثير من الدراسات التي وجدت أنه يحافظ على مستوى الانسولين بالدم منخفضاً. ومن ثم يساعد الجسم على حرق الدهون. كما يساعد على إصلاح الأنسجة التالفة في الجسم والوقاية من أمراض كالسرطان والسكري.

ولكن القاعدة العامة هي أن تتم استشارة الطبيب قبل اللجوء لمثل تلك الأساليب فقد تختلف أضرارها وفوائدها حسب الحالة الصحية للفرد. [3]

5- تطوير أجهزة تقيس الوظائف الحيوية للجسد أو تطوير البرمجيات التي تساعد في متابعة قراءاتها كما هو الحال في مشروع نايت سكوت والذي سنتحدث عنه تفصيلياً بالأسفل. [7]

6- يرى البعض أن بعض المنتجات التكنولوجية المقبولة والآمنة قد تسبب ضغطاً على شركات الأدوية والتكنووجيا العملاقة من أجل توفير منتجاتها بأسعار أرخص نسبياً. [7]

7- يرى البعض أن الاتجاه التقليدي في العلم والبيروقراطية والنظام الهرمي والضغوط داخل المجتمع الأكاديمي مثل ضغوط نشر الأبحاث والتمويل يحولوا دون التقدم بمعدلات أسرع. ويجعلوا البحث يحيد عن شغفه ويقل إبداعه. لذا فهم يرون أن في القرصنة البيولوجية وسيلة للثورة على تلك المنظومة. [7]

8- كذلك يرى الكثيرون أن توفير أدوات التكنولوجيا والابتكار بأسعار رخيصة نسبياً قد يتيح للباحثين الأكاديميين في الدول النامية الفرصة لأداء تجاربهم في ظلة ندرة الموارد وغياب التمويل الكاف. [7]

اعتراضات على القرصنة البيولوجية:

تتمحور الخلافات حول القرصنة البيولوجية في أمانها وخطورة بعض أنواعها على السلم العام. حيث قد يتسبب توفير أدوات التكنولوجيا المعقدة للهواة لاستخدامها في التجارب في وصوصلها للإرهابيين وعناصر العصابات. كذلك معظم الشرائح التي تزرع تحت الجلد وكثير من تقنيات التعديل الوراثي والكيماويت المستخدمة في تطور قدرات الجسد أو العقل لم يتم التأكد من سلامتها بشكل كامل. [7]

وقام قرصان بيولوجي مؤسس شركة أسّيندنس بيوميديكال (الارتقاء للطب الحيوي) Ascendence biomedical بزعم امتلاك شركته علاجات فيروس نقص المناعة المكتسب وفيروس الهربس. وقام بتجربة علاج الهربس المزعوم على نفسه في أحد التجمعات للقراصنة البيولوجيين. بينما قام بمساعدة مريض بفيروس نقص المناعة المكتسب على تجربة علاجه المزعوم لفيروس نقص المناعة وذلك قبل أن يتم إجراء تجارب كافية على الحيوانات. ولكن جاءت نتائج هذا المريض مخيبة للآمال. حيث زاد انتشار الفيروس في جسده بشكل عنيف.
وقد تعرض هذا القرصان البيولوجي لنقد من مختلف الجهات المتخصصة وأيضاً من بعض أفراد مجتمع القراصنة البيولوجيين. حيث وصف جوسيه زينار Josiah Zayner أحد رواد القرصنة البيولوجية تجارب هذه الشركة بأنها سخيفة وأنه لا يمكن الزعم بأن مركبات ما علاجية دو تجارب وبيانات واضحة. جدير بالذكر أن جوزيه اشتهر بحقن نفسه بتركيبة تعديل جيني علناً في أحد التجمعات الخاصة بالقراصنة البيولوجيين. وكانت الهدف من التركيبة زيادة كتلته العضلية. [8]

أمثلة حية على القرصنة البيولوجية:

مشروع نايت سكاوت Nightscout

كان هناك طفل مصاب بالسكري من النوع الأول. اشترى له والداه جهاز مراقبة متواصلة لمستويات السكر Continuous Glucose Monitoring Device. وذلك حتى يتمكنا من مراقبة التغيرات في مستويات السكر بدمه. لكن المشكلة أنهما لم يكن بوسعهما مراقبة تلك المستويات وهو بالمدرسة. ولأن والده مهندس برمجيات قام هذا الوالد بتطوير برنامج يرسل قراءات الجهاز بشكل متواصل إلى موقع تخزين على فضاء الإنترنت. وبالتالي يتمكن هذا الوالد من متابعة مستويات السكر بدم ابنه حتى وهو بالمدرسة. بعد أن قام الوالد بمشاركة قصته على مواقع التواصل نصحه البعض بمشاركة كود البرنامج.
بالفعل قام بطرح الكود على الانترنت ليتم تطويره بشكل مستمر من كل من لديه خبرة بالبرمجة. وقد أضاف له البعض تعديلات مثل ربطه بتطبيقات هاتفية معينة، إضافة إمكانية حساب السعرات المطلوبة أو كميات الكربوهيدرات المسموحة وفقاً لمستويات السكر، إضافة إمكانية حساب جرعات الأنسولين المطلوبة، وإضافة تنبيهات في حالارتفع او انخفض مستوى السكر بشكل خطر. [7]

قرصان بيولوجي يتم تغريمه لزراعة شريحة تذكرة سفره تحت جلده

أحد هؤلاء القراصنة البيولوجيين قام بنزع شريحة من كارت سفر وتغليفها ببلاستيك خاص. ثم قام بزراعتها تحت جلده. ورغم أن ماسحات الكروت تمكنت من قراءة الشريحة إلا أنه تم تغريمه على فعلته. [9]

شرائح تحت الجلد تعمل عمل المفاتيح

تتضمن الشرائح الإلكترونية التي يزرعها القراصنة البيولوجيون تحت الجلد كما ذكرنا سابقاً: شرائح قادرة على فتح الأبواب المصممة بحيث يكون ملحق بها أجهزة تقرأ هذه الشرائح  (بعض هذه الشرائح يتم تصميمه بحيث يحمل عدة أرقام كل منها مخصص لباب وذلك بدلاً من أن تحتاج شريحة لكل باب)، مغناطيسات حساسة صغيرة، وحتى بعض المصابيح الصغيرة التي تضيء تحت الجلد.

آمال جرافسترا مؤسس شركة أشياء خطرة Dangerous things تقوم شركته بتصميم العديد من تلك الشرائح. بعضها قادر على فتح الأبواب كما ذكرنا. كما تبيع شركته الأدوات التي يمكن للفرد العادي استخدامها في تصميم تلك الشرائح بأسعار زهيدة نسبياً.

بسعر يتراوح بين 40 وحتى 100 دولار يطرح القرصان البيولوجي امال جرافسترا Amal Graafstra الأدوات اللازمة لزراعة أجهزة تعريفية تحت جلدك. هذه الشرائح يمكن تصميمها بحيث تكون قادرة على أن تحل محل المفاتيح. كما أنه بإمكانها فتح أجهزة الأندرويد بمجرد لمسها. هذه الشرائح الصغيرة لا تحمل بطاريات ولا يتم توصيلها بشاحن. فهي تحصل على طاقتها من الجهاز الذي يتم توصيلها به. [10، 11]
يوضح الشكل التالي حجم هذه الأجهزة والذي يقل عن حجم عقلة الإصبع.

مؤسسة بحثية عسكرية تتابع القرصنة البيولوجية

أهم الجهات الرسمية المهتمة بابداعات القراصنة البيولوجيين ومتابعة لهم هي داربا DARPA. وتلك هي وكالة مشاريع الدفاع البحثية المتقدمة بجيش الولايات المتحدة The US military’s Defense Advanced Research Projects Agency. وهي تتابع منتجات القراصنة البيولوجيين بشغف. جدير بالذكر أن الأبحاث الخاصة بهذه الوكالة كانت السبب في خروج منتجات مثل السيارات ذاتية القيادة والجي بي إس والمنتج الذي تتابعنا عبره الآن عزيزي القارئ؛ الإنترنت. [8]

مقترحات لتقليل مخاطر القرصنة البيولوجية

1- تشجيع إدراج مشاريع القراصنة البيولوجيين تحت إشراف المؤسسات الاكاديمية بحيث يسهل متابعتها من المختصين.

2- كذلك تمكين القراصنة البيوليجيين من استخدام الأجهزة المعقدة والامكانيات التي تتوفر فقط بالمعامل الأكاديمية ومن ثم يكونوا أيضاً تحت أعين المختصين.

3- تمكين القراصنة البيولوجيين من تسجيل تجاربهم بطريقة رسمية قبل إجراءها.

في النهاية أخبرنا أنت عزيزي القاريء برأيك في تلك الحركة وهل تؤيد استمرارها بشكل مطلق أم بقيود؟ وما من وجهة نظرك القيود التي تراها مناسبة لتجنب الجانب السيء منها؟

المصادر:

  1. الصورة البارزة للمقال:
    Meet the Las Vegas biohackers who are trying to supercharge their bodies – Las Vegas Sun Newspaper
  2. Biohacking | Definition of Biohacking by Merriam-Webster
  3. Biohacking: Definition, Safety, and Top 11 Hacks for Beginners (healthline.com)
  4. How does nutrigenomics complement personalised nutrition?—podcast | Vitafoods Insights
  5. Half Human Half Cyborg ( More Coming Soon ) on Behance
  6. Intellia Presents First Data Supporting CRISPR/Cas9 HAE Gene Therapy Candidate (angioedemanews.com)
  7. Do-it-yourself (DiY) science: The proliferation, relevance and concerns – ScienceDirect
  8. Why I injected myself with an untested gene therapy – BBC News
  9. Biohacker fined for travel card implant – BBC News
  10. Bodyhackers: Bold, inspiring and terrifying – BBC News
  11. Amal Graafstra Sells a Kit so Anyone Can Be a Biohacker (businessinsider.com)

الجين الأناني، أحد وسائل تفسير الإيثار والتضحية في ضوء نظرية التطور

يرى البعض أن سلوكيات كالإيثار والتعاون مثيرة للحيرة من الناحية التطورية، حيث تتناقض مع سعي الفرد للبقاء. وقد فسرها البعض أنها تطور على مستوى مجموعات الكائنات. فوجود ذلك السلوك يجعل تلك المجموعات أكثر قدرة على البقاء. لكن البعض الآخر فسرها على أنها نزعة لجينات أنانية نحملها للبقاء بغض النظر عن الفرد وهو ما يعرف بمفهوم الجين الاناني. ترى ما هية هذه الجينات الأنانية؟ وكيف تؤثر على الفرد بشكل قد يؤدي إلى تفوقه أو يهوي به إلى هلاكه؟

لا شك أن غالبيتنا سمع بشكل أو بآخر عن نظرية التطور. والتي تشير بشكل عام إلى وجود أصول مشتركة بين الأنواع المختلفة. وأن محرك قوي يسمى الانتخاب الطبيعي هو الذي حدد بقاء أنواع أو انتشارها أكثر من غيرها وفناء انواع أخرى.
لطالما اعتقد المختصون أن عملية الانتخاب الطبيعي تتم على مستوى الكائن. إلى أن ظهر مفهوم جديد ثوري حول حدوث الانتخاب الطبيعي على مستوى المورثات (الجينات). وقد تحدث عنه عدد من العلماء. أشهرهم هو عالم الأحياء التطورية ريتشارد دوكينز Richard Dawkins وذلك في كتابه الجين الأناني The Selfish gene والذي أثار فيه فكرة الرؤية الجينية للتطور. [1]

الرؤية الجينية للتطور:

كما ذكرنا وكما هو معروف للجميع فإن النظرة التي كانت سائدة في دراسة تطور الكائنات الحية كانت تدور حول ان التنافس عل ىالبقاء يتم على مستوى أفراد النوع وبفعل الانتخاب الطبيعي يتم الانتقاء. لكن اقترح بعض العلماء على رأسهم ريتشارد دوكينز طريقة أخرى للنظر إلى عملية التطور. حيث أوضح ان التنافس يكون على مستوى الجينات وما الأفراد إلا حوامل فقط للجينات. وفي هذه العملية تسعى الجينات إلى التنافس وإكثار نسخها بغض النظر عن كون ذلك يؤدي إلى نجاة الفرد وبقائه أو فنائه. [2]

تاريخ مفهوم الجين الأناني:

في الحقيقة لم يكن مفهوم وجود جينات تسعى إلى الانتشار والتكاثر حديثاً وقت طرح ريتشارد له في كتابه. فقد بدأ ظهور المفهوم عام 1928 في ورقة بحثية عن المحرك وراء انتشار الكرموزوم إكس في نوع من ذباب الدورسوفيلا (ذباب الفاكهة). تلى ذلك وصف عالم النبات السويدي أويسترجرين Östergren مجموعة من الكروموزمات في النباتات تسمى كروموزومات ب B Chromosomes بأنها كروموزومات طفيلية. حيث أنها وعلى العكس من الكروموزومات أ A Chromosomes لا تحمل فائدة وظيفية للعائل. ومع ذلك تسعى لنشر وإكثار نفسها. [1، 2]

لكن صياغة المفهوم نفسه وشهرته كانت على يد العالم جورج وليامز George Williams في كتابه التكيف والانتخاب الطبيعي Adaptation and Natural Selection والعالم ريتشارد دوكينز Richard Dawkins في كتابه المُصنف ضمن الكتب الأكثر مبيعاً الجين الأناني The Selfish Gene.
[1]

صورة توضح: من اليمين كتاب التكيف والانتقاء الطبيعي لجورج ويليامز، ريتشارد دوكينز(وسط)، وكتاب الجين الأناني لريتشارد دوكينز (يسار). [3]

أمثلة على الجين الأناني في الطبيعة:

هناك نوعان من الصراع بين الجينات. صراع بين جينات الفرد الواحد Intraindividual conflict وصراع بين جينات الأفراد Interindividual conflict. كلا الصراعان هدفه إكثار وبقاء جينات دوناً عن غيرها.


1- الجينات القافزة والعناصر الجينية المتنقلة Transposable element and mobile genetic elements:

تتميز تلك العناصر الجينية على قدرتها على الانتقال من موقع لآخر على نفس الجينوم أو إلى موقع آخر في جينوم آخر. وقد تحتوي شفرة لإنزبمات تساعدها على التنقل عن طريق قص ولصق نفسها وقد لا تحتويها. وفي الحالة الأخيرة قد تعتمد على جينات اخرى تساعدها على التنقل. سواء كانت تلك الجينات هي الأخرى متنقلة أم لا.

2- الجينات الموجِهة للانقسام الميوزي Meiotic driver genes:

بشكل عام فإن الانقسام الميوزي عملية عادلة في إعطاء احتمالات متساوية لنسختي الكروموزومات في الوقوع في خلية جنسية فاعلة أو في أخرى غير فاعلة. تمتلك بعض الجينات الأنانية القدرة على إخراج الانقسام الميوزي عن حياده وتوجيهه بحيث تقع في القطب الذي سينتج الخلية الجنسية الفاعلة. ومن ثم تزيد من فرص انتشارها. فعلى سبيل المثال تضمن كروموزومات ب الانتقال إلى خلية جنسية (مشيج) فاعلة عن طريق توجيه نفسها نحو القطب الذي سينتجها أثناء الانقسام. [2]

3- جينات تُسبب تشوهات ما بعد التوزيع Post segregation distortion:

بعض الجينات الأنانية لا تكتفي بزيادة انتشارها وإنما تقضي أيضاً على الجينات المنافسة. حيث تقوم بقتل الخلايا الجنسية التي نتجت عن انقسام ميوزي ولم تكن تحتوي هذا الجين الأناني. هذه الجينات تُعرف بقاتلة الأمشاج (الخلايا الجنسية) Gamete killers. على سبيل المثال: بعض الميكروبات تحتوي بلازميدات قاتلة مسئولة عن إفراز سم يقتل الخلايا غير الحاملة للبلازميد. وبذلك يضمن البلازميد بقاء الخلايا التي تنقله لذريتها ويضمن عدم استبداله ببلازميد منافس. حيث أنه بفقده تفقد الخلية دفاعاتها ضد السم وتموت منه.[2، 5]

صورة توضح آلية عمل الجينات الأنانية القاتلة للجاميتات. [6]

4- تأثير اللحية الخضراء Green Beard Effect:

يعتبر سلوك هذا النوع من الجينات الأنانية مثيراً للاهتمام. حيث تتمكن هذه الجينات من تمييز عائلها بعلامة تمكن غيره ممن يحملون نفس الجينات من التعرف عليه. ومن ثم يتعاونون معاً لزيادة مكاسبهم على حساب باقي الأفراد غير الحاملة للجين. يطلق العلماء على هذه الظاهرة تأثير اللحية الخضراء The Green Beard Effect.
[7]
على سبيل المثال: جينFLO1 الموجود لدى بعض فصائل فطر الخميرة ييمزها بعلامة تجعل الخلايا الحاملة للجين قادرة على التكتل معأً دوناً عن باقي الخلايا غير الحاملة للجين. و يمكنها هذا التكتل من التعاون والاستفادة من الوسط المحيط وتقليل ضغط البيئة المحيطة بها بشكل يشبه ما تفعله البكتيريا في البيوفيلم. [8] مثال آخر هو نمل النار حيث تقتل الشغالات الحاملة للجين جي بي-9 Gp-9 المسئول عن إنتاج البروتين العام-9 General protin-9 الملكات غير الحاملات للجين. [7]

صورة لشغالات نمل النار تحمل الجين جي بي-9 تقتل ملكة تحمله. [7]

تأثير الجين الأناني على الكائن الحي:

إن الآثار التي قد تنتج عن حمل العائل لهذا النوع من الجينات الأنانية تتراوح بين أن تكون حيادية أو نافعة (تساعد في نجاة وتنافسية العائل) أو ضارة تؤثر بالسلب على بقاء العائل.


فعلى سبيل المثال قد تتسبب الجينات الأنانية في:
1- خلل في وظائف الخلية: قد تتسبب الجينات القافزة في إضطراب في الشفرة الوراثية ينتج عنه خلل في وظائف الخلية مما يعهدد بقاءها.

2- زيادة التنافسية وفرص البقاء: بعض العناصر الجينية المتنقلة تمنح العائل قدرة على النجاة لم تكن لديه. كما تفعل بعض هذه العناصر مع بعض الخلاي الميكروبية فتجعلها مقاومة لبعض المضادات الميكروبية.

3- تكوّن أجناس جديدة: قد ينتج عن نشاط وتنقل العناصر الجينية المتنقلة أجناس جديدة.

4- انقراض الكائن: في بعض الدراسات وجد العلماء أن كثرة العناصر الجينية المتنقلة قد تؤدي إلى انقراضات في بعض الطيور والنباتات والزواحف لكن ليس الثديات. [2]

جدل علمي حول طبيعة الجينات الأنانية:

لا يزال هناك جدال قائم مستمر حول ما إذا كانت بعض هذه الجينات الأنانية حافظت على وجودها بسبب قدرتها على إكثار نفسها أم بسبب أهميتها البيولوجية لبقاء الكائن الحي. وذلك رغم كثرة الادلة التي ترجح أن هذه الجينات طفيلية طريقتها في الانتشار هي التي تحافظ على بقاءها بالأساس. [2]

المصادر:

1- Selfish genetic elements (plos.org)
2- Selfish genetic elements, genetic conflict, and evolutionary innovation | PNAS
3- Amazon.com and Wikipedia
4- Meiotic Drivers: Cheaters divide and conquer | eLife (elifesciences.org)
5- Genetic Villains: Killer Meiotic Drivers. – Abstract – Europe PMC
6- A MUTANT KILLER PLASMID WHOSE REPLICATION DEPENDS ON A CHROMOSOMAL “SUPERKILLER” MUTATION | Genetics
7- The greenbeard effect (cell.com)
8- FLO1 Is a Variable Green Beard Gene that Drives Biofilm-like Cooperation in Budding Yeast ScienceDirect

لقاح فيروس نقص المناعة البشري HIV المسبب للإيدز، عوائق وتحديات تطويره

على الرغم من توافر بعض الأدوية التي تقلل من مشاكله وتطيل عمر مرضاه، إلا أن مجرد ذكر اسمه يثير الذعر في قلب السامع لما يسببه من وفيات ولعدم وجود علاج ناجع ينهي وجوده في جسم المصاب به أو لقاح يقي من الإصابه به حتى الآن. ترى ما هي العوائق التي تحول دون تطوير لقاح ضد الإيدز AIDS ؟ هذا هو محور نقاش هذه المقالة.

مقدمة عن فيروس نقص المناعة البشري HIV المسبب للإيدز

تنتج متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) Acquired Immune Defieciency Syndrome (AIDS) عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري ( إتش آي في ) (HIV) Human Immunodeficiency Virus.
بشكل عام يتركب فيروس إتش آي في HIV من غلاف خارجي دهني به بروتينات سكرية ويحتوي بداخله قفص به المادة الوراثية للفيروس والتي هي عبارة عن جزيئين متماثلين من الحمض النووي الريبوزي (رنا RNA) والذي يتحول بفعل إنزيم النسخ العكسي Reverse transcriptase إلى جزيء حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (دنا DNA). ومن ثم يستخدم هذا الجزيء مكونات خلية العائل في إنتاج نسخ من الفيروس. [2]

رسم يوضح تركيب فيروس نقص المناعة المكتسب البشري [3]


هل توجد علاجات للإيدز؟

في وقتنا الراهن توجد علاجات تقلل من تكاثر الفيروس بالجسم جاعلةً من الإيدز مرضاً مزمناً يحتاج علاج يستمر لفترات طويلة دون أن يبرأ المرء منه. وهو بلا شك وضع أفضل بكثير من كونه مرض بلا علاج. فحالياً يستخدم المريض علاجات تعرف بمضادات الفيروسات الإرتجاعية Antiretroviral agents ويتم متابعة المريض بفحوصات ما بعد العلاج لمتابعة أعداد الفيروس ومن ثم معدلات تكاثره والتي تعبر عن فاعلية الدواء. كما تتوفر أيضاً علاجات تستخدم للوقاية من المرضى لحماية مقدمي الخدمة الطبية والمخالطين من انتقال المرض لهم. [4]

مشاكل علاجات الإيدز

يتميز فيروس إتش آي في HIV بقدرته الشديدة على التحور وإنتاج سلالات مقاومة للعلاج. لذلك غالباً ما يستخدم خليط من هذه المضادات الفيروسية لتجنب تولد مقاومة ضدها. كما أن علاجاته تتسبب في أعراض جانبية مثل: اضطرابات بالقلب والأوعية الدموية والكلى والكبد والعظام وحتى الجهاز العصبي. ومع كل هذا لا تتمكن تخليص الجسم من الفيروس بشكل كامل. بل إن إيقاف العلاج قد ينتج عنه عودة الفيروس بشكل شرس وربما يكون مقاوماً للعلاج؛ كل هذا وغيره يجعل تطوير لقاح للوقاية من الإيدز يبدو هو الحل الأكثر نجاحاً للقضاء على هذا المرض والحيلولة دون انتشاره.

لقاح الإيدز

على الرغم من توفر كل تلك الوسائل العلاجية والوقائية إلا أن ذلك لم يحل دون زيادة أعداد المصابين بالمرض. مما يوحي بأهمية اكتشاف لقاح للوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسب.

تم اكتشاف فيروس إتش أي في HIV في الفترة 1983-1984. وكان يُعتقد أنه في خلال عامين فقط سيتم تطوير لقاح للوقاية منه. لكن بعد ما يقارب الأربعين عاماً بدون لقاح فعّال يتضح لنا صعوبة هذا التحدي. إن الهدف من تطوير لقاح ضد هذا الفيروس هو إما لعلاج الإيدز أو للوقاية منه. وفي الحقيقة هناك عدد هائل من اللقاحات التي تم إجراء بعض التجارب عليها وثبت أنها تحفز إنتاج أجسام مضادة ورد فعل مناعي من الخلايا التائية ضد الفيروس. لكن للأسف كل هذه اللقاحات فشلت في اجتياز اختبارات الكفاءة بشكل كلي. مما يعني أنها فشلت في تقليل الحمل الفيروسي (عدد الفيروسات) بالدم وفي منع الإصابة بشكل فعّال. [5، 6]

بشكل عام مرت أبحاث إبتكار لقاح للإيدز بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: مناعة الأجسام المضادة:

في هذه المرحلة وهي بداية من اكتشاف الفيروس وحتى حوالي عام 2000 ميلادي تركزت معظم الأبحاث حول تحفيز جهاز المناعة نحو إنتاج أجسام مضادة ضد الفيروس. حيث يتم تعريض الجهاز المناعي لقطعة من الفيروس أو الفيروس ميتاً. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب قدرة الفيروس الفائقة على التحور والتغيير في الأهداف التي تستهدفها الأجسام المضادة بشكل يمنع جهاز المناعة من التنبه لها.

المرحلة الثانية: مناعة الخلايا التائية القاتلة:

تتميز المناعة التي تنتج عن الخلايا التائية القاتلة أنها لا تحيد فقط الفيروس وتحول دون انتشاره بإمساكه خارج الخلية؛ وإنما تقتل الخلايا المصابة بالفيروس. لكن هذا النوع من المناعة يحتاج وقت حتى يتكون وبالتالي يتمكن الفيروس من الانتشار. المشكلة ليست أن هذا اللقاح فشل في تكوين حماية فعالة فحسب، وإنما أنه زاد من احتمالية العدوى بالفيروس.

المرحلة الثالثة: مناعة الخلايا البائية غير البالغة Naive B cells :

منذ الألفينات وهذا هو التوجه السائد في تطوير لقاحات ضد فيروس إتش آي في HIV. حيث وجد العلماء أن عدد قليل من البشر قادر على انتاج أجسام مضادة تحمي من سلالات مختلفة من الفيروس. لكن هذه الأجسام المضادة لا يتم انتاجها إلا بعد العدوى بالفيروس. لذا فكر العلماء في اللجوء للخلايا البئية غير البالغة. الخلايا البائية غبر البالغة هي خلايا لم تتعرض لمستضدات. وبالتالي لم تكون اجسام مضادة من قبل. لذا فكر العلما في أن يقوموا بإحداث تحورات في هذه الخلايا تجعلها تنتج تلك الاجسام المضادة النادرة. ومن ثم يمكن استخدامها في تطوير مناعة تحمي من الفيروس وتمنع العدوى. ولا يزال هذا النوع من اللقاحات تحت الدراسة. [6]

تحديات تطوير لقاح الإيدز

يمكننا بالتالي تلخيص التحديات التي تواجه ابتكار لقاح للإيدز فيما يلي:

1-المعدلات المرتفعة في تكوين الطفرات

تحتوي الشفرة الوراثية لفيروس إتش آي في HIV على 9 جينات فقط ترمز ل16 بروتين ويشمل ذلك الجين المسئول عن البروتينات المكونة للغلاف الفيروسي. [4] يعتبر غلاف الفيروس هو الهدف الذي ترتبط به الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة وتوقف تكاثر الفيروس. لذلك فإن أكبر عائق يواجه العلماء ويحول دون تطوير لقاح الإيدز هو أن الفيروس يتطور بمعدلات سريعة جداً تجعل الأجسام المضادة الناتجة عن اللقاح تفقد فاعليتها في الإرتباط بالبروتينات على سطحه، حيث تتسبب تلك الطفرات في تغييرات في تركيب الجليكوبروتين (البروتينات السكرية) المكون لغلاف الفيروس. [4، 5]

2-التنوع الجيني بين انواع وتحورات الفيروس

كذلك يضاف إلى تحديات ابتكار لقاح لفيروس إتش آي في HIV أن هناك تنوع جيني رهيب بين تحوراته وأنواعه حيث قد تصل نسب االاختلاف في التركيب االجيني بين الأنواع إلى 40%. وفي أفريقيا وحدها وٌجد أن 10 : 20 % من الإصابات تكون بتحورين أو أكثر من الفيروس. مما يُصعب من فكرة عمل لقاح يحمي من كل التحورات. [4، 5]

3-إعادة التركيب الجيني Genetic recombination:

يضاف إلى خواص فيروس إتش آي في HIV أنه يمكن لخليتين منه أن يتبادلا مواقع الجينات على شفرتيهما الوراثية. مما ينتج عنه تحورات جديدة مختلفة. وبالتالي قد تتمكن هذه المتحورات الجديدة من الهروب من جهاز المناعة وإحداث العدوى. [8]

4-عدوى إتش آي في HIV عدوى مزمنة والفيروس قادر على الاختباء:

بالإضافة إلى كون المرض مزمن مما يتيح فرصة أكبر للتحورات، فإن الفيروس يمتلك أيضاً قدرة على الإختباء داخل الجسم. حيث لدى الفيروس قدرة على دمج شفرته الوراثية بالشفرة الوراثي لخلايا المصاب وحينها لن يتمكن الجهاز المناعي من التعرف عليه ومن ثم قد يظل مختبئاً حتى تتاح له الفرصة للتكاثر. ومن ثم لابد من مناعة مبكرة جدا تتمكن من التعرف على الفيروس ومنعه من الانتشار.[7]

5-قلة النماذج الحيوانية:

ومن التحديات أيضاً قلة النماذج الحيوانية التي يمكن إكثار الفيروس بها ومن ثم تجربة اللقاح عليها. [4، 5] حيث أن الحيوان الوحيد من الرئيسيات الذي يمكن تنمية فيروس إتش آي في HIV فيه هو الشمبانزي وهو مهدد بالانقراض. وخطوة اختبار اللقاحات على الرئيسيات مهمة قبل اختبارها على البشر. لكن تم تطوير فيروس شبيه يصيب قرود المكاك بحيث يكون سطحه مغطى بغلاف فيروس إتش آي في HIV ويمكنه عدوى قرود المكاك كوسيلة للتغلب على هذا النقص في النماذج الحيوانية. من المهم أيضاَ اختبار اللقاحات على نماذج كالفئران و الأرانب او الخنازير ولكن معظم هذه النماذج ليست مناسبة لفيروس إتش آي في. لذا تم تطوير نموذج من الفئران يمكن اختبار هذه اللقاحات عليه إلى حد ما. ومن ثم يتضح أنه رغم وجود نماذج يمكن إجراء اختبارات عليها إلا أن خصائصها تجعلها مكلفة نسبياً ولا تجعلها متوفرة على نطاق واسع يسمح باختبارات أكثر وأوسع. [9]

صورة لشامبنزي.
صورة لقرد مكاك.

6-ضعف تمويل شركات الأدوية العملاقة للأبحاث:

كذلك فإن قليل من شركات الأدوية الكبرى تستثمر في أبحاث لقاحات تحمي من إتش آي في HIV.
[4، 5]

ملخص لعقبات تطوير لقاح الإيدز.

مع اكتشاف لقاحات كوفيد-19 بسرعة غير مسبوقة ونتيجة للتمويل الكثيف وتخفيف القيود والبيروقراطية على الأبحاث، انتشر تفاؤل بين العلماء حول إمكانية السير بشكل أسرع نحو تطوير لقاح الإيدز المنشود.

المصادر:

  1. الصورة البارزة: https://www.news24.com
    صورة الشمبانزي: Le chimpanzé souriant prend la pose (parismatch.com)
    مصدر صورة قرد المكاك: http://cdn.animalhi.com/
  2. 1. VIROLOGY OF HUMAN IMMUNODEFICIENCY VIRUS
  3. HIV 1: epidemiology, pathophysiology and transmission
  4. Major Scientific Hurdles in HIV Vaccine Development: Historical Perspective and Future Directions
  5. Challenges in the development of an HIV-1 vaccine 
  6. The four-decade quest for an HIV vaccine yields new hope 
  7. After 40 years of AIDS, here’s why we still don’t have an HIV vaccine
  8. 25 Years Later: The AIDS Vaccine Search Goes On
  9. Human immunodeficiency virus antibodies and the vaccine problem – Chiodi – 2014 – Journal of Internal Medicine – Wiley Online Library

المتحور دلتا، ما الذي نعرفه عن التحور المهيمن صانع ريمونتادا كوفيد 19 الجديدة؟

المتحور دلتا هو أحد أكثر تحورات فيروس كورونا شهرةً. بسبب الكارثة الإنسانية التي ألحقها بالهند. كذلك الزيادة في معدلات انتشاره على مستوى العالم. فقد تسبب في زيادة ملحوظة في أعداد الوفيات والإصابات بالهند. حتى أن المستشفيات اكتظت بالمرضى ولم تعد بها أماكن لاستقبال مرضى جدد. كما لم تتوفر أماكن كافية لحرق الجثث وفقاً للتقاليد الهندوسية وحدث نقص شديد في اسطوانات الأكسجين المستخدمة في إسعاف المرضى. [2] كذلك فقد سارع الكثير من أبناء الشعب الهندي لأخذ اللقاح ليساعدهم في حربهم ضد ذلك العدو الذي لا يرحم. حتى يتجنبوا المصير الذي يشاهدوه في الطرقات وعلى التلفاز والإنترنت وبين أقاربهم. الأمر الذي نتج عنه نفاذ كميات اللقاح المتوفرة في حينها. [3] كما أنه أثار ذعراً من نوع آخر حول إحتمالية قلة فاعلية لقاحات وعلاجات كوفيد-19 تجاهه. ومع استمرار انتشاره في كثير من دول العالم؛ أصبح كثير من قادة الدول يترقبون في حذر وصوله إلى دولهم وصورة الضحايا في الهند لا تغادر أذهانهم.

اكتشاف المتحور دلتا

في أواخر 2020 بدأت إصابات كوفيد-19 في الهند في الارتفاع. وهناك تم اكتشاف المتحور دلتا لأول مرة. وكان في مارس 2021 مسئولاً فقط عن 4% من الإصابات. إلا أنه في غضون شهرين فقط أصبح مسئولاً عن 70% من الإصابات. [2]

رسم يوضح ارتفاع عدد الحالات التي تسبب بها المتحور دلتا من مارس 2021 (<7%) إلى مايو 2021 (>70%). [2]

تصنيف منظمة الصحة العالمية للمتحور دلتا

بشكل عام تتطور كل الفيروسات بشكل مستمر بسبب حدوث طفرات كنتيجة لأخطاء تحدث أثناء عملية التكاثر ونسخ الشفرة الوراثية. الغالبية العظمى من تلك الطفرات لا يكون له تأثير على الفيروس. لكن بعضها قد يعطيه ميزات تطورية تمكنه من الانتشار بشكل أسرع أو يجعله مقاوماً لمضادات الفيروسات واللقاحات أو يتسبب في أمراض أو أعراض مختلفة أو أكثر خطورة من المشهور عنه.

وكأثر من آثار جائحة كوفيد-19 قامت منظمة الصحة العالمية بتتبع طفرات الفيروس المسئول وتحوراته وقامت بتصنيفها إلى قسمين:

1- تحور مثير للقلق Variant of concern:


لكي يكون تحور سارس-كوف-2 مصنفاً كتحور مثير للقلق؛ ينبغي أن تنطبق عليه أحد أو كل الشروط التالية:

1- زيادة شديدة في معدلات انتشاره وانتقاله.

2- زيادة في ضراوته وتغير في الأضرار التي يُلحقها بالمريض والصورة المرضية المشهورة عن المرض الذي يسببه.

3- انخفاض فاعلية أساليب الصحة العامة المعتمدة في الحد من أثره وانتشاره مثل: العلاجات المستخدمة، اللقاحات، وسائل التشخيص المعملية.

2- تحور مثير للاهتمام Variant of interest:

لكي يكون التحور مصنفاً كمثير للاهتمام؛ فلابد أن يتحقق به شرطان:

1- أن تحدث به طفرة جينية مُتوقع علمياً أن تتسبب في تغييرات تزيد من قدرته على الانتشار أو مقاومة الأدوية والمناعة أو تزيد من ضراوته وشدة المرض الذي يسببه.

2- يتسبب في حدوث إصابات محدودة في مناطق معينة أو منتشرة في عدد من الدول يزداد عددها مع الوقت بشكل ينذر بحدوث موجة جديدة من الإصابات.

وهذا التصنيف لا يعد بديلاً عن التصنيفات والتسميات المعتبرة في علم الفيروسات والتي تتولاها هيئات علمية دولية كبرى. ولكن هو محاولة للمساعدة في تبسيط النتائج التي يتوصل لها المختصون. ومن ثم يتمكن المسئولون وأصحاب القرار من اتخاذ قرارات وإجراءات بشكل أسرع وأكفأ في مواجهة أي تحور قد يشكل خطورة. وكذلك لتسهيل فهم التحورات على غير المختصين ومن ثم يزداد الوعي بها. وأيضاً كمحاولة لمنع التحيز والتمييز ضد سكان بلدان معينة تم اكتشاف هذا المتحور بها أول مرة.

كما قامت منظمة الصحة العالمية بابتكار نظام يسهل تسمية التحورات المهمة من فيروس سارس كوف 2 SARS-CoV-2 المسئول عن كوفيد-19. حيث يتم تسمية التحورات بالحروف اليونانية كالتالي:

ألفا Alpha، بيتا Beta ، جاما Gamma، دلتا Delta،…. وهكذا.

ويندرج المتحور دلتا تحت المتحورات المثيرة للقلق وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. [4]

صورة تعبيرية عن تنوع تحورات سارس-كوف-2. [15]

ما هي التحورات التي أنتجت المتحور دلتا؟

إن دلتا يحمل عدة طفرات في الجين المسئول عن إنتاج البروتين الشوكي (إس جين S gene). تتسبب في تحورات في البروتين الشوكي الذي يمكن الفيروس من دخول الخلية والذي هو أيضاَ هدف الأجسام المضادة التي يكونها جهاز المناعة سواء لدى المتعافين أو من تلقوا اللقاح. [7، 9]

بشكل عام يحمل المتحور دلتا تحورات في ثلاثة مناطق من البروتين الشوكي Spike protein:

1- نطاق الارتباط بالمستقبِل Receptor-binding domain (RBD):
هذا الجزء مسئول عن الارتباط بمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 Angiotensin Converting Enzyme 2 Receptor (ACE2 R) والتي يرتبط بها الفيروس على سطح الخلية حتى يتمكن من الدخول إلى الخلية.
ويمتلك المتحور دلتا ثلاث طفرات في هذا الجزء: الأولى تساعده في تفادي الأجسام المضادة والثانية تمكنه من الارتباط بكفاءة أكثر بالمستقبل ومن ثم الارتباط بالخلايا ودخولها بسرعة والانتشار أسرع و الثالثة تساعده في الارتباط بالمستقبلات وفي تفادي الأجسام المضادة.

2- موضع ا
لتكسير بالفيورين Furin Cleavage Site:
يتركب البروتين الشوكي من جزئين: جزء الارتباط بالمستقبل Receptor-binding subunit S1 وجزء الالتحام بالخلية Fusion subunit S2 وبينهما موضع التكسير بالفيورين. والذي يلزم تكسيره بعد ارتباط S1 بالمستقبل حتى يتمكن الجزء S2 من الالتحام بسطح الخلية. والمتحور دلتا يحمل طفرات بهذا الموضع تسهل عملية التكسير بالفيورين ومن ثم الدخول للخلية وبالتالي تساعده على الانتشار أكثر وأسرع.

3- نطاق النهاية الأمينية (الموضع مولد الضد الفائق) N-Terminal Domain (Antigen supersite):
يعتبر هذا الجزء من البروتين الشوكي أحد أهم نقاط ضعف الفيروس حيث يعتبر هدفاً للأجسام المضادة. لكن المتحور دلتا يتميز بامتلاكه عدد من الطفرات بهذا الجزء مما يجعله قادراً نسبياً على تفادي الأجسام المضادة والهروب منها. [7، 9]

معدل انتشار المتحور دلتا

لكن عزيزي القاريء هل يمكن أن يكون انتشار دلتا في الهند هو مجرد صدفة وإستعداد جسدي ما لدى المصابين في الهند كما حدث مع المتحور جاما في البرازيل سابقاً؟ والذي لم ينتشر بكثافة في أماكن أخرى في العالم كما انتشر بالبرازيل.

بناءاً على البيانات التي تم التوصل إليها فإن المتحور دلتا هو أكثر متحورات سارس-كوف-2 قدرة على الانتشار. إذ يبلغ معدل انتشاره تقريباً ضعف سلالة ووهان الأصلية. ويمكن تصنيفه كفائق الانتشار Superspreader. فقد أصبح المتحور دلتا في شهور قليلة المتحور المهيمن على عدوى كوفيد-19، ومن ثم حل محل التحورات الأخرى في معظم البلدان؛ مثل: أمريكا والهند وانجلترا واسكتلندا وإسرائيل وغيرهم. [9]

حيث انتشر دلتا في بريطانيا وحدها بمعدل أعلى ب 40 – 50 % من معدل انتشار المتحور ألفا والذي تم اكتشافه في بريطانيا سابقاً. وكان معدل انتشاره يفوق سلالة ووهان الأصلية بمعدل 50% [5]
كذلك في أستراليا ارتفعت نسبة إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا من 1% إلى 84% في غضون ثلاثة شهور فقط. أما بالنسبة لروسيا فإن نسبة الإصابات المسئول عنها المتحور دلتا ارتفعت من 0% إلى 95%. [2]

وحتى وقتنا الراهن فإن متحور دلتا مسئول عن ما يزيد على 80% من الإصابات في الولايات المتحدة. ومع كون ما يقرب من 50% فقط من الشعب الأميريكي قد تلقى اللقاح فإن ذلك مثار قلق هناك. خصوصاً أنه وفقاً للإحصائيات فإن معدلات الإصابة بدلتا تتناسب عكسياً مع نسب متلقّي اللقاحات في الولايات. [9، 10] وقد أعاد مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC إصدار توصيات بإرتداء الكمامات في الأماكن المغلقة حتى لمن تلقوا اللقاح بشكل كامل مع ظهور إصابات بين من تلقوا اللقاح وذلك من أجل الحد من انتشار العدوى. [11]

يٌعد أحد أكبر الألغاز التي يثيرها المتحور دلتا هو تمكنه من الهيمنة على العدوى بالمقارنة بمتحورات كورونا المنتشرة الأخرى. وذلك على الرغم من أن بعضها يمتلك تحورات تمكنها من تجنب الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة بفعالية أعلى من قدرة المتحور دلتا. [6]

تأثير المتحور دلتا عل شدة أعراض كوفيد والحاجة للحجز في مستشفى

قد أفادت بعض التقارير بإختفاء أعراض قديمة شهيرة عند الإصابة بالمتحور دلتا مثل: الكحة وفقدان حاستي الشم والتذوق وبوجود أعراض جديدة مصاحبة له؛ مثل: ضعف أو فقدان السمع، تكوّن جلطات مسببة موت الأنسجة وبالتالي غنغرينا. لكن حتى وقتنا الراهن لا يوجد دليل قاطع على ارتباط وثيق بين هذه الأعراض والإصابة بالمتحور دلتا، كذلك ارتباطه بمعدلات وفيات أكثر. ما يزال كل هذا محل بحث. بينما الأعراض مثل الصداع وإلتهاب الحلق والحمى مازالت ضمن الأعراض التي تظهر مع إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا [9]
لكن يبدو أن المتحور دلتا يزيد من إحتمالية الحجز بالمستشفى، حيث وجدت إحدى الدراسات أن الإصابة بالمتحور دلتا تزيد من إحتمالية الحاجة للحجز بالمستشفى بمعدل الضعف بالمقارنة بالمتحور ألفا والذي كان أشد من سلالة ووهان الأصلية. [12]

اللقاحات والمتحور دلتا – انخفضت فاعليتها لكن ما تزال قادرة على الحماية

منذ بدايات اكتشاف اللقاحات وهي تعد أحد أهم دفاعات البشر ضد الإصابة بالعدوى ووسيلة فعالة لإنقاذ حياة البشر وحمايتهم. لذلك عندما ظهرت جائحة كوفيد-19 وجه كثير من البشر آمالهم وتطلعت أبصارهم إلى مختبرات العلماء منتظرين منهم لقاح للحماية من تلك الجائحة الكارثية.
وقد كان وظهرت عدة لقاحات للوقاية من كوفيد-19. ولكن كما ذكرنا عزيزي القاريء فإن الفيروسات تتحور وبعض تحورات سارس-كوف-2 تكون في الهدف الذي تستهدفه اللقاحات في عملها. وهذا يثير تساؤلاً حول فاعلية اللقاحات في الوقاية من المتحور دلتا.

لقد لاحظت دراسة معملية انخفاض فعالية الأجسام المضادة المتكونة عند المتعافين أو من تلقوا اللقاح ضد سلالة دلتا بالمقارنة بالسلالة الأولى المعروفة بسلالة ووهان. مع ذلك ما تزال هذه الأجسام المضادة قادرة على توفير نوع من الحماية ضد فيروس دلتا. [8]

كما لاحظت دراسة أخرى باسكتلندا أن التطعيم بلقاح أسترازنيكا أو فايزر-بيونتك حتى وإن كان ذو فعالية أقل ضد المتحور دلتا فإنه يقلل من شدة الإصابة بالمتحور دلتا ويقلل كذلك من نسب الحاجة للحجز بمستشفى. [12]

كما أنه وُجد في دراسة أخرى في بريطانيا -لا تزال تحت التحكيم- أنه رغم إنخفاض كفاءة اللقاحات في توفير حماية من المتحور دلتا إلا أنها مازالت توفر حماية مقبولة. حيث كانت الحماية التي يوفرها لقاح فايزر-بيونتك مثلاً ضد المتحور دلتا حوالي 88%. كذلك فإن لقاح أسترازينيكا كان فعال بنسبة 67% ضد دلتا. كما وجدت الدراسة أيضاً أن اللقاحات تقلل من شدة الأعراض ومن ثم تقلل معدلات الحجز بالمستشفيات. حيث وجدت الدراسة مثلاً: أن استخدام اللقاحات يقي من الأعراض الخطيرة التي تتطلب حجز بمستشفى بنسبة تتراوح بين 71% و94% بعد الجرعة الأولى وبين 92% و96% بعد الجرعة الثانية. [13]

وعندما قارنت دراسة بين فاعلية الأجسام المضادة الموجودة عند متعافين من كوفيد-19 والمٌتكونة نتيجة لقاحات؛ وجدت أن فعالية الأجسام المضادة المتكونة نتيجة لقاحات أعلى في الحماية من المتحور دلتا. [7]

من ثم يمكن القول أن لقاحات كوفيد-19 لا تزال توفر نوع من الحماية حتى من المتحور دلتا.

كيف نواجه المتحور دلتا ونوقف تحور الفيروس؟

ربما تتسائل الآن عزيز القاريء عن كيفية مواجهة دلتا وخفض معدل التحورات عموماً. إن الاستراتيجية المتاحة أمامنا هي الحد من انتقال الفيروس بقدر الإمكان. من ثم نُوقف قدرته على التحور إلى أشكال أشد ضراوة وخطورة. والأسلحة التي في جعبتنا كأفراد حالياً هي الالتزام بالتباعد الاجتماعي وإرتداء الأقنعة الواقية وتناول اللقاحات المتوفرة. [9] وبالنسبة للمنظمات والجهات المسئولة ففي جعبتهم فرض وتطبيق لوائح وقوانين تحد من انتشار الفيروس. كذلك إتخاذ خطوات تسرع من عمليات التطعيم وتساعد في الترصد والكشف المبكر عن التحورات الجديدة التي قد تشكل خطورة جديدة. وهي أسلحة فعالة إلى حد كبير إذا ما أحسننا استخدامها قبل فوات الأوان.

يكمُن الخطر الحقيقي عزيزي القاريء في أنه بوجود أفراد لم يتلقوا اللقاح أو مع عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية من كوفيد 19 فإننا نسمح بوجود إصابات بالفيروس. مما يخلق وسطاً يساعده على التحور أكثر فأكثر بشكل سريع ولا يمكن توقع أثر أو مشاكل أو خطورة هذه التحورات مستقبلاً. في الواقع إن المتحور دلتا قد ظهر منه تحور جديد هو دلتا بلس والذي هو قيد البحث والتتبع حالياً أيضاُ. [14]

المصادر:

  1. WHO says delta variant driving Covids fourth wave in Middle Easts :مصدر الصورة البارزة للمقال
  2. Demystifying the Delta Variant with Data – Johns Hopkins Coronavirus Resource Center
  3. Covid-19 vaccination: Is India running out of doses?
  4. Tracking SARS-CoV-2 variants (who.int
  5. How Dangerous Is the Delta Variant, and Will It Cause a COVID Surge in the U.S.?
  6. Why Do Variants Such as Delta Become Dominant?
  7. Reduced sensitivity of SARS-CoV-2 variant Delta to antibody neutralization
  8. Infection and Vaccine-Induced Neutralizing-Antibody Responses to the SARS-CoV-2 B.1.617 Variants | NEJM
  9. How Dangerous Is the Delta Variant (B.1.617.2)? | ASM.org 
  10. CDC COVID Data Tracker
  11. Interim Public Health Recommendations for Fully Vaccinated People
  12. SARS-CoV-2 Delta VOC in Scotland: demographics, risk of hospital admission, and vaccine effectiveness
  13. Public library – PHE national
  14. S.Korea on alert for new Delta Plus COVID-19 variant
  15. Delta variant brings new pandemic threat to Germany 

مرض الضمور العضلي الشوكي وأغلى دواء في العالم

في أوائل شهر مايو 2021 انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في مصر وسم “أنقذوا رشيد”. وذلك لجمع تبرعات تغطي تكلفة علاج الطفل رشيد . حيث قامت والدته بنشر فيديو ومنشور تطلب فيهما تغطية تكلفة علاج ولدها المصاب بمرض جيني نادر يدعى “مرض الضمور العضلي الشوكي” على نفقة الدولة. وفي يوم 30 يوليو 2021 أعلن رئيس جمهورية مصر العربية أن الدولة المصرية ستتكفل بعلاج الأطفال المصابين بهذا المرض على نفقة الدولة.
[1]

مرض الضمور العضلي الشوكي Spinal muscular atrophy (SMA)

تعريف المرض

هو مرض وراثي ينتج عن خلل جيني ويتسبب في تلف بعض الخلايا العصبية المسئولة عن الحركة الإرادية. وينتج عن ذلك ضعف بالعضلات وضمور بها. ويهدد هذا المرض حياة المصابين به. [2، 3]

أعراض المرض وتداعياته على المصاب

بشكل أساسي فإن أعراض المرض ناتجة عن خلل بالعضلات الهيكلية مما يؤثر على الوظائف الحركية، شاملاً ذلك الأعراض التالية:
1- ضعف وليونة عضلات الأطراف (الذراعين والساقين).
2- رجفات ورعشات لاإرادية بالعضلات.
3- صعوبة في أو عجز عن الجلوس أو الحركة منفرداً.
4- مشاكل في البلع.
5- صعوبة في التنفس.
ملحوظة: لا يؤثر مرض الضمور العضلي الشوكي على القدرات الذهنية. [2]

آلية حدوث الضمور العضلي الشوكي

حتى نفهم آلية حدوث الضمور العضلي العصبي بشكل دقيق؛ لابد من أن نفهم أولاً آلية حدوث الحركة الإرادية. في البداية يرسل المخ إشارات عصبية بالحركة المطلوب تنفيذها للنخاع الشوكي، ثم يقوم النخاع الشوكي بإرسال هذا الأمر على هيئة إشارات عصبية عبر عصبونات (خلايا عصبية) ألفا والتي تنقلها إلى الخلايا العضلية في العضلة المطلوب تحريكها.

في حالة المرض تكون هناك طفرة وراثية في جين عصب النجاة الحركي 1 (إس. إم. إن 1) Survival Motor Neuron 1 (SMN1) والمسئول عن تكوين بروتين عصب النجاة الحركي المهم لتلك الأعصاب الحركية (عصبونات ألفا) بالنخاع الشوكي فيقل انتاج هذا البروتين بينما يزداد نشاط جين عصب النجاة الحركي 2 (إس. إم. إن 2) Survival Motor Neuron 2 (SMN2) وهو أقل فاعلية في إنتاج بروتين عصب النجاة الحركي بكميات كافية. ونتيجة لذلك تضمر أو تموت الأعصاب الحركية تلك وتفقد قدرتها على إيصال الإشارات العصبية التي تحمل اوامر الحركة من المخ إلى العضلات الحركية. ومن ثم يحدث ضمور بالعضلات نتيجة عدم استخدامها ويفقد المصاب نشاطه الحركي.

آلية حدوث الضمور العضلي الشوكي على المستوى الخلوي. [5]
آلية حدوث الضمور العضلي الشوكي على المستوى الجيني. [5]

أنواع الضمور العضلي الشوكي

تنقسم الحالات المختلفة من الضمور العضلي الشوكي إلى 5 أنواع بدءاً بالنوع صفر وحتى النوع 4 وذلك وفقاً لشدة الحالة وصعوبتها.

الضمور العضلي العصبي النوع 0 :

يصيب الجنين في رحم أمه ويكون شديد الصعوبة. وقد تلاحظ الأم أحياناً أن حركة جنينها أقل من الطبيعي. وفي الغالب لا يكمل المصابين بهذا النوع الشهر السادس.

الضمور العضلي العصبي النوع 1 :

تحدث الاصابات بهذا النوع في الأطفال من عمر يوم وحتى عمر 6 شهور. وتصاحبه صعوبة في التنفس والحركة والبلع. ولا يتمكن معظم المصابين به من إكمال عامين.

صورة لرضيع مصاب بالنوع الأول من الضمور العضلي الشوكي. [6]

الضمور العضلي العصبي النوع 2 :

هذا النوع يصيب الأطفال من عمر سبعة شهور حتى السنة والنصف. وتدريجياً مع التقدم في العمر يفقد المصاب قدرته على أن يجلس بمفرده. ويحتاج إلى أدوات للمساعدة على التنفس. ونتيجة لذلك يعيش المصاب به غالباً حتى سن المراهقة بحد أقصى.

صورة لطفل مصاب بالنوع الثاني من الضمور العضلي الشوكي. [6]

الضمور العضلي العصبي النوع 3 :

أمّا هذا النوع فيصيب الأطفال من عمر سنة ونصف، ويكون نشاط لطفل في البداية طبيعي. لكن مع الوقت تتدهور الوظائف الحركية. حتى يبلغ المريض مرحلة يحتاج فيها كرسياً متحركاً وأدوات تساعد على التنفس. لكن بشكل عام يتمكن كثير من هؤلاء المصابون من الوصول لأعمار مثل أقرانهم الأصحاء.

صورة لطفل مصاب بالنوع الثالث من الضمور العضلي الشوكي. [6]

الضمور العضلي العصبي النوع 4 :

بالنسبة لهذا النوع فهو أقلهم خطورة حيث يصيب البشر بعد سن الثلاثين. حيث يظهر على هيئة تشنجات بسيطة وضعف ورعشة بالعضلات. ومع ذلك يكون المصابون بهذا النوع قادرين على القيام بوظائفهم الحركية بشكل جيد ويتمكنون من بلوغ أعمار أقرانهم الأصحاء.

نسبة انتشار المرض

يختلف الباحثون حول التقدير الدقيق لانتششار المرض بين المواليد. لكن أغلب الدراسات ترجح انتشاره بنسبة 1 لكل 10 الآف مولود. [6، 7]

تشخيص المرض

من أجل أن يصاب الطفل بهذا المرض ينبغي أن يكون أبواه ناقلين للجين المعطوب. ومن ثم يكون هناك أيضاً احتمال 25% أن يصاب بالمرض. و كذلك احتمال 25% أن يولد طفل سليم من هذين الأبوين. ولكن يكون هناك احتمال 50 % أن يولد فقط ناقلاً للجين المعطوب دون ان تظهر عليه أعراض.
لذا فإنه في حال وجود تاريخ مرضي بالعائلة يتعلق بإصابة أحد أفراد الأبوين به أو حتى في حالة رغبة الأبوين في الاطمئنان على وليدهم/وليدتهم؛ فإنه يمكنهم ذلك عن طريق فحوصات جينية قبل الحمل مثل: فحص الجنين بعد تلقيح صناعي وقبل الزرع بالرحم أو فحوصات بعد الحمل مثل: فحص الفحص عينة من المشيمة أو عينة من السائل الأمنيوسي. وفي حالة تم الحمل فإنه يمكن تشخيص الطفل من خلال فحوصات جينية ورسم الأعصاب أو أخذ عينة من العضلات لفحصها. [2]

العلاجات المتوفرة بالسوق

بشكل عام يتم وصف علاجات تأهيلية تعين المريض على التعايش مع المرض، كما تقلل من وطأته وأثاره على المريض؛ مثلاً: جلسات علاج طبيعي، أجهزة تنفس، أجهزة تغذية، علاج لتشوه العمود الفقري (جراحياً او خلافه).
ولكن بالنسبة للعلاجات الموجهة للمرض ذاته والتي تستهدف تعديل مشاكل الخلل الجيني فإن ذلك يشمل:

1- سبينرازا Spinraza:

هي حقنة تٌعطى في السائل النخاعي وتحث الجين إس. إم. إن 2 SMN2 على إنتاج كميات من إس. إم. إن SMN بروتين تكفي لتمكين العضلات من أداء وظيفتها. وبالنسبة للأعراض الجانبية لهذا العلاج فهي تشمل: إحتمالية الإصابة بمشاكل بالكلى، زيادةمعدلات العدوى التنفسية، صداع وغثيان وألم موضع الحقن. ويمكن استخدام سبينرازا لكل المراحل العمرية. ويستمر تناول هذا العقار طوال العمر.

2- إيفريسدي Evrysdi:

يماثل هذا العقار في آلية عمله العقار السابق. يستخدم هذا العقار للمرضى من سن شهرين فما فوق. وبالنسبة لأعراضه الجانبية فهي تتراوح بين إسهال وحمى وعدوى تنفسية. ولكن الأمر الذي يميز هذا العقار أنه سائل يؤخذ عن طريق الفم. ويستمر المريض في تناوله طوال العمر أيضاً.

3- زولجنيزما Zolgenesma أغلى دواء بالعالم:

منذ الموافقة على زولجيزما عام 2019 من خلال منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA [10] وقد لاقى شهرة واسعة بسبب الآثر الذي سيحدثه في حياة مرضى الضمور العضلي الشوكي وبسبب تكلفته التي تجعله أغلى دواء في العالم.

آلية عمله

بشكل عام يندرج زولجنيزما تحت تصنيف العلاج الجيني؛ ومن ثم فهو يستخدم ناقلاً لإيصال الجين الصحيح إلى الخلايا التي بها الجين المعطوب فتستخدمه الخلية وتحصل على الوظيفة المفقودة. لذلك فإن زولجنينزما يستخدم ناقل فيروسي غير قادر على إحداث عدوى في إيصال نسخة الجين الصحيحة من إس. إم. إن. 1 SMN.1 المسئولة عن إنتاج إس. إم. إن. بروتين بكميات كافية للخلايا العصبية الحركية لتؤدي وظيفتها. [11، 12]

نسب النجاح

وفقاً لبعض الأبحاث فإن زولجنيزما تفوق فاعليته كلاً من سبينرازا وإيفريسدي، كما أنه يستخدم مرة واحدة فقط طوال العمر. وأعراضه الجانبية محدودة بالمقارنة بسبينرازا. [12]

عدد الجرعات المطلوبة وكيفية الاستعمال:

يضاف إلى مميزات زولجنيزما أنه تستخدم منه جرعة واحدة فقط طوال العمر تعطى على هيئة محلول وريدي. لكن وفقاً للتوصيات حتى الآن فإن فاعلية زولجينزما تتطلب أن يتم استخدامه فقط خلال أول سنتين من العمر. [10، 12]

الأعراض الجانبية

تنحصر الأعراض الجانبيةالشائعة لزولجنيزما حتى الآن في ارتفاع درجة الحرارة والقيء وارتفاع إنزيمات الكبد وانخفاض في عدد الصفائح الدموية. لذا يوصى بمتابعة وظائف الكبد وعدد الصفائح الدموية بعد أخذ عقار زولجنيزما. [10، 12]

تكلفة الجرعة والسبب في تكلفة زولجنيزما

كما ذكرنا سابقاً فإن مريض الضمور العضلي الشوكي يحتاج إلى جرعة واحدة فقط من زولجنيزما طوال عمره. لكن تكلفة تلك الجرعة هي تقريباً 2.125 مليون دولار أمريكي، مما يجعله الدواء الاغلى في العالم عند مقارنة التكلفة بجرعة واحدة فقط. وتٌرجع الشركة هذه التكلفة الباهظة للدواء إلى محدودية مستخدميه والتكاليف التي أنفقتها الشركة على الأبحاث وكذلك إلى تأثيره الممتد على حياة الفرد من جرعة واحدة. [13، 14]

المصادر:

  1. الرئيس يعلن علاج الأطفال مرضى الضمور العضلي على نفقة الدولة.. كيف تكتشف الأعراض المبكرة لطفلك؟
  2. NHS-Spinal muscular atrophy
  3. https://www.mayoclinic.org/what-is-spinal-muscular-atrophy/art-20491890
  4. Molecular Mechanisms of Spinal Muscular Atrophy
  5. معلومات عن مرض ضمور العضلات الشوكي 
  6. Spinal Muscular Atrophy
  7. Prevalence, incidence and carrier frequency of 5q–linked spinal muscular atrophy – a literature review
  8. Official Patient Site | SPINRAZA® (nusinersen) 
  9. Evrysdi vs Spinraza: How do they compare?
  10. Package Insert – ZOLGENSMA
  11. How It Works | ZOLGENSMA® (onasemnogene abeparvovec-xioi) 
  12. Zolgensma vs Spinraza: What are the key differences? 
  13. How this gene therapy drug earned its $2.1 million price tag
  14. Explained: Why world’s most expensive drug Zolgensma costs ₹18cr? Zolgensma treats rare genetic disorder Spinal Muscular 

أدلة تطور الحيتانيات

هذه المقالة هي الجزء 9 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

لم نخصص مقالًا في هذه السلسلة للحديث عن الحيتانيات إلا لأنها تمتلك صرحًا ضخمًا من أدلة التطور التي تتشابك مع بعضها البعض من مختلف فروع العلم. كما أنها من أعظم أمثلة قدرة نظرية التطور التنبؤية. وهذا المقال يرصد أدلة تطور الحيتانيات، فتعالوا معنا نتعرف عليها.

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن «الحيتانيات-Cetaceans» لفظ يطلق على الثدييات البحرية التي تشمل الحيتان والدلافين وخنازير البحر بمختلف أنواعها. [1]

لماذا لا تعد الحيتانيات من الأسماك؟

على الرغم من التشابه الكبير في الهيئة الخارجية بين الحيتانيات والأسماك إلا أنها لا تعتبر من الأسماك. إذ تمتاز الحيتانيات بصفات غير سمكية، فهي على سبيل المثال من الثدييات التي تلد وترضع أطفالها – تمامًا مثل الثدييات البرية -. كما أنها ذات دم حار (بينما الأسماك ذوات دم بارد). الحيتانيات على عكس الأسماك، لا تمتلك خياشيم تساعدها على التنفس وإنما تتنفس عن طريق رئتين. لهذا قد تلقى الحيتانيات مصرعها إن لم تصعد لسطح الماء للحصول على الأوكسجين في الوقت المناسب. [2]

وعلى ذكر التنفس، تمتلك الحيتانيات ثقوبًا أعلى الرأس لتساعدها على التنفس. وتمتلك بعض الحيتان فتحتين مشابهتين لأنوف الثدييات البرية. رغم امتلاك الدلافين وخنازير البحر فتحة واحدة، إلا أنه يتكشّف لنا شيء غريب عند تشريح جماجم الدلافين وخنازير البحر. إذ نجد أن هذا الثقب الواحد ينقسم إلى فتحتين أنفيتين [3]. فهل يُعد وجود فتحتين ذو دلالة على علاقتها بالثدييات الأرضية؟ سنعرف هذا بعد قليل.

حقوق الصورة: kythera-family.net

الأدلة من التشريح المقارن

وعلى الرغم من امتلاك كل من الحيتانيات والأسماك للزعانف إلا أنهما بعيدان كل البعد عن التشابه التشريحي. فعند النظر إلى زعانف الحيتانيات نجد أنها تتبع نمطًا مشابهًا للنمط الموجود في «رباعيات الأطراف-Tetrapods». تتكون زعانف الحيتانيات من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني). يدل هذا على انتماء الحيتانيات إلى رباعيات الأطراف. [4]

حقوق الصورة: Labster theory


ولكن إذا كانت الحيتانيات من رباعيات الأطراف، فأين أطرافها الخلفية؟ في الواقع تمتلك الحيتانيات أطرافًا خلفية ضامرة كثيرًا ما يثير الخلقيون بشأنها بعض التساؤلات، وسنجيب عن هذه التساؤلات في نهاية هذا المقال.

ويمكننا من كل ما سبق استنتاج العلاقة الوثيقة بين الحيتانيات والثدييات البرية وهو ما يمكن تفسيره بتطور الحيتانيات من ثدييات برية. ولكن هل هناك خط آخر من خطوط الأدلة ليدعم هذا الاستنتاج؟ لنرَ ما عند علم الأجنة ليقوله.

الأدلة من علم الأجنة

إذا ما تتبعنا مراحل تكون أجنة الحيتانيات وجدناها (مثل رباعيات الأطراف) تتكون لديها براعم أطراف أمامية وخلفية. إلا أن الأطراف الأمامية تُكمل نموها لتصير زعانف الحوت، بينما تتوقف براعم الأطراف الخلفية عن النمو. [5]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

ليس هذا وحسب، ولكنها أيضًا تبدأ بتكوين فتحتي أنف في مقدمة الرأس (كالتي عند الثدييات البرية). ولكن تهاجر هاتين الفتحتين تدريجيًا إلى أعلى الرأس ليلتحما في حالة الدلافين. [6]


كما أن معظم الحيتانيات تفتقر إلى وجود شعر يكسو أجسادها كما الثدييات. ولكن تمتلك أجنة الدلافين شعر شارب مثل الذي نراه في القطط، ولكنه يختفي قبل الولادة أو بعد الولادة بفترة قصيرة. [7]

شوارب الدلافين. حقوق الصورة: whyevolutionistrue


«الحيتان البالينية-Baleen whales» هي حيتان لا تمتلك أسنانًا، ولكن تمتلك تراكيبًا تُدعى البالينات. يستخدم الحوت البالينات في تناول طعامه عن طريق فتح فمه وسحب الماء المحمّل بالعوالق، ثم يدفع الماء خارج فمه وتقوم البالينات بفلترة العوالق لتبقى داخل فمه ليتغذى عليها.

حقوق الصورة: hakai magazine

والمثير للدهشة هنا هو أنه على الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان. إلا أن أجنتها تبدأ بتكوين أسنان في الفكين العلوي والسفلي أثناء وجودها في أرحام أمهاتها، ولكنها تختفي قبل الولادة ولا يبقى لها أي أثر. [8]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

وكما ذكرنا في الجزء الخاص بعلم الأجنة من هذه السلسلة فإن وجود تراكيب جنينية مثل هذه في الحيتانيات تدل على حملها لجينات تكوين هذه التراكيب من أسلافها. فهل يأتي السجل الأحفوري مصدقًا على استنتاجاتنا ويخبرنا كيف كانت أسلاف الحيتانيات الحديثة؟

السجل الأحفوري وتطور الحيتانيات

يُعد السجل الأحفوري للحيتانيات واحدًا من أغنى السجلات الأحفورية بالحفريات الانتقالية. ذلك لأنه مليء بالحفريات التي توثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية إلى ثدييات مائية، دعونا نناقش بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

«بازيلوسورد-Basilosaurid»

وجدت حفريات حوت البازيلوسورد بين 23 إلى 41 مليون سنة ماضية، ويمتلك بعض الصفات المثيرة. عند النظر إلى جمجمة البازيلوسورد، لا نجد فتحات الأنف أعلى الرأس كما الحيتان الحديثة، ولا في مقدمة الرأس كما الثدييات البرية، ولكنها تقع تمامًا في المنتصف. وهذا يوثق الانتقال التدريجي لمكان فتحات الأنف أثناء تطور الحيتانيات من ثدييات برية. [9] بالإضافة إلى أرجل صغيرة، تحتوي على «عظمة ورك-Femur»، و«قصبة ساق-Tibia»، و«قصبة صغرى-Fibula»، و«غطاء ركبة-Patella»، وعظام كاحل، بل وحتى أصابع قدم.

هذه الأرجل أكبر من بقايا الأطراف الخلفية الضامرة الموجودة لدى الحيتان الحديثة، ولكنها أصغر من أن تستخدم في المشي على اليابسة. بالإضافة إلى عدم اتصالها بالعمود الفقري، فلم تكن لتستخدم في الحركة، لذلك فهي على الأرجح كانت تستخدم أثناء التزاوج أو لحك الجلد. [10]

حقوق الصورة: earth archives

وفي هذا السياق، يمكننا استنتاج أنه بالرجوع في الزمن إلى الوراء، سنجد الحيتانيات أقرب إلى الثدييات البرية.

«ماياسيتوس-Maiacetus»

عاش الماياسيتوس منذ حوالي 47.5 مليون سنة، وكان هذا هو شكل الهيكل العظمي المتحجر الذي عُثر عليه للماياسيتوس.

حقوق الصورة: artstation

ويمكننا ملاحظة امتلاكه عظام أطراف خلفية أقوى، مما يرجح أنه كان يستطيع السير على اليابسة، ولكن لماذا يعتبره العلماء من الحيتانيات؟

يعتبر العلماء ماياسيتوس من الحيتانيات لعدة أسباب هي:

1. جميع حفريات ماياسيتوس وُجدت بين حفريات لكائنات بحرية مما يرجح معيشته في البحر.
2. عظام وركه كانت قوية لكن أرجله كانت قصيرة، بالإضافة إلى أصابعه الطويلة. مما يخبرنا بأنه على الأرجح كان يواجه صعوبة في المشي.
3. التركيبة الفريدة لعظام الأذن الوسطى، والتي تطابق تلك الموجودة لدى حيتان البازيلوسورد والحيتانيات الحديثة.
4. امتلك ماياسيتوس أصابع وأصابع قدم مسطحة بنتوءات على جوانب تلك الأصابع، مما يرجح باحتمالية كبيرة امتلاكه لغشاء يمتد بين تلك الأصابع ليساعده على السباحة.
5. امتلاك أسنان مشابهة لأسنان البازيلوسورد.
6. «الخطم المطوّل-Elongated snout»، وهي خاصية موجودة في كل الحيتانيات الحديثة وكل الحفريات الانتقالية للحيتانيات التي تأتي في السجل الأحفوري بعد الماياسيتوس.
7. امتلاك قواطع وأسنان أمامية مخروطية الشكل، وهذه الخاصية ليست عادية في الثدييات، ولكنها موجودة في الحيتانيات الحديثة ذات الأسنان (حيتان الأوركا، والدلافين، وحيتان العنبر).
8. امتلاك تركيبة كاحل فريدة تربطه ب «شفعيات الأصابع-Artiodactyls»، مثل أفراس النهر والخنازير والغزلان. تركيبة الكاحل تلك مثيرة للاهتمام، إذ أن الحمض النووي للحيتان يخبرنا بأنها شفعيات أصابع معدلة. [11]

«باكيسيتوس-Pakicetus»

عاش الباكيسيتوس منذ حوالي 50 مليون سنة، وكان هذا هو شكله.

حقوق الصورة: britannica


وقد تتساءل عن علاقة هذا الكائن بالحيتانيات، وهو سؤال مشروع، إذ أنه لا يشبه الحيتانيات ظاهريًا، ولكنه على علاقة بالحيتانيات، ويمكننا معرفة هذا من شكل جمجمته الطويلة بشكل مميز، ولكن هذا ليس كافيًا لوضعه في السجل الأحفوري الذي يوثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية، فماذا عن امتلاكه لصفة مميِّزة للحيتانيات؟

امتلك باكيسيتوس تركيبة فريدة للأذن، وهذه التركيبة لا توجد إلا في الحيتانيات الحديثة.

كما أن تركيبة كاحله تربطه بشفعيات الأصابع التي تحدثنا عنها منذ قليل، والتي تشمل الحيتانيات. [12]

«إيتيوسيتوس-Aetiocetus»

ذكرنا منذ قليل امتلاك أجنة الحيتان البالينية لبراعم أسنان، وهذا يدل على امتلاكها لجينات تكوين الأسنان من أسلافها. يعني هذا بدوره وجود سلف مشترك بين الحيتانيات ذات الأسنان والحيتان البالينية، فماذا لدى السجل الأحفوري ليقوله بهذا الشأن؟

امتلك إيتيوسيتوس أسنانًا صغيرة جدًا بمسافات كبيرة بينها، بالإضافة إلى وجود فتحات للتغذية تُدعى “foramina”. يعد هذا مؤشرًا على امتلاكه للبالينات، وبهذا نستنتج أن الإيتيوسيتوس امتلك أسنانًا جنبًا إلى جنب مع البالينات في فمه. مما يعني أن الإيتيوسيتوس يعد شكلًا انتقاليًا يوثق انحدار الحيتان البالينية من الحيتانيات ذات الأسنان. [13]

ليست هذه هي الحفريات الوحيدة في السجل الأحفوري للحيتانيات، فهناك حفريات لحيوانات أخرى سنذكر بعضها بعد قليل.

تفنيد اعتراضات الخلقيين

على الرغم من الأدلة الكثيرة على تطور الحيتانيات من شتى فروع العلم المذكورة أعلاه، إلا أن الخلقيين يرمون بكل هذا عرض الحائط ويتمسكون بحجج وأطروحات واهية مستوردة من أطروحات الخلقيين الأجانب. ولكننا رأينا أن نقف نطرح هذه الحجج في مقالنا هذا لمناقشتها.

زعنفة ذيل «رودوسيتوس-Rodhocetus»

يرى الخلقيون أن العلماء يقومون بتزييف البيانات لوضع الحفريات ضمن السياقات التطورية للحيوانات. وفي هذا المثال يحتجون بما حدث مع حفرية الرودوسيتوس، حيث يعتبر الرودوسيتوس واحدًا من الكائنات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات، فأين هي المشكلة بالتحديد؟ تقع المشكلة من وجهة نظر الخلقيين في أن مكتشف هذه الأحفورة أضاف إليها زعانفًا وزعنفة ذيل لوضعها في السياق التطوري للحيتان.

حقيقة ما حدث مع حفرية الرودوسيتوس هو أنه عندما اكتشفها «فيليب جينجريتش-Philip Gingerich» لم تكن تمتلك ذيلًا أو أطرافًا مكتملة، فكانت بهذا الشكل.

حقوق الصورة: bensozia


ولكن عندما احتاج جينجريتش إلى تمثيل هذا الكائن لعرضه في المتاحف لجأ إلى افتراض بقية الأجزاء لتكون معروضة على العامة. افترض جينجريتش وجود زعانف وزعنفة ذيل، نظرًا لخصائص أخرى امتلكها رودوسيتوس تضعه ضمن السياق التطوري للحيتانيات، مثل موقع الفتحات الأنفية التي تقع أعلى الخطم مثل البازيلوسورد (في طريقها التدريجي إلى أعلى الرأس كما في الحيتانيات الحديثة). بالإضافة إلى موقع أذنه الداخلية التي كانت إلى أسفل (في طريقها إلى قاع الجمجمة كما في الحيتانيات الحديثة).

إذًا لم يضع جينجريتش الرودوسيتوس في السياق التطوري للحيتانيات بناء على تخمينات، وإنما على صفات مميزة للحيوانات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات.

أما عن الزعانف وزعنفة الذيل فهذا النموذج لم يكن إلا للعرض في المتحف على العامة. حيث أن هذا النموذج لم يخضع لمراجعة علمية ولم يعتمده المجتمع العلمي، وإنما كان للتبسيط على العامة فقط. لا داعي للقول بأن “العلماء يخدعون الناس”، ولكن لاحقًا اكتشف جينجريتش حفرية رودوسيتوس أخرى، وهذه المرة بأطراف أمامية وخلفية ذات أصابع طويلة [14] كما توقع بالفعل. أما عن زعنفة الذيل فلا يمكننا معرفة ما إذا كان يمتلك زعنفة ذيل بالفعل أم لا، إذ أنه حتى الحيتانيات الحديثة لا تُظهر امتلاكها لزعنفة ذيل عند تحولها لحفريات على الرغم من امتلاكها لواحدة.

حقوق الصورة: researchgate


الأمر إذًا كان مجرد نموذج تخيلي (غير معتمد علميًا) تم تعديله بعد الاكتشافات العلمية الأحدث، وهذا ما يحدث مع النماذج التخيلية للحفريات. فجميع نماذج الديناصورات التي نمتلكها في المتاحف غير دقيقة. إذ أن الأدلة الأحدث تشير إلى امتلاك بعض الديناصورات للريش، وليس كما تظهر في المتاحف.

النماذج المعروضة في المتاحف يكون غرضها التبسيط للعامة فقط وليس الدراسة العلمية. علميًا، تدرس الحفريات بما وُجد في مواقع الحفر، وليس بالنماذج الممثلة في المتاحف. وحتى في حالة عدم امتلاك رودوسيتوس للزعانف فهذا لا يؤثر على كونه ضمن السجل الأحفوري لتطور الحيتانيات بالمرة، نظرًا لامتلاكه صفات حيتانية مميزة كما رأينا أعلاه. لا يمكن للخلقيين مثلًا امتلاك دليل على تصنيف الرودوسيتوس بشكل مختلف عما صنفه جينجريتش.

هل يعارض «إندوهاياس-Indohyus» الخط الزمني لتطور الحيتانيات؟

يقول الخلقيون أن باكيسيتوس عاش منذ 50 مليون سنة، بينما إندوهاياس (حيوان ضمن السياق التطوري للحيتانيات) عاش منذ 48 مليون سنة. أي أن الإندوهاياس يفترض أن يكون أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من باكيسيتوس (لكونه أحدث)، ولكن باكيسيتوس أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من إندوهاياس. يعتقد الخلقيون أن العلماء يتلاعبون بترتيب الحفريات في السجل الأحفوري لإجبار البيانات على دعم التطور.

هناك سوء فهم لعملية التطور في هذا الطرح، فالتطور ليس عملية تقدم خطّي إلى الأمام و إذ أن الصورة النمطية التي نراها في الرسومات التعبيرية مثل هذه ليست دقيقة.

بالإضافة إلى كون كل حفرية من المذكورة في المثال لها مدى زمني لأعمارها وليس مجرد أرقام صماء، فعلى سبيل المثال وجدت حفريات باكيسيتوس بين ما يعود من 52 إلى 48 مليون سنة مضت، وإندوهاياس بين ما يعود من 50 إلى 48 مليون سنة مضت، فهي نطاقات زمنية متداخلة وليست مجرد أرقام.

وفضلًا عن أن هذه الأرقام لا تعبر بالضرورة عن الفترة التي عاش خلالها الحيوان، إذ يمكن أن يكون عاش قبلها وبعدها، إلا أن هذا حتى لا يمنع من وجود هذه الكائنات في نفس الفترة الزمنية.

مثال

على سبيل المثال، نحن البشر نعيش في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي، وبعد ملايين السنين عند النظر إلى صور الشيمبانزي وصور البشر الحاليين، قد يستنتج شخص ما بطريقة خاطئة أننا منحدرون من الشيمبانزي، وقد يتعجب من كون البشر يعيشون في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي (نفس المغالطة التي وقع فيها الخلقيون في هذا المثال) ولكن هذا ليس صحيحًا على الرغم من امتلاك الشيمبانزي لخصائص بدائية أكثر من البشر، ولهذا فلا يدعي العلماء أن إندوهاياس انحدر من باكيسيتوس أو العكس، في الواقع لا يعتقدون أن أيًا من الحفريات المكتشفة تمثل أسلاف الكائنات الحديثة، ولهذا يتم التعبير عن الأسلاف في الرسومات بنقاط مجردة، مثل هذه الصورة.

حقوق الصورة: understanding evolution


بالإضافة إلى أنه إن كان العلماء ينوون التلاعب بالبيانات لموافقة التطور، فلم يكونوا ليجعلوا هذه الأرقام معلنة للعامة، فهم بالتأكيد يعلمون أن 48 أقل من 50، فلماذا لم يتلاعبوا بالأرقام؟

هذا لأن الحجة أصلًا مبنية على فهم خاطئ لعملية التطور، لا أكثر.

هل انتقلت الحياة من الماء إلى اليابسة أم العكس؟

يرى الخلقيون أن ادعاء تطور الحيتانيات من ثدييات برية يعارض باقي الأدلة التطورية التي تخبرنا بانتقال الحياة من الماء إلى اليابسة.

قلنا: لا يوجد هدف مسبق للتطور ليحدد مسارًا واحدًا للحياة لتسلكه، فالحياة بالفعل انتقلت من الماء إلى اليابسة ولكن بعض الكائنات انتقلت مجددًا إلى الماء وهو ما تظهره الأدلة التشريحية والأحفورية كما رأينا أعلاه، كما أن «تحليل نظائر الأوكسجين-Oxygen isotope analysis» يمكننا من التعرف على نوع المياه التي كان يشربها الحيوان أثناء حياته عند العثور على حفرية له، وأظهرت النتائج أن باكيسيتوس شرب مياهًا عذبة [15]، بينما شرب «أمبيولوسيتوس-Ambulocetus» (حيوان انتقالي في السجل الأحفوري للحيتانيات) مياهًا عذبة ومياهًا مالحة، وهذا بحد ذاته يعتبر دليلًا على الانتقال التدريجي للحياة من اليابسة إلى الماء مرة أخرى. [9]

الأطراف الخلفية للحيتانيات

ذكرنا في أول المقال وجود أطراف خلفية ضامرة في أجسام الحيتانيات. يرى الخلقيون أن هذه ليست سوى بقايا عظام حوض لتدعيم الأعضاء التناسلية فقط.

بالفعل تمتلك معظم الحيتانيات عظمتي حوض فقط. ولكن ما يجهله الخلقيون هو امتلاك «الحوت مقوس الرأس-Bowhead whale» لعظام ورك وساق بالإضافة إلى عظام الحوض. بل أن عظام الورك والحوض تتمفصلان كما في الثدييات البرية، ويوجد في المفصل أحيانًا «سائل زلالي-Synovial fluid» وهو سائل يعمل كزيت لتشحيم العظام في المفاصل المتحركة. وهذا يعد دليلًا على كونها عظام أطراف خلفية ضامرة، وليست مجرد دعامات للأعضاء التناسلية. [16]


بالإضافة إلى السجل الأحفوري الذي يدعم فكرة كونها أطرافًا خلفية، فعند التقدم بالزمن في السجل الأحفوري باتجاه الحيتانيات الحديثة، نلاحظ فقدانها التدريجي لأطرافها الخلفية، كما في الصورة التالية.

حقوق الصورة: researchgate


وكما ذكرنا أعلاه، تنمو لأجنة الحيتان براعم أطراف خلفية ولكنها سرعان ما تتوقف عن النمو. فإذا كانت مجرد دعامات للأعضاء التناسلية، فلماذا نرى التدرج في فقدانها في السجل الأحفوري؟ ولماذا يمتلك الحوت مقوس الرأس عظام ورك وساق ضامرتين؟ ولم يحتوي مفصل ورك الحوت مقوس الرأس على سائل زلالي؟ ولماذا تمتلك أجنة الحيتان براعم أطراف خلفية؟

سقنا في هذا المقال أدلتنا على تطور الحيتانيات وقمنا بتفنيد ادعاءات الخلقيين بشأن هذا الأمر، وفي المقال القادم نستعرض أقوى أدلة التطور، أدلة التطور من الجينوم.

المصادر

[1] britannica
[2] scienceline
[3] whales
[4] britannica
[5] pnas
[6] pandasthumb
[7] Highlights of Cetacean Embryology, J. G. M. Thewissen
[8] ncbi
[9] berkeley
[10] britannica
[11] stated clearly
[12] AMNH
[13] sciencedaily
[14] sciencemag
[15] UPI
[16] The Walking Whales: From Land to Water in Eight Million Years, by J. G. M. “Hans” Thewissen, p.30

هل البشر هم الحيوانات القادرة على البكاء؟

منذ اللحظة الأولى من حياته، يصرخ الطفل باكيًا، معبرًا عن حاجته للأمان والطعام والدفئ. يرافق البكاء الإنسان منذ نعومة أظافره حتى آخر لحظات حياته، ولا يعبّر البكاء فقط عن الألم الجسدي أو الحزن، بل قد يعبّر أيضًا عن الفرح. إن قدرة الإنسان على البكاء تطال كل المجتمعات، رغم اختلاف ثقافاتهم، لكن هل تطال الحيوانات الأخرى أيضًا؟ هل تشعر الحيوانات بالحزن كما نفعل وتعبر عنه بالبكاء؟ أم أن البشر هم الحيوانات القادرة على البكاء؟

ماذا نعني بالبكاء؟

إن فرز الدموع ظاهرة مشتركة لكثير من الكائنات الحية، وهي ظاهرة قديمة. إذ كل الحيوانات التي تبصر من خلال عيونها المتحركة، تملك جفونًا أو اغشية لحمايتها. غالبًا ما تلعب الدموع دورًا هامًا في تسهيل فتح وإغلاق هذه الأغشية، كما تساهم في ترطيب وحماية عدسات العين. إذاً فإن الـ”بكاء” له أدوار فيزيولوجية واضحة. وبهذا المعنى، فإن الكثير من الحيوانات تشاركنا البكاء.

أما البكاء بالمعنى الذي نعرفه فهو مرتبط بالتعبير العاطفي، وهو سلوك فطري يقوم به الطفل منذ لحظات حياته الأولى. وقد طرح الكثير من العلماء إشكالية بكاء الحيوانات من عدمه، وقد تعددت وجهات نظرهم في هذا الخصوص. كما أن بكاء الحيوانات يطرح إشكاليات أعمق عن كيفية إدراك الحيوانات للمشاعر وذكائها العاطفي، وهو مجال يصعب دراسته بطبيعة الحال. من هنا، يمكن القول أن البكاء هو تعبير عاطفي شائع جدًا عند البشر، وهو ميزة بشرية إذ نادرًا ما نجدها عند غيرنا من الحيوانات، حتى الأقرب إلينا تطوريًا كالشيمبانزي.

هل من حيوانات قادرة على البكاء؟

قد يكون البكاء كما نعرفه كبشر محصورًا بصنفنا، إلا أن الحيوانات تصدر أصواتًا وصرخات وتذرف دموعًا شبيهة بالبكاء البشري أحيانًا.

فقد اعتبر داروين في كتابه “The Expression of the emotions in Man and animals” أن بعض الحيوانات قادرة على ذرف الدموع عاطفيًا، وتحدّث عن ملاحظته لقرد ماكاك في حديقة للحيوانات في لندن يبكي من الحزن. كما يتحدّث أيضًا عن معاينته لفيلة تذرف دموعها عند التقاطها (لحبسها) أو عندما تكون على حافة الموت. لكن العديد من علماء السلوك الحيواني اليوم يخالفونه الرأي.

كذلك، يؤكد الباحثون أن غالبية صغار الطيور والثدييات تصدر أصواتًا عالية النبرة وذات نمط متكرّر لتطلب المساعدة أو الإنقاذ. لهذه الصرخات فوائد أكيدة في الحفاظ على حياة هذه الحيوانات، إذ أنها تساهم في تحديد مكانها وتلقي الطعام والمساعدة من حيوانات صنفها الأكبر سنًا.

يشير العالم “جاك بانكسيب – Jaak Panksepp “أن صغار الفئران تُصدر صرخات عند انفصالها عن أمها، قد تكون مشابهة لبكاء الأطفال، لكننا غير قادرين كبشر على سماعها لأنها تقع في مجال الموجات فوق الصوتية. كذلك تصدر صغار الكلاب أنينًا عند انفصالها عن أمها. وغالبًا ما توقف صغار الفئران والكلاب صراخها أو أنينها عندما توضع في اتصال جسدي مع الأم.

يعتقد بعض الباحثين أن الصرخات التي تصدرها صغار الحيوانات قد تشكل أصل اللفظ والنطق عند البشر. إذ إنه يُعتقد أن الثدييات الأولى كانت حيوانات ليلية تعتمد الأصوات للتواصل، فشكلت صرخا صغارها وسيلة التعبير عن الجوع وساعدت كبارها على إيجادها بسهولة.

اقرأ أيضًا عن الفوائد الصحية للبكاء

البكاء خاصية بشرية

إذن فإن ظاهرة بكاء الحيوانات ظاهرة نادرة، كما أنها تختلف اختلافًا جذريًا عن بكاء البشر، لذلك يُعتبر البكاء خاصية بشرية. من هنا، حاول العديد من الباحثين تحديد أصول البكاء وفوائده التطورية التي جعلته مشتركًا عند جميع البشر. إلا أنه من الصعب معرفة عمر “الدموع” كما نعرفها الآن، إذ أنها لا تترك آثارًا في الحفريات للبحث عن أصولها التطورية. لذلك يبقى الخيار الوحيد هو البحث الأعمق في الذكاء العاطفي عند الحيوانات والأطفال والمقارنة بين الأصناف، كما يعمل العلماء على دراسات في مجال علوم الأعصاب لفهم طريقة عمل الدماغ والمناطق المسؤولة عن البكاء.

اقرأ أيضًا عن لماذا نبكي؟

المصادر:

dana.org
newscientist.com
livescience.com

أيهما جاء أولًا: الدجاجة أم البيضة؟


من أكثر الأسئلة الجدلية، والقديمة قدم الحضارة الإغريقية نفسها. من قديم الأزل والإنسان يسأل عن أصل الأشياء. أرسطو نفسه سأل عن أصل الدجاجة، وقال إن الدجاجة والبيضة كليهما أزلي

. أما عن سؤالنا، فليس بالجديد أيضًا؛ فالفيلسوف اليوناني بلوتارخ طرح هذه المعضلة في وقت كان الفلاسفة فيه مشغولين بأصل الكون. تكمن المعضلة في أن البيضة تأتي من الدجاجة، والدجاجة تأتي من البيضة! كأننا في دائرة مفرغة، ولكن بالطبع أحدهما جاء أولًا، صحيح؟

من أين أتى الدجاج؟

علميًا، تطور الدجاج من الديناصورات. بداية من نوع من الديناصورات يسمى Proceratosaurus ووصولًا إلى دجاج الأدغال الأحمر Gallus gallus (Red jungle fowl)، ثم الدجاج المنزلي والمعروف باسم gallus gallus domestics (Chicken).

كان يعتقد أن تدجين الدجاج بدأ في حضارة وادي السند من 2000 سنة قبل الميلاد [1]، إلى أن ظهرت دراسة تعيد تدجين الدجاج إلى 6000 سنة قبل الميلاد. اعتمدت الدراسة على أدلة أثرية وُجدت في الصين، وجنوب آسيا، وأوروبا، وكذلك أدلة لها علاقة بالمناخ القديم في الصين. [2]

مع تطور العلم، وبالتحديد علم الأحياء الجزيئية، تأكد العلماء ممن انحدار الدجاج المنزلي gallus gallus domestics من دجاج الأدغال الأحمر [3].

انتشر الدجاج من موطنه الأصلي، وهو حضارة وادي السند في جنوب آسيا، إلى غرب وشرق القارة الآسيوية في الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد. وبحلول القرن الثامن الميلادي، وصل الدجاج إلى أوروبا عن طريق الفينيقيين.

كان الدجاج يستخدم قديمًا في الكثير من الاحتفالات والشعائر مثل وضعه في المدافن والتماثيل الطينية كما استخدمه الصينيون. أما الآن فالدجاج مختلف تمامًا؛ حيث يوجد بأشكال وأحجام مختلفة، وألوان جذابة ومتنوعة، كما أن صفاته تتناسب مع إنتاجه للبيض واللحوم. [4]

هل السؤال صحيح؟

“من أتى أولًا: الدجاجة أم البيضة؟” لا أريد أن أخيب آمالك، ولكن لا حاجة إلى أن تكلف نفسك عناء قراءة هذا المقال لكي تجيب على هذا السؤال! فأنت بالفعل من المفترض أن تكون استنتجت الجواب من الفقرة الأولى. فالديناصورات ما هي إلا أسلافًا للدجاج كما ذكرنا.

الطيور الحديثة مثل الدجاج تطورت من ديناصورات آكلة لحوم، والحلقة الوسيطة بينهما، مثل الآركيوبتركس، عاشت في العصر الجوراسي. وتخبرنا الحفريات أن أسلاف الطيور الحديثة عاشت في العصر الطباشيري. ما يعني أن الطيور جاءت بعد الديناصورات بفترة طويلة جدًا. [6]

الحفريات الأقدم لبيض الديناصورات تعود إلى 190 مليون سنة مضت، وحفريات الآركيوبتركس والتي تعتبر حفريات أقدم طائر معروف ومعترف به في الوسط العلمي، تعود إلى 150 مليون سنة مضت. [5]

بالعودة إلى السؤال العام: البيضة أم الدجاجة؟ نجد أن البيض في العموم ظهر قبل حوالي 340 مليون سنة مضت، وأول سلالة من الدجاج المعروف حاليًا ظهرت من حوالي 58 ألف سنة مضت.[3]

وبناءً على ما سبق، فالبيضة جاءت أولًا، ولكن هذه الإجابة ليست عن سؤالنا المقصود، بل هي مجرد إجابة على السؤال العام: البيضة أم الدجاج أولًا؟ بالتأكيد البيضة. فالديناصورات كانت تبيض، مثلها مثل الزواحف حاليًا. السؤال الصحيح يجب أن يُعنى ببيض الدجاج.

أيهما جاء أولًا: الدجاجة أم بيضة الدجاجة؟

بعدما طرح الفيلسوف اليوناني بلوتارخ هذا السؤال، حاول القساوسة مثل أوغسطينوس الإجابة عليه من خلال الكتاب المقدس. ووفقًا لسفر التكوين، فإن الدجاجة جاءت أولًا.

ومع تطور العلم ظهر فريقان، كل منهما بأدلة مختلفة. الفريق الأول سنسميه “فريق البيضة”، والثاني “فريق الدجاجة”:

فريق البيضة جاءت أولًا:

هذا الفريق يعتمد بشكل أساسي على نظرية التطور، فتطوريًا البيضة جاءت أولًا. وكما نشر الكاتب العلمي لدى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، لويس فيلازون، مقالًا يستند فيه إلى أدلة تطورية لتدعيم موقفه، يوضح فيها قصة السلف المشترك وأن التغيرات الجينية التي تحدث في الحمض النووي لأجيال اللاحقة تؤدي في الغالب إلى بعض الخصائص المفيدة للكائن ليتكيف مع بيئته، وهذا ما يسمى بالانتخاب الطبيعي Natural Selection. [7]

من حوالي 10 آلاف سنة مضت كان يعيش سلف الدجاج الحالي، وهو دجاج الأدغال الأحمر Red Jungle Fowl، الذي ذكرناه سابقًا، في إندونيسيا. ومع تزاوج ذكر هذا السلف بالأنثى تنتج البويضة المخصبة أو الزيجوت ومع حدوث الطفرات التي تحدثنا عنها نتج الجيل الجديد وهي الدجاج الأبيض الذي نعرفه اليوم. [7]

فريق الدجاجة جاءت أولًا:

أما عن هذا الفريق، فيرى أن الدجاجة جاءت أولًا، وبالطبع يدعم موقفه بالأدلة العلمية. فبعد مقال لويس فيلازون، قام باحثون من جامعتي شيفلد و ورويك برفض تفسير الكاتب العلمي؛ حيث استخدموا حاسوباً خارقاً وقاموا بتطبيق آلية تسمى بال metadynamics ليروا مكونات البيضة، فاكتشفوا وجود بروتين يسمى ovocledidin-17 (OV-17) ويعمل هذا البروتين على تسريع عملية تكوين قشرة البيضة. وعلى هذا الأساس استنتجوا أن الدجاجة جاءت أولًا، لأن هذا البروتين مصدره الدجاج. [7]

وضح العلماء أن الطيور التي تبيض لا تستخدم بالضرورة نفس البروتين وهذا سبب سرعة تكون قشرة البيض عند الدجاج بنسبة أعلى من الطيور.

هذا ملخص القصة، فلا يوجد جواب نهائي على هذا السؤال الذي حير العلماء من أيام أرسطو. مجرد عرض وجهات النظر وعليك أنت أن تقرر عزيزي القارئ، ولن تلام إذا رجحت فريق على الآخر، فكلاهما تحدث بالعلم.

المصادر

  1. Google Scholar
  2. Food and Agriculture Organization. The State of the World’s Animal Genetic Resources for Food and Agriculture. (Rome, 2007)
  3. Australian Academy of Science
  4. Nature
  5. TIME
  6. BIGTHINK
  7. The University of Melbourne

إدمان الكوكايين وآثاره

إدمان الكوكايين وآثاره

يمكن للعديد من الأدوية أن تغير تفكير الشخص وأحكامه، ويمكن أن تؤدي إلى مخاطر صحية بما في ذلك الإدمان.

يعتقد الكثير من الناس بأن الذين يتعاطون المخدرات يفتقرون إلى المبادئ الأخلاقية أو قوة الإرادة وأنهم لا يستطيعون التوقف عن تعاطي المخدرات بمجرد اختيارهم لذلك.

لماذا يتعاطى الناس المخدرات؟

بينما تختلف الحوافز المحددة التي تؤدي للتعاطي من شخص لآخر بشكل عام يبدأ الناس في استخدام المخدرات للهروب أو إخفاء الآلام.

في بعض الأحيان يمكن أن تكون بداية التعاطي من مشاكل نفسية غير معالجة بما في ذلك القلق والاكتئاب.

يمكن أن يوفر اندفاع المتعة من التعاطي عزاءًا مؤقتًا للمعاناة، والتي يمكن أن تنبع من العديد من المشكلات، مثل الصدمة وسوء المعاملة والفقر وفقدان أحد أفراد الأسرة واحترام الذات المتدني وغيرها الكثير.

ولكن مهما كان السبب الذي أدى إلى الإدمان فظهور الإدمان عادًة ما يخرج المريض أكثر فأكثر عن السيطرة.

الكوكايين C17H21NO4

الكوكائين هو عقار منشط قوي الإدمان.

منذ آلاف السنين كان الناس في أمريكا الجنوبية يمضغون أوراق الكوكا “إثروكسيلون كوكا” ثم يبتلعونها لتأثيراتها المنشطة.

قد تم عزل المادة الكيميائية المنقاة “هيدروكلوريد الكوكايين” من النبات منذ أكثر من مئة عام.

وقد كان الكوكايين عنصرًا في التركيبات الأولى ل Coca Cola.

واستخدم الكوكايين أيضًا كمخدر موضعي للألم.

يتعاطى الناس شكلين كيميائيين من الكوكايين

1-ملح الهيدروكلوريد القابل للذوبان في الماء.

2-قاعدة الكوكايين غير القابلة للذوبان في الماء (القاعدة الحرة).

يقوم المستخدمون بحقن أو استنشاق ملح الهيدروكلوريد، وهو عبارة عن مسحوق يتم إنشاء الشكل الأساسي للكوكايين عن طريق معالجة المخدر بالأمونيا أو ببيكربونات الصوديوم “Baking soda” والماء، ثم تسخينه لإزالة الهيدروكلوريد لإنتاج مادة قابلة للتدخين.

نقاط مهمة عن تعاطي الكوكايين

1-لتعاطي الكوكايين على المدى القصير آثار سيئة، قد تؤدي إلى تضيق الأوعية الدموية وتزايد درجة الحرارة، مما يؤدي أيضًا إلى ازدياد معدل ضربات القلب وضغط الدم؛ وتسبب أيضًا صداعًا في الرأس وآلام في البطن وغثيان.

2-أما على المدى البعيد سيحصل فقدان لحاسة الشم ونزيف في الأنف وصعوبة في البلع وموت الأنسجة المعوية بسبب انخفاض تدفق الدم إلى الأمعاء.

3-آثار جانبية: مع التعاطي يزداد خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد والأمراض المعدية الأخرى من الإبر نتيجة عملية الحقن المشتركة.

4-الأعراض: الاكتئاب-زيادة شهية-أرق-أحلام مزعجة-تباطؤ في التفكير والحركة-قلق.

5-الطرق الشائعة للتعاطي: شم-تدخين-حقن.

مدمنات الكوكايين والحمل

معظم النساء المدمنات على الكوكايين هن في سن الإنجاب.

تشير الدراسات إلى أنه حوالي 5% من النساء الحوامل يستخدمن مادة أو أكثر من المواد المسببة للإدمان.

هناك حوالي 750 ألف حالة حمل تتعرض للكوكائين كل عام. 

فإن النساء قد يمتنعن عن الإبلاغ عن أنماط تعاطي المخدرات بسبب وصمة العار الاجتماعية والخوف من فقدان حضانة أطفالهن.

يرتبط تعاطي الكوكايين أثناء الحمل بالصداع النصفي والنوبات الأمومية وفصل بطانة المشيمة عن الرحم قبل الولادة.

يصاحب الحمل تغيرات طبيعية في القلب والأوعية الدموية، فيؤدي الإدمان على الكوكايين إلى تفاقم هذه التغيرات، فيزداد ضغط الدم والإجهاض التلقائي والولادة المبكرة وصعوبة الولادة.

من الصعب تقدير المدى الكامل لعواقب تعاطي الأم للكوكايين وتحديد الخطر لعقار معين على الطفل الذي لم يولد بعد.

المصادر:

[1] nih

[2] NIH

[3] NIH

ما هو الغشاء الحيوي الرقيق «البيوفيلم»؟

         يُقال أن الإنسان كائنٌ اجتماعي، وأن العيش في مجموعات عموماً يصب في صالح الحيوانات، ويساعدها على استغلالٍ أعلى للموارد وتقليل المخاطر. لكن تُرى كيف هو الحال مع الكائنات وحيدة الخلية كالبكتيريا والفطريات؟ هل تعيش هي الأخرى بمجموعات وتكوّن مجتمعاتها الخاصة بها؟ هل يوجد ما يسمى بالمجتمع الميكروبي؟ في ثمان نقاط عن الغشاء الحيوي الرقيق البيوفيلم دعنا نجيب عن تلك الأسئلة.

وجد العلماء أن الميكروبات تعيش في مجتمعات في الغالبية العظمى من مراحل حياتها، بل إن الشذوذ هو عيشها منفردة. وقد وجدوا أن هذا النظام يمكنها من الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، والحماية من الظروف البيئية القاسية التي قد تتعرض لها، من جفاف ومضاداتٍ حيوية ونقصٍ في الغذاء، بل وحتى من هجوم جهاز المناعة. نتج عن ذلك أن غدت هذه الظاهرة محط عددٍ كبير من الدراسات، لكونها مرتبطةً أيضا بالعدوى البكتيرية المزمنة. وللمفاجأة؛ لاحظ العلماء أن الميكروبات في هذا المجتمع تتواصل فيما بينها بلغتها الخاصة المميزة.

ما هو البيوفيلم (الغشاء الحيوي الرقيق)؟

هو مجتمع تعيش فيه خلايا كائنات ميكروبية (بكتيريا أو فطريات أو غيرهما) معاً. محاطة بتركيب يشبه الهلام (الجل). يتكون هذ الهلام من سكريات متعددة (أفرزتها الكائنات المجهرية نفسها). وهو يمكنها من الالتصاق بالأسطح الحية وغير الحية، والتواصل مع بعضها، وتبادل الموارد، وحماية نفسها من الأخطار التي قد تتواجد في البيئة المحيطة.
[1، 2]

اكتشاف البيوفيلم (الغشاء الحيوي الرقيق):

يوجد البيوفيلم في سجلات أحفورية يعود تاريخها إلى 3,3-3,4 مليار سنة، بيد أن اكتشاف البيوفيلم الميكروبي كان في عام 1943م. عند ملاحظة العلماء أن البكتيريا التي تعيش في المياه تفضل العيش في تجمعات ملتصقة بالأسطح الصلبة. [2]

تركيب الغشاء الحيوي الرقيق:

  1. سكريات متعددة تشكل هيكل الغشاء الحيوي الرقيق. تتخللها قنوات تمثل مسارات لتبادل المواد المختلفة بين خلايا مجتمع البيوفيلم وبعضها وبينها وبين الوسط المحيط. تشبه هذه القنوات الأوعية الدموية التي تغذي أنسجة جسمنا المختلفة وتساعدها على التواصل فيما بينها.
  2. خلايا مجتمع البيوفيلم نفسها، تكون من نفس الجنس، أو من أجناس مختلفة من البكتيريا، أو من حتى بكتيريا وفطريات، وتشكل كتلة الخلايا تلك فقط 5-35% من تكوين البيوفيلم.
  3. جزيئات حمض نووي ريبوزي RNA وجزيئات حمض نووي منقوص الأكسجين DNA.
  4. بروتينات.
  5. ماء يشكل 97% من تركيب البيوفيلم (الغشاء الحيوي الرقيق).
  6. معادن ومواد أخرى. [3، 4، 5]

مراحل تكوين الغشاء الحيوي الرقيق:

  1.  التلامس والالتصاق Attachment and adhesion: تقترب الخلية الميكروبية من سطح صلب، وتلتصق به، عن طريق أسواط أو تركيبات أخرى بجسم الخلية، أو عن طريق قوى تجاذب فيزيائية مثل: قوى فاندرفال Van der Waal’s forces.
  2.  النمو وتكوين المستعمرات الدقيقة Growth and micro-colonies formation: في هذه المرحلة تقوم الخلية الملتصقة بالتكاثر والانقسام لتكوين مجتمع الغشاء الحيوي الرقيق، وتقوم بإفراز السكريات المتعددة، وتصنيع مكونات الغشاء الحيوي الرقيق المختلفة.
  3.  النضج Maturation: تتواصل الخلايا في البيوفيلم مع بعضها، وتحث بعضها على إنتاج المواد المختلفة، وخاصة السكريات المتعددة التي تكون بناء البيوفيلم. في هذه المرحلة يكتمل بناء البيوفيلم.
  4.  الانفصال Detachment: في هذه المرحلة تنفصل بعض خلايا المجتمع البكتيري عن البيوفيلم، لتنطلق بشكل فردي، وتسبح في الوسط المحيط، وقد تكوّن بيوفيلم في مكان آخر. [3، 5]

فائدة البيوفيلم للميكروب:

  1. الحماية من تأثير العوامل الخارجية الضارة مثل: الأشعة فوق البنفسجية ودرجات الحرارة شديدة الارتفاع وشديدة الانخفاض ونقص الموارد.
  2. مقاومة المضادات الميكروبية.
  3. الحماية من هجوم جهاز المناعة الخاص بالعائل.
  4. يجعل الغشاء الحيوي الرقيق الميكروبات قادرة على تبادل جينات تساعدها في الضراوة (إحداث العدوى) أو مقاومة المضادات الميكروبية.
  5. يمكّن البيوفيلم الميكروبات من تشارك الموارد والتعاون في التخلص من الفضلات. [2]

آليات مقاومة البيوفيلم للمضادات الميكروبية:

تعتبر الميكروبات التي تعيش في البيوفيلم شديدة المقاومة للمضادات الحيوية، تبلغ مثلاً مقاومة البكتيريا في البيوفيلم للمضادات الحيوية 10 آلاف ضعف مقاومة البكتيريا التي تعيش منفردة.

تعتمد البكتيريا في الغشاء الحيوي الرقيق عدّة آليات لمقاومة المضادات الحيوية:

  1. الحاجز الفيزيائي: إن البيوفيلم كما ذكرنا سابقاً عبارة عن بناء من السكريات المتعددة (وغيرها من المواد الأخرى بنسب أقل) يتخلله قنوات يتم خلالها تبادل المواد بين الخلايا وبعضها وبين الخلايا والوسط المحيط. إن فتحات هذه الممرات تحول دون دخول بعض المضادات الحيوية ذات الجزيئات كبيرة الحجم، بعض هذه المضادات الميكروبية شديد الفاعلية (الفانكومايسين ذو الفعالية الفائقة ضد سلالات خطرة تدعى الميرسا [المكورة العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيللين] MRSA {Methicillin-Resistant Staphylococcus aureus} مثلاً). جدير بالذكر أن هذه الآلية تحول أيضًا دون تفاعل الخلايا المناعية البلعمية (التي تبتلع الأجسام الغريبة) وكذلك الأجسام المضادة (التي ينتجها جهازنا المناعي ضد الأجسام الغريبة لتحييد أثرها على الجسم) مع الميكروبات في البيوفيلم.
  2. الروابط الكيميائية: بعض من مكونات الغشاء الحيوي الرقيق ترتبط بالمضادات الحيوية بروابط كيميائية وبالتالي تمنعها من قتل البكتيريا؛ مثلاً: مضاد حيوي يحمل شحنة موجبة قد يرتبط بجزيئات حمض نووي ريبوزي سالبة الشحنة.
  3. التدفق النشط Efflux pump: حيث يقوم الميكروب بإخراج المضاد الميكروبي وطرده خارج خلاياه، وقد وُجِدَ أن الخلايا الميكروبية في الغشاء الحيوي الرقيق يزيد تصنيعها للبروتينات المسئولة عن تلك المهمة.
  4. جينات المقاومة: إن تعايش الميكروبات بالقرب من بعضها داخل الغشاء الحيوي الرقيق يساعد على تبادل الجينات المسؤولة عن مقاومة المضادات الميكروبية، وانتقالها من سلالات مقاومة إلى أخرى غير مقاومة وذلك بين أفراد الجنس الواحد بل وحتى أفراد أجناس مختلفة مما يساهم في انتشار مقاومة المضادات الميكروبية عموماً.
  5. النشاط الأيضي: تكون الخلايا الميكروبية في سطح البيوفيلم نشطة وتتكاثر، بينما الخلايا في مركزه خاملة وشبه ميتة. تعتمد كثير من المضادات الميكروبية في قتلها للميكروبات على أن يكون الميكروب نشط ويتكاثر، ومن ثم فإنها قد تقضي على الميكروبات على سطح الغشاء الحيوي الرقيق، وبالتالي تقلل من الالتهاب الناتج عن العدوى، لكنها تفشل في القضاء على الميكروبات بداخله، والتي تكون مصدر جديد لانتشار الميكروبات على السطح وعودة الالتهاب، وهذا أحد أسباب كون معظم عدوى البيوفيلم مزمنة. [5]

أمراض تسببها الميكروبات في البيوفيلم:

حسب تقديرات المعهد الوطني للصحة بأمريكا؛ فإن الميكروبات بالغشاء الحيوي الرقيق مسئولة عن ما يقرب من 65%من العدوى الميكروبية و80% من العدوى الميكروبية المزمنة (أي التي تستمر أكثر من 3 أشهر). [1، 3]

  1.  العدوى المرتبطة بالأجهزة:

ترتبط عدوى الغشاء الحيوي الرقيق بشكل كبير بالأجهزة الطبية التي تزرع داخل جسم الإنسان مثل المفاصل والصمامات والعدسات الداخلية الصناعية وكذلك العدسات اللاصقة والقساطر.

عندما تتمكن الميكروبات من تكوين بيوفيلم على أسطح هذه الأجهزة؛ تصبح مصدرًا للعدوى. وفي بعض الحالات يكون من الصعب إزالة البيوفيلم من أسطح هذه الاجهزة، وقد يتطلب الأمر إزالة الجهاز من الجسم واستبداله بآخر جديد معقم، تفادياً لانتشار الميكروب بالجسم وتدميره للأعضاء القريبة من الجهاز أو تدمير أعضاء بعيدة عنه بالوصول لها عبر الدم.
[1، 3]

لا يتمكن الأخصائيون أحيانًا من معرفة البكتيريا المسببة لعدوى الغشاء الحيوي الرقيق إلا متأخراً، بسبب صعوبة زراعة البكتيريا التي تعيش في البيوفيلم. [7]

ويجدر الإشارة أيضًا إلى أن العدوى في كثير من الأحيان قد لا تسببها فقط ميكروبات خارجية ممرضة، بل على العكس قد تسببها ميكروبات تعيش محايدة على أسطح جلدنا وتشكل في الوضع الطبيعي جزء من جهازنا المناعي. [1، 3]

أمثلة على هذا النوع من العدوى:

  1. عدوى التهاب شغاف القلب Endocarditis infection، الناتج عن صمامات قلب ملوثة ببيوفيلم، وهي عدوى خطيرة قد تودي بحياة المريض حال لم تتم معالجتها بشكل فعال. [1، 3]
  2. عدوى التهاب القرنية keratitis infection، الناتجة عن ارتداء عدسات لاصقة ملوثة ببيوفيلم. [6]
  3. عدوى السائل داخل العين Intraocular fluid infection، الناتج عن أجهزة ملوثة ببيوفيلم، تمت زراعتها داخل العين، لتساعد على علاج مشاكل بالنظر أو تحسين وظيفة العين عمومًا.
    قد يتسبب كلا هذين النوعين من العدوى في فقدان المريض لبصره تمامًا. [6]
  4. عدوى الجهاز البولي المزمنة، التي قد تنتج عن تكون بيوفيلم على قسطرة البول. [3]

2– العدوى غير المرتبطة بالأجهزة:
هي العدوى التي لا تنتج عن وجود جهاز تم توصيله أو تركيبه بالجسم.

من أمثلة هذه العدوى:

  1. عدوى تسوس الأسنان Dental caries (الأشهر والأكثر+ شيوعاً)، وعدوى التهاب دواعم الأسنان Periodontitis infection، والتي تنتج عن تكوين بيوفيلم على سطح الأسنان أو الأنسجة المخاطية بالفم.
  2. بعض عدوى التهاب العظام Osteomyelitis infections تسببه الميكروبات التي انتقلت عن طريق الدم، أو جرح، أو خلافه إلى العظام، وكونت عليها بيوفيلم.  [1، 3]

أضرار البيوفيلم على الصناعة:

تتسبب الميكروبات في البيوفيلم بأضرار كثيرة في الصناعات، كتلوث المنتجات أو تلفها، أو تآكل الأجزاء المعدنية للآلات والأجهزة، الأمر الذي يؤثر على أدائها في العملية الصناعية. [8]

في صناعة الغذاء كالألبان واللحوم وخلافه: وجِد أن العديد من الميكروبات تستطيع تكوين غشاء حيوي رقيق على أسطح الأجهزة والآلات المستخدمة بالتصنيع، كما أنها تكوّن أيضًا بيوفيلم بداخل الأغذية نفسها، وهذه الميكروبات تتسبب في تسمم وتلف هذه المواد الغذائية وحتى في تلف الآلات المستخدمة في الصناعة. [8، 9]

الصناعات الطبية والدوائية: قد تلتصق الميكروبات على جدران أنابيب المياه وأسطح الأجهزة، وبالتالي تنتقل بسهولة وتلوث المستحضرات الدوائية، وقد تسممها. أو تلتصق بأسطح الأجهزة التعويضية، والمستلزمات الطبية، وتكون مصدراً للإصابة بالعدوى. [8، 10]

صناعة البناء: كذلك لم تسلم من مشاكل الميكروبات في الغشاء الحيوي الرقيق، حيث تتسبب في تآكل الخرسانة وتصدعها.

محطات توليد الطاقة: أيضاً تتأثر بالميكروبات في البيوفيلم والتي تلتصق بالمكثفات وتنموا عليها وبالتالي تؤثر على كفاءتها.

تكرير البترول والغاز الطبيعي: يتسبب تكوّن البيوفيلم على أسطح أنابيب التكرير بتآكلها، وبالتالي إنتاج غاز أو بترول ذو درجة نقاء منخفضة.

أجسام السفن: تنمو عليها الطحالب والميكروبات في البيوفيلم وتؤثر على سرعتها.

يتم اللجوء لاستراتيجيات كمحاولة لمنع نمو الميكروبات في البوفيلم على الأسطح في الصناعة؛ كطلاء الأسطح أو تغطيتها بمواد تحول دون التصاق الميكروبات أو تكون سامة لها. [8]

المراجع:

  1. Biofilms by bacterial human pathogens: Clinical relevance – development, composition and regulation – therapeutical strategies (nih.gov)
  2. Bacterial biofilms: from the Natural environment to infectious diseases | Nature Reviews Microbiology
  3. Bacterial biofilm and associated infections – ScienceDirect
  4. Fungal-bacterial biofilms: their development for novel biotechnological applications 
  5. Mechanisms of Biofilm Development, Antibiotic Resistance and Tolerance and Their Role in Persistent Infections
  6. Biofilms in Infections of the Eye
  7. Towards diagnostic guidelines for biofilm-associated infections | Pathogens and Disease | Oxford Academic 
  1. Impact of environmental biofilms: Industrial components and its remediation
  2. Biofilms in the Food Industry: Health Aspects and Control Methods
  3. The Risk of Biofilm  
  4. Image source: Biofilm-coated bacteria could help to treat gastrointestinal infections

Exit mobile version