ما هي النظرية العلمية ؟ وهل هي مجرد رأي؟

ما هي النظرية العلمية ؟ وهل هي مجرد رأي؟

تختلف الطريقة التي يستخدم بها العلماء كلمة “نظرية” قليلًا عن الطريقة التي يشيع استخدامها بين العامة.

يستخدم معظم الناس كلمة “نظرية” للإشارة إلى فكرة شخص ما أو حدسه حول موضوع معين. ولكن الأمر يختلف في العلم، إذ تشير كلمة “نظرية” إلى الطريقة التي نفسر بها الحقائق العلمية.

خطوات الوصول إلى النظرية العلمية

تبدأ كل نظرية كفرضية. الفرضية العلمية هي حلٌ مقترح لتفسير حدث لا نملك له تفسيرًا بعد، ولا تفسره نظرية علمية مقبولة حاليًا. وحسب قاموس (مريام ويبستر): الفرضية فكرة لم يتم إثباتها بعد. فإذا تراكمت أدلة تكفي لدعم هذه الفرضية، فإنها تنتقل إلى الخطوة التالية، المعروفة في المنهج العلمي باسم (النظرية)، وتصبح مقبولة كتفسير صالح للظاهرة.

عندما يتوصل العلماء إلى حقائق أو ملاحظات معينة، فإنهم يحتاجون إلى وضع تلك الحقائق والملاحظات في إطار معين، وهنا يستخدم العلماء النظرية العلمية لهذا الشأن. لذلك، فالنظريات قابلة للتغير، أي أن طريقة تفسيرنا للحقائق قد تتغير، لكن الحقائق نفسها لا تتغير.

يشبّه (جايمي تانر)، أستاذ البيولوجيا في كلية (مارلبورو)، النظريات بسلة يحتفظ بداخلها العلماء بالحقائق والملاحظات التي يتوصلون إليها. وقد يتغير شكل هذه السلة كلما توصل العلماء إلى المزيد من الحقائق.

على سبيل المثال، لدينا أدلة وافرة على تغير السمات في جماعات الكائنات بمرور الوقت (التطور)، لذا فإن التطور هو حقيقة لا تتغير. ولكن النظريات التي نستخدمها لتفسير التطور هي التي قد تتغير في حال توفر لدينا المزيد من الملاحظات حول التطور.

أسس النظرية العلمية

تعرف جامعة كاليفورنيا، النظرية بأنها “تفسير شامل وطبيعي لمجموعة واسعة من الظواهر”، فالنظريات تتسم بالإيجاز والترابط المنطقي والمنهجية وقابلية التنبؤ، كما أنها قابلة للتطبيق على نطاق واسع، وغالبًا ما تدمج وتعمم العديد من الفرضيات.

يجب أن تقوم أي نظرية على فحص دقيق وعقلاني للحقائق. وهنا يجب التأكيد على أن الحقائق والنظريات شيئان مختلفان. ذلك أنه في المنهج العلمي، ثمة تمييز واضح بين الحقائق التي يمكن ملاحظتها وقياسها، والنظريات، والتي هي تفسيرات العلماء للحقائق.

كما إنه من المهم لما تتوصل إليه النظرية العلمية أن ينعكس إلى أمور يمكن ملاحظتها، فالنظرية الجيدة، مثل نظرية الجاذبية لنيوتن، تتسم بالوحدة والتماسك، ما يعني أنها تتكون من عدد محدود من آليات حل المشكلات، يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من الظروف العلمية بغرض تفسيرها. ميزة أخرى للنظرية الجيدة هي أنها تتكون من عدد من الفرضيات التي يمكن اختبارها بشكل مستقل.

تطور النظرية

ليست النظرية العلمية النتيجة النهائية للمنهج العلمي. فالنظريات يمكن إثباتها أو رفضها، تمامًا مثل الفرضيات. ويمكن تحسين النظريات أو تعديلها إذا تم جمع المزيد من المعلومات، ما يجعلها أكثر دقة في التنبؤ بمرور الوقت.

لا تصبح النظريات قوانينًا كما يعتقد البعض، ذلك أن النظريات والقوانين لها أدوار منفصلة ومتميزة في المنهج العلمي. القانون هو وصف لظاهرة ملحوظة في العالم الطبيعي والتي تكون صحيحة في كل مرة يتم اختبارها. لا يفسر القانون سبب صحة أمر ما؛ إنما يقر على صحته فحسب.

من ناحية أخرى، تشرح النظرية الأمور التي لوحظت أثناء العملية العلمية. لذلك، في حين أن القانون والنظرية جزء من العملية العلمية، فهما جانبان مختلفان تمامًا، وهذا وفقًا لجمعية معلمي العلوم الوطنية.

مثال جيد على الاختلاف بين النظرية والقانون هو قانون العالم جريجور مندل. نحن نعلم أن قانون مندل ينص على أن سمتين وراثيتين منفصلتين ستظهران بشكل مستقل عن بعضهما البعض في ذرية مختلفة. اكتشاف مندل ظل قانونًا منذ ذلك الوقت، لكن تفسير هذا القانون لم يعرفه العلماء إلا بعد قرن من الزمان عند اكتشاف الحمض النووي و الكروموسومات، ووضْع نظرية وراثة الكروموسومات التي لا تزال مقبولة عالميا لتفسير قانون مندل إلى يومنا هذا.

تكمن أهمية النظريات في أنها أسس لتعزيز المعرفة العلمية، وتطبيق المعلومات المجمعة واستغلالها للاستخدام العملي. إذ يستخدم العلماء النظريات لتطوير الاختراعات المختلفة أو إيجاد العلاج لمرض ما.

مصدر
Livescience

الذاكرة و تأثير راشومون : هل يمكننا الوثوق بذاكرتنا؟

هل تعتقد أن ذاكرتك قوية بما يكفي لاسترجاع ما يحدث أمامك الآن دون أخطاء؟ حاول أن تتذكر أي يوم مميز في حياتك. ثم اسأل من شاركوك نفس اليوم عن تفاصيله. لا تندهش عندما يسردون وقائع لم ولن تتذكرها رغم تأكديهم أنها حدثت. فلن تعرف أبدًا مدى صحة رواياتهم أو روايتك لأن الذاكرة البشرية-على عكس ما تعتقد- تتغير وتتجدد باستمرار لتخلق لكل منا نسخته الفريدة عن الواقعة ذاتها.

قصة القتيل في الغاب

اليابان في القرن الثاني عشر حيث تستمع المحكمة لشهادات الشهود حول الجثَّة التي وجدها حطَّاب في الغابة. لكنها لم تكن محاكمة عادية، إذ اختلفت الشهادات بشكل لا يُصَدَّق. كان هناك سيف، لا لم يكن هناك سيف. زوجة القتيل خانته، لا لم تخُنْه. وهكذا التَبَس عليهم أمرهم مع كلِّ شهادة جديدة، لدرجة أن ثلاثة من الشهود اعترف كل منهم أنه القاتل ولا قاتل سواه!

“من الصعب القول من هو المُخطِئ الأعظم أنتم أم أنا”

-قاطع الطرق “تاجو مارو” المتهم بقتل الرجل واغتصاب زوجته أمام المحكمة.

هذه لمحة من قصة (رينوسكي أكوتاكاوا) الممتعة التي حولها المبدع الياباني (أكيرا كوراساوا) إلى فيلم «راشومون-Rashomon»الحائز على الجائزة الأولى من مهرجان فينيسيا، وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. جاءت تسمية “تأثير راشومون” لوصف التضارب الحادث بين شهود العَيان على نفس الحادثة. يتكرر تأثير راشومون كثيرًا في حياتنا اليومية بدءًا من الأشياء التي تضعها في مكان وتظن أنك وضعتها في مكانٍ آخر، وصولًا إلى التفسيرات المختلفة للوقائع والأحداث من مراسلي التلفاز، وغيرها من المواقف التي يصبح فيها الوصول إلى الحقيقة مستحيلًا.

الملصق الدعائي لفيلم راشومون

ماذا يربط بين الذاكرة والمثلَّجات والهاتف الصيني؟

قام علماء بتجربة يشاهد فيها المتطوعون حلقة من مسلسل تلفزيوني ثم يُسأَلون عن أحداث الحلقة بعد وقت من مشاهدتها. في خلال هذا الوقت يختار المتطوعون بين التَمرُّن على حلِّ أسئلة عن الحلقة أو لعب لُعبة Tetris. قبل الاختبار النهائي شاهد المتطوعون فيديو ملخّص لأحداث الحلقة تم تغيير بعض التفاصيل فيه عن تلك التي شاهدوها في الحلقة الأصلية بهدف تشتيتهم. في الاختبار النهائي، وجد أن إجابات الفريق الذي اختار حل الأسئلة أقل دقة بشكل ملحوظ من إجابات الفريق الذي لعب Tetris! فكيف حدث هذا؟(1)

عندما تمر بموقفٍ ما تتكون ذكرى لهذا الموقف في الدماغ على شكل روابط عصبية في الذاكرة طويلة المدى فيما يعرف بعملية «تقوية أو ضم الذاكرة-Memory Consolidation». هذا جميل فالذكرى تتحول إلى حالة غير نشطة يتم تخزينها، إلا أنك كلما استرجعت هذه الذكرَى تصبح نشطة مرة أخرى ويتم إعادة عملية ضمِّها مرة أخرى “reconsolidation”. هذا يعني أنه عند استرجاع الذكرى تصبح هشَّة وقابلة للتشوه والتغيير لبعض الوقت، تمامًا كقطعة مثلجات أخرجتها من المُجَمِّد حتى انصهرت وتشوَّهت ثم جمَّدتها مرة أخرى(2).

عملية تغير الذكرى عند استرجاعها

كلما استرجعت الذكرى كلما تغيرت واختلطت بغيرها ثم تحفظ بحالتها الجديدة إلى أن تسترجعها فتتغير من جديد وهكذا. الأمر أشبه بلعبة “الهاتف الصيني” حيث يهمس اللاعب الأول في أذن من يليه بحكاية ما، ويهمس بها الثاني للثالث وهكذا. تجد في النهاية أن القصة التي يرويها اللاعب الأخير تختلف كثيرًا عن القصة الأصلية.

رحلة الذاكرة من اليقين إلى الشك!

بدأ الاهتمام بتغيُّر الذاكرة على يد عالم النفس البريطاني «فريديريك بارتليت-Frederick Bartlett»في الثلاثينيات. ومن الغريب أن لعبة الهاتف الصيني نفسها هي التي ألهمته بالبحث في تغيّر الذاكرة. حيث قام بإجراء تجارب أوضح من خلالها تغيير ذاكرة الأشخاص لقصةٍ معينة يقرؤونَها حسب اختلاف خلفياتهم الثقافية والتاريخية(3).

كما قامت «اليزابيث لوفتس-Elizabeth Loftus»عالمة النفس والقانون بجامعة كاليفورنيا بدراسة تأثير الأسئلة الموجهة “Leading Questions” على استرجاع الذكريات لدى الشهود. يشاهد المتطوعون اصطدامًا بين سيارتين، ثم يُسأَلون عن سرعة السيارتين. وجد أنه عند سؤالِهم: كم كانت السرعة حين “تصادَمَتا” يعطون تقديرات للسرعة أعلى من تلك التي يُعطونَها حين يُسأَلون عن السرعة حين “تلامَسَتا”(3).

قام العلماء أيضًا بعدَّة تجارب على الفئران والبشر والحيوانات لِمَحوِ ذِكرَى معينة باستخدام أدوية تمنع تصنيع الروابط العصبية.

كما درسوا تأثير التَحَيُّز على الذاكرة. يشاهد المتطوعون شجارًا بين اثنين، ثم يتم تقسيمهم إلى مجموعتين. إحداهُما تروي الواقعة لشخصٍ لا يُحب أحد طرفي النزاع، والأخرى تروي لشخصٍ لا يحب الطرف الآخر. وجد أن الشهادات جاءت متباينة بين المجموعتين. ولكن المُدهِش أنه حين طُلِب من كلتا المجموعتين الإدلاء بشهادةٍ أمام شخصٍ محايد، كانت روايات شهود كل مجموعة تنتقص من الأحداث حسب تحيُّزِهم لأحد الطرفين في المرة السابقة!(4)

وتوالت الكثير من التجارب حتى وقتنا هذا مؤكدة على نفس الحقيقة: أن ذاكرتنا تُخطِئ وترتجل وتَتَبدَل تحت تأثير الكثير من العوامل. يمكنها اختلاق التفسيرات وإعادة ترتيب الأحداث، وتبديل الشخصيات بما يؤكد على تأثير “راشومون” الذي كُتِبَ عنه قبل أن تؤكده الدراسات العلمية.

نصف كوب الذاكرة المَملوء

الأمر الجيّد في تغيّر الذاكرة هو أنَّنا يمكننا تغييرها! فَكِّر في مرضَى الخوف غير المبرر أو الفوبيا، أو متلازمة توَتُّر ما بعد الصدمة. ماذا لو تَمكَّن العلاج النفسي من استغلال هشاشة الذاكرة وقت استرجاعها في تغيير الذكرى السيئة التي سببت الحالة المرضية؟ يمكن من خلال هذا التأثير إعادة كتابة الذكريات كَيْلا ترتبط بمشاعر الخوف أو التوتر مرة أخرى(5). أيضًا بدراسة الظروف والعوامل التي تؤثِّر في تغير الذاكرة يمكننا أن نضع شهادات شهود العيان في محلِّها الصحيح من حيث القوَّة أو الضعف.

يفتح تأثير راشومون أمامنا الباب كي نراجع ما نعرفه عن ذاكرتنا طوال هذه السنوات. هل كان الماضي أجمل وأكثر بركةً كما يخبرنا من عاصروه من الكبار؟ هل كنت سعيدًا حقًا في تلك الرحلة؟ أم أنك تتذكر هذا لأنك ترى ابتسامتك في الصور؟ هل كان التاريخ منصفًا في وصف الوقائع والأحداث حتى لو تحرَّى المؤرِّخون الصدق؟ حسنًا إذا وصلت إلى هنا عزيزي القارئ فأنصحك بمراقبة ذاكرتك وعدم النظر للأمور بنظرة أحادية. فذاكرتك قد اعتادت ملئ الفراغات وتبديل الأحداث واختلاق المبررات كلما استرجعتها. ليس عيبًا منها، فالعقل دائمًا يسعى لراحتك، لذا قد تجده حريصًا على أن يروي لك قصة منطقية مقبولة لديك على أن يروي ما حدث بالضبط. إذا رأيت مصابًا بداء ألزهايمر تجده يقسم على صدق ما يقول، رغم أن عقله ببساطة قد حاك له قصةً لم تحدث قط. يبقى لي أن أرشح لك فيلم Rashomon، ولا تثق فيما نقلته لك من أحداث القصَّة فلعل ذاكرتي قد خدعتني مجدَّدًا!

المصادر:
1.National Geographic
2. Wikipedia
3.The Conversation
4. Neurophilosophy
5.Scientific American

اكتشاف علاقة جديدة بين حاستي البصر واللمس !

اكتشاف علاقة جديدة بين حاستي البصر واللمس !

إذا ما قرأت العنوان فسيتبادر إلى ذهنك للوهلة الأولى التفسير المنطقي لتلك العبارة، بالطبع هناك علاقة بين الحاستين.
فإذا ما رأينا شيئًا خشن الملمس ساعد ذلك مخنا على فهم طبيعة سطح هذا الشئ وأنه خشن الملمس، ولكن هل كنت تعلم أنه من الممكن أن تتعارض هاتان الحاساتان ؟ هذا ما تكشفه لنا ورقة بحثية نشرت مؤخرًا في جامعة نيويورك تم فيها اكتشاف علاقة جديدة بين البصر واللمس.

ما هي الدراسة التي أجريت بجامعة نيويورك ؟


تقول «ماريسا كاراسكو- Marisa Carrasco»، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة نيويورك، أنه يمكن لحركات أعيننا متناهية الصغر أن تؤثر سلبًا على قدرتنا على تمييز ما نلمسه، وعلى النقيض، فإن تثبيط هذه الحركات متناهية الصغر من الممكن أن يقوي تلك القدرة ويحسنها.
أثناء الدراسة العلمية، سئل مجموعة من المتطوعين أن يميزوا بين نوعين من الاهتزازات، (“اهتزازات سريعة” (عالية التردد))، و (“اهتزازات بطيئة” (منخفضة التردد))، هذه الاهتزازات يمكنهم الشعور بها عن طريق جهاز يثبت في أصابعهم، ويحتوي هذا الجهاز على جزء يقوم بتنبيه المتطوعين قبل حدوث الاهتزازات بفترة قصيرة جدًا عن طريق الطرق على أصابعهم.
ثم قام الباحثون بتتبع حركات أعينهم متناهية الصغر فيما يعرف باسم micro-saccades، وتقوم العين البشرية بإحداث هذه الحركات- السريعة والصغيرة جدًا – إذا ما قمت بتثبيت عينك أو التحديق في نقطة معينة.
حيث طلب الباحثون من المتطوعين أن يقوموا بتثبيت أعينهم على نقطة معينة تظهر على شاشة حاسوب أمامهم، والهدف من ذلك هو أن تقوم العين بإحداث تلك الحركات بشكل تلقائي عند التحديق في النقاط المعروضة أمامهم.

ما الذي أعربت عنه النتائج ؟


أثناء إجراء الدراسة، لاحظ الباحثون أنه إذا ما طرق الجهاز على أصابع المتطوعين لتنبيههم بأنه ستكون هناك اهتزازة، فإنه أثناء الفترة القصيرة جدًا بين الطرقة التي يحدثها الجهاز وحدوث الاهتزازة، يقل معدل إحداث أعينهم لتلك الحركات متناهية الصغر بشكل ملحوظ، مما يدل على أنه تنشيطهم لحاسة اللمس قلل من نشاط العين عندهم، كما أن قدرتهم على تمييز تلك الإهتزازات (بطيئة أو سريعة) كان أفضل إذا ما ثبطت حركات أعينهم المعروفة بـ micro-saccades.

هل كان من الممكن أن تتوقع وجود مثل تلك العلاقة بين الحاستين ؟

المصادر

sciencedaily

eurekalert

انظر أيضًا

تاريخ الجاذبية

تاريخ الجاذبية

هناك أربعة قوانين فيزيائية أساسية تحكم الكون، الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية القوية. ومع أن الجاذبية هي الأكثر ضعفًا بينها، إلا أنها قد شكلت عالمنا، فمن دوران الكواكب في مداراتها في الفضاء، إلى ثبات أقدامنا على الأرض، يمكن أن نرى تأثيرها في كل مكان، وعلى مدار عدة قرون تغير مفهومها ليصبح على ما هو عليه اليوم. يعرض المقال بعض الخطوط الرئيسية في تاريخ تطور فهمنا للجاذبية.

العالم الإغريقي اليوناني

اعتقد الفيلسوف اليوناني أرسطو أنه لا وجود لتأثير أو حركة دون سبب، وأن العناصر الثقيلة تنجذب للأرض بفعل <<انجذاب داخلي-Inner Gravitas>> أو <<ثقالة-Heaviness>> تدفعها للتحرك باتجاه الأسفل دون تأثير قوة خارجية، إنما بتأثير طبيعتها الداخلية.

في القرن السادس، قام العالم البيزنطي الإسكندري << جون فيلوبنوس-John Philoponus>> بتقديم <<نظرية الزخم-Theory of Impetus>> التي تنص بأن الحركة المستمرة تعتمد على قوة مسببة تتقلص بفعل الزمن، والتي جاءت كتعديل لنظرية أرسطو حول أن استمرارية الحركة يتطلب تطبيق قوة ثابتة مستمرة.

ابن سينا

العالم الإسلامي

في القرن الحادي عشر اقام العالم الفارسي ابن سينا بنشر نظرية الزخم الخاصة به، والتي جاءت في كتاب الشفاء، وبعكس فيلوبنوس ، الذي اعتقد بأن القوة المؤثرة على الأجسام ستتناقص حتى في الفراغ، أظهرها ابن سينا على أنها مستمرة في الأصل، وتحتاج لقوة خارجية كمقاومة الهواء لتشتيتها. قام ابن سينا بالتمييز بين القوة والميل، وجادل في أن الجسم قد كسب ميلًا عندما يتحرك بعكس اتجاه حركته الطبيعية، واستنتج أن استمرارية الحركة معتمدة على الميل المنقول إلى الجسم، وأن الجسم سيبقى في حالة حركة حتى يفقد ميله.

في القرن نفسه، اقترح العالم الفارسي البيروني أن ثقل الأجسام ذات الثقالة لديها كتلة، ووزن، وجاذبية، كالأرض تمامًا. وقام بنقد أرسطو وابن سينا لعرضهما الأجسام ذات الثقالة كفاقدة لتلك الخصائص. في القرن الثاني عشر افترح العالم الخازيني أن الجاذبية هي جسم يتغير اعتمادُا على المسافة من مركز الكون (يقصد بها الأرض). 

وقدم أبوبكر الخازني تفسيراً لتسارع جاذبية الأجسام الساقطة. وافترض أنه يمكن تسريع سقوط الأجسام من خلال تراكم الزيادات المتتالية للقوة مع الزيادات المتتالية للسرعة، والتي تخالف نظرية أرسطو التي تنص بأن أن القوة الثابتة تنتج حركة موحدة-كان ذلك في القرن الثاني عشر-وفي ذات القرن اقترح العالم العربي ابن باجه أن كل قوة هي رد فعل لقوة ما، لكنه لم يحدد ضرورة تساوي تلك القوتين ولا اتجاههما (كما جاء في قانون نيوتن الثالث في ما بعد) [1].

جاليليو جاليلي

توضيح لتجربة جاليلي

<<كان جاليلو جاليلي-Galileo Galilei>> أول من تحدى نظرية أرسطو، وتعتبر تجربته الشهيرة التي أجرها من برج بيزا المائل، أولى التجارب العلمبة المضبوطة، واهتم جاليلو جاليلي بمعدلات سقوط الأجسام، واعتقد أنه بدون وجود مقاومة للهواء ستسقط بمعدل يتناسب وكثافتها، وهذا يخالف رأي أرسطو القائل بأن الأجسام الأثقل ستسقط بسرعة أكبر لأن طبيعتها ترجع للأرض، وقرر القيام بتجربة للتأكد من صحة ادعائه، ووجد بعدها أن الأجسام الأثقل تأخذ زمنًا أقل للوصول إلى الأرض، ولكن بفارق بسيط تسببه مقاومة الهواء، وبدون هذا الفارق ستسقط الأجسام بنفس السرعة تقريبًا. [2][3].

نيوتن

مستخدما اقتراح <<روبرت هوك- Robert Hooke >> الذي نص بوجود قوة جاذبية تعتمد على مقلوب مربع المسافة، نشر نيوتن “Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica” الذي جاء فيه <<قانون التربيع العكسي للجاذبية الكونية- Inverse Square Law of Universal Gravitation >>، والذي ينص على أن القوة المطبقة على الكواكب يجب أن تتناسب مع عكس مربع المسافة من المركزين لكل كوكبين. استخدم نتيوتن نظريته في حساب قوة الجاذبية، وذلك باستخدام القوة اللازمة لابقاء القمر في مداره من الأرض، ولكن الرقم الذي وصل إليه لم يكن دقيقًا، نظرًا لأن المسافة من سطح الأرض لمركزها لم يعرف بعد أنذاك.  

ادعى نيوتن بأن الجاذبية هي قوة كونية، وأن جاذبية الشمس هي ما يبقي الكواكب في المجموعة الشمسبة في مداراتها، واليوم، جميع الحسابات المتعلقة بمدارات الكواكب والأقمار الإصطناعية تتبع الخطوات رسمها نيوتن [4].

أينشتاين

أتى أينشتاين في النسبية الخاصة بأن جميع القوانين الفيزيائية هي نفسها لكل المراقبين غير المتسارعين، وأن سرعة الضوء في الفراغ هي نفسها بغض النظر عن سرعة المراقب، وكنتيجة لذلك، وجد أن الزمان والمكان متشابكين فيما يعرف بالزمكان، والأحداث التي تظهر في وقت معين لمراقب ما، يمكن أن تحدث في وقت مختلف لمراقب آخر، وذلك ما يدعى بـ<<نظرية الارتباط العامة-General Theory of Relativity>>. 

أثناء عمل أينشتاين على نظرية الإرتباط، لاحظ أن الأجسام الثقيلة تسبب تشوهًا في الزمكان، تخيل وضع جسم كبير في وسط ترامبولين، سيقوم الجسم بسحب غلاف الترامبولين المحيط به باتجاه الأسفل، وإذا كانت هناك أجسام أخرى صغيرة عليه، فستندفع باتجاه الجسم الكبير-بنفس الكيفية تجذب الكواكب الصخور في الفضاء [5]. 

نسيج الزمكان والأرض

بناءً على التجارب والملاحظات، فإن وصف آينشتاين للجاذبية يفسر العديد من التأثيرات التي لا يمكن تفسيرها بقانون نيوتن؛ كالإختلافات الدقيقة في مدارات عطارد والكواكب الأخرى. تتنبأ النسبية العامة أيضًا بتأثيرات جديدة للجاذبية، مثل <<موجات الجاذبية-Gravitational Waves>>، و<<عدسة الجاذبية-Gravitational Lensing>> وتأثير الجاذبية على الوقت المعروف باسم <<تمدد الزمن الثقالي-Gravitational Time Dilation>>. تم تأكيد العديد من هذه التنبؤات عن طريق التجربة أو الملاحظة، وكان آخرها موجات الجاذبية [6].

  • المصادر:

[1] History of Gravitational Theory

[2] GALILEO’S EXPERIMENT

[3] Was Galileo Wrong?

[4] Newton’s theory of “Universal Gravitation”

[5] Theory General Relativity

[6] Introduction to Genera Relativity

كيف قام الأخوان رايت بأول عملية طيران ناجحة في التاريخ؟

كيف قام الأخوان رايت بأول عملية طيران ناجحة في التاريخ؟

عندما تم سجن «ديدالوس-Daedalus» مع ابنه «Icarus-إيكاروس» في القلعة لإخفاء سر المتاهة الخاصة به، قام ديدالوس بصنع أجنحة من الريش والشمع ليتمكنا من الهرب، وقبيل الانطلاق، حذر الأب ابنه ألا يحلق عاليًا بها كي لاتذيب الشمس أجنحته فيسقط، ولكن بعدما انطلق رأى الحرية ونسي نصيحة والده وحلق عاليًا، فذابت أجنحته ووقع في البحر.

بالتفكير مليًا في هذه الأسطورة اليونانية، نجد أن اليونان جعلوا ديدالوس وابنه يهربان عن طريق بناء أجنحة، نعم، لقد كان الطيران أعجوبة عند القدماء وقوة خارقة بالنسبة لهم استخدموها في الأساطير، ذلك أن أعظم العقول في تلك الفترة أقرت بأن الأمر مستحيل فيزيائيا، إلى أن قام «الأخوان رايت-Wright brothers» ببناء أول نموذج ناجح لطائرة وتمكنا من إقلاعها باستخدام قوى آيروديناميكية.

ولكن، ماهي القوى الآيروديناميكية؟

تنحدر هذه الكلمة من أصل يوناني وتتألف من شقين، الأول «هو ἀήρ-ايرو» بمعنى هواء والثاني هو «δυναμική-دايناميك» بمعنى قوة وتهتم بشكل عام بدراسة حركة الهواء واحتكاكه مع المواد الصلبة، ويعد هذا العلم أحد فروع ميكانيك الموائع.

ولكن كيف تمكن الأخوان رايت من القيام بذلك؟ كيف استطاعا تسخير تلك القوة لصالحهما؟

اعتمد الأخوان رايت على فكرة أساسية وهي قانون نيوتن الأول، بحسب نيوتن، يظل الجسم الساكن ساكنا، والجسم المتحرك متحركا ما لم تؤثر عليه قوة خارجية، أي أنه لكي تحلق الطائرة في الهواء، يجب ان تتغلب هذه القوة الآيروديناميكية على وزن الطائرة الذي يقوم بسحبها للأسفل باتجاه مركز الأرض.

بشكل عام، تؤثر على الطائرة أثناء الحركة أربع قوى أساسية:

قوة الدفع الأمامي – Thrust:

تمثل قوة الدفع الخاصة بالمحركات، تكون جهة هذه القوة باتجاه حركة الجسم “غالبًا” وتوجد بشكل أساسي للتغلب على قوة الدفع الخلفي أو المقاومة.

قوة السحب الخلفي- Drag:

تنشأ هذه القوة بسبب مجموعة عوامل منها سرعة الطائرة، كثافة الهواء، شكل الجسم والزاوية التي يصنعها مع اتجاه الحركة، يتم التغلب على هذه القوة باستخدام قوة الدفع الأمامي.

وزن الطائرة – Weight:

يتناسب طردا مع كتلة الجسم، أي أنه كلما ازدادت الكتلة الخاصة بالجسم، ازدادت قوة الرفع المطلوبة للتغلب على الوزن.

قوة الرفع – Lift:

وهي محور دراستنا هذه، هناك العديد من التفسيرات لهذه القوة، منها ماهو صحيح ومنها ماهو مغلوط سنبدأ بمعلومات عامة عن هذه القوة.


تنشأ هذه القوة بسبب حركة الطائرة في الهواء وتتولد عند مراكز الضغط في الأجنحة التي تأخذ شكل ال «airfoil» “كما في الشكل الموضح بلأسفل” ذلك أنه عند حركة الجسم في الهواء، تستطيع جزيئات الهواء الانتقال بسهولة حول الجسم لضعف الارتباط بينها على عكس الأجسام الصلبة.

“مقطع عرضي بجناح الطائرة”، كيف قام الأخوان رايت بأول عملية طيران ناجحة في التاريخ؟


وبما أن الجزيئات تتحرك فهناك سرعة خاصة بهذه الجزيئات تختلف بين بعضها البعض وتؤثر بها على الجسم بقيم مختلفة، انطلاقا من هذه المعلومات، توجد فرضيتين لتفسير قوة الرفع.

تفسير الظاهرة حسب برنولي:


تتعلق فرضية برنولي بضغط الهواء على الجسم، حيث قام برنولي بربط سرعة الهواء بالضغط الخاص به، أي أنه عندما تتغير السرعة الخاصة بالهواء، تتغير قيمة الضغط عنده والعكس صحيح بالتالي عندما تتغير سرعة الهواء المحيطة بالجسم، تتغير قيم الضغط المحيطه به وبتجميع قيم الضغط التي تؤثر على الجسم ينتج لدينا قوة تكون المركبة العمودية فيها على اتجاه الحركة هي قوة الرفع، أما المركبة الأفقية فهي مضافة الى قوة السحب المقاوم للحركة.

حسب نيوتن


تقوم فرضية نيوتن على جمع قيم السرعة لجزيئات الهواء المحيطة التي تؤثر على الجسم، ينتج عن ذلك محصلة اتجاه حركة جزيئات الغاز الكلي، وبحسب قانون نيوتن الثالث، ينتج لدينا رد فعل يعاكس حركة الجزيئات، تكون المركبة العمودية على اتجاه الحركة في رد الفعل هي قوة الرفع أما المركبة الأفقية فتمثل قوة السحب المقاوم للحركة.

اذًا، ما هو التفسير الصحيح؟


كل من فرضية نيوتن وفرضية برنولي صحيحتان، ولكن اعتمد نيوتن على مبدأ انحفاظ كمية الحركة، بينما اعتمد برنولي على مبدأ انحفاظ الضغط. ويجب التنويه هنا الى أن فرضية نيوتن أو فرضية برنولي تشير الى المجتمعات التي تدعم هذه الفكرة وليس الأشخاص بحد ذاتهم، ذلك أن زمن برنولي ونيوتن سبق عصر الطيران بكثير.

بالخلاصة، لا يوجد إجماع كلي بين الفيزيائيين على الأسباب التي تؤدي لخلق قوة الرفع، حيث أنه على الرغم من استطاعتنا تصميم طائرات متكاملة واستمثالها للعمليات التجارية أو العسكرية، وقياس هذه القوى ضمن أنفاق هوائية بدقة عالية، إلا أنه لايوجد تفسير موحد كامل ودقيق لسبب نشوء هذه القوة

المصادر:

Scientific American, NASA

اقرأ أيضا من الأكاديمية:

الطباعة ثلاثية الأبعاد، نماءٌ وازدهار أم خراب ودمار؟

كيف توصل العلماء لمعرفة عمر الأرض؟

كيف توصل العلماء لمعرفة عمر الأرض؟

منذ ظهور الإنسان العاقل وهو يتساءل عن عمر هذا الكون الذي يعيش فيه، ويتمثل له الكون في تلك الأرض التي يمشي عليها ليلا نهاراً. شعر البشر بأن الأرض هي الكون وعبدتها بعض الحضارات القديمة، وما زالت ترمز إليها بعض أعلام الدول إلى يومنا هذا. يقدرعمر لأرض بحوالي 4.54 بليون سنة مع هامش خطأ 50 مليون سنة زيادةً أو نقصانًا، هذا الرقم هو نتيجة لبحث استمر لقرون، ابتكر خلاله العلماء الكثير من التقنيات،  فكيف حصلوا على هذه النتيجة؟ وما هي المراحل والمعوقات التي واجهتهم حتى الوصول إليها؟ يعرض هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة.

  • تكهنات حول عمر الأرض

منذ بدء الحضارة تساءل البشر عن  بداية نشأة الكوكب، وحاولوا العثور على إجابة؛ فاعتقد الفيلسوف اليوناني أرسطو أن الزمن لا بداية له ولا نهاية، وبالتالي عمر الأرض لانهائي! [1]، وآمن الشاعر الروماني <<لوكريتيوسLucretius->> أن تشكل الأرض كان حديثًا نسبيًّا، مستشهدًا بأنه لا يوجد توثيق من قبل حرب طروادة، أمّا حاخامات اليهود التلموديون، و<<مارتن لوثر- Martin Luther>> وآخرون، رجعوا للكتابات التوراتية لاستنباط ذلك، وقد خرجوا بتقديرات متشابهة، أشهرها كان سنة 1654 عندما عرض رئيس الأساقفة الإيرلندي <<جيمس أوشر  << James Ussher-تاريخ 4004 ق.م كسنة نشأة الأرض [2].

  • كيف بدأت دراسة الموضوع علميًّا؟

في السنين الأربعمائة الماضية أتى العلماء بعدة محاولات لتقدير عمر الأرض؛ حيث حاولوا القيام بذلك عن طريق قياس مستوى سطح البحر، ولكن أثبتت الطريقة فشلها وذلك لأن ارتفاعه وانخفاضه هو عملية دائمة التغير، وليس لها علاقة بالزمن [3]، كذلك قام عدد من العلماء باستخدام قراءات منسوب الملح في المحيط للوصول لتقدير لعمر الأرض، وذلك بافتراض أن عملية تبخر وتكثف الماء تحدثان في بيئة مغلقة، فإنه عند سقوط المطر على البر، ينجرف جزء من المياه الساقطة من البر إلى البحر، جارفةً معها المعادن والتربة المحتوية على الأملاح، وعند تبخر المياه من المحيط فإن تلك الأملاح تُخلف ورائها، وقد أُعتُقد أنه بتكرار العملية فإن نسبة الأملاح في المحيط ستزداد مع مرور الزمن، ولكن هذا الافتراض أثبت خطأه، ذلك لأنه يعتبر أن نسبة الأملاح بالمحيط كانت معدومة في البداية -وذلك أمر لا يمكن التحقق منه- إضافةً لأنه يعامل المحيط وكأنه مخزن للأملاح، وأن الأملاح التي تنجرف للمحيط تبقى هناك للأبد، وهذا في واقع الأمر مخالف للحقيقة، حيث أن الأملاح يُعاد تدويرها وتخرج من المياه، ثم تعود إليها، وهكذا؛ فبتشكيل الصفائح التكتونية (Tectonic plates ) لأرضنا فإن قاع البحر قد ارتفع وتبخرت المياه من عليه فتحول ليابسة، وقد ترسبت عليها الأملاح التي كانت المياه تحتويها، وكذلك فإن صفائح المحيط تندمج وتذوب في الأرض، مما يسبب في اندلاع البراكين ونفثها للأملاح على خارج المياه [4].

  •  جورج لويس لوكير وتجربة الكرات الحديدية
لورد كلفن

 في محاولة أخرى لحساب عمر الأرض، قام عالم الطبيعية الفرنسي <<جورج لويس لوكلير-Georges Louis Leclerc >> بتجربة أتى فيها بدزينتين من الكرات الحديدية الصلبة مختلفة الأحجام، وقام بتسخينها حتى أحمر لونها، ثم حسب الزمن الذي استغرقته كل واحدة منها لكي تبرد، ومن ذلك خرج بعلاقة تربط ما بين الحجم والزمن، واستخدمها للحصول على عمر الأرض، على افتراض أن حالة الأرض البدائية كانت كتلك الكرات، كانت الإجابة التي حصل عليها 74,832 سنة وهي بعيدة جدًّا عن القيمة التي نعرفها اليوم [5]، وفي عام 1862 أجرى <<لورد كلفن- Lord Kelvin>> حسابات قام بواسطتها بتحديد عمر الأرض ما بين 20 إلى 400 مليون سنة، وكان قد أجرى تجربة افترض فيها تشكّل الأرض من جسم منصهر تمامًا، ثم حسب الزمن الذي قضته الأرض باستخدام التدرج الحراري (Thermal guidance)، كانت النتيجة التي توصل إليها خاطئة لأنه لم يأخذ في الاعتبار النشاط الراديوي (Radioactivity) والذي كان مفهومًا غير معروفٍ حينها، وأيضًا الحمل الحراري Convection)) [6].

  •  ظاهرة الاضمحلال الإشعاعي

في بدايات القرن العشرين قام العالمان <<إيرنست رذرفود- Ernest Rutherford>> و<<فريدرك سودي- Frederick Soddy>> بدراسة النشاط الإشعاعي الراجع للتحول التلقائي للعناصر الذرية. في ظاهرة الاضمحلال الإشعاعي (Radioactive decay) يتحول العنصر المشع إلى عنصر آخر أخف، مطلقًا خلال ذلك أشعة جاما أو ألفا أو بيتا،  واكتشف العالمان أن النظائر المشعة تضمحل (تتحلل) إلى عنصر آخر بمعدل معين، هذا المعدل يُعطى بدلالة نصف الزمن (Half time) وهي مقدار الزمن الذي تستغرقه نصف كتلة المادة المشعة للتحول إلى ناتج الاضمحلال (Decay product)، المنتجات النهائية القياسية للعناصر المشعة هي الأرجون بعد تحلل بوتاسيوم -40 ، والرصاص من تحلل اليورانيوم والثوريوم، وإذا ذابت الصخور-كما يحدث في طبقة الوشاح (Mantel)-فإن هذه العناصر غير المشعة تفقد أو يعاد توزيعها، وبالتالي فإن عمر أقدم صخرة على الأرض سيعطي أقل تقدير لعمرها، رذرفود كان أول من اقترح إمكانية استخدام ذلك في الحصول على عمر الصخور المحتوية على مواد مشعة.

   إنّ استخدام العينات المتواجدة على الأرض لتقدير عمرها لا يعطي نتائج مقاربة للواقع؛ فبسبب ظاهرة الصفائح التكتونية فإن قشرة الأرض قد أعيد تشكيلها، فصهرت الصخور الأولى وتحولت لنتوءات جديدة [3]، كذلك واجه العلماء مشكلة أخرى تدعى عدم التوافق العظيم (Great Unconformity) والتي تتمثل في وجود طبقات رسوبية مفقودة، فمثلًا في الغراند كانيون (Grand Canyon) هناك حوالي 1.2 بليون سنة من سجل الصخور مفقود [7].

  •  التوصل إلى الرقم الذي لدينا

في خمسينات القرن الماضي قام العالم الجيوكيميائي <<كلير سي باترسون- Clair C. Patterso>> بدراسة التركيب النظائري للرصاص لنيزك كانيون ديابلو (Canyon Diablo)، وعدة قطع من الأحجار الفضائية، والذي كان يعقد أنها تشكلت من نفس المادة التي كونت الصفائح الأرضية، وكان تقدير باترسون لعمر الأرض هو 4.5 بليون سنة [1].

   للحصول على معلومات أكثر حول بدء نشوء الأرض وتاريخها، اتجه العلماء للبحث في الفضاء. أقرب الأجسام للأرض هو القمر، ولأن سطحه لا يتعرض للتجدد-كما هو الحال في الأرض-فإنه يمكن أن يدلنا على تاريخ نشوئه، العينات التي جلبت بعد رحلة أبولو (Apollo) ولونا (Luna) أخبرتنا بأن عمر القمر يتراوح بين 4.4 و4.5 بليون عام، ساعدت معرفة ذلك تحديد مدى لعمر الأرض، مع ذلك فإن كيفية نشوء القمر ماتزال في موضع الشك، فالنظرية السائدة تقول بأن جسم بحجم المريخ قد اصطدم بالأرض وتضائل تدريجيًّا وصولًا لحجمه الحالي، وبعض النظريات الأخرى تدعي بأن القمر قد شُكّل قبل الأرض.

   باستخدام المعلومات المتحصل عليها من الأرض ومن الفضاء استطاع العلماء وضع قيمة تقريبية لعمرها وهي 4.54 بليون عام، وللمقارنة، فإن عمر مجرة درب التبانة، والتي تحتوي نظامنا الشمسي، هو حوالي 13.2 بليون عام، أما بالنسبة لعمر الكون فهو يساوي تقريبًا 13.8 بليون عام [3].

   رغم وصولنا للنتيجة، فلازالت عدة أسئلة حول تاريخ الأرض والنظام الشمسي تنتظر الإجابة، ولايزال العلماء يفحصون المواد من على الأرض وخارجها للعثور عليها.

المصادر:

[1]  how stuff works 

[2] scientific american

[3] Space

[4] usd.edu  

[5]  real clear science

[6] Kalai, Gil. “Answer: Lord Kelvin, The Age of the Earth, and the Age of the Sun.” Combinatorics and more

[7] azgs.arizona.edu

[8] Tulane University

[9] Age of the Earth

من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟

من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟ ما بين صرخة مارتن لوثر كينج الإبن: “عندي حلم :I have a dream”، وصرخة جورج فلويد تحت أقدام الشرطي الأمريكي في 25 مايو 2020: “لا أستطيع التنفّس :I can’t breath” أكثر من نصف قرن، تخللتها أحداث كبرى، اعتقد البعض فيها أن العنصرية قد انتهت بالكامل، لتوقظ صرخات جورج أمريكا على كابوس مُفزع حاول السياسيون الأمريكيون واحدًا تلو الآخر حجبه عن الشعب الأمريكي بشتى الطرق. الواقع الأمريكي يقول أن المساواة قد أصبحت كاملة بين البيض والسود، إذ وصل باراك أوباما الأمريكي من أصول أفريقية للحكم في 2009 ليصبح الرئيس رقم 44 للبلاد وقضى فترتين رئاسيتين حتى 2017، فكيف وصلنا إلى جورج فلويد؟ أو كما يُعنون مقالنا، من جورج فلويد إلى الدمى السوداء، هل تحققت المساواة حقًا في أمريكا؟ دعونا نضع الأمور في نصابها أولاً، ونفهم سبب الانتفاضة الحالية.

خطبة مارتن لوثر كينج جونيور i have a dream

لماذا انتفض الأمريكيين من أصل أفريقي الآن تحديدا؟

بجانب حادث فلويد، هناك عوامل اقتصادية أيضًا، فالكورونا تلقي بظلالها على الأحداث. فقد ملايين الأمريكيين وظائفهم، إذ وصل معدّل البطالة في أبريل 2020 حوالي 14.7% وبالطبع كان للأمريكيين من أصول أفريقية نصيب أكبر من غيرهم، فهم يعانون من التمييز بسبب العرق في الوظائف، فبالرغم من أن السود يمثلون 1 إلى 8 من السكان، إلا أنهم يمثلون رُبع الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية. فمن لا يملك مدخرات كافية تساعده بعد فقدان وظيفته سيعاني بشده حتى يحصل على وظيفة جديدة لقلة المعروض، وهو ما يمثل ضغطًا شديدًا على الكثير من الأسر الأمريكية من أصل أفريقي أكثر من غيرها، لكن هل هو الجانب الاقتصادي وحده أم أن هناك جوانب أخرى تحتاج لتسليط الضوء عليها؟ هل المشكلة في القوانين؟ أم في التركيبة السكانية؟ أم هو اليمين الأمريكي المحافظ؟ أم هي التركيبة النفسية للجماهير؟

التعليم

قد تتعدد المشكلات والأسباب وراء حادث جورج فلويد، لكن دعنا نضع أصابعنا في هذا المقال على جانب قد يغيب على الكثيرين، ألا وهو التعليم. وللتعليم في أمريكا أصول عنصرية قديمة وغريبة، وكما قال الرئيس الأمريكي جونسون في أحد مقولاته:

“التعليم ليس المشكلة، لكنه الفرصة”

إذن كيف أضاعت أمريكا تلك الفرصة؟

الفرصة التي أتاحتها الدمى السوداء

ليندا براون وطفليها

دائمًا ما نجد الدمى في محلات الألعاب أو بين أيدي الأطفال، ولكن دخلت بعض الدمى إلى واحدة من أكبر قاعات المحاكم احترامًا في الولايات المتحدة، وذلك في قضية تُعرف باسم “براون ضد مجلس التعليم” أو “Brown v. board of education”، القضية التاريخية لعام 1954 التي ألغت في نهاية المطاف الفصل العنصري تحت شعار “منفصل لكن متساوي” في الولايات المتحدة، سمع قضاة المحكمة العليا الحجج والمرافعات الشفوية وبحثوا في ملفات القضايا، لكن لم يمنعهم كل ما سبق من أن يعتبروا دمى لطفلين، أحدهما بيضاء والأخرى سوداء – أسلحة غير متوقعة في معركة مكافحة التمييز العنصري. كانت الدمى جزءًا من مجموعة من التجارب النفسية الرائدة التي قام بها الثنائي مامي وكينيث كلارك، وهما فريق يتكون من زوج وزوجة من علماء النفس الأمريكيين الأفارقة الذين كرّسوا عمل حياتهم لمكافحة التمييز العنصري ضد الأطفال وعلاجهم من آثاره.

سبب تسمية القضية يعود لفتاة تُدعى ليندا براون والتي قرر والدها أوليفر براون أن يقدّم لها في مدرسة صيفية للبيض فقط في توبيكا وهو ما قوبل بالرفض، مما دعاه لرفع القضية.

التجربة

أظهرت غالبية الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي تفضيلهم للدمى البيضاء بدلاً من الدمى السوداء خلال “اختبار الدمى”، وهو ما اعتبره كلاركس نتيجة للتأثيرات الضارة للفصل العنصري. ساعد عمل آل كلاركس وشهادتهما في القضية -التي أصبحت معروفة تاريخيًا باسم “قضية براون ضد مجلس التعليم”- قضاة المحكمة العليا بل والعالم كله على فهم بعض الآثار الباقية للفصل العنصري على الأطفال المتضررين. بالنسبة لكلاركس، أظهرت النتائج آثار مُدمّرة للحياة في مجتمع رافض للأمريكيين من أصل أفريقي. كانت تجربتهم، التي تضمنت دمى ذات بشرة بيضاء وأخرى سوداء، بسيطة بشكل مخادع ولم يتوقعه أحد.

د.دينيث كلارك يتابع أحد الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي وهو يختار في تجربة الدمي

كان على كلاركس دهن دمية بيضاء باللون البني من أجل الاختبارات، إذ لم تُصنع الدمى الأمريكية الأفريقية في ذلك الوقت بعد، ثم طُلب من الأطفال تحديد الدمى الأفضل بعدد من الأسئلة مثل: تلك التي يرغبون في اللعب بها، أو تلك التي تبدو “بيضاء”، أو “ملونة”، أو “زنجية”، أو “جيدة” أو “سيئة”. أخيرًا، طُلب منهم تحديد الدمية التي تشبههم تمامًا.

جميع الأطفال المُختبرين كانوا من السود بالطبع، وجميعهم باستثناء مجموعة واحدة التحقوا بمدارس منفصلة أي مدارس للسود فقط وفقا لقوانين عُرفت باسم قوانين جيم كرو للفصل العنصري، وتحديدًا قرار المحكمة المعروف باسم “براون الثاني”. فَضّل معظم الأطفال الدمية البيضاء عن الدمية الأفريقية. كان بعض الأطفال يبكون ويهربون من الغرفة عندما يُطلب منهم تحديد الدمية التي تشبههم، وهذه النتائج أزعجت الزوجين كلاركس لدرجة أنهم أخّروا نشر استنتاجاتهم.

هل كان قرار براون الثاني ضد الفصل العنصري أم معه؟

كان قرار براون الثاني مُصاغا للقضاء على التمييز العنصري وإلزام المقاطعات بمنح فرص تعليمية متساوية لمواطنيها دون تمييز عرقي، لكن بسبب ديباجة النص الفضفاضة ” … بأقصى سرعة ممكنة” والتي استخدمها بعض المتعصبين من أجل وقف تنفيذ القرار لسنوات والإضرار بالمواطنين الأمريكيين من أصل أفريقي.

كان لدى الزوجة مامي كلارك صلات مع النضال القانوني المتنامي لمكافحة الفصل العنصري، فقد عملت في مكتب أحد المحامين الذين ساعدوا في إرساء أسس قضية “براون ضد مجلس التعليم”. وعندما علمت (الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين أو الأفارقة الأمريكيين) NAACP بعمل آل كلاركس، طلبوا منهم المشاركة في قضية ستُدرج لاحقًا في الدعوى الجماعية المرفوعة حينها إلى المحكمة العليا. لذا توجه الزوج كينيث كلارك إلى مقاطعة كلارندون بولاية كارولينا الجنوبية لتكرار تجربته مع الأطفال السود هناك. وذكر في وقت لاحق أنها كانت تجربة مرعبة، خاصة عندما تعرّض مضيفه NAACP للتهديد في حضوره. وقال د.كينيث كلارك عن تلك التجارب: “كان علينا أن نختبر هؤلاء الأطفال”. “لقد رأى هؤلاء الأطفال أنفسهم أقل شأنًا وقبلوا الدونية كجزء من الواقع”.

لم يكن إجراء تجربة الدمى بالمحكمة أمر سهل

كان ثورغود مارشال حريصًا على استخدام تجربة آل كلاركس في أكبر قضية جماعية وهي “براون ضد مجلس التعليم”، ولكن لم يقتنع الجميع. وكتبت المؤرخة مارثا مينو ما قاله المحامي الحقوقي سبوتسوود روبنسون وهو ممثل NAACP: “من الجنون والإهانة إقناع محكمة بدمى سخيفة”. لكن المحكمة لم توافقه الرأي. شهد كينيث كلارك في ثلاث من المحاكمات وساعد في كتابة ملخص لجميع استشهادات العلوم الاجتماعية للمحاكمات الخمس التي استُخدمت في قضية المحكمة العليا. وأخبر القضاة والمحلفين أن تفضيل الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي للدمى البيضاء يمثّل ضررًا نفسيًا عززه الفصل العنصري. وقال أمام هيئة المحلفين في قضية بريجز (إحدى القضايا المتفرعة من القضية الرئيسية “براون ضد مجلس التعليم”، “أرى أن التأثير الأساسي للفصل هو ارتباك وتضارب المفاهيم لدى الأفراد عن أنفسهم وصورهم الذاتية”. وآمن بأن الشعور بالنقص الناجم عن الفصل كان له عواقب حقيقية مدى الحياة – عواقب بدأت قبل أن يتمكن الأطفال من معرفة أي شيء حول العِرق. كان عمل وشهادة آل كلاركس جزءًا من قضية أوسع نطاقا جمعت خمس حالات وغطت تقريبًا كل جانب من جوانب الفصل العنصري المدرسي – بالرغم من ذلك، يعتقد بعض المؤرخين بأن اختبارات الدمى لعبت دورًا ضئيلًا نسبيًا في قرار المحكمة. لكن أصداء نتائج تجربة الدمى تكمن في الرأي الجمعي لقضاة المحكمة العليا.

قرار تاريخي

كتب رئيس المحكمة ايرل وارن في حكمه التاريخي: “فصل الأطفال السود من نفس العمر والمؤهلات عن الآخرين فقط بسبب العرق، يولّد شعورًا بالدونية فيما يتعلق بوضعهم في المُجتمع، وهو ما قد يؤثر على قلوبهم وعقولهم بطريقة يمكن أن تصبح غير قابلة للمحو”. ساعد عمل كلاركس في القضاء على الفصل العنصري في الولايات المتحدة. اليوم، تُعرض إحدى الدمى السوداء في موقع براون التاريخي ضد مجلس التعليم في كانساس. لكن تبقى التحيزات العنصرية التي وثقها الزوجان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين موجودة.

فرصة مُهدرة!

في عام 2010 ، نفّذت الـ CNN نسخة حديثة من الدراسة باستخدام صور كرتونية للأطفال وشريط ألوان أظهر مجموعة من درجات لون البشرة – ووجدت نتائج مشابهة بشكل مذهل للنتائج التي أظهرتها تجربة كلاركس. في الاختبار الجديد، اختبرت باحثة تنمية الطفل مارجريت بيل سبنسر 133 طفلاً من مدارس تحوى مزيج عرقي وشرائح دخل مختلفين. نظرت الدراسة هذه المرة إلى الأطفال البيض أيضًا. وعلى الرغم مما بدا أن الأطفال السود لديهم وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه الدمى السوداء، إلا أن الأطفال البيض حافظوا على انحياز شديد تجاه الصور البيضاء. تقول سبنسر للسي إن إن: “ما زلنا نعيش في مجتمع يقلل من قيمة السود ويرفع من قيمة البيض” . قد لا تكون قوانين جيم كرو العنصرية موجودة في نصوص القانون ومحاكم الولايات المتحدة اليوم، ولكن التحيز العرقي ما زال موجودًا ونرى آثاره ممتدة عبر الأجيال. أهدرت الولايات المتحدة نصف قرن منذ تلك التجربة لمعرفة أهمية القضاء على التمييز العنصري للمجتمع الأمريكي ومستقبله.

عنصرية الألفية الثالثة

تغيّرت بالطبع ثقافة الإنكار لدى الأمريكّيين العاديّين بشكلٍ كبير، وهو ما أثبتته دراسات استقصائيّة على مدى عقود عديدة ماضية، تُخبرنا بأنّ هناك قطّاعات كبيرة من الأمريكيّبن تعترف بتبنّي وجهات نظرٍ تمييزيّة حتّى في أمريكا الحديثة، فعلى سبيل المثال، واحد من كل عشرة أمريكييّن أقرّ بتحيزه ضد الأمريكيين من الأصول المختلفة. كما وجد استطلاع الإيكونومست عام 2018 أنّ 17٪ من الأمريكيين يعارضون الزواج بين عرقين مختلفين، و19٪ يعارضون الزواج من المجموعات العرقية “الأخرى”، و 18٪ يعارضون الزواج من السود، و17٪ يرفضون الزواج من البيض، و15٪ يرفضون الزواج من اللاتينيين. بل ويعتقد البعض أن قوانين المجمّع الانتخابي والمسؤولة عن انتخاب الرئيس الأمريكي هي بذاتها قوانين عنصرية، فهي تمنح بعض الولايات رغم عدد السكان الكبير وزن أقل في انتخاب الرئيس بالطريقة غير المباشرة بسبب نشأتها القديمة العنصرية. كما أن فرص العائلة الأمريكية من أصول أفريقية للمعاناة من الفقر هي ضعف فرص العائلات الأمريكية البيضاء أو الأمريكيين الأسيويين، وهو ما ينعكس بالطبع على الفرص التعليمية المتاحة لهم. تلك النتائج إن تدل، فهي تدل على عنصرية متجذّرة تحتاج لمواجهة مستمرة وإجراءات أقوى للقضاء عليها، قد تتباطأ فيها الولايات المتحدة وتحتاج لمحررين جدد للقيام بهذا الدور.

لا نعتقد بأن الأمر يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يحتاج الأمر لسرد في مقال آخر، فما رأيك عزيزي القارئ؟ إذا أجريت تجربة الدمى على أطفالك في بلدك أينما كنت، فأيهما سيختار، الدمية البيضاء أم السوداء؟

ما هي قصة كرسي الإعدام الكهربائي ؟

تاريخ كرسي الإعدام الكهربائي

في آواخر القرن التاسع عشر، اُخترع كرسي الإعدام الكهربائي على يد موظفي شركة العالم الشهير توماس ألفا إديسون في مدينة ويست أورنج الأمريكية. اعتبر كاتبي السيرة الذاتية  لتوماس أديسون هذا الاختراع وصمة عارٍ في تاريخه حتى أن كثيرًا منهم ينأون عن تدوين هذا الإختراع في فهارس كتبهم.  كان توماس إديسون  يطمح إلى إلغاء عقوبة الإعدام تمامًا في الولايات المتحدة ، لكن في الوقت ذاته كان يعتقد أن الصعق بالكهرباء سيكون أسرع وأقل إيلامًا من الشنق و وافقه الرأي حكام مدينة نيويورك آنذاك. وفي سنة 1889، وجّه القضاء الأميركي تهمة القتل العمد إلى المتهم «ويليام كيملرWilliam Kemmler»، فخلال تلك الفترة أقدم كيملر على قتل زوجته حيث هشّم جسدها باستخدام فأس عندما كان تحت تأثير الكحول وعند بزوغ فجر السادس من شهر أغسطس سنة 1889 سِيق كيملر من زنزانته إلى غرفة الإعدام حيث كان بانتظاره كرسي مصنوع من خشب البلوط مزودْ بجهاز صعق كهربي ونطق بكلماته الأخيرة ” أيها السادة ، أتمنى لكم التوفيق جميعًا أعتقد أنني ذاهب إلى مكان جيد. افترى عليّ الصحفيون كثيرًا وهذا كل ما لدي لأقوله.” ثم رُبط رأسُ كيملر بأقطاب كهربائية وصُعق بحوالي 1000 فولت  لمدة سبعة عشر ثانية حتى قرر طبيبان أن كيملر قد فارق الحياة  وتم إيقاف التيار الكهربي. وفجاءةً صرخ أحدهم، “يا إلهي ، إنه لايزال حيًا!” فقد كان كيملر يتنفس وقلبه ينبض. وقام السّجان مرة أخرى بتشغيل جهاز الصعق ورفع جهد الجهاز إلى 2000 فولت وبعد أربع دقائق توفى كيملر واستغرق جسده عدة ساعات ليبرد. ووصفته الصحف بأنه “البائس الفقير”. كانت هذه القصة المأسوية لأول تجربة إعدام بالكرسي الكهربي ولكن ماهي ملابسات اختراع هذا الجهاز وكيف يعمل؟

حرب التيارات

يُطلق مصطلح «حرب التياراتthe current war» على الصراع الذي نشأ بين عالمي الكهرباء الشهيرين نيكولا تسلا وتوماس إديسون. ففي عام 1882  أنشأ توماس إديسون أول محطة لتوليد الكهرباء في العالم في مدينة نيويورك ليضيء منطقة منهاتن بتياره المستمر، ولكن كانت هناك مشكلة  تكمن في طبيعة التيار المستمر حيث لا يمكن رفعه أو خفضه باستخدام المحولات وبالتالي نقله إلى أماكن بعيدة خلافًا للتيار المتردد الذي اكتشفه  نيكولا تسلا وهذا أدى إلى التأثير على صناعات إديسون واستثماراته. يذكر بعض المؤرخين أن توماس إديسون أيّد فكرة استخدام التيار المتردد في عملية الإعدام، وذلك حتى يُثبت للناس خطورة التيار المتردد وبالتالي يعزفون عن اقتناء الأجهزة التي تعمل بالتيار المتردد.

كيفية عمل كرسي الإعدام الكهربائي

في البداية يُشدّ وثاق الشخص المحكوم عليه بالإعدام على الكرسي باستخدام أدوات ربط حتى لا يتحرك أثناء صعقه. ثم تُغطى عينيه وذلك حسب طلبه أو لا. وبعد ذلك يوضع أحد الأقطاب الكهربائية لجهاز الصعق على رأسه بينما يوضع القطب الآخر في المناطق السفلية للمحكوم عليه بالإعدام وعادةً على رجله. وبذلك يتوفر مسار مناسب للتيار الكهربي من أعلى رأسه حتى أخمص قدمه و يتم التحكم بكمية التيار الكهربائي بواسطة شخص مدرب على ذلك وأيضًا يتحكم بتشغيل أو إيقاف جهاز الصعق. ولكن بعض عمليات الإعدام لم تسر حسب المخطط لها ففي عام 1982 ظل جسد «فرانك كابولاFrank J. Coppola» يشتعل نارًا لما يُقارب 55 ثانيةً وأثناء إعدامه سمع الشهود أصوات أزيز لحمه وهو يُقلى عندما اشتعلت النيران في رأس كابولا وساقيه، وامتلأت غرفة الإعدام بسرعة بالدخان وأصبح من الصعب للغاية مشاهدة كوبولا وهو يتلوى ألمًا بمهشدٍ يشبه مشاهد التعذيب في العصور الوسطى. الجدير بالذكر أن عقوبة الإعدام بالكرسي الكهربائي لازلت قائمة في بعض ولايات أمريكا كولاية تينيسي وفيرجينيا وألاباما وأركنساس.

المصادر

historytoday

washingtonpost

nationalgeographic

energy.gov

trustedinformer

historycollection

deathpenaltyinfo.org

The Infographics Show

بين العلم والتاريخ..لماذا تعد الأبراج خرافة؟

لطالما ألهمت سماء الليل الإنسان ودفعته إلى التفكر وطرح الأسئلة. فراح يتحرى عن أجرامها ويدرس خصائصها وحركاتها تارة، ممارسًا ما نسميه اليوم علم الفلك (astronomy)، ومحاولًا استخدام تلك الخصائص في تكهن أحداث حياته الشخصية ومعرفة صفاته تارة أخرى، وهذا ما يعرف بالتنجيم (astrology)، وهو علم زائف لأسباب سنبينها في هذا المقال.

في علم الفلك، تسمى مجموعة النجوم ذات الشكل المعين، الكوكبة، وقد حاولت الشعوب منذ القدم إعطاء معنى لأشكال هذه المجموعات، فعندما لاحظ قدماء المصريين أن النجوم موزعة توزيعًا غير متساو، وأنها مجموعات ذوات أشكال معينة، توهموا في إحدى أقدم أساطيرهم أن الآلهة (نوت) تحيط بالسماء وتحمل جسمها على يديها وقدميها، ولتسهيل الوصول إلى مجموعات النجوم التي عرفوها، قسموا منطقة واسعة على طول خط الاستواء إلى ستة وثلاثين قسمًا، يحوي كل منها ما يمكن رصده من النجوم والمجموعات الساطعة كل عشرة أيام، وسموا كل منها (الديكان).

لكن ما يهمنا هو أن قدماء الفلكيين من البابليين، ومن بعدهم الرومان والأغريق، اختاروا اثنتي عشرة مجموعة (كوكبة) من النجوم وأطلقوا عليها أسماء من وحي ثقافاتهم. ولم تكن تلك المجموعات إلا الكوكبات التي تظهر الشمس وسط كل منها في رحلتها خلال السنة الشمسية المكونة من اثني عشر شهرًا (الأرض في الواقع هي من يدور حول الشمس لذا تبدو لنا الشمس تتنقل شهريًا بين المجموعات)، وسميت هذه المجموعات الاثنتي عشرة بالأبراج. ولعل الإسم قد أتى من علو ارتفاعها في السماء.
ومن هنا رسمت دائرة افتراضية تضم هذه المجموعات، تسمى دائرة البروج (zodiac)، ويفترض أن هذه الدائرة تحيط بالدائرة الافتراضية الأخرى التي ترسمها الأرض بالدوران حول الشمس، والتي تنقسم بدورها إلى اثني عشر شهرًا يقابل كل شهر منها برجًا من دائرة البروج.

دائرة البروج تحيط بمدار الأرض.

وبذلك وحسب هذا الاعتقاد، فإننا حين ننظر إلى موضع الشمس في شهر ما، نجدها مستقرة في الكوكبة المقابلة لذلك الشهر. ومن هنا جاء الاعتقاد الآخر القائل إن ولادة مولود في شهر معين، تجعل مجموعة النجوم المقابلة لشهر ولادته (برجه) تؤثر في مجريات حياة هذا الطفل وصفاته.

ولكن هذا غير صحيح لأسباب عدة، نذكر منها:

  • قبل أن نضع ادعاء ارتباط الأبراج في حياة البشر تحت التجربة، دعنا نتساءل، هل تقابل الأبراج الاثنتا عشرة الأشهر التي يفترض لها أن تقابلها؟

الإجابة إنها لم تعد كذلك.

إن أماكن الأبراج حسبما نراها اليوم لم تعد حيث كانت قبل ٢٥٠٠ عام، فبفضل ظاهرة تدعى المبادرة المحورية، وهي تغير زاوية المحور الذي تدور به الأرض حول نفسها عبر الزمن (أنظر الصورة في الأسفل)، قد تحركت نقطة تقاطع دائرة البروج مع خط الاستواء السماوي (وهو امتداد فلكي لخط الاستواء الأرضي ليشكل دائرة واسعة حول الأرض في الفضاء) بمقدار ٣٦ درجة، أي عُشر دورة كاملة. ما يعني أن الأبراج قد انتقل موضعها بنحو شهر كامل،فمن كان برجه حسبماوضعت الأبراج قديمًا برج الثور، فإن برجه الآن ما هو إلا الحمل، وهذا يتطلب تغيير ترتيب الأبراج بالكامل، ويغير من الأساس الذي وضعت عليه الأبراج وهو ارتباط الولادة في شهر ما بصفة معينة تخص كوكبة محددة، ولهذا السبب انتشرت أقاويل عام ٢٠١٩ قبل شهور من كتابة هذا المقال عن توزيع جديد للأبراج. لم تكن هذه إلا محاولة لموائمة الأبراج مع علم الفلك وإضفاء الطابع العلمي عليها.

دوران الأرض حول نفسها بزاوية ٢٣.٥ درجة
  • الحقيقة الثانية هي أن عدد المجموعات النجمية التي تمر خلاها الشمس ليس في واقع الأمر اثنا عشر، بل ثمة مجموعة ثالثة عشر تدعى (الحواء)، يتجاهلها المنجمون لأن باعتبار عدد المجموعات ١٣ لن يعود عدد الأبراج يناسب عدد الشهور الشمسية.
  • أما التجارب العلمية حول ارتباط موعد ولادة الإنسان بصفاته وشؤون حياته ليست في صف قراءة الطالع كذلك، ذلك أن الدراسات التي قارنت بين مجموعات الأشخاص ممن ولدوا في مواعيد متشابهة لم تظهر أية ارتباط بين صفاتهم بعد المقارنة على المدى البعيد، ولا حتى التوائم منهم. ومن أشهر التجارب المجراة عن علاقة الأبراج بالصفات الشخصية تجربة العالم (شون كارلسون) سنة ٢٠٠٨ المنشورة في مجلة (nature)، التي حددت بدقة مواعيد ولادة ١٠٠ شخص اختيروا للتجربة، وأشكال النجوم في أوقات ولادتهم، وقارنتها بنبؤات التنجيم عن شخصياتهم. والتجربة المنشورة في مجلة personality and individual differences عام ٢٠٠٦، وكلتاهما لم تخرج بأي ارتباط بين الصفات ومواعيد الولادة.

ولكن، لماذا أجد توقعات المنجمين صادقة فيما يخص حياتي؟

يلجأ المنجمون عادة إلى توقعات فضفاضة يمكن تطببقها بشكل ما على غالبية الناس، ويتجنبون ذكر التفاصيل أو ما يزيد من قابلية النبؤة للتكذيب. ويساعدهم في إقناعنا على تقبل هذا عوامل نفسية عند الإنسان تجعله يميل إلى إسقاط قول المنجمين على نفسه، رغم أن الكلام قد يكون عامًا وينطبق على الكثيرين، وهذا ما يعرف بتأثير فورير، نسبة إلى عالم النفس الأمريكي بيرتام فورير الذي أجرى تجربة على طلابه لاختبارهذا التأثير، فوزع على كل منهم بطاقة تحمل ١٤ نقطة من المفترض أنها تحاول وصف شخصية كل منهم، ثم طلب منهم تقييم دقة هذا الوصف، فكان متوسط التقييم ٤.٣/٥، أي أن أغلبهم شعر أن النقاط المكتوبة تصفه تمامًا..لكن المفاجأة كانت أنهم تلقوا جميعًا نفس البطاقة!

يعرف هذا التأثير كذلك بتأثير بارنوم، نسبة إلى الاستعراضي الأمريكي الشهير (ب. ت. بارنوم).

“لدينا شيء ما، لكل واحد من الأشخاص”

-ب. ت بارنوم

مصادر:

تاريخ العلوم-جورج سارتون

live science https://www.livescience.com/4667-astrological-sign.html

historyworld http://historyworld.net/wrldhis/PlainTextHistoriesResponsive.asp?historyid=ac32

https://www.nature.com/articles/318419a0 nature

http://personalpages.to.infn.it personality and individual differences study

مترجم: أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تذكر الأشياء؟

عندما نلقي نظرة للوراء وتحديدًا إلى أيام المدرسة. من المحتمل أن تكون أقوى ذكرياتنا مزيجًا من المناسبات الهامة كالرحلات والمسرحيات والأيام الرياضية إلى جانب الكثير من الأحداث الشخصية المليئة بالعواطف القوية.
أشياء حدثت وكانت مضحكة حقًا أو حزينة، أو جعلتنا نشعر بالحماس أو الاهتمام أو البهجة أو الغضب. نحن لا نتذكر عادة الأمور بوضوح، خصوصًا إن كان ذلك تعلمًا فعليًا لمادة الرياضيات أو اللغة الإنجليزية أو تكنولوجيا التصميم. قد نتذكر الحكايات المسلية التي مرّت أثناء الدروس، أو قد يستمر شعورنا بالضيق من مظالم الماضي، أو قد نُكوّن انطباعًا غامضًا عن الجلوس في مختبر العلوم، مع مقتطفات عابرة من ذكريات هذه التجربة أو تلك.
كل هذا يقودنا إلى وضع فرضية معقولة تمامًا مفادها أنه إذا أردنا أن يتذكر الطلاب ما نعلمهم إياه، فإننا نحتاج إلى جعل دروسنا أشبه بأحداثٍ مميزة. أو على الأقل، اختيار شيء ما مثيرٍ أو غير معتاد وتضمينه في الدروس. في هذا العرض، ستجد نموذجا لإنشاء دروس لا تنسى.

كيف تعمل الذاكرة؟


بقدر ما يبدو هذا معقولًا، إلا أنه خرافة. فالذاكرة البشرية تعمل بطريقتين مختلفتين، كلتاهما صحيحتان على حد سواء، ولكن إحداهما أفضل بكثير في تمكيننا من نقل ما تعلمناه إلى سياقات جديدة. يعتبر هذا النقل شرطًا أساسيًا للإبداع والتفكير النقدي. يُعرف شكلا الذاكرة بالذاكرة العرضية و الذاكرة الدلالية.

1- الذاكرة العرضية

الذاكرة العرضية هي ذاكرة “حلقات” أو سيرتنا الذاتية هذا الشكل من الذاكرة لا يتطلب جهدًا من جانبنا، إنه يحدث ببساطة. ليس علينا أن نحاول بوعي أن نتذكر ما حدث بالأمس، لأن هذه الذكريات تحدث تلقائيًا.

ولكن هناك جانبٌ سلبيٌ في الأمر، فالذاكرة العرضية “تأتي بسهولة وتذهب بسهولة”. فإذا حاولت تذكر ما تناولته على الغداء بالأمس، فربما ستتذكر. أمّا إذا حاولت أن تتذكر ما تناولته على الغداء قبل عام من اليوم -ما لم يكن ذلك تاريخًا مهمًا للغاية أو وجبة غداء جديرة بالملاحظة بشكل خاص- فلن يكون لديك أي فكرة.

2- الذاكرة الدلالية

تنطوي الذاكرة الدلالية على عمل أكثر صعوبة، إذ علينا بذل الجهد لخلق ذكريات دلالية. هذا هو نوع الذاكرة التي نستخدمها عندما ندرس شيئًا بوعي لأننا نريد تذكره. وذلك على عكس الذاكرة العرضية. ومع ذلك، فالإتجاه تصاعدي إذ إنّ الجهد المبذول ينتج عنه ذاكرة طويلة الأمد.

هل سبق لك أن شاركت في دورة استمتعت فيها حقًا بالاستماع إلى المتحدث؟ ووجدت أن الموضوع مثير للاهتمام و أنّ المقدم مسلٍ وجذاب. ومع ذلك، عندما حاولت أن تشرح لشخص ما في اليوم التالي عمّ دارت الدورة، فإن كل ما تبقى في ذهنك حقًا هو انطباع غامض عن مشاعرك خلال ذلك اليوم، مخلوطًا بالمقتطف الغريب من المحتوى.

أنت تعلم أن الدورة كانت جيدة حقًا ولكن لا يمكنك تفسير ما كانت عليه في الواقع وراء أكثر التأكيدات العامة. وذلك لأن ذكرياتك عند هذه النقطة تكون عرضية بشكل أساسي وتتلاشى بالفعل. من المحتمل أن يحدث هذا على وجه الخصوص إذا استمعت إلى المتحدث فقط دون تدوين بعض الملاحظات! ولم تقم بأي نشاط خلال اليوم ذلك يجعلك تفكر مليًا في المحتوى. وحتى إن فعلت ذلك، إذا لم تعد قراءة الملاحظات في وقت لاحق، أو المدونات التي ذُكرت، أو تخطط لاجتماع فريق عمل لإخبار الآخرين بما تعلمته، إذا لم تبذل بعض الجهد في إعادة النظر في رسالة المتحدث، فإن ذاكرتك الخاصة بالتفاصيل الفعلية ستتلاشى بسرعة مما سيترك لك ذكريات جميلة ليوم ممتع ومثير للاهتمام.

إن الذاكرة العرضية سياقية إلى حد كبير -فالذكريات تأتي مع التجارب الحسية والعواطف التي مررنا بها في وقت التجربة. لذلك عندما نتذكر الدورة، نتذكر تكييف الهواء الرديء والغداء المدهش والقرطاسية الرائعة. وقد يزعجنا أن نتذكر هذه الأشياء بشكل أكثر من أردناه.

.عندما يطلب المعلمون من الطلاب تذكر ما تعلموه في اليوم السابق، يتذكر الطلاب جميع الأشياء: طريقة كتابتك للملاحظات، وتأخر أحد الطلاب، وانسكاب قهوتك، ورواية أحدهم لنكتة مضحكة. أما محتوى الدرس الفعليّ فيكون تذكره أضعف بكثير.

يتم تشغيل الإشارات العاطفية والحسية عندما نحاول استرجاع ذاكرة عرضية. تكمن المشكلة في أن الطلاب يتذكرون أحيانًا العلامات السياقية ولكن ليس التعلم الفعلي. إنّ الذاكرة العرضية مرتبطة بالسياق لدرجة أنها لا تصلح لتذكر الأشياء بمجرد أن يصبح هذا يذهب السياق. وهذا يعني أن لها قيودًا خطيرة من حيث فائدتها باعتبارها الاستراتيجية الرئيسية لتعليم الأطفال، لأن كل ما يتم تذكره مرتبط جدًا بالسياق الذي تم تدريسه فيه. هذا لا يجعل التعلم مرنًا وقابلًا للتحويل ويمكن تطبيقه في سياقات وظروف مختلفة. ومع ذلك، فإن قابلية النقل هذه هي الشرط الأساسي للإبداع والتفكير النقدي.



من حسن الحظ أنّ لدينا أيضًا ذاكرة دلالية، لأن الذاكرة الدلالية ليس لها حدود الذاكرة العرضية، فالذكريات الدلالية خالية من السياق. يتم تحرير الذكريات الدلالية من السياق العاطفي والمكاني/الزمني الذي اُكتسبت فيه لأول مرة. و يتم تخزين المفهوم في الذاكرة الدلالية، وبذلك تصبح أكثر مرونة وقابلية للتحويل بين السياقات المختلفة. لذافإن الذاكرة الدلالية مركزية للتعلم على المدى الطويل: التعلم الذي يمكن استخدامه في سياقات جديدة لحل مشاكل غير متوقعة. إن الذاكرة الدلالية هي ما نستخدمه عندما نحل المشكلات أو نكون في صدد عمل إبداعيّ. يتضمن ذلك تطبيق شيء ما تم تعلمه في سياق محدّد إلى سياق آخر جديد. وعلى النقيض من ذلك، فإن الذكريات العرضية ليست مرنة ولا تنتقل بسهولة، لأنها ترتكز على التفاصيل.

وهذا ما يفسر الإحباط الذي يشعر به المعلمون في بداية كل عام دراسي عندما يبدو أنّ الأطفال -الذين ثبت أنهم أكفاء- ليس لديهم أي فكرة عما درسوه في السابق. ليس الأمر أن معلمهم السابق كان يكذب أو يخادع عندما قال إنهم أكفاء. السبب هو أن المعلم السابق لم يدرك أن هذا الفهم لم يكن آمنًا بعد في الذاكرة الدلالية وأنه كان لا يزال يعتمد بشكل كبير على الذاكرة العرضية.وأنه يعتمد بشكل كبير على الإشارات السياقية القوية التي يجب تذكرها. انقل الطفل إلى فصل دراسي مختلف، مع مدرس مختلف، بجانب زملاء مختلفين، وبدون السياق المألوف، وستجد ببساطة أنه لايمكنه تذكر المعرفة.
عندما ينتقل الأطفال من فصل إلى آخر فهذا أمر سيئ ولكن الأمر يزداد سوءًا عندما يغير الأطفال المدارس، كانتقالهم من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الثانوية. يختلف هنا السياق بشكل كبير: مبنى مختلف، مسيرة مختلفة، زي موحد، الكثير من الأشياء التي لم تعد مألوفة. لا عجب في أن معلمي المرحلة الثانوية يعتقدون غالبًا أن معلمي المرحلة الابتدائية يبالغون في تقدير ما يعرفه تلاميذهم السابقون. فعندما يزول السياق المألوف، يتذكر التلاميذ فقط ما خُزن بشكل آمن في الذاكرة الدلالية، وهو ما يمكنهم نقله إلى الحياة في السنة السابعة.



يتطلب تكوين الذكريات الدلالية العمل والممارسة، على عكس الذكريات العرضية. فإذا كنت تريد أن تتذكر شيئًا ما، فأنت بحاجة إلى التفكير فيه، وليس مجرد تجربته. يشرح عالم النفس المعرفي دانيال ويلينجهام《Daniel Willingham》 أن “الذاكرة هي بقايا الفكر”. كلما فكرت في شيء ما، كلما زاد احتمال تذكره. لذا فإنّ على المدرسين التأكد من أن الدروس تمنح الطلاب الفرصة للتفكير في الأشياء التي نريدهم أن يتذكروها، بدلاً من بعض الأشياء الخارجية الأخرى. نحتاجهم أن يفكروا في رسالة الدرس، بدلاً من الوسيلة التي نستخدمها في الدرس. هذا هو المكان الذي يمكن فيه لدروس “المرح” أن تمنع دون قصد حدوث التعلم. إذا كانت الوسيلة المختارة لتقديم الدرس مزعجة للغاية، فهذا هو ما سيفكر فيه الطلاب، بدلاً من أي شيء نريده بالفعل أن يتعلموه. على سبيل المثال، أتذكر شخصًا يقترح استخدام مسدسات الماء لتعليم الأطفال الزوايا. هذا اقتراح لا يخلو من بعض الجدارة. على وجه الخصوص، أحب الطريقة التي يتم بها تدريس الزاوية هنا عموديًا بدلاً من أفقي فقط كما هو معتاد مع الورق والقلم الرصاص والمنقلة. ومع ذلك، ربما يكون مؤلف هذا الاقتراح معلمًا أكثر مهارة من معظمهم، ولكن لا يمكنني التفكير في أن العديد من الأطفال قد يفكرون في فرص بخ الماء عن طريق الخطأ أكثر من طبيعة الزوايا الحادة. حتى النشاط الأقل مغامرة – لعبة الرياضيات على سبيل المثال – ينطوي على خطر أن يفكر الأطفال بجدية في القواعد بدلاً من الرياضيات الفعلية. هذه ليست مشكلة إذا قرر المعلم التضحية بدرس واحد لتعلم قواعد اللعبة التي سيتم استخدامها بعد ذلك بشكل متكرر على مدار العام. ولكنه يمثل مشكلة كبيرة إذا لم يكن المدرسون متيقظين لإمكانيات أنهم قد يفسدون التعلم عن غير قصد بجعل وسيلة التعلم أكثر بروزًا من الرسالة الفعلية. فعندما يخطط المعلمون للدروس، يجب أن يعوا ما سيفكر فيه الأطفال خلال كل جزء من الدرس، بدلاً من ما سيشعرون به أو يفعلونه. هل قمت بتخطيط أنشطة تضمن للأطفال التفكير بجدية في الأشياء الصحيحة؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا تتفاجأ عندما يتذكر الأطفال القليل جدًا حول الدرس المحدد.



تتركز بعض أنواع الأنشطة على التفكير الجاد، ولكن ليس دائمًا حول الأشياء المركزية التي نريد أن يفهمها الأطفال. على سبيل المثال، ينطوي إجراء تجارب علمية عملية على الكثير من التفكير في التخطيط، وما يجب القيام به بعد ذلك، ومراقبة ما يحدث. في الواقع، تتطلب العناصر العملية الكثير من الطاقة العقلية لدرجة أنه لا يوجد الكثير من النطاق الترددي المعرفي المتبقي للتفكير فعليًا في المفاهيم التي تهدف التجربة إلى إثباتها. عندما قام Ofsted《المكتب البريطاني لمعاير التعليم ومهارات الأطفال》 بالتحقيق في تدريس العلوم في المدارس الابتدائية، وجد أن العديد من المدارس حاولت عن طريق الخطأ تعليم مفاهيم العلوم بشكل كامل تقريبًا من خلال التجارب العملية: المفهوم الخاطئ هنا هو أن “العمل علميًا” يصبح آلية لتعليم المعرفة والمفاهيم. ومع ذلك، فإن الاقتراب من تدريس العلوم بهذه الطريقة يؤدي إلى مشكلة متكررة وهي أن التلاميذ ينخرطون في تجارب لاتنسى، وبالمقابل ليس لايستطيعون تذكر المعرفة الأساسية المقصود تعلمها من التجارب. على سبيل المثال، عندما استجوب المفتشون التلاميذ خلال زيارات البحث، كان بإمكان التلاميذ تذكر المهمة التي تم تنفيذها بسهولة، لكنهم وجدوا صعوبة في شرح كيفية عمل تلك المهمات.



وهذا لا يعني أنه لا ينبغي للأطفال إجراء تجارب علمية، ولكن يجب على المعلمين أن يدركوا تمام الإدراك أنه من غير المحتمل أن يكتسب الطلاب فهمًا للمفاهيم العلمية ما لم يتم إجراء التجارب بعد تدريس هذه المفاهيم. فبمجرد أن تصبح المفاهيم العلمية مفهومة، يصبح الأطفال أكثر قدرة على “التفكير مثل العلماء” مع الفائدة الإضافية التي مفادها أن النشاط العملي يعزز فهم التعلم السابق.



وينطبق الشيء نفسه على الأنشطة التي تتطلب من الأطفال البحث عن المعلومات بأنفسهم. إذا تم ذلك كوسيلة للحصول على المعلومات في المقام الأول، فمن غير المحتمل أن يترك الجهد المعرفي لتحديد المعلومات الصحيحة مساحة للأطفال ليتذكروا الكثير عما اكتشفوه. سوف يفكر الأطفال في المكان الذي يمكنهم فيه العثور على ما يحتاجون إلى اكتشافه وما إذا كان ما يقرؤونه مناسبًا، بدلاً من التفكير فعليًا في المحتوى. إذا كان تذكر المحتوى أمرًا مهمًا يجب على المعلمين أن يضعوا في الاعتبار أن الوقت الإضافي سواء قبل أو بعد أنشطة البحث، يجب أن يُقضي في التفكير مليًا في المعلومات.

تظهر هذه المشكلة أيضًا في تدريس الرياضيات من خلال حل المشكلات. يعتقد بعض المعلمين أن المهام الغنية مثل التحقيقات حين يقوم الأطفال باكتشاف العلاقات بأنفسهم هي طريقة تعليمية أفضل بكثير من إخبار الأطفال بشكل صريح بكيفية القيام بالعمليات. يُنظر إلى الاكتشاف على أنه أكثر إبداعًا، ويتطلب المزيد من الخيال، وأكثر إثارة للاهتمام، وبالتالي من المرجح أن يؤدي إلى فهم الأطفال حقًا مفاهيم الرياضيات، بدلاً من مجرد إجراء اندفاعي. ومع ذلك، في حين أن المهام الغنية لها مكانها، إلا أنها غير مناسبة تمامًا للمرحلة الأولية من التعلم، عندما يواجه الأطفال مفهومًا للمرة الأولى. فإذا أردنا أن يصبح الأطفال مستقلين لحل المشكلات، فنحن بحاجة إلى تعليمهم بعناية وصراحة حتى تبدأ الذاكرة الدلالية في التشكل. بعكس الحدس كما قد يبدو، لا يصبح الأطفال مستقلين في حل المشاكل عن طريق حل المشاكل بشكل مستقل. هذا لأنه عندما يحاول الأطفال حل المشكلات قبل أن يعرفوا الرياضيات اللازمة للقيام بذلك، فإنهم سوف يبذلون طاقة عقلية كبيرة لتتبع ما يُقصد حله مقابل ما اكتشفوه حتى الآن، لدرجة أنهم عندما يصلون إلى الحل، سيكونون قد نسوا ما فعلوه بالضبط حتى وجدوا الإجابة أخيرًا! إن هناك الكثير من الأبحاث التي تظهر أن التدريس أكثر فاعلية عندما يشرح المعلم المواد بشكل صريح في خطوات صغيرة ومدروسة بعناية، مما يمنح الأطفال الكثير من الفرص للممارسة قبل الانتقال إلى الخطوة الصغيرة التالية. هذا صحيح بشكل خاص في مرحلة اكتساب المعرفة المبكرة للتعلم.

حتى إذا قُسمت مواد الدروس إلى خطوات صغيرة وأُشرك الأطفال في التفكير في الأشياء الصحيحة، فقد يظل المعلمون ممتلكين للخبرة المألوفة. وفي نهاية سلسلة من الدروس حول موضوع معين، يشعر المدرس بثقة معقولة في أن معظم الفصل تعلموا كيفية القيام بأي شيء كانوا يتعلمونه، على سبيل المثال- نظرية الشبكة-. قد يؤدي الأطفال أداءً جيدًا بشكل معقول في تقييم نهاية الوحدة. ومع ذلك، عند إعادة النظر في الموضوع بعد بضعة أسابيع، لا يستطيع الأطفال تذكر كيفية تنفيذ نظرية الشبكة، ليس هذا فحسب، ولكن العديد منهم سينكرون انهم سمعوا بالنظرية من قبل! يمكن أن يترك هذا الموقف المعلمين محبطين ومتسائلين عن مكان الخطأ الذي ارتكبوه.


إذا لم يعد المعلمون النظر في المفاهيم مرة أخرى في وقت لاحق. بعد مرور بعض الوقت على آخر شرح للمفهوم، فمن المحتمل أن لا تكون الذاكرة الدلالية قوية بما يكفي للقيام بالمهمة التي نحتاجها للقيام بها. فنحن بحاجة إلى مضاعفة المرّات التي يتعين فيها على التلاميذ التفكير بجدية حول الأشياء المهمة التي نريدهم أن يتعلموها. فهل نعطي الطلاب فرصًا للتفكير في المفاهيم في بيئة أقل حدة؟ ليس من الصعب تنفيذ نظرية الشبكة في منتصف الدرس حيث يقوم المعلم بوضع نموذج لكيفية تنفيذ طريقة الشبكة. ولكن لبناء ذاكرة دلالية قوية، يحتاج الطلاب إلى فرص للقيام بالأشياء عندما يكون التدريس المحدد لكيفية القيام بها أقل حداثة. كما أنهم بحاجة إلى فرص للقيام بها عندما تكون أقل حدة. على سبيل المثال، لايجب عليك اخبارهم – “لحل هذا الأمر، ستحتاج إلى الضرب، باستخدام نظرية الشبكة”.



في الدروس، يقدم المعلمون جميع أنواع الأفكار والعلامات التي تحمل الأطفال إلى إجابات صحيحة. هذا جيد كخطوة أولى، ولكن ما لم يكن لدى المعلمين أيضًا استراتيجيات تمكن المتعلمين من تجاوز العمل، فقد يتم الاحتفاظ بالقليل على المدى الطويل. يشرح نيكولاس سودرستروم وروبرت بيورك《Nicholas Soderstrom and Robert Bjork explain》في مقالة عام 2015 تتحدث عن وجهات نظر حول علم النفس، الفرق بين الأداء والتعلم. فالأداء هو ما يمكن أن نراه يحدث أثناء التدريس. أمّا التعلم، من ناحية أخرى، هو شيء غير مرئي يدور داخل رؤوس الأطفال. لا يمكننا مراقبة التعلم، يمكننا فقط استنتاجه. من المحبط أن الأداء الحالي هو دليل رهيب لمعرفة ما إذا كان التعلم قد حدث بالفعل أم لا. إن المعلمون والقادة معرضون لخطر الخداع بسبب الأداء الحالي وقد يعتقدون أن التغيير في الذاكرة الدلالية طويلة المدى (المعروف أيضًا بالتعلم) قد حدث.

إنه من غير المألوف أن يختلف الناس مع هذا التأكيد على بناء الذاكرة الدلالية. في بعض الأحيان يجادل الناس “لكنني لا أتذكر أي شيء تعلمته في المدرسة”. عندما يقول الناس هذا، فإن ما يقصدونه عادة هو “ليس لدي ذكريات عرضية قوية لتعلم أشياء معينة في المدرسة”. هذا في الواقع شيء جيد يجب أن يكونوا ممتنين له. لا نريد أن نتذكر السياق جنبًا إلى جنب مع المحتوى، الأمر الذي سيعيق حقًا قدرتنا على التفكير. نحن لا نتذكر الكثير مما تعلمناه في المدرسة، ومع ذلك نحن نعرفه. هذا لأن الذاكرة العرضية للدرس الفعلي قد تلاشت منذ فترة طويلة، في حين أن الذاكرة الدلالية التي تشكلت من خلال التفكير الجاد في المحتوى-وإن كان ربما على مضض في ذلك الوقت- تستمر. هذا هو السبب في أن الناس يعرفون عن المثلثات والأكسجين، آن بولين《ملكة إنجلترا》 والمقالات القصيرة، والأرقام المربعة وبحيرات أوكسبو، وخلط الألوان وليدي ماكبث《شخصية مسرحية. هل يتذكر الناس أنهم تعلموا هذه الأشياء فعلًا؟ ربما لا، لكنهم يعرفونها (أو معظمها) وعلى الرغم من أن الشخص ربما لم يفكر في بحيرات أوكسبو لعقود، إلا أنه عند ذكر الاسم، تأتي الذاكرة بسهولة. هذا هو جمال الذاكرة الدلالية. فهي لاتحتاج أن تكون مرتبطة بفوضى عرضية. كما قال سولومون كينجزنورث《Solomon Kingsnorth》 فلديك “دليل سياحي خاص للكون، يعيش داخل عقلك” متاح على الفور.

إنّ ما تعرفه يشكل ما تراه. أنت أو أنا قد ننظر إلى جبل ونرى فقط … جبلا. بينما قد ينظر الجيولوجي إلى الجبال بشكل مختلف إلى حد ما، أما حين ينظر الدراج المتحمس فقد يرى المرء الجبل كما نراه، ومع ذلك يرى أيضًا التكوينات الصخرية، والآخر يرى نسب التروس. إن امتلاك ذاكرة لغوية مليئة بالثراء هو، كما وضعها إيان ليزلي《Ian Leslie》 في كتاب《Curious》، للوصول إلى “الواقع المعزز، كل شيء تراه يتراكب مع طبقات إضافية من المعنى والإمكانية”.



إذا كنت تعرف نوع الأشياء المذكورة أعلاه -آن بولين والفقرات وبحيرات أكسبو، على سبيل المثال- فأنت تتمتع بامتياز المعرفة. لقد تم منحك فرصًا للتفكير مليًا في الأشياء التي لا تعرفها، وبالتالي لديك مستودع كبير من الذاكرة الدلالية في متناول اليد، متاحة بسهولة وقتما تشاء. ومع ذلك، من السهل للغاية التغاضي عن هذه الميزة والتقليل إلى حد كبير من مقدار ما نعرفه في الواقع ومدى استفادتنا من مدارسنا. لأننا لا نتذكر عملية تعلم ما نعرفه، لا نتذكر الجهد الذي بذل في دراسته. قد نفترض أن الأشياء المهمة التي نعرفها قد تعلمناها بمجرد تركنا المدرسة، دون أن ندرك أن الذكريات الدلالية التي تم الحصول عليها في المدرسة هي التي خلقت الأسس التي تمكنا من البناء عليها بشكل مثمر في وقت لاحق. لو كانت الأمور على خلاف ذلك، لكانت قدرتنا على التفكير قد تقلصت إلى حد كبير. ربما اعتقدت أنه من المهم للغاية الحصول تجارب شيقة ومثيرة عند ذهابنا إلى المدرسة. وفي حين أن ذلك قد يكون ممتعًا، إلا أنه قد يترك لنا إما القدرة على التفكير أو أن نكون مبدعين حقًا، خاصة إذا كان وصولنا إلى المعرفة القوية في المنزل محدودا. قبل أن نقرر فرض أجنداتنا الخاصة على تعليم الأطفال، نحتاج إلى التحقق من ميزة المعرفة لدينا قبل اتخاذ القرارات التي ستحرم الأطفال من نصيبهم العادل من الميراث الثقافي الغني الذي يوفره عالمنا والذي يحق لهم الحصول عليه.

قد تظهر الذاكرة العرضية، للوهلة الأولى، أكثر “إنسانية” من شكلي الذاكرة، ذاكرة الناس والمشاعر والأماكن التي تجعلنا ما نحن عليه. تبدو الذاكرة الدلالية أكثر برودا وأكثر روبوتية. ومع ذلك، فإن قدرتنا المذهلة على تخزين التعلم المكتسب ثقافيًا في ذاكرتنا الدلالية هي التي تجعل النجاح مثل صورة ذهنية. إن الغرض الرئيسي من التعليم هو بناء ذاكرة دلالية قوية،فإذا نظرنا إلى المعرفة التي تراكمت عبر القرون إلى الجيل التالي: كيفية القراءة والكتابة، وكيف تعمل القصص، وكيف يستخدم المنطق الرياضي لحل المشاكل، والعلم بقوته التنبؤية المذهلةمع عدد لا يحصى من المفاهيم والأفكار والممارسات الأخرى. هذا لا يعني أن بناء الذاكرة الدلالية هو الغرض الوحيد من التعليم. فنحن نريد المساعدة في تكوين أطفال متعلمين عاطفيًا ومسؤولين أخلاقيًا أيضا. وسيتضمن ذلك التفكير في نوع الذكريات العرضية التي نحاول أن نبنيها لأطفالنا. إذا تعاملنا مع أطفالنا بلطف واحترام، فسيكون لديهم ذكريات عرضية لتعامل لطيف ومحترم، مما يزيد من احتمال معاملتهم للآخرين بلطف واحترام. وإلى جانب بناء رأس مال ثقافي في الذاكرة الدلالية، يجب بناء رأس مال الاجتماعي وأخلاقي وروحي أيضًا. في حين أن بناء الذاكرة الدلالية سيلعب دورًا مهمًا في ذلك، فإن تطوير الذاكرة العرضية أيضًا مهم، كما هو الحال مع الأبعاد الحيوية للتجربة البشرية، قد يكون تذكر السياق العاطفي أكثر أهمية.


ولا يعني ذلك أنه لا ينبغي التفكير في إنشاء نوع من التجارب التي لا تنسى والتي تحدث في الرحلات والمسرحيات وما إلى ذلك. فمثل هذه الأحداث الخاصة التي تتخلل الروتين اليومي للحياة المدرسية هي مهرجانات “عشاء عيد الميلاد” للعام الدراسي. إنها خاصة لأنها نادرة وضخمة الموارد ومختلفة. وتتناقض مع الألفة اليومية للخبز والزبدة والطبلة في الحياة المدرسية العادية. ولكن الهدف الأساسي هنا هو الخبرة اليومية.



بعض التحذيرات:


عندما نقوم بتعليم الأطفال الذين لديهم خبرة حياتية محدودة والذين لا يملكون ذكريات عرضية غنية. فسيكون الأمر الأكثر أهمية هو تقديم نوع من التجارب الغنية -الرحلات إلى شاطئ البحر، والمسرح والمعارض الفنية- لنرى أولاً الجبال والمدن والغابات. فبالنسبة لكثير من الأطفال، يعد هذا التعرض جزءًا لا يتجزأ من الحياة الأسرية. ولكن بالنسبة لآخرين، فإن الخبرة التي تتجاوز المحلية غير موجودة إلى حد كبير. في هذه الحالة، نحن مدينون للأطفال بمحاولة تقديم أنواع من الخبرة المباشرة التي توسع الآفاق. والأطفال الصغار جدًا، بغض النظر عن خلفيتهم الأسرية، لديهم تجربة حياة أقل ثراءً، لذا يحتاجون إلى تجارب لا تنسى كثيرة كنوع من “الترحيب في العالم”.

من الممكن أيضًا أن تحدث مبالغة في انفصال الذاكرة العرضية عن الدلالية. إن هناك درجة من التداخل بين الاثنتين. إنها ليست مقصورات مقاومة للماء. فعلى سبيل المثال، في إحدى التجارب، طُلب من الأشخاص إدراج أواني المطبخ. أولاً، اعتمد المشاركون على محتويات ذاكرتهم الدلالية، ولكن عندما نفذ الأمر، تحولوا إلى التفكير تحديدًا في مطابخهم الخاصة وتذكر ما كان هناك. عززوا استرجاعهم من الذاكرة الدلالية مع ذكريات عرضية محددة السياق.



إن المشاعر القوية تجعل الأشياء تلتصق بالذاكرة العرضية، مثلما يفعل التجديد. لذا فإن القيام بنوع من الأحداث الأقل روتينية أو المثيرة لاستكمال التعلم حول شيء ما قد يكمل الذاكرة الدلالية. -رحلة في نهاية موضوع كتاب على سبيل المثال. بالعودة إلى المثال المبكر: تدريس الزوايا باستخدام مسدسات الماء، قد يكون القيام بذلك بعد سلسلة من الدروس التقليدية طريقة جيدة لجني فوائد كلا شكلي الذاكرة، كما هو الحال في تجربة العلوم التي تثبت المفهوم الذي تم التعرف عليه. إنه ليس خيارًا ثنائيًا بسيطًا دائمًا عليك العمل بأحدهما فقط. وهذا لا يعني ان أسلوب الذاكرة العرضية “سيئ” أو أقل شأنا. لكن الأمر مختلف. فمن المرجح أن يؤدي البناء المتعمد للذاكرة الدلالية إلى ذاكرة طويلة الأمد ومرنة وقابلة للتحويل من وضع معظم طاقاتك في السلة العرضية، لذلك يجب أن تشكل الجزء الأكبر مما نقضي وقتنا عليه. يمكن أن تساعدنا معرفة شكلي الذاكرة في اتخاذ خيارات أكثر حكمة وإنتاجية.

المصدر: educationnext


هل حقن المطهرات يقتل كورونا كما ادعى ترامب؟


هل حقن المطهرات يقتل كورونا كما ادعى ترامب؟

إنها ليست المرة الأولى التي يخوض فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مواضيع طبية دون تحري الدقة، ذلك أنه أشاد منذ أسابيع بعقار (هيدروكسي كلوركين) الذي بينت الدراسات لاحقًا عدم فعاليته وتزايد أعداد الوفيات بين متناوليه. إلا أن اقتراحاته الأخيرة يوم أمس أثناء اجتماعه بعدد من العلماء لمناقشة أثر الضوء والحرارة والمنظفات في قتل فيروس كورونا المستجد، كانت صادمة ومفزعة للكثيرين. إذ اقترح ترامب، موجهًا كلامه للعلماء والأطباء الحاضرين في اجتماع مصور شاهده الملايين.

https://www.youtube.com/watch?v=DHkzqejFKbM&feature=youtu.be&fbclid=IwAR2C9I-91mtsJHnxSiLNsmQ7jcRDuakXQ1kZdhz71_onZbwq449jjavIL8I

استخدام المطهرات في القضاء على فيروس كورونا عبر حقنها في جسم الإنسان داخل الرئة، معللًا ذلك بأن الفيروس يصيب الرئتين بشكل كبير، وأن المطهرات بإمكانها القضاء عليه خلال دقيقة. ولم يكتفِ ترامب بذلك الاقتراح، بل أضاف أن تعريض المريض لكميات كبيرة من الضوء أو الأشعة فوق البنفسجية داخل الجسم من شأنه القضاء على المرض أيضاً، وذلك عبر “إدخالها عبر الجلد أو بطريقة أخرى” حسب تعبيره. وأثارت اقتراحات ترامب فزعًا بين الأطباء ومختصي مجال الصحة، ذلك أن المطهرات والمنظفات يجب ألا تستعمل داخليًا تحت أي ظرف، فهي مثلما تسمم الميكروبات فإنها سامة للإنسان على حد سواء، كما تتسبب بالحروق والتآكل في القناة الهضمية معرضة الأفراد إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى الوفاة. أما التعرض لكميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية فيتسبب بمضاعفات خطيرة منها إحداث تثبيط في الجهاز المناعي، معرضًا الأشخاص لمختلف أنواع العدوى، بالإضافة إلى مرض سرطان الجلد، ومشاكل في العين، وغيرها. وأعرب الكاتب العلمي الحاصل على شهادة الدكتوراة في الأشعة فوق البنفسجية الطبية (ديفد روبرت جريمس) عن استيائه عبر تغريدة قائلًا أنه لا يمكن إدخال الأشعة فوق البنفسجية إلى داخل جسم الإنسان، وأضاف أن هذا غير معقول فيزيائيًا ولا بيولوجيًا.

تغريدة للدكتور ديفد روبرت جريمس يرد فيها على ادعاء ترامب حول قتل فيروس كورونا بإدخال الأشعة فوق البنفسجية إلى داخل جسم الإنسان

ولعل الاستياء الكبير من اقتراحات ترامب الأخيرة ينبع من احتمالية اتباع بعض الناس لهذه النصائح وتطبيقها، فقد عبر (كريغ سبنسر) مشرف الصحة العالمية في طب الطوارئ في مركز نيويورك/ كولومبيا الطبي الجامعي، عن مخاوفه أن الناس سيظنون أنها فكرة جيدة، وأن ذلك سيتسبب في الوفيات.

ويذكر جهاز إحصائيات السموم الوطني في الولايات المتحدة الشهر الماضي، أن حالات التسمم بواسطة المنظفات في الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة ٢٠٪ مقارنة معها في نفس التوقيت من العام الماضي، وذلك بسبب هوس الناس في تعقيم بيوتهم منذ بدء جائحة كورونا، مستخدمين في سبيل ذلك طرق غير آمنة من خلط للمنظفات واستخدامها بشكل غير صحيح أو ابتلاعها، لذا توصي الأكاديمية بوست قراءها الأعزاء بالاستخدام الآمن للمنظفات وقراءة التعليمات على ظهر عبوات الاستخدام والحرص على التهوية الجيدة وإبعاد المنظفات عن متناول الأطفال، وعدم أخذ النصائح الطبية إلا من الأطباء والجهات الطبية الموثوقة.

المصادر:

webmd

epa

هل تعتبر الرياضيات لغة؟

تؤدي الرياضيات دوراً حيوياً في عالمنا، فالجميع يستخدم الرياضيات في حياته اليومية، وفي معظم الأحيان دون أن يدرك ذلك، الرياضيات فرع عميق من فروع اللغة، ليست من ضمن العلوم؛ لأنها لا تتبع الطريقة العلمية، لكنها توجد في كل مجال وتخصص، حتى في تلك التي تبدو بعيدة عنها، تنسب مقولة “الرياضيات هي اللغة التي كتب الله بها الكون” إلى عالم الفلك والفيزيائي جاليليو جاليلي، ولكن هل تعتبر الرياضيات لغة؟ مثل اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية، للإجابة على هذ التساؤل لابد أولاً وأن نفهم ماهية اللغة.


ما هي اللغة؟
للغة تعريفات كثيرة ومتعددة لعل أبسط وصف لها بأنها نظام اتصال يستخدم الرموز والأصوات، ولكن بالرغم من تعدد التعريفات تحتوي أي لغة على عناصر ثابتة منها:
مفردات من الكلمات أو الرموز.
معنى مرتبط بالكلمات أو الرموز.
قوانين تحدد كيفية استخدام الكلمات أو الرموز.
وجود أشخاص في الحاضر أو الماضي يستخدمون هذه الرموز ويفهمونها.
والآن نستعرض معاً مدى تحقق هذه العناصر في الرياضيات، حتى يصبح من الصواب أن نطلق على الرياضيات لغةً.


المفردات والقواعد اللغوية والنحو في الرياضيات
تعتمد مفردات الرياضيات على العديد من الأبجديات المختلفة وتتضمن رموزًا فريدة للرياضيات، فعندما نقول ” سبعة زائد ثلاثة يساوي عشرة” يمكننا ترجمتها إلى معادلة رياضية مفهومة فنقول: 3+7=10 هذه المعادلة يمكننا وصفها بأنها جملة مكتوبة بلغة الرياضيات.

من أمثلة الأسماء في الرياضيات:
الأرقام العربية (1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، 0)
الكسور (1/2 ، 1/3 ، 1/10…………)
المتغيرات (س ، ص ، ع ، ………..)
التعبيرات (س+3 ، ص-18 ………..)
المخططات أو العناصر المرئية (الدائرة ، الزاوية ، المثلث ، الموتر ، المصفوفة)

من أمثلة الأفعال في الرياضيات:
أكبرمن ، أصغر من ، يساوي (= ، <،>)
الجمع والطرح والضرب والقسمة (- ، + ، × ، ÷)
عمليات أخرى (……. sin، cos، tan، sec)

الجملة الرياضية
إذا حاولت تحليل رموز الجملة رياضية، فستجد أسماء وأفعال وحروف عطف…إلخ ويعتمد الدور الذي يلعبه الرمز على سياقه في الجملة الرياضية، كما هو الحال في اللغات الأخرى، عندما يتخصص الطالب في الرياضيات نجده يلتزم بقواعد رياضية دولية ، حيث تكتب الصيغ الرياضية من اليسار إلى اليمين، تستخدم بعض الأبجديات اللاتينية لكتابة المعادلات والمتغيرات مثل X ، y ….. إلخ كذلك عند تمثيل الأرقام الطبيعية أو الصحيحة أو النسبية أو الحقيقية، أيضاً تستخدم بعض الأبجديات اليونانية، تشير الأقواس إلى ترتيب تفاعلات الرموز معاً، صيغة الدوال والتكاملات المثلثية والمشتقات موحدة .

الرياضيات لغة مدهشة
قليل جداً من اللغات لديه القدرة على صياغة محتوى علمي يمكنه أن يملأ عدة مجلدات بإيجاز ودقة، على سبيل المثال المعادلات الشهيرة لعالِم الفيزياء الإسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل، والتي لم تقتصر على التعبير عن كل ما كان معروفاً عن الكهرومغناطيسية في ستينيات القرن التاسع عشر في أربع معادلات فقط، بل وتوقعت أيضاً وجود موجات الراديو قبل أن يكتشفها عالِم الفيزياء الألماني هاينريش هيرتز، ومن الطريف أن تجد كثير من الطلاب يجدون صعوبة في حل المشاكل الحياتية ولكن عند استخراجهم الأسماء والأفعال والمعادلات من اللغة المنطوقة وترجمتها إلى معادلة رياضية، يسهل عليهم حلها إلى حد كبير، ولأن الرياضيات هي نفسها في جميع أنحاء العالم، يمكن للرياضيات أن تكون بمثابة لغة عالمية، العبارة أو الصيغة لها نفس المعنى، بغض النظر عن اللغة الأخرى التي تصاحبها، وبهذه الطريقة تساعد الرياضيات الناس على التعلم والتواصل، حتى لو كانت هناك حواجز اتصال أخرى.

المعارضون لكون الرياضيات لغة
لا يتفق الجميع على أن الرياضيات لغة، فبعض تعريفات “اللغة” تصفها بأنها شكل من أشكال الاتصال المنطوق، والرياضيات هي شكل مكتوب من التواصل، في حين أنه قد يكون من السهل قراءة جملة رياضية بسيطة بصوت عالٍ على سبيل المثال 2 +2= 4، فإنه من الصعب قراءة معادلات أخرى بصوت عالٍ، على سبيل المثال معادلات ماكسويل، كذلك عند قراءة الجملة الرياضية سينطقها عادة المتكلم بلغته الأم، مع العلم أننا باتباع هذه التعريف نستبعد لغة الإشارة، ومعظم اللغويين يقبلون لغة الإشارة كلغة حقيقية.

المصادر

Thoughtco

Languagemagazine

Sciencedaily

حوار مع بيل غيتس حول سياق تنبؤاته لفيروس كورونا قبل 5 سنوات ومستلزمات اللقاح

حوار مع بيل غيتس حول سياق تنبؤاته لفيروس كورونا قبل 5 سنوات ومستلزمات اللقاح: فيما يلي تأتي بعض النقاط المهمة لحوار بيل غيتس وتريفر نواه حول تنبؤات بيل غيتس لفيروس كورونا المستجد سنة 2015 وكيفية السيطرة على الجائحة في انتظار التوصل للقاح كامل.

تريفر نواه: بيل غيتس، قمت بالتنبؤ سنة 2015 من خلال حديث لك في TEDx بالكثير مما يحدث اليوم ما تسبب في اندلاع الكثير من العنواين لنظريات المؤامرة مثل “اختراع بيل غيتس فيروس كورونا المستجد لإثبات صحة كلامه”. هل كان حديثك عن فيروس كورونا المستجد بالذات أم مجرد فرضية تحققت؟

بيل غيتس: لم تكن لدي أدنى فكرة في ذلك الوقت أن الأمر يتعلق بفيروس كورونا المستجد أو أنه سيضرب في أواخر سنة 2019، بل كان حديثي يستهدف تشجيع الحكومات على الإستثمار في المجال الصحي للتصدي للفيروسات والتحكم في عدد الإصابات. لست في موقف لأقول “أترون لقد أخبرتكم!”. للأسف كان من الواضح أن الفيروسات هي أكبر مهدد للبشرية وقد تتسبب في مقتل الملايين لكن لم يتم استخدام طوال هذه المدة للإستعداد لتجهيز مراكز للكشف ومصانع للقاحات. لقد قامت مجلة New England Journal Of Medicine بتنبؤات أكثر دقة من تلك التي أفدت بها في حديثي لكن لم يتم أخد ذلك بعين الاعتبار، لذلك نعاني حاليا ويستغرقنا الأمر الكثير من الوقت للتصدي للفيروس.

نواه: كيف يعقل أنك شخص غير حكومي وكنت على علم بما قد يحصل، في حين أن المنظمات والحكومات التي من واجبها حماية الأشخاص لم تقم بالكثير؟ هل كانوا على علم بالأمر أم قاموا بتجاهله؟ أعلم أنك تتواصل مع مجموعة من المنظمات كمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، فمالذي حصل؟

بيل: هنالك الكثير من الأفراد الذين كانوا قلقين أيضا كالدكتور أنتوني فاوتشي والذي شاهد العديد من الأوبئة. لقد حالفنا الحظ في عدة أوبئة مثل إيبولا، زيكا، سارس، وميرس لأنها لا تتناقل بسرعة ولا تستهدف الجهاز التنفسي. خلال حديثي في TED Talk، أكدت في ذلك الوقت على هذا النوع من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي وتتناقل بسرعة في ظل إمكانيات التنقل والسفر بين بلدان العالم. وقلت في حديثي “هذا ما يبقيني مستيقظا في الليل، ويقلقني أكثر من اندلاع الحرب”. كان من اللازم إجراء تجارب ومحاكاة لمثل هذه السيناريوهات لمعرفة كيف يمكن التواصل مع القطاع الخاص للحصول على الأجهزة التنفسية وأجهزة الكشف وأي شكل من أشكال الحجر الصحي يجدر بنا تطبيقه. أما في حالنا اليوم فقد أصبحنا فجأة نواجه فيروسا على أرض الواقع دون إجراء تجارب وتحضيرات سابقة. كما ترى فالأمر مختلف عما يحدث في حالة اندلاع حرب حيث يتم إجراء سابقا 20 محاكاة لعدة أنواع من التهديدات الممكنة إلى جانب التداريب العسكرية وتوفير الخدمات اللوجستية.

(الدكتور أنتوني فاوتشي: مختص في علم المناعة، ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وعضو في فريق عمل البيت الأبيض المعني بجائحة فيروس كورونا.)

نواه: أنت في مركز مثير للإهتمام ويمكن اعتبارك مختص في هذا المجال بفضل أعمالك الخيرية حيث أحد أهدافك القضاء على الملاريا في العالم بشكل عام وفي افريقيا بشكل خاص كما أنك تعمل مع مختصين في الأمراض المعدية. نحن الآن في عز جائحة فيروس كورونا المستجد، في نظرك مالذي يجب القيام به للمضي قدما في ظل الإستجابة المتأخرة من طرف القادة؟

بيل غيتس: في الوقت الراهن فالآليات الأساسية هي تغيير سلوكاتنا، التباعد الإجتماعي (والذي يقصد به البقاء في المنزل قدر المستطاع) والتشخيص على نطاق واسع لعزل المختلطين بحاملي الفيروس والتحكم في أعداد المصابين. تقوم مؤسستنا (مؤسسة بيل وميلندا غيتس) بنمدجة الوضع الحالي ووضع توقعات للمستقبل، كما نعمل على إيجاد علاج (عقار) فعال في الوقت الحالي بغية تقليص عدد الوفيات ونأمل أن ترخص بعض العقارات في الستة شهور القادمة لكن الحل الوحيد الذي سيمكننا من العودة لممارسة حياتنا الطبيعية والجلوس في الملاعب إلى جانب العديد من الأشخاص دون قلق هو إيجاد لقاح فعال وتوزيعه على جميع بلدان العالم وليس احتكاره من أجل مواطني دولة واحدة، هكذا سنحصل على مناعة واسعة ومنع الفيروس من الانتشار بأعداد كبيرة.

نواه: أصيبت العديد من الدول بالفيروس وتعاملت معه في أوقات مختلفة، فحتى داخل الولايات المتحدة لم تطبق جميع الولايات التباعد الاجتماعي والحجر الصحي في نفس الوقت، بل وأن بعض الولايات لم تطبقه إطلاقا. فالوقت الذي سينجح بلد ما في احتواء الفيروس والسيطرة عليه، قد يكون بلد آخر لم يأخد الأمر على محمل الجد ولم يطبق الإجراءات الصحية على نطاق واسع كالبرازيل، بيلاروس (روسيا البيضاء)، وهنغاريا. حيث قد يسافر شخص ما من البرازيل إلى أحد البلدان الآمنة مثلا، هل من شأن هذا أن يتسبب في تقويض جهود البلدان التي قامت بالإجراءات اللازمة؟

بيل غيتس: للأسف فالبلدان الغنية التي سيطرت على الفيروس لن تسمح للأشخاص من هذه البلدان لدخول أراضيها إلا إذا تم تشخيصهم أو أثبتوا مناعتهم. وهذا سيمنع الكثير من الأفراد من عبور الحدود بشكل كبير خلال السنوات القادمة إلى حين التوصل للقاح كامل وفعال.

نواه: لقد كنت من بين الأوائل الذين تبرعوا بمبلغ كبير لمكافحة الفيروس ومساعدة المتواجدين في الصفوف الأمامية من المجال الطبي للحصول على المعدات اللازمة. وأتذكر أنك في آخر مرة تبرعت أنت وزوجتك مليندا بمبلغ 100 مليون دولار، لكن على ما يبدو فالمبالغ المالية ليست قادرة على تسوية الوضع الحالي، مالذي تأمل تحقيقه في هذه الفترة؟

بيل غيتس: إن نجحنا في إجراء العدد المطلوب من التشخيصات فسيتغير الكثير. تملك مؤسستنا خبرة عميقة في مجال الأوبئة المعدية والكثير من المتخصصين في هذا المجال، لذلك توصلنا لما يجب فعله فيما يخص اللقاح، ومن شأن تبرعاتنا المبكرة أن تسرع شتى العمليات والقرارات. فمثلا خلال عملية تركيب العديد من اللقاحات، يستوجب تمويل سبع لقاحات واعدة مثلا بالرغم من أننا سنختار إثنين في نهاية المطاف وذلك لتفادي ضياع الوقت في مرحلة اختيار اللقاح الوحيد المناسب. وسنعمل على تشييد مصانع ومستلزمات تصنيع جميع اللقاحات السبعة. حسب رأيي ورأي الدكتور فاوتشي فالتوصل للقاح كامل يتطلب 18 شهرا، لذلك فمن الأفضل بدء عمليات تصنيع مختلف اللقاحات. سيكلفنا الأمر هدر بضع مليارات دولار على تصنيع لقاحات لن تستعمل في نهاية الأمر لأن لقاح آخر ربما أثبتت فعاليته.

ويمكن رفع الحضر والحجر الصحي في الصيف وإعادة فتح مقرات العمل…إلخ, لكن سيزال الوضع بعيدا على ما اعتدنا عليه، لأن الجميع سيراوده القلق وقد يتم فرض ارتداء الكمامات. عموما هنالك الكثير من الإجراءات التي يستوجب اتخاذها لتقليل الأضرار قبل تلقيح ساكنة العالم ضد الفيروس. يعد 7 مليار شخص عدد كبير من الطلبات إلا أنه الحل الوحيد والأمثل الذي يجب الوصول إليه لإعادة الأمور لمجاريها.

نواه: بيل غيتس، لقد تنبأت بهذه الجائحة تقريبا قبل 5 سنوات، هل هناك شيء آخر تود أن تحذرنا منه؟ أو هل هناك موضوع آخر يقلقك ويبقيك مستيقظا خلال الليل؟

بيل غيتس: إن فيروس كورونا المستجد وباء تشكل بشكل طبيعي وبالرغم من أنه ليس هينا على الإطلاق إلا أنه يمكن أن تكون أوبئة أخرى أخطر منه ويشمل الأمر فيروسات مصنعة للإرهاب البيولوجي. عموما، أرى أن هذه الجائحة ستغير العالم كثيرا وستمكننا للإستعداد لمختلف الأوبئة مستقبلا.

حوار مع بيل غيتس حول سياق تنبؤاته لفيروس كورونا قبل 5 سنوات ومستلزمات اللقاح

المصدر: Trevor Noah’s interview on The Daily Social Distancing Show

تصفح أيضا مقالات أخرى عن فيروس كورونا المستجد من هنا

ما مدى فعالية دواء أفيجان ضد فيروس كورونا المستجد؟

يعمل دواء أفيجان كمضاد للفيروسات عن طريق تثبيط بوليمراز الحمض النووي الريبوزي، وهو فعال ضد مجموعة واسعة من فيروسات الإنفلونزا بما فيها السلالات المقاومة للأدوية، كما يعمل على مكافحة فيروسات الحمض النووي الريبوزي الأخرى مثل الفيروسات الرملية arenaviruses وفيروسات بونيا bunyaviruses وفيلو filoviruses التي تسبب حمى نزفية قاتلة، لكن ما مدى فعالية دواء أفيجان ضد فيروس كورونا المستجد؟

دراسة أفيجان في الصين

قام فريق من المركز الوطني لأبحاث الأمراض المعدية في الصين بمقارنة دواء أفيجان مع دواء لوبينافير/ريتونافير. استُخدم دواء لوبينافير المضاد لفيروس نقص المناعة المكتسبة ضد فيروس سارس عام 2003، وأضاف المصنعون إليه دواء ريتونافير لزيادة فترة تأثيره وتقليل آثاره الجانبية. كان المشاركون في الدراسة مرضى من مستشفى شنتشن في الصين، ضمت المجموعة الأولى 35 مريضاً مشخصاً بفيروس كورونا حيث تناولوا في اليوم الأول 1600 ملغم من دواء أفيجان مرتين باليوم بالإضافة إلى استنشاق الإنترفيرون، في اليوم الثاني وما بعده خُففت الجرعة إلى 600 ملغم مرتين يومياً مع الاستمرار في استنشاق الإنترفيرون. أما المجموعة الثانية فضمت 45 مريضاً تناولوا لوبينافير/ ريتونافير بجرعة 400 ملغم / 100 ملغم مرتين باليوم بالإضافة إلى استنشاق الإنترفيرون.

نتائج الدراسة

أظهرت الدراسة أنَّ مرضى المجموعة الأولى الذين تناولوا دواء أفيجان تخلصوا من الفيروس بمعدل 4 أيام، بينما احتاج المرضى في المجموعة الثانية إلى 11 يوماً للتخلص من الفيروس. كما أظهرت المجموعة الأولى تحسناً كبيراً في تصوير الصدر مقارنة بالمجموعة الثانية بمعدل تحسن مقداره 91.43 % مقابل 62.22 %. بالإضافة إلى ذلك كانت الآثار الجانبية في مجموعة أفيجان أقل من المجموعة الثانية.

العوامل المحددة للدراسة

رغم أنَّ السمات الصحية للأشخاص في المجموعتين كانت قابلة للمقارنة إحصائياً، إلا أنَّ هناك اختلافات مهمة بينهما أثارت الشكوك حول نتائج الدراسة، فمثلاً كان عدد اليافعين والمتمتعين بلياقة بدنية أكثر في المجموعة الأولى التي تناولت الأفيجان وتلقوا العلاج مباشرة بعد ظهور الأعراض، كما كان عدد المصابين بالحمى أقل في هذه المجموعة. ونظراً لصغر حجم الدراسة فإنَّ هذه الاختلافات الطفيفة بين المجموعتين قد تؤثر على النتائج.

تقدم هذه الدراسة الصغيرة بعض النتائج المثيرة لكن الاختلافات في شدة المرض والعمر بين المجموعتين، وعدم تعمية النتائج للباحثين تلقي بظلال الشك على هذه النتائج، لذلك يحتاج الأطباء إلى التجارب العشوائية قبل البدء باستخدام الدواء سريرياً ضد فيروس كورونا المستجد.

نُشرت هذه الدراسة في مجلة الهندسة بتاريخ 18/3/2020 ثم قام الناشر بحذف الدراسة مؤقتاً مؤكداً على توفير بديل لها قريباً أو إعادة نشرها مع توضيح سبب الحذف.

الدراسات خارج الصين

أعلنت الشركة المنتجة لدواء أفيجان بدء المرحلة الثانية من التجارب السريرية في الولايات المتحدة لاختبار فعالية الدواء ضد مرض كورونا، حيث سيشارك في الدراسة 50 مصاباً بالفيروس بالتعاون مع مستشفى بريغهام ومستشفى ماساتشوستس العام وكلية الطب في جامعة ماساتشوستس. أما في اليابان فقد بدأت الشركة المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لاختبار مدى أمان أفيجان وفعاليته ضد فيروس كورونا المستجد.

المصادر:

NCBI

Medical News

Engineering

Fujifilm.US

Clinical Trial

هل تعتبر الرياضيات علماً؟

الرياضيات علم بالمعنى الواسع للمعرفة المنهجية الوضعية، لكن القطاع الأكبر من الناس تستخدم مصطلح العلم-science لوصف العلوم الطبيعية فقط، الرياضيات تستخدمها العلوم الطبيعية كلغة لوصف وتحليل الكون بإيجاز ودقة، هل تعتبر الرياضيات علماً؟ ، جوهر الإجابة على هذا السؤال في فهم المنهج العلمي والمنهج الرياضي ومعرفة الفرق بينهما.

المنهج العلمي
يستخدم العلم منهجاً يتكون من صياغة الفروض ثم اختبارها ثم بناء على نتائج الاختبار يتحدد موقفنا من الفرضية، فالنظرية العلمية تعبر عن أفضل التقديرات المقبولة وفق الأدلة التجريبية المتاحة في وقت صياغتها، ومن الممكن تعديلها في حالة ظهور دليل جديد، على سبيل المثال نظرية التطور هي نظرية تحظى باحترام كبير في الأوساط العلمية، ولكن لا يمنع هذا من إحداث تغييرات فيها إذا ظهرت أدلة جديدة.

المنهج الرياضي
الرياضيات تعتمد على البرهان وليس الدليل التجريبي، والنظرية الرياضية تكون صحيحة دائماً وفق شروطها، ولإثبات صحتها تحتاج سلسلة من البراهين المنطقية تبدأ من الشروط لتصل إلى الاستنتاج المطلوب، على سبيل المثال مبرهنة أن كل عدد زوجي أكبر من أربعة هو مجموع عددين فرديين، هناك العديد من الأدلة التجريبية لا حصر لها تثبت صحة هذه المبرهنة 17+3=20، 333+7=340، 15+15=30، 101+3=104 …..…..إلخ، لكن لا يمكننا الجزم بصحة هذه المبرهنة بدون وجود برهان رياضي، وحتى يأتي هذا الإثبات من المقبول رياضياً أن نتصور وجود عدد زوجي أكبر من أربعة لا يتكون من مجموع عددين فرديين.

جدير بالذكر أنه في عصرنا الحديث ومع تعقيداته على المرء أن يضبط استعماله للمعادلات الرياضية بالمعرفة التجريبية والاختبار في بعض نواحي المعرفة، مثال ذلك التنبؤات الاقتصادية بعيدة المدى.

لماذا لا توجد جائزة نوبل للرياضيات؟
قد يتبادر للذهن عندما نعلم أنه لا توجد جائزة نوبل للرياضيات، بأن الرياضيات تعامل معاملة من الدرجة الثانية، وأن قيمتها مبالغ فيها بعض الشئ، قد يكون هذا الأمر قد تسرب لألفريد نوبل وشعر بأن الرياضيات ليس لها تأثير كبير في عصره الذي عاش فيه، وأن الكيمياء والفيزياء والطب والأدب لها تاثير أكبر على العالم ، لكن علينا ألا نهمل سبب رئيس آخر هو وجود جائرة ذات قيمة معتبرة للرياضيات يمنحها ملك السويد أوسكار الثاني، ولم يرد ألفريد نوبل وقتها أن يكون منافس للملك في ذلك، فمالسألة هنا مرتبطة بتصور شخصي لألفريد نوبل وفق ظروف عصره، كما أن الجائزة من ماله الخاص يعطيها لمن يشاء، ولا يعتبر هذا حكماً على شئ بالدونية إذا لم يكن يشعر بالحاجة لإعطاء الجائزة لمجالات أخرى مثل الرياضيات.

المصادر

Euclid

Cisthetaglobal

3 ـ Phys

Exit mobile version