هل البشر هم الحيوانات القادرة على البكاء؟

منذ اللحظة الأولى من حياته، يصرخ الطفل باكيًا، معبرًا عن حاجته للأمان والطعام والدفئ. يرافق البكاء الإنسان منذ نعومة أظافره حتى آخر لحظات حياته، ولا يعبّر البكاء فقط عن الألم الجسدي أو الحزن، بل قد يعبّر أيضًا عن الفرح. إن قدرة الإنسان على البكاء تطال كل المجتمعات، رغم اختلاف ثقافاتهم، لكن هل تطال الحيوانات الأخرى أيضًا؟ هل تشعر الحيوانات بالحزن كما نفعل وتعبر عنه بالبكاء؟ أم أن البشر هم الحيوانات القادرة على البكاء؟

ماذا نعني بالبكاء؟

إن فرز الدموع ظاهرة مشتركة لكثير من الكائنات الحية، وهي ظاهرة قديمة. إذ كل الحيوانات التي تبصر من خلال عيونها المتحركة، تملك جفونًا أو اغشية لحمايتها. غالبًا ما تلعب الدموع دورًا هامًا في تسهيل فتح وإغلاق هذه الأغشية، كما تساهم في ترطيب وحماية عدسات العين. إذاً فإن الـ”بكاء” له أدوار فيزيولوجية واضحة. وبهذا المعنى، فإن الكثير من الحيوانات تشاركنا البكاء.

أما البكاء بالمعنى الذي نعرفه فهو مرتبط بالتعبير العاطفي، وهو سلوك فطري يقوم به الطفل منذ لحظات حياته الأولى. وقد طرح الكثير من العلماء إشكالية بكاء الحيوانات من عدمه، وقد تعددت وجهات نظرهم في هذا الخصوص. كما أن بكاء الحيوانات يطرح إشكاليات أعمق عن كيفية إدراك الحيوانات للمشاعر وذكائها العاطفي، وهو مجال يصعب دراسته بطبيعة الحال. من هنا، يمكن القول أن البكاء هو تعبير عاطفي شائع جدًا عند البشر، وهو ميزة بشرية إذ نادرًا ما نجدها عند غيرنا من الحيوانات، حتى الأقرب إلينا تطوريًا كالشيمبانزي.

هل من حيوانات قادرة على البكاء؟

قد يكون البكاء كما نعرفه كبشر محصورًا بصنفنا، إلا أن الحيوانات تصدر أصواتًا وصرخات وتذرف دموعًا شبيهة بالبكاء البشري أحيانًا.

فقد اعتبر داروين في كتابه “The Expression of the emotions in Man and animals” أن بعض الحيوانات قادرة على ذرف الدموع عاطفيًا، وتحدّث عن ملاحظته لقرد ماكاك في حديقة للحيوانات في لندن يبكي من الحزن. كما يتحدّث أيضًا عن معاينته لفيلة تذرف دموعها عند التقاطها (لحبسها) أو عندما تكون على حافة الموت. لكن العديد من علماء السلوك الحيواني اليوم يخالفونه الرأي.

كذلك، يؤكد الباحثون أن غالبية صغار الطيور والثدييات تصدر أصواتًا عالية النبرة وذات نمط متكرّر لتطلب المساعدة أو الإنقاذ. لهذه الصرخات فوائد أكيدة في الحفاظ على حياة هذه الحيوانات، إذ أنها تساهم في تحديد مكانها وتلقي الطعام والمساعدة من حيوانات صنفها الأكبر سنًا.

يشير العالم “جاك بانكسيب – Jaak Panksepp “أن صغار الفئران تُصدر صرخات عند انفصالها عن أمها، قد تكون مشابهة لبكاء الأطفال، لكننا غير قادرين كبشر على سماعها لأنها تقع في مجال الموجات فوق الصوتية. كذلك تصدر صغار الكلاب أنينًا عند انفصالها عن أمها. وغالبًا ما توقف صغار الفئران والكلاب صراخها أو أنينها عندما توضع في اتصال جسدي مع الأم.

يعتقد بعض الباحثين أن الصرخات التي تصدرها صغار الحيوانات قد تشكل أصل اللفظ والنطق عند البشر. إذ إنه يُعتقد أن الثدييات الأولى كانت حيوانات ليلية تعتمد الأصوات للتواصل، فشكلت صرخا صغارها وسيلة التعبير عن الجوع وساعدت كبارها على إيجادها بسهولة.

اقرأ أيضًا عن الفوائد الصحية للبكاء

البكاء خاصية بشرية

إذن فإن ظاهرة بكاء الحيوانات ظاهرة نادرة، كما أنها تختلف اختلافًا جذريًا عن بكاء البشر، لذلك يُعتبر البكاء خاصية بشرية. من هنا، حاول العديد من الباحثين تحديد أصول البكاء وفوائده التطورية التي جعلته مشتركًا عند جميع البشر. إلا أنه من الصعب معرفة عمر “الدموع” كما نعرفها الآن، إذ أنها لا تترك آثارًا في الحفريات للبحث عن أصولها التطورية. لذلك يبقى الخيار الوحيد هو البحث الأعمق في الذكاء العاطفي عند الحيوانات والأطفال والمقارنة بين الأصناف، كما يعمل العلماء على دراسات في مجال علوم الأعصاب لفهم طريقة عمل الدماغ والمناطق المسؤولة عن البكاء.

اقرأ أيضًا عن لماذا نبكي؟

المصادر:

dana.org
newscientist.com
livescience.com

لماذا نبكي؟

لماذا نبكي؟

تجيب كارلي أوسبورن-Carly Osborn من جامعة Adelaide كلوديا البالغة من العمر 7 سنوات ونصف عن سؤالها لماذا نبكي؟

إن البكاء فعل يقوم به الجميع. أحياناً نبكي لأن أجسادنا تحاول تنظيف التراب من أعيننا لكن هذا لا يعد بكاء حقا، أليس كذلك؟ البكاء له علاقة بمشاعرنا!

فهناك صلة بين الجزء من دماغنا المسؤول عن المشاعر والقنوات في عيوننا حيث تنهمر الدموع.

يمكن لأطباء الطب أن يخبروكم المزيد عن ذلك. لكنني لدي دكتوراه في موضوع آخر وهو تاريخ العواطف، لقد تعلمت عن سبب بكاء الناس لأسباب مختلفة ووظيفتي هي أن أقارن اليوم بالماضي.

في أستراليا اليوم، معظم الأطفال يبكون عندما يحزنون، سواء كانوا فتيان أو فتيات. ولكن بمجرد أن يصبح هؤلاء الأطفال مراهقين، يبدو أن البكاء يكون أقل من بكاء الفتيات. هذا ليس لأن الأولاد لديهم أدمغة مختلفة أو قنوات دموع مختلفة عن البنات، بل لأن العديد من الأولاد الأستراليين يعتقدون أن البكاء محرج بعض الشيء.

ربما قيل لهم أن الأولاد لا يبكون أو أنهم يسخرون من أصدقائهم إذا بكوا في المدرسة.

في الواقع، من الطبيعي أن يبكي الأولاد و البكاء لا يعتبر دائماً محرجاً أو غير رائع.

تاريخ البكاء

منذ حوالي 500 سنة في انكلترا، اعتُبر البكاء رائعا جدا! واحدة من أشهر القصص في ذلك الوقت كانت عن الملك آرثر.

لقد كان بطلاً عظيماً والكثير من الأولاد أرادوا أن يكونوا مثله ووفقا للكتب والقصائد التي ألفت في ذلك الوقت، بكى الملك آرثر كثيرا، وأظهر البكاء للجميع أن لديه مشاعر حقيقية قوية جدا. في ذلك الوقت، ظن الناس أن هذا يجعله رجلاً عظيماً.

ثقافة البكاء حول العالم

كما أن سبب بكائنا يعتمد أيضا على بيئة سكننا وشكل عائلتنا.

فإذا كنت تعيش في بلد حيث من الطبيعي أن تعرب عن الكثير من المشاعر في العلن، مثل أمريكا، فمن المرجح أن تبكي على أشياء أخرى.

وإذا كنت تعيش في بلد لا يبدي فيه الناس عادة شعورهم، فأنت على الارجح لن تبكي كثيرا حتى لو شعرت بالحزن من الداخل.

على سبيل المثال، حاول الناس في اليابان لزمن طويل ألا يبكوا. ولكن مؤخرا، بدأ الناس يغيرون رأيهم بشأن البكاء. فالكتب والأفلام المحزنة جدا تزداد رواجا. حتى أنه هنالك نوادي للبكاء حيث يمكنك مشاهدة فيلم حزين مع اشخاص آخرين وتبكي جيدا ثم تذهب إلى البيت وتشعر بتحسن لأنك أفصحت عن الكثير من المشاعر الكبيرة!

وينطبق نفس الشيء على الأسر: إذا كان كل شخص في منزلك يحب أن يشارك الآخرين بمشاعرهم، ولا يخجل من البكاء أو الضحك أو الصراخ أو الرقص، فمن المرجح أن تبكي كلما شئت.

ولكن إذا كان أفراد عائلتكم لا يعربون عادة عن مشاعرهم، فستتعلمون أيضا أن تحتفظوا بمشاعركم في الداخل.

نحن نبكي لكي نظهر مشاعرنا

وكما ترون في هذه الأمثلة، فإن البكاء ليس مجرد شيء نقوم به بأنفسنا. غالبا ما يكون البكاء وسيلة لنري الآخرين كيف نشعر.

عندما تبكي سيعرف والديك، معلّموك أو أصدقاؤك أنه تنتابك مشاعر كبيرة وستشعر بتحسّن كبير إذا عانقتك أحدهم أو تحدثت عن مشاعرك لهم.

لماذا نبكي؟

حسنا، مبدئيا لأن أجسامنا صنعت لتقوم بذلك، ولكن لأن البكاء هو الطريقة التي يُظهِر بها الناس من حولنا مشاعرهم، ونتعلم أن نُظهِر مشاعرنا بالطريقة نفسها. فالبكاء يساعدنا على المشاركة والعناية، وأعتقد أن هذا شيء رائع!

المصدر:

The Conversation

لا تنس تقييم المقال 🙂

Exit mobile version