الهيدروجين الأخضر، من أجل مستقبل أفضل

هذه المقالة هي الجزء 14 من 22 في سلسلة موضوعات تأسيسية في الطاقة المتجددة

ما هو الهيدروجين الأخضر؟

الهيدروجين الأخضر هو وقود احتراق نظيف خالي من الانبعاثات عن طريق استخدام الطاقة المتجددة لتحليل المياه بالكهرباء، ويفصل ذرة الهيدروجين الموجودة في الماء عن جزيء الأكسجين المزدوج (في خلايا الوقود، يتم عكس العملية حيث يتم خلط الهيدروجين بالأكسجين لإنتاج الماء والكهرباء.). في الوقت الحاضر، يتم اشتقاق معظم الهيدروجين المستخدم كوقود من خلال فصله عن جزيئات الغاز الطبيعي. لكن هذا يتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة وينتج أيضًا ثاني أكسيد الكربون، مما دفع البعض إلى تسمية هذا الهيدروجين الرمادي، على عكس الأخضر. الهيدروجين الأزرق هو الاسم المستخدم إذا تم التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون الناتج ويتم احتسابه كوقود منخفض الانبعاثات ويوجد أيضًا الهيدروجين البني الذي يتم إنتاجه باستخدام الفحم حيث يتم إطلاق الانبعاثات في الهواء.

لماذا تتجه الأنظار نحو الهيدروجين بشكل خاص؟

لسبب واحد، أنها تحترق منتجة حرارة عالية بشكل نظيف. استبدال الوقود الأحفوري المستخدم الآن في الأفران التي تصل إلى 1500 درجة مئوية (2732 درجة فهرنهايت) بغاز الهيدروجين يمكن أن يحدث تأثيرًا كبيرًا في 20 ٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية التي تأتي الآن من الصناعة. في صناعة الصلب، يمكن أن يحل الهيدروجين محل الفحم الذي يستخدم الآن ليس فقط للحرارة ولكن لتنقية خام الحديد. المنتج الثانوي هو بخار الماء وليس ثاني أكسيد الكربون. وبينما تهيمن البطاريات حاليًا على مجال السيارات الكهربائية، تراهن بعض الشركات على أن خلايا الوقود التي تعمل بالهيدروجين ستكون خيارًا أفضل من بطاريات المركبات الثقيلة، مثل الشاحنات والسفن وربما الطائرات.

طريقة إنتاج الهيدروجين الأخضر

يتكون الهيدروجين الأخضر من خلال عملية تعرف باسم التحليل الكهربائي (electrolysis). حيث يقوم جهاز يُعرف بالمُحَلِّل الكهربائي (electrolyzer) بتقسيم المركب إلى العناصر المكونة له باستخدام تيار كهربائي. غالبًا ما يكون هذا المركب عبارة عن ماء ينقسم إلى هيدروجين وأكسجين. إذا كانت الكهرباء المستخدمة تأتي من مصادر متجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، فإن الهيدروجين الناتج يُعرف باسم الأخضر. يكمن التحدي في إمدادات المحلل الكهربائي القليلة نسبيًا، ومقارنة بعمليات الإنتاج الأكثر رسوخًا، فإن التحليل الكهربائي مكلف للغاية وبالتالي فإن العرض والطلب على المحلل الكهربائي قليل.

استخدامات الهيدروجين الأخضر

يتم استخدام غالبية الهيدروجين اليوم في الصناعة، بما في ذلك تكرير النفط وإنتاج الأمونيا والميثانول والصلب. لكن التطورات الحديثة في تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر تجعلها أكثر جاذبية لعدد من الصناعات المختلفة. في النقل، يمكن أن يعمل وقود الهيدروجين كبديل مباشر للبنزين والديزل. على عكس المركبات الكهربائية، التي يمكن أن تستغرق حوالي 30 دقيقة لشحنها بواسطة أسرع محطات الشحن، يمكن أن تكون سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية جاهزة للانطلاق في غضون دقائق.

لكن خلايا الوقود، التي تحول وقود الهيدروجين إلى طاقة قابلة للاستخدام للسيارات، لا تزال باهظة الثمن. ولا تزال البنية التحتية لمحطة الهيدروجين اللازمة لتزويد سيارات خلايا وقود الهيدروجين بالوقود غير متطورة على نطاق واسع. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن الهيدروجين يمكن أن يكون فعالًا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بشاحنات النقل لمسافات طويلة، وقطاعات أخرى مثل شحن البضائع والسفر الجوي لمسافات طويلة، حيث سيكون استخدام البطاريات الثقيلة غير فعال. استخدام محتمل آخر للهيدروجين هو تخزين الطاقة المتجددة التي من شأنها أن تضيع. تعمل شركة Mitsubishi Power وشركة تخزين الوقود Magnum Development في مشروع في ولاية يوتا لبناء منشأة تخزين تبلغ 1000 ميغاوات من الطاقة النظيفة، جزئيًا عن طريق الاحتفاظ بالهيدروجين في كهوف الملح. من المقرر أن يتم تشغيل مشروع تخزين الطاقة النظيفة المتقدم بحلول عام 2025، وسيكون أكبر نظام تخزين للطاقة النظيفة في العالم.

عوائق مختلفة

يتكلف إنتاج الهيدروجين الأخضر حاليًا ما بين 2.50 دولارًا و4.50 دولارًا للكيلوغرام، وفقًا لتحليل أجرته BloombergNEF. يجب أن ينخفض هذا إلى أقل من دولار واحد للكيلوغرام حتى يصبح قادرًا على المنافسة مع الهيدروجين المصنوع من الوقود الأحفوري. تتوقع BNEF أنها ستصل إلى هذا المستوى بحلول عام 2030. لكن هذا يتوقف ليس فقط على التوسع الهائل في قدرة المحلل الكهربائي، ولكن أيضًا على زيادة هائلة في قدرة توليد الكهرباء – في وقت تكون فيه المولدات والشبكات العالمية مجهدة بالفعل لمواكبة الطلب من السيارات الكهربائية الحديثة. أيضًا، باعتباره أخف غاز في الكون، يجب ضغط الهيدروجين أو خلطه بالغاز الطبيعي لإرساله عبر خط أنابيب أو تبريده إلى حالة سائلة ليتم نقله عن طريق السفن، مما يزيد من تكاليفه مقارنة بالغاز الطبيعي.

الجهود المبذولة في مجال الهيدروجين الأخضر

حدد الاتحاد الأوروبي الهدف الأكثر طموحًا، وهو بناء أجهزة تحليل كهربائية قادرة على تحويل 40 جيجاوات من الكهرباء المتجددة إلى هيدروجين بحلول عام 2030. وقد جعل الهيدروجين مكونًا أساسيًا في خطة الصفقة الخضراء، والتي تتصور ما يصل إلى 470 مليار يورو (560 مليار دولار) من الاستثمارات العامة والخاصة بحلول عام 2050 على أمل إطلاق سوق الهيدروجين العالمي. أعلنت ألمانيا أن الهيدروجين الأخضر سيلعب دورًا مركزيًا في تحويل القاعدة الصناعية للبلاد مع انتقالها إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2045.

تخطط الصين لامتلاك مليون سيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين على طرقها بحلول نهاية عام 2030. وقد تصل قيمة إنتاج الهيدروجين إلى تريليون يوان (155 مليار دولار) بحلول عام 2025، وفقًا لتحالف الهيدروجين الصيني. ستستثمر أستراليا 214 مليون دولار لتسريع تطوير أربعة محاور هيدروجين بقدرة 26 جيجاوات. اليابان، حيث استثمرت شركة Toyota Motor Corp بكثافة في تكنولوجيا خلايا الوقود، هي الشركة الرائدة عالميًا في محطات التزود بالوقود بالهيدروجين، بينما تقوم كوريا الجنوبية ببناء البنية التحتية للتزود بالوقود في ست مدن حيث تأمل في جعل الهيدروجين مصدر الطاقة الرئيسي بحلول عام 2025.

كان لدى الولايات المتحدة 6500 سيارة كهربائية تعمل بخلايا الوقود على الطريق في عام 2019، وهو أكبر أسطول في العالم. حددت إدارة الرئيس جو بايدن هدفًا يتمثل في خفض تكلفة الهيدروجين المتجدد بنسبة 80٪ بحلول عام 2030. وتضغط مجموعات الصناعة، بما في ذلك بعض شركات الوقود الأحفوري، من أجل الحصول على إعفاءات ضريبية لإنتاج الهيدروجين ودعم تحويل خطوط أنابيب الغاز الطبيعي إلى الهيدروجين .

المصادر

السر وراء موجات الحر العالمية

في الفترة ما بين عامي 1998 و2017 لقي أكثر من166ألف شخص حول العالم حتفهم جراء موجات الحر، وتشير التقديرات إلي أنه في عام2003 تسببت موجات الحر بموت أكثر من 70 ألف شخص في أوروبا. وتعد موجات الحر التي تستمر لعدة أيام من أخطر الكوارث الطبيعية علي الإطلاق، والتي من الممكن أن تحدث تأثيرات سلبية خطيرة علي المجتمع، بما في ذلك ارتفاع الوفيات، ولكنها نادرًا ما تحظى بالاهتمام الكافي نظرًا لأن عدد الوفيات والدمار الذي تحدثه ليس دائمًا واضحًا على الفور.[1]    

ماذا تفعل الحرارة الشديدة لأجسامنا؟

مع ارتفاع درجة حرارة الجسم، تتفتح الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وبالتالي يدفع القلب ليعمل بجهد أكبر لدفع الدم في جميع أنحاء الجسم.

يمكن أن يسبب هذا أعراضًا خفيفة مثل الطفح الجلدي الحراري المثير للحكة أو تورم القدمين، وفي الوقت نفسه، يؤدي التعرق إلى فقدان السوائل والأملاح، والأهم من ذلك، أن التوازن بينهما يتغير.

يمكن أن يؤدي هذا أيضًا إلى الإجهاد الحراري، والذي يشمل العديد من الأعراض والتى منها:

  1. الدوخة.
  2. الغثيان.
  3. الإغماء.
  4. الارتباك.
  5. تشنجات العضلات.
  6. الصداع.
  7. التعرق الشديد.
  8. التعب.
  9. من الممكن أن يؤدي انخفاض ضغط الدم إلي حدوث النوبات القلبية.[2]

هل يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى ضربة شمس؟

في الحالات العادية يبدأ الجسم في التعرق لتبريد نفسه، ولكن عندما ترتفع درجة حرارة الجسم بسبب الإجهاد الحراري( وهي حالة يصاب بها الشخص نتيجة تعرضه لدرجات الحرارة العالية، وتتمثل أعراضها في التعرق الشديد والغثيان والقيء وتسارع النبض)، عندها يبدأ الجسم في فقدان السيطرة على تبريد نفسه بواسطة التعرق، مما يؤدي إلي إصابة الشخص بضربة الشمس، ومن الممكن أن يتعرض لفقدان الوعي.[3]

مثال على ذلك إذا كنت تقود سيارتك ولاحظت أن ضوء درجة الحرارة يضيء، فإن ما يحدث هو أن نظام التبريد في السيارة أصبح مرتبكًا. إذا قمت بإيقاف تشغيل السيارة وتركتها تبرد مدة من الوقت، ففي هذه الحالة يمكنك البدء في القيادة مرة أخرى. ولكن إذا واصلت قيادة السيارة، فإن المشكلة تتجاوز نظام التبريد لتؤثر على المحرك، وفي النهاية ستتوقف السيارة.

في صيف عام 1995، تسببت موجة الحر في شيكاغو، في مقتل ما يقدر بنحو 692 شخصًا وإرسال ما لا يقل عن 3300 شخص إلى الطوارئ. وكشفت دراسة رصدية أجريت في عام 1998 على بعض هؤلاء المرضى، أن 28% ممن تم تشخيصهم في ذلك الوقت بضربة شمس شديدة قد ماتوا في غضون عام.[4]    

من هو المعرض للخطر خلال موجة الحر؟

  1. كبار السن.
  2. الأفراد المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية.
  3. مرضي السكر.
  4. الأطفال.
  5. المشردين.[5]

هل الحرارة تقتل؟

في عام 2010، تسببت موجة حارة بموت أكثر من 10ألاف شخص في موسكو. وفي عام 2003، أشارت التقديرات إلي أن حوالي 70 ألف شخص فقدوا حياتهم نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الشديدة.

ووجدت دراسة نشرت بمجلة”Nature Climate Change”عام 2017 أن حوالي 30٪ من سكان العالم يتعرضون للإجهاد بفعل الحرارة الشديدة بما يكفي لقتل الناس لمدة 20 يومًا أو أكثر كل عام.

كما أفادت دراسة أخري نشرت بنفس المجلة عام 2018، أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة الشهرية بمقدار درجة واحدة مئوية، كان مرتبطًا بزيادة معدل الانتحار الشهري، في الولايات المتحدة، وكانت تلك الزيادة حوالي 0.7٪، وفي المكسيك كانت 2٪.

وخلص مؤلفو الدراسة إلى أن هذا سيؤدي على الأرجح إلى زيادة حالات الانتحار لتصل إلي حوالي 14 ألف في الولايات المتحدة، وذلك بحلول عام 2050.

ومن المتوقع أن تشهد المدن في الولايات المتحدة وحول العالم ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة والتي من الممكن أن تصل إلى 100 درجة مئوية، وذلك بحلول عام 2100.[6]

هل توجد علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء؟

وجدت إحدى الدراسات التي نشرت عام2008بمجلة “Geophysical Research Letter” والتي جاءت بعنوان “العلاقة السببية بين ثاني أكسيد الكربون و تلوث الهواء” أنه مقابل ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، فأنه من المتوقع أن يتسبب تلوث الهواء بغاز الأوزون في وفاة حوالي22 ألف شخص حول العالم بأمراض متعلقة بالجهاز التنفسي.[7]

ووجدت دراسة أجريت عام 2017 أن تلوث الهواء يقتل بالفعل حوالي 9 ملايين شخص كل عام.[8]

المراجع

(1)who

 (2),(5)bbc

(3)scientificamerican

(4)scientificamerican

(6),(8)businessinsider

 (7)agupubs

princeton:image credit

الفيضانات الكارثية بأوروبا عام 2021، أسباب ونتائج

الفيضانات الكارثية بأوروبا عام 2021، أسباب ونتائج

تعتبر الفيصانات أحد أكثر الكوارث الطبيعية كلفة. حيث تكبد العالم خسائر تعادل 104 مليار دولار أمريكي سنوياً وفق بعض التقديرات. [1] وفي خلال الفترة من 15 إلى 17 يوليو اجتاحت فيضانات كارثية عدة مدن في شمال غرب أوروبا. مخلفةً دمارًا شاملًا وصفه البعض بأنه أصعب كارثةٍ مرت بها تلك الدول بعد الحرب العالمية الثانية. فقد أسفرت عن خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات والبنية التحتية يصعب حتى الآن تقديرها بدقة. لكن مما لا شك فيه؛ أنها إنذار مبكر من الطبيعة حتى يتخذ البشر سياسات أكثر محافظةً على البيئة في تلك الدول وفي الاتحاد الأوروبي وفي العالم أجمع. الفيضانات الكارثية بأوروبا عام 2021، أسباب ونتائج

كيف حدثت الفيضانات الكارثية؟

في بداية الكارثة هطلت أمطار غزيرة من يوم 13 وحتى يوم 15 يوليو 2021 على شمال ووسط أوروبا. وصلت غزارة تلك الأمطار في ألمانيا مثلاً؛ أنه خلال يومين هطلت كميات تهطل في العادة في شهر أو أكثر. ونتيجة لتلك الأمطار الغزيرة؛ ارتفعت مناسيب الأنهار في تلك المناطق بشكل غير مسبوق خلال عقود سابقة. مما أدى إلى فيضانات عنيفة ألحقت دمارًا وخسائرًا بغالبية المناطق القريبة من تلك الأنهار. [2، 3]

الفيضانات الكارثية وأنظمة الإنذار المبكر ضد الفياضانات في ألمانيا

على الرغم من الاستعداد الكبير للفيضانات واستخدام أنظمة تنبؤ تحديدًا في ألمانيا، إلا أنها لم تتمكن من الاستعداد لتلك الفيضانات الكارثية غير المسبوقة. ويُرجع البعض ذلك إلى خلل في التواصل بين الجهات المختصة أو تأخر في استجابتهم في بعض المدن. خاصةً أن بعض المناطق أطلقت إنذار مبكر، فكانت وفياتها أقل بالمقارنة بغيرها. لكن كل تلك المدن تعرضت لخسائر مادية فادحة. جهات رسمية في المناطق الألمانية التي لم تستجب مبكراً للإنذار ردت بأن الفشل كان بسبب كمية الأمطار الشديدة الغزارة والتي لم تكن متوقعة. [2]

ما النتائج التي أسفرت عنها هذه الفيضانات الكارثية؟

خسائر بشرية

أسفرت تلك الفيضانات الكارثية عن ما يربو على 100 قتيل وهو أكبر عدد من القتلى تتسبب فيه فيضانات خلال الخمسمائة أو الألف سنة الماضية، وذلك وفقاً لصحيفة النيويورك تايمز. [2] في بلجيكا على سبيل المثال؛ كان عدد الضحايا 31 قتيل. بينما اختلف الحال في ألمانيا؛ فقد كانت الخسائر البشرية هي الأعلى. حيث نتج عن الكارثة أكثر من 160 قتيل. وهذه هي الأرقام حتى 20 يوليو بالإضافة إلى مئات المفقودين. ومع ذلك؛ فإن العدد الحقيقي للمفقودين والقتلى غير محدد بدقة بسبب انقطاع الاتصالات عن كثير من الأماكن المتضررة. [3]

خسائر مادية

مما لا شك فيه أن تلك الفيضانات سببت دماراً شديداً للمنازل والسيارات والممتلكات ومحطات الكهرباء والاتصالات. لكن حتى اليوم لا يوجد تقييم دقيق للخسائر المادية التي تسببت فيها هذه الفيضانات. على الرغم من ذلك، يتوقع بعض الأخصائيين في التأمينات أن خسائر شركات التأمين وحدها ستتراوح بين 2-6 مليار دولار. [4]

صورة لإحدى الأماكن المتضررة من الفيضان بألمانيا قبل الكارثة وبعدها. [5]

أسباب

العلاقة بين الفياضانات الكارثية والتغير المناخي

لطالما صمد البشر أمام التغيرات المناخية المختلفة التي فرضتها عليهم الطبيعة وتأقلموا معها. وكان هذا أحد أسرار بقائهم على هذا الكوكب. لكن منذ الثورة الصناعية؛ زاد تأثير الإنسان السلبي على الطبيعة بشكل ملحوظ. وقد أضحى مصطلح التغير المناخي مرتبط بشكل كبير بتأثيرات الإنسان السلبية على البيئة؛ مثل: ثقب الأوزون و الاحتباس الحراري.

ارتفاع درجة حرارة الأرض

أدى ظهور الأنشطة الصناعية إلى ارتفاع متزايد في درجة حرارة الكوكب. حيث ارتفعت درجات الحرارة في كثير من المناطق على سطح الأرض إلى ما يزيد على 1.5 درجة مئوية زيادة أعلى من درجة حرارة الأرض قبل الحقبة الصناعية. ونتج عن ذلك موجات الحر الشديد التي تتعرض لها كثير من البلدان. ويُتوقع أن تستمر في السنوات القادمة. و ستتعدى أثار ذلك الضرر المباشر على الجسد والصحة إلى أضرار غير مباشرة مثل: الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات وغير ذلك من الآثار. [6]

شكل يوضح متوسط التغير في درجة حرارة الأرض عبر الزمن، على اليسار تظهر درجات الحرارة وبالأسفل الأعوام.
ويظهر متوسط ارتفاع درجة الحرارة في الفترة من 1979 وحتى 2020 بمعدل درجة مئوية واحدة.
المصدر: وكالة ناسا للفضاء. [7]

كيف تسبب التغير المناخي في كارثة الفياضانات؟

يميل عدد كبير من العلماء إلى ترجيح ارتباط هذه الفياضانات الكارثية بالتغير المناخي وتأثير الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري على تقلبات درجات الحرارة. ويعد الربط بين التغير المناخي وزيادة الفيضانات في أوروبا أمراً ليس وليد الحدث. فالقضية بالفعل مُثارة في عدد من التقارير والدراسات السابقة. وهذا الأمر لا يقتصر على الفيضانات وإنما يشمل حرائق الغابات وغرق السواحل وغير ذلك من الكوارث الطبيعية. [8، 10] وكذلك يلزم التنويه إلى أن أحد هذه الدراسات في 2019 توقعت أن الدفاعات المصممة ضد الفيضانات لن تكون كافية لصدها مستقبلاً. [1]

يفسر بعض العلماء ارتباط تلك الفيضانات الكارثية بالتغير المناخي كالتالي: يؤدي التطرف في ارتفاع درجات الحرارة إلى تبخير كميات كبيرة من المياه. كما أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من قدرة الجو على التشبع بكميات أكبر من البخار. ومن ثم هطلت هذه الكميات على هيئة أمطار شديدة الغزارة. وكنتيجة لذلك؛ ارتفعت مناسيب الأنهار بشكل كبير ومفاجىء. مما أدى الى فيضانات اجتاحت مواقع كثيرة بالقرب من تلك الأنهار وسببت الكارثة. [3]

في الختام؛ أغلب التقديرات تميل إلى أن التغير المناخي هو المسئول الرئيسي عن تلك الفيضانات الكارثية. ومن ثم؛ فإن كارثة الفيضانات تلك ربما تسهم بشكل قوي في خفض الأصوات الغير عقلانية الداعمة لإنكار التغير المناخي. كما قد تكون دافعاً قوياً للدول الصناعية الكبرى لاتخاذ خطوات أكثر جرأة لوقف تأثير الانسان السلبي على مناخ الكوكب وتفادي غضب الطبيعة الهادر وردها الغير متوقع.

المصادر

  1. Changing climate both increases and decreases European river floods
  2. European Floods Are Latest Sign of a Global Warming Crisis
  3. Europe’s deadly floods leave scientists stunned
  4. Berenberg sees $2-3 bln reinsurance losses from European floods, overall losses higher
  5. Germany floods: How a country was taken by surprise
  6. A Degree of Concern: Why Global Temperatures Matter – Climate Change: Vital Signs of the Planet
  7. Global Temperature | Vital Signs – Climate Change: Vital Signs of the Planet
  8. Extreme weather events in Europe
  9. River floods — European Environment Agency
  10. Current European flood-rich period exceptional compared with past 500 years
  11. مصادر الصورة البارزة الممثلة للمقالة:
    At least 160 dead, hundreds missing in devastating European floods
    In pictures: Floods kill dozens in Germany and Belgium
    German floods: Several feared dead after landslide south of Cologne  

افتراس الشريك الجنسي – أقصى مراحل الصراع الجنسي

قد تظن أنه في مملكة الحيوان تهمين كل الذكور على الإناث بالفطرة لما يتمتعون من قوة بدنية وخصائص أخرى عن الإناث. إلا أنه في بعض المجتمعات تكون للإناث الغلبة. لكن بعض تلك المجتمعات عندما تكون للإناث الغلبة لا يستطيع الذكور العيش بسلام. حيث تكون الهيمنة الأنثوية في مملكة الحيوان وحشية بشكل ما. ومن حسن حظ تلك المجتمعات أنه لا توجد حركة ذكورية تهدد عرش الإناث وتطالب بالمساواة لأن هذا قد لا يضمن بقاء فصيلتهم.

العلاقة الحميمة بين الذكر والأنثى

على عكس اسمها ففي بعض المجتمعات في مملكة الحيوان تكون العلاقة بين الذكر والأنثى غير حميمة إطلاقًا حيث ينتهي الأمر بافتراس الأنثى بافتراس عشيقها خلال التزاوج أو بعدها. ويشيع هذا الأمر في مجتمعات كثيرة مثل: فرس النبي، وبعض الثعابين والعناكب. لكن لحسن حظنا لا تنتشر مثل هذه المظاهر في المجتمع البشري.

«افتراس بني الجنس-cannibalism»

قد ترى في بعض مجتمعات الحيوان أن تقوم بافتراس بعضها البعض. مثل بعض الحيوانات العاشبة وبشكل أكبر في الحيوانات اللاحمة المفترسة. قد يكون ذلك على شكل افتراس الحيوانات لإخوتهم أو افتراسهم للمتطفلين علي أراضيهم أو افتراس الأم لصغارها أما ما قد تستغربه هو افتراس الأنثى للذكر أثناء التزاوج أو العكس.[1]

«افتراس الشريك الجنسي-sexual cannibalism»

التهام الشريك الجنسي يكون منتشر في العديد من المجتمعات حيث تقوم الأنثى بالتهام الذكر والتغذي عليه أثناء أو بعد التزاوج، وفي أنواع أخرى تقوم الذكور بافتراس الإناث إلا أنة تم رصد هذا السلوك بشكل أكبر بين الإناث. تم رصد تلك الظاهرة في أكثر من ثلاثين نوع مثل فرس النبي وبعض العقارب والعناكب والثعابين.[1]

فرس النبي

فرس النبي هو أشهر الأمثلة على التهام الشريك الجنسي بعد التزاوج. حيث تلعب الأنثى دور المعتدي ويكون الذكر هو الضحية. فتقوم الأنثى بافتراس زوجها بدايةً من رأسه وصولًا للأسفل حيث يكون وليمة لها وغذاء لصغارها. لكن ذلك لا يحدث مع كل ذكور فرس النبي يحدث مع 18-30% فقط منهم.[2]
لكن هذه الوحشية لا تكون بلا قيمة، بل أثبت الدراسات أن الإناث اللذين يقومون بقتل ذكورهن يكون معدل إنتاجهم للبيض ضعف المعدل الطبيعي. قد ترى أنه من الأفضل للذكر العيش لإقامة علاقات متعددة حيث يسمح له بالتكاثر أكثر وضمان نسله. إلا أن بعض الفرضيات أوضحت أن الذكر يستطيع التزاوج مرات قليلة طوال حياته لذا قد يكون افتراس الأنثى له أكثر فائدة لزيادة عملية التخصيب.[1]

الأناكوندا

في أحد مستنقعات البرازيل استطاع بعض المصورين التقاط مشهد لأنثى أناكوندا خضراء وهي تقوم بخنق زوجها إلى الموت. قد صرح بعض الباحثين رصد بعض الحالات المشابهة. وفسروا ذلك ببساطة لأن الذكر مصدر جيد للبروتين للأم المستقبلية كما أن الحجم مناسب للافتراس. حيث إن ذكور الأناكودا تكون أصغر في الحجم من الإناث مما يجعله لقمة سائغة البلع.[3]

«العنكبوت أحمر الظهر-redback spider»

لسوء حظ ذكر هذا العنكبوت أنه لا يستطيع التزاوج أكثر من مرة طوال حياته. حيث أثبت الدراسات أنه 80-92% من الذكور يخسرون حياتهم في رحلة التزاوج الوحشية تلك. حيث يقومون بتقديم أجسادهم بين أنياب الإناث أثناء التزاوج، مما يسمح بزيادة البيضات المخصبة عند الإناث مقارنة بذويهم اللذين لا يتم افتراسهم.[4]

الشريك الأصلح

تظل ظاهرة «التهام الشريك الجنسي- cannibalism sexual» تحت الدراسات. حيث هناك العديد من الأسئلة التي لم يُجَاب عليها مثل: لماذا الهيمنة الأنثوية في مملكة الحيوان نادرة الانتشار في الحيوانات الفقارية؟ وهل قد نراها تنتشر وتتطور عبر العصور مستقبلا؟ وغيرها من الأسئلة.
إلا أنه من حسن حظ الجنس البشري أن هذه الظاهرة غير منتشرة إناث البشر. لذا بالتأكيد رحلة البحث عن شريك أو شريكة هي رحلة محفوفة بالمخاطر المميتة في مملكة الحيوان، وبالفطرة تبحث الحيوانات عن الشريكة الأصلح. حيث يبحث ذكر فرس النبي دائما عن أنثى قوية ممتلئة حيث تضمن له أن لا حاجة لها في افتراسه مما يزيد فرص نجاته[5].

المصادر

  1. researchgate
  2. nationalgeographic
  3. nationalgeographic
  4. oxford academic
  5. nature

هل تؤثّر الموسيقى في نمو النبات؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 11 في سلسلة أثر الموسيقى وتطورها

لطلما عُرفت الموسيقى بتأثيرها في البشر، لكن العديد العلماء والباحثين تحدّثوا أيضًا عن تأثير الموسيقى في باقي الكائنات الحية كالحيوانات، فتبيّن مثلًا أن الموسيقى الكلاسيكية حسّنت من سلوك الفئران وزادت من إنتاج الحليب البقري. أما النباتات فهي كائنات حية أيضًا، تتنفس وتنمو وتتكاثر، ولكنها لا تملك أذنين. إذن هل تؤثّر الموسيقى في نمو النبات؟ وإلى أي مدى؟

تاريخ دراسة تأثير الموسيقى في الحيوانات:

استبعد الباحثون لسنين طويلة إمكانية تأثر النباتات بالموسيقى، كونها كائنات لا تملك جهازًا عصبيًا، فيصعب تلقيها للموسيقى أو تجاوبها معها. في المقابل، لاحظ آخرون تجاوب النبات للموسيقى، ودرسوا هذه الفرضية.

كان عالم النبات البنغالي “جاغاديش تشاندرا بوز -Jagadish Chandra Bose ” من أوائل الذين درسوا تأثر النبات بمختلف المؤثرات، ومنها الموسيقى في كتابه “Response in the living and non-living” (عام 1902) وفي كتابه “Plants response as a means of physiological investigation” (عام 1906). [1]

العلم يسأل ويجيب: هل تؤثر الموسيقى في النبات؟

في العام 1962، قاد الدكتور سينغ ( Dr. T.C. Singh) وهو المسؤول عن قسم علم النبات في جامعة أنامالاي في الهند، مجموعة من الأبحاث لدراسة تأثر نمو النبات بالموسيقى. وقد لاحظ زيادة بحوالى ال20% في نمو نبات البلسم وزيادة بنسبة 72% بكتلتها الحيوية بعد تعرّضها للموسيقى الكلاسيكية، وقد لاحظ الأثر نفسه بعد تعريضها لموسيقى الراجا (Raga music)، وهي موسيقى قائمة على آلتي الكمان والفلوت. أما تشغيل موسيقى الراجا لمحاصيل الحقول فقد زاد من نموها بنسبة تتراوح بين 35% و60%. كما بيّن دكتور سينغ أن الحبوب المعرّضة للموسيقى الكلاسيكية قد نمت بشكل أسرع وأعطت عددًا أكبر من الورق. [2]

في العام 1974، نشرت دوروثي ريتالاك كتابها “The Sound of Music and Plants” الذي وصفت فيه مجموعة من الاختبارات التي أجرتها لدراسة كيفية تأثير أنواع مختلفة من الموسيقى على النبات. وبيّنت النتائج أن تعريض النباتات لنوتة ثابتة على مدى ثمان ساعات يوميًا قد أدى إلى تراجع نموه وموته أحياناً. أما تعريضها لنفس النوتة بشكل متقطع أدى إلى زيادة في نموها. كما بينت نتائج مختلفة بحسب نوع الموسيقى، ففي حين كانت الموسيقى الكلاسيكية والجاز تحفز نمو النبات، كانت مويبقى الروك ذات تأثير سلبي عليه. تجدر الإشارة إلى أن العديد من العلماء يعتبرون ان اختبارات دوروثي ريتالاك تفتقد للمصداقية العلمية، ولا يمكن اعتبارها كمصدر علمي موثوق. [3]

أما دراسات الباحث الهندي “غوتاما ريدي” فقد بيّنت أن موسيقى الراغا الهندية حسنت نمو النباتات والمزروعات كالسبانخ والصويا والقمح. كما حفزت إنبات بذور الكوسى والبامية. [1]

في دراسة أخرى أُجريت في جامعة غوجارات في الهند، تبيّن أن النباتات التي تعرّضت للموسيقى الهادئة نمت بشكل أسرع، وذلك بنسب متفاوتة بحسب نوع النبات. كما أظهرت النباتات المعرضة للموسيقى عددًا أكبر من الأوراق والزهور. كما تفتحت الزهور فيها بوقت مبكر مقارنة بالنباتات التي لم تتعرض لأي موسيقى. [4]

إذن فإن هذه الدراسات تشير إلى أن الموسيقى تؤثر في النبات ونموها.

كيف تؤثر الموسيقى في النبات؟

رغم وجود عدد من الدراسات التي تشير إلى تأثر النبات بالموسيقى، إلا أن سبب هذا التأثير ما زال غامضًا وغير واضح. الفرضية الأكثر ترجيحاً هي حساسية النبات لتغير ضغط الهواء. فالموسيقى عبارة عن موجات صوتية مؤلفة من جزيئات الهواء المضغوطة. وبالتالي فإن الموجات الصوتية قد تكون قادرة على التأثير على مستقبلات تغير ضغط الهواء عند النبات.

يعتبر عدد من الباحثين أن حساسية النبات على الأصوات والتذبذبات قد تكون لها أسباب تطورية. فقد بينت الدراسات أن النباتات تتواصل من خلال الذبذبات، وهي تنمو بشكل أفضل عندما تكون محاطة بنباتات أخرى. كما أن النبات قد يكون قادرًا على الاستجابة للذبذبات التي تتسبب بها الرياح، ليحمي نفسه منها، فينمو بشكل أبطأ في فترة الرياح لكي يستطيع مقاومتها.

ولكن تأكيد سبب تأثر النبات بالموسيقى واختلاف هذا التأثير بحسب نوع النبات ونوع الموسيقى مازال بحاجة للبحث والتقصي العلمي.

الموسيقى لغة كونية

ليست الموسيقى حكرًا على البشر، فالدراسات تبيّن يومًا بعد يوم أن الموسيقى تؤثر في باقي الكائنات الحية من الحيوانات والنباتات. ولكن تأثر الكائنات بالذبذبات يفتح الأسئلة حول كيفية احساس النبات بالأصوات وتواصلها مع بعضها. فإلى مدى سيستطيع العلم إجابتنا حول هذه الأسئلة في المستقبل؟

 المصادر:

[1]: Researchgate..ne

[2]: agriculture.com.ph

[3]: dovesong.com

[4]: Academia.edu

إقرأ أيضًا: كيف توثر الموسيقى في الحيوانات؟

ما هي جودة البيئة الحضرية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

تستقطب المدن الآن أعدادًا كبيرة من الناس الباحثين عن فرص أفضل للعمل والسكن وحتى للمرح. تعتبر جودة البيئة في المدن ذا أهمية لحياة أولئك الناس. وإذا نظرنا إلى الإسهامات العلمية في مجال الدراسات البيئية-البشرية نجد أن البحث في جودة البيئة الحضرية يكوّن صلب البحث في علم النفس البيئي والجزء الأكبر من الدراسات التجريبية والميدانية.

العديد من الظروف البيئية مثل الضوضاء والحرارة والتلوث الجوي والازدحام قد تكن مصادر ازعاج وقلق وتخفض جودة البيئة الحضرية؛ بينما يمكن لعوامل أخرى مثل البنى التحتية والمساحات الخضراء والمؤسسات الصحية والتعليمية رفع من جودتها.  جودة البيئة الحضرية «Urban Quality Environment»  إذن مفهوم متعدد الأبعاد.

عوامل الإجهاد البيئي

تُعرف العوامل البيئية المؤثرة سلبًا بالضغوطات البيئية. وتؤدي إلى الإجهاد البيئي «Environmental Stress»، تتسبب هذه الضغوطات في نتائج عدة، كالمشاكل الصحية والمشاعر السلبية والسلوكيات غير الاجتماعية.

ترتبط العوامل البيئية المحيطة بالأفراد بكيفية إدراكها، فتصبح تلك العوامل مصدرًا للإجهاد. إذا اعتبرها الفرد نشوزًا في بيئته على سبيل المثال. حيث يقوم الناس بتقييم الظروف المحيطة بهم على مستوى الحطورة والضرورة وإمكانية توقعها وإمكانية التحكم بها. ما يؤثر على شعورهم بالانزعاج منها أو اعتبارها مصدرًا للإجهاد والقلق. فعلى سبيل المثال، إذا اعتبر الفرد مصدرَ ضوضاءٍ ما (مثلًا أعمال صيانة للطريق أو صوت لعب أطفال في مسجد) غيرَ مهم أو خطرًا أو غير ضروري، فسيشعر بمستويات أعلى من الانزعاج والإجهاد بسببه عمّن ينظر إلى مصدر تلك الضوضاء بشكلٍ أكثر إيجابية (باعتبارها ضرورية ومؤقتة على سبيل المثال).

تعتبر مستويات التيقظ «Arousal» والاجهاد «Sensory Overload» أبرز آليات الاستجابة للمؤثرات البيئية السلبية. حسب قانون يركيس-دودسون، فالمستويات شديدة الانخفاض او الارتفاع من التيقظ تؤثر سلبًا على الأداء (بالشعور بالضجر في حالة الانخفاض والقلق في حالة الارتفاع)، بينما يكون الأداء مثيرًا ومثاليًا في مستويات متوسطة ومثلى من التيقظ البدني والعقلي.

في البيئات الحضرية يدفع تواجد عدة ضغوطات بيئية إلى الإجهاد. وحسب نظريات الإجهاد فإن استمرار تواجد الضغوطات يحتاج إلى جهد عقلي متواصل لمواجهة الضغط، ما يؤدي إلى مستويات  تيقظ مرتفعة على الدوام. وفي حال استمرار الإجهاد والتوتر لفترات مطولة يتطور الأمر إلى إرهاقٍ عصبي يقلص من القدرات الإدراكية والعقلية. وفي تلك الحالة يحتاج الفرد إلى أواليات للتعامل مع طاقاتهم وقدراتهم المنهكة، عن طريق الاهتمام والتركيز فقط على التعاملات والمعلومات المهمة وتجاهل الباقي.

في حالة الوصول إلى مرحلة الإرهاق العصبي فإن حتى أصغر المعاملات التي تتطلب بعض التركيز والجهد (مثل الحديث مع الجيران أو اللعب مع الأولاد) قد تكون غير محتملة. ولذلك ففي البيئات الحضرية تكثر حاجة الأفراد للانعزال.

المدينة كمتنفسٍ صحي

المدن ليست فقط مصادرَ للضغط والقلق، بل توفر أيضًا العديد من المتنفسات. فعلى سبيل المثال، يمكن لتخطيطٍ صديقٍ للمشاة «Pedestrian-Friendly» أن يحفز من تجارب التمشية للسكان. كما يمكنه أيضًا توفير تجارب يومية محببة للناس، كمشاهد الخضرة والناس ولعب الأطفال وغيرها من الأنشطة الدائرة في الطرق. ناهيك عن أن التصميم الصديق للمشاة يقلّص من تواجد السيارات في المناطق السكنية ما يضفي شعورًا بالأمان لدى السكان. وقد تحدثنا في المقالات السابقة عن فوائد المساحات الخضراء على سكان المدن. ونضيف الآن أن توافر العناية للمسطحات الخضراء والحدائق وصيانتها يخلق المزيد من الفرص للتعاملات الاجتماعية مع الآخرين، ويزيد من الشعور بالأمن والاهتمام أيضًا.

تعتبر بعض المناطق الحضرية أيضًا ملاذًا نفسيًا، أي أنها تساهم في خفض نسبة الضعط والإرهاق الذهني. فعلى سبيل المثال، يمكن لتواجد النباتات والمظاهر الجمالية عامةً أن تخفض معدلات الإرهاق الذهني (ما قد يساهم أيضًا في خفض معدلات العنف الأسري أحيانًا!). كما أن تواجد علامات طبيعية ومدنية متنوعة في المحيط ينعكس إيجابًا على تجربة السكان. فوجود منشأة كمتحفٍ أو دار عبادة على سبيل المثال ذات تصميم متسع ومتناسق (أي تسمح بالتجول والاستكشاف وتحتوي على علامات يسهل العثور عليها) قد يصاحب تأثيرًا صحيًا على الشعور بالضغط والإجهاد.

دراسة وتقييم جودة الحياة في المدن

يعرّف مفهوم الرضا السكنيّ «Residential Satisfaction»  بأنه الشعور بالرضا الناتج عن العيش في مكان (منزل، حي، أو بلدة). وقد طُوّر هذا المفهوم ليكون أكثر شمولًا، وبقدرٍ ما أكثر موضوعية، عن طريق شموله للمناحي الذهنية والسلوكية والشعورية لدى السكان.

يمكن تقييم الجانب الذهني للرضا السكني باعتبار الجوانب التي يراها الأفراد متعلقةً بجودة حياتهم بشكلٍ عام. أي الجوانب التي يدركون تأثيرها عليهم سلبًا أو إيجابًا. نعيد التذكير بأن انطباع الفرد عن المؤثرات المحيطة به قد يجعلها أشد توتيرًا. يستعمل المختصون في الدراسات الحضرية عدة مقاييس ومعايير نفسية لقياس هذه الانطباعات، ويحاولون مواءمتها في بيئات ثقافية متعددة.

يقاس الجانب السلوكي بشكلٍ رئيسي باعتبار التنقل السكاني، أي تغيّر سكن الفرد، باعتباره مؤشرًا على عدم الرضا السكني. على سبيل المثال، أشارت دراسة على 12 دولة أوروبية أن التكدس في غرف المنازل والمساكن كان مؤثرًا مباشرًا على التنقل السكاني. وأثرت عوامل أخرى كالأعطال المنزلية والضوضاء ومعدلات الجريمة على التنقل عبر آثارها السلبية على رضا السكان. الجانب الثالث، وهو الجانب الشعوري، سيكون عنوانًا لمقال لاحق حين نبدأ بالحديث حول نطاق الإدراك البيئي.

تقييم جودة المدن معماريًا

قد يكون مناسبًا في سياق الحديث عن مستويات الرضا السكانية وكيفية قياسها التطرق إلى تقييم الأماكن والمناطق الحضرية من وجهة نظر معمارية، وتحديد قيمتها ومدى رضا ساكنيها ومستخدميها عنها. تعتبر دراسة «Beyond Location» البريطانية رائدة في هذا المجال. حاولت هذه الدراسة معرفة ما يجعل مكانًا ما مفضلًا أو مكروهًا، وكيف يؤثر تفضيل الناس أو كرههم لمكان ما على سلوكياتهم نحوه؟ قامت هذه الدراسة بتحليل أكثر من 19000 مكانًا عامًا في 6 مدن بريطانية، باستعمال عدة وسائل لتحليل كمية ضخمة من البيانات. وتعتبر هذه الدراسة أكبر دراسة تجريبية من نوعها في هذا المجال.

أثارت هذه الدراسة العديد من النقاشات حول مستقبل التخطيط العمراني. إذ أشارت إلى أن العديد من مبادئ التخطيط العمراني الجديد «New Urbanism» غير مفضلة. وأن النمط التقليدي في التصميم والتخطيط ليس بذلك السوء. لكن تطرقت الدراسة لما هو أبعد من النمط المعماري، إذ حددت 8 مبادئ ترفع من قيمة مكانٍ ما بالنسبة لساكنيه ومرتاديه، وكانت بعض نتائجها مذهلة بالفعل.

وجدت الدراسة على سبيل المثال أن وفرة الحدائق والمسطحات الخضراء لا يرتبط بالضرورة بارتفاع قيمة المكان. إذ أن طبيعة المساحة الخضراء ومدى صيانتها كانا عاملين مهمين. وجدت الدراسة أيضًا أن السكان يشعرون بالرضا أكثر في  الأحياء متعددة الأنشطة (أحياء يتوفر فيها أماكن للسكن والتسوق والترفيه والعمل) عن الأحياء السكنية المحضة (كما هو مشهور في تخطيط الضواحي غربيًا). السكن بالقرب من معلمٍ ما وبالقرب من المنشآت التعليمية كان له أثر كبير في رفع تقييم الأماكن المحيطة وقيمتها.

المصادر:
[1] Urban Environmental Quality, in Environmental Psychology: an introduction; Lina Steg and Judith I. M. De Groot.
[2] Environmental Psychology – University of California, Irvine
[3] Beyond Location

العمارة الحيوية – كيف شكّلت الطبيعة العمران والهندسة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في المقال السابق عرضنا نبذة عن الفوائد الصحية للتعرض للطبيعة، وكيف أدت تلك الأبحاث لنشوء مبادئ البايوفيليا أو “حب الطبيعة” في التصميم والتخطيط المعماريين، والتي تسعى لإدماج الطبيعة في نسيج المدن بهدف رفع جودة المعيشة أو المحافظة على البيئة أو توفير متنفس للسكان.

في هذا المقال نستعرض التأثير المعاكس لعلاقة البيئة بالعمران هذه، أي كيف تأثرت العمارة والتخطيط العمراني، من جهة المعرفة العمرانية وتقنيات البناء، بالتفكير البيئي والمحب للطبيعة، والتي أدت في أحدث محطاتها إلى نشوء العمارة الحيوية «Bionic Architecture» ومبادئ التصميم البيئي «Biophilic Design».

المدن الحدائقية – Garden Cities

قد تكون أولى محطات التصميم الحيوي أو البيئي للمدن الحديثة هي  المدينة الحدائقية، والتي ابتكرها الانجليزي «إبينيزر هوارد» عام 1898. وهي نموذج عمراني يدمج بين البيئة الحضرية -في شكل نواة مدنية- والبيئة الخضراء -في شكل محيط ريفيّ-  في محاولة لخلق توازن بين النموذجين وتلافي قصورات كليهما.

كانت المدينة الحدائقية حلًا لمشاكل التلوث والتكدس التي كانت تعانيها المدن الأوروبية في تلك الفترة، ولذلك لاقت رواجًا كبيرًا وتم إنشاء عدة بلدات بالفعل حسب هذا النموذج، إذ كانت تهدف في حال وصولها ذروة طاقتها الاستيعابية للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

إلا أنه المدينة الحدائقية كانت تعاني من قصورات خاصة بها هي أيضًا، مثل قلة المساحات المتاحة للبناء والتوسع. ولكنها لا تزال تلقى بعض الرواج، مثلًا في بريطانيا حيث قررت الحكومة عام 2017 إنشاء عدة بلدات حدائقية حول البلاد.

نموذج المدينة الحدائقية كما اقترحها إبينيزر هوارد [ويكيبيديا]

التخطيط العمراني الأخضر – Green Urbanism

ظلت المدن الحديثة غالبًا غير مهتمة بالجانب الأخضر والبيئي فيها وبآثارها البيئية حتى ستينات القرن الماضي. ففي الولايات المتحدة كمثال كان التوسع الحضري نحو الأرياف المحيطة بالمدن سمة بارزة في خطط التوسع العمراني حينئذ. ولكن مع اضطرابات الستينات الاجتماعية والسياسية وظهور الوعي بأزمة المناخ بدأت الحركات المهتمة بالبيئة بالظهور والانتشار.

وبدأت الحكومات حول العالم بسن القوانين والأكواد لمحاولة تلافي أضرار المدينة على البيئة وجعل المدن أكثر استدامة، كما حدث في قمة الأرض للأمم المتحدة عام 1992. بعد هذا المؤتمر بدأت مصطلحات كالتخطيط العمراني المستدام والتنمية المستدامة في الانتشار.

يسمى التخطيط العمراني الأخضر أيضًا بالتخطيط العمراني المستدام، وبالتخطيط العمراني البيئي.  وقد تكون كوبنهاجن من أكثر مدن العالم تطبيقًا لمبادئ التخطيط المستدام هذه. ما يدعو للإعجاب في إدارة كوبنهاجن لتوسعاتها العمرانية  هي سبقها الزمني للكثير من النماذج المستدامة.

مثل مخطط “الأصابع الخمسة” الذي طورته المدينة عام 1947 والذي كان يهدف لتنظيم التوسع العمراني لمدينة كوبنهاغن والحفاظ على المسطحات الخضراء المحيطة بالمدينة، وتطوير خطوط مواصلات عامة فعالة تربط وسط المدينة (كف اليد) بالتوسعات الجديدة (الأصابع). ستكون لنا عودة في المقالات التالية للقواعد التي اتبعتها كوبنهاجن في خلق مدن أكثر إنسانية ورفاهية من جوانب أخرى.

مخطط “الأصابع الخمسة” لمدينة كوبنهاغن

العمران العضويّ -Organic Urbanism

كان المعماري الأمريكي «فرانك لويد رايت» أول من صاغ مفهوم «العمارة العضوية» وعرّفها بأنها المعمار المتوافق مع الطبيعة.  ومع مرور الوقت أخذ مفهوم العضوية يأخذ مساحةً أكبر واهتمامًا أكثر في مجال العمران والهندسة. فبينما تتمثل العضوية في المعمار كثيرًا باستعمال أشكال وتصاميم وهياكل مشابهة لتلك التي في الطبيعة، نجد أنها مهدت الطريق للكثير من التقنيات الهندسية والمفاهيم الإنشائية الأوسع.

ففي مجال التخطيط العمراني نشأ مفهوم «المدينة العضوية» والذي يرى المدينة باعتبارها كائنًا حيًا، لا ينمو عن طريق إضافة الأجزاء له عن عمد ولكن عن طريق إعادة ترتيب وظائفه ومهامه حين يصل إلى حدود طاقته الاستيعابية وإمكانياته.

لا تمتلك المدينة العضوية مركزًا حيويًا واحدًا، بل هي تتكون من عدة مراكز مكتفية بذاتها ولكنها متصلة ببعضها وتعتمد على بعضها.  وبالمثل، فالنموذج العضويّ في التنمية العمرانية يستند على جعل كل مرحلة من إنشاء أو تنمية المدن قادرةً على القيام بذاتها، عوضًا عن جعلها جزءًا من كلٍ ينتظر الاكتمال لتبدأ بالعمل.

لذا فهذا النموذج يعتبر معياريًا، أي مكونًا من أجزاء معيارية متشابهة قائمة بذاتها كما هو الحال في عمليات حيوية كثيرة. وتعتبر العمارة العضوية مقدمة للعمارة الحيوية والتصميم الحيوي.

يعتبر مركز قطر الوطني للمؤتمرات نموذجًا للعمارة العضوية إذ يأخذ شكل فروع الأشجار، إضافةً إلى تقييماته البيئية المرتفعة.
[David Michael via Flickr Creative Commons]

العمارة البيئية –  Arcology

نشأ مفهوم العمارة البيئية مع المعماري «باولو سوليري» -وهي دمج لكلمتي عمارة وبيئة الانجليزيتين-. تسعى العمارة البيئية لخلق قواعد ومعايير هندسية لتصميم مناطق شديدة الكثافة السكانية وذات أثر بيئي منخفض.

على الرغم من كون معظم المشاريع النابعة من هذا التصور لم تظهر أو تبن على أرض الواقع، إلا أن مفهوم العمارة البيئية مثّل نقلة في التفكير المعماري -الغربي بالمقام الأول- إذ انتقل من السعي للسيطرة على الطبيعة إلى التعايش معها. ويمكننا اعتبار العمارة البيئية حلقة وصل بين التخطيط العمراني والتصميم المعماري البيئيين.

يُعد المعماري والمهندس والمخترع الأمريكي «باكمنستر فولر» (أو «باكي» كما كان يحب أن ينادى) من أبرز المنظّرين لفكرة العمارة البيئية. وحيث أنه كان من رواد نظرية النظم فقد كان من رواد مفهوم الاستدامة ورؤيتها على عدة مستويات بشكل متداخل.

على الرغم من أن أفكار «فولر» لم تنتج أي إنجاز كبير في مجال الاستدامة، فيرجع الكثير من الفضل إليه في إشاعة مفهوم الاستدامة واعتبار العالم الحديث ومدنِه جزءًا من بيئة أوسع يعتمد عليها للبقاء.

التصميم البيئي – Biophilic Design

التصميم البيئي هو مفهوم يعني العمل على تصميم البيئة الحضرية والعمرانية بشكلٍ أكثر ارتباطًا بالطبيعة وأكثر ارتباطًا بطبيعة البشر النفسية تجاه بيئاتهم ومحيطهم.

انبثق هذا التوجه من أبحاث وأفكار علماء النفس والأحياء التطوريين، بعد إدراك أن المكوّن الجيني والنفسي الذي نتعامل ونتجاوب به مع العالم والبيئة المحيطة أقدم بكثير من البيئات الحضرية التي أنشأها البشر في العشرة آلاف عامًا الماضية.

كان عالم الأحياء «إدوارد ويلسون» أول من صكّ مفهوم حب الطبيعة «Biophilia» وعرّفها بأنها الميل للظروف البيئية التي ساهمت في بقائنا -من منظورٍ تطوريّ-. 

عرضنا في المقال السابق أمثلة لتطبيقات هذا المفهوم في التخطيط العمراني والتصميم المعماري. بعض الكتابات الحديثة في هذا المجال تحاول توظيف نظريات حيوية لتفسير السلوك البشري في البيئة الحضرية؛ مثل تفضيل الناس للسير بجانب الجدران عوضًا عن الابتعاد عنها. وسيكون لنا عودة لهذا المجال في مقال لاحق.

العمارة الحيوية – Bionic Architecture

العمارة الحيوية هي توجه مشابه لمفهوم العمارة العضوية، وهي توجهٌ يدرس النظم والعمليات الحيوية في الطبيعة ويحاول محاكاتها في العمارة والهندسة عن طريق التصميم الحيوي، بهدف الوصول إلى إنشاءات أكثر توفيرًا وأكثر فعالية وأقل تأثيرًا على البيئة.

تأثرت العديد من أفكار ونظريات وتقنيات هذا المجال أيضًا بالنظريات البيولوجية والمحاكات الحاسوبية الحيوية وبتقنيات البايوتكنولوجي. من أبرز أمثلة هذا النمط من التصميم هو مشروع عدن في بريطانيا.

مشروع عدن [ويكيبيديا]

إحدى تطبيقات هذا النوع من الهندسة الحيوية هو «المحاكاة الحيوية – Biomimicry» حيث يحاول المهندسون والمعماريون والعلماء فهم الوسائل التي تعمل بها الطبيعة والكائنات الحية بكفاءة لمحاكاتها بهدف تطوير  تصميمات ومواد وتقنيات أكثر استدامة وأكثر فاعلية. أكثر تطبيقات هذا المفهوم شهرة هو محاكاة الهياكل الطبيعية لصنع هياكل أكثر متانة للأبنية.

لكن يشتهر أيضًا تطوير مواد محاكية لتلك التي في الطبيعة أو مواد أكثر نفعًا بيئيًا، مثل مادة الـETFE التي يشتهر استعمالها لخفة وزنها وكفاءتها في العزل الحراري. كما بدأت تظهر للواقع تقنيات ومواد أكثر غرابة، مثل استعمال الطحالب (لتوليد الحرارة، أو للعزل الحراري، أو غيرها).

كان مبنى BIQ House في هامبورغ بألمانيا أول مبنى يوظف هذه التقنية. من رواد المحاكاة الحيوية اليوم المعماري البريطاني مايكل بولين، مؤسس مبادرة «يعلن المعماريون».

وهكذا كما ترى، فليست المدينة وحدها التي تؤثر على الطبيعة سواءً بالسلب أو الإيجاب، بل حتى الطبيعة تؤثر على تخطيط المدن والتفكير العمراني، وتظل العمارة الحيوية شاهدة على انبهار البشر بالعالم من حولهم عوضًا عن سيطرتهم عليه.

[1] Scandinavia Standard [2]
للمزيد من الأمثلة عن العمارة العضوية: Omrania [3]
لأمثلة أكثر عن تطبيقات المحاكاة الحيوية: re-thinking the future و dezeen

كيف تصنع فيروس من الصفر؟

كيف تصنع فيروس من الصفر؟

لطالما عانت البشرية على مر العصور من الفيروسات الوبائية المميتة مثل الإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة 50 مليون شخص تقريبا، والجدري الذي أودى بحياة 56 مليون آخرين، مرورًا بالإيبولا وإنفلونزا البرد المعروفة والإيدز وفيروسات الالتهاب الكبدي وانتهاءً بعائلة «Coronavirus»   بما فيها فيروس كوفيد-19. [2] [1] لكن فكرة أن تصنع فيروس من الصفر كانت فكرة نوعا ما جنونية لما تحملها من مخاطر. خلال هذا المقال سنتعرف على كيف استطاع العلماء صناعة فيروس من الصفر تقريبًا.

ما هو الفيروس؟

تعتبر الفيروسات أبسط الكائنات تكوينًا على وجه الأرض حيث يتكون من ثلاث مكونات فقط:

  1. «الحمض النووي-nucleic acid»
  2. غشاء بروتيني يحيط الحمض النووي «capsid»
  3. غلاف دهني فيروسي «envelope»

من الممكن أن يكون الحمض النووي DNA أو RNA وتختلف من فيروس لآخر، لكن تكمن المشكلة في الفيروس المتكون من RNA في خصائصه التحوريّة. أكثر الفيروسات غير قادرة على العيش أو التكاثر إلا بداخل خلية مضيفة تستخدم مكوناتها للعيش والانقسام. [3]

تخليق الفيروس في المعامل

استطاع العلماء تخليق فيروس يسبب شلل الأطفال من الصفر في المعامل باستخدام تتابع جيني معين فقط. كما يرى بعض الباحثين أنه يمكن تطبيق نفس الخطوات لصنع فيروس الإيبولا أو الجدري، لكن بعض الفيروسات الأخرى الأكثر تعقيدًا يصعب تصنيعها في المعامل حاليًّا.

أنتج العلماء أجزاء كثيرة من التتابعات الجينية من ال DNA المشابه لفيروس شلل الأطفال، واستطاعوا إلصاق تلك الأجزاء مع بعضها لإنتاج DNA كبير، واستخدام إنزيمات قادرة على تحويل ال DNA إلى RNA الذي هو المكون الجيني لفيروس شلل الأطفال.

عند إضافة الـ RNA للعصارة الخلوية لخلية بشرية، يمكن للـ RNA تكوين فيروس كامل باستخدام بروتينات العصارة. النتيجة هي إنتاج فيروس معدي قادر على تدمير خلايا بشرية وإصابة فئران التجارب بشلل أو حتى قتلها. [4]
  

ما الهدف من تخليق الفيروسات؟

إذا كان العلماء قادرين على صناعة فيروس، فهذا يتيح لهم فرصه أكبر لفهمه ومعرفة طريقة عمله ووظائفه. كما يتيح إنتاج لقاحات من فيروسات مصنَّعة مُضَعَّفَة غير قادرة على الانقسام وفتح أفاق جديدة في عالم اللقاحات. [5]

المخاوف المحيطة بالفيروسات المخلَّقة

أن تصنع فيروسًا ما من الصفر هو أمر تكثر حوله المخاوف. فإنتاج فيروسات فتاكة يشبه صنع أسلحة بيولوجية لا تقل خطورة عن الأسلحة النووية بل قد تكون أشد فتكًا.

كما يمكن أن يتم السطو على أحد المختبرات المنتجة لتلك الفيروسات أو تسريبها عن طريق الخطأ لعدم حفظها جيدًا، مما يتيح الفرصة لانتشار أوبئة قاتلة أنتجها الجنس البشري. [6] [4]

هل كوفيد-19 إنتاج معامل بشرية؟

الإجابة المختصرة هي لا حسب الأدلة المكتشفة حتى الآن. بعد انتشار فيروس الـ«MERS» و الـ«SARS» من عائلة «الفيروسات التاجية-coronavirus»، لم يكن ظهور فيروس كوفيد-19 بالأمر الغريب، حيث ينتمي لنفس العائلة وبأعراض مشابهة تقريبا.

على الرغم من انتشار شائعات أن فيروس كوفيد-19 هو صنع بشري وقد تسرب من أحد المعامل بالصين بعمد أو عن غير عمد، إلا أنه لا يوجد دليل على إدخال تعديلات أو هندسة وراثية على التتابع الجيني للفيروس. [7]

المصادر

  1. mdlinx
  2. visualcapitalist
  3. genome
  4. newscientist
  5. sciencemag
  6. nature
  7. newscientist

يوتوبيا الجرذان، التجربة المرعبة التي تنبأت بانقراض البشرية!

حديقة المسرّات الأرضية للفنان هيرونيموس بوش.
حقوق الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/The_Garden_of_Earthly_Delights

اليوتوبيا، أو العالم الفاضل، مفهوم شغل بال المفكرين والفلاسفة لقرون عديدة. وهي كما وصفها أفلاطون مدينة فاضلة خالية من العيوب، وهي مدينة مثالية بكامل نواحيها المادية والروحيّة. ولكن هل هي النعيم الذي نتمناه حقًا؟ وما هي يوتوبيا الجرذان؟

حاول عالِم السلوك الحيواني جون كالهون تطبيق مفهوم اليوتوبيا على الجرذان، ولكن جاءت النتائج عكس ما تخيله تمامًا.

تجربة يوتوبيا الجرذان أو “الكون 25”

حاول كالهون دراسة سلوك الجرذان في بيئة مثالية، وفهم نتائج وجود بيئة مثالية للفئران وما نجم عنها من اكتظاظ سكاني. عمل كالهون على خلق بيئة مثالية بين عامي 1954 و1972. عمل مع المعهد الوطني للصحة العقلية، وأمضى زمنًا يحاول تحسين وتطوير تجربته، وأعادها 25 مرة وفي كل مرة حصل على نتائج متقاربة، ومن عدد التكرارات، جاء اسم “الكون 25”.

خلق الكون 25

كان تصميم البيئة بسيطًا. مستطيل بقياس أربعة عشر قدمًا مقسم إلى أربعة أقسام متساوية مفصولة بأسلاكٍ كهربائية. يجهز كل قسم فيها بمكان للطعام والماء وأماكن خاصة للتزاوج والعيش. بيئة تغيب فيها أخطار أي عدو طبيعي، بالإضافة لكمية غير محدودة من الموارد الغذائية والمائية، وهو العالم المثالي.

من النعيم إلى الفوضى

بغياب أي تهديد لحياة الجرذان بدأت أعدادهم بالتزايد بشكل مضطرد، الأمر الذي أدى للوصول إلى الاكتظاظ السكاني، ومعه بدأ سلوك الجرذان بالتغير بشكل سلبي.

تحول سلوك الجرذان إلى سلوك عدواني شديد وأطلق كالهون على هذا التحول اسم “الحوض السلوكي” وهو زيادة في الأنشطة الباثولوجية “المرضية” بسبب التوتر الناجم عن الاكتظاظ السكاني.

غالبًا ما كان الذكر المهيمن يهاجم الأعضاء الآخرين حتى الأطفال، وكان هناك حالات انحراف سلوكي وافتراس لباقي الجرذان. أما الإناث فقد ابتعدن عن الغريزة الطبيعية لرعاية الصغار، وكان معدل وفيات الصغار يتجاوز 90%.

مرحلة الفناء والانقراض

وضّح كالهون أن مرحلة الانقراض تألفت من جزئين:

الموت الأول

وتميزت هذه المرحلة بغياب الهدف في الحياة بالإضافة لفقدان الرغبة في التزاوج وتربية حديثي الولادة ورعايتهم.

الموت الثاني

وهو الانتهاء الحرفي للحياة في هذه البيئة متمثلًا بموت الجرذان جميعًا وانقراضها. قام كالهون في بعض التجارب بأخذ أربعة أفراد أصحاء للتزاوج ولكن باءت تجربة إعادة التوالد بالفشل بسبب التغير الشديد الذي طرأ على سلوكهم.

التأثر الثقافي وتطبيق النتائج على المجتمعات البشرية

نشر كالهون نتائج أبحاثه عام 1962. تميزت تلك الفترة باهتمام متزايد بمخاطر الاكتظاظ السكاني، وكان للتجربة تأثيرًا ثقافيًا مهمًا. ولاقت اهتمامًا جماهيريًا ممن يعايشون رعبًا من مخاطر الاكتظاظ السكاني في المناطق الحضرية، مثل الانحلال الأخلاقي والتفكك المجتمعي.

قابلية التطبيق على المجتمعات البشرية

هناك جدل واسع حول إمكانية تطبيق التجربة على المجتمعات البشرية. قام عالم النفس جوناثان فريدمان بعدة تجارب لقياس تأثير الاكتظاظ السكاني على سلوك الأفراد، فقاس ارتياحهم وتوترهم حسب الأعداد الموجودة، وأضاف أنه لم يحصل على نتائج سلبية ملحوظة.

نقد النظرية

كانت التجربة ونتائجها مثيرة للجدل لعدة أسباب وأولها أنه من الصعب الاعتماد على سلوك الجرذان وحدها لفهم سلوك البشر، فبالرغم من أن الاكتظاظ السكاني مشكلة حقيقية وواقعية لكنها تظهر بشكل آخر في السلوك البشري، ففي تجارب فريدمان في مراقبة الطلاب ضمن الاكتظاظ السكاني لاحظ وجود تزايد في التفاعل الاجتماعي الإيجابي.

لاحظ أن الجرذان ستعاني من الاكتظاظ السكاني وسيكون مصيرها الانقراض، لكن البشر يتمكنون من التكيف مع هذا التزايد.

إضافة لذلك، لا يمكن خلق بيئة مثالية للبشر لدراسة لسوكهم، فبدلًا من موارد غير محدودة، فموارد البشر الغذائية والمائية محدودة، وغياب الخطر الطبيعي كالأمراض والأوبئة والحروب أمر غير قابل للتطبيق. وفي هذا ما زالت البشرية تواجه خطرًا ولكنه معاكس لمفهوم كالهون، وهو ما طرحه مالتوس في توضيحه ونقده وهو أن التزايد السكاني يتناسب عكسيًا مع التزايد في الموارد.

بالرغم من إثبات شبه استحالة تطبيق النظرية على البشر، وأنه لا خطر علينا من الاكتظاظ السكاني بهذا الشكل، إلا أن النظرية تطرح أفكارًا جديدة، فأثبتت لنا أن النعيم ليس بالضرورة رائعًا، بل من الممكن أن يصبح كابوسًا.

المصادر:
historyofyesterday
smithsonian
borgenprojects
wikipedia

التخطيط العمراني المحب للبيئة: «Biophilia»

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في عام 1984 نشر «روجر أولريك» دراسة في مجلة «ساينس» قدّمت لأول مرة نتائج تجريبية على أن التعرض للطبيعة قد يدعم الصحة البشرية. راقب «أولريك» مرضى يتعافون من عمليات جراحية واكتشف أن المرضى في الغرف المطلّة على مساحة طبيعية مشجرة احتاجوا فترات أقل نسبيًا للتعافي بعد الجراحة، كما أنهم احتاجوا جرعات أقل من المسكنات مقارنة بالمرضى الذين كانوا في غرف مطلة على جدران.

تم إعادة هذه التجربة في مستشفىً كورية عام 2006، حيث وُزع المرضى عشوائيًا على غرف دون نباتات وأخرى تتوفر على نباتات، وكانت النتيجة أن المرضى الذين توفرت لديهم نباتات في نفس الغرفة تعافوا بشكل أسرع أيضًا. كانت هذه بداية ما يسمى بالتخطيط المحب للبيئة.

تبدو فكرة أن التعرض للطبيعة يجلب فوائد صحية ونفسية بديهية لدى الكثيرين، ولهذا السبب لم يكن هناك حاجةٌ ملحة لفترة طويلة لدراسة أثر الطبيعة على البشر، وبالأخص في المدن. إلا أنه ومع التوسع الكبير في المدن والتمدن على مستوى العالم وانتشار الأمراض المزمنة والتوتر بدأ العالم في الاهتمام أكثر بدراسة آثار الطبيعة وكيف يمكن توفير المساحات الخضراء في المدن.

العائد الصحي للطبيعة

مجموعة  أحدث من هذه الدراسات كانت تدور حول قدرة سكان المدن على الوصول للأماكن الخضراء. استعملت هذه الدراسات جماعات كبيرة من الناس لمقارنة درجة صحة أولئك الذين يعيشون في أو بالقرب من مسطحاتٍ خضراء بمستوى صحة الذين يعيشون في أماكن أقل خضرة، بالطبع باستعمال وسائل إحصائية متقدمة لأخذ الفوارق الطبقية والاقتصادية في الحسبان.

إحدى الدراسات الرائدة والتي أجريت على 10 آلاف شخص في هولندا وجدت أن السكان الذين تتوفر  لديهم مسطحات خضراء بالقرب منهم (أقل من 3 كم) يظهرون مستوياتٍ أفضل من الصحة البدنية والنفسية عن الذين لا تتوفر بالقرب منهم أي مسطحات خضراء. وبعد تكرار هذه التجارب على شعوبٍ وبلدان وجماعات أخرى، يظهر استعراض نتائج هذا النوع من الدراسات أن هناك علاقة قوية بين نسبة المساحات الخضراء والصحة النفسية، وعلاقة أقل مع مستويات الصحة العامة.

لاحظت تلك الدراسات أن العلاقة بين المساحات الخضراء والصحة العامة تكون أقوى في الفئات التي تمضي في العموم وقتًا أطول داخل المنزل، مثل المسنين وربات البيوت. ولذلك قد يكون توفير مساحات خضراء مناسبة من وسائل سد الفجوة الصحية بين الأغنياء والفقراء.

بشكلٍ عام، يعتبر الباحثون في مجال البيئة أن العائد الصحي المباشر للطبيعة يرجع إلى أربع فوائد رئيسية:  تحسين جودة الهواء، توفير النشاط البدني، توفير بيئة للانسجام المجتمعي، وتقليل التوتر.

الأشجار جزء من المدن أيضًا!

بالإضافة إلى تلك العوائد الصحية المباشرة، فإن لوجود المساحات الخضراء وبالأخص الأشجار في النسيج العمراني فوائد بيئية وعمرانية لا تقل أهمية. فبالإضافة إلى الفوائد الصحية مثل تبريد حرارة الجو وتقليل انبعاثات الكربون، تساعد الأشجار في الحد من فيضان مياة الأمطار وزيادة قدرة الأرض على الامتصاص، وخفض مستوى الضوضاء.

هناك دراسات حول تقنيات أفضل لزراعة الأشجار في المدن بحيث تنمو بشكلٍ طبيعي لأقصى حجم ممكن لها، عوضًا عن استخدام الأوعية التقليدية التي توضع داخل الأرصفة الاسمنتية. وذلك بوسيلة أنظمة تسمح بمساحة أكبر للأشجار بالنمو في تربة خصبة وتتعرض للتهوية والمياة بشكلٍ طبيعي.

منظومة «GreenBlue Urban» لزراغة الأشجار بحيث تحصل على أكبر مساحة ممكنة من التربة لنمو الجذور.

الطبيعة وسط العمران: التخطيط المحب للطبيعة

أدى التوسع في الأبحاث حول أهمية الطبيعة للصحة والاستدامة في المدن إلى ظهور ما يسمى التخطيط المحب للبيئة «Biophilic Urbanism». مبادئ البايوفيليا -أو حب الطبيعة- تهدف لدعم الارتباط بالطبيعة، واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة بشكلٍ مسؤول، والتخطيط العمراني بناءً على الظروف المناخية والحاجات البيئية المحلية.

يمكن لتطبيق مبادئ البايوفيليا ودمج الطبيعة بشكلٍ فعّال في النسيج الحضري أن يساهم في رفع مستوى الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية للسكان. وهذا يشمل المشاريع الصغيرة كتطوير الحدائق الخلفية للأحياء والمشاريع الأكبر كإزالة الطرق السريعة من المدن وإحلال الطبيعة مكانها. هناك مدنٌ كثيرة على مستوى العالم بدأت في اعتماد خطط بيئية ضمن خططها العمرانية والتطويرية والاقتصادية، من ضمنها مدن كبرمنجهام وبرشلونة وتورونتو.

تصميمات محبة للطبيعة

كما لا يخفى على كثيرين فإن هناك ميلًا لدى المعماريين على مستوى العالم لدمج الطبيعة والخضرة في تصميماتهم. ولكن على عكس ما يعتقد الكثيرون فإن مصطلح «العمارة الخضراء» لا يعني إحاطة المباني بالأشجار والخضرة وحسب، بل هو مرادف لمفهوم «العمارة المستدامة» والتي تخلق توازنًا بين احتياجات المبنى والمحيط الحيّزية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية. ولكن بالطبع فإن إدراج الطبيعة والخضرة داخل المشاريع المعمارية والحضرية يدخل ضمن مفاهيم الاستدامة.

أحد أشهر المباني التي قد توصف بأنها «محبة للطبيعة – Biophilic» هي أبراج «بوسكو فيرتيكالي»، والتي تشبه الغابات العمودية. ومن الأمثلة الأحدث لذلك مبنى مقر شركة أمازون الجديد.

بالطبع، فإن المدن والأحياء المقامة حاليًا لا يتاح لها حرية إنشاء الحدائق والمساحات الخضراء والمباني “الخضراء” كما تريد نظرًا لقيود المساحات والسكن، ولذلك فهناك توجه متزايد في الانتشار عالميًا وهي الحدائق الصغيرة التي تقام في المساحات الفارغة بين المباني، وهو توجه ضمن ما يسمى بالعمارة البينيّة «In-between Architecture». ومن أمثلة هذه المشاريع «حدائق الشارع» في سان فرانسيسكو أو «السحابة الخضراء» في بعض مدن الصين الحديثة.

إزالة السيارات.. لإفساح المجال للطبيعة

التخطيط البايوفيلي يشتمل أيضًا على مفاهيم حضرية مثل مفهوم «المدن المكثفة – Compact Cities»، أي تصميم المدن لتكون ذات كثافة سكانية ووظيفية عالية وفي نفس الوقت تسمح بإدارة واستعمال أفضل وأكثر توازنًا للمساحات داخل المدينة، بالإضافة إلى اعتمادها على شبكة مواصلات عامة قوية. تشهد مدن أوروبية كثيرة انتشار هذا النمط من التوسع والتخطيط لقدرته على الموازنة بين الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في إطارٍ أكثر استدامة على المستوى البعيد.

مظهر آخر من مظاهر هذا التخطيط المحب للبيئة هو اتجاه متزايد في المدن حول العالم اليوم وهو إزالة الطرق لإفساح المجال للأماكن العامة والمساحات الخضراء، كما فعلت مدينة بوسطن بإزالتها الطريق السريع رقم 93 واستبدلته بمحورٍ أخضر من الحدائق والأماكن العامة -تحت اسم «روز كينيدي جرينواي»- بهدف توفير متنفسٍ بيئي وصحي للسكان الأقل قدرة. أو كما فعلت مدينة «تشيونغي تشون» الكورية بإزالتها طريقًا سريعًا مع جسرٍ علوي كان فوق مجرىً مائي،  لتعيد المياه إلى مجاريها -حرفيًا- وتفتتح المنطقة كمزار سياحيّ بيئيّ. ووجه المشروع ذو التكلفة العالية الكثير من الانتقادات في البداية ولكنها اختفت بعد انتهائه وظهور نتائجه البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناجحة.

قد تبدو هذه الأفكار والمشاريع نوعًا من الترف والرفاهية في نظر البعض، ولكن في ظل أزمة كورونا الحالية فإن الاهتمام بالمساحات الخضراء والقدرة على الوصول إليها لجميع السكان قد ازداد، إلى درجة أن القضية تثير جدلًا ونقاشًا في وسط المخططين والمعماريين. وسط إشادة بمدن مثل مدينة بونتيفيدرا الإسبانية التي اتخذت خطوات للحد من استخدام السيارات، ما سمح للسكان بالخروج بشكلٍ آمن للطرق. وكما أسلفنا فإن مشاكل الاستدامة والبيئة والصحة العامة في المدن هي ما تدفع بشكلٍ رئيس هذه الخطط لإعادة الطبيعة إلى المدينة، لخلق متنفس للسكان بعيدًا عن ضوضاء الطرق وتلوثها.

مقدمة لعلم النفس البيئي: النظريات والمجالات

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في المقال السابق بدأنا بتعريف علم النفس البيئي، المجال الذي يدرس التفاعل بين الأفراد والبيئة الطبيعية والحضرية. ما يعني أن علم النفس البيئي يستكشف تأثير البيئة على التجربة والسلوك والصحة؛ بالإضافة إلى تأثير الأفراد على البيئة. وقدمنا نبذة تاريخية مختصرة لتاريخ دراسة هذه العلاقة المتبادلة بين الطرفين: البشر والبيئة. في هذا المقال نركز على هذا خصائص ونظريات علم النفس البيئي التي تحكم البحث فيه. وبعد استعراض الخلفيات النظرية لهذا المجال المثير، سننتقل في المقالات التالية للتطبيقات العملية في المجالات المختلفة التي يبحثها.

خصائص علم النفس البيئي حاليًا

1- النهج التفاعلي «Interactive Approach»

كما يشير التعريف المذكور أعلاه، فإن محور اهتمام علم النفس البيئي هو التفاعل بين البشر وبيئتهم؛ كما يستكشف كيفية تأثير البيئة على السلوك والعوامل المؤثرة على السلوك التي يمكن أن تساعد لتحسين جودة البيئة. على سبيل المثال فإن توفر البنية التحتية للنقل العام والخاص وجودتها يؤثران على مستويات استعمال السيارات، والتي بالتبعية تؤثر على شدة مشاكل بيئية كتلوث الهواء والاحتباس الحراري. بالمقابل فإن جودة البيئة والطبيعة المحيطة تؤثر على البشر وسلوكياتهم ومزاجهم سلبًا (الضوضاء في المدن قد تؤثر على التركيز وتتسبب بالأمراض مثلًا) أو إيجابًا (التعرض للطبيعة يحمل فوائد صحية ونفسية). ولذلك فإن البشر مرتبطون ببيئاتهم بعلاقة ديناميكية متبادلة.

2- التعاون عبر التخصصات

يعمل الكثير من علماء نفس البيئة في بيئات متعددة التخصصات «Interdisciplinary» ويتعاونون مع باحثين من مجالات أخرى قد توفر وجهة نظر جديدة حول الظاهرة محل الدراسة، ويمكن لتلك المجالات مشتركة أن توفر تصورًا شاملًا حول القضية محل البحث. كما أشرنا في الاستعراض التاريخي السابق، فإن هذه المشاركة متعددة التخصصات تشمل ثلاث مجالات بالدرجة الأولى؛ هي العمارة والجغرافيا، علم النفس الاجتماعي والإدراكي، وعلوم البيئة.

3- النهج الموجه نحو المشكلات

لا يقوم علم النفس -على غرار علوم أساسية أخرى- بالأصل على البحث العلمي المجرد، بل يسعى في الغالب لعلاج مشاكل حياتية واقعية. ولكن هذا لا يعني أن علم النفس البيئي غير مهتم بالتنظير، فكما سنرى لاحقًا فإن جزءًا كبيرًا من هذا العلم موجه نحو وضع الفرضيات واختبارها بغرض سبر وشرح وتوقع التفاعلات البشرية-البيئية. لكن لتطوير النظريات غايةٌ أكبر هي تحديد أكثر الحلول فاعلية للمشاكل الواقعية.

يدرس علم النفس البيئي التفاعل البشري-البيئي على مستويات متباينة، من البيئات الصغيرة كالأحياء والبيوت مرورًا بالمدن وانتهاءً بالكوكب كله. والتحديات الموجودة في كل مستوىً قد تخضع للدراسة، بدءًا بتحديات إعادة التدوير وتوفير الطاقة مرورًا بالحفاظ على التنوع البيولوجي في بلدٍ ما وانتهاءً بوضع استراتيجيات مكافحة تغير المناخ.

4- تعدد المناهج

يستخدم علم النفس البيئي نفس المناهج الوصفية والكمية التي تتبعها باقي التخصصات النفسية. ولكن يتمتع علم النفس البيئي بتعدد نماذج البحث «Research Paradigms»، كلٌ بنقاط الضعف والقوة الخاصة بها. يحاول علماء نفس البيئة إذن تكرار الدراسات والأبحاث باستعمال مناهج بحث متعددة لتلافي قصورات بعضها البعض، وبالتالي تحسين مصداقيتها الداخلية والخارجية.

نظريات علم النفس البيئي

كما أن مناهج البحث في العلوم الإنسانية متداخلة بطبيعتها، فكذلك علم النفس البيئي. بالإضافة إلى أنه يتبنى نماذج عامة تتبنى أصلًا تداخل المناهج والعوامل والمجالات. والنموذج -أي الإطار العام الذي يشتمل على فرضيات ومسلمات تحكم البحث العلمي حسب توماس كون- السائد لدى الباحثين هو النموذج الاجتماعي البيئي، والذي يعتبر بديلًا للفرضيات الحتمية. وهو الذي يحكم نظريات علم النفس البيئي المختلفة.

النموذج الاجتماعي-البيئي

هذا النموذج -ويسمى أحيانًا بالنموذج البيئي «Ecological Paradigm»- هو النموذج السائد في المجال. وقد نشأ لمحاولة فهم العلاقة الديناميكية بين العوامل البيئية والفردية بشكل أكثر عمقًا من النظريات الحتمية الأخر، إذ يحاول الوصل بين النظريات السلوكية -التي تركز على تعاملات على مستوى أصغر- وبين النظريات الأنثروبولوجية. النموذج الاجتماعي البيئي «Social Ecological Paradigm» أقل حتمية من النظريات والنماذج البيولوجية أو السيوكولوجية ويربط السلوك البشري بالبيئة والثقافة بشكلٍ أكبر.

على سبيل المثال، كان بعض الباحثين قد افترضوا بناءً على عدة أبحاث أن المجاورة المكانية تزيد فرص إقامة العلاقات والصداقات بين الناس بشكل مطّرد، وقد استعرضنا إحدى الدراسات المؤسسة لهذه الفرضية في المقال السابق. ولكن حين أعيدت هذه الدراسة على بيئات مختلفة، حيث السكان مختلفون طبقيًا وإثنيًا وليسوا طلابًا وزملاء في نفس الجامعة، وجد الباحثون أن القرب والمجاورة لم يكونا بذلك التأثير الذي افترض من قبل. حيث كانت عوامل مثل التنوع العرقي ومدى حاجة الجيران إلى المساعدة من الآخرين وتوفر الانترنت تقلص من تأثير المجاورة والاحتكاك المتكرر. وهكذا فإن النموذج الاجتماعي-البيئي يحاول وضع النظريات السيكولوجية المختلفة في سياقات أكبر.

نظرية النُظُم

قد يبدو جليًا الآن أن علم النفس البيئي لا يبحث -أو حتى لا يمكنه أن يبحث- عن حلول وإجابات اختزالية ومبسطة، وبدا هذا أكثر وضوحًا خلال استعراض النموذج الاجتماعي البيئي أعلاه.  لذلك يعتمد علماء نفس البيئة أيضًا على «نظرية النظم – Systems Theory» لدراسة هذه العلاقة المعقدة في إطار النموذج السابق؛ وبالتحديد على نموذج النظام المفتوح. إذ يُستعمل هذا النموذج في دراسة البيئة والمجتمع -كما يستعمل أيضًا في علم الأحياء والإدارة والاقتصاد وغيرها- وتحليل ما يحدث حين تضطرب بيئة أو نظام ما (ما يؤدي في حالة دراسة البيئة إلى الضغط النفسي والفسيولوجي).

على سبيل المثال، فإن تعرض الفرد لمدخلات أو لمعطيات كثيرة قد يتسبب له بالضغط والإجهاد. ولذلك ففي المدن الكبيرة تتسبب أعداد البشر وكثافتهم في الإجهاد للسكان، فيحاولون موازنة نظامهم اليومي بتقليل عدد معارفهم وارتباطاتهم الاجتماعية لكي لا يُجهدوا بتفاعلات اجتماعية كثيرة أو غير مهمة، وفي حال الاضطرار للتعامل مع الغرباء في الشارع فإن الناس تحاول اختصار اللقاء قدر الإمكان نظرًا لانشغالهم وتعدد ارتباطاتهم.[1]

أدى البحث في نظرية النظم أيضًا إلى تطوير «نظرية بيئات السلوك – Behavior Settings Theory»، والتي تقول بأن سلوك الأفراد يتأثر بالبيئة والمعطيات الموجودة بها أكثر من من تأثره بالسمات الشخصية للفرد. ويعد رائدا هذه النظرية هما “روجر باركر» وتلميذه “آلان ويكر»، والذان درسا ميل النظم المفتوحة للتوازن بشكل تلقائي لضمان استمرارها. فحاجة الأنظمة (كالمدارس أو الكنائس مثلًا) للبقاء متماسكة تفرض على أفرادها أنواعًا معينة من السلوك، فطلاب المدارس وروّاد الكنائس الأصغر يشتركون في أنشطة أكثر لكي تتمكن المؤسسة نفسها من الاستمرار.

مناهج البحث

كما ذكرنا فعلم النفس البيئي يتبنى مناهج البحث الكمية والنوعية على حد سواء. فالباحثون يقومون بالاستبيانات، والتجارب المعملية، ودراسات الحالات والدراسات الميدانية. بالإضافة إلى ذلك ففي بعض الأحيان يكون من الصعب بل المستحيل دراسة بيئة ما لضخامتها وكثرة عواملها وأفرادها، فيقوم الباحثون بتصنيع محاكات حاسوبية ومجسمات تمكنهم من تحليل بيئةٍ ما حاسوبيًا، أو تتيح للمشاركين في دراسةٍ ما اختبار بيئة افتراضية وتسجيل انطباعاتهم عنها على سبيل المثال. وكما سنرى لاحقًا فيمكن حتى للمعماريين والمخططين استخدام هذا الأسلوب لدراسة التصميمات وآثارها الواقعية.

مجالات علم النفس البيئي

يمكننا فرز مجالات علم النفس البيئي إجمالًا إلى ثلاث نطاقات. النطاق الأول هو البحث في العوامل البيئية المؤثرة سلبًا وإيجابًا على التجربة والصحة والسلوك، والوسائل الممكنة لتحسين الراحة والصحة للبشر عن طريق تعديل البيئة. يشمل هذا النطاق مواضيع مثل تقييم الخطر «Risk Assessment» والتعامل معه، والفوائد الصحية للطبيعة، وجودة البيئة الحضرية والمدن، وآثار العوامل البيئية على جودة ومستوى المعيشة.

النطاق الثاني هو «الإدراك البيئي – Environmental Cognition»، أي كيف يدرك البشر بيئاتهم المباشرة ويتفاعلون معها. يشمل البحث في هذا المجال مواضيع مثل الهوية والشخصية باعتبارها عملية بيئية، كيف يقيّم الناس بيئاتهم ويتصورونها؟ وكيف تتجلى آثار البيئة في الفرد، والذي بدوره يتفاعل مع تلك الآثار بناءً على إدراكه وملاحظته لها؟

يختلف إدراك الفرد للبيئة عن إدراكه للأشياء. فبينما يتطلب إدراك موضوعٍ ما ذاتًا مُدركة، فإن إدراك البيئة يتطلب  ذاتًا مشاركة. فإدراك البيئة التي تحيا فيها يتطلب الفعل والحركة، ولا يقتصر على الحواس الخمس. كما يشمل المشاعر والانطباعات والقيم التي يحملها الفرد تجاه بيئته. تساعد نظريات الإدراك البيئي في وضع مخططات أكثر انسيابية ووضوحًا للمدن كما تمنح الباحثين وسيلة لدراسة المجتمع طبقيًا إذ يختلف إدراك كل طبقة اجتماعية للمدينة على سبيل المثال.

النطاق الثالث يتضمن دراسة السلوكيات البيئية، بما فيها السلوكيات الصديقة للبيئة، وعلاقتها بالقيم والأعراف المجتمعية، وكيف يرتبط البشر ببيئاتهم «Place Attachment»، وكيف يحفز -أو يعيق- ذلك كله المشاركة في سلوكيات ونشاطات صديقة للبيئة وأيضًا دراسة عمليات التغيير الاجتماعي والبيئي.

علوم النفس والأعصاب المعمارية

هناك مجال ناشئ داخل علم النفس يشتغل على دراسة تأثير التفاصيل المعمارية على النفس والدماغ، مثل أثر الواجهات وارتفاع الأسقف والإضاءة على التركيز والمشاعر وغيرها. وعلى الرغم من بدء ظهور مؤتمرات ومراكز تدعم هذه الأبحاث [2ٍ]، باعتبارها توفر مادة نظرية لتصميمٍ أفضل للمكان والحيز، بالإضافة إلى توفر بعض الدوريات والمجلات المهتمة بمثل هذه الأبحاث، فيبدو أنها  لا تزال غير منظمة إلى حد كبير، ناهيك عن إمكانيات تطبيقها عمليًا بشكل علمي على نطاقٍ واسع.

بهذا نكون قد استعرضنا سريعًا أهم خصائص ونظريات علم النفس البيئي بالإضافة إلى مجالاته البحثية. في المقالات التالية سنقوم بعرض بعض التطبيقات العملية لهذه المجالات، لنرى كيف يمكن لها الفرع من علوم النفس والتصميم أن يحسّن من جودة بيئاتنا الطبيعية والحضرية على حدٍ سواء. وسنبدأ بالحديث عن النطاق الأول لعلم النفس البيئي: وهو العوامل البيئية المؤثرة سلبًا وإيجابًا على الصحة والسلوك والتجربة البشرية وسنستهلها بالحديث عن التخطيط العمراني المحب للبيئة، أو ما يسمى بالبايوفيليا.

المصادر: 
[1] Stanley Milgram, The Experience of Living in Cities 
[2] على سبيل المثال: NeuroAU، وأيضًا Centre for Conscious Design 
[3] Environmental Psychology: an Introduction
[4] Environmental Psychology, Daniel Stokols

ما هو أثر البلاستيك على البيئة؟

البلاستيك، تلك المادة التي تدخل في صناعة كل شيء في حياتنا اليومية تقريبًا، فهو يدخل في صناعة الأدوات المنزلية، وقطع غيار السيارات والمركبات، والأكياس، وغيرها الكثير.
إلا أن له العديد من المساوئ فتعالوا معنا نعرف أثر البلاستيك على البيئة.

تأثير البلاستيك على الحياة البحرية


ينتهي المطاف بما يزيد عن 8 مليون طن من البلاستيك في المحيطات كل عام، وهو ما يشكل نسبة 80% من «الحطام البحري-Marine debris»، مما يؤدي إلى إصابات الكائنات البحرية واختناقها.

بعض الكائنات البحرية مثل الحيتان والأسماك والسلاحف تنخدع وتظنه طعامًا فتلتهمه، مما يؤدي إلى وفاتها من الجوع نتيجة امتلاء معدتها به، كما أن البلاستيك الطافي على سطح البحر يؤدي إلى انتشار البكتيريا وانتشار العدوى داخل الأجناس البحرية.

تأثير البلاستيك على الطعام

عُثر على قطع صغيرة من البلاستيك في ملح الطعام ومياه الصنبور، ومن المعروف أن كثيرًا المواد الكيميائية المستخدمة في صناعنه هي مواد مسرطنة، وتتفاعل مع «نظام الغدد الصماء-Endocrine system» في الجسم، مسببة بذلك شتى أنواع الخلل العصبي والمناعي والتناسلي.

أثر البلاستيك على البيئة وتغير المناخ

عند حرق البلاستيك (وهو إحدى منتجات البترول)، ينتج عن ذلك انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وهو إحدى الغازات التي تسبب «تأثير البيت الأخضر-Greenhouse effect»، مما يؤدي إلى زيادة درجات الحرارة على سطح الأرض فيما يعرف بظاهرة «الاحتباس الحراري-Global warming».

حجم الكارثة

ليس الأمر بالهين، قد تكون قد سمعت عن «رقعة القمامة العظيمة في المحيط الهادي-The great pacific garbage patch»، وهو عبارة عن تجمع للنفايات البشرية، يقع في شمال المحيط الهادي، وتبلغ مساحة هذه الرقعة 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي أنه أكبر من مساحة فرنسا بثلاث مرات!

ما الذي يمكننا فعله؟

يمكننا فعل الكثير من الأمور لتقليل حجم «تلوث البلاستيك-Plastic pollution»، حيث يمكننا استبداله بمواد أخرى، فبعض المنتجات مثل أكياس البلاستيك وأكواب القهوة يمكن استبدالها بمواد أخرى مثل الأكياس الورقية.

كما يمكننا إعادة تدويره لمنعه من الوصول إلى مجاري المياه، مما يؤدي إلى انتهاء المطاف به في المحيطات مسببًا كافة أنواع المشاكل. (علمًا بأنه ليست كل أنواع البلاستيك قابلة لإعادة التدوير)

كما يمكننا مقاطعة «الميكروبيدات-Microbeads» المستخدمة في مستحضرات التجميل، حيث أن حجمها الصغير يسهل من وصولها إلى مجاري المياه وبالتالي إلى المحيطات.

الخلاصة

الأمر معقد في الواقع، فالمشكلة الكبرى تكمن في أن البلاستيك لا يتحلل، مما يعني أن كل البلاستيك الذي تم إنتاجه على مدار التاريخ البشري لا يزال موجودًا في النظام البيئي بصورة أو بأخرى، أي أننا سنحتاج إلى التفكير في دورة البلاستيك ككل إن أردنا حلًا لهذه المشكلة.

المصادر

IUCN
nationalgeographic
nationalgeographic

هل من الآمن إعادة استخدام الزجاجات البلاستيكية؟

وأنت تفتح باب ثلاجتك في منتصف الليل لتتناول زجاجة المياه البلاستيكية، هل فكرت إذا ما كان إعادة استخدام تلك الزجاجات البلاستيكية والتي اشتريتها منذ فترة آمن على الصحة أم لا؟

تقريبًا لا يخلو أي بيت من بيوتنا من الزجاجات البلاستيكية والتي أعدنا استخدامها سواء بعد شرائنا زجاجة مياه معدنية أو عبوة مياه غازية، وفي الغالب قرأنا في مكان ما عن مخاطر إعادة استخدامها بعد الانتهاء منها، ولكننا تجاهلنا ذلك.

ولكن السؤال، هل إعادة استخدامها يسبب الأمراض أم أن هناك رأي أخر للعلماء؟ في هذا المقال سنعرف الإجابة!

هل الزجاجات البلاستيكية معادة الاستخدام آمنة؟

تقريبًا في كل دقيقة يتم شراء مليون زجاجة بلاستيكية، والتي تخلف بطبيعة الحال كمية هائلة من المخلفات البلاستيكية والتي تسبب هي الأخرى أزمة بيئية!

يعيد أغلب البشر حول العالم استخدام تلك الزجاجات إما لتوفير المال أو لتقليل مخلفاتهم البلاستيكية رغم أنها معدة للاستخدام مرة واحدة!

وبسؤال بعض الخبراء عما إذا كان إعادة استخدام تلك الزجاجات يسبب أمراض أم لا، جاءت الإجابة بنسبة ٧٥٪ بأنها آمنة!

مما تتكون الزجاجات البلاستيكية؟

تتكون تلك الزجاجات من عدة مواد ولكن تتكون أغلب الزجاجات أحادية الاستخدام من بوليمر (البولي إيثلين تترافيثاليت -PET)، والذي يعتبر بلاستيك خفيف الوزن ويستخدم في تعبئة الأطعمة والمشروبات.

هل تسرب المواد الكيميائية من الزجاجات البلاستيكية يسبب السرطان؟

أغلب الظن أنك قرأت في مقال ما أو كمعلومة على الإنترنت أن تسرب المواد الكيميائية من تلك الزجاجات قد يسبب مرض السرطان، ولكن حتى الآن لا توجد دلائل على ذلك!

واحد من ضمن البوليمرات والذي ربما يثير القلق هو (بيسفينول أ – BPA) والذي يتسبب في اختلال الهرمونات ولكنه مع ذلك لا يستخدم في صناعة الزجاجات البلاستيكية.

من ضمن العناصر الكيميائية التي تستخدم في صناعة بوليمر البولي إيثلين تترافيثاليت هو عنصر الأنتيمون.

في دراسة أجريت عام ٢٠٠٨ لتحديد نسبة الأنتيمون في المياه المعدنية، وجد الباحثون بأنها نسبة قليلة وغير مؤثرة على صحة الإنسان. مع استمرار البحث، وجد الباحثون عناصر أخرى موجودة في المياه المعدنية ولكنها مع ذلك ليست مسرطنة أو مضرة لصحة الإنسان.

هل ترك زجاجة المياه البلاستيكية في الشمس آمن؟

يعتقد العلماء بإن ترك الزجاجات البلاستيكية في درجة الحرارة العالية تتسبب في تسرب المواد الكيميائية منها إلى الماء. سجل العلماء زيادة نسبة عنصر الأنتيمون في الماء بعد أن تركت زجاجات المياه في درجة حرارة عالية تصل إلى ٦٠ درجة مئوية لمدة ١٧٦ يوم.

هل تتسرب حبيبات البلاستيك الدقيقة إلى الماء؟

تقريبًا تتواجد حبيبات البلاستيك الدقيقة في كل مكان حولنا، كما أنها توجد في مياه الشرب، وحتى الآن لا توجد أدلة قوية على خطر تلك الحبيبات رُغم تخوف العلماء من تأثيرها.

هل الزجاجات البلاستيكية المستعملة آمنة عن الجديدة؟

رُغم غرابة الأمر إلا أن العلماء يظنون بإن الزجاجات المعاد استخدامها آمنة عن الزجاجات الجديدة، كما أن نسبة حبيبات البلاستيك الدقيقة أقل فيها عن الجديدة!

مخاطر أخرى غير المواد الكيميائية!

ليست المواد الكيميائية هي الخطر الوحيد في إعادة استخدام تلك الزجاجات بل التلوث! وذلك لأنها مصنوعة من البلاستيك الرقيق والذي يمكن بسهولة ثنيه أو كسره مما يجعله بيئة مناسبة لنمو البكتيريا.

فأغلب الدراسات وجدت بإن نسب المواد الكيميائية أو الحبيبات البلاستيكية الدقيقة المتسربة من تلك الزجاجات لا تشكل خطر على صحة الإنسان وما زال الأمر طور الدراسة.

إذًا عندما تعيد استخدام إحدى الزجاجات لا تقلق، ولكن حافظ على شكلها وأغسلها باستمرار حتى لا تصبح بيئة للبكتيريا!

المصادر

www.sciencealert

التغير المناخي.. كيف صمد الإنسان أمام غضب الطبيعة؟

أنهى بيل غيتس كتابه عن التغير المناخي في نهاية سنة 2020. (1) حيث كانت جائحة الكورونا قد قتلت حوالي 1.4 مليون إنسان. أرتفع الأن هذا العدد بشكل مخيف فقد أظهرت هذه الجائحة عدم استعدادنا لمواجهة الكوارث. وفي حال لم نبدأ من الأن بالاستعداد لخطر التغير المناخي فالكارثة القادمة ستكون أكثر فتكًا بكثير.

فيما يطرح بيل غيتس في كتابه أسباب وحلول التغير المناخي، سيلفت هذا التقرير انتباهكم لعدة كوارث مناخية قد أصابت الأرض أثناء التاريخ البشري. فلربما نتعلم من تجربتهم كيف نتجنب هذا الخطر القادم.

الخطر الكبير القادم

“من لم يتعلم من دروس الثلاث ألاف سنة الماضية سيبقى دائمًا في العتمة.” غوته

نحن اليوم في حالة طوارئ مناخية وربما سنتخطى نقطة اللاعودة ما لم نتخذ القرار المناسب لمواجهة التغير المناخي.(2) لقد واجه القدماء هذا التغيير المناخي أيضًا. في الواقع هنالك عدة فرضيات أثرية اليوم تتحدث عن دور التغيير المناخي في تشكيل التاريخ البشري. فالمجتمعات التي عاشت قبل 6000 سنة على الأرض واجهت تقلبات مناخية كبيرة. كان أثر هذه التقلبات المناخية على الحضارات القديمة متفاوتًا أو بالأحرى نقمةً لبعضها ونعمةً لبعضها الأخر.

حضارة نهر السند

ربما يكون مصير حضارة نهر السند من الأمثلة الأبرز على تأثير التغيير المناخي على المجتمعات القديمة التي امتلكت ما يكفي من التطور لتزدهر.

لحضارة نهر السند موقعين كبيرين هما Moenjodaro and Harappa وكلا الموقعين يظهران درجة عالية من الإدارة والتنظيم والتصميم الهندسي للمباني الكبيرة. عاش فيهما ما يقارب 35 ألف إلى 50 ألف نسمة. وامتلكوا شبكات من أقنية المياه وخزانات مياه كبيرة واخترعوا شكلًا من أشكال الكتابة.

خزان المياه في موقع Moenjodaro المصدر: Wikimedia Commons

ازدهرت هذه الحضارة سنة 2400 ق. م. واستمرت لسنة 1600 ق.م. حيث كانت نهايتها الغامضة. افترضت أسباب كثيرة لهذه النهاية وأكثرها درامية كان مذبحة على يد الأريين الذين غزوا هذه الحضارة. لكن الأدلة الاثرية من الهياكل العظمية للسكان والتي كان بعضها مدفونة أيضًا لا تشجع على القبول بهذه الفرضية.

في المقابل يروي لنا التغيير المناخي قصة صعود هذه الحضارة وأفولها: قبل سنة 3050 ق.م. كانت الأمطار غزيرة جدًا في هذه المنطقة وكثرت معها الفيضانات مما جعل السكن فيها مستحيلًا. أدى التغير المناخي بعد سنة 3050 إلى تقليل نسبة الأمطار وبالتالي الفيضانات مما ترك أراض زراعية خصبة وسمح بإنشاء المستعمرات في هذه المنطقة.

لكن وللأسف لم يتوقف التغيير المناخي عند هذه النقطة فبحلول عام 1700 ق.م.  كانت المنطقة قاحلة كليًا ولم تستمر سوى القليل من النباتات المتكيفة مع هذه الظروف الجافة. في الدراسات الحديثة نجد أن ملوحة خليج البنغال قد زادت في هذه الفترة أيضًا بسبب انخفاض تدفق النهر. (3) وبحلول عام 1600 كانت هذه الحضارة قد انتهت وما تبقى من السكان قد هاجر إلى مناطق أخرى.

فيما تتزايد الأدلة اليوم على أن التغير المناخي قد قضى على حضارة كانت على هذا القدر من البارعة في التحكم بمصادر المياه لصالحها. يبقى السؤال المهم، إلى أي مدى ستصمد استراتيجياتنا اليوم في مواجهة التغير المناخي؟ وتحت أي ظروف ستنهار؟

المناخ في مصر

ربما تكون مصر قد ضعفت أمام هذا الجفاف أيضًا. المملكة القديمة في مصر انهارت في أواخر الألفية الثالثة ق.م. بعد أن كانت دولة قوية وغنية ويكفي أنها المملكة التي بني في عصرها الهرم الأكبر. فقد كانت تمتلك كل المهارات المطلوبة في التصميم والتخطيط والعمل بالإضافة لفائض زراعي يسمح بكل هذه الأعمال كان توفره الفيضانات المستمرة للنيل.

انهارت المملكة القديمة حوالي عام 2160 ق.م. ودخلت مصر في مرحلة انتقالية وعزا المؤرخون أسباب الانهيار إلى الصراع على السلطة أو الغزو، ولكن هناك أدلة قوية على أن الجفاف خلال هذه الفترة سبب انخفاضًا في نسبة فيضان النيل عبر السنة وقد وثقت دراسات عديدة انتشار الجفاف في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وغرب آسيا في هذه الفترة (2250 قبل الميلاد).

 تظهر السجلات الجيولوجية من دلتا نهر النيل انخفاض في تدفقه في هذه الفترة. (4) وفي هذه الحالة يكون الجفاف قد ساعد على انهيار الدولة. قد يكون الجفاف قد أضعف مصر لكنه لم يدمر الحضارة المصرية ومع ذلك، فإن التغييرات الثقافية التي ظهرت خلال الفترة الانتقالية الأولى كان لها آثار دائمة.

هل بدأ الاحتباس الحراري قبل 7 ألاف سنة؟

 اكتشف الانسان الزراعة حوالي سنة 7000 ق.م. كان هذا اكتشافًا عظيمًا وكارثة في الوقت عينه. فقد زاد المزارعون الأوائل من انبعاثات غازات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري. كما أن التوسع في الرعي وتربية الحيوانات خلقت المزيد من غاز الميثان.

 قطع وحرق الأشجار، أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي. هذا ما اقترحه ويليام روديمان لأول مرة في 2003، افترض أن التدخل البشري مع المناخ بدأ قبل فترة طويلة من الثورة الصناعية نتيجة للثورة الزراعية واستخدام الأراضي.

 يأتي الدليل على مثل هذا التأثير البشري المبكر من الزيادة الملحوظة في ثاني أكسيد الكربون التي بدأت منذ 7000 عام، وفي بدأ ارتفاع نسبة الميثان منذ حوالي 5000 عام، وهو نمط لم يتم رؤيته في النقطة المقابلة في الفترات الجليدية السابقة (5)

نهاية عصر

لم تتوقف كوارث التغيير المناخي عند هذه النقطة فبعد حوالي 1000 سنة من انهيار المملكة القديمة في مصر أتت نهاية العصر البرونزي في منطقة البحر المتوسط. امتد العصر البرونزي من سنة (3100-1200 ق.م.)  وعندما حلت نهايته أنهى معه معظم الحضارات والإمبراطوريات الكبرى التي ازدهرت في هذه الفترة.  

في مصر، انتهت الدولة الحديثة عام 1070 قبل الميلاد وتم تقسيم البلاد. أما في الأناضول، فانهارت الإمبراطورية الحيثية بحلول عام 1160 قبل الميلاد. وفي الساحل السوري، انهارت دولة أوغاريت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وانهارت حضارات اليونان تمامًا. تم التخلي عن قصر كنوسوس في جزيرة كريت في أواخر العصر البرونزي أيضًا.  انهارت حضارة ميسينا بين عامي 1200 و1100 قبل الميلاد.

ما الذي تسبب في هذه السلسلة من النكسات الحادة في نهاية العصر البرونزي؟ المعارك والغزوات هي إحدى الاحتمالات. والكوارث الطبيعية أيضًا.ويعتبر تغير المناخ اليوم سببًا محتملاً جدًا لإنهيار هذا العصر. تشير سجلات الغطاء النباتي من دلتا نهر النيل إلى سلسلة من حالات الجفاف الإقليمية، (1050 قبل الميلاد). (6)

وفي السنوات الأخيرة زادت الأبحاث في هذا المجال فقد نشر فريق دولي من الباحثين يضم 《ديفيد كينوسكي – David Kaniewski》 بحثًا يتضمن عدة أدلة علمية على التغير المناخي والجفاف في إقليم البحر المتوسط في نهاية القرن الثالث عشر ق.م. اعتمد الباحثون على بيانات استمدوها من تل تويني في شمال سوريا. وعبر دراسة حبوب لقاح مأخوذة من رواسب طمي بالقرب من الموقع استنتجوا وجود فترة جفاف شديدة في المنطقة (7). استمرت هذه الفترة ما يقارب 300 عام وتسببت في تلف المحاصيل ونقص الغذاء والمجاعة مما سرع الأزمات وفرض نزوحًا بشريًا إقليميًا في شرق المتوسط وغرب آسيا.

بعد بحث كينوسكي نشر براندون دريك من جامعة نيو مكسيكو عدة أدلة اضافية من مناطق في فلسطين وغرب اليونان، تشير إلى حصول جفاف في هذه المناطق وفي ذات الفترة تقريبًا.

يمكن أن يحسم التغير المناخي الجدل أخيرًا في سبب انهيار عصر البرونز القديم ولكن يبقى أن نتعلم من هذه الكارثة دروسًا لمستقبلنا.

اقرأ أيضًا: العصر البرونزي الحديث .. كيف تصبح العولمة سببًا لانهيار الحضارات ؟

هل قضى التغير المناخي على روما؟

بدأت فترة من المناخ الدافئ والمستقر نسبيًا من حوالي 400 قبل الميلاد إلى 200 م، تزامن ازدهار الإمبراطورية الرومانية مع هذه الفترة المستقرة. وتوسعت بعدها لتحكم كل من إيطاليا، حوض البحر الأبيض المتوسط ​​بأكمله، وفي النهاية مناطق شاسعة من داخل غرب وجنوب شرق أوروبا. لكن وعلى مدى عدة قرون، وصلت الإمبراطورية الرومانية إلى نهايتها وانهارت. هذا الانهيار لم يحدث في نفس الوتيرة في جميع المواقع التي سيطرت عليها وربما يعود هذا أيضًا لأسباب مناخية.

وصلنا الأن إلى فترة الإمبراطورية الرومانية التي تعد من أعظم الامبراطوريات في التاريخ وربما تكون قد استمدت عظمتها وكذلك انهيارها من التغير المناخي.

 انهارت الإمبراطورية الغربية عام 476 م، ولكن نجت الإمبراطورية الشرقية لعدة قرون بعد ذلك. تلك الإمبراطورية الشرقية أصبحت تُعرف باسم الإمبراطورية البيزنطية. لكن ما هو دور المناخ في هذا الانهيار؟

أشار المؤرخون إلى أحداث متعددة كأسباب محتملة لانحدار روما. لكن الأبحاث المناخية أسفرت عن أدلة على أن تغير المناخ قد ساهم في اضعاف روما، كانت قدرة روما في إدارة وتخزين المياه قوية ولكن النمو السكاني فيها جعلها أكثر عرضة للتقلبات المناخية.جاء الجفاف في القرن الثالث في نفس الوقت الذي كانت فيه روما تنهار تقريبًا. وانخفضت المحاصيل الزراعية بشكل كبير (8). مما سرع في عملية الانهيار هذه.

لكن المناخ في الإمبراطورية الشرقية قد أخذ منحًا أخر فقد أدت الرطوبة العالية وهطول الأمطار إلى تحسين ظروف الزراعة في بعض الأجزاء من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والأناضول. كان المناخ المستقر أحد العوامل العديدة التي ساعدت الحضارة الكلاسيكية على الصمود بشكل كبير أطول في الشرق مما كانت عليه في المناطق الغربية للإمبراطورية الرومانية.

مستقبل دافئ

أثر التغير المناخي على التاريخ البشري بشكل كبير وشكله في بعض الأحيان حتى أصبحوا مرتبطين بشكل وثيق ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. تسبب التغير المناخي في انهيار المجتمعات المعقدة عبر آلاف السنين والقرون لكنه جعل الإنسان أكثر مرونة في مواجهة التغيرات المناخية. نقف اليوم أمام الحدث المناخي الأعنف في التاريخ. قرارتنا ونشاطاتنا لأن هي العامل الرئيسي الذي سيدفعنا نحو الكارثة أو سينجينا منها. يجب أن ننظر إلى التاريخ بتمعن وأن نقرر بحكمة فقرارنا اليوم هو الذي سيحدد في أي مستقبل سنعيش.

المصادر

  1. How to Avoid a Climate Disaster: The Solutions We Have and the Breakthroughs We Need
  2. World Scientists’ Warning of a Climate Emergency
  3. Holocene aridification of India
  4. Nile flow failure at the end of the Old Kingdom Egypt: strontium isotopic and petrologic evidence
  5. Late Holocene climate: Natural or anthropogenic?
  6. Nile Delta response to Holocene climate variability
  7. Kaniewski D, Van Campo E, Weiss H. Drought is a recurring challenge in the Middle East. Proceedings of the National Academy of Sciences. 2012;109(10):3862-3867.
  8. Climate Change during and after the Roman Empire: Reconstructing the Past from Scientific and Historical Evidence

اللفحة المتأخرة لمحاصيل البطاطا ومجاعة إيرلندا الكبرى

البطاطا أو البطاطس  هي نبات من الفصيلة الباذنجية وواحدة من أكثر المحاصيل زراعة في العالم، حيث استحوذت على المركز الرابع من حيث الأهمية بعد القمح والأرز والذرة. تنمو البطاطا جيدًا في التربة الرملية الطينية (الطفالية) وتحتاج البطاطا إلى تربة ذات تهوية جيدة غنية بالأسمدة وذات صرف جيد.

مجاعة إيرلندا الكبرى :
قاد الاعتماد على زراعة البطاطا وإهمال المحاصيل الزراعية الأخرى في إيرلندا إلى كارثة غذائية كبيرة أدت في نهاية المطاف إلى تراجع عدد السكان إلى النصف تقريبا.

فى بادئ الأمر عندما تم إدخال البطاطا إلى إيرلندا كان مجرد نبات زينة يوضع بالحدائق، لكنه سرعان ما تحولت البطاطا من نبات للزينة إلى أحد أهم المحاصيل لدى الفلاحين.


سبب اعتماد الفلاحين على محصول البطاطا :
حظيت البطاطا بمكانة عالية لدى الفلاحين لاحتوائها على قيم عذائية عالية، بالإضافة إلى سهولة زراعتها وتخزينها وأخفائها بعيداً عن أعين الجنود الذين كانوا ينهبون أراضي الفلاحين ومخازن حبوبهم،فأضحت البطاطا من أكثر الأطعمة شيوعاً وخصوصاً لدى الفقراء.

سبب المجاعة وأحداثها :
في منتصف القرن التاسع عشر  أتلفت آفة زراعية تدعى اللفحة المتأخرة ثلث محاصيل البطاطا في ذلك العام وتسببت بموت ما يزيد عن مليون شخص وهجرة ما يقارب مليون آخرين طول فترة المجاعة.

الآفة ووصفها :
هي بكتيريا تشبه الفطر تتزايد في الأجواء الرطبة والمبللة، الأعراض تبدأ بتشكل بقع خضراء فاتحة غير منتظمة إلى رمادية على الأوراق وتتطور هذه التعفنات حسب الرطوبة النسبية ودرجة الحرارة والضوء، ففي درجة الحرارة عشرين مئوية ورطوبة تتراوح ما بين (95_100) تنتشر الآفات بشكل سريع لتشكل بقع سوداء تستعمر جميع أجزاء الورقة وعنق الورقة، وتكون إصابة  الدرنات على شكل بقعة أرجوانية  تقضي على النبات بالكامل.
حيوًيا، وهو فطر متطفل اختيارًا حيث يعيش رميًا  عند غياب العائل ثم يتحول لطفيل عند وجوده إلا إنه لايستمر على هذا التطفل كثيراً حيث يميت العائل ويكمل عليه دورة حياته رميا.
آلية التطفل :
ينتج المتطفل أبواغًا جنسية مجهرية الحجم تدعى (السبورانجيا أو الأكياس البوغية sporangia ) وهي شفافة ليمونية الشكل وطولها 20-40 ميكرومتر. عندما توضع السبورانجيا في الماء أو في الرطوبة النسبية العالية جدًا ينقسم السيتوبلازم فيها وتظهر الأبواغ غير الجنسية ذات السوط zoospores. تتشكل السبورانجيا على فروع متخصصة تسمى حوامل الأكياس البوغية-sporangiophore. حوامل الأكياس البوغية المتفرعة ذات الانتفاخات (أماكن اتصال أو تعلق الأكياس البوغية) هي علامة مميزة وفارقة لمرض اللفحة المتأخرة، ويمكن اعتبارها علامة مفيدة للتعرف على هذا المرض.
في حالة عدم وجود كمية كافية من الماء أو درجات حرارة أعلى من 24 درجة مئوية لا تتشكل الأبواغ ذات السوط غير الجنسية، وتنبت السبورانجيا عن طريق إنتاج أنابيب إنبات تخترق المضيف.

رعاية المحاصيل وآلية حمايتها من الإصابة :

1_استنباط أصناف جديدة مقاومة للمرض.

2_التخلص من الدرنات المصابة قبل اقتلاع الدرنات ببضعة أيام .

3_ إن زيادة التسميد الازوتي يزيد من القابلية للإصابة كما أن زيادة الفوسفور أو البوتاسيوم يوم يزيد من درجة المقاومة مما يدعوا للاهتمام بتنظيم التسميد.

المصادر:

Exit mobile version