القرصنة البيولوجية Biohacking، ما هي؟ وما مميزاتها ومخاطرها؟

يسعى الإنسان منذ الأزل إلى تحسين قدراته الذهنية والجسدية بمختلف الوسائل. وقد أدت التطورات الحديثة في مختلف المجالات وسهولة التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى ظهور مجتمع من الهواة يهدف إلى استخدام التكنولوجيات المختلفة في تحسين قدراتهم. وقد ازدادت شهرة ما يعرف بالقرصنة البيولوجية خصوصاً مع اكتشاف كريسبر CRISPR. حيث أدى اكتشاف أداة التعديل الوراثي تلك- الرخيصة نسبياً- إلى زيادة كبيرة في عدد الهواة في مجال التعديل الجيني. وإلى سعيهم إلى تطبيق تلك المعرفة في تطوير منتجات تساعد في تحسين قدرات الفرد العقلية والبدنية وربما تعالج الأمراض المستعصية. فما هي القرصنة البيولوجية؟ ولماذا تثير قلق لدى كثير من العلماء والمتخصصين؟ وما الآمال التي تحملها للبشرية؟

تعريف القرصنة البيولوجية:

يمكن تعريف القرصنة البيولوجية بشكل عام على أنها أي محاولة لتحسين قدرات الفرد الذهنية أو الجسدية. وهذا التعريف واسع جداً. فوفقاً لهذا التعريف قد تكون أنت عزيزي القاريء قرصاناً بيولوجياً بذهابك للصالة الرياضية للتمرين أو إدخالك تغييرات في نظامك الغذائي أو حتى شربك للقهوة لزيادة انتباهك.
وبشكل خاص يمكن تعريف القرصنة البيولوجية على أنها إجراء تجارب وأبحاث على النفس (بتناول مواد كيميائية، أو تعديل جيني، أو تعديل غذائي، أو زراعة شرائح إلكترونية أو مواد تحت الجلد، أو تركيب أجهزة بالجسم) بهدف تطوير القدرات الجسة أو الذهنية أو بهدف علاج الأمراض وذلك بواسطة هواة في الأغلب أو متخصصين ولكن خارج الإطار التقليدي للأبحاث. كذلك يشمل التعديل وراثيًا في الكائنت الحية بواسطة هواة بهدف تطوير قدراتها لتعود بالنفع على الفرد. وفي بعض الأحيان يكون الهدف هو فقط تغيير في الشكل الظاهري للفرد مثل تغيير لون القزحية. [2، 3]

أنواع القرصنة البيولوجية:

النيوتريجينوميكس (التغذية الجينومية) Nutrigenomics:

في هذا النوع يقوم الفرد بإحداث تغييرات في بعض نواحي صحته البدنية والذهنية عن طريق القيام بتغييرات في العادات الغذائية بشكل تدريجي. وذلك بناءا على دراسة تفاعل الجينوم الخاص بالفرد مع المغذيات المختلفة. [3]

النيوتريجينوميكس هي أحد انواع القرصنة البيولوجية. [4]

جرايندرز Grinders:

يسعى هذا النوع إلى تطوير القدرات البدنية أو الذهنية للفرد عن طريق استخدام الأدوات التكنولوجية مثل الشرائح والأطراف الإلكترونية وبعض الحقن الكيميائية. [3]

قم بهِ بنفسك أو بيولوجيا الهواة Do it yourself biology:

هذا النوع يعتبر أكثرهم إثارة للجدل والقلق. حيث يقوم فيه الهواة باستخدام معلومات وتقنيات يزودهم بها المختصون ليقوموا بتجارب على أنفسهم. ويشمل ذلك تجارب تعديل جيني أو استخدام أدوية لم تختبر بعد. وقد ازدادت شهرة هذا النوع خصوصاً بعد اكتشاف تقنية كريسبر وتسهيلها عملية التعديل الجيني. [3]

فاعلية القرصنة البيولوجية:

إلى أي مدى تبدو تلك الوسائل فاعلة فعلاً في تحسين القدرات البشرية أو مواجهة الأمراض. وأي مسافة قطعت هذه الوسائل حقاً على طريق الوصول إلى الإنسان السوبرمان؟! [3]

فاعلية النيوتريجينوميكس (التغذية الجينومية): 

في الواقع فإن التغذية الجينومية لها عديد من الفوائد مثلاً:
1- عن طريق معرفة استعداد الفرد الوراثي لأمراض معينة وتجنب الأغذية التي تحفز الإصابة بهذه الأمراض يمكن الوقاية منها.

2- بعض الأغذية تؤثر على ميكروبات الأمعاء. من ثم يمكن وفقاً لبعض الدراسات عن طريق تعديل النظام الغذائي بشكل يحافظ على توزيع سليم لها تحسين وظائف الأمعاء والصحة النفسية للفرد في بعض الأحيان.

3- بعض الأنظمة الغذائية تساعد على تنظيم ضغط الدم والسكري. وكذلك خفض الوزن. مما له عظيم الأثر على صحة الفرد النفسية والجسدية.

ولكن يجدر الإشارة إلى أن كثير من العلماء يرون أن الاعتماد على هذه الوسائل وحدها غير كاف لإحداث تغييرات جسدية ونفسية حقيقية. [3]

فاعلية بيولوجيا الهواة والجريندرز:

بعض هذه التعديلات قد أثبت نجاحاً ما. لكن إلى أي مدى يمكن توسيع نطاق هذه التطبيقات؟ وما هي مخاطرها؟ لا يزال ذلك محل جدل واسع.


على سبيل المثال:

قام أحد الهواة بحقن نفسه بمادة الكلورين إي 6 Chlorin e6 في عينيه. ذلك بهدف تحسين قدرات الرؤية الليلية لديه. حيث تستطيع هذه المادة زيادة حساسية بعض الخلايا المسئولة عن الرؤية في العين. ومن ثم تستجيب للأضواء شديدة الخفوت. وقد نجح هذا الشخص في تبين أجساد أناس يتحركون في غابات شديدة العتمة. ولكن إلى أي مدى قد تتسبب تلك المادة في آثار جانبية على الجسم؟ لم يتم تبين ذلك بعد.

أيضاً قام بعض الجريندرز بزرع شرائح تحديد الهوية بموجات الراديو Radio Frequency Identification Chips بأجسامهم. مكنتهم هذه الشرائح من الدخول إلى أماكن تتطلب تصريح أمني مثل بعض المستشفيات. وقد يسبب هذا تهديد أمني خطير ناهيك عن المخاطر الصحية الغير معروفة من إلتهابات أو سرطانات أو خلافه. [3]

فوائد القرصنة البيولوجية:

مما لا شك فيه أن بعض وسائل القرصنة البيولوجية آمنة بل ومفيدة. فمثلاً:

1- تعديل نظامك الغذائي قد يساعدك على الوصول لوزن صحي ويقيك من السمنة وتوابعها. 

2- كذلك الحد من بعض الأغذية التي تزيد الالتهابات في الجسم قد يساعد على تقليل التهابات العظام وآلامها.

3- قد يؤثر نقص بعض الفيتامينات (ب12 على سبيل المثال) على كفاءتك الذهنية والجسدية. مراقبة مستواها في الدم يساعدك على متابعة مدى فاعلية المكملات أو المغذيات التي تتناولها لتعويض النقص في هذه الفيتامينات.

4- الصيام المتقطع Intermittent fasting له عديد من الفوائد وفقاً لكثير من الدراسات التي وجدت أنه يحافظ على مستوى الانسولين بالدم منخفضاً. ومن ثم يساعد الجسم على حرق الدهون. كما يساعد على إصلاح الأنسجة التالفة في الجسم والوقاية من أمراض كالسرطان والسكري.

ولكن القاعدة العامة هي أن تتم استشارة الطبيب قبل اللجوء لمثل تلك الأساليب فقد تختلف أضرارها وفوائدها حسب الحالة الصحية للفرد. [3]

5- تطوير أجهزة تقيس الوظائف الحيوية للجسد أو تطوير البرمجيات التي تساعد في متابعة قراءاتها كما هو الحال في مشروع نايت سكوت والذي سنتحدث عنه تفصيلياً بالأسفل. [7]

6- يرى البعض أن بعض المنتجات التكنولوجية المقبولة والآمنة قد تسبب ضغطاً على شركات الأدوية والتكنووجيا العملاقة من أجل توفير منتجاتها بأسعار أرخص نسبياً. [7]

7- يرى البعض أن الاتجاه التقليدي في العلم والبيروقراطية والنظام الهرمي والضغوط داخل المجتمع الأكاديمي مثل ضغوط نشر الأبحاث والتمويل يحولوا دون التقدم بمعدلات أسرع. ويجعلوا البحث يحيد عن شغفه ويقل إبداعه. لذا فهم يرون أن في القرصنة البيولوجية وسيلة للثورة على تلك المنظومة. [7]

8- كذلك يرى الكثيرون أن توفير أدوات التكنولوجيا والابتكار بأسعار رخيصة نسبياً قد يتيح للباحثين الأكاديميين في الدول النامية الفرصة لأداء تجاربهم في ظلة ندرة الموارد وغياب التمويل الكاف. [7]

اعتراضات على القرصنة البيولوجية:

تتمحور الخلافات حول القرصنة البيولوجية في أمانها وخطورة بعض أنواعها على السلم العام. حيث قد يتسبب توفير أدوات التكنولوجيا المعقدة للهواة لاستخدامها في التجارب في وصوصلها للإرهابيين وعناصر العصابات. كذلك معظم الشرائح التي تزرع تحت الجلد وكثير من تقنيات التعديل الوراثي والكيماويت المستخدمة في تطور قدرات الجسد أو العقل لم يتم التأكد من سلامتها بشكل كامل. [7]

وقام قرصان بيولوجي مؤسس شركة أسّيندنس بيوميديكال (الارتقاء للطب الحيوي) Ascendence biomedical بزعم امتلاك شركته علاجات فيروس نقص المناعة المكتسب وفيروس الهربس. وقام بتجربة علاج الهربس المزعوم على نفسه في أحد التجمعات للقراصنة البيولوجيين. بينما قام بمساعدة مريض بفيروس نقص المناعة المكتسب على تجربة علاجه المزعوم لفيروس نقص المناعة وذلك قبل أن يتم إجراء تجارب كافية على الحيوانات. ولكن جاءت نتائج هذا المريض مخيبة للآمال. حيث زاد انتشار الفيروس في جسده بشكل عنيف.
وقد تعرض هذا القرصان البيولوجي لنقد من مختلف الجهات المتخصصة وأيضاً من بعض أفراد مجتمع القراصنة البيولوجيين. حيث وصف جوسيه زينار Josiah Zayner أحد رواد القرصنة البيولوجية تجارب هذه الشركة بأنها سخيفة وأنه لا يمكن الزعم بأن مركبات ما علاجية دو تجارب وبيانات واضحة. جدير بالذكر أن جوزيه اشتهر بحقن نفسه بتركيبة تعديل جيني علناً في أحد التجمعات الخاصة بالقراصنة البيولوجيين. وكانت الهدف من التركيبة زيادة كتلته العضلية. [8]

أمثلة حية على القرصنة البيولوجية:

مشروع نايت سكاوت Nightscout

كان هناك طفل مصاب بالسكري من النوع الأول. اشترى له والداه جهاز مراقبة متواصلة لمستويات السكر Continuous Glucose Monitoring Device. وذلك حتى يتمكنا من مراقبة التغيرات في مستويات السكر بدمه. لكن المشكلة أنهما لم يكن بوسعهما مراقبة تلك المستويات وهو بالمدرسة. ولأن والده مهندس برمجيات قام هذا الوالد بتطوير برنامج يرسل قراءات الجهاز بشكل متواصل إلى موقع تخزين على فضاء الإنترنت. وبالتالي يتمكن هذا الوالد من متابعة مستويات السكر بدم ابنه حتى وهو بالمدرسة. بعد أن قام الوالد بمشاركة قصته على مواقع التواصل نصحه البعض بمشاركة كود البرنامج.
بالفعل قام بطرح الكود على الانترنت ليتم تطويره بشكل مستمر من كل من لديه خبرة بالبرمجة. وقد أضاف له البعض تعديلات مثل ربطه بتطبيقات هاتفية معينة، إضافة إمكانية حساب السعرات المطلوبة أو كميات الكربوهيدرات المسموحة وفقاً لمستويات السكر، إضافة إمكانية حساب جرعات الأنسولين المطلوبة، وإضافة تنبيهات في حالارتفع او انخفض مستوى السكر بشكل خطر. [7]

قرصان بيولوجي يتم تغريمه لزراعة شريحة تذكرة سفره تحت جلده

أحد هؤلاء القراصنة البيولوجيين قام بنزع شريحة من كارت سفر وتغليفها ببلاستيك خاص. ثم قام بزراعتها تحت جلده. ورغم أن ماسحات الكروت تمكنت من قراءة الشريحة إلا أنه تم تغريمه على فعلته. [9]

شرائح تحت الجلد تعمل عمل المفاتيح

تتضمن الشرائح الإلكترونية التي يزرعها القراصنة البيولوجيون تحت الجلد كما ذكرنا سابقاً: شرائح قادرة على فتح الأبواب المصممة بحيث يكون ملحق بها أجهزة تقرأ هذه الشرائح  (بعض هذه الشرائح يتم تصميمه بحيث يحمل عدة أرقام كل منها مخصص لباب وذلك بدلاً من أن تحتاج شريحة لكل باب)، مغناطيسات حساسة صغيرة، وحتى بعض المصابيح الصغيرة التي تضيء تحت الجلد.

آمال جرافسترا مؤسس شركة أشياء خطرة Dangerous things تقوم شركته بتصميم العديد من تلك الشرائح. بعضها قادر على فتح الأبواب كما ذكرنا. كما تبيع شركته الأدوات التي يمكن للفرد العادي استخدامها في تصميم تلك الشرائح بأسعار زهيدة نسبياً.

بسعر يتراوح بين 40 وحتى 100 دولار يطرح القرصان البيولوجي امال جرافسترا Amal Graafstra الأدوات اللازمة لزراعة أجهزة تعريفية تحت جلدك. هذه الشرائح يمكن تصميمها بحيث تكون قادرة على أن تحل محل المفاتيح. كما أنه بإمكانها فتح أجهزة الأندرويد بمجرد لمسها. هذه الشرائح الصغيرة لا تحمل بطاريات ولا يتم توصيلها بشاحن. فهي تحصل على طاقتها من الجهاز الذي يتم توصيلها به. [10، 11]
يوضح الشكل التالي حجم هذه الأجهزة والذي يقل عن حجم عقلة الإصبع.

مؤسسة بحثية عسكرية تتابع القرصنة البيولوجية

أهم الجهات الرسمية المهتمة بابداعات القراصنة البيولوجيين ومتابعة لهم هي داربا DARPA. وتلك هي وكالة مشاريع الدفاع البحثية المتقدمة بجيش الولايات المتحدة The US military’s Defense Advanced Research Projects Agency. وهي تتابع منتجات القراصنة البيولوجيين بشغف. جدير بالذكر أن الأبحاث الخاصة بهذه الوكالة كانت السبب في خروج منتجات مثل السيارات ذاتية القيادة والجي بي إس والمنتج الذي تتابعنا عبره الآن عزيزي القارئ؛ الإنترنت. [8]

مقترحات لتقليل مخاطر القرصنة البيولوجية

1- تشجيع إدراج مشاريع القراصنة البيولوجيين تحت إشراف المؤسسات الاكاديمية بحيث يسهل متابعتها من المختصين.

2- كذلك تمكين القراصنة البيوليجيين من استخدام الأجهزة المعقدة والامكانيات التي تتوفر فقط بالمعامل الأكاديمية ومن ثم يكونوا أيضاً تحت أعين المختصين.

3- تمكين القراصنة البيولوجيين من تسجيل تجاربهم بطريقة رسمية قبل إجراءها.

في النهاية أخبرنا أنت عزيزي القاريء برأيك في تلك الحركة وهل تؤيد استمرارها بشكل مطلق أم بقيود؟ وما من وجهة نظرك القيود التي تراها مناسبة لتجنب الجانب السيء منها؟

المصادر:

  1. الصورة البارزة للمقال:
    Meet the Las Vegas biohackers who are trying to supercharge their bodies – Las Vegas Sun Newspaper
  2. Biohacking | Definition of Biohacking by Merriam-Webster
  3. Biohacking: Definition, Safety, and Top 11 Hacks for Beginners (healthline.com)
  4. How does nutrigenomics complement personalised nutrition?—podcast | Vitafoods Insights
  5. Half Human Half Cyborg ( More Coming Soon ) on Behance
  6. Intellia Presents First Data Supporting CRISPR/Cas9 HAE Gene Therapy Candidate (angioedemanews.com)
  7. Do-it-yourself (DiY) science: The proliferation, relevance and concerns – ScienceDirect
  8. Why I injected myself with an untested gene therapy – BBC News
  9. Biohacker fined for travel card implant – BBC News
  10. Bodyhackers: Bold, inspiring and terrifying – BBC News
  11. Amal Graafstra Sells a Kit so Anyone Can Be a Biohacker (businessinsider.com)

تطبيقات كريسبر تطال مقاومة المضادات الحيوية وتطوير مضادات حيوية جديدة !

تطبيقات كريسبر تطال مقاومة المضادات الحيوية وتطوير مضادات حيوية جديدة! تمثّل مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية مشكلةً جديةً في العالم، حيث تعرّض ملايين الأرواح للخطر.

في سبيل معالجة هذه المشكلة؛ تمكن باحثون في جامعة «ويسكونسن ماديسون» من إعادة توظيف أداة تعديل الجينات «CRISPR» لدراسة الجينات التي تستهدفها بعض المضادات الحيوية، مما يوفر أدلةً حول كيفية تحسين المضادات الحيوية الموجودة، أو تطوير مضاداتٍ حيويةٍ جديدة.

إنّ التعديل الجيني «CRISPR» ليس حديثًا نسبيًا، وهو يعمل على قطع الحمض النووي لجزئين، ثم إجراء التعديل عليه.

ما هي تقنية كريسبر- كاس9 ؟

كريسبر هو نوع تسلسلات DNA توجد في أوليات النواة كالبكتيريا القديمة، تضم قطع جينية من بقايا الحمض النووي للفيروسات التي سبق أن هاجمت الكائن بدائي النواة. يحتفظ الكائن بدائي النواة بهذه البقايا في حمضه النووي كفواصل حتى يستخدمها لاحقاً في الكشف عن ال DNA الخاص بتلك الفيروسات في هجماتها اللاحقة، ومن ثم تدميره بمساعدة انزيم cas9.

توصف تقنية “كريسبر- كاس9” منذ ظهورها في ثمانينات القرن الماضي بأنها ستقلب كل شيء رأسا على عقب. ويكمن الفرق بين “كريسبر-كاس9” وباقي أدوات التعديل الجيني المستخدمة سابقا كإنزيمات القطع هو أن كل إنزيم قطع يمكنه القص عند تتابع محدد واحد، مما يقيد التعديل الوراثي. بينما يمكن باستخدام تقنية كريسبرالقطع عند أي منطقة مرغوبة من الجينوم، وذلك لأن الـ RNA الذي يستخدمه إنزيم cas9 للتعرف على منطقة القطع قابل للتعديل والتركيب.

استخدمت تقنية كريسبر لتعديل الخلايا الدموية “خارج الجسم”؛ وذلك لعلاج السرطان والزهايمر وغيرهما من الحالات. لكن لم يحدث تطوير مشابه لمضادات حيوية.

ما هو Mobile-CRISPRi ؟

قام الباحثون في هذه الدراسة بالتعديل بأسلوبٍ مختلف، باستخدام نظام يسمّى «Mobile-CRISPRi»، يعمل من خلال الارتباط بأحد الجينات، ويمنع وصول البروتينات إليه، فينخفض التعبير عن الجين، وتكون النتيجة انخفاض كمية البروتين التي يصنعها هذا الجين.

أظهر الباحثون أنه عند تقليل كمية البروتين التي يستهدفها المضاد الحيوي، تصبح الجراثيم أكثر حساسية لكمياتٍ أقل من هذا المضاد، أي أنّ هناك ارتباطًا بين الجين المُستهدَف والدواء.

يتميّز هذا النظام بإمكانية فحص آلاف الجينات في وقت واحد، مما يساعد العلماء على تعلّم كيفية عمل المضادات الحيوية وطرق تحسينها.

دور الاقتران في تطوير المضاد الحيوي

استخدم الباحثون «Mobile-CRISPRi» على نوع من الجراثيم المخبرية المعروفة، وهي «الإشريكية الكولونية E-Coli»، ولكن بقي الهدف الأساسي كما هو، أي دراسة الجراثيم الأكثر تعقيدًا والمسببة للأمراض، ولنقل الأداة إلى هذه الجراثيم؛ استخدم العلماء واحدةً من الطرق الطبيعية التي ترتبط الجراثيم بها وتتبادل الحمض النووي، وهي عمليةٌ تسمى الاقتران.

استطاع الباحثون من خلال الاقتران نقل «Mobile-CRISPRi» إلى أهم الجراثيم المسببة للمرض، مثل: الزوائف، والسالمونيلا، والعنقوديات، والليستيريا، وغيرها.

اختُبر «Mobile-CRISPRi» على نوع من الجراثيم التي تعيش على سطح الجبن، وتدعى «V. casei»، وهي نوعٌ من الجراثيم المفيدة التي تنمو على سطح الجُبن الفرنسي، مما ساعد على دراسة هذة السلالة الجرثومية، ومعرفة كيفية نموه.

ماذا الذي وصلت إليه هذه الدراسة؟

ما يعنيه ذلك هو أنه أصبح بإمكان العلماء إجراء دراساتٍ حول كيفية عمل المضادات الحيوية بشكلٍ مباشرٍ في الجراثيم الممرضة. كما يعطيهم فكرةً أفضل عن كيفية عمل هذه الأدوية في الكائنات الحية المختلفة، ويفتح آفاقًا واسعةً لدراسة مختلف أنواع الجراثيم سواء كانت ممرضةً أو مفيدة.

مصادر:
Sciencedaily

Neurosciencenews

futurism

مخاوف أخلاقية متصاعدة تجاه جائزة نوبل في الكيمياء 2020 وتقنية كريسبر

لم يكن الجدل حول التعديل الجيني بالجديد، ولكنه عاد للواجهة بعد تسليط نوبل الكيمياء عام 2020 الضوء على تقنية كريسبر للتعديل الجيني واكتشاف قدرتها على جعل هذا التعديل أكثر دقة وسهولة مقارنة بالتقنيات القديمة. مخاوف أخلاقية متصاعدة تجاه جائزة نوبل في الكيمياء 2020 وتقنية كريسبر .

يعتقد علماء الأخلاقيات الحيوية والباحثون عمومًا أنه لا ينبغي محاولة تعديل الجينوم البشري للأغراض الإنجابية حتى اليوم، ولكن يجب أن تستمر الدراسات التي من شأنها جعل العلاج الجيني آمنًا وفعالًا. [1،2]

يتفق معظم المهتمون بالتعديل الجيني على أهمية مواصلة المداولات العامة والنقاش للسماح للجمهور بتقرير ما إذا كان تعديل الجراثيم مسموحًا أم لا.

اعتبارًا من عام 2014، حظرت حوالي 40 دولة أبحاث تعديل جينات الخلايا الجنسية، منها 15 دولة في أوروبا الغربية بسبب المخاوف الأخلاقية والمتعلقة بالسلامة. [3]

هناك أيضًا جهد دولي بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين للتنسيق وتنظيم تطبيق تقنيات التعديل الجيني. بدأت تلك الجهود رسميًا في ديسمبر 2015 مع القمة الدولية لتعديل الجينات البشرية في واشنطن.

مخاوف السلامة

نظرًا لاحتمال حدوث تأثيرات جانبية لعمليات تعديل جيني في المكان الخطأ أو تعديل بعض الخلايا دون أخرى، فإن السلامة هي الشغل الشاغل للباحثين حاليًا.

يتفق الباحثون وعلماء الأخلاق المتخصصون ممن كتبوا وتحدثوا عن تعديل الجينوم، على أنه لا ينبغي استخدام التعديل الجيني لأغراض الإنجاب السريري حتى تثبت سلامة وأمان تعديل جينوم الخلايا الجنسية.

يُرجّح البعض فوائد التعديل الجيني على مخاطره بهدف للدفع تجاه رفع الحظر المفروض عليه، إلا أن البعض الآخر يعتقد بأنه لا يمكن تبرير المخاطر بالفائدة المحتملة.

يشكك بعض الباحثين بنبوءات التعديل الجيني للأجنة البشرية أو اعتبارها ذات فائدة أكبر من التقنيات الحالية، مثل التشخيص الجيني قبل الزرع (PGD) والتخصيب في المختبر (IVF). ومع ذلك، يقر العلماء وأخصائيي الأخلاقيات الحيوية أنه في بعض الحالات، يمكن أن يعالج تعديل الخلايا الجنسية الاحتياجات التي لا يلبيها التشخيص الوراثي قبل الزرع. [4]

مقترحات التعديل الجيني الحالية تشمل:

1. حالات تماثل كلا الأبوين المحتملين بالنسبة لمسبب للمرض (أي حمل كلاهما نسختان من جينات الإصابة، وهو ما يشير إلى إصابة جميع أطفالهم بالمرض).

2. حالات الاضطرابات متعددة الجينات التي تتأثر بأكثر من جين واحد.

3. العائلات التي تعترض على بعض عناصر عملية التشخيص الوراثي قبل الزرع. [5،6]

يشعر بعض الباحثين وأخصائيي الأخلاقيات الحيوية بالقلق من أن أي تعديل للجينوم – حتى للاستخدامات العلاجية – سيضعنا على منحدر زلق قد يقود بنا مباشرة لاستخدامه لأغراض غير علاجية وإجراء تحسينات على البشر، وهو ما يعتبره الكثيرون مثيرًا للجدل.

يجادل آخرون بوجوب السماح بتعديل الجينوم المُثبت آمانه وفعاليته لعلاج الأمراض الوراثية باعتباره واجب أخلاقي تجاه أولئك المرضى. 6 ويقترحون إدارة المخاوف بشأن التحسين والتلاعب من خلال السياسة والقوانين والتنظيم.

يشعر المعلقون على هذه القضية بالقلق أيضًا إزاء سوء استخدام تعديل الجينوم للأغراض الإنجابية وتباين القدرات الرقابية بين داخل الولايات المتحدة وخارجها، مما قد يؤدي إلى استخدامات يعتبرها البعض مرفوضة.

تستشهد هذه الحجج بالبيئات ذاتية التنظيم إلى حد كبير في العيادات الإنجابية التي تقدم التشخيص الوراثي قبل الزرع والتلقيح الصناعي، والاختلافات القائمة في اللوائح بين مختلف البلدان.

موافقة مسبقة

يشعر البعض بالقلق من استحالة الحصول على موافقة حقيقية واعية لعلاج الخلايا الجنسية لأن المرضى المتأثرين بالتعديلات هم الجنين والأجيال القادمة. ويواجه هذا الطرح بحجة مضادة تقول بأن الآباء يتخذون بالفعل العديد من القرارات التي تؤثر على أطفالهم في المستقبل، بما في ذلك القرارات المُعقّدة مثل التشخيص الوراثي قبل الزرع مع التلقيح الاصطناعي.

عبّر الباحثون وخبراء الأخلاقيات الحيوية عن قلقهم أيضًا بشأن إمكانية الحصول على موافقة واعية حقًا من الآباء المحتملين طالما أن مخاطر علاج الخلايا الجنسية غير معروفة.

العدل والإنصاف

كما هو الحال مع العديد من التقنيات الجديدة، يتزايد القلق من إتاحة تقنيات التعديل الجيني للأثرياء فقط بارتفاع أسعارها مما سيزيد التفاوتات الحالية وسيعيق الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة والتدخلات الأخرى.

يشعر البعض بالقلق من التفاوت المجتمعي الذي قد ينتج عن تعديل الخلايا الجنسية بجودة هندسية متباينة، مما قد يخلق معدّلين مميزين ومعدلين عاديين ومعدلين ضعفاء وهكذا.

أبحاث تعديل الجينوم الأجنة

كثير ممن لديهم اعتراضات أخلاقية ودينية يقفو في مواجهة استخدام الأجنة البشرية لإجراء المزيد من الأبحاث. مما جعل استخدام الأموال الفيدرالية في أي بحث ينتج الأجنة أو يدمرها أمر غير ممكن. بالإضافة إلى عدم قدرة المعاهد الوطنية للصحة على تمويل أي استخدام لتحرير وتعديل الجينات في الأجنة البشرية. وفقًا للوائح المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة.

بالرغم من عدم قدرة المعاهد الوطنية للصحة على تمويل تحرير أو تعديل الجينات في الأجنة البشرية حاليًا، تعتقد العديد من مجموعات الأخلاقيات الحيوية والبحثية أن البحث باستخدام تعديل الجينات في الأجنة مهم لأسباب لا تعد ولا تحصى مثل معالجة الأسئلة العلمية حول البيولوجيا البشرية، طالما لم تُستخدم لأغراض إنجابية.

بشكل عام، يمكن استخدام بقايا أجنة قابلة أو غير قابلة للحياة باستخدام تقنيات التلقيح الاصطناعي في أبحاث الأجنة، أو أجنة تم إنشاؤها خصيصًا للبحث، ولكل حالة اعتباراتها الأخلاقية.

ما رأيك عزيزنا القارئ؟ هل تتفق أم تختلف مع لجنة نوبل عن مدى استحقاق تلك الجائزة لتقنيات التعديل الجيني بالرغم من تلك المخاوف؟

مصادر:

[1] National Academies of Sciences, E., Medicine,. (2017). Human Genome Editing: Science, Ethics, and Governance. Washington, DC: The National Academies Press.

[2] The Hinxton Group. (2015). Statement on Genome Editing Technologies and Human Germline Genetic Modification. Retrieved from http://www.hinxtongroup.org/Hinxton2015_Statement.pdf

[3] Araki, M., & Ishii, T. (2014). International regulatory landscape and integration of corrective genome editing into in vitro fertilization. Reprod Biol Endocrinol, 12, 108. doi:10.1186/1477-7827-12-108

[4] Lanphier, E., Urnov, F., Haecker, S. E., Werner, M., & Smolenski, J. (2015). Don’t edit the human germ line. Nature News, 519(7544), 410. doi:10.1038/519410a

[5] Hampton, T. (2016). Ethical and Societal Questions Loom Large as Gene Editing Moves Closer to the Clinic. JAMA, 315(6), 546-548. doi:10.1001/jama.2015.19150

[6] Savulescu, J., Pugh, J., Douglas, T., & Gyngell, C. (2015). The moral imperative to continue gene editing research on human embryos. Protein Cell, 6(7), 476-479. doi:10.1007/s13238-015-0184-y

[7] Ishii, T. (2017). Germ line genome editing in clinics: the approaches, objectives and global society. Brief Funct Genomics, 16(1), 46-56. doi:10.1093/bfgp/elv053

[8] Park, A. (2016). UK Approves First Studies Using New Gene Editing Technique. Time Health.

[9] Araki, M., & Ishii, T. (2014). International regulatory landscape and integration of corrective genome editing into in vitro fertilization. Reprod Biol Endocrinol, 12, 108. doi:10.1186/1477-7827-12-108

[10] Lanphier, E., Urnov, F., Haecker, S. E., Werner, M., & Smolenski, J. (2015). Don’t edit the human germ line. Nature News, 519(7544), 410. doi:doi:10.1038/519410a

[11] The Hinxton Group. (2015). Statement on Genome Editing Technologies and Human Germline Genetic Modification. Retrieved from http://www.hinxtongroup.org/Hinxton2015_Statement.pdf

[12] National Academies of Sciences, E., Medicine,. (2017). Human Genome Editing: Science, Ethics, and Governance. Washington, DC: The National Academies Press.

[13] Callaway, E. (2016). UK scientists gain licence to edit genes in human embryos. Nature News, 530(7588), 18. doi:doi:10.1038/nature.2016.19270

[14] Cyranoski, D., & Reardon, S. (2017). Chinese scientists genetically modify human embryos. Nature News. doi:doi:10.1038/nature.2015.17378

Exit mobile version