الفن والتطور: هل للفن أصول تطوّرية؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

من الموسيقى والغناء والرقص إلى الرسم والأدب والنحت، كان تاريخ البشر حافلًا بالإبداعات الفنية. ولم تقتصر الفنون على كونها رفاهية ثقافية تفيد المتعة، بل شكلت جزءًا من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية. كان الفن موضع بحث للفلاسفة لفترة طويلة، إلا أن العلوم البيولوجية والنفسية ساهمت منذ الثمانينات في البحث عن الأسباب العلمية التي جعلت البشر يميلون إلى الفن ويبدعونه. بدورهم، درس الباحثون في علم النفس التطوري الأصول التاريخية للفن والعلاقة بين الفن والتطور، والبحث عن إجابة السؤال التالي، هل للفن أصول تطوّرية؟

التجارب الفنية الأولى للبشر

عندما نتحدث عن الفن، فنحن نعني أي نشاط إبداعي مميز يهدف بشكل أساسي إلى المتعة والتعبير عن الذات. وتشمل الفنون كل أنواع الإبداعات البصرية (الرسم والنحت والتصميم وغيرها)، وكل النشاطات الإيقاعية (الرقص والغناء وعزف الموسيقى) والخيال (تأليف الروايات والأدب والكتابة الإبداعية).

من أجل فهم معمّق لأصول هذه الفنون، لابد من الاطلاع على تاريخ نشأتها ابتداءً من العصر الحجري. بحسب علوم الآثار والحفريات، بدأ البشر منذ زمن طويل بنشاطات الحفر والتزيين والرسم والصبغ، وقد وُجدت أعمال تزيين بالخرز والنقش على قشر بيوض النعام في جنوب أفريقيا تعود إلى حوالي 75 ألف عام. كذلك وُجدت أغراض مزينة بالصدف في فلسطين (تعود إلى ما قبل 100 ألف عام) وفي الجزائر (قبل 35 ألف عام) وفي المغرب (قبل 75 ألف عام).

أما عن تاريخ الموسيقى فيُقال أن الموسيقى سبقت حتى القدرة على الكلام، ويعود صنع المزامير (أقدم الآلات الموسيقية) إلى ما يقارب 40 ألف عام.

ما هي العلاقة بين الفن والتطور؟ هل للفن أصول تطوّرية؟

يعمد علم النفس التطوري إلى تفسير السلوكيات البشرية من خلال البحث عن أصولها التطورية، وذلك من خلال ثلاث احتماليات أساسية:

  • السلوك عبارة عن تكيّف (Adaptation) أو مجموعة تكييفات حصلت تحت ضغط الانتقاء الطبيعي، أي أنه ساهم في زيادة النجاح الانجابي وفرص النجاة من المخاطر عند إنسان العصر الحجري، وقد ورثناه من أسلافنا عن طريق الجينات.
  • لا يملك السلوك صفة تكيّفية بنفسه، لكنه نتيجة لصفات تكييفية أخرى (By-product).
  • السلوك هو نتيجة عشوائية لطفرات أو تغيرات جينية (Random effect).

تعدّدت النظريات في علم النفس التطوري واختلفت بين نظريات تعتبر الفن ذا وظيفة تكييفية للبشر، وبين أخرى تعتبره نتيجة غير مباشرة لتطور قدرات عقلية واجتماعية تكيفية أخرى.

الوظائف التكيّفية للفن

عرض الباحثون في مجال علم النفس التطوري والعلوم المعرفية عدد من النظريات التي ترى في الفنون تكيّفات تطورية جرت على أساس الانتقاء الطبيعي.

  • الفن كاستعراض جنسي:

استوحى عالم النفس التطوري «جيوفري ميلر – Geoffrey Miller» من نظرية «الانتقاء الجنسي – Sexual selection» التي تفسّر سلوكيات الحيوانات في اختيار الشريك الجنسي، ليفسر ميل الانسان للفنون وتقديرها واعتبارها مميزة وذات قيمة جمالية.

تمامًا كاستعراضات ذكور الطيور من خلال الغناء والرقص وعرض الريش الملوّن بهدف إغواء الإناث. اعتبر ميلر أن الفن ربما قد لعب دورًا مشابهًا لاستعراضات الطيور عند البشر. فالفنون غالبًا ما تحتاج قدرات عالية من الذكاء والإبداع والصحة الجيدة والطاقة والحركات اليدوية الدقيقة والقدرات الإدراكية (البصرية / السمعية) المتفوقة وغيرها. ومن المحتمل أن استعراض الذكور من البشر لهذه الفنون كان وسيلة لإغراء النساء وجذب انتباههن.

  • تحسين القدرات العقلية والاجتماعية:

تساهم الفنون بتنمية العديد من القدرات العقلية، لذلك اعتبر عدد من العلماء في مجال علم النفس التطوري والعلوم العصبية أنها تملك وظيفة تكيّفية بنفسها، لأنها تزيد من قدرة الدماغ على حل المشاكل وأخذ خيارات أفضل.

فالخيال -مثل الخيال المستخدم في رواية القصص- يبعث على التحليل وتخيل مواقف اجتماعية ومحادثات وسمات الشخصيات المختلفة ورسم استراتيجيات عقلية. في هذه الحالة يمرّن الخيال القدرات العقلية للفرد دون التعرض لخطر حقيقي.

بحسب الباحث في الأدب والتطور «جوزيف كارول – Joseph Caroll»، فإن الأدب والفنون بشكل عام تلبّي الحاجة البشرية الفريدة لإنتاج ترتيب معرفي مشبع عاطفيًا وجماليًا. كما يعتبر أن الفن يساعد العقل البشري على التنظيم.

الفن كنتاج ثانوي للتطور

بينما نظر البعض للفن كوظيفة تكيّفية، اعتبر آخرون الفن نتيجة ثانوية للتطور، لكنه لا يملك صفة تكيّفية (By-product).

فبحسب عالم النفس المعرفي «ستيفن بينكر – Steven Pinker»، الفن هو نتيجة لعدد من التكيّّفات التي اكتسبناها عبر التطور. من جهة، القدرات العقلية سمحت لنا كبشر بإبداع الفنون والاستمتاع بها. من جهة أخرى، نمت عند البشر رغبة في الحصول على مركز اجتماعي، ولعلّ ممارسة الفن كانت وسيلة لتلبية هذه الرغبة.

يشمل بينكر في نظريته غالبية الفنون من الموسيقى إلى الرسم والرقص والنحت وغيرها. لكن يستثني بينكر الخيال (تأليف الروايات والقصص) من هذا. فقد اعتبره في الوقت عينه تكيّفي (لأنه يساعد البشر على تخيل المشاكل وحلها وينمي قدراته في التحليل والتفاعل الاجتماعي). كما اعتبره نتاج ثانوي للسمات التطورية الأخرى.

ما زالت العلاقة بين الفن والتطور غير واضحة الملامح وهي تطرح إشكاليات عدة. فالفن يشمل نشاطات مختلفة ومتعددة، كما يتخذ الفن طابعًا اجتماعيًا كبيرًا، أي أنه ينتقل من جيل إلى آخر من خلال التنشئة الاجتماعية. يشكّل هذا الأمر تحديًا لدراسته بشكل بيولوجي صرف. لكن الأكيد أن الفن على اختلاف أوجهه جمع البشر جميعًا، وتعدى دوره كمتعة ليصير حاجة اجتماعية وثقافية وعاطفية. فهل للحياة طعم دون فن؟ ما رأيك؟

المصادر:

ResearchGate
The arts after Darwin, Ellen Dissanayake
ResearchGate

هل وصلنا إلى نهاية عصر المضادات الحيوية؟

هل وصلنا إلى نهاية عصر المضادات الحيوية؟

لو أنك مولود بعد عام ١٩٢٨م فأنت محظوظ لتعيش حياة آمنة إلى حد ما، فمنذ هذا التوقيت تحديداً أوجد العالم «Alexander fleming – ألكسندر فليمنج» الأمل باكتشاف البنسلين.

تعد استخدامات البنسلين الحالية محدودة، بالإضافة إلى الحساسية التي تصيب عدد من الناس من جراء استعماله. والحقن التي يأخذها الأطفال غالبًا كل ٢٠ يوم في حياتهم، ومن الممكن أن يستمروا بأخذها لما بعد الخامسة والعشرين عاما – أقل أو أكثر –  وما يحمله كل هذا من معاناة. لكن الحقيقة أن اكتشاف البنسلين هو حقبة جديدة من الحياة، إنه بداية عصر طبي جديد وعليه بُني التاريخ، ومنه قد نخرج من عصر إلى عصر آخر. 

قصة اكتشاف البنسلين

عاد العالم فليمينج من إجازته إلى المعمل الخاص به، وقد كان تاركاً طبقاً لمزرعة بكتيرية، فوجد جزءاً من الطبق لا تنمو به البكتريا أو حوله، فاستنتج من ذلك أن العفن قام بإفراز مادة قتلت البكتريا، فقام بعد ذلك بتحليل واكتشاف البنسلين.

أكمل « Howard Florey- هاوارد فلوري » و« Ernst chain  –  إيرنست تشين » من جامعة أوكسفورد أبحاثهم على البنسلين، وبدأوا استخدامه كدواء على الفئران.[1]

ليتم أخيراً علاج أول مريض بنجاح عام ١٩٤٢م بعد أن عُرف البنسلين كمادة قاتلة لأشرس أنواع البكتيريا، ولكن كان هناك إخفاقات إما أثناء التجهيز وإما الكمية الغير كافية. 

تغلب العلماء على المشكلة بتصنيع كمية أكبر، ووضع أفضل طريقة للاستخدام. واستطاعت شركات الأدوية تصنيع ما يقرب من ٦٥٠ مليار وحدة كل شهر بمرور الحرب العالمية الثانية. وأصبح العالم يمتلك ٤٠٠ مليون وحدة من البنسلين في عام ١٩٤٣م. [3] 

كان الوصول لتلك المرحلة هو بمثابة تقدم عظيم للبشرية حيث كان يمكن لأي عدوى أو جرح أن تودي بحياة المصاب، ولكن بعدها أصبح للأطباء القدرة على علاج عديد من الأمراض بشكل أسهل. 

لم يدم ذلك التقدم طويلاً حيث طورت البكتريا نفسها لمقاومة ذلك السلاح الذي استطاع التخلص منها قبل ذلك. حيث ذكر فليمينج في حفل تكريمه عن اكتشاف البنسلين تخوفه من تطور البكتيريا لمقاومة البنسلين وعدم قدرته على العلاج.

كيف تستطيع البكتيريا مقاومة المضادات الحيوية؟

  1. تفرز البكتريا « penicillinase – بنيسيليناز »  وهو إنزيم يستطيع تكسير البنسلين ويجعله غير قادر على العمل. 
  2. تستطيع البكتيريا إحداث تغيير في تركيبها، وخصوصًا المكان الذي يرتبط فيه البنسلين وبالتالي لن يستطيع البنسلين القضاء عليها. 
  3. تستطيع أيضا البكتيريا إخراج البنسلين من داخلها عن طريق « efflux pump – مضخة التدفق ». [2] 

نتيجة لذلك حدثت أول حالة مقاومة من البنسلين عام ١٩٤٥م. أي بعد استخدامه بعامين تقريبًا، ليدخل العالم في عصر جديد من التطور لاكتشاف مضادات حيوية جديدة. ولكن كلما تم اكتشاف مضاد حيوي جديد تطورت البكتريا لمقاومته. 

صراع غير متكافئ

يعتبر ذلك صراع غير متكافئ لسببين:

  1. يظهر جيل جديد من البكتيريا كل ٢٠ دقيقة تقريبًا. 
  2. تستغرق الكيمياء الصيدلية ١٠ أعوام لاستخلاص دواء جديد. 

هل ساهم البشر في هذا التطور ؟

نعم، ساهمنا بشكل كبير، ولكن كيف؟

  • نستخدم المضادات الحيوية تقريباً في أي نوع من أنواع العدوى حتى إذا كانت العدوى فيروسية أو فطرية وليست بكتيرية.
  • يُستخدم المضاد الحيوي كحبة واحدة عند الإحساس بالألم أو التعب ومن الممكن أن تكون حبتين أو ثلاثة حبات فقط. لكن يجب أن يُستخدم المضاد الحيوي كاملاً حتى لا يتسنى لباقي البكتيريا الموجودة التعرف على المضاد الحيوي وتكوين مقاومة تجاهه. ويصبح لدى أي جيل قادم من البكتريا القدرة لمقاومة هذا المضاد الحيوي. توصلت دراسة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن ٤٥٪ من الحالات الطبية يمكن شفاؤها دون استخدام المضاد الحيوي. 
  • تطلب أغلب الأسر من الطبيب أن يصف مضاد حيوي للطفل حتى إذا لم يكن بحاجة إليه. 
  • تذهب ٨٠٪ من مبيعات المضادات الحيوية  للحيوانات دون استخدام طبي، بل لتصبح أقوى وأكبر حجمًا لتحقيق مبيعات أكثر.

يوجد عدد من الحلول التي يجب على الجميع الالتزام بها للخروج من هذه الأزمة التي قد تفتك بأعداد كبيرة من البشر في وقت قريب:

  1. سن القوانين والتوعية حول استخدام المضادات الحيوية، حيث يوصف المضاد الحيوي عند الحاجة فقط ويجب التأكيد على إكمال فترة العلاج، حيث أننا نتوقع الوصول لمرحلة عدم أخذ المضاد الحيوي إلا بعد عمل مزرعة بكتيرية لمعرفة العلاج المناسب فقط، وبالتالي عدم صرفه من الصيدليات المجتمعية دون وصفة طبيب مختص، وبشرط أن يتطابق مع التشخيص المذكور في الوصفة الطبية. العديد من الدول قامت بسن هذه القوانين ولايزال البعض منها يصرف المضادات الحيوية مثل أي ادوية من دون وصفة طبية. لكن هل هذا يحل المشكلة؟ بالطبع لا. من الممكن أن يؤخر الوصول إلى مرحلة المقاومة الكاملة للمضادات الحيوية، وهذا حل مضمون تنفيذه عن طريق القوانين والقواعد المشددة. 
  2. عدم إعطاء المضادات الحيوية للحيوانات إلا في الحالات المرضية، بالإضافة إلى أن يصر المستهلك على أنه لن يشتري مثل هذه المنتجات إلا إذا كانت خالية من المضادات الحيوية، وبذلك يتم التقليل من استخدامها في الحيوانات.
  1. تطوير الإنسان للمضادات الحيوية الجديدة التي تقضي على البكتيريا ولا تستطيع البكتريا مقاومتها.               لكن الأمر ليس بتلك السهولة حيث أنه في الثلاثة عقود الأخيرة لم تظهر عائلة مضاد حيوي جديدة تمامًا. 

التقنيات التي تساهم بقتل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

  • استخدام الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الكمبيوتر المتطورة في إنتاج مضادات حيوية جديدة، لعل أهمها «Halicin -هاليسين». وهو مركب يقتل أنواع كثيرة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ويعتقد العلماء أن هناك أمل في إنتاج مضادات حيوية جديدة.[4][5] 
  • العلاج الفيروسي عن طريق«bacteriophage  – باكتيريوفاج » وهو عبارة عن فيروس يلتصق بالبكتريا ويخترقها ويتكاثر داخلها مرات عديدة ويستطيع تحليلها وتكسيرها، وبعدما تموت كل البكتريا لن يستطيع الباكتيريوفاج التكاثر مرة أخرى، فهو يتكاثر داخلها فقط. لذلك هو مستقبل مشرق ومفيد في مقاومة البكتيريا. 
  • استطاع عدد من العلماء مؤخراً تتبع التركيب الجيني للعفن الذي أدى بألكسيندر فليمينج لاكتشاف البنسلين، وأكدوا أنه في الوقت القريب سيكون هناك معلومات أكثر عن مقاومة البكتريا، وقد يكون هناك تغيرات جديدة في ذلك، ونستطيع مقاومة هذه البكتيريا التي تقاوم كل أسلحتنا ضدها.[6] 

يتحرك العالم سريعاً من مرحلة إلى مرحلة بداية من ما قيل عن استخدام الفراعنة المصريين العفن في علاج بعض الجروح بكل هذه العصور حتى الوصول إلى فليمينج، والوصول إلى هذه المرحلة على حافة نهاية المضادات الحيوية. 

التوقعات تقول أننا بحلول عام ٢٠٥٠م سنفقد سنويَا ١٠ ملايين شخص. إن هذا العدد هو أكبر مما نفقده سنوياً حالياً بسبب السرطان. فالأمل في إيجاد طريقة للعلاج هو الحل لإيقاف كوارث بشرية مستقبلية.

المصادر:

[1] Healio

[2] medicalnewstoday

[3] ACS chemistry for life

[4] nature

[5] The Guardian

[6] drugs.com

الحب من منظور علم النفس التطوري

هذه المقالة هي الجزء 6 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

الحب من منظور علم النفس التطوري

كتب فيه الفلاسفة والأدباء ما لا يُحصى من الكتب. روي عنه ما لا يُحصى من الحكايات في الأفلام والروايات. ألهم الموسيقيين والرسامين والشعراء، وغُزلت حوله ملاحم الأساطير والمعجزات. إنه الحب، واحد من أهم المشاعر الإنسانية، وقد يكون أكثرها تعقيدًا. رغم أنه شغل حيزًا كبيرًا من الحياة الثقافية والفكرية والفنية للإنسان، إلا أن العلم بقي خجولًا وعاجزًا لفترة طويلة أمامه باعتبار أن دراسته وتفسيره بشكل موضوعي أمر شبه مستحيل. حتى أن تعريف الحب نفسه يعتبر مهمة شاقة، نظرًا لاختلاف تجاربنا البشرية فيه. لكن تطور علوم الأحياء والجينات وعلم النفس سمح للعلوم بفهم شعور الحب بشكل أعمق. وبدوره، بحث علم النفس التطوري عن جذور هذا الشعور وأسبابه التاريخية، إذن ما هو الحب من منظور علم النفس التطوري ؟ وكيف يفسّره؟

ما هو الحب؟

الحب بطبيعته مفهوم معقّد وواسع ويحمل عددًا من المعاني، فقد يُقصد به الحب الرومانسي الذي يجمع شخصين في ارتباط عاطفي، وقد يعني أيضًا حب الأم والأب لأطفالهم أو حب الأصدقاء أو المحبة بكل ما تعنيه. لكن ما يعنينا في هذا المقال تحديدًا هو الحب الرومانسي.

لم يجتمع الفلاسفة والأدباء حول تعريف موحّد للحب، ولا حول تفسير واضح له. في علم النفس، تعدّدت النظريات حول الحب لكن الأكثر شيوعًا هي نظرية مثلث الحب لعالم النفس الاجتماعي ستيرنبرج. وقد اعتبر أن الحب يتألف من ثلاثة عناصر أساسية هي الشهوة والحميمية والالتزام.

لكن كون الحب شعورًا بشريًا عامًا موجودًا في كل المجتمعات وعند مختلف الشعوب، يمكن اعتباره سمة بشرية ذات أساس فيزيولوجي. فنحن نشعر الحب بأجسادنا، بأعراض شبه مرضية، من دقات القلب السريعة إلى الأرق ورعشة الجسد وغيرها. ورغم أننا نشير في الحب غالبًا إلى القلب، إلا أن الحب ينبع من الدماغ، ويرتبط بشكل مباشر بـ«الناقلات العصبية – Neurotransmitters» كالدوبامين والأوكسيتوسين.

أما من ناحية علم النفس التطوري، فقد حاول الباحثون تفسير الحب كسمة تطورية ساهمت في تحسين النجاح الإنجابي و/أو فرص البقاء على قيد الحياة. وقد أثبتوا فعلًا عددًا من الوظائف التكيّفية للحب، بالإضافة إلى عدد من الدلائل التي تشير إلى جذور الحب التطورية.

الوظائف التكيّفية للحب

يعتمد علم النفس التطوري بشكل أساسي على نظرية الانتقاء الطبيعي. فتنتقل الجينات المساهمة في زيادة النجاح الإنجابي وفرص البقاء على قيد الحياة من جيل إلى الآخر. ويعتبر علم النفس التطوري أن الحب نفسه نتيجة للانتقاء الطبيعي، نظرًا للوظائف التكيفية التالية:

  • رعاية الأطفال: مع تطوّر البشر وزيادة حجم دماغهم، ازدادت حاجة الأطفال للرعاية لوقت طويل. ففي حين تولد الكثير من الحيوانات بأدمغة شبه مكتملة، يولد أطفال البشر بأدمغة غير كاملة. يحتاج أطفال البشر طفولة طويلة تمتد حتى 15 عامًا ليصبح الطفل ناضجًا وواعيًا ومستقلًا. من هنا، أصبحت رعاية الأطفال مهمة شاقة تستنزف الكثير من الوقت والطاقة. ساهم الحب في خلق علاقة التزام بين الوالدة والوالد، مما سهّل مهمة رعاية الأطفال. وزادت قدرتهما على تأمين الموارد المادية والنفسية لهم وبالتالي تزداد فرص بالبقاء على قيد الحياة ونقل الجينات.
  • زيادة احتمالية الحمل والإنجاب: تتميّز إناث حيوانات الشيمبانزي بخصائص جسدية ظاهرة خلال فترة «الشبق –Estrus» ، فيتم التزاوج حصرًا في هذه الفترة التي تمتاز بخصوبة عالية مما يرفع احتمالية الحمل.

أما عند إناث البشر، فتتكرر فترة الإباضة شهريا، وهي قصيرة نسبيًا ولا تُظهر خصائص جسدية واضحة. لذلك من المهم أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل طويلة الأمد لزيادة احتمالية الحمل وبالتالي الإنجاب. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعدد الأزواج لمرأة واحدة يزيد من احتمالية تسمّم الحمل، وبالتالي فعلاقة الزواج الأحادي تعزّز احتمالية الإنجاب.

  • أهمية رعاية الأب: بيّنت دراسة لبيئة السكان الأصليين في شرقي باراغواي أن الأطفال الذين ينعمون برعاية الأب خلال السنين الخمس الأولى من حياتهم تصبح لديهم فرصة مضاعفة للبقاء على قيد الحياة مقارنة بالأطفال الذين فقدوا آبائهم في أول حياتهم. وهذه الدراسة ما هي إلا دليل جديد على أن الحب الذي يضمن بقاء الوالد إلى جانب أطفاله، يعزز فرصتهم في البقاء على قيد الحياة.

كيف ساهم الحب في تنمية القدرات المعرفية والاجتماعية؟

ساهمت العلاقات الطويلة الأمد في بناء القبائل والمجموعات التي تعزز فرصها بالنجاة. لكن الحياة ضمن القبائل تطلبت بالمقابل قدرات اجتماعية عالية تسمح بالتعاون والتضامن وكشف الغشاشين وغيرها.

كما أن العلاقات العاطفية نفسها تشكل واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا، نسبة للتعلّق النفسي الكبير بين الفردين. وهي بالتالي تنتج مع الوقت مصاعب اجتماعية معقّدة. ونظرًا للدافع الذي شكله الحب، ساهم بشكل مباشر بصقل القدرات الفكرية والاجتماعية التي تميزنا كبشر عن باقي الكائنات، والتي شكلت الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات المتقدمة والثقافات بشكلها الحالي.

“الحب قماشة تقدمها الطبيعة ويطرزها الخيال”.

فولتير

الحب ليس فقط شعور عظيم وتجربة إنسانية راقية، لكنه أيضًا الشعور الذي ساهم في المحافظة على حياة أسلافنا وانتشارهم في بقاع الأرض، وفي تنمية قدراتنا العقلية والاجتماعية لنصبح ما أصبحنا عليه اليوم.

المصادر

Researchgate
Science direct
Harvard Health Publishing

هل استطاع إنسان النياندرتال التكلم مثلنا؟

عزيزي القارئ قد تظن أنك، وباستثناء الببغاء، الكائن الوحيد القادر على الكلام على سطح هذه المعمورة. لكن يؤسفني أن أخبرك أن كل ذلك قد تغير. فمؤخرًا ظهر أن النياندرتال، أقرب أقربائنا، امتلك القدرة على إصدار الأصوات وسماعها، بالقدر نفسه الذي تمتلكه أنت قبل أن تكون موجودًا حتى. فهل استطاع إنسان النياندرتال التكلم مثلنا؟

هل تكلم النياندرتال؟

استطاع أقرب اقربائنا النياندرتال السمع وإصدار الأصوات كالإنسان الحديث تمامًا وفق ما جاء في دراسة حديثة. فعبر تحليل مفصل وإعادة تشكيل رقمي لعظام الجمجمة لدى النياندرتال. تمكنت هذه الدراسة من إنهاء جدل استمر لسنوات عن قدرة هذا الكائن على التكلم.

حسب عالم الحفريات البشرية 《رولف كوام-Rolf Quam》 من جامعة بينغهامتون هذه الدراسة واحدة من أهم الدراسات التي حصلت في مجال الحفريات البشرية. فنتائجها القوية تظهر بوضوح أن إنسان النياندرتال كان لديه القدرة على إدراك وإنتاج الكلام البشري. وهي واحدة من عدد قليل جدًا من الدراسات الحالية التي تعتمد على الأدلة الأحفورية لدراسة تطور اللغة. وهو موضوع صعب التأكد منه في علم الأنثروبولوجيا.

إن الفكرة القائلة بأن 《إنسان نياندرتال-Homo neanderthalis》 كان أكثر بدائية من 《البشر المعاصرين-Homo sapiens》 عفا عليها الزمن. ففي السنوات الأخيرة، تُظهر مجموعة متزايدة من الأدلة أنهم كانوا أكثر ذكاءً مما افترضنا في السابق. لقد طوروا تكنولوجيا لصناعة الأدوات وابتكروا الفن وأقاموا الجنازات لموتاهم.

ومع ذلك، لم نكن نعلم ما إذا كانوا قد تحدثوا بالفعل مع بعضهم البعض، فقد ظل هذا الأمر لغزًا. يبدو أن سلوكهم المعقد يشير إلى أنه كان من المحتمل جدًا أن يكونوا قادرين على التواصل. لكن بعض العلماء أكدوا أن البشر المعاصرين فقط هم الذين لديهم القدرة العقلية للقيام بهذه العمليات اللغوية المعقدة.

سيكون من الصعب للغاية إثبات قدرتهم على التكلم بطريقة أو بأخرى. ولكن الخطوة الأولى ستكون تحديد ما إذا كان النياندرتال يستطيع إنتاج الأصوات وإدراكها في النطاق الذي يسمح بالتواصل القائم على الكلام.

تصميم ثلاثي الأبعاد لأذن الإنسان العاقل على اليسار وأذن النياندرتال على اليمين(مواقع التواصل)

هل ستحل الصورة المقطعية اللغز؟

باستخدام مجموعة من العظام القديمة. شرع  فريق بقيادة عالمة الأنثروبولوجيا القديمة 《مرسيدس كوندي فالفيردي – Mercedes Conde-Valverde》 بأخذ صور مقطعية عالية الدقة لجماجم خمسة من إنسان نياندرتال. وذلك لإنشاء نماذج افتراضية ثلاثية الأبعاد لهياكل الأذن الخارجية والوسطى له. قاموا أيضًا بنمذجة هياكل الأذن في الإنسان العاقل. وأحفورة أقدم بكثير – جمجمة Sima de los Huesos hominin، والمعروفة بإسم (Sima hominin،) سلف إنسان نياندرتال، والتي يعود تاريخها إلى حوالي 430 ألف سنة.

وقد استخدم أيضًأ نموذج للقدرة السمعية لهذه الهياكل بالإستعانة بمجال الهندسة الحيوية السمعية. من أجل فهم نطاق التردد الذي كانت الأذنين أكثر حساسية تجاهه، والمعروف أيضًا باسم النطاق الترددي المشغول. بالنسبة للإنسان الحديث، فإن النطاق الترددي المشغول هو النطاق سماع الأصوات البشرية.

وجد الفريق أن إنسان نياندرتال يتمتع بسمع أفضل في نطاق 4 إلى 5 كيلوهرتز من سلفه Sima. وأن النطاق الترددي المشغول لإنسان نياندرتال كان أقرب إلى النطاق الترددي للإنسان المعاصر من سلفه المباشر. يشير هذا التحسن بالقدرة السمعية إلى أن بشر النياندرتال كانوا بحاجة إلى سماع أصوات بعضهم البعض.

قالت كوندي فالفيردي هذا هو المفتاح لحل اللغز حقًا. فوجود قدرات سمعية مماثلة، في النطاق الترددي الذي يستطيع النياندرتال سماعه يدل على أنه يمتلك نظام اتصال معقد وفعال يمكنه من إصدارأصوات مثل الكلام البشري.

ومن المثير للاهتمام، أن عرض النطاق الترددي المشغول لإنسان نياندرتال امتد إلى ترددات أعلى من 3 كيلوهرتز. والتي تشارك بشكل أساسي في الإنتاج الثابت للأصوات. مما سيميز أصوات إنسان نياندرتال عن الأصوات القرود غير البشرية والثدييات الأخرى.

اقرأ أيضًا: الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

هل كان لديهم لغة؟

إن إحدى النتائج الأخرى المثيرة للإهتمام في الدراسة هي الاقتراح بأن كلام إنسان النياندرتال يتضمن على الأرجح استخدامًا متزايدًا للحروف الساكنة. ركزت معظم الدراسات السابقة لقدرات الكلام لدى إنسان نياندرتال على قدرته على إنتاج حروف العلة الرئيسية في اللغة الإنجليزية المنطوقة. ومع ذلك، يظن الباحثون أن هذا التركيز في غير محله. نظرًا لأن استخدام الحروف الساكنة هو وسيلة لتضمين المزيد من المعلومات في الإشارة الصوتية. كما أنه يفصل الكلام البشري واللغة عن أنماط الاتصال في جميع الرئيسيات الأخرى تقريبًا.

لقد تحسن السمع لدى النياندرتال مما مكنه من إنتاج الحروف الساكنة التي تظهر غالبًا في اللغات البشرية الحديثة، مثل “s” و “k” و “t” و “th”. وهي نفس الطريقة التي تكون بها سمعنا. جرب الصراخ ب  “sssss” سترى أنها طريقة جيدة للتواصل وربما إستخدمها النياندرتاليون للتواصل فيما بينهم.

لكن هل القدرة على الكلام تعني امتلاك لغة؟

لقد حذر الباحثون من أن امتلاك القدرة التشريحية على إنتاج الكلام وسماعه لا يعني بالضرورة أن إنسان نياندرتال لديه القدرة الإدراكية للقيام بذلك. ومع أنه ليس لدينا أي دليل على أن أشباه البشر هؤلاء قد تكلموا بلغة. إلا أننا نعلم أنهم قد أظهروا سلوكًا رمزيًا معقدًا، مثل القدرة على التعبير بالرسم وأنهم قد أقاموا طقوسًا لدفن موتاهم.

لا نعرف ما إذا كان لديهم لغة، ولكن على الأقل لديهم جميع الأجزاء التشريحية اللازمة للتمكن من الكلام. كما تقول مرسيدس كوندي فالفيردي. ليس الأمر أن لديهم نفس لغتنا، وليس مهمًا إن كانت الإنغليزية أو الإسبانية، ولا شيء من هذا القبيل. بل قدرتهم على إصدار الأصوات، فإن استطعنا سماعهم فسنعرف أنهم بشر.

تختلف قدرة إنسان النياندرتال على السمع عن باقي أشباه البشر مما يشير إلى تطور مشترك للسلوكيات المعقدة والقدرة على التواصل الصوتي بين البشر المعاصرين والنياندرتال.

إن هذه النتائج بالإضافة إلى الاكتشافات الحديثة التي تشير إلى السلوكيات الرمزية في إنسان نياندرتال، تعزز فكرة امتلاكهم لنوع من اللغة البشرية. لغة مختلفة تمامًا في تعقيدها وكفاءتها عن أي نظام اتصال شفهي آخرتستخدمه الكائنات الحية غير البشرية على هذا الكوكب.

لم يعد هناك نياندرتال ليتكلم

لم يقتنع روبرت بيرويك، عالم اللغويات الحاسوبية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كفاية بقدرة النياندرتال على الكلام . وبرأيه إن قدرة النياندرتال على الكلام لا تعني أبدًا أنه امتلك لغة.

قد لا يتم حل مسألة قدرة النياندرتال على التكلم بلغة أبدًا، حتى مع استمرار تراكم الأدلة. الأمر ببساطة لم يعد هناك إنسان نياندرتال يتكلم.

تقدم العديد من الاكتشافات الحديثة أدلة حول طبيعة حياة النياندرتال فقد كان قادرًا على التعبير الرمزي، وارتداء المجوهرات، والمشاركة في صناعة فن الكهوف حتى قبل الإنسان العاقل كما أنه اقام طقوسًا مدفنية لموتاه وإعتنى بالعجزة من أقربائه. لقد حررت هذه الأدلة إنسان نياندرتال من التصور طويل الأمد بأن البشر الأوائل كانوا متوحشين بدائيين، وهي أسطورة متجذرة جزئيًا في الأيديولوجية العنصرية في حياتنا اليوم.

لفترة طويلة، كان العلماء يميلون إلى الاعتقاد بأن هناك “قفزة” فصلت الإنسان الحديث عن بقية العالم البيولوجي، مثل الإدراك واللغة. لكن ربما يكون هذا قد تغير اليوم فيبدو أن النياندرتال كان بشرًا مثلنا.

أما أنت الأن فأخبرني إن التقيت بالنياندرتال يومًا ما فما الذي ستخبره به؟

المصادر

كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

 العلاقة بين علم النفس التطوري والأمراض النفسية

تُعتبر نظرية التطوّر واحدة من أهم المبادئ التأسيسية في مجال علوم الأحياء والصحة، وقد فتح علم النفس التطوري المجال أمام هذه النظرية لتكون جزءًا أساسيًا من تفسير السلوك الإنساني من جهة، وتفسير الأمراض والاضطرابات التي تصيب الصحة النفسية من جهة أخرى. إذًا كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟

ماذا قدّم علم النفس التطوري لعلم الأمراض النفسية؟

منذ نشأته، بدا علم النفس التطوري كعلم واعد في مجال دراسة السلوكيات البشرية العامة و”الطبيعية”، إلا أن استخدام نظرياته في محاولة تفسير أو معالجة الأمراض النفسية جاء خجولًا، وذلك لأن كل العاملين والباحثين في مجال الصحة النفسية منكبّين فعليًا على المعالجة الفعالة والسريعة للاضطرابات النفسية، فيما يبحث علم النفس التطوري عن الأسباب التاريخية الكامنة وفي دورالانتقاء الطبيعي في الأمراض النفسية.

منذ السبعينات، ظهرت محاولات عدة أبرزت دور التطور في علم النفس المرضي. وتستمر هذه المساهمات حتى يومنا هذا، لكنها بقيت إلى حدِّ ما متفرقة ومُشتتة، بحيث تناولت المقاربات التطورية كل مرض على حدى.

مقاربة راندولف نيسي

في عام 2015، قدّم الطبيب الأميركي «راندولف نيسي –Randolph Nesse» مقاربة شاملة، يشرح فيها أهمية مساهمات علم النفس التطوري في فهم الأمراض النفسية بطريقة واضحة، خصوصًا أن العدد الأكبر منها ذات إتيولوجيا (مصدر أو أسباب) مجهولة. يهتم نيسي بأهمية فهم أسباب ترك الانتقاء الطبيعي لهشاشة صحتنا النفسية في مواجهة الكثير من الأمراض والاضطرابات.

يساهم علم النفس التطوري في مقاربة فيزيولوجية أكثر عمقًا في مجال الصحة النفسية، وقد تجيب عن أسئلة هامة حول طبيعة عمل العلاقات البشرية والمشاعر الإنسانية. كذلك يضع إطارًا علميًا أوضح للتشخيص النفسي على أساس فيزيولوجي، ويضع إطارًا عمليًا أكثر عمقًا وتعاطفًا مع الأفراد المُصابين باضطرابات نفسية.

يحاول علم النفس التطوري فهم الفروقات الفردية التي تجعل بعض الأفراد أكثر عرضةً من غيرهم للأمراض النفسية، وأهمية التجارب الحياتية المُبكرة في بناء شخصية الفرد وتحفيز اضطرابات نفسية معينة عنده.

 «مفارقة الأمراض النفسية –Paradox of mental disorders»

تُصيب الأمراض النفسية عددًا كبيرًا من البشر. فأكثر من 10% من البشر حول العالم يعانون من مرض نفسي واحد على الأقل. ويموت سنويًا قرابة 800 ألف شخص حول العالم جرّاء الانتحار، أي بنسبة شخص واحد كل اربعين ثانية.

تتعدد وتتشابك الأسباب المؤدية لانتشار الأمراض النفسية. لكن تشير الأبحاث إلى دور مهم للجينات الوراثية في العديد من الأمراض النفسية. يبلغ حوالى الـ90 % في مرض التوحد، والـ85% في اضطراب ثنائي القطب والـ81% في مرض الفُصام.

من هنا، نشأ سؤال حول دور الانتقاء الطبيعي في بقاء الأمراض النفسية على مدى الأجيال المتلاحقة. إن كانت هذه الأمراض النفسية تضر تكيفنا ككائنات حية، فلماذا سمح الانتقاء الطبيعي ببقائها أو حتى بزيادتها؟ تسمّى هذه المفارقة بمفارقة الأمراض النفسية. ويأتي هنا دور علم النفس التطوّري في الإجابة على هذا السؤال.

كيف يفسّر علم النفس التطوري الأمراض النفسية من خلال الانتقاء الطبيعي؟

انتقلت الأمراض النفسية عبر الأجيال، ولم يتمكّن الانتقاء الطبيعي من كبحها، بل يعتقد أنه ساهم في بقائها أحيانًا. ويمكن تفسير ذلك من خلال الأسباب التالية:

  • سوء التكيف: لقد ساهم الانتقاء الطبيعي في صقل قدراتنا بحسب حاجاتنا في بيئة العصر الحجري، والتي تشكل بيئة التكيف التطوري. ولكن هذه التكييفات قد لا تناسب البيئة الحالية التي نعيش ضمنها. وقد تكون الامراض النفسية التي نعاني منها ناتجة عن سوء التكيف بين عقول العصر الحجري التي نحملها في جماجمنا وبين حاجات عالمنا اليوم.
  • الإصابة الفيروسية أو البكتيرية: تنتج بعض الأمراض النفسية عن إصابات فيروسية أو بكتيرية، سواءً في عمر بالغ أو في أشهر التكوّن الأولى في رحم الأم. كما أنها قد تنتج عن الاستجابة المناعية للجسد في وجه جسم غريب (كما في حالات أمراض المناعة الذاتية). في هذه الحالة، لا يقدر الانتقاء الطبيعي على مواجهة الإصابات. فتطوّر الفيروس والبكتيريا أسرع بكثير من تطور الإنسان بسبب كثرة أجيال الفيروس والبكتيريا مقارنة بتوالد البشر.
  • محدودية الانتقاء الطبيعي: رغم الأهمية الهائلة لهذه العملية، إلا أنها تبقى محدودة نظرًا لعشوائيتها والأخطاء المحتملة في نقل المعلومات الجينية. ويمكن بذلك أن تعزز احتمالية انتقال الأمراض النفسية بسبب عدم تأثير تلك الأمراض بشكل مباشر على توارث الصفات الجينية.
  • الدفاعات الجسدية والنفسية: بعض ردات الفعل الجسدية كالألم والسعال وارتفاع الحرارة قد تكون مزعجة، لكنها في الأساس تهدف للدفاع عن صحتنا الجسدية وحمايتنا. وغيابها نفسه يعد عرضًا مرضيًا. كذلك المشاعر السلبية كالقلق مثلًا قد يكون دفاعًا مفيدًا. وقد يعزّز القلق فرص البقاء على قيد الحياة، وبالتالي فمن الطبيعي أن يبقيه الانتقاء الطبيعي رغم كونه شعورًا سلبيًا.
  • مساومة الانتقاء الطبيعي (Trade off): في الانتقاء الطبيعي لا وجود لحلول مثالية. كل ميزة نحصل عليها نخسر في مقابلها ميزة أخرى، فنحن نملك قدرات جسدية وعقلية محدودة. لذلك قد يكون الحفاظ على الأمراض النفسية يشكل نوعًا من الحماية من خسارة ميزات معينة. وقد تكون بعض تلك الميزات ميزات عاطفية مسؤولة عما نحن عليه كمجتمعات بشرية.

مستقبل دراسة علم النفس التطوري للأمراض النفسية

ما زالت الأمراض النفسية تشكل تحدّيًا كبيرًا للبشرية. وتعتبر من الأمراض القليلة التي تفتقد للمؤشرات البيولوجية الكافية لتشخيصها، فيعتمد تشخيصها بشكل أساسي على وصف الأعراض. من هنا جاءت ضرورة استخدام علم النفس التطوري لفهم السياق الطبي التاريخي الذي أتى بهذه الاضطرابات. لا يسعى علم النفس التطوري لإيجاد نوع جديد من العلاج أو التشخيص للأمراض النفسية، بل لأن يدرس الأسباب فيساهم في نظرة أكثر شمولية وعمق لهذا النوع من الأمراض، لعل ذلك يفتح المجال أمام علاجها وتحسين حياة الملايين من البشر.

كيف تطور البشر من الأسماك؟

كيف تطور البشر من الأسماك؟

من المستحيل أن نحدد بيقين بنسبة 100٪ ما هي الأنواع الأحفورية التي تقول لنا من هم أسلافنا المباشرين. هذا لأنه كلما عدنا بالزمن، قلّت عدد السمات الفريدة التي نتشاركها مع أعضاء سلالتنا. غالبًا ما يكون هناك أكثر من نوع واحد يعيش في نفس الوقت يمكن أن يكون مرتبطًا بأي سلف معين. مع ذلك، يمكننا تتبع أسلاف البشرية بدرجة عالية من الثقة من خلال الحفريات. وصولاً إلى الحفريات الأولى المسجلة منذ ما يقرب من أربعة مليارات سنة. في مقالنا سنتحدث عن أبحاث جديدة أكدت كيف تطور البشر من الأسماك؟ إذ بينّت مدى التشابه الكبير بيننا وبين أسلافنا من الأسماك! فهيا بنا لنعرف ما الحكاية…

ما الذي كان يُعتقد عن تطور البشر إلى أسماك؟

قديمًا، أعتقد الناس أن الرئتين والأطراف هي ابتكارات رئيسة جاءت مع انتقال الفقاريات من الماء إلى اليابسة. لكن في الحقيقة، إن الأساس الجيني لتنفس الهواء وحركة الأطراف كان موجودًا في سلفنا من الأسماك قبل 50 مليون سنة. وذلك وفقًا للخرائط الأخيرة للجينوم من الأسماك البدائية التي أجرتها جامعة كوبنهاغن، ولكن الدراسة الجديدة تُغير فهمنا لتاريخنا التطوري.

كان الفهم الشائع أنه منذ حوالي 370 مليون سنة كانت هناك حيوانات بدائية تشبه السحالي عُرفت باسم «رباعيات الأرجل». وطبقًا لذلك الفهم، وضح العلماء أن أسلافنا من الأسماك خرجوا من الماء إلى اليابسة عن طريق تحول زعانفهم إلى أطراف وتحول التنفس تحت الماء إلى تنفس الهواء.

أبحاث جينومية حديثة.. تشير لمدى التشابه

أجرت جامعة كوبنهاغن بحثًا أشار إلى أن تطور الجينات للأسلاف ربما يكون قد ساهم في انتقال الفقاريات من الماء إلى الأرض. إذ يُعتبر الانتقال من الماء إلى الأرض معلمًا رئيسًا في تاريخنا التطوري، إن المفتاح لفهم كيفية حدوث هذا الانتقال هو الكشف عن متى وكيف تطورت الرئتان والأطراف. نحن الآن قادرون على إثبات أن الأساس الجيني وراء هذه الوظائف البيولوجية، قد حدث قبل ذلك بكثير قبل وصول الحيوانات الأولى إلى الشاطئ.

أسماك قديمة تملك مفتاح الإجابة

هنالك أسماك قديمة تملك المفتاح لشرح كيف يمكن لرباعيات الأرجل أن تنمو لها أطراف وتتتفس في الهواء. هناك أسماك «bichir». تعيش في المياه العذبة الضحلة في إفريقيا. تحمل هذه الأسماك سمات ربما كانت لدى أسلافنا الأوائل من الأسماك منذ أكثر من 420 مليون سنة. نفس تلك السمات موجودة في البشر، إذ وجد الباحثون أن الجينات اللازمة لتطور الرئيتين والأطراف قد ظهرت في هذه الأنواع البدائية.

يمكن للـ«bichir» أن يتحرك على الأرض باستخدام الزعانف الصدرية بطريقة مشابهة لرباعيات الأرجل. يعتقد الباحثون منذ عدة سنوات أن الزعانف الصدرية في «bichir» تمثل الزعانف التي كانت لدى الأسماك الأوائل.

خرائط الجينوم

أظهرت خرائط الجينوم الجديدة أن المفصّل الذي يربط عظم «الميتاتيريجيوم_Metapterygium» بالعظام الشعاعية في الزعنفة الصدرية في «bichir» يتشابه مع المفاصيل الزليليّة في البشر -هي المفاصل التي تربط بين عظام الذراع والساعد-.

حيث أن تسلسل الحمض النووي الذي يتحكم في تكوين مفاصلنا الزليلية موجودًا في الأسماك البدائية وفي الفقاريات الأرضية. إذ فُقد تسلسل الحمض النووي والمفصل الزليلي في مرحلة معينة في جميع الأسماك العظمية الشائعة- ما تُسمى بـ «Teleosts».

بالإضافة إلى ما ذكرناه، فإن أسماك «bichir» وبعض الأسماك البدائية لديها زوجان من الرئتين يشبهان تشريحنا. إذ كشفت الدراسة الجديدة أن الرئتين في كل من «bichir» والتمساح تعملان أيضًا بطريقة مشابهة ونفس مجموعة الجينات برئة الإنسان.

تنبؤ داروين

أوضحت دراسة أن أنسجة كل من الرئة والمثانة الهوائية -هي عبارة عن عضو مملوء بالغاز يجعل للأسماك قدرة على التحكم في طفوها- لمعظم الأسماك متشتبهة جينيًا، مما يؤكد أنها أعضاء متجانسة كما تنبأ داروين. إذ أنه بينما اقترح داروين أن المثانات الهوائية تحولت إلى رئتين. أشارت دراسة إلى أن المثانات الهوائية قد تطورت من الرئتين، وأن أسلافنا من الأسماك العظمية المبكرة كانوا لديهم رئات وظيفية بدائية.

حافظ التطور على وظائف الرئة الأكثر تكيفًا مع تنفس الهواء وأدي في النهاية إلى تطور فئة من رباعيات الأرجل، وقامت الفئة الأخرى من الأسماك بتعديل بنية الرئة والتطور مع المثانات الهوائية، مما أدى لتطور «Teleosts». فتسمح المثانات الهوائية لهذه الأسماك بالحفاظ على طفوها والعيش بشكل أفضل تحت الماء.

ليست الأطراف والرئتين فقط كذلك القلب!

تشترك الأسماك البدائية والبشر في وظيفة مشتركة وهي في الجهاز القلبي التنفسي:

المخروط الشرياني، وهي بنية في البطين الأيمن من قلبنا وتسمح للقلب بإيصال الاكسجين بكفاءة إلى الجسم كله، ووجدت أيضًا في «bichir».

اكتشف الباحثون عنصرًا وراثيًا وهو من المحتمل المتحكم في تطور المخروط الشرياني، وأظهرت التجارب المعدلة وراثيًا على الفئران عند إزالة الباحثون هذا العنصر الجيني، تموت الفئران المتحورة، وذلك بسبب البطين الأيمن الأصغر والأرق، مما أدى إلى عيوب خلقية في القلب وضعف وظائف القلب.


كيف نجت الأسماك برئتين؟

تنتمي الأكثرية من أنواع الأسماك الموجودة إلى الأسماك شعاعية الزعانف، وهي فئة فرعية من الأسماك العظمية. وتكون ذات خياشيم وزعانف ومثانة.

تُعرف المجموعات الأرضية من الفقاريات باسم «رباعيات الأرجل» كما ذكرنا. تشمل جميع الفقاريات التي انحدرت من الحيوانات الأولى التي تكيفت مع الحياة على وجه الأرض من خلال تطوير أربعة أطراف ورئتين، وذلك يعني جميع الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات.

فيرى الباحثون أن قدرة تنفس الهواء في الأسماك البدائية سمحت لهم بالبقاء في فترة الانقراض الجماعي الثاني 375-360 مليون سنة. في هذا الوقت، قد تسبب استنفاذ الأكسجين في محيطات الأرض في القضاء على غالبية الأنواع، بينما سمحت الرئتان للأسماك البقاء والهروب من الانقراض!

توضح لنا الدراسة من أين أتت أعضاء أجسامنا وكيف يتم فك شفرات وظائف الجينوم. بالتالي، فإن بعض الوظائف المتعلقة بالرئة والأطراف لم تتطور في الوقت الذي حدث فيه الانتقال من الماء إلى الأرض. لكن تم بواسطة بعض الآليات التنظيمة للجينات القديمة التي كانت موجودة في أسلافنا. ومن المثير للاهتمام أن الشفرات الجينية لا تزال موجوده في هذه الأسماك الأحفورية الحية والتي تتيح الفرصة لتتبع جذور هذه الجينات.

اقرأ أيضًا: حتى الرياضيات تؤكد نظرية التطور

كيف ساهم التطور في صقل مهاراتنا الاجتماعية؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

الإنسان ليس الكائن الاجتماعي الوحيد، لكنه بالتأكيد الأكثر تعقيدًا بين الكائنات اجتماعيًا. فهو لم يكتفِ بالعيش ضمن مجموعة صغيرة يتشارك معها مقوّمات العيش، بل انخرط في مجموعات أكبر وبنى حضارات ضخمة وطوّر ثقافات مختلفة لكلِّ منها خصائص ولغة تواصل وعادات سلوكية مختلفة. إن هذه المهارات الاجتماعية تتطلب قدرات عقلية، إذًا كيف ساهم التطور في صقل مهاراتنا الاجتماعية؟ وما هي مساهمات علم النفس التطوّري في هذا المجال؟

بمَ يتميّز البشر عن القردة العليا في مجال المهارات الاجتماعية؟

تعيش قرود الشيمبانزي، وهي الكائنات الأقرب  إلينا من الناحية التطورية، في مجموعات صغيرة تسمّى بالعشيرة أو القبيلة. وقد تبيّن أن هذه العشائر تحمل اختلافات ثقافية، فقد بيّنت دراسة أُجريت عام 2013 في ساحل العاج أن ثلاثة قبائل مختلفة من الشيمبانزي تستخدم أساليب وتقنيات مختلفة في تكسير الجوز. والمُلفت أن هذه العشائر الثلاثة تجمعها علاقات الزواج والمصاهرة، وبالتالي فإن الفروقات بينها ليست جينية، بل هي ثقافية أي أنها تنتقل من خلال التنشئة الاجتماعية.

ولكن الأكيد أن هذه الاختلافات الثقافية، بسيطة جدًا أمام التنوع الثقافي عند البشر، من الأديان واللباس وصولًا إلى العادات الاجتماعية واللغات. لذلك عمل الباحثون وعلماء النفس على البحث عن الأسباب التي تجعل الكائن البشري أكثر تطورًا على الصعيد الاجتماعي.

في دراسة أجراها «إدوين فان لوفين – Edwin Van Leeuwen» قارن فيها أطفال تحت عمر الثالثة بحيوانات الشيمبانزي. تبيّن أن الأطفال يبدون اهتمامًا أكبر بالتعلّم من أقرانهم وتقليدهم، وهم أكثر تأثرًا بمحيطهم.

قد ينسب البعض الاختلاف الكبير في القدرات الاجتماعية إلى الفروقات في القدرات المعرفية بين البشر والحيوانات الأخرى. لكن آخرون يعتبرون أن البشر يتميّزون بتفوقهم في المهارات الاجتماعية بشكل خاص ومستقل عن باقي القدرات العقلية. وبالتالي هم يدعمون «فرضية الذكاء الثقافي – Cultural intelligence hypothesis».

فقد قارنت دراسة تشمل 230 مشارك، من أطفال يبلغون عمر السنتين ونصف السنة وقرود الشيمبانزي والأورنغوتان. ووجدت أن النتائج تتشابه في مجالات القدرات المعرفية المتعلقة بالمكان والكميات والعلاقة السببية. أما في المهارات الاجتماعية التواصلية، فقد تفوق البشر بما يفوق الضعف على القردة العليا.

مسألة الاختيار لـ«واسون – Wason»: تفوق المهارات الاجتماعية على قدرة التحليل المنطقي

في الستينيات من القرن الماضي، أجرى عالم النفس المعرفي «بيتر واسون – Peter Wason» اختبارًا لقدرة التحليل والمنطق الاستنتاجي. ويقوم هذا الاختبار على عرض أربعة بطاقات مع ضرورة التزام هذه البطاقات بشرط معين. وعلى الفرد اختيار أقل عدد معين من البطاقات لفتحها للتأكد من التزامها بالشرط.

نعرض هنا مثلًا من الاختبار، في الصورة أدناه ترى أربع بطاقات، كلُّ منها تحمل شكلًا هندسيًا من جهة ولونًا من الجهة الثانية. عليك التأكد من احترام البطاقات للقاعدة التالية: إذا حمَلَت البطاقة اللون الأصفر من جهة، عليها أن تحمل الشكل الدائري من الجهة الأخرى. أي بطاقات تعتقد أن عليك فتحها؟

الحل: عليك أن تفتح أولًا البطاقة التي تحمل اللون الأصفر للتأكد من أنها تحمل الشكل الدائري. بعكس ما يمكن أن تعتقد، أنت لا تحتاج لأن تفتح البطاقة التي تحمل الدائرة، لأن الشرط لا يلزمها بلون معين. لكنك تحتاج لفتح البطاقة التي تحمل المثلث للتأكد من أنها لا تحمل اللون الأصفر.

هل استطعت أن تحل المسألة؟ إذا لم تجد الإجابة الصحيحة لا تقلق، فقد بيّن الاختبار أن فقط 10% من الأشخاص يستطيعون حلّها.

تجارب الثمانينات

في الثمانينات، أعاد علماء النفس الاختبار مع قواعد اجتماعية بدلًا من القواعد المنطقية المجرّدة. وسنعرض هنا مثلًا عنها. تخيّل أنك تعمل في نادٍ ليلي، وعليك أن تتأكد أن من تجاوزوا الواحد والعشرين عامًا هم فقط من يستطيعون تناول الكحول.

كل بطاقة من البطاقات التالية ترمز إلى فرد موجود في النادي الليلي، أي بطاقات عليك فتحها للتأكد من احترام القانون؟

الحل: عليك فتح البطاقة التي تحمل الرقم 16 للتأكد من عدم تناوله الكحول، وعليك فتح البطاقة التي تحمل الكحول للتأكد من أنها تحمل عمرًا يفوق الواحد والعشرين.

هل لاحظت أن المسألة الثانية أسهل من المسألة الأولى؟ كثيرون ممن يخضعون للاختبارين يعتبرون أن حل المسألة الثانية أسهل بكثير من الأولى رغم تشابههما.

كيف يرى علم النفس التطوري نتائج اختبار واسون؟

بحسب العالمين كوسميدس وتوبي، مؤسسي علم النفس التطوري، يثبت اختبار واسون أن البشر يتميزون بقدرة أكبر على حل المسائل الاجتماعية من قدرتهم على حل المسائل المنطقية، وذلك لأن هذه المهارات كانت ضرورية للبقاء على قيد الحياة عند أسلافنا. فقد عاش البشر القدماء في عشائر من الصيادين، ومن أكثر المشاكل التي واجهوها هي تلك المتعلقة بالحياة الجماعية. لذلك كان من الضروري والمفيد تطوير المهارات المتعلقة بالتعاون والمنافسة وكشف النوايا وكشف خرق القوانين الاجتماعية.

إذًا ما يميّزنا كبشر لا يقتصرعلى حجم أدمغتنا الذي يبلغ ثلاثة أضعاف حجم أدمغة القردة العليا ولا على قدراتنا على حل مسائل الرياضيات والعلوم. بل الأهم من ذلك كله هو القدرة على التواصل وبناء المجتمعات المنظمة والتعلم من بعضنا البعض. التواصل هو ما جعلنا قادرين على مراكمة خبرات الأجيال البشرية والتفوق على التطور البيولوجي سرعةً من خلال نقل التجارب اجتماعيًا وتطويرها.

المصادر:

Coursera
Livescience
AAAS
AAAS

علم النفس التطوري: عقل العصر الحجري في جماجمنا الحديثة

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

حاول العلماء والباحثون والفلاسفة عبر الزمن البحث عن أسباب أفكارنا و مشاعرنا وأصول سلوكياتنا وتصرفاتنا. وتعدّدت المدارس والفروع العلمية والنظريات، إلا أن أحدثها بدأ يتعمّق في دور الجينات في تحديد حاجاتنا ورغباتنا. من هنا، بدأ الحديث عن علم النفس التطوري الذي يدرس تأثير التطور ودوره في تشكيل عقلنا البشري الحالي. فما هو علم النفس التطوري؟ وماذا يخبرنا عن دماغنا؟

الصراع الفلسفي القديم

منذ أيام أفلاطون، وُجد صراع قديم في الفلسفة حول ما إذا أننا نملك معرفة غير  مُكتسبة أم أن معارفنا تأتي حصرًا من اختبارنا للعالم. فقد اعتبر الفيلسوف «جون لوك-John Locke» أن أدمغتنا تولد معنا كصفحة بيضاء، وأن كل ما نعرفه اكتسبناه عن طريق التجربة. في المقابل، عارضه الفيلسوف «جوتفريد ليبنيز – Gottfried Leibnez» الذي اعتبر أن بعضًا من معرفتنا وُلد معنا ويُعتبر جزءًا من بنيتنا. أما اليوم، فبتنا نعلم أن رغم أننا نكتسب الكثير من خلال تجاربنا الحسية والتنشئة الاجتماعية، فإننا نولد مع خصائص معينة اكتسباها عبر الوراثة. من هنا، نشأ علم النفس التطوري الذي يدرس تطور العقل البشري كما نعرفه اليوم من خلال الانتقاء الطبيعي.

الانتقاء الطبيعي وتطور العقل البشري

من أهم عناصر تطوّر الكائنات الحية هي عملية الانتقاء الطبيعي التي تسمح بالبقاء للكائنات التي تملك الخصائص الأكثر تكيفًا مع محيطها، وتنقلها هذه الكائنات إلى الأجيال اللاحقة.

لذلك، تتميّز الكائنات بما يسمى بالـ “تكييفات – Adaptations” وهي عبارة عن خصائص جسدية أو سلوكية موروثة، ومفيدة لناحية التناسل أو البقاء على قيد الحياة. وكما تتأثر الكائنات بالبيئة المحيطة بها، فهي بالمقابل تساهم أيضًا بنفسها في تغيير الظروف البيئية التي تتعرض لها وتتكيف لأجلها.

علم النفس التطوري

ما زال السؤال الفلسفي نفسه يُطرح اليوم في العلوم المعرفية: إلى أي مدى يتأثر الدماغ بالخصائص الموروثة عبر الانتقاء الطبيعي؟ وإلى أي مدى يتأثر بالتنشئة الاجتماعية؟

يمكن تعريف علم نفس التطور أنه فرع من علم النفس يدرس السلوكيات والأفكار والمشاعر من وجهة نظر تطورية. وهو علم حديث، نشأ في نهاية الثمانينيات، وقد أتى كنتيجة للعديد من المجالات العلمية الأخرى من الإيثولوجيا (علم سلوك الحيوان) وعلم النفس المعرفي وعلوم الأحياء التطورية والأنثروبولوجيا (علم الأنسنة) وعلم النفس الاجتماعي.

علم نفس التطور قائم على أربعة اعتبارات أساسية هي التالية

– يعتبر علم النفس التطوري أن الدماغ البشري هو نتيجة لعملية الانتقاء الطبيعي.
– تكيف دماغنا ليتأقلم مع المحيط الذي عاش فيه أسلافنا، وليحل المشاكل التي واجهوها.
– القدرات الذهنية التي طوّرها أسلافنا لمجابهة مشاكلهم والبقاء على قيد الحياة في محيطهم هي قدرات قابلة للوراثة، أي أنها تنتقل جينيًا من جيل إلى آخر.
– أدمغتنا البشرية كما نعرفها الآن هي أدمغة أجدادنا التي راكمت التطور على مدى كل العصور التي سبقتنا.

عقل العصر الحجري

يُعتبر الزوجان، «ليدا كوسميدس-Leda Cosmides» عالمة النفس الأميركية وعالم الأنثروبولوجيا الأميركي «جون توبي-John Tooby»، مؤسّسا علم النفس التطوري. وانتشرت لهما عبارة شهيرة تقول:

«جماجمنا العصرية تأوي عقل العصر الحجري – Our modern skulls house a Stone Age mind».

فبحسب علماء النفس التطوري، إن معظم تاريخ جنسنا البشري قضيناه كمجموعات عشائرية صغيرة في السافانا الأفريقية، في ظروف بيئية حارة جدًا. وذلك منذ حوالى مليون و 800 ألف سنة حتى 10 آلاف سنة قبل الآن، وكانوا معتمدين على الصيد بشكل أساسي. لذلك يعتبر العلماء أن هذه الفترة هي المسؤولة عن القسم الأكبر من تطور الدماغ البشري، وسمّوا تلك البيئة بـ «بيئة التكيف التطوري – Environment of evolutionary adaptation».

لم تبدأ الزراعة حتى قبل خمسة آلاف سنة، أما الثورة الصناعية فهي حدثت منذ مئتي عام فقط. هذه الفترة لا تتعدى الواحد بالمئة من إجمالي التاريخ البشري، لذلك فإن التكييفات التي اكتسبناها ناتجة عن الفترة التي سبقتها.

ولكن إلى أي مدى تتناسب التكييفات التي حافظت على حياتنا في العصر الحجري أساليب حياتنا اليوم؟ لا شك أننا نمتن بالكثير للانتقاء الطبيعي الذي جعل أدمغتنا بأشكالها الحالية. إلا أن بعض التكييفات التي ورثناها أصبحت غير مفيدة، أو حتى مضرة أحيانًا للجنس البشري وتسمّى بالـ«Mal adaptations». نذكر مثلًا أن الرغبة في تناول كميات كبيرة من الملح والسكر كانت حاجة أساسية في ذلك العصر لتأمين الحاجة من الطاقة الأساسية للعيش. أما تناول هذه الكمية في أيامنا هذه، مع انتشار الأطعمة المالحة والحلوة وتوفرها الدائم، أصبح يشكل خطرًا على صحة الإنسان الذي يعيش في البيئة الحضارية.

يعطي عالم النفس الكندي «ستيفن بينكر – Stephen Pinker» مثالًا آخرًا على هذا النوع من التكيفات “Mal adaptations”. وهو الخوف الغريزي والحشوي  من الأفاعي والعناكب. رغم أنها لم تعد قاتلة وخطيرة على حياة الإنسان، ولا تقتل العدد الذي تقتله القيادة دون حزام أمان سنويًا، إلا أن ردة فعلنا الغريزية ناتجة عن الخطر الذي كانت تمثله هذه الكائنات على حياة البشر في العصر الحجري.

إذًا باختصار، أدمغتنا تشبه أدمغة أسلافنا الذين عاشوا في العصر الحجري أكثر بكثير مما نتوقع. هذه نبذة صغيرة عمّا توصّل إليه علم النفس التطوري، لكنه ما زال في خطواته الأولى في البحث عن أصولنا الفكرية والعقلية والسلوكية.

المصادر
Britannica
Coursera : Philosophy and the sciences, The University of Edinburgh

كيف نفهم التشابه الجيني بين الإنسان والموز في ضوء نظرية التطور؟

استنكر عبدالله رشدي منذ أيام الشبه الجيني بينه وبين الموز، ورفض اعتباره دليلًا على التطور، وقد ذكر هذا الاعتراض في مقطع مصوّر له على يوتيوب يمكنك مشاهدته من هنا، إلا أنه وقع في 7 أخطاء علمية ومنطقية نناقشها ونرد عليها فيما يلي:

1- الأصل المشترك للنبات والحيوان

يقول عبدالله رشدي في الدقيقة 0:40 من مقطعه متحدثًا عن الخلية الأولى: “وهذه الخلية بعدما دبت فيها الحياة، انقسمت إلى قسمين، قسم طلع منه الأحياء النباتية اللي هي الأشجار بقى وكل ما هو نباتات، والقسم التاني خرج منه الأحياء الحيوانية”

وهذا الكلام لا وزن له في ميزان العلم، حيث أن آخر سلف مشترك بين الحيوانات والنباتات (LECA) – وهو اختصار لكلمة (Last Eukaryotic Common Ansector) بمعنى (آخر سلف مشترك من حقيقيات النوى) – قد عاش على الأرض منذ قرابة 1.6 بليون سنة (1)، علمًا بأن الخلية الأولى وُجدت منذ 3.7 بليون سنة على الأقل (2)، فهناك فارق زمني بين أول خلية وبين آخر سلف مشترك بين النبات والحيوان يبلغ حوالي 2.1 بليون سنة.

2- الخلط بين نظرية الانتخاب الطبيعي (داروين) ونظرية جان باتيست لامارك

في الدقيقة 4:03 يشرح مفهوم النشوء في نظرية داروين قائلًا: “النشوء هو خروج صفات في الكائنات الحية وفقًا للمؤثرات البيئية”

إلا أن هذه ليس ما تدعيه نظرية داروين على الإطلاق، فهذه نظرية عالم الطبيعيات الفرنسي «جان باتيست لامارك-Jean-Baptiste Lamarcke»، ولتبسيط الأمور دعونا نشرح الفرق بين النظريتين بمثال الزرافة، تدعي نظرية لامارك أن الزرافات كانت ذات أعناق قصيرة، ثم وهبت البيئة الزرافات أعناقًا طويلة بسبب ارتفاع الأشجار.أما نظرية داروين فتخبرنا أن الزرافات ذات الأعناق الأطول حصلت على فرصة أعلى في الغذاء من تلك ذات الأعناق القصيرة، وبالتالي التكاثر ونقل جيناتها إلى الأجيال التالية، مما أدى إلى انقراض الزرافات قصيرات العنق، وبقاء الزرافات ذات الأعناق الأطول، وهذا شرح بسيط لنظرية الانتخاب الطبيعي لداروين.(3)

3- مغالطة التوسل بالعاطفة

ثم ينتقل عبدالله رشدي في الدقيقة 6:53 إلى الحديث عن دور نظرية التطور في عمليات التطهير العرقي قائلًا: “فبدأ هنا ينشأ فكرة العنصرية، وبدأ يُرسخ للفكر العنصري” ثم يقول بعد ذلك أن هذا كان سببًا في عمليات التطهير العرقي التي قامت بها الحركة النازية.

في الواقع، لوم داروين على العنصرية مشابه للوم نيوتن على الصواريخ البالستية، فلا أعتقد أنه من الصواب لوم عالم على الاستغلال الخاطئ لنظريته العلمية والتي تهدف بالأساس لفائدة البشرية.

إلا أن نظرية التطور لم تقل أن عرقًا بشريًا أفضل من عرق آخر، فهذه صورة خاطئة عن التطور، إنما الأجناس البشرية المختلفة موجودة في شجرة تطورية معقدة (4)، الأمر أشبه بفروع شجرة، وليس بسهم ينطلق من الأقل تطورًا إلى الأعلى.

وحتى لو افترضنا أن نظرية التطور تقول بذلك -وهو ما ليس بصحيح-، فإن هذا لا ينفي من كونها صحيحة، وهنا وقع عبدالله رشدي في مغالطة منطقية تُدعى «التوسل بالعاطفة-Appeal to emotion»، وهو التلاعب بعواطف الجماهير لنقد فكرة ما (5)، بدلًا من استخدام العقل والمنطق، فكونها أخلاقية أو لا لن ينفي صحتها.

4- التشابه الجيني بين عبدالله رشدي والموزة

ثم يقول في الدقيقة 9:09 “مع إن على فكرة صباع الموز متشابه معايا في تقريبًا 50% من التكوين بتاعي”

وهذا حقيقي، فالإنسان يتشابه مع الموز في الجينات بنسبة 50%، وهذا لأن أصل الحياة كان من خلية واحدة، فنحن البشر نمتلك خلايا حيوانية، بينما يمتلك الموز خلايا نباتية، وعندما انقسم السلف المشترك بين النبات والحيوان (LECA) منذ 1.6 بليون، سنة فإن كلًا من السلف المشترك لكل الحيوانات والسلف المشترك لكل النباتات كانا مشتركين في نسبة كبيرة من الجينات، فهما ينحدران من أب واحد، وبالتالي هناك تشابه جيني بين الحيوانات والنباتات، فالجينات المسئولة عن العمليات الخلوية داخل الخلية مثل نسخ الحمض النووي، والتحكم في دورة الخلايا، ومساعدة الخلايا على الانقسام تتشاركها العديد من النباتات(بما فيها الموز) مع الحيوانات، ونعني بالتشابه الجيني هنا أن الجينات المسئولة عن العمليات الحيوية داخل الخلية النباتية لها نظائر مشابهة تقوم بنفس الوظيفة في الخلايا الحيوانية، إلا أنهم لا يمتلكون نفس تسلسل الحمض النووي(6)، فسواء عليك أصدقت ذلك أم لم تصدق فإنه يظل حقيقة.

5- التشابه الجيني بين الإنسان والقرد

وقع عبدالله رشدي في الدقيقة 9:29 في أكبر خطأ علمي له في المقطع عندما قال: “التشابه الجيني لا يمكن أن يُقرر بناء عليه أنه حتمًا كان هناك سلف مشترك”

وهذا خطأ علمي فادح، حيث أن معرفة الأشقاء قائمة على مقارنة جيناتهم عن طريق «اختبار الحمض النووي-DNA test»، وعندما نجد أن نسبة التشابه كبيرة جدًا فهذا يعني أن لهما أبًا واحدًا، ولكن دعونا نفكر في ذلك بشكل آخر.

الجينات هي ما يحدد خصائص الكائن الحي الجسدية (الخارجية والداخلية)، والجينات لا يمكن أن تنتقل من جسد لآخر إلا عن طريق التكاثر، فوجود جين ما مشترك بين كائنين دليل على أنهما انحدرا من أب واحد لهما في الماضي السحيق، فالتشابه الجيني بين الكائنات هو أقوى الأدلة على فكرة السلف المشترك ونظرية الانتخاب الطبيعي. (7)

6- اختلاف عدد الكروموسومات بين البشر والشيمبانزي

ثم يردد حجة الكروموسومات في الدقيقة 9:46 عندما قال: “إضافة إلى ذلك إن الشيمبانزي مختلف مع الإنسان في عدد الكروموسومات اللي موجودة في الخلية”

في الواقع، تحدث اختلافات أحيانًا في أعداد الكروموسومات داخل الجنس الواحد، ويحدث هذا الاختلاف نتيجة حدوث أخطاء في عملية نسخ الجينات أثناء «الانقسام الميوزي-Meiosis» الذي ينتج الحيوانات المنوية والبويضات، فمن الطبيعي حدوث اختلافات في أعداد الكروموسومات على مدار 3.7 بليون سنة.(8)

وهذه بعض الحالات التي تنتج عن اختلاف عدد الصبغيات (الكروموسومات) داخل الجنس البشري(9):

• «متلازمة داون-Down syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم زائد مماثل للزوج رقم 21، وبالتالي فإن كل خلايا الجسم تحتوي على 47 كروموسوم بدلًا من 46.

• «متلازمة كلاينفلتر- Klinefelter syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم X زائد في الحيوان المنوي، فيصبح تكوين الجنين XXY.

• «متلازمة تيرنر-Turner syndrome»، وتحدث في الإناث نتيجة عدم نقص وجود كروموسوم X بشكل كلي أو جزئي.

7- البقاء للأقوى

ثم يختم عبدالله رشدي أخطاءه بسوء فهم لمفهوم الانتخاب الطبيعي في الدقيقة 11:50 قائلًا: “بتنشأ النهاردة أجيال من الأمراض وأجيال من الشباب وأجيال من البشر هم أضعف بكثير من آبائهم وأجدادهم”

وهذا أيضًا خطأ كبير في فهم النظرية، فالنظرية لا تدعي ضرورة استمرار النوع الأقوى، أو الأسرع، أو الأذكى، لكنها تتنبأ باستمرار النسل الأنسب لظروف بيئته، ودعونا نتناول بعض الأمثلة فيما يلي(10):

• كان حيوان الماموث ذا كتلة جسدية وعضلية كبيرة، إلا أن كتلته كانت عائقًا أمام نجاته من صيد البشر له، ولم يسعفها حجمها.

• نجت الثدييات والطيور الصغيرة من حادثة انقراض الديناصورات لأنها كانت أسرع واستطاعت الاختباء، ولم يسعف الديناصورات حجمها أو قوتها.

• تستمر الطيور ذات المناقير الأصغر لأنها تستطيع أن تلتقط بها الحبوب الصغيرة، بينما تواجه الطيور ذات المناقير الكبيرة صعوبة في التقاط الحبوب.

اقرأ أيضًا: الرد على خمس ادعاءات لمعارضي نظرية التطور

المصادر:

هل كان للديناصورات ريش؟

دائمًا ما تُصور الديناصورات في الأفلام والرسومات على أنها تخلو من الشعر، أو الريش، فقط مجرد طبقة من الجلد السميك، والذي قد تكسوه الحراشف في بعض الأحيان، إلا أن الاكتشافات الحديثة تشير إلى عكس ذلك، حيث قد تمتلك الديناصورات ريشًا بالفعل.

هل انقرضت الديناصورات فعلًا؟

إذا سُئلت عن الديناصورات، قد تجيب بأنها انقرضت في حادثة كارثية أصابت الأرض منذ قرابة 65 مليون عام في أواخر العصر الطباشيري نتيجة اصطدام نيزك «تشيكشولوب-Chicxulub» بسطح الأرض، والتي قد لا تكون إجابة دقيقة للغاية، إذ أن أحفاد الديناصورات ما زالت موجودة إلى الآن، وهي في الغالب موجودة على طبقك، إنه الدجاج!

إنه لمثير للسخرية أن تصير أحفاد الكائنات التي سادت الأرض منذ ملايين السنين وجبة غذائية في يومنا هذا، فالدجاج بالفعل هو وريث الديناصورات في جيناتها.

ومن المنطقي في هذه الحالة السؤال عن أسلاف الدجاج، فالدجاج بشكل خاص والطيور بشكل عام تمتلك ريشًا، وهذا يطرح سؤالًا هامًا، من أين أتت الطيور بريشها؟ هل كان للديناصورات ريش؟

حفرية من البرازيل

في الثالث عشر من شهر ديسمبر عام 2020، أعلنت مجموعة بحثية عن اكتشاف حفرية لديناصور لاحم صغير بحجم الدجاجة في البرازيل، عاش هذا الديناصور منذ 110 مليون سنة، يُدعى «أوبيراجارا جوباتوس-Ubirajara Jubatus»، فكلمة Ubirajara هي كلمة محلية تعني “سيد الرمح”، وكلمة Jubatus لاتينية، وتعني “المتوَّج”، فيصير المعنى بالعربية “سيد الرمح المتوّج”، فقد امتلك هذا الديناصور كسوة رقيقة أشبه بالريش، كما كان له رُمحان صلبان يخرجان من كتفيه، ويُعتقد أنه استخدم هذه الرماح لأغراض استعراضية، أو لجذب الجنس الآخر.

افتُرض وجود العديد من أنواع الديناصورات ذات الريش في القارة الكبير «جندوانا-Gondwana»، لكننا بتنا نمتلك دليلًا مباشرًا على ذلك أخيرًا.

هل كانت كل الديناصورات ذات ريش؟

تُرجح بعض الدراسات أن كل الديناصورات كانت تشترك في امتلاك نوع من أنواع الريش الأولي، فلم يكن مشابهًا للريش الذي نراه في الطيور اليوم إلى حد كبير، فنحن نتحدث عن ملايين السنين من التطور.

بعضها لم يُعثر لها على حفريات تؤكد وجود الريش لديها، لكن هذا لا يمنع من إمكانية وجود بعض الشعيرات الصغيرة، كما نرى في الأفيال وأفراس النهر، فهي تبدو صلعاء خالية من الشعر تمامًا من مسافة بعيدة، إلا أنها مكسوة في الواقع بنوع من أنواع الشعيرات الصغيرة.

الخلاصة

إنها لفكرة رائعة أن تكون الديناصورات ذات ريش، فهذا يزيد من ارتباطها بأسلافها من الطيور اليوم، ففي كل مرة تنظر فيها إلى طائر ما، تذكر أنه تطور من كائن ساد الأرض في يوم من الأيام، وجابها من مشارقها إلى مغاربها.

المصادر:

sciencenews

discovermagazine

britannica

scientificamerican

كيف يفسّر العلم نظريات المؤامرة؟

مع انتشار فيروس الكوفيد 19 منذ حوالى السنة، ومع اكتشاف عدد من اللقاحات المضادة له في الأشهر الأخيرة، انتشرت بشكل كبير نظريات المؤامرة حول نشر الفيروس من قبل سلطات معينة تارةً وزرع شريحة من خلال اللقاح تارةً أخرى، وغيرها العديد من النظريات. ولكن نظريات المؤامرة ليست جديدة، فهي واكبت البشر في الكثير من الأحداث الضخمة سابقًا، لكن وسائل الإعلام والتواصل الحديثة تساهم في انتشارها أكثر من ذي قبل. فكيف يفسّر العلم نظريات المؤامرة؟ وما هي الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع البعض إلى الإيمان بها؟

ما هي نظرية المؤامرة؟

يمكن تعريف نظرية المؤامرة بمحاولة لتفسير أحداث معينة على أنها مقصودة ومُنفذة من قبل أفراد أو مجموعات لغايات خبيثة أو مؤذية، والاقتناع بها بدلًا من الرواية الرسمية أو العلمية. بل في بعض الحالات، تُستخدم هذه الرواية لإثبات النظرية المزعومة.

وبحسب دراسة نُشرت عام 2018 في “SAGE journals”، تتضمن إجمالًا نظريات المؤامرة خمسة عناصر على الأقل. أولًا، تفسر هذه النظريات علاقات تشابك بين عناصر مختلفة من أشخاص أو مجموعات أحداث أو مواضيع، أي أنها تتضمن نمطًا معينًا (Pattern) لتفسير هذه العلاقات. ثانيًا، تعتبر نظريات المؤامرة (كما يعبّر اسمها) أن الحدث المُنفّذ هو حدث مقصود. ثالثًا، هي تشمل مجموعة أو ائتلافًا من المتورطين، أي أنها لا تنسب تنفيذ الفعل إلى فرد بل إلى مجموعة. رابعًا، تنطوي نظرية المؤامرة على عامل الأذى والتهديد. وخامسًا، تتضمن عامل السريّة، مما  يُصعِّب مهمة نفيها.   

كيف يفسر العلم انتشار نظريات المؤامرة؟

كتب المؤرخ الأميركي «هوفتاتشر – Hofsdadter» في العام 1966 عن بارانويا السياسة الأميركية في كتابه “The Paranoid Style in American Politics” عن ظاهرة نظريات المؤامرة، واعتبره مرتبطًا بشكل أساسي بالسياسة. كما قارنها بالحالة العيادية النفسية حيث يتوهّم المريض أن أحدًا يتربّص به ليأذيه. وقد أثّر هذا الكتاب على التفسيرات التي تبعته عن نظريات المؤامرة، فاعتبرها العديد من علماء النفس أنها نتيجة مباشرة للأمراض النفسية، كوهم الارتياب (Paranoia) والفصام والنرجسية. لكن هذا التفسير لا يكفي نظرًا لانتشار نظرات المؤامرة بين أعداد كبيرة من الناس، في مختلف الدول ومن مختلف الأعمار. لذلك فتش العلماء عن العديد من الأسباب النفسية والاجتماعية والسياسية لتفسير الانتشار الواسع لنظريات المؤامرة حول العالم.

ضعف التفكير النقدي والتحليلي:

تبين الدراسات أن نظريات المؤامرة تكون أكثر انتشارًا في صفوف الأفراد الأقل تعليمًا، وذلك بسبب ضعف التفكير النقدي (Critical thinking) الذي يشكل حماية من نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن المستوى الأكاديمي لا يشير بالضرورة إلى مستوى التفكير النقدي، لأنه مرتبط أيضًا بالنظام التعليمي ونوعيته.

التفتيش عن الشعور بالسيطرة:

أشار هوفتاتشر إلى أن نظريات المؤامرة تنتشر بشكل أكبر بين الفئات الأضعف. وقد أكّد بعده علماء النفس أنها تنتشر في الفترات الأقل استقرارًا أي في مواجهة الكوارث الطبيعية والأحداث الأمنية والأزمات المالية والأوبئة. فبحسب عالم الاجتماع «تيد غورتزيل – Ted Goertzel»، يلجأ الناس إلى نظرية المؤامرة عندما يفقدون أدوات مواجهة حدث معين، فتعوّض عندهم شعور العجز بشعور أكبر بالسيطرة. في المقابل، يعتبر عالم النفس الاجتماعي الهولندي جان-ويليام فان بروجين أن الشعور بالسيطرة يعزز الحماية من الإيمان بنظريات المؤامرة.

كما تُشير دراسات أخرى أن انتشار نظريات المؤامرة مرتبط بشكل وثيق بفقدان الأمن السياسي-الاجتماعي.

يفتش الأفراد في هذه الحالة عن شعور بالسيطرة، لكن الواقع أن ضحايا نظريات المؤامرة يصبحون أقل قدرة على الفعالية والمواجهة، فقد بينت البروفيسورة الأميركية في علم الاجتماع «كارن دوجلاس – Karen Douglas» أن الأشخاص الذين يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة يكونون أقل مشاركةً في العمليات السياسية (كالانتخابات مثلًا) والانتظام في مجموعات، لأنهم يكونون أقل إيمانًا بالقدرة على التأثير والتغيير.

الدوافع الاجتماعية:

قد تكون الدوافع الاجتماعية جزءاً أساسيًا من اللجوء إلى نظريات المؤامرة، التي غالبًا ما تكون أكثر تفشيًا عند المجموعات المغلوبة أو الضعيفة (مثلًا عند مؤيدي الحزب الخاسر في انتخابات معينة) وعند المجموعات التي تعاني من النبذ أو التمييز لأسباب عنصرية أو إثنية أو طبقية. فيكون الإيمان بنظريات المؤامرة في هذه الحالة يشكل تعويضًا نفسيًا جماعيًا عند الفئة الضعيفة، وهروبًا من الشعور بالذنب الجماعي (بسبب الوضعية الضعيفة للجماعة).

كما أن الدراسات النفسية الاجتماعية تربط بين نظريات المؤامرة والنرجسية الجماعية وهي الشعور بالفخر بالانتماء لجماعة معينة، والشعور بأن هذه الجماعة غير مُقدّرة بشكل كافي من قِبل جماعات أخرى.

الأسباب التطورية:

قدّم علم نفس التطور تفسيرات متعددة لنظريات المؤامرة، واعتبرها نتيجة ثانوية لسمات تكييفية اكتسبها البشر خلال تطورهم، سنذكرها فيما يلي.

السمة الأولى هي القدرة على تمييز الأنماط (Pattern perception)، فنحن البشر نعتمد الأنماط، أي الربط بين عناصر مختلفة، كوسيلة لتعلم وفهم كل ما حولنا. وقد ورثنا هذه القدرة من أسلافنا، الذين تمكنوا من اكتساب الأنماط، وربط الأسباب بالنتائج، من أجل إدراك المخاطر وتجنبها.

لكن هذه السمة، على الرغم من أهميتها، قد توقعنا بالخطأ، وقد تدفعنا إلى خلق روابط وهمية بين عناصر غير مترابطة بالضرورة. فنميل مثلًا إلى نسب مشاعر بشرية للحيوانات أو الآلات أو غيرها، أو نميل إلى خلق أسباب تآمرية لنتائج معينة.

السمة الثانية هي كشف النية (Agency detection)، وهي القدرة التكيفية التي تجعلنا قادرين على فهم نية الأعمال، سواءً كانت جيدة أو سيئة. وتعد هذه السمة مهمة جدًا للبشر إذ مكنتهم من التعاطف والتعاون وتجنب المخاطر. ولكن المبالغة بنظام كشف النوايا قد يجعلنا مشككين بقوة، مما يخلق المجال لنظريات المؤامرة.

أما السمة التطورية الثالثة المسؤولة عن نظريات المؤامرة فهي إدراك ومعالجة الخطر والتهديد (Threat management). فقد عاش أسلافنا في محيط محفوف بالمخاطر، مما سمح بتطوير نظام عقلي يسمح بتوقعها وبالتالي تجنبها. وقد يكون خلق أو تبني نظرية المؤامرة نتيجة لنظام كشف التهديد، مما يخلق شعورًا بالأمان عند البشر.

ختامًا، مازالت الدراسات غير وافية لشرح وتفكيك نظريات المؤامرة، نظرًا لحجم انتشارها في العالم. كما أننا بحاجة ملحة لدراسات حول نتائجها على ضحاياها. ولكن الأكيد أن مواجهة نظريات المؤامرة ممكن من خلال إعلاء صوت العلم والحقيقة على أي صوت آخر.

المصادر:

PubMed

SAGE Journals

Britannica.com

The British psychological society

زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري

ميزتنا أدمغتنا الكبيرة عن بني عمومتنا من الرئيسيات، والقردة العليا، فحجم الدماغ البشري يعادل ثلاثة أضعاف حجم دماغ الشيمبانزي تقريبًا، ولذا فلا عجب في قول أن دماغنا كبير عن سواه، ويعتقد بعض العلماء أن الفضل في قوانا العقلية، ومستويات ذكائنا، يرجع إلى حجم دماغنا الكبير نسبيًا. ولكن تمكن العلماء من زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري في تجربة مثيرة سنناقشها اليوم.

التجربة

قام بعض الباحثين من اليابان، وألمانيا بزرع جين بشري في خلايا قرد جنين، وكانت النتائج مذهلة، حيث أن الجين المسئول عن حجم الدماغ البشري الكبير، قد أدى إلى نفس النتائج لدى وضعه في ذاك الجنين الغير بشري، إذ زاد معدل نمو الدماغ لدى جنين القرد عن المعتاد.

يقول رئيس الدراسة «ويلاند ب.هاتنر-Wieland B.Huttner»:

” كانت لدينا بعض الآمال بخصوص ما يستطيع الجسم فعله، وما ينبغي عليه أن يفعل، إن كان يمتلك الوظيفة التي افترضناها له “

وبالفعل فقد أسفرت التجربة عن النتائج التالية:

• نمو حجم القشرة الدماغية لدى القرد الجنين.
• زيادة ثنايات دماغه (كما ثنايات دماغنا).
• نمو الخلايا المسئولة عن تكوين الأعصاب.
• زيادة الأعصاب تحديدًا في الطبقة العليا من الدماغ (وهذا ما حدث أثناء تطورنا نحن البشر).

ولكن أُجهض جنين القرد بعد 101 يوم (أي قبل 50 يومًا من موعد الولادة الطبيعي)، لأسباب أخلاقية، فلدى كل من اليابان وألمانيا الكثير من الضوابط، والشروط الأخلاقية، المتعلقة بشأن التجارب على الحيوانات عامًة، وعلى الرئيسيات خاصًة.

ما استفدناه من التجربة

في الماضي، كانت تُجرى أمثال هذه التجربة على الفئران، ونتج عنها زيادة في أحجام أدمغة تلك الفئران بالفعل، إلا أن الفئران ليست من الرئيسيات، كما أن الجين المستخدم في تلك التجارب كان نسخة معدلة لتعطي تأثيرًا مضاعفًا، لكن الأمر اختلف في تجربتنا هذه، فقد استخدم الباحثون الجين البشري ARHGAPH11B كما هو، كما أن التجربة كانت على أقرب الحيوانات لنا (القرود)، فزيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري قد يساعدنا على فهم تطور أسلافنا، مما نتج عنه حجم دماغنا الكبير.

هل يزيد هذا من ذكاء القرود؟

أُجريت تجربة مشابهة منذ عام في الصين، على ستة قرود، إلا أن الجين المستخدم في تلك التجربة لم يكن مسئولًا عن زيادة حجم الدماغ بشكل مباشر، وكانت النتائج مذهلة بحق، فقد كان الفريق الصيني متأهبًا لرؤية زيادة في أحجام أدمغة القرود، ومعدلات ذكائها كذلك، ولذا فقد وضعوهم تحت أجهزة الرنين المغناطيسي، لقياس كمية «المادة البيضاء-White matter» في أدمغتهم، كما أعطوهم اختبارات لقياس الذاكرة قصيرة المدى، لم تحدث زيادة في أحجام أدمغة القرود، لكنها أبلت بلاءً حسنًا في اختبارات الذاكرة، مما قد يكون مؤشرًا على زيادة ذكاء تلك القرود، وهذا ما اعتبره الفريق نتائج مدهشة.

الخلاصة

يخبرنا العلم بعدم وجود شيء سحري بخصوص الذكاء البشري، فلا شيء يفصلنا عن الحيوانات سوى تلك الجينات، والتي إن امتلكتها الحيوانات تشابهت صفاتها مع صفاتنا، فعلينا أن نتواضع قليلًا، وأن نكون ممتنين لتلك الكفرات التي أعطتنا أدمغتنا.

المصادر

intelligentliving

sciencedaily

inverse

technologyreview

اقرأ أيضًا طفرة جديدة تمكن فيروس كورونا من اصابة الدماغ

هل يمكن لفيروس كورونا أن يسكّن الألم؟

هل يمكن لفيروس كورونا أن يسكّن الألم؟

«ريف بريتوريوس» رجل أمريكي يبلغ من العمر 49 عام، تعرض لحادث سير في عام 2011 جعله يعاني من عدة كسور في فقرات الرقبة وضرر بالغ في الأعصاب. يعاني «ريف» من آلام مستمرة في ساقيه، وصفها بأنّها تشبه وقوع الماء الساخن على ساقيه باستمرار. لقد كانت شدة الألم توقظه من نومه كل ليلة. في التاسع عشر من يوليو الماضي أصيب ريف بفيروس كورونا في مكان عمله. لقد خفف المرض من شعور «ريف» بالألم وجعله يختفي تمامًا في كثير من الأحيان. ولأول مرة منذ تعرضه لحادث السير كان «ريف» قادرًا على النوم بشكل متواصل، ولكن سرعان ما عاد الألم مجددًا عندما بدأ «ريف» يتعافى من فيروس كورونا. [1]

كيف يمكن لفيروس كورونا أن يسكّن الألم؟

نُشرت دراسة في مجلة «pain» لمجموعة باحثين من جامعة أريزونا للعلوم الصحية تدرس كيف يُسَكّن الألم، عن طريق تثبيط مسار «VEGF-A/neuropilin-1» بواسطة البروتين الشائك الموجود على سطح فيروس كورونا. لفهم نتائج الدراسة دعونا أولًا نذكر بعض المعلومات المهمة:

1. عندما تُصاب أجسادنا بضرر كوخزة الإبرة أو العدوى مثلًا، هناك بروتين يدعى «عامل النمو البطاني الوعائي_ VEGF» هذا البروتين موجود في أجسامنا وله علاقة بتخليق ونمو الأوعية الدموية كذلك له القدرة على الارتباط بمستقبلات «النيوروبيلين-neuropilin receptors» هذا الارتباط يُحدِث سلسلة من التفاعلات التي تحفز «العصبونات-neurons» فنشعُر بالألم.

2. السطح الخارجي لفيروس كورونا يتكون من بروتين رئيسي يدعى «البروتين الشائك» هذا الذي يُعطي الفيروس المظهر التاجي تحت المجهر، يرتبط هذا البروتين بعدة مستقبلات موجودة في جسم الإنسان أهمها «ACE2 receptor» ليسبب المرض. [2]

نعود من جديد لفهم ما فعله باحثو جامعة أريزونا للعلوم الصحية: عمل الباحثون على اختبار صحة فرضية أنّ «البروتين الشائك» لفيروس كورونا يعمل على مسار الألم «1-VEGF-A/Neuropilin»، فأجروا مجموعة تجارب لحيوانات التجارب عن طريق استخدام بروتين«VEGf-A» كمحفز للعصبونات لخلق الإحساس بالألم ومن ثم أضافوا «البروتين الشائك» لتلك الحيوانات. لقد وجد العلماء أن البروتين الشائك يمكنه أن يرتبط بمستقبلات «neuropilin-1» فيحِل محل بروتين «VEGF-A» ويمنعه من الارتباط، وبالتالي يثبط هذا سلسلة التفاعلات التي تسبب الألم. يقول الباحثون أنّ نتائج الدراسة تدل على أنّ فيروس كورونا يُمكنه أن يسكّن الألم، ولكن هذا لا يلغي احتمالية وجود طريقة عمل أخرى للفيروس يمكن أن يسبب بها الألم. [3]

كيف يمكن أن نستفيد من نتائج هذه الدراسة؟

1. يمكن لهذه الدراسة تفسير سبب عدم شعور البعض بفيروس كورونا رغم الإصابة به، فسر ذلك الدكتور «خانا-khanna» أحد المشاركين في هذه الدراسة بأنه يمكن لحاملي الفيروس ممن لا تظهر عليهم أعراض الإصابة ألّا يشعروا بالمرض لأن الفيروس أخفى الألم، إثبات أن هذا التسكين للألم هو ما يساهم في انتشار الفيروس بسرعة ستكون له قيمة عظيمة.

2. كذلك تكمن أهمية هذه الدراسة في أنّه يمكنها فتح الباب لاكتشاف مسكنات جديدة للألم. رغم النتائج المذهلة لهذه الدراسة، إلّا أنّه لا زلنا نحتاج دراسات أخرى تُجرى على الإنسان، بدلًا من حيوانات التجارب للتأكد ممّا يحدث حقًا.

لا شك أنّ جائحة الكورونا أثّرت سلبًا على البشرية أجمع، ولكن من يدري لربّما هذا الفيروس يعلمنا طريقة جديدة نسكّن بها آلامنا.

المصادر

[1] scientificamerican

[2] The University of Arizona

[3] International Association for the Study of Pain

طفرة جديدة تمكن فيروس كورونا من إصابة الدماغ

صارت أعراض الإصابة بفيروس كورونا معلومة لدينا جميعًا، إذ تشمل الأعراض زيادة في الحرارة، الإسهال، السعال الجاف، لكن الأمر أصبح أكثر غرابة عندما حدثت طفرة جديدة

طفرة جديدة لفيروس كورونا

كان أول إبلاغ عن أعراض غريبة متعلقة بالجهاز العصبي في شهر مارس من العام الجاري، حيث تم الإبلاغ عن حالات فقدان مفاجئة للتذوق والشم معًا، حيث يؤثر الفيروس على مستقبلات الشم والتذوق، مانعًا إياها من تمييز الروائح والنكهات المختلفة.

تأثير الفيروس على الدماغ

لكن الأمر يصل إلى درجة أكثر خطورة عندما يتعلق الأمر بالدماغ البشري، فهذا العضو هو أكثر الأعضاء حساسية للتغيرات، وأكثرها مدعاة للقلق حينما يُهدد بأي خطر، إذ أنه هو المتحكم في كافة أعضاء الجسد.

كُتب تقرير في عن امرأة في الخمسينات من عمرها عانت من الهلوسة، أعطت نتائج التحاليل لاختبار فيروس كورونا نتيجة إيجابية، حيث سبب لها الفيروس هلوسات شديدة، فكانت ترى القردة تركض في أنحاء البيت، كما اعتقدت أن زوجها محتال، وسرعان ما تتابعت التقارير والأبحاث المنذرة بخطر كبير، إذ أبلغ العديد من الباحثين في مراكز بحثية مختلفة عن حالات هلوسة، وارتباك، دُوار، فقدان التركيز، تورم في المخ، بل وحتى سكتات دماغية!

بعض الأبحاث

قام بعض الباحثين بتجربة فريدة من نوعها، حيث قاموا بتوصيل الأقطاب الكهربائية بأدمغة المصابين بفيروس كورونا، لقياس نشاط دماغهم، أُجريت التجربة على 620 مريض في 84 دراسة مختلفة، بمتوسط عمر يبلغ ال 61 عامًا، وعن طريق فحص نتائج ال EEG، تبين معاناة بعضهم من تورم في الدماغ نتيجة إصابتهم بالفيروس، علمًا بأن بعض هؤلاء المرضى كانوا قد أبلغوا عن حالات الإغماء، الغيبوبة، التلعثم، بل وحتى نوبات الصرع. كانت أكثر الحالات شيوعًا هي تباطؤ في الموجات الكهربائية للدماغ، مما يعني أن الفيروس يؤثر مباشرة على عمل المخ.

الخلاصة

بتنا نعلم التأثير الواضح لفيروس كورونا على المخ والجهاز العصبي، ولكننا لسنا متأكدين إن كانت الأعراض متعلقة بتأثير الفيروس على الدماغ مباشرة، أم أنه رد فعل مناعي يقوم به الجهاز المناعي أثناء مقاومة الفيروس، وهذا أمر في غاية الأهمية، فهذا هو ما سيحدد طريقة العلاج، فهذان منحيان مختلفان كليًا، وكما يبدو أن المعركة بين الأطباء وبين هذا الفيروس بدأت تأخذ منحًى آخر، حيث أن الفيروس يطوّر من نفسه ليصبح أكثر عنفًا وضراوة عن طريق هذه الطفرة، لكن النصر لنا لا محالة، فقد تغلبنا على الطاعون من قبل، فهي مسألة وقت لا أكثر.

المصادر

sciencealert
technologynetworks
nature

اقرأ أيضًا زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري

التاريخ الكبير: كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

إن أحد أكبر الأسئلة المحيرة هو السؤال عن أصل الأنواع، كيف لكل هذه الأشكال المختلفة من الحياة أن تنشأ؟ كيف يمكن أن يوجد كل هذا التعقيد؟ كيف يمكن لشيء معقد كعين الإنسان أن يكون موجودًا؟ كل هذه الأسئلة التي حيرت الملايين على مر العصور، حتى أننا لجأنا لتفسيرها بالخرافات والأساطير، لكن العلم بات يعرف الإجابة، وهي التطور، ولكن كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

الحوت الأزرق هو أكبر الكائنات الحية على وجه الأرض اليوم، قد يصل طوله إلى 30 مترًا، كما قد يصل وزنه إلى ما يزيد عن ال100 طن!

يستطيع الحوت الأزرق التهام ما يزيد عن نصف مليون سعرة حرارية بمجرد أن يفتح فكيه، إلا أنه ليس بسمكة، فالحوت الأزرق من الثدييات، حيث سيموت اختناقًا إن بقي تحت الماء، فيجب عليه أن يصعد للسطح بين الحين والآخر، ليستنشق بعض الهواء، كما أن إناثها لا تبيض، وإنما تلد صغارها، ومن ثم تشرع في إرضاعها.

لى النقيض، الفيروسات هي أصغر ما يمكن أن نعتبره شكلًا من أشكال الحياة، حيث يبلغ حجمها بضعة نانومترات فقط، كما أنها لا تستطيع التكاثر ذاتيًا، وإنما تحتاج إلى خلية حية لتستولي عليها، وتحولها إلى مصنع للفيروسات المشابهة.

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

جميعنا نحب الكلاب، أليس كذلك؟ ولكن من منا يحب الذئاب؟ بالضبط، لا أحد.
ولكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن الكلاب ما هي إلا سلالة منحدرة من الذئاب الرمادية، إذ استطاع أجدادنا استئناف بعض هذه الذئاب، وقادوا عملية التهجين، وانتقاء السلالات المرغوبة، وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، نتج ما لدينا اليوم من فصائل متنوعة للكلاب، ويمكنك عزيزي القارئ ملاحظة الشبه الكبير بين كل من الذئاب والكلاب.

كيف يعمل التطور

في القرن التاسع عشر، قدم «تشارلز داروين-Charles Darwin»، وصديقه «ألفريد راسل والاس-Alfred Russell Wallace» نظريتهما بشأن التطور، وهي تنص على أن التطور ليس بحاجة إلى العنصر البشري، فالطبيعة تقوم بانتقاء بعض الأجناس دونًا عن الأخرى، لنتخيل معًا هذا السيناريو:

نحن في بيئة ثلجية، ولدينا دببة بنية اللون، وأخرى بيضاء،  تستطيع الفرائس أن تلمح وجود الدببة البنية من على بعد كبير، وذلك للاختلاف الكبير بين اللون البني والأبيض، مما يسمح للفرائس بوقت أكبر للهرب، مما يقلل من فرص حصول الدببة البنية على الطعام، مما يجعل تكاثرها واستمرار نسلها أصعب، إذ ستكون أكثر عرضة للانقراض.

على النقيض، فالدببة البيضاء مموهة بفضل تشابه لون فرائها مع لون الثلج، مما يجعل ظهورها مفاجئًا للفريسة، وبهذا يستمر نسل الدببة البيضاء، بينما يختفي نسل الدببة البنية من هذه المنطقة الثلجية، وهذا ما يفسر وجود الدببة القطبية في البيئات الثلجية.

كيف يحدث التطور؟

كل الكائنات الحية قادرة على التكاثر، إذ تقوم بنقل جيناتها إلى الأجيال القادمة، لتصنع نسخًا متطابقة منها، لكن الطبيعة ليست بذلك الكمال، إذ قد تحدث بعض الأخطاء، فتحدث الطفرات الجينية، وهنا تكمن المغالطة، فالبعض يربط الطفرات بالتشوهات، ولكن الطفرات ليست كلها سيئة بالضرورة، فما هي إلا تغيرات جينية تعطي صفات جديدة للكائنات الحية.

الخلاصة

ليست نظرية التطور مفسرة لأصل الحياة، ولا هي عن أصل الكون، وإنما هي تشرح أصل الأنواع، فهي تفسر كيف تنوعت الكائنات الحية بعد أن نشأت الحياة للتو، وهي أفضل تفسير لدينا بهذا الشأن.

المصدر:

Coursera

Exit mobile version