ألبرت الصغير، ضحية تجارب الخوف

كيف يتشكل الخوف؟ وهل بالإمكان خلقه عند الشخص؟ هذا السؤال الذي حاول عالم النفس جون واتسون الإجابة عنه، مستخدمًا في ذلك طفلًا بعمر تسعة أشهر ليكون عينة لتجربته.

حقوق الصورة: newscientist

تجربة ألبرت الصغير

تجربة الطفل ألبرت، أو ألبرت الصغير هي تجربة قام بها عالم النفس السلوكي جون واتسون لاستكشاف التعلم العاطفي عند الطفل. أجريت هذه التجربة المضبوطة “في بيئة المختبر” عام 1920، وذلك في جامعة جونز هوبكنز، على طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر وذلك لاستكشاف موضوع التكييف الكلاسيكي. نُشرت النتائج أول مرة في عدد فبراير من مجلة علم النفس التجريبي. [1]
وكانت هذه التجربة مضبوطة، تظهر أدلة تجريبية على التكييف الكلاسيكي للبشر، ,وأظهرت أن ما قدمه بافلوف في تجاربه في التكييف المشروط على الحيوانات بالإمكان تطبيقها على البشر. وبالتالي بالإمكان خلق شعور، أو خوف عند إنسان لم يكن يخف من الشيء مسبقًأ. [1]

الأطروحة التي مهدت للتجربة

اعتمد واتسون في تجربته بشكل رئيسي على نظرية بافلوف في التكييف الشرطي، وحاول تطبيق ذلك بتعريض الطفل لمحفزات عديدة ثم ربطها بمحفزات أخرى، ليخلق لديه شعور الخوف من الفأر، الذي لم يكن يمتلكه الطفل مسبقًا. حيث يلعب التكييف الكلاسيكي دورًا رئيسيًا في تطوير المخاوف والفوبيا “الرهاب”، وقد تكون بعض أنواع التجارب ناتجة بشكل جزئي من التكييف الكلاسيكي. [2]

التكييف الكلاسيكي classical conditioning:

التكييف الكلاسيكي هو نوع من التعلم كان له تأثير كبير في مدارس علوم النفس وخصوصًا المدرسة السلوكية. اكتشفه عالم الفيزيولوجيا إيفان بافلوف. وهو عملية تعلم تحدث من خلال الارتباط بين المحفز البيئي والمحفز الذي يحدث بشكل طبيعي. يتضمن التكييف الكلاسيكي وضع إشارة محايدة قبل رد فعل طبيعي. في تجربة بافلوف الشهيرة مع الكلاب كانت الإشارة المحايدة هي صوت نغمة وكانت الاستجابة الطبيعية للكلب هي سيلان اللعاب استجابةً للطعام. ومن خلال ربط الحافز المحايد “النغمة” بالمحفز البيئي “الطعام” يمكن أن ينتج صوت النغم وحده الاستجابة الطبيعية، أي سيلان اللعاب. [3]

تفاصيل تجربة ألبرت الصغير

كان المشارك في التجربة طفل وتمت تسميته “ألبرت ب” وهو ليس اسمه الحقيقي، وهو العينة المدروسة في التجربة. الباحثان المشرفان على التجربة كانا واتسون أخصائي العلوم السلوكية وطالبته روزالي راينر.
بدأت التجربة بتعريض الطفل لعدة محفزات stimuli، منها فأر أبيض وقرد وأقنعة وصحف مشتعلة وتمت ملاحظة وتسجيل ردود أفعاله للمحفزات. الطفل لم يظهر أي خوف من أي من المحفزات التي تعرض لها.
في المرة التالية التي تم عرض الفأر على الطفل رافق ذلك إحداث واتسون لضوضاء عالية بالضرب على أنبوب معدني. وبطبيعة الحال فإن الطفل استجاب للضوضاء بالبكاء. تم إقران الضوضاء العالية بظهور الجرذ أمام الطفل لمرات عدة خلال فترات زمنية متفاوتة، وأدى ذلك لبكاء الطفل كلما رأى الفأر الأبيض، الذي ارتبط لديه بالمحفز الآخر.
كتب واتسون: “في اللحظة التي رأى فيها الطفل الفأر بدأ بالبكاء، استدار فورًا بحدة إلى اليسار، وسقط على جانبه الأيسر، وبدأ بالزحف بعيدًا عنه بسرعة، تمكننا بصعوبة الوصول له وإمساكه.” [4]

الارتباط مع نظرية التكييف الكلاسيكي

تقدم تجربة ألبرت الصغير مثالًا واضحًا عن كيفية تطبيق التكييف الكلاسيكي لتكييف الاستجابة العاطفية باستخدام المحفزات المختلفة.
المحفز المحايد: وهو محفز لا يثير أي استجابة في البداية وهو الجرذ الأبيض.
منبه غير مشروط: وهو الحافز الذي يثير استجابة انعكاسية لدى الطفل المدروس وهو الضوضاء العالية التي تسببت بالبكاء
الاستجابة غير المشروطة: وهي رد فعل طبيعي لمحفز معين “الخوف”، وفي التجربة هي خوف الطفل من الضوضاء وبكاءه.
المنبه المشروط: وهو حافز يثير استجابة بعد اقترانه بشكل متكرر بالحافز الغير مشروط، أي اقتران الحافز المحايد “الفأر” بالمنبه غير المشروط “الضوضاء” الذي يحول المحفز المحايد لمنبه مشروط.
الاستجابة الشرطية: وهي الاستجابة الناتجة عن الحافز الشرطي “الخوف” عند تعريض الطفل للمنبه المشروط “الفأر الذي اقترن بالضوضاء”. [4]

نتائج التجربة

أثبت واتسون وراينر أن الاستجابات العاطفية يمكن أن تكون مشروطة عند البشر. ولاحظا أن تعميم التحفيز قد حدث؛ أي أن ألبرت الصغير لم يخشى الفئران فقط بعد التجربة وإنما تعدى خوفه للعديد من الأجسام المشابه، أي شيء أبيض وذو فرو. وهذه الظاهرة يطلق عليها اسم التعميم.
بعد خمسة أيام وجد الباحثان أن ألبرت طور رهابًا من الأشياء التي تشترك مع الجرذ ببعض الخصائص بما في ذلك كلب العائلة، وبعض الصوف القطني. بعد أسابيع وأشهر من التجربة تمت ملاحظة ألبرت وكان خوفه من الفئران أقل وضوحًا، هذه العملية تسمى الانقراض. لم يتسنى لواتسون وراينر عكس التأثير الذي أحدثوه لدى الطفل وذلك لأن أمه قامت بسحبه فورًا بعد انتهاء التجربة. وأيضًا لم يتسنى للباحثين متابعة وضع وحالة الطفل حول الفوبيا هذه وذلك لوفاته في عمر السادسة بسبب استسقاء الرأس. [4]

نقد التجربة

كان واتسون قد خطط لعكس التكييف الذي أحدثه للطفل، وذلك بالقيام بعكس ما قام به؛ أي ربط التحفيز بمنبه شرطي محبب للطفل بدلًا من أن يكون مخيفًا له. ولكن تم سحب ألبرت من التجربة ذلك. بالتالي أصبح للطفل رعب لم يكن يمتلكه من قبل، ومن الممكن أن يرافقه طول حياته.
تعتبر ممارسة كهذه غير أخلاقية بتاتًا في عصرنا هذا وذلك بسبب المعايير التي حددتها جمعية علم النفس الأميريكية وجمعية علم النفس البريطانية. وينتقد المنهج المعرفي النموذج السلوكي لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار العمليات العقلية، ويجادلون بأن عمليات التفكير التي تحدث بين الحافز والاستجابة مسؤولة عن عنصر الشعور في الاستجابة. [5]

5- simplypsychology

دراسة الوحش، تجربة التلعثم التي استغلت الأيتام كفئران للتجارب!

يقال ان الطريق لجهنم مرصوف بالنوايا الحسنة. وهذا يبدو بوضوح في تجربة وندل جونسون التي بدأت بنوايا سليمة لإثبات منشأ التلعثم عند الطفل. وانتهت بنتائج شنيعة كان ضحيتها 22 طفل يتيم. كنيت التجربة باسم “دراسة الوحش” لتدل على وحشية هذه التجربة.

أطفال الميتم الذين أجريت عليهم التجربة، حقوق الصورة: factrepublic

دراسة الوحش: تجربة بنوايا سليمة

عام 1939 شرع وندل جونسون وطالبته ماري تيودور، في مركز أبحاث التلعثم في جامعة آيوا بإجراء دراسة على مجموعة من الأطفال في ميتم. هدفها الأساسي كان إثبات أن منشأ التلعثم من الوصم وليس بالضرورة بيولوجيًا. أي التلعثم قد يكون ناجمًا عن وصم الطفل بأنه متلعثم، وإظهار أثر التحفيز السلبي والإيجابي على نطق الطفل.
جونسون نفسه كان طفلًا متلعثمًا، وعانى خلال طفولته وشبابه من ذلك، الأمر الذي شجعه ليصبح أخصائي أمراض نطق. إذ أنه أراد أن يعرف أكثر عن أسباب التي تسبب التلعثم للأطفال. [1]


الأطروحة التي مهدت للتجربة

جادل جونسون أن التلعثم ليس ذو منشأ بيولوجي بالضرورة؛ أي أن الطفل ممكن ألا يكون متلعثماً ويكتسب ذلك بسبب التنشئة. والتلعثم قد يكون سلوكًا مكتسبًا.
أراد جونسون معارضة الأراء السائدة حول منشأ التلعثم، فكانت فكرة المنشأ البيولوجي من المسلمات في وقته ذاك، وأراد أن يبرهن على صحة أفكاره بالتجربة العملية لإثبات أن الشخص لا يولد متلعثمًا بالضرورة. [2]

تجربة تيودور وجونسون

بدأت التجربة باختيار 22 طفل من الميتم كعينة. وإجراء الاختبارات التي تقيم معدل ذكاء كل طفل، ومهارات التحدث، وهيمنة اليد اليسرى أو اليمنى. أظهر 10% من الأطفال علامات التلعثم وإعاقة الكلام. ثم تم اختيار 12 طفل من بين الأطفال الطليقين في الكلام بشكل عشوائي من العينة، وحددت مهارات الكلام لديهم على مقياس من 1 إلى 5.
قُسم الأطفال بعدها إلى مجموعة ضابطة وجموعة تجريبية. تلقى نصف هؤلاء الأطفال علاجًا للنطق، تمثل ذلك في:
-لتعزيزات الإيجابية للطفل و
-الثناء عليه عند الكلام وغرس الثقة عنده
-استخدام عبارات مثل: “لا تهتم بما يقوله الآخرون، نطقك سيتحسن مع التدريب”.
بينما تعرضت المجموعة الثانية للتالي:
-التعنيف اللفظي والجسدي أحيانًا
-استخدام العبارات السلبية وتعنيف الطفل عند ارتكابه لأبسط خطأ
-إخبارهم بشكل متكرر بأنهم متلعثمين ولن يتحسنوا في حديثهم مطلقًا. [3]


نتائج التجربة

استمرت التجربة لمدة 5 أشهر ولوحظ أن الأطفال في مجموعة العلاج السلبي بدأوا يعانون من مشاكل كبيرة في النطق والثقة بالنفس، فمن بين الأطفال الستة الطبيعيين، بدأ خمسة منهم بالتلعثم بعد العلاج السلبي. ومن بين خمسة من الأطفال المتلعثمين أساسًا تفاقمت حالة ثلاثة. فيما كان واحد من الأطفال في المجموعة المصنفة “طبيعي” يعاني من مشاكل أكبر في الكلام بعد التجربة. [2]

إخفاء النتائج عن الناس

أدرك الباحثون قوة تجربتهم وخطر آثارها، وحاولوا التراجع عن الضرر الذي تسببوا به للأطفال ولكن دون جدوى، كانت آثار وصف الأطفال المتلعثمين دائمة وكان على هؤلاء الأطفال التعايش مع هذه المشكلة طوال حياتهم .
بعد أن انتهاء التجربة لم ينشر جونسون هذه الأبحاث عكس ما فعله مع معظم أبحاثه، حيث كانت التجارب النازية على البشر في أوجها حينها وخشي جونسون من ربط تجاربه بهذه التجارب فتلحق ضررًا بسمعته. وتم إخفاء التجربة والنتائج عن الناس إلى عام 2001 حيث تم نشرها في سلسلة من المقالات في سان خوسيه نيوز. كانت هذه الأطروحة متوفرة في مكتبة الجامعة لكنها كانت مجهولة ومنسية إلى نشرها بعد عقود من إجراءها.

النقد ولا أخلاقية التجربة

الجوانب التي ظهرت فيها لا أخلاقية التجربة عديدة، فوجود نوايا جيدة عند البدء في التجربة لن يخفف من وقع الآثار السلبية للتجربة. كما وأن وندل الذي كان نفسه طفلًا متلعثمًا، كان يجري التجارب على نفسه وعلى زملاءه خلال دراستهم للتلعثم، وهذا أيضًا لن يتشفع له في جرمه بتجربته.
من جهة إجراء التجارب على الأطفال غير أخلاقي، وفكرة اختيار الطفل اليتيم الذي لا يرعاه أحد، ولن يهتم أحد إن أجرى تجربته عليه فكرة مؤلمة إنسانيًا. الجانب الآخر في لا أخلاقية التجربة كان في الإخفاء والكذب؛ القائمين بلغوا السلطات بأنهم كانوا “يعطون الأطفال بعض النصائح”. والأطفال لم يكن لديهم أي علم بكونهم جزء من تجربة حتى.
تجنبوا نشر النتائج خوفًا على سمعتهم، وكانوا على علم بأن ما يفعلونه غير أخلاقي ولكنهم استمروا في فعله وبرروه بالنوايا الحسنة. [4]

المصادر:

1- gvsu
2- uh.edu
3-pubsasha
4- nytimes

Exit mobile version