تحسين النسل .. جودة مجتمعية أم عنصرية علمية؟

هل تؤثر سمات والدك على سماتك؟ هل تتدخل موهبة والدتك ـفي مجال ماـ في تكوين ميولك أو شغفك؟ من أين اكتسبت هوايتك؟ هل يمكن أن تصبح فاشلًا إذا كانا والداك موهوبين؟ ماذا عن انتقال الأمراض والعادات السيئة؟ هل يمكن تحسين النسل من خلال انتقاء الصفات الجيدة وتشجيع أصحابها على التكاثر، والحد السمات السيئة عن طريق منع أصحابها من التكاثر والتزاوج؟ هل نطلق عليه جودة مجتمعية أم عنصرية علمية؟

فرانسيس غالتون أبو علم النسل

يُشار لتحسين النسل إلى تحسين الجنس البشري والمجتمع من خلال تشجيع الإنجاب من قِبَل الناس أو السكان الذين يتمتعون بخصائص “مرغوبة” (والتي يطلق عليها اسم “تحسين النسل الإيجابي”) وتثبيط الإنجاب من قِبَل الأشخاص الذين يتمتعون بخصائص “غير مرغوب فيها” (يطلق عليها “تحسين النسل السلبي”) يعتبر فرانسيس غالتون مبتكر مجال تحسين النسل وهو مستكشف وعالم أنثروبولوجيا معروف بدراساته في علم النسل والذكاء البشري.[1]

كان غالتون مقتنعًا بأن الصفات الاجتماعية والعقلية، مثل الموهبة والذكاء تُورث. نشر غالتون أفكاره في مجلة ماكميلان الشعبية  وقام بأبحاث واسعة النطاق لمحاولة إثبات أن الشخصية وأخلاقيات العمل، وغيرها من الصفات كانت وراثية، ويمكن تعقبها من خلال السلالات العائلية. فقد أجرى غالتون العديد من دراساته عن طريق إجراء مسح شامل لأسر العديد من المشاهير المختلفين والرائدين في مجالات مختلفة كالسياسة والطب والقضاء والف، ومجالات اخرى غيرها. إلى أن توصل إلى جمع معلومات كثيرة عن ما يقرب من 997 فردًا من المشاهيرفي حوالي 300 أسرة. ومن خلال تحليل تلك البيانات والمعلومات التي رصدها أستطاع غالتون أن يثبت أن الموهبة والعبقرية والتفوق هي صفات تسري في عائلات بعينها، وأن هذا يعني أنها تنتقل وراثيًا عبر أفراد هذه الأسر. في عام 1869، أصدر مجموعة من البيانات التي جمعها ونشرها تحت عنوان “العبقرية الوراثية” [2]

 في عام 1883، استخدم السير فرانسيس غالتون، مصطلح تحسين النسل. ويعتقد غالتون أن الجنس البشري يمكن أن يساعد في توجيه مستقبله عن طريق تربية الأفراد الذين يتمتعون بصفات “مرغوبة” بشكل انتقائي. فقد وضع غالتون أسس تحسين النسل مشيرًا إلى أنه من الممكن تحسين الجنس البشري والمجتمع من خلال تشجيع الإنجاب من قِبَل الناس أو السكان الذين يتمتعون بخصائص “مرغوبة” (والتي يطلق عليها اسم “تحسين النسل الإيجابي”) وتثبيط الإنجاب من قِبَل الأشخاص الذين يتمتعون بخصائص “غير مرغوب فيها” (يطلق عليها “تحسين النسل السلبي”)

تحسين النسل الإيجابي: صُممت برامج تحسين النسل الإيجابي لتحفيز أولئك الذين يتمتعون بصفات مرغوبة على إنجاب المزيد من الأطفال وبالتالي زيادة عدد الأفراد الذين يتمتعون بهذه الصفات المرغوبة لدى السكان فيستمر “الأفضل” ويستمرانتقال خصائصها.[3]

أما الذين يصرون على أنهم “غير صالحين” أو الذين لا يتمتعون بالسمات المرغوبة فيتم تثقيفهم ضد إنجاب الأطفال لصالح الجنس البشري. ويعتمد هذا الجانب على السلوك الإيثاري أو الإيثاري من جانب أولئك الذين يعتبرون “غير صالحين / مؤهلين”

ولكن عندما لا تنجح فضيلة الإيثار في توجيه الأفراد ذوو الصفات الغير مرغوبة، فإن النهج الثاني (تحسين النسل السلبي) يصبح حلاً أفضل

تحسين النسل السلبي: ويقصد به تثبيط أو حظر الزواج لمن يتمتعون بخصائص غير مرغوب فيها من الناحية التناسلية والعزل الجنسي والتعقيم لمن يتمتعون بهذه الصفات. فخلص غالتون إلى أن وضع النخبة في المجتمع كان بسبب تركيبة جينية جيدة. في حين أن خطط غالتون لتحسين الجنس البشري من خلال التكاثر الانتقائي لم تؤتي ثمارها قط في بريطانيا، إلا أنها في نهاية المطاف أخذت منعطفات شريرة في بلدان أخرى. [4]

تاريخ تحسين النسل في الولايات المتحدة الأمريكية والماضي الأسود

كانت التخوفات من استغلال تحسين النسل لقمع الحريات وسلب الحقوق الانسانية البديهية كالحرية في الزواج، والحرية في الحصول على فرص التعليم والعمل من قِبل الحكومات المتسلطة. يمكن القول بأن تلك المخاوف صدر ومضاتها تاريخ تحسين النسل في الولايات المتحدة الأمريكية.

بدأت حركة  تحسين النسل في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين؛ وكانت الولايات المتحدة أول بلد لديه برنامج منهجي لإجراء التعقيم على الأفراد دون علمهم أو رغما عنهم، وقد أيده وشجعه عدد كبير من الناس، بمن فيهم السياسيون والعلماء والإصلاحيون الاجتماعيون وقادة الأعمال البارزون وغيرهم من الأفراد ذوي النفوذ الذين يتقاسمون هدفاً يتمثل في تخفيف “العبء” عن المجتمع. واعتُبر معظم الأشخاص المستهدفين بالتعقيم من ذوي الذكاء المنخفض، ولا سيما الفقراء منهم وفي نهاية المطاف ذوي البشرة السمراء. وأصبحت حركة تحسين النسل تعتبر على نطاق واسع وسيلة مشروعة لتحسين المجتمع ودعمها أشخاص مثل ونستون تشرشل ومارغريت سانغر وتيودور روزفلت وجون هارفي كيلوغ.

كان للحركة أيضا منتقدين ، بما في ذلك المحامي ومحامي الحقوق المدنية كلارنس دارو فضلا عن العلماء الذين دحضوا فكرة أن “النقاء” يؤدي إلى عدد أقل من الطفرات الجينية السلبية. في الفترة ما بين 1927 والسبعينات ، كان هناك أكثر من 60000 عملية تعقيم إجباري أجريت في 33 ولاية في الولايات المتحدة؛ كان لولاية كاليفورنيا فقط أكثر من 20000عملية، لم تسجل جميعها. [5]

الطفرات وعلم النسل

أحرز علم الوراثة البشري والجزيئي مؤخرًا تقدما ملحوظًا في تطوير فهم بيولوجيا الإنسان في الصحة وفي الأمراض. ونحن نعرف الآن بقدر كبير من التفصيل الآليات الكامنة وراء العديد من الأمراض البشرية، وقد ابتكر بعض العلاجات الدوائية والوراثية الفعالة بشكل ملحوظ لعدد متزايد من هذه الأمراض بناءًا على تلك الخطوات المتقدمة. لا سيما تلك التي تتناول أساليب فحص الأمراض، والكشف عن المكونات الوراثية للأمراض وتوصيفها، واستخدام علم الأحياء الكيميائي وعلم الأدوية الوراثي لتصميم عوامل علاجية فعالة.

ومن بين هذه الإنجازات، ولادة ونضوج مفاهيم وأدوات العلاج الجيني والعلاجات الجينية التي تجعل من الممكن  طرق جديدة لتعديل وتحسين العيوب الجينية الكامنة وراء المرض بدلًا من الاعتماد كليًا على أشكال العلاج القائمة على الأعراض البحتة. وخطوة أخرى من خطوات رحلة التطور تلك فالطب الحيوي أصبح الآن على وشك تحقيق المزيد من التقدم الملحوظ نحو فهم وعلاج الأمراض البشرية نتيجة لتطوير مفاهيم وأدوات تحرير الجينات التي يمكن أن تسمح بتصحيح نهائي للعناصر الوراثية التي تسبب الأمراض الموروثة وربما بعض الأمراض المكتسبة.

هذه الأدوات قد تطورت بالفعل في علم وراثة الخلايا الجسدية من المختبر إلى التطبيق السريري في مرحلة مبكرة في المرضى البشر. وقد وصلت دراسات تحرير الجينات إلى هذه المرحلة السريرية للتطبيقات الرامية إلى الوقاية من الأمراض الوراثية وحتى المعدية ، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”[6] وأشكال سرطان الدم [7] ومرض الخلايا المنجلية [8]، وغيرها.

وقد تم توسيع نطاق هذا التدخل الجيني ليشمل دراسات تحرير الجينوم في الجنين البشري التي تبين أنها معرضة لخطر الإصابة بمرض خطير أو مميت.

يهدف مجال تحسين النسل إلى دراسة قوانين الوراثة من حيث تطبيقها على البشر، بهدف عملي هو استخدام هذه المعرفة لتحسين النوعية البدنية والعقلية للعرق. يعتقد العلماء أنه لا ينبغي أن يولد أي طفل في العالم دون أن تتاح له فرصة عادلة. ولذلك يؤكدون أن أي شخص، رجلا كان أو امرأة، يضطلع بالمسؤولية الخطيرة عن الوالدية، يجب أن يكون بمنأى عن أي مرض أو خلل عقلي أو أي إعاقة أخرى يحتمل أن تنتقل عن طريق الوراثة وبالتالي تعرقل نوعية الأجيال المقبلة. والآن يشارك أغلب الباحثون والناس هذا الرأي؛ بل إن الكثيرين لديهم عدد قليل جدا من الأطفال، لأنهم يرغبون في تقديم أفضل رعاية واهتمام لكل طفل. وبداعي أن بلدنا يحتاج إلى أفضل المواطنين القادرين على النهوض به.

وعلى الرغم من كل تلك الجهود في تحسين النسل، وتحديد الطفرات والإختلالات، إلا أنه ما زال هناك صعوبات تواجه العلماء في التنبؤ بوجود الصفات المرغوبة كالذكاء والمهارات المختلفة.

المصادر

[1]eugenicsarchive

[2]galton

[3]ncbi

[4]eugenicsarchive

[5]eugenicsarchive

[6]nejm

[7]science

[8]clinicaltrials

لقاح فيروس نقص المناعة البشري HIV المسبب للإيدز، عوائق وتحديات تطويره

على الرغم من توافر بعض الأدوية التي تقلل من مشاكله وتطيل عمر مرضاه، إلا أن مجرد ذكر اسمه يثير الذعر في قلب السامع لما يسببه من وفيات ولعدم وجود علاج ناجع ينهي وجوده في جسم المصاب به أو لقاح يقي من الإصابه به حتى الآن. ترى ما هي العوائق التي تحول دون تطوير لقاح ضد الإيدز AIDS ؟ هذا هو محور نقاش هذه المقالة.

مقدمة عن فيروس نقص المناعة البشري HIV المسبب للإيدز

تنتج متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) Acquired Immune Defieciency Syndrome (AIDS) عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري ( إتش آي في ) (HIV) Human Immunodeficiency Virus.
بشكل عام يتركب فيروس إتش آي في HIV من غلاف خارجي دهني به بروتينات سكرية ويحتوي بداخله قفص به المادة الوراثية للفيروس والتي هي عبارة عن جزيئين متماثلين من الحمض النووي الريبوزي (رنا RNA) والذي يتحول بفعل إنزيم النسخ العكسي Reverse transcriptase إلى جزيء حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين (دنا DNA). ومن ثم يستخدم هذا الجزيء مكونات خلية العائل في إنتاج نسخ من الفيروس. [2]

رسم يوضح تركيب فيروس نقص المناعة المكتسب البشري [3]


هل توجد علاجات للإيدز؟

في وقتنا الراهن توجد علاجات تقلل من تكاثر الفيروس بالجسم جاعلةً من الإيدز مرضاً مزمناً يحتاج علاج يستمر لفترات طويلة دون أن يبرأ المرء منه. وهو بلا شك وضع أفضل بكثير من كونه مرض بلا علاج. فحالياً يستخدم المريض علاجات تعرف بمضادات الفيروسات الإرتجاعية Antiretroviral agents ويتم متابعة المريض بفحوصات ما بعد العلاج لمتابعة أعداد الفيروس ومن ثم معدلات تكاثره والتي تعبر عن فاعلية الدواء. كما تتوفر أيضاً علاجات تستخدم للوقاية من المرضى لحماية مقدمي الخدمة الطبية والمخالطين من انتقال المرض لهم. [4]

مشاكل علاجات الإيدز

يتميز فيروس إتش آي في HIV بقدرته الشديدة على التحور وإنتاج سلالات مقاومة للعلاج. لذلك غالباً ما يستخدم خليط من هذه المضادات الفيروسية لتجنب تولد مقاومة ضدها. كما أن علاجاته تتسبب في أعراض جانبية مثل: اضطرابات بالقلب والأوعية الدموية والكلى والكبد والعظام وحتى الجهاز العصبي. ومع كل هذا لا تتمكن تخليص الجسم من الفيروس بشكل كامل. بل إن إيقاف العلاج قد ينتج عنه عودة الفيروس بشكل شرس وربما يكون مقاوماً للعلاج؛ كل هذا وغيره يجعل تطوير لقاح للوقاية من الإيدز يبدو هو الحل الأكثر نجاحاً للقضاء على هذا المرض والحيلولة دون انتشاره.

لقاح الإيدز

على الرغم من توفر كل تلك الوسائل العلاجية والوقائية إلا أن ذلك لم يحل دون زيادة أعداد المصابين بالمرض. مما يوحي بأهمية اكتشاف لقاح للوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسب.

تم اكتشاف فيروس إتش أي في HIV في الفترة 1983-1984. وكان يُعتقد أنه في خلال عامين فقط سيتم تطوير لقاح للوقاية منه. لكن بعد ما يقارب الأربعين عاماً بدون لقاح فعّال يتضح لنا صعوبة هذا التحدي. إن الهدف من تطوير لقاح ضد هذا الفيروس هو إما لعلاج الإيدز أو للوقاية منه. وفي الحقيقة هناك عدد هائل من اللقاحات التي تم إجراء بعض التجارب عليها وثبت أنها تحفز إنتاج أجسام مضادة ورد فعل مناعي من الخلايا التائية ضد الفيروس. لكن للأسف كل هذه اللقاحات فشلت في اجتياز اختبارات الكفاءة بشكل كلي. مما يعني أنها فشلت في تقليل الحمل الفيروسي (عدد الفيروسات) بالدم وفي منع الإصابة بشكل فعّال. [5، 6]

بشكل عام مرت أبحاث إبتكار لقاح للإيدز بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: مناعة الأجسام المضادة:

في هذه المرحلة وهي بداية من اكتشاف الفيروس وحتى حوالي عام 2000 ميلادي تركزت معظم الأبحاث حول تحفيز جهاز المناعة نحو إنتاج أجسام مضادة ضد الفيروس. حيث يتم تعريض الجهاز المناعي لقطعة من الفيروس أو الفيروس ميتاً. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب قدرة الفيروس الفائقة على التحور والتغيير في الأهداف التي تستهدفها الأجسام المضادة بشكل يمنع جهاز المناعة من التنبه لها.

المرحلة الثانية: مناعة الخلايا التائية القاتلة:

تتميز المناعة التي تنتج عن الخلايا التائية القاتلة أنها لا تحيد فقط الفيروس وتحول دون انتشاره بإمساكه خارج الخلية؛ وإنما تقتل الخلايا المصابة بالفيروس. لكن هذا النوع من المناعة يحتاج وقت حتى يتكون وبالتالي يتمكن الفيروس من الانتشار. المشكلة ليست أن هذا اللقاح فشل في تكوين حماية فعالة فحسب، وإنما أنه زاد من احتمالية العدوى بالفيروس.

المرحلة الثالثة: مناعة الخلايا البائية غير البالغة Naive B cells :

منذ الألفينات وهذا هو التوجه السائد في تطوير لقاحات ضد فيروس إتش آي في HIV. حيث وجد العلماء أن عدد قليل من البشر قادر على انتاج أجسام مضادة تحمي من سلالات مختلفة من الفيروس. لكن هذه الأجسام المضادة لا يتم انتاجها إلا بعد العدوى بالفيروس. لذا فكر العلماء في اللجوء للخلايا البئية غير البالغة. الخلايا البائية غبر البالغة هي خلايا لم تتعرض لمستضدات. وبالتالي لم تكون اجسام مضادة من قبل. لذا فكر العلما في أن يقوموا بإحداث تحورات في هذه الخلايا تجعلها تنتج تلك الاجسام المضادة النادرة. ومن ثم يمكن استخدامها في تطوير مناعة تحمي من الفيروس وتمنع العدوى. ولا يزال هذا النوع من اللقاحات تحت الدراسة. [6]

تحديات تطوير لقاح الإيدز

يمكننا بالتالي تلخيص التحديات التي تواجه ابتكار لقاح للإيدز فيما يلي:

1-المعدلات المرتفعة في تكوين الطفرات

تحتوي الشفرة الوراثية لفيروس إتش آي في HIV على 9 جينات فقط ترمز ل16 بروتين ويشمل ذلك الجين المسئول عن البروتينات المكونة للغلاف الفيروسي. [4] يعتبر غلاف الفيروس هو الهدف الذي ترتبط به الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة وتوقف تكاثر الفيروس. لذلك فإن أكبر عائق يواجه العلماء ويحول دون تطوير لقاح الإيدز هو أن الفيروس يتطور بمعدلات سريعة جداً تجعل الأجسام المضادة الناتجة عن اللقاح تفقد فاعليتها في الإرتباط بالبروتينات على سطحه، حيث تتسبب تلك الطفرات في تغييرات في تركيب الجليكوبروتين (البروتينات السكرية) المكون لغلاف الفيروس. [4، 5]

2-التنوع الجيني بين انواع وتحورات الفيروس

كذلك يضاف إلى تحديات ابتكار لقاح لفيروس إتش آي في HIV أن هناك تنوع جيني رهيب بين تحوراته وأنواعه حيث قد تصل نسب االاختلاف في التركيب االجيني بين الأنواع إلى 40%. وفي أفريقيا وحدها وٌجد أن 10 : 20 % من الإصابات تكون بتحورين أو أكثر من الفيروس. مما يُصعب من فكرة عمل لقاح يحمي من كل التحورات. [4، 5]

3-إعادة التركيب الجيني Genetic recombination:

يضاف إلى خواص فيروس إتش آي في HIV أنه يمكن لخليتين منه أن يتبادلا مواقع الجينات على شفرتيهما الوراثية. مما ينتج عنه تحورات جديدة مختلفة. وبالتالي قد تتمكن هذه المتحورات الجديدة من الهروب من جهاز المناعة وإحداث العدوى. [8]

4-عدوى إتش آي في HIV عدوى مزمنة والفيروس قادر على الاختباء:

بالإضافة إلى كون المرض مزمن مما يتيح فرصة أكبر للتحورات، فإن الفيروس يمتلك أيضاً قدرة على الإختباء داخل الجسم. حيث لدى الفيروس قدرة على دمج شفرته الوراثية بالشفرة الوراثي لخلايا المصاب وحينها لن يتمكن الجهاز المناعي من التعرف عليه ومن ثم قد يظل مختبئاً حتى تتاح له الفرصة للتكاثر. ومن ثم لابد من مناعة مبكرة جدا تتمكن من التعرف على الفيروس ومنعه من الانتشار.[7]

5-قلة النماذج الحيوانية:

ومن التحديات أيضاً قلة النماذج الحيوانية التي يمكن إكثار الفيروس بها ومن ثم تجربة اللقاح عليها. [4، 5] حيث أن الحيوان الوحيد من الرئيسيات الذي يمكن تنمية فيروس إتش آي في HIV فيه هو الشمبانزي وهو مهدد بالانقراض. وخطوة اختبار اللقاحات على الرئيسيات مهمة قبل اختبارها على البشر. لكن تم تطوير فيروس شبيه يصيب قرود المكاك بحيث يكون سطحه مغطى بغلاف فيروس إتش آي في HIV ويمكنه عدوى قرود المكاك كوسيلة للتغلب على هذا النقص في النماذج الحيوانية. من المهم أيضاَ اختبار اللقاحات على نماذج كالفئران و الأرانب او الخنازير ولكن معظم هذه النماذج ليست مناسبة لفيروس إتش آي في. لذا تم تطوير نموذج من الفئران يمكن اختبار هذه اللقاحات عليه إلى حد ما. ومن ثم يتضح أنه رغم وجود نماذج يمكن إجراء اختبارات عليها إلا أن خصائصها تجعلها مكلفة نسبياً ولا تجعلها متوفرة على نطاق واسع يسمح باختبارات أكثر وأوسع. [9]

صورة لشامبنزي.
صورة لقرد مكاك.

6-ضعف تمويل شركات الأدوية العملاقة للأبحاث:

كذلك فإن قليل من شركات الأدوية الكبرى تستثمر في أبحاث لقاحات تحمي من إتش آي في HIV.
[4، 5]

ملخص لعقبات تطوير لقاح الإيدز.

مع اكتشاف لقاحات كوفيد-19 بسرعة غير مسبوقة ونتيجة للتمويل الكثيف وتخفيف القيود والبيروقراطية على الأبحاث، انتشر تفاؤل بين العلماء حول إمكانية السير بشكل أسرع نحو تطوير لقاح الإيدز المنشود.

المصادر:

  1. الصورة البارزة: https://www.news24.com
    صورة الشمبانزي: Le chimpanzé souriant prend la pose (parismatch.com)
    مصدر صورة قرد المكاك: http://cdn.animalhi.com/
  2. 1. VIROLOGY OF HUMAN IMMUNODEFICIENCY VIRUS
  3. HIV 1: epidemiology, pathophysiology and transmission
  4. Major Scientific Hurdles in HIV Vaccine Development: Historical Perspective and Future Directions
  5. Challenges in the development of an HIV-1 vaccine 
  6. The four-decade quest for an HIV vaccine yields new hope 
  7. After 40 years of AIDS, here’s why we still don’t have an HIV vaccine
  8. 25 Years Later: The AIDS Vaccine Search Goes On
  9. Human immunodeficiency virus antibodies and the vaccine problem – Chiodi – 2014 – Journal of Internal Medicine – Wiley Online Library

المتحور دلتا، ما الذي نعرفه عن التحور المهيمن صانع ريمونتادا كوفيد 19 الجديدة؟

المتحور دلتا هو أحد أكثر تحورات فيروس كورونا شهرةً. بسبب الكارثة الإنسانية التي ألحقها بالهند. كذلك الزيادة في معدلات انتشاره على مستوى العالم. فقد تسبب في زيادة ملحوظة في أعداد الوفيات والإصابات بالهند. حتى أن المستشفيات اكتظت بالمرضى ولم تعد بها أماكن لاستقبال مرضى جدد. كما لم تتوفر أماكن كافية لحرق الجثث وفقاً للتقاليد الهندوسية وحدث نقص شديد في اسطوانات الأكسجين المستخدمة في إسعاف المرضى. [2] كذلك فقد سارع الكثير من أبناء الشعب الهندي لأخذ اللقاح ليساعدهم في حربهم ضد ذلك العدو الذي لا يرحم. حتى يتجنبوا المصير الذي يشاهدوه في الطرقات وعلى التلفاز والإنترنت وبين أقاربهم. الأمر الذي نتج عنه نفاذ كميات اللقاح المتوفرة في حينها. [3] كما أنه أثار ذعراً من نوع آخر حول إحتمالية قلة فاعلية لقاحات وعلاجات كوفيد-19 تجاهه. ومع استمرار انتشاره في كثير من دول العالم؛ أصبح كثير من قادة الدول يترقبون في حذر وصوله إلى دولهم وصورة الضحايا في الهند لا تغادر أذهانهم.

اكتشاف المتحور دلتا

في أواخر 2020 بدأت إصابات كوفيد-19 في الهند في الارتفاع. وهناك تم اكتشاف المتحور دلتا لأول مرة. وكان في مارس 2021 مسئولاً فقط عن 4% من الإصابات. إلا أنه في غضون شهرين فقط أصبح مسئولاً عن 70% من الإصابات. [2]

رسم يوضح ارتفاع عدد الحالات التي تسبب بها المتحور دلتا من مارس 2021 (<7%) إلى مايو 2021 (>70%). [2]

تصنيف منظمة الصحة العالمية للمتحور دلتا

بشكل عام تتطور كل الفيروسات بشكل مستمر بسبب حدوث طفرات كنتيجة لأخطاء تحدث أثناء عملية التكاثر ونسخ الشفرة الوراثية. الغالبية العظمى من تلك الطفرات لا يكون له تأثير على الفيروس. لكن بعضها قد يعطيه ميزات تطورية تمكنه من الانتشار بشكل أسرع أو يجعله مقاوماً لمضادات الفيروسات واللقاحات أو يتسبب في أمراض أو أعراض مختلفة أو أكثر خطورة من المشهور عنه.

وكأثر من آثار جائحة كوفيد-19 قامت منظمة الصحة العالمية بتتبع طفرات الفيروس المسئول وتحوراته وقامت بتصنيفها إلى قسمين:

1- تحور مثير للقلق Variant of concern:


لكي يكون تحور سارس-كوف-2 مصنفاً كتحور مثير للقلق؛ ينبغي أن تنطبق عليه أحد أو كل الشروط التالية:

1- زيادة شديدة في معدلات انتشاره وانتقاله.

2- زيادة في ضراوته وتغير في الأضرار التي يُلحقها بالمريض والصورة المرضية المشهورة عن المرض الذي يسببه.

3- انخفاض فاعلية أساليب الصحة العامة المعتمدة في الحد من أثره وانتشاره مثل: العلاجات المستخدمة، اللقاحات، وسائل التشخيص المعملية.

2- تحور مثير للاهتمام Variant of interest:

لكي يكون التحور مصنفاً كمثير للاهتمام؛ فلابد أن يتحقق به شرطان:

1- أن تحدث به طفرة جينية مُتوقع علمياً أن تتسبب في تغييرات تزيد من قدرته على الانتشار أو مقاومة الأدوية والمناعة أو تزيد من ضراوته وشدة المرض الذي يسببه.

2- يتسبب في حدوث إصابات محدودة في مناطق معينة أو منتشرة في عدد من الدول يزداد عددها مع الوقت بشكل ينذر بحدوث موجة جديدة من الإصابات.

وهذا التصنيف لا يعد بديلاً عن التصنيفات والتسميات المعتبرة في علم الفيروسات والتي تتولاها هيئات علمية دولية كبرى. ولكن هو محاولة للمساعدة في تبسيط النتائج التي يتوصل لها المختصون. ومن ثم يتمكن المسئولون وأصحاب القرار من اتخاذ قرارات وإجراءات بشكل أسرع وأكفأ في مواجهة أي تحور قد يشكل خطورة. وكذلك لتسهيل فهم التحورات على غير المختصين ومن ثم يزداد الوعي بها. وأيضاً كمحاولة لمنع التحيز والتمييز ضد سكان بلدان معينة تم اكتشاف هذا المتحور بها أول مرة.

كما قامت منظمة الصحة العالمية بابتكار نظام يسهل تسمية التحورات المهمة من فيروس سارس كوف 2 SARS-CoV-2 المسئول عن كوفيد-19. حيث يتم تسمية التحورات بالحروف اليونانية كالتالي:

ألفا Alpha، بيتا Beta ، جاما Gamma، دلتا Delta،…. وهكذا.

ويندرج المتحور دلتا تحت المتحورات المثيرة للقلق وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. [4]

صورة تعبيرية عن تنوع تحورات سارس-كوف-2. [15]

ما هي التحورات التي أنتجت المتحور دلتا؟

إن دلتا يحمل عدة طفرات في الجين المسئول عن إنتاج البروتين الشوكي (إس جين S gene). تتسبب في تحورات في البروتين الشوكي الذي يمكن الفيروس من دخول الخلية والذي هو أيضاَ هدف الأجسام المضادة التي يكونها جهاز المناعة سواء لدى المتعافين أو من تلقوا اللقاح. [7، 9]

بشكل عام يحمل المتحور دلتا تحورات في ثلاثة مناطق من البروتين الشوكي Spike protein:

1- نطاق الارتباط بالمستقبِل Receptor-binding domain (RBD):
هذا الجزء مسئول عن الارتباط بمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 Angiotensin Converting Enzyme 2 Receptor (ACE2 R) والتي يرتبط بها الفيروس على سطح الخلية حتى يتمكن من الدخول إلى الخلية.
ويمتلك المتحور دلتا ثلاث طفرات في هذا الجزء: الأولى تساعده في تفادي الأجسام المضادة والثانية تمكنه من الارتباط بكفاءة أكثر بالمستقبل ومن ثم الارتباط بالخلايا ودخولها بسرعة والانتشار أسرع و الثالثة تساعده في الارتباط بالمستقبلات وفي تفادي الأجسام المضادة.

2- موضع ا
لتكسير بالفيورين Furin Cleavage Site:
يتركب البروتين الشوكي من جزئين: جزء الارتباط بالمستقبل Receptor-binding subunit S1 وجزء الالتحام بالخلية Fusion subunit S2 وبينهما موضع التكسير بالفيورين. والذي يلزم تكسيره بعد ارتباط S1 بالمستقبل حتى يتمكن الجزء S2 من الالتحام بسطح الخلية. والمتحور دلتا يحمل طفرات بهذا الموضع تسهل عملية التكسير بالفيورين ومن ثم الدخول للخلية وبالتالي تساعده على الانتشار أكثر وأسرع.

3- نطاق النهاية الأمينية (الموضع مولد الضد الفائق) N-Terminal Domain (Antigen supersite):
يعتبر هذا الجزء من البروتين الشوكي أحد أهم نقاط ضعف الفيروس حيث يعتبر هدفاً للأجسام المضادة. لكن المتحور دلتا يتميز بامتلاكه عدد من الطفرات بهذا الجزء مما يجعله قادراً نسبياً على تفادي الأجسام المضادة والهروب منها. [7، 9]

معدل انتشار المتحور دلتا

لكن عزيزي القاريء هل يمكن أن يكون انتشار دلتا في الهند هو مجرد صدفة وإستعداد جسدي ما لدى المصابين في الهند كما حدث مع المتحور جاما في البرازيل سابقاً؟ والذي لم ينتشر بكثافة في أماكن أخرى في العالم كما انتشر بالبرازيل.

بناءاً على البيانات التي تم التوصل إليها فإن المتحور دلتا هو أكثر متحورات سارس-كوف-2 قدرة على الانتشار. إذ يبلغ معدل انتشاره تقريباً ضعف سلالة ووهان الأصلية. ويمكن تصنيفه كفائق الانتشار Superspreader. فقد أصبح المتحور دلتا في شهور قليلة المتحور المهيمن على عدوى كوفيد-19، ومن ثم حل محل التحورات الأخرى في معظم البلدان؛ مثل: أمريكا والهند وانجلترا واسكتلندا وإسرائيل وغيرهم. [9]

حيث انتشر دلتا في بريطانيا وحدها بمعدل أعلى ب 40 – 50 % من معدل انتشار المتحور ألفا والذي تم اكتشافه في بريطانيا سابقاً. وكان معدل انتشاره يفوق سلالة ووهان الأصلية بمعدل 50% [5]
كذلك في أستراليا ارتفعت نسبة إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا من 1% إلى 84% في غضون ثلاثة شهور فقط. أما بالنسبة لروسيا فإن نسبة الإصابات المسئول عنها المتحور دلتا ارتفعت من 0% إلى 95%. [2]

وحتى وقتنا الراهن فإن متحور دلتا مسئول عن ما يزيد على 80% من الإصابات في الولايات المتحدة. ومع كون ما يقرب من 50% فقط من الشعب الأميريكي قد تلقى اللقاح فإن ذلك مثار قلق هناك. خصوصاً أنه وفقاً للإحصائيات فإن معدلات الإصابة بدلتا تتناسب عكسياً مع نسب متلقّي اللقاحات في الولايات. [9، 10] وقد أعاد مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC إصدار توصيات بإرتداء الكمامات في الأماكن المغلقة حتى لمن تلقوا اللقاح بشكل كامل مع ظهور إصابات بين من تلقوا اللقاح وذلك من أجل الحد من انتشار العدوى. [11]

يٌعد أحد أكبر الألغاز التي يثيرها المتحور دلتا هو تمكنه من الهيمنة على العدوى بالمقارنة بمتحورات كورونا المنتشرة الأخرى. وذلك على الرغم من أن بعضها يمتلك تحورات تمكنها من تجنب الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة بفعالية أعلى من قدرة المتحور دلتا. [6]

تأثير المتحور دلتا عل شدة أعراض كوفيد والحاجة للحجز في مستشفى

قد أفادت بعض التقارير بإختفاء أعراض قديمة شهيرة عند الإصابة بالمتحور دلتا مثل: الكحة وفقدان حاستي الشم والتذوق وبوجود أعراض جديدة مصاحبة له؛ مثل: ضعف أو فقدان السمع، تكوّن جلطات مسببة موت الأنسجة وبالتالي غنغرينا. لكن حتى وقتنا الراهن لا يوجد دليل قاطع على ارتباط وثيق بين هذه الأعراض والإصابة بالمتحور دلتا، كذلك ارتباطه بمعدلات وفيات أكثر. ما يزال كل هذا محل بحث. بينما الأعراض مثل الصداع وإلتهاب الحلق والحمى مازالت ضمن الأعراض التي تظهر مع إصابات كوفيد-19 المسئول عنها المتحور دلتا [9]
لكن يبدو أن المتحور دلتا يزيد من إحتمالية الحجز بالمستشفى، حيث وجدت إحدى الدراسات أن الإصابة بالمتحور دلتا تزيد من إحتمالية الحاجة للحجز بالمستشفى بمعدل الضعف بالمقارنة بالمتحور ألفا والذي كان أشد من سلالة ووهان الأصلية. [12]

اللقاحات والمتحور دلتا – انخفضت فاعليتها لكن ما تزال قادرة على الحماية

منذ بدايات اكتشاف اللقاحات وهي تعد أحد أهم دفاعات البشر ضد الإصابة بالعدوى ووسيلة فعالة لإنقاذ حياة البشر وحمايتهم. لذلك عندما ظهرت جائحة كوفيد-19 وجه كثير من البشر آمالهم وتطلعت أبصارهم إلى مختبرات العلماء منتظرين منهم لقاح للحماية من تلك الجائحة الكارثية.
وقد كان وظهرت عدة لقاحات للوقاية من كوفيد-19. ولكن كما ذكرنا عزيزي القاريء فإن الفيروسات تتحور وبعض تحورات سارس-كوف-2 تكون في الهدف الذي تستهدفه اللقاحات في عملها. وهذا يثير تساؤلاً حول فاعلية اللقاحات في الوقاية من المتحور دلتا.

لقد لاحظت دراسة معملية انخفاض فعالية الأجسام المضادة المتكونة عند المتعافين أو من تلقوا اللقاح ضد سلالة دلتا بالمقارنة بالسلالة الأولى المعروفة بسلالة ووهان. مع ذلك ما تزال هذه الأجسام المضادة قادرة على توفير نوع من الحماية ضد فيروس دلتا. [8]

كما لاحظت دراسة أخرى باسكتلندا أن التطعيم بلقاح أسترازنيكا أو فايزر-بيونتك حتى وإن كان ذو فعالية أقل ضد المتحور دلتا فإنه يقلل من شدة الإصابة بالمتحور دلتا ويقلل كذلك من نسب الحاجة للحجز بمستشفى. [12]

كما أنه وُجد في دراسة أخرى في بريطانيا -لا تزال تحت التحكيم- أنه رغم إنخفاض كفاءة اللقاحات في توفير حماية من المتحور دلتا إلا أنها مازالت توفر حماية مقبولة. حيث كانت الحماية التي يوفرها لقاح فايزر-بيونتك مثلاً ضد المتحور دلتا حوالي 88%. كذلك فإن لقاح أسترازينيكا كان فعال بنسبة 67% ضد دلتا. كما وجدت الدراسة أيضاً أن اللقاحات تقلل من شدة الأعراض ومن ثم تقلل معدلات الحجز بالمستشفيات. حيث وجدت الدراسة مثلاً: أن استخدام اللقاحات يقي من الأعراض الخطيرة التي تتطلب حجز بمستشفى بنسبة تتراوح بين 71% و94% بعد الجرعة الأولى وبين 92% و96% بعد الجرعة الثانية. [13]

وعندما قارنت دراسة بين فاعلية الأجسام المضادة الموجودة عند متعافين من كوفيد-19 والمٌتكونة نتيجة لقاحات؛ وجدت أن فعالية الأجسام المضادة المتكونة نتيجة لقاحات أعلى في الحماية من المتحور دلتا. [7]

من ثم يمكن القول أن لقاحات كوفيد-19 لا تزال توفر نوع من الحماية حتى من المتحور دلتا.

كيف نواجه المتحور دلتا ونوقف تحور الفيروس؟

ربما تتسائل الآن عزيز القاريء عن كيفية مواجهة دلتا وخفض معدل التحورات عموماً. إن الاستراتيجية المتاحة أمامنا هي الحد من انتقال الفيروس بقدر الإمكان. من ثم نُوقف قدرته على التحور إلى أشكال أشد ضراوة وخطورة. والأسلحة التي في جعبتنا كأفراد حالياً هي الالتزام بالتباعد الاجتماعي وإرتداء الأقنعة الواقية وتناول اللقاحات المتوفرة. [9] وبالنسبة للمنظمات والجهات المسئولة ففي جعبتهم فرض وتطبيق لوائح وقوانين تحد من انتشار الفيروس. كذلك إتخاذ خطوات تسرع من عمليات التطعيم وتساعد في الترصد والكشف المبكر عن التحورات الجديدة التي قد تشكل خطورة جديدة. وهي أسلحة فعالة إلى حد كبير إذا ما أحسننا استخدامها قبل فوات الأوان.

يكمُن الخطر الحقيقي عزيزي القاريء في أنه بوجود أفراد لم يتلقوا اللقاح أو مع عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية من كوفيد 19 فإننا نسمح بوجود إصابات بالفيروس. مما يخلق وسطاً يساعده على التحور أكثر فأكثر بشكل سريع ولا يمكن توقع أثر أو مشاكل أو خطورة هذه التحورات مستقبلاً. في الواقع إن المتحور دلتا قد ظهر منه تحور جديد هو دلتا بلس والذي هو قيد البحث والتتبع حالياً أيضاُ. [14]

المصادر:

  1. WHO says delta variant driving Covids fourth wave in Middle Easts :مصدر الصورة البارزة للمقال
  2. Demystifying the Delta Variant with Data – Johns Hopkins Coronavirus Resource Center
  3. Covid-19 vaccination: Is India running out of doses?
  4. Tracking SARS-CoV-2 variants (who.int
  5. How Dangerous Is the Delta Variant, and Will It Cause a COVID Surge in the U.S.?
  6. Why Do Variants Such as Delta Become Dominant?
  7. Reduced sensitivity of SARS-CoV-2 variant Delta to antibody neutralization
  8. Infection and Vaccine-Induced Neutralizing-Antibody Responses to the SARS-CoV-2 B.1.617 Variants | NEJM
  9. How Dangerous Is the Delta Variant (B.1.617.2)? | ASM.org 
  10. CDC COVID Data Tracker
  11. Interim Public Health Recommendations for Fully Vaccinated People
  12. SARS-CoV-2 Delta VOC in Scotland: demographics, risk of hospital admission, and vaccine effectiveness
  13. Public library – PHE national
  14. S.Korea on alert for new Delta Plus COVID-19 variant
  15. Delta variant brings new pandemic threat to Germany 

لقاح فيروس كورونا الجديد من شركة Pfizer .. هل اقتربنا من الحل؟

مع التخوف الشديد من بداية موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا، ظهر خبر مُبشر! حيث أعلنت شركة فايزر (Pfizer) وشريكتها الألمانية شركة بيونتك (BoiNtech) عن لقاح فيروس كورونا الجديد، والذي أثبت نجاحه في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.

وُجد أن اللقاح المنتظر فعال بنسبة تصل إلى 90% في مقاومة كوفيد-19 عند المتطوعين، في أول اختبار مؤقت لفاعليته، دون دليل على تعرضهم للإصابة بـ (SARS cov-2). شملت الدراسة حوالي 43,538 متطوعًا مع نسبة تصل إلى 42% من خلفيات متنوعة، كما أنه لم تظهر أي مخاوف تتعلق بسلامتهم، وما زال يتم جمع البيانات المتعلقة بالسلامة والفعالية. (1)

متى يتوفر اللقاح؟

حاليًا، من المفترض أن يتم التقدم بطلب للحصول على ترخيص الاستخدام في حالات الطوارئ (EUA) إلى إدارة الغذاء والدواء (FDA)، وذلك بعد التأكد من معايير السلامة والفعالية المطلوبة، والذي من المتوقع حدوثه خلال الأسبوع الثالث من نوفمبر. وفقًا للتوقعات الحالية، يتوقع أن يتم إنتاج 50 مليون جرعة بنهاية عام 2020 و1,3 بليون جرعة خلال عام 2021، كما ستنشر كل من شركة ( فايزر – Pfizer) (وبيونتك- BoiNtech) دراستهما في ورقة بحثية. (1)

تفاصيل عن اللقاح الجديد

اللقاح الجديد مبني على تقنية mRNA، والذي أظهر دلائل على فعاليته في الوقاية من فيروس كورونا. أُجري أول تحليل مؤقت للفعالية في 8 نوفمبر، من قبل لجنة مراقبة البيانات الخارجية المستقلة (DMC) للمرحلة الثالثة من التجارب السريرية. بعد مناقشات مع (إدارة الغذاء والدواء – FDA)، اختارت الشركات التخلي عن التحليل المؤقت المكون من 32 حالة، وإجراء أول تحليل مؤقت لما لا يقل عن 62 حالة. عند اختتام المناقشات، وصل عدد الحالات القابلة للتقييم إلى 94 حالة، وأجرى DMC تحليله الأول على كل الحالات. تشير حالة الانقسام بين الأفراد الذين تم تلقيحهم وأولئك الذين تلقوا الدواء الوهمي إلى أن معدل فعالية اللقاح أعلى من 90٪ خلال 7 أيام بعد الجرعة الثانية، وهذا يعني، أن الحماية تتحقق خلال 28 يوم بعد بداية التطعيم بمعدل جرعتين. ومع استمرار الدراسات؛ فقد تختلف نسبة فعالية اللقاح النهائية. (1)

اللقاح في المستقبل القريب

لم تبلغ (DMC) عن أي مخاوف تتعلق بالسلامة، كما توصي باستمرار الدراسة، وجمع البيانات الإضافية كما هو مخطط له، وسيتم مناقشة البيانات النهائية مع السلطات في مختلف أنحاء العالم. بدأت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في 27 يوليو وسجلت 43,538 متطوعًا حتى الآن، كما تلقى 38,955 متطوعًا الجرعة الثانية خلال 8 نوفمبر، ومن المفترض أن تستمر مراقبة المتطوعين على المدى الطويل لمدة عامين إضافيين. ما زال اللقاح قيد الدراسة، ومن المتوقع أن تستمر هذه الدراسة خلال التحليل النهائي، عندما تتراكم 164 حالة مؤكد إصابتها بالفيروس، كما أن الدراسة تقيم إمكانية توفير اللقاح المرشح للحماية للأفراد الذين سبق لهم الإصابة بكورونا، وكذلك الوقاية ضد أعراضه الشديدة. ستقييم الفعالية مرة أخرى بناءً على الحالات المتراكمة بعد 14 يوم من الجرعة الثانية. سيساعد جمع كل هذه البيانات في التطوير، عبر اجراء التجارب والمقارنات بين اللقاحات الجديدة.

ما هي تقنية mRNA وهل هي آمنة؟؟

كما قلنا في بداية المقال، فإن اللقاح الجديد صُنِّع بتقنية جديدة تسمى mRNA، ولم يتم الموافقة عليها من قبل للاستخدام البشري؛ فهذه هي المرة الأولى التي يتم استخدامها على البشر، ففي العادة، تعمل اللقاحات العادية على استخدام أجزاء من الفيروس؛ لتحفيز جهاز المناعة للمقاومة، والتغلب على الفيروس. لكن باستخدام هذه التقنية؛ فإن (mRNA) يحفز جهاز المناعة على استهداف بروتين معين اسمه (spike)، الموجود على سطح فيروس الكورونا، هذا البروتين يساعد الفيروس على مهاجمة خلايا الإنسان. نظريًا فإن تَعطُّل هذا البروتين يعني عدم الإصابة بالفيروس. ومن مميزات هذه اللقاحات أنه يمكن تصنيعها سريعًا، كما أن تكلفتها منخفضة مقارنة بالتقنيات المستخدمة في اللقاحات الأخرى. (1)

الأعراض الجانبية للقاح تتشابه مع الأعراض الاعتيادية للقاحات، مثل ارتفاع درجة الحرارة والصداع وغيرها من الأعراض المعتادة، حيث لم يُصرح بوجود أعراض جانبية خطيرة. ولكن يظل القلق قائمًا فيما يتعلق بها، حيث أنها لم تستخدم على البشرمن قبل؛ لذا فإن مؤشرات السلامة هامة للغاية.

مازالت الدراسة مستمرة، لم نحصل بعد على صورة أوضح للبيانات حول هذه النسبة العالية من الفعالية، فهذا التحليل يشتمل بيانات 94 شخص مصابًا بالكورونا، وليس هناك أي دليل على أن اللقاح يمنع الإصابة بالفيروس عند المتطوعين الذين حصلوا على اللقاح الفعلي وليس العلاج الوهمي، من المرجح أن يظهر عليهم أعراض قليلة، لكن يبدو أن اللقاح يقلل من المضاعفات.

اللقاحات الجديدة

الجميل في الأمر أن لقاح فايزر ليس اللقاح الوحيد الذي يبدو واعدًا؛ فهناك لقاحات جديدة ما زالت قيد الدراسة السريرية، أملًا في الحصول على نتائج جيدة. مثل لقاح جامعة (أكسفورد – Oxford) و(شركة – Astrazenc) في المملكة المتحدة، ومن المرجح أن تصدر النتائج المؤقتة للقاح خلال أسابيع، ومن المرجح أن يتوفر اللقاح بكميات محدودة في نهاية 2020، ويعتمد تصنيع اللقاح على تقنية اللقاحات ناقلات الفيروسات الغدية (adenovirus Vector Vaccin). (2)

لقاح شركة (Moderna) في الولايات المتحدة، الذي سينهي المرحلة الثالثة في نهاية نوفمبر، ومن المرجح أنه سيكون متاح في الربع الأول من 2021، ويعتمد على تقنية (mRNA)، كما أنها بدأت تجاربها في شهر مارس الماضي وكانت أول شركة تبدأ في تطوير لقاح للكورونا.

لقاح شركة (Novavax) في الولايات المتحدة، كانت المرحلة الثالثة من الاختبارات السريرية جيدة، ضمت 100,000 متطوع من المملكة المتحدة، ومن المفترض أن يكون متاح في النصف الثاني من عام 2021. ويعتمد على تقنية لقاح البروتين المساعد (protein adjuvant (vaccine، والذي يعزز جهاز المناعة.

لقاح شركة (janssen pharmaceuticals) وهي جزء من شركة ( Johnson & Johnson) في الولايات المتحدة، نتائج المرحلة الثالثة كانت جيدة، ومن المرجح أنه سيكون متاح خلال النصف الأخير من 2021، وهو لقاح بتقنية اللقاحات النقابات للفيروسات الغدية (adenovirus Vector Vaccine).

لقاح شركة (valneva) الفرنسية ستصنع الجرعات في إسكتلندا، ومن المفترض أن يكون متاح خلال النصف الأخير من عام،2021 إذا كانت البيانات الخاصة بالسلامة والفاعلية جيدة كما أن اللقاح مصنوع تقنية الفيروس الخامل (inactivated virus). (2)

لقاح شركة (sinovac) الصينية، اللقاح في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، والذي يُجرى في كل من البرازيل وتركيا وإندونيسيا، ومن المتوقع أن تظهر البيانات المؤقتة في نوفمبر. لكن تم توقيف التجارب السريرية في البرازيل؛ بسبب ظهور أعراض جانبية، كذلك تم استخدامه من قبل، خلال حالات الطوارئ في المدينة الصينية (جياشينغ -Jiaxing)، ويستخدم تقنية الفيروس الخامل. (2)

إذًا ماذا بعد؟

يبدو الأمر مثيرًا للتفاؤل، وهو كذلك بالفعل! لكن هناك بعد الصعوبات التي ربما ستواجه توزيع اللقاح، ما زال هناك الكثير من الدراسات والأسئلة الغير مجابة بعد. فيما يتعلق باللقاحات الجديدة وبالأخص لقاح فايزر الجديد. كما أن اللقاحات لها مستويات مختلفة من الفعالية، حيث توفر الجرعة المثالية كما يسميها مطورو اللقاح ،مناعة معقمة، والتي تحمي الناس بشكل تام من الإصابة بالعدوى، ولكن العديد من اللقاحات لا تلبي هذا الغرض، ربما تقلل من ظهور المرض، حتى لو استمر البعض في الإصابة به. كما أن طرح ملايين اللقاحات عالميًا، يمثل كابوسًا لوجسيتيًا، سواء في النقل أو التخزين أو التوزيع، فاللقاح لا بد أن يُشحن ويحفظ في -70 درجة مئوية! وهي درجة أبرد من درجات حرارة تبريد اللقاحات الأخرى. لذا فالأمر سيشكل عقبة في الكثير من البلدان، بالإضافة إلى التخوف من عدم توفر المواد للقاح. (3)

ولكن رغم ذلك؛ فإن النتائج الإيجابية ستكون مؤشرًا جيد لباقي الشركات المصنعة للقاحات الجديدة. ربما يبدو الأمر معقدًا، أو سيأخد الكثير من الوقت على عكس المتوقع، ولكنه يعطي أملًا كبيرًا لتجاوز هذه الجائحة في المستقبل القريب، وحتى لو أخذ العالم جميعه اللقاح؛ فإن الفيروس سيبقى موجودًا! لذا لا بد أن التعامل بحذر، والاستمرار في التباعد الاجتماعي، واتباع وسائل الحماية الإعتيادية من غسل الأيدي وارتداء الكمامات، حتى تتضح الرؤية أكثر، ويصبح هناك بيانات واضحة للتعامل اللقاحات وطرق توفيرها واستخدامها في البلدان المختلفة.

اقرأ أيضًا: هل يمكن لفيروس كورونا أن يسكّن الألم؟

المصادر

  1. Pfizer and BioNTech Announce Vaccine Candidate Against COVID-19 Achieved Success in First Interim Analysis from Phase 3 Study | Pfizer. (2020). Retrieved 12 November 2020, from here.
  2. Grover, N. (2020). 6 key questions about the Pfizer/BioNTech Covid-19 vaccine. Retrieved 12 November 2020, from here.
  3. We just got the world-changing news that Pfizer’s coronavirus vaccine works. Here’s what you need to know and why you shouldn’t throw your mask away just yet. (2020). Retrieved 12 November 2020, from here.

كيف سيواجه العلماء فيروس شلل الأطفال الناشيء من اللقاح؟

ينتمي فيروس شلل الأطفال إلى عائلة Picornaviridae ويتكون من حمض نووي رايبوزي وغلاف بروتيني، حيث يصيب الإنسان ويسبب تلف الخلايا العصبية الحركية.
طور العالم سابين عام 1960 لقاحاً فموياً يتكون من ثلاث سلالات حية لفيروس شلل الأطفال من خلال تمريرها في المختبر والأجسام الحية.
نجحت حملة التطعيم بين عامي 2000 و2017 في القضاء على شلل الأطفال في العالم، حيث قدرت منظمة الصحة العالمية انخفاض عبء المرض بنسبة 99% الأمر الذي حمى أكثر من 13 مليون طفل من الإصابة بشلل الأطفال، لكن ابتليت جهود التطعيم المبذولة في السنوات الأخيرة بانتشار فيروس شلل الأطفال الناشيء من اللقاح، حيث طور الفيروس الضعيف المستخدم في لقاح شلل الأطفال القدرة على الانتشار من الأفراد المحصنين في المجتمعات ذات معدلات التطعيم المنخفضة، فما طريقة تطور الفيروس؟ و كيف سيواجه العلماء فيروس شلل الأطفال الناشيء من اللقاح ؟

اكتشاف طريقة تطور الفيروس

اكتشف عالم الفيروسات راؤول أندينو وزملاؤه عام 2017 الخطوات التطورية الثلاث التي يستخدمها الفيروس للتحول من لقاح غير ضار إلى خطر إقليمي، ثم نشر بالتعاون مع الباحث أندرو ماكادام دراسة جديدة في مجلة Cell Host and Microbe بتاريخ 23/4/2020 حيث قاموا بإعادة تصميم اللقاح لضمان عدم اتباعه الخطوات التطورية الثلاث، وذلك عن طريق تعديل منطقة في جينوم الفيروس مسؤولة عن إعادة تطوير القدرة على إصابة البشر وتأكدوا من عدم إمكانية تخلص الفيروس من التعديل الجديد بتبادل المواد الوراثية مع فيروسات أخرى.

نتائج الدراسة

تقدم الدراسة الجديدة نتائج المرحلة الأولى لتجربة سريرية مزدوجة التعمية شارك فيها 15 متطوعاً تناولوا اللقاح الجديد، والتي أظهرت زيادة استقرار وفعالية اللقاح الجديد مقارنة بلقاح سابين القديم، حيث أدى اللقاح الجديد إلى إنتاج أجسام مضادة لفيروس شلل الأطفال في أجسام المشاركين.

ولمعرفة مدى أمان اللقاح الجديد حقن الباحثون فئران تجارب بجسيمات الفيروس من أجسام المشاركين بعد 7 أيام من تناول اللقاح الجديد فكانت النتيجة عدم حدوث شلل للفئران، بينما أظهرت الدراسات السابقة أن 90% من الفئران يصابون بالشلل بعد تعرضهم لجسيمات فيروسية من الأشخاص الذين تناولوا لقاح سابين لشلل الأطفال.

يُجري العلماء حالياً المرحلة الثانية من التجارب السريررية حيث وصفها العالم أندينو بالمبشرة وتخطط منظمة الصحة العالمية للمرحلة الثالثة من التجارب السريرية على أمل الإسراع في تطوير اللقاح لاحتواء تفشي شلل الأطفال الناشيء من اللقاح.

المصادر:

Science daily

Science Direct

WHO

Cell

NCBI

ما هو شلل الأطفال؟ وكيف توصل العلماء إلى لقاحه؟

ما هو شلل الأطفال؟ وكيف توصل العلماء إلى لقاحه؟
شلل الأطفال مرض فيروسي ينتقل من شخص إلى آخر، سمي بهذا الإسم لأنه يصيب عادة الأطفال تحت سن الخامسة.
لا يعاني الجزء الأكبر من مصابي شلل الأطفال أية أعراض، وقد يعاني المصاب في بعض الأحيان أعراضًا خفيفة كالتعب والصداع واحتقان الحلق، لكن الخطر يكمن في أن الفيروس يصيب عند نسبة قليلة الحبل الشوكي والأعصاب، مسببا أعراض تترواح بين فقدان الشعور بالأطراف وخاصة الأطراف السفلى، إلى الشلل أو حتى الموت نتيجة لشلل العضلات المسؤولة عن التنفس.
ينتقل الفيروس عبر ملامسة البراز ثم الفم، أو عن طريق استنشاق الرذاذ من شخص مصاب، إلا أنها طريقة أقل شيوعًا.
وهناك ثلاثة أنواع مختلفة من فيروس شلل الأطفال تختلف في تركيبها لكنها تسبب المرض ذاته.

ليس شلل الأطفال في الواقع، مرضا حديثًا، بل إن البشرية عرفته منذ قرون طويلة. وأكثر من ذلك، فإن نحتا مصريًا قديمًا يعود إلى نحو عام 1400 قبل الميلاد، يصور لنا طفلًا بقدم ذات هيئة تبدو تشابه إلى حد كبير تلك التي نراها عند حالات شلل الأطفال.

نحت مصري قديم يعود إلى عام ١٤٠٠ قبل الميلاد

وفي عام 1789، قدم الطبيب الإنجليزي مايكل أندروود أول وصف سريري لهذه الحالة التي سماها “إعاقة في الأطراف السفلى”
وبعد ذلك بنحو خمسين عاما، سنة 1894 حدث التفشي الأول لشلل الأطفال في الولايات المتحدة،وسجلت ١٣٢ حالة و١٨ وفاة.

إلا أن شيوع مرض شلل الأطفال جاء بدءا من القرن العشرين، في مقابل تراجع أمراض أخرى كالدفتيريا والسل والتيفؤيد، يرجع ذلك -حسب إحدى النظريات- إلى أن تلوث الماء في القرون السابقة، كان يصيب الرضع بالمرض في سن مبكرة جدًا وهم أوج قوة جهازهم المناعي بسبب الأجسام المضادة الأمومية التي تكون لا زالت تجري في دمائهم، ما يساعدهم على التغلب على المرض. بعكس القرون الأحدق في ظل توفر المياه النظيفة، ما يعني تأخر الإصابة إلى سن أكبر والحيلولة دون التعافي منها.

عام ١٩٠٧، وبعد انتشار كبير للوباء في اسكندافيا مسجلًا ١٠٣٧ حالة، كان السويدي إيفار فلكمان أول من يعلن بشكل حاسم قابلية انتقال المرض بين الأشخاص، و احتمالية إصابة جزء من الناس بالمرض دون تطور الأمر إلى شلل، وإنما بستبب لهم بأعراض خفيفة، مع احتمالية نقل المرض إلى الآخرين والتسبب لهم بحالة الشلل، كانت اكتشافات فلكمان سابقة لعصرها، ولم تقابل بالترحيب من معاصريه.

وفي السنة التالية عام ١٩٠٨، كان اكتشاف الطبيبان النمساويان كارل لاندشتاينر وإروين بوبر أن الكائن المسبب لهذه الحالة هو في الواقع فيروس.
أما ما جعل شلل الأطفال محط اهتمام كبير، فهو تفش كبير في الولايات حدث في ١٩١٦، متمركزًا في نيويورك ومنتشرًا في ولايات أمريكية أخرى، حاصدًا أرواح ٦٠٠٠ من الأشخاص وتاركا آلاف آخرين يعانون الشلل.


وكان، الرئيس الأمريكي روزفلت قد التقط العدوى عام 1921 أثناء قضاء عطلة صيفية، وذلك قبل تسلمه منصب رئاسة الولايات المتحدة، ما سبب له الشلل في أطرافه السفلى، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة مسيرته السياسية،
وبعد عام من توليه الرئاسة، في حفل راقص أقامه روزفلت عام 1934 بمناسبة عيد ميلاده، جمعت تبرعات سخية، مهدت إلى افتتاح المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال عام ١٩٣٨ التي كانت الممول الرئيسي لأبحاث العالم جوناس سولك عن شلل الأطفال.

جوناس سولك

ولد جوناس سولك في نيويورك عام ض٩١٤ في أسرة فقيرة، إلا أن التعليم كان محط اهتمام والديه، حتى حصل على شهادته في الطب من جامعة نيويورك سنة ١٩٣٩.

أصبح سولك أستاذًا مساعدًا في علم البكتيريا في جامعة بيتسبرغ، وهناك ترأس قسم البحث في الفيروسات وبدأ العمل على لقاح شلل الأطفال.

لم يكن سولك أول من اجرى تجارب ضد شلل الأطفال، لكن ما فعله سولك أنه عمل على تطوير لقاح يتكون من فيروس معطل، ليحث بواسطته جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادة تحمي متلقي اللقاح من المرض مستقبلًا.

كانت تجارب سولك التي بدأت عام ١٩٥٢ الأضخم في التاريخ من نوعها في ذلك الوقت، إذ أعطي اللقاح وهو لا يزال في مرحلة التجريب، إلى مليون وثمانمائة ألف طفل، كما جرب سولك اللقاح على نفسه وعائلته، وجربه ضد كل نوع من أنواع الفيروس الثلاثة على حدة، ثم على خليط من الأنواع الثلاثة.
وفي ١٢ أبريل ١٩٥٥، وبعد مؤتمر صحفي في جامعة ميشيغان أعلن العالم والطبيب توماس فرانسيس ذو الخبرة في اللقاحات، فعالية لقاح سولك بنسبة ٨٠-٩٠٪، ورخصت الحكومة الأمريكية اللقاح في نفس اليوم، ليصبح سولك من بعد ذلك بطلًا ومن أشهر علماء زمنه، ويتلقى تكريمًا من الرئيس الأمريكي أيزنهاور في البيت الأبيض.
وبعد أن بلغت الإصابات عام ١٩٥٢ في التفشي الأعنف لشلل الأطفال في تاريخ الولايات المتحدة، أكثر من سبع وخمسون ألف إصابة، وما يفوق ثلاثة آلاف حالة وفاة، بدأت الحالات بالتناقص بعد صدور لقاح سولك حتى بلغت عام ١٩٦٢ ما يقارب تسعمائة حالة فقط.

السيدة الأولى إلينور روزفلت في تكريم لجوناس سولك وعدد من العلماء الباحثين في شلل الأطفال عام ١٩٥٨

ألبيرت سابين

ولد ألبيرت سابين في بولندا، وهاجر من بعدها مع أبويه إلى الولايات المتحدة حيث نال درجته في الطب عام ١٩٣١، وترأس قسم طب الأطفال في جامعة أوهايو عام ١٩٣٩ وأثناء ذلك، رفض ما كان متعارف عليه من دخول فيروس شلل الأطفال عبر الجهاز التنفسي، وأثبت أن مكان دخول الفيروس هو الجهاز الهضمي، وإمكانية الوقاية منه بلقاح يؤخذ عبر الفم.
كانت طريقة سابين تعتمد على عزل سلالات من الفيروس تكون أضعف من إحداث المرض، ولكنها تكفي لجعل جهاز المناعة ينتج اجساما مضادة توفر المناعة للمتلقي، يتميز لقاح سابين عن لقاح سولك السابق له أنه أرخص ثمنًا، وأنه يؤخذ عن طريق الفم، أي بشكل أسهل من لقاح سولك الذي يعطى حقنًا، بالإضافة إلى أن ذلك يعطيه ميزة إخراج بقايا الفيروس المضعف في البراز ما يساعد أحيانا في نقل المناعة إلى الآخرين بشكل طفيف، كما أنه أسرع مفعولًا ما يجعله نافعًا في حالات الجوائح.
وتكمن سلبية هذا اللقاح، في كونه فيروس غير معطل إنما ضعيف، ما يعطيه إمكانية التحور لهيئته الممرضة مجددًا وإحداث المرض.

هل تم القضاء على شلل الأطفال؟

ظل شلل الأطفال منتشرًا في السبعينات وبالأخص في الدول النامية، ما دعى إلى اتخاذ إجراءات عالمية للقضاء عليه، وإقرار لقاح شلل الأطفال بنوعيه في البرنامج الدولي للتطعيم(EPI) الذي وضعته منظمة الصحة العالمية عام ١٩٧٤ بهدف إيصال إلى جميع أطفال العالم.
وعام ١٩٨٨، وبعد أن كانت أعداد الحالات تقدر خلال الثمانينات بمئات الآلاف، بدأت مبادرة عالمية تهدف إلى استئصال شلل الأطفال نهائيًا، ومنذ ذلك الوقت وبتعاون مئتي دولة وتطعيم أكثر من بليوني ونصف بليون طفل، نجح العالم الآن بخفض الإصابة بشلل الأطفال بنسبة ٩٩٪، واستُأصل كل من النوع الثاني والثالث من فيروس شلل الأطفال من العالم بنجاح، بينما لا نزال نجد في بعض الدول مثل أفغانستان وباكستان وغانا، عددًا من الحالات لمصابة بالنوع الأول أو النوع المشتق من اللقاح(VDPV)، وهو ارتداد للفيروس المضعف إلى هيئته الممرضة ثم إصابته لشخص آخر عقب خروجه من الجسم، لكن ذلك لا يشكل خطرًا إلا في مناطق إهمال التلقيح.

المصادر:

polioeradication

CDC

britannica

polioeradication

biography

للمزيد عن اللقاحات تابع مقال : اللقاحات، إلى أين تعود أصولها؟ وهل شكل الجدري بداية عصرها؟

Exit mobile version