مساحات خضراء حضرية حول العالم

منذ تشكّل أول مدينة في العالم –أوروك– حوالي 4000 سنة قبل الميلاد وحتى الآن يزداد التحضر أكثر فأكثر على حساب الريف. وأصبحت الحاجة إلى المساحات الخضراء الحضرية ذات أهمية متزايدة، إذ لا توفر قيمة جمالية فحسب بل تساهم أيضًا في صحة السكان ورفاهيتهم. وقد تتخذ المساحات الخضراء الحضرية أشكالًا مختلفةً من الحدائق العامة إلى الجدران الخضراء، والمنتزهات والأسطح الخضراء. وسوف نستكشف في هذا المقال بعض الأمثلة عن المساحات الخضراء مع التركيز على تصميمها، وتنفيذها، وتأثيرها على البيئة والمجتمع.

حديقة بنجاكيتي في بانكوك

تقع حديقة «بنجاكيتي-Benjakitti» في بانكوك عاصمة تايلاند، وهي منتزه متاح للجميع. وتعاني تايلاند بشكل عام من الرياح الموسمية، والفيضانات، والجفاف. نتيجةً لذلك، صمّمت الحديقة لتعمل كإسفنجة تحتفظ بمياه الأمطار في موسم الأمطار، من ثم تصرف المياه في موسم الجفاف بسعة مائية تبلغ 128 ألف متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الحديقة في تنقية مياه قناة مجاورة لها ملوثة بالجريان السطحي، ومياه المجارير. مما ينتج حوالي 1600 متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا.[1]

حديقة بنجاكيتي في بانكوك عاصمة تايلاند.

احتوى موقع الحديقة على مستنقعات مع مستويات عالية من المياه الجوفية. واستخدمت طريقة الزراعة التقليدية التايلاندية للحفاظ على جذور الأشجار أعلى من المستنقعات من أجل تجنب الفيضانات. وتمتلك أيضًا مسارات تساعد على تصريف المياه، وقنوات الري. وقد قام المشروع بتحويل التربة السطحية الطينية إلى موئل رطب وإسفنجي مما سمح بنمو النباتات المحلية بأقل قدر من الري. فزرع حوالي 5600 شتلة من 360 نوع وهي أشجار أصلية نادرة في حوض النهر المركزي، مختلطةً مع نباتات صغيرة ومتوسطة الحجم توفّر الظل. كما تم الحفاظ على جميع الأشجار الموجودة سابقًا في الموقع، وأدمجت في تصميم الحديقة.[1]

مسطّح تاينان

تقع مدينة تاينان في تايوان، وتميّزت أساسًا في الصناعات البحرية وصيد الأسماك منذ القرن ال17. لكن شهدت المدينة في الثمانينيات خروجًا عن هذا النهج الحضري التاريخي، فبني مركز تسوّق الصين-تايوان على قمة الميناء القديم عام 1983. وبعد مرور الوقت أصبح عبارة عن هيكل تجاري كبير لم يعد يخدم الغرض المقصود منه. لذلك سعت المدينة إلى إزالة المركز وإعادة تدويره بدقة. فقامت شركة MVRDV المعمارية بتصميم وتنفيذ مشروع Spring Tainan.

Spring Tainan في تايوان.

حوّلت الشركة موقف السيارات تحت الأرض إلى ساحة عامة يهيمن عليها حمام سباحة، ومناطق خضراء تحيط بها ممر مظلّل. وخطّطت بعناية لجعلها بقعة تجمّع مثالية لجميع الفصول، إذ يرتفع منسوب المياه، وينخفض استجابةً لمواسم الأمطار والجفاف. كما يقلّل الرذاذ من درجة الحرارة في الطقس الحار، ويقلّل من استخدام التكييف في أشهر الصيف. ويضم الموقع ملاعب، ومساحات تجمّع، ومسرح للعروض. كما يحتوي على مناطق يمكن تحويلها لاحقًا إلى محلات تجارية، وأكشاك، وأمور إضافية.[2]

Spring Tainan في تايوان.

سعى المشروع إلى جلب الخضرة إلى المدينة، وإدخال مساحات واسعة مزروعة بالنباتات المحلية. وأثّر بالمجمل على المنطقة فانخفضت حركة المرور في الشوارع. وفي حين تعذّر إزالة عناصر البنية التحتية السابقة للمشروع، فطُليت بلون موحّد في محاولة للتقليل من وجودها البصري. من ثم اختارت المدينة عددًا من الفنانين المحليين لتزيين هذه الهياكل. كما كشف عن جزء من هيكل الطابق السفلي الثاني باستخدام أرضية زجاجية مما يسمح للناس فهم تاريخ الموقع، وتقديره كجزء مهم من تاريخ المنطقة.[2]

Spring Tainan في تايوان.

ساحة الوحدة في ليتوانيا

أرادت مدينة كاوناس في ليتوانيا إعادة تصميم ساحة الوحدة المغمورة بالتاريخ بمبانيها المنتمية لعصور مختلفة. واستقر المشروع على شركة 3DELUXE ودعي باسم V-plaza. أرادت الشركة خلق مساحة حيوية تفاعلية تواكب احتياجات الشباب المتغيرة.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

طورت الشركة مستويين من التصميم أحدهما خطي ويشكل السياق التاريخي، حيث تؤخذ محاور الرؤية والحركة الموجودة سابقًا في الاعتبار. بينما صمّمت المستوى الثاني ليكون عضويًا، ومائعًا، ويعكس التدفقات الطبيعية لحركة المارة. وتضم البنية بالإضافة إلى الممرات أماكن لسير الدراجات الهوائية والنارية، وقسم المقاهي، والمطاعم. إضافةً إلى مسطّحات مائية، وأماكن خاصة بالتزلج، وأضيف مدرج جديد يمكن استعماله للعروض.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

تحتوي الساحة على مسطّحات خضراء مائلة بلطف، وأحواض مائية تربط مستويات الساحة المختلفة. ويستند اختيار النباتات على الأنواع المحلية بسبب ذلك يكثر الصنوبر والبتولا مع الأعشاب، والشجيرات الصديقة للحشرات. وقد نفّذت الساحة بمواد الجرانيت الخفيف، والخشب، والخرسانة البيضاء لخلق جو مرحب بالزوار. وتستخدم الساحة اليوم للاحتفالات، والمهرجانات، والأسواق، وتعد عمومًا موقعًا مناسبًا كمنطقة ترفيهية يومية للسكان.[3]

الحديقة الأسترالية

اكتملت الحديقة الأسترالية عام 2012، وهي أكبر حديقة نباتية مخصّصة للنباتات الأسترالية المحلية. تتيح للزوار أن يتابعوا عبر مسار مائي المناظر الطبيعية للبلاد من الصحراء إلى الطرف الساحلي، ويجمع هذا المشهد التكامل بين البستنة، والهندسة المعمارية، والبيئة، والفن.[4]

الحديقة الأسترالية.

يضم الجانب الشرقي من الحديقة معارض الحدائق والمناظر الطبيعية، ومصفوفات الغابات بطريقة توضّح ميل الشعب إلى ترتيب المساحات الخضراء الحضرية بطريقة رسمية. بينما يضم الجانب الغربي الحدائق التي تستلهم من الدورات الطبيعية، وأشكال الزهور غير المنتظمة. ويلعب الماء دور الوسيط بين الجانبين.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعد المشي في المشهد الأسترالي رحلةً من التحولات والقفزات المستمرة، فالمرء لا يسافر أبدًا في خط مستقيم. وتعترض النباتات الطريق كثيرًا، وتتغير المسارات وفقًا للمشهد الطبيعي، وأحيانًا لا يبقى المسار ظاهرًا حتى. نتيجةً لذلك لا يحمل كل زائر إلى بيته الرسالة نفسها، إذ يختبر كل شخص تجربةً مختلفةً وفريدةً.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعتبر هذا المشروع أكبر حديقة نباتية مكرّسة لعرض النباتات الأسترالية، كما تلعب دورًا مهمًا في حماية التنوع البيولوجي. وتستخدم كذلك لأغراض علمية وتعليمية، بالإضافة إلى التسلية من خلال حلقات العمل التفاعلية، والسينما، والأسواق، والمقاهي.[4]

سنترال بارك في نيويورك

دفع التوسع الحضري المتزايد في أربعينيات القرن ال19 في مانهاتن الأمريكية إلى الدعوة لبناء حديقة جديدة كبيرة. وانتهى شراء الأراضي حوالي عام 1856 وبدأ بناء حديقة «سنترال بارك- Central park» وتعتبر اليوم أكبر وأهم حديقة في مانهاتن. فتبلغ مساحتها 340 هكتارًا، وهي واحدة من أوائل الحدائق الأمريكية المطوّرة باستخدام مبادئ هندسة المناظر الطبيعية.[5]

Central park في نيويورك.

نُقل خلال بناء الحديقة ملايين عربات الأتربة والتربة السطحية لتنفيذ التضاريس. وزرع حوالي 5 مليون شجرة وشجيرة، كما وضع نظام إمدادات المياه، وشيّد العديد من الجسور والأقواس والطرق.[5]

افتتحت سنترال بارك رسميًا عام 1876 ولاتزال واحدةً من أعظم الإنجازات في المناظر الطبيعية الاصطناعية. حيث تتنوّع تضاريسها ونباتاتها بشكل كبير وتتراوح من منحدرات عشبية مسطحة إلى وديان صخرية حادة، ونوافير و3 بحيرات صغيرة. وتحتوي الحديقة على العديد من الحصون التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن ال19، وإبرة كليوباترا وهي مسلة مصرية قديمة.[5]

منتزه سيرينغيتي الوطني في تنزانيا

تأسس منتزه «سيرينغيتي- Serengeti» الوطني عام 1951 في شمال وسط تنزانيا، ويغطي مساحة 14.763 كم. ويعد من أفضل المراعي في أفريقيا، ويشتهر بقطعانه الضخمة من الحيوانات. حيث يعتبر المكان الوحيد في أفريقيا الذي لايزال يجري فيه هجرات واسعة للحيوانات البرية.[6]

منتزه Serengeti الوطني في تنزانيا.

يضم المنتزه أنواع كثيرة من الحيوانات مثل الغزلان، والأفيال، والزرافات، والحمير الوحشية، والأسود، والضباع، والنمور، والفهود، والتماسيح. كما يسجّل أكثر من 350 نوعًا من الطيور بما فيها النعام والنسور. بلا شك يمتلك المنتزه أهميةً بيئيةً كبيرةً، ويساعد في حماية التنوع الحيوي، وقد أُدرج ضمن قائمة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي.[6]

يمكننا ضمان حياة كريمة للأجيال القادمة من خلال العناية بالاستدامة، والاستثمار في المساحات الخضراء الحضرية. وسواء كنت تتمتع بنزهة قصيرة في حديقة مجاورة أو أعجبت بمنتزه ضخم فإن هذه المساحات الخضراء تذكرنا دائمًا بأهمية الطبيعة في حياتنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. MVRDV
  3. 3DELUXE
  4. Archdaily
  5. Britannica
  6. Britannica

التخطيط العمراني المحب للبيئة: «Biophilia»

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في عام 1984 نشر «روجر أولريك» دراسة في مجلة «ساينس» قدّمت لأول مرة نتائج تجريبية على أن التعرض للطبيعة قد يدعم الصحة البشرية. راقب «أولريك» مرضى يتعافون من عمليات جراحية واكتشف أن المرضى في الغرف المطلّة على مساحة طبيعية مشجرة احتاجوا فترات أقل نسبيًا للتعافي بعد الجراحة، كما أنهم احتاجوا جرعات أقل من المسكنات مقارنة بالمرضى الذين كانوا في غرف مطلة على جدران.

تم إعادة هذه التجربة في مستشفىً كورية عام 2006، حيث وُزع المرضى عشوائيًا على غرف دون نباتات وأخرى تتوفر على نباتات، وكانت النتيجة أن المرضى الذين توفرت لديهم نباتات في نفس الغرفة تعافوا بشكل أسرع أيضًا. كانت هذه بداية ما يسمى بالتخطيط المحب للبيئة.

تبدو فكرة أن التعرض للطبيعة يجلب فوائد صحية ونفسية بديهية لدى الكثيرين، ولهذا السبب لم يكن هناك حاجةٌ ملحة لفترة طويلة لدراسة أثر الطبيعة على البشر، وبالأخص في المدن. إلا أنه ومع التوسع الكبير في المدن والتمدن على مستوى العالم وانتشار الأمراض المزمنة والتوتر بدأ العالم في الاهتمام أكثر بدراسة آثار الطبيعة وكيف يمكن توفير المساحات الخضراء في المدن.

العائد الصحي للطبيعة

مجموعة  أحدث من هذه الدراسات كانت تدور حول قدرة سكان المدن على الوصول للأماكن الخضراء. استعملت هذه الدراسات جماعات كبيرة من الناس لمقارنة درجة صحة أولئك الذين يعيشون في أو بالقرب من مسطحاتٍ خضراء بمستوى صحة الذين يعيشون في أماكن أقل خضرة، بالطبع باستعمال وسائل إحصائية متقدمة لأخذ الفوارق الطبقية والاقتصادية في الحسبان.

إحدى الدراسات الرائدة والتي أجريت على 10 آلاف شخص في هولندا وجدت أن السكان الذين تتوفر  لديهم مسطحات خضراء بالقرب منهم (أقل من 3 كم) يظهرون مستوياتٍ أفضل من الصحة البدنية والنفسية عن الذين لا تتوفر بالقرب منهم أي مسطحات خضراء. وبعد تكرار هذه التجارب على شعوبٍ وبلدان وجماعات أخرى، يظهر استعراض نتائج هذا النوع من الدراسات أن هناك علاقة قوية بين نسبة المساحات الخضراء والصحة النفسية، وعلاقة أقل مع مستويات الصحة العامة.

لاحظت تلك الدراسات أن العلاقة بين المساحات الخضراء والصحة العامة تكون أقوى في الفئات التي تمضي في العموم وقتًا أطول داخل المنزل، مثل المسنين وربات البيوت. ولذلك قد يكون توفير مساحات خضراء مناسبة من وسائل سد الفجوة الصحية بين الأغنياء والفقراء.

بشكلٍ عام، يعتبر الباحثون في مجال البيئة أن العائد الصحي المباشر للطبيعة يرجع إلى أربع فوائد رئيسية:  تحسين جودة الهواء، توفير النشاط البدني، توفير بيئة للانسجام المجتمعي، وتقليل التوتر.

الأشجار جزء من المدن أيضًا!

بالإضافة إلى تلك العوائد الصحية المباشرة، فإن لوجود المساحات الخضراء وبالأخص الأشجار في النسيج العمراني فوائد بيئية وعمرانية لا تقل أهمية. فبالإضافة إلى الفوائد الصحية مثل تبريد حرارة الجو وتقليل انبعاثات الكربون، تساعد الأشجار في الحد من فيضان مياة الأمطار وزيادة قدرة الأرض على الامتصاص، وخفض مستوى الضوضاء.

هناك دراسات حول تقنيات أفضل لزراعة الأشجار في المدن بحيث تنمو بشكلٍ طبيعي لأقصى حجم ممكن لها، عوضًا عن استخدام الأوعية التقليدية التي توضع داخل الأرصفة الاسمنتية. وذلك بوسيلة أنظمة تسمح بمساحة أكبر للأشجار بالنمو في تربة خصبة وتتعرض للتهوية والمياة بشكلٍ طبيعي.

منظومة «GreenBlue Urban» لزراغة الأشجار بحيث تحصل على أكبر مساحة ممكنة من التربة لنمو الجذور.

الطبيعة وسط العمران: التخطيط المحب للطبيعة

أدى التوسع في الأبحاث حول أهمية الطبيعة للصحة والاستدامة في المدن إلى ظهور ما يسمى التخطيط المحب للبيئة «Biophilic Urbanism». مبادئ البايوفيليا -أو حب الطبيعة- تهدف لدعم الارتباط بالطبيعة، واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة بشكلٍ مسؤول، والتخطيط العمراني بناءً على الظروف المناخية والحاجات البيئية المحلية.

يمكن لتطبيق مبادئ البايوفيليا ودمج الطبيعة بشكلٍ فعّال في النسيج الحضري أن يساهم في رفع مستوى الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية للسكان. وهذا يشمل المشاريع الصغيرة كتطوير الحدائق الخلفية للأحياء والمشاريع الأكبر كإزالة الطرق السريعة من المدن وإحلال الطبيعة مكانها. هناك مدنٌ كثيرة على مستوى العالم بدأت في اعتماد خطط بيئية ضمن خططها العمرانية والتطويرية والاقتصادية، من ضمنها مدن كبرمنجهام وبرشلونة وتورونتو.

تصميمات محبة للطبيعة

كما لا يخفى على كثيرين فإن هناك ميلًا لدى المعماريين على مستوى العالم لدمج الطبيعة والخضرة في تصميماتهم. ولكن على عكس ما يعتقد الكثيرون فإن مصطلح «العمارة الخضراء» لا يعني إحاطة المباني بالأشجار والخضرة وحسب، بل هو مرادف لمفهوم «العمارة المستدامة» والتي تخلق توازنًا بين احتياجات المبنى والمحيط الحيّزية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية. ولكن بالطبع فإن إدراج الطبيعة والخضرة داخل المشاريع المعمارية والحضرية يدخل ضمن مفاهيم الاستدامة.

أحد أشهر المباني التي قد توصف بأنها «محبة للطبيعة – Biophilic» هي أبراج «بوسكو فيرتيكالي»، والتي تشبه الغابات العمودية. ومن الأمثلة الأحدث لذلك مبنى مقر شركة أمازون الجديد.

بالطبع، فإن المدن والأحياء المقامة حاليًا لا يتاح لها حرية إنشاء الحدائق والمساحات الخضراء والمباني “الخضراء” كما تريد نظرًا لقيود المساحات والسكن، ولذلك فهناك توجه متزايد في الانتشار عالميًا وهي الحدائق الصغيرة التي تقام في المساحات الفارغة بين المباني، وهو توجه ضمن ما يسمى بالعمارة البينيّة «In-between Architecture». ومن أمثلة هذه المشاريع «حدائق الشارع» في سان فرانسيسكو أو «السحابة الخضراء» في بعض مدن الصين الحديثة.

إزالة السيارات.. لإفساح المجال للطبيعة

التخطيط البايوفيلي يشتمل أيضًا على مفاهيم حضرية مثل مفهوم «المدن المكثفة – Compact Cities»، أي تصميم المدن لتكون ذات كثافة سكانية ووظيفية عالية وفي نفس الوقت تسمح بإدارة واستعمال أفضل وأكثر توازنًا للمساحات داخل المدينة، بالإضافة إلى اعتمادها على شبكة مواصلات عامة قوية. تشهد مدن أوروبية كثيرة انتشار هذا النمط من التوسع والتخطيط لقدرته على الموازنة بين الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في إطارٍ أكثر استدامة على المستوى البعيد.

مظهر آخر من مظاهر هذا التخطيط المحب للبيئة هو اتجاه متزايد في المدن حول العالم اليوم وهو إزالة الطرق لإفساح المجال للأماكن العامة والمساحات الخضراء، كما فعلت مدينة بوسطن بإزالتها الطريق السريع رقم 93 واستبدلته بمحورٍ أخضر من الحدائق والأماكن العامة -تحت اسم «روز كينيدي جرينواي»- بهدف توفير متنفسٍ بيئي وصحي للسكان الأقل قدرة. أو كما فعلت مدينة «تشيونغي تشون» الكورية بإزالتها طريقًا سريعًا مع جسرٍ علوي كان فوق مجرىً مائي،  لتعيد المياه إلى مجاريها -حرفيًا- وتفتتح المنطقة كمزار سياحيّ بيئيّ. ووجه المشروع ذو التكلفة العالية الكثير من الانتقادات في البداية ولكنها اختفت بعد انتهائه وظهور نتائجه البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناجحة.

قد تبدو هذه الأفكار والمشاريع نوعًا من الترف والرفاهية في نظر البعض، ولكن في ظل أزمة كورونا الحالية فإن الاهتمام بالمساحات الخضراء والقدرة على الوصول إليها لجميع السكان قد ازداد، إلى درجة أن القضية تثير جدلًا ونقاشًا في وسط المخططين والمعماريين. وسط إشادة بمدن مثل مدينة بونتيفيدرا الإسبانية التي اتخذت خطوات للحد من استخدام السيارات، ما سمح للسكان بالخروج بشكلٍ آمن للطرق. وكما أسلفنا فإن مشاكل الاستدامة والبيئة والصحة العامة في المدن هي ما تدفع بشكلٍ رئيس هذه الخطط لإعادة الطبيعة إلى المدينة، لخلق متنفس للسكان بعيدًا عن ضوضاء الطرق وتلوثها.

Exit mobile version