كيف تؤدي البيئة إلى إصابتنا بالأمراض؟

ليست جيناتنا وحدها المسؤولة عن الأمراض التي تصيبنا. فالتعديلات فوق الجينية تساهم بشكل كبير في آلية حصول هذه الأمراض متأثرة بشدة بالبيئة المحيطة والعادات التغذوية والسلوكية التي نتبعها. مما يؤدي إلى تباين شديد في أسبابها ونوعية عالية في آلياتها. فما هي الأمراض التي تساهم البيئة في خلقها؟ وكيف يتآثر الإبيجينوم مع البيئة لإحداثها؟

المجاعة الهولندية

في الحرب العالمية الثانية وتحديداً في شهر تشرين الثاني من عام 1944، قطع النازيون الإمدادات الغذائية عن المناطق الغربية من هولندا انتقاماً لدعم الحكومة الهولندية آنذاك للحلفاء. وقد امتد هذا الحصار حتى شهر أيار من عام 1945. توفي على إثره حوالي 000 200 شخص، وتضرر ما يقراب ال4.5 مليون. بالإضافة إلى الحصار عانى السكان حينها من شتاء قاس ومحصول سيء وأربع سنوات متواصلة من الحرب.

العوامل المساعدة على الدراسة

درس العلماء على مدى 25 عاماً النتائج طويلة الأمد المترتبة عن هذه المجاعة للأشخاص الذين كانوا ما يزالون أجنة في أرحام أمهاتهم ذلك الشتاء بالإضافة إلى أولادهم فيما بعد وأحفادهم. وساعد على هذه الدراسة عدة عوامل منها:

1. فترة المجاعة محددة بدقة.

2.تمتعت الفئة السكانية المدروسة بمستوى تغذية جيد قبل المجاعة.

3.الغذاء المتوافر خلال المجاعة كان مسجلاً ومحدداً بدقة.

4.المتابعة الطبية من قبل الأطباء والقابلات واحتفاظهم بسجلات طبية دقيقة خلال المجاعة.

النتائج المترتبة على المجاعة

إن المجاعة التي حصلت وما تبعها من سوء تغذية شديد أدت إلى تأثيرات جسدية وعقلية متنوعة على الأطفال الذين كانوا في رحم أمهاتهم خلالها. ومن أهم الدروس المستفادة من دراسة حالة على هؤلاء الأشخاص:

  1. وجود تأثيرات صحية على الأطفال الذين عانت أمهاتهم من المجاعة فترة حملهن بهم دون أن يؤثر ذلك على حجم الطفل بعد الولادة.
  2. ارتبطت تأثيرات سوء التغذية في الرحم بالفترة التي تتطور فيها الأعضاء والأجهزة:
  • ظهرت التأثيرت الشديدة لمن تعرضوا للمجاعة وهم في مرحلتهم الجنينية الأولى لاحقاً. وقد ارتبط سوء التغذية الشديد في المراحل الأولى من الحمل بتطور الأعضاء الأساسية.
  • ارتبطت المعاناة من المجاعة في مرحلة منتصف الحمل بارتفاع خطر الإصابة بأمراض الكلية( انخفاض رشح الكرياتينين) والقلب(ارتفاع نسبة الألبومين المجهري_ micro-albuminuria). ففي منتصف الحمل تتطور النفرونات لذلك أثرت المجاعة في هذه الفترة على التطور السليم للكلية. بالإضافة إلى تطور الرئة والشجرة القصبية، مما يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بمرض انسداد الطرق الهوائية. [1]

بالإضافة إلى ذلك يرتفع لدى الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم للمجاعة خلال حملهن بهم خطر الإصابة بالفصام والسكري من النمط الثاني. بعد حوالي 60 عاماً من المجاعة قاس الباحثون معدل مثيلة الDNA لدى هؤلاء الأشخاص، فتبين أن معدل المثيلة مرتفع عند بعض الجينات ومنخفض عند جينات أخرى مقارنة بإخوتهم الذين لم يتعرضوا لمجاعة وهم أجنة. وهذا المعدل المتفاوت للمثيلة يوضح سبب ازدياد معدل الإصابة بالأمراض لديهم ودور البيئة فيه. [2]

تأثير ظروف البيئة وتغذية الأم على جنينها وإصابته بالأمراض

إنّ لنظام الأم الغذائي تأثير فوق جيني على التطور السلوكي العصبي كالعلاقة بين عمل الجهاز العصبي والسلوك الذي يؤدي إلى مشاكل في التعلم فترة الطفولة. ولكن هذه التأثيرات لا تزال غير مدروسة بشكل كاف. على سبيل المثال، يشير بحث إلى أن نظام الأم الغذائي قد يؤثر إيجاباً على المرونة العصبية طويلة الأمد (وهي قدرة الدماغ على تشكيل مشابك جديدة وإعادة تنظيمها) لمولودها. وجدت دراسة على الفئران أن نظام الأم الغني بالدهون والسكر معاً (الغربي) يحرض مثيلة جين BDNF في الدماغ بالإضافة إلى تأثيرات سلبية على السلوك. لكن أطفال أمهات الفئران اللواتي اتبعن نظاماً غنياً بالحموض الدهنية Omega-3 لم يتعرضوا للتأثيرات السلبية للنظام الغذائي الغربي. وقد أشار الباحثون إلى دور التعرض ل Omega-3 في الرحم في بناء احتياطي للدونة عصبية تحمي من مشاكل مستقبلية.

كما يمكن لطبيعة غذاء الأم أن تؤثر على تطور السرطانات لدى الطفل مستقبلاً. فقد وُجد في دراسة على جرذ أن نظام تغذية الأم عالي الدهون حرض تطور سرطان ثدي لدى الجرذ البنات والحفيدات أيضاً. ووجدت نفس الدراسة ارتباط النظام الغذائي عالي الدهون بنمط مثيلة معين في غدد الثدي. مما يشير إلى أن طبيعة غذاء الأم يمكن أن تؤثر على خطر الإصابة بالسرطان بآليات فوق جينية. [3]

السكري نمط 2

إنّ الآلية الإمراضية للسكري من نمط 2 معقدة نوعاً ما ومتعددة العوامل. حيث يتعلق بالاستعداد الجيني بالإضافة للسلوك كالنظام الغذائي والنشاط الفيزيائي. يوصف السكري من النمط 2 بخلل وظيفة خلايا بيتا البنكرياسية، ومقاومة الأنسولين وفرط أنسولين الدم. تتعلق هذه العوامل والأعراض بمرحلة المرض ومدى تأير الأنسولين وتنظيمه لمستوى الغلوكوز في الدم. لذلك نجد أن الآلية الإمراضية له تتعلق بعوامل جينية وفوق جينية ولا جينية.

على الرغم من اكتشاف مئات المتغيرات الجينية المرتبطة بالسكري نمط 2 إلا أنها لا تفسر سوى جزء بسيط من وراثة المرض. حيث أنه ينتج من تآثر الجينات مع العديد من العوامل البيئة بشكل أساسي.

تعد وظيفة خلايا بيتا البنكرياسية المفرزة للأنسولين مهمة جداً لتنظيم مستوى الغلوكوز في الدم. وفي حالة مرض السكري فإن خلل التنظيم فوق الجيني يؤدي إلى تقليل التعبير عن الجينات الضرورية لعمل خلايا بيتا بالإضافة إلى التعبير عن جينات لا يُفترض التعبير عنها في خلايا بيتا. مما يؤدي إلى زوال الطابع الجيني للخلية وبالتالي إلى فقدان هويتها. وفي النهاية، يؤدي ذلك إلى خلل وظيفة خلايا بيتا البنكرياسية، وضعف إفراز الأنسولين، وضعف وظيفة البنكرياس عامةً. فتكون السلسة على الشكل الآتي: البيئة-الكروماتين-الجينات-الخلايا-الأعضاء-الكائن الحي.

من المهم معرفة عوامل الخطر المتعددة التي تؤدي إلى خلل التنظيم فوق الجيني مثل انعدام الحركة والنشاط الفيزيائي، والسمنة الأبوية، وخلل وظائف الميتاكوندريا، والشيخوخة، وظروف البيئة غير السوية للأم أثناء الحمل التي تؤثر على جنينها، وتؤدي لإصابته بمختلف الأمراض. يمكن أن تؤثر هذه العوامل على المستوى فوق الجيني في مراحل زمنية مختلفة خلال حياة الفرد. بالإضافة إلى ذلك يتأثر الإبيجينوم بالظروف البيئية كالتمارين الرياضية والنظام الغذائي. وتعود هذه التآثرات إلى المرونة الإبيجينية.

بناءً على ما سبق أصبحت الأدوية التي تؤثر على الإبيجينوم هدفاً لمعالجة مرض السكري والحث على إفراز الأنسولين. [4]

السرطان

يعد السرطان أول مرض ارتبط بالمستوى فوق الجيني، وذلك في عام 1983. وقد وجد باحثون أن معدل مثيلة الDNA منخفض عند مرضى سرطان الكولون والمستقيم للخلايا المصابة بالسرطان مقارنة بالخلايا السليمة عند المرضى أنفسهم. وبما أن مثيلة الجينات توقف التعبير عنها بشكل طبيعي، فإن نقص مثيلة الجينات يؤدي إلى زيادة تفعيلها بشكل غير طبيعي. وبالمقابل فإن المثيلة الشديدة للجينات الكابحة الورمية يؤدي إلى فقدانها لوظيفتها الكابحة للورم.

وكما ذكرنا في مقالنا الأول فإن المثيلة تحدث على جزر CpG. يوجد كثافة لهذه الجزر في منطقة المحرض والتي لا تكون ممثيلة في الخلايا الطبيعية، ولكنها تصبح ممثيلة في الخلايا السرطانية. مما يؤدي إلى إسكات جينات لا يجب ان تكون معطلة في الحالة الطبيعية. وتعد هذه علامة واسمة للتعديلات فوق الجينية على الخلايا السرطانية في مراحلها الأولى. إن زيادة مثيلة جزر CpG عند بعض الجينات يوقف الخلايا الكابحة الورمية مما يؤدي إلى ظهور خلايا سرطانية. وتعد هذه الآلية في حدوث السرطان أكثر انتشاراً من وجود طفرات في تسلسل ال DNA.

كما يمكن للمثيلة الشديدة أن تؤثر على الترادفات المتسلسلة القصيرة(الساتل المكروي)-microsatellites، وهي تسلسلات متتالية من الDNA موجودة بشكل طبيعي لدى الأفراد ومكونة من تكرارات ثنائي النكليوتيد CA. إن المثيلة الشديدة لمعزاز جين MLH1 يؤدي إلى عدم استقرار الساتل المكروي، فإما أن يطوّل هذه التسلسلات أو يقصرها. وقد ارتبط هذا الخلل في الساتل المكروي بعدة سرطانات كسرطان القولون والمستقيم، والمبيض، وبطانة الرحم، والمعدة. [5]

متلازمة الصبغي X الهش

تعد متلازمة الصبغي X الهش من أكثر أمراض التخلف العقلي وراثةً وتحديداً عند الذكور. حيث إنه يصيب الجنسين ولكن لأن الذكور لديهم صبغي X وحيد فهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض. يعاني المصابون بهذه المتلازمة من إعاقة ذهنية شديدة ،وتأخر التطور اللفظي، بالإضافة إلى سلوك شبيه للتوحد.

تأخذ هذه المتلازمة اسمها من الطريقة التي تأخذ بها المناطق غير الطبيعية من الصبغي X شكلها. ويحدث ذلك نتيجة شذوذ جين FMR1. يملك الأشخاص الأسوياء 50 إلى 60 تكراراً لثلاثي نكليوتيد CGGs في جين FMR1. توجد الطفرة عند الأفراد الذين يملكون أكثر من 200 تكرار. حيث تظهر لديهم أعراض المتلازمة، لأن التكرارات الكثيرة من ثلاثيات نكليوتيدات CGGs تؤدي إلى مثيلة جزر CpG في معزاز جين FMR2، الذي لا يكون ممثيلاً في الحالة السوية. تؤدي هذه العملية بدورها إلى تعطيل الجين وإيقافه عن تشكيل بروتين التخلف العقلي المرتبط بالصبغي x الهش.[5]

أصبحنا اليوم مدركين أكثر للدور الذي تلعبه البيئة في التأثير على التعبير الجيني في خلايانا. كما أصبح علم ما فوق الجينات أحد أهم محاور الدراسات الطبية التي تساعد على فهم الأمراض بشكل أعمق، وبالتالي تطوير الأدوية المناسبة والنوعية لها.

المصادر:

  1. The Dutch Famine Birth Cohort | OHCU
  2. What is Epigenetics? | CDC
  3. Prenatal Nutrition: The Epigenetic Impact of Maternal Diets | Today’s Dietitian
  4. Diabetes and Epigenetics | IntechOpen
  5. Epigenetic Influences and Disease

كيف يمكننا التكيف مع تغير المناخ وسط عالم مشتعل؟

هذه المقالة هي الجزء 17 من 18 في سلسلة مقدمة في تغيرات المناخ وتأثيراتها البيئية

من مدن أوروبا التي غمرتها الفيضانات، إلى ضواحي كاليفورنيا المتفحمة بالنيران. ومن دلتا بنغلادش الغارقة بالمياه إلى الجزر التي تواجه ارتفاع منسوب مياه البحار. عواقب وخيمة انطوت على عدم كبح الزيادة في درجات الحرارة العالمية والتكيف مع كوكب أكثر حرارة. فخلال الثلاثين عامًا الماضية كان الهدف المهيمن هو خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. لذلك أضحت خطوات التكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة للحد من المخاطر.[1]

ماذا نعني بمصطلح “التكيف”؟ ولم اختلف عليه المناصرون؟

 يشير مصطلح التكيف مع تغير المناخ إلى أي نشاط يمكن من خلاله تقليل المخاطر والآثار السلبية لتغير المناخ، أو يساعد البشر على التكيف معه. ويتضمن التكيف إجراء تعديلات في قراراتنا وأنشطتنا وتفكيرنا بسبب التغيرات في مناخنا [2].

وفي وقت سابق خلال محادثات المناخ التي عقدت في عام 2002، ظهرت بعض الأحاديث عن حاجتنا إلى التكيف مع تغير المناخ، لكن كان للعديد من النشطاء البيئيين رأي آخر! إذ رأوا أن جهود التكيف مع الظروف المناخية المتطرفة بمثابة استسلام وإلهاء عن الحاجة إلى الحد من الانبعاثات.[3]

لماذا نحن بحاجة إلي التكيف؟

كان التكيف مع المشكلات البيئية محورًا للدراسات الأنثروبولوجية منذ مطلع القرن العشرين. وقد تم تطبيق مصطلح التكيف لأول مرة خلال التسعينات. ويتمثل الهدف الرئيسي للتكيف في رفع قدرتنا على الصمود، والذي بدونه تقل احتمالية نجاتنا ويزيد عدد الضحايا.[4]

يؤدي تغير المناخ إلى زعزعة استقرار المجتمعات واقتصاداتها، مما يقوض جهود التنمية المستدامة ويفاقم التحديات البيئية. وقد شهدت العديد من البلدان تأثيرات محلية وعالمية واسعة النطاق، تصاعدت حدتها ووتيرتها أكثر من أي وقت مضي[5]. فمنذ عام 2008 وحتي اليوم، تم تهجير ما يقرب من 21.5 مليون شخص سنويًا، بسبب المخاطر المفاجئة المرتبطة بالمناخ، كالفيضانات والعواصف وحرائق الغابات والجفاف وتآكل السواحل.

وهناك اتفاق كبير بين العلماء على أن تغير المناخ من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة أعداد النازحين في المستقبل.[6] كما أظهرت نتائج بحثية إلى أن حوالي 132 مليون شخص سيواجهون الفقر المدقع بسبب تغير المناخ بحلول 2030. لذلك يشدد البعض على أهمية التكيف مع الظروف المناخية حتى نتمكن من حماية الفئات الأكثر ضعفًا في مجتمعاتنا. [7]

الفئات الأكثر ضعفًا هم الأكثر تأثرًا

مع أن الدعوة إلى التكيف مع التغيرات المناخية واضحة، إلا أن بعض المجتمعات ما زالت غير قادرة على التكيف. وذلك بسبب عدم وجود موارد لتلبية الاحتياجات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم. فعلى سبيل المثال، تُقدَّر تكاليف التكيف التي تحتاجها البلدان النامية بحوالي 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. لكن في الوقت الحالي، تُنفَق ما نسبته 21% فقط من التمويل المتعلق بالمناخ الذي تقدمه البلدان الأكثر ثراءًا لمساعدة الدول النامية على التكيف والقدرة على الصمود، أي حوالي 16.8 مليار دولار سنويًا.

استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية

 حتي نتمكن من حماية أنفسنا ومجتمعاتنا، يجب علينا التكيف مع عواقب الظواهر الجوية المتطرفة. لذلك توجد العديد من الطرق التي نستطيع من خلالها التكيف مع ما يحدث الآن وما سيحدث في المستقبل[8] والتي منها:

1- أنظمة الإنذار المبكر

وهي عبارة عن تقنيات يمكن من خلالها التنبؤ بوقوع العواصف وموجات الحر وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة. ووفقًا لإحدي التقارير، فإن التحذير بفاصل 24 ساعة فقط يمكن أن يقلل الضرر الناتج بنسبة 30 %! كما أن الاستثمار بقيمة 800 مليون دولار وتزويد البلدان النامية بمثل هذه الأنظمة، ستحمي من خسائر قد تبلغ من 3 إلى 16 مليار دولار سنويًا.

2- البنية التحتية الخضراء

تحسين الظروف المعيشية في المجتمعات الضعيفة يعني تحسين بنيتها التحتية وتعزيز قدرتها على التكيف. ووفقًا لتقرير اللجنة العالمية المعنية بالتكيف، فإن البنية التحتية الخضراء والمقاومة للظروف المناخية القاسية قادرة على توفير 4 دولارات من الفوائد مقابل كل دولار واحد من التكلفة.

3- تحسين الإنتاج الزراعي

يمكن أن يساعد الاستثمار في المحاصيل المقاومة للجفاف وتحديث أنظمة الري في حماية المزارع الصغيرة من ارتفاع درجات الحرارة.

4- حماية المانجروف

وهو عبارة عن مجموعة من أشجار المانجروف التي تنمو على طول السواحل لحمايتها. وتعمل أشجار المانغروف على التقليل من آثار العواصف التي تهدد المجتمعات الساحلية. ووفقًا لتقرير اللجنة العالمية المعنية بالتكيف، فإن غابات المانجروف قادرة على حماية حوالي 18 مليون شخص من خطر الفيضانات الساحلية، وتقليل الخسائر التي تقدر بأكثر من 80 مليار دولار سنويًا.

5- الاستثمار في البنية التحتية للمياه

تشير التقديرات إلى أن حوالي 3.6مليار شخص ليس لديهم ما يكفي من الماء لسد احتياجاتهم خلال شهر واحد من العام. وقد يؤدي عدم اتخاذ التدابير اللازمة إلى تعريض حوالي 1.4 مليار شخص إضافي لنقص المياه بحلول عام 2050. لذلك يمكن أن يؤدي الاستثمار في البنية التحتية للمياه ومجمعات المياه الطبيعية إلى توسيع نطاق الوصول إلى المياه النظيفة. [9]

يبدو أن التكيف مع التغير المناخي أمر لا بد منه في ظل أعباء اقتصادية هائلة تحول من مواجهة التغيرات المناخية. فلنا أن نطرح سؤالنا الأول الذي حاولنا توضيح خلفياته في هذا المقال بقليل من العمق. هل سيصبح التكيف هو الحل؟ أم سيزيد من تعقيد المشكلة كما زعم بعض الناشطين؟ الرأي لك.

المصادر

(3),(1)nationalgeographic
(2)nrcan
(4)globalization and health
(5)wwf
(6) unhcr
(7)world bank
(8)un
(9)grist

الأنظمة المعقدة وخصائصها

لعلك تتذكر جورجيو باريزي وسيوكورو مانابي وكلاوس هاسلمان الحائزين على نوبل 2021 في الفيزياء ومساهماتهم في فهم الأنظمة المعقدة، ففي كل مجال سواء في الرياضيات أو الفيزياء أو الأحياء أو الاقتصاد… هنالك بعض الأنظمة التي لم يستطع العلماء تفسيرها مثل مجموعات النمل التي تراها، الاقتصاد البشري أو المناخ أو حتى الوعي البشري، الذي ينظر إليه كونه خاصية ناشئة لشبكة معقدة من الخلايا العصبية في أدمغتنا والكثير من الأمثلة، فقد أطلق العلماء على تلك الأنظمة اسم (الأنظمة المعقدة) فهنالك قول أرسطو الشهير: “الكل أكبر من مجموع أجزائه”. إذ إن الأنظمة المعقدة يستلزم فيها السلوك الجماعي لأجزائها لظهور خصائص يصعب استنتاجها. فيأتي علم الأنظمة المعقدة (نظرية التعقيد) ليقدم لنا طرقًا لفهم الكون من حولنا. فدراسة التعقيد نظرية علمية جديدة وفي هذا المقال سنوضح ما هي نظرية الأنظمة المعقدة وخصائصها.

كيف نفهم الأنظمة المعقدة؟

الساعة التي ترتديها بيدك، السلوك المنتظم لها هو الذي سمح لنا بإنشاء جهاز ضبط الوقت. لكن هناك بعض الأنظمة مثل الطقس أو الإنترنت. نحن نفهم هيكلهم لكن من الصعب التنبؤ بسلوكهم، كذلك دماغك معقدة من حيث التركيب والسلوك. فما يتضح لنا أن كلمة التعقيد (معقد) تُطلق على العديد من المكونات المتفاعلة التي من الصعب فهم سلوكها أو هيكلها.

فالأنظمة المعقدة ليست جديدة، لكن لأول مرة في التاريخ تُتاح أدوات لدراسة مثل هذه الأنظمة بطريقة علمية محكمة. فقديمًا، كانت دراسة الأنظمة المعقدة في البيئة أو الاقتصاد تستغرق وقتًا طويلًا أو خطيرة أو باهظة الثمن وغير علمية. لكن الآن وباستخدام الحواسيب، يمكن بناء على سبيل المثال بدائل سيليكون كاملة لهذه الأنظمة ويمكن التلاعب فيها.

مثال على النظرة غير العلمية

افترض أن مستثمرًا فرديًا يتفاعل مع البورصة وبذلك يؤثر على سعر السهم أثناء اتخاذ قرار بالشراء أو البيع أو الاحتفاظ، فيرى هذا المستثمر السوق على أنه معقد أو بسيط اعتمادًا على مدى إدراكه لتغير الأسعار. لكن لتلاحظ هنا أن البورصة أيضًا تعمل على المستثمر. فما يحدث فيها مؤثر على قرارات المستثمر، فهنا السوق يحكم بأن المستثمر لديه درجة معينة من التعقيد؛ تؤثر على تصرفاته مثل التوتر أو الهدوء أو عدم الاستقرار. فهنا يكمن التعقيد في عين المستثمر بقدر ما يكمن في بنية وسلوك النظام نفسه. فمفهوم التعقيد هنا من نظرة أي شخص غير علمية، فالبعض يرى أن الأميبيا أبسط من الفيل.

الخصائص المختلفة المرتبطة بالأنظمة البسيطة والمعقدة

عادة ما تستخدم كلمة التعقيد كاسم لشيء مخالف للحدس أو لا يمكن التنبؤ به أو صعب في فهمه. لذلك وضعت خصائص لوصف الأنظمة المعقدة بعيدًا عن المفاهيم غير العلمية. لنتطرق الآن لبعض تلك الخصائص…

«التنبؤ-Predictability»

لا مفاجآت في الأنظمة البسيطة، أسقط حجرًا؛ فسيقع. ضع أموالك في حساب بنكي فائدته ثابتة؛ ستتراكم الأموال بانتظام… فمثل هذه السلوكيات التي يمكن التنبؤ بها هي من خصائص الأنظمة البسيطة، أما الأنظمة المعقدة لا سلوك متوقع فيها ومليئة بالمفاجآت مثل فتح طرق سريعة جديدة؛ سيؤدي إلى زيادة أوقات التنقل واختناقات مرورية…

«الترابط-Connectedness»

تحوي الأنظمة البسيطة عددًا قليلًا من المكونات مع عدد قليل من المتغيرات مع سيطرة على الروابط بين تلك المتغيرات مثل منظمة ما تتميز بالاستقرار الوظيفي أو المقايضة البدائية حيث تداول عدد قليل من السلع وهي أبسط في الفهم من الاقتصاديات المتقدمة للدول الصناعية التي نعدها من الأنظمة المعقدة.

«التحكم المركزي-Centralized control»

يتركز التحكم في الأنظمة البسيطة في موقع واحد أو عدة مواقع قليلة على الأكثر مثل الشركات المملوكة للقطاع الخاص. على العكس تمامًا، تُظهر الأنظمة المعقدة انتشارًا للسلطة الحقيقة وقد يبدو لك أن لها سيطرة مركزية فتشمل الأنظمة اللامركزية للحكومات والجامعات والإنترنت كذلك… فتميل الأنظمة المعقدة إلى التكيف على نحو أسرع مع الأحداث غير المتوقعة وتُعد أكثر مرونة.

«التحلل-Decomposability»

التفاعلات بين النظام البسيط قليلة أو ضعيفة بين مكوناته المختلفة. فيتصرف النظام على نحو أكثر أو أقل كما كان عليه سابقًا عند قطع بعض الاتصالات. من الناحية الأخرى، فالعمليات المعقدة غير قابلة للاختزال أي لا يمكن أن يتحلل النظام إلى أنظمة فرعية دون خسارة، فإهمال جزء من عملية ما أو قطع الاتصال الرابط بين أجزائها؛ سيُدمر الجوانب الأساسية لسلوك النظام أو هيكله.

وترجع آليات توليد المفاجآت إلى السلوكيات التي تظهرها الأنظمة المعقدة مثل:

«المفارقة-Paradox»

تنشأ المفارقات عادة من الافتراضات الخاطئة التي تؤدي إلى تناقضات بين السلوك المرصود والمتوقع وتحدث في مواقف غير منطقية.

«عدم الاستقرار-Instability»

عند حدوث اضطرابات صغيرة في الأنظمة غير المستقرة، تتولد المفاجآت مثل انهيار أسواق الأسهم.

«غير قابلة للحوسبة-Uncomputability»

إن السلوكيات التي تُظهرها نماذج الأنظمة المعقدة هي نتيجة اتباع مجموعة من القواعد. لأن تلك النماذج مجسدة في حواسيب التي بالضرورة تتبع لقواعد محددة. مع أن آلات الحوسبة تتبع قواعد، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن أي عمليات في الطبيعة أو بشرية تستند بالضرورة لقواعد. فإذا كانت هناك عمليات غير قابلة للحوسبة موجودة في الطبيعة مثل حركة الكتل الهوائية في الغلاف الجوي، فإن الظاهرة الحقيقة لأي نظام لن تظهر على الحاسوب أبدًا لأن تلك الكميات غير القابلة للحوسبة موجودة فعلًا خارج عالم الرياضيات.

«الاتصال-Connectivity»

يتميز النظام بالروابط والتفاعلات بين مكوناته وكذلك تأثير تلك الروابط على سلوكه وهذه إحدى الخصائص. فمثلًا العلاقة بين رأس المال والعمل هي التي توجد الاقتصاد، فالنظام المعقد مترابط ومتصل جيدًا ويكمن التعقيد والمفاجأة في الأنظمة المعقدة في تلك الروابط.

«التولد-Emergence»

تشير إلى الخصائص غير المتوقعة في أية أنظمة فرعية فردية التي تنشأ من التفاعلات. مثل الماء، فخصائصه المميزة في شكله في صورة سائل وعدم القابلية للاشتعال وذلك بالطبع يختلف عن خصائص الغازات المكونة له. فيكمن الاختلاف بين التعقيد الناشئ عن «التوليد-Emergence» في طبيعة التفاعلات بين المكونات.

فلا تركز فقط على ما إذا كان هناك نوع من التفاعلات بل أيضًا على طبيعة تلك التفاعلات فمثلًا لا يمكنك التمييز بين (ماء الصنبور العادي) الذي يتضمن تفاعلًا بين جزيئات الهيدروجين والأكسجين و(الماء الثقيل) الذي يتضمن تفاعلًا بين نفس المكونات لكن مع وجود نظير لمادة الهيدروجين يدعى (ديوتريوم) في هذا المزيج؛ فالتولد من شأنه التمييز، إذ تظهر خصائص معينة (المتولدة) عند تفاعل تلك الأنظمة.

فهذه العناصر هي الخصائص التي هي مصدر توليد المفاجآت.

وهكذا نختم حديثنا عن ذلك العلم الواسع الذي تعرفت فيه على نُبْذَة من شأنها أن تساعدك في فهم المقالات القادمة في الحوسبة الكمية، إذ سنتحدث عن نظرية التعقيد الحسابي؛ فتابعنا.

المصادر

uwaterloo

cssociety

britannica

الأبوة والأمومة والعلم

توقع طفل جديد هو حالة من الفرح والإثارة العظيمة، لكنها تُمثل بعض القلق للآباء والأمهات. فتحمل الشهور التسع للحمل الكثير من مشاعر القلق والرهبة والخوف من فكرة تحمل مسئولية رعاية وتربية و تنشئة فرد جديد. لنعتبر أن تلك الفترة فرصة لنمو طفلك الأول، وفرصة لتمنحك وقتًا لإعداد نفسك وحياتك لواحد من أكبر التغيرات و الاضطرابات التى قد تواجهها على الإطلاق. فلنبدأ بوضع الأبوة والأمومة في ميزان العلم حتى نُلم بأهم المؤثرات التي تؤثر على عملية التنشئة من حيث كونها بيئية أم جينية؟

العلوم والأبوة والأمومة

يمكن أن يبدو العلم والأبوة والأمومة وكأنهما عالمان منفصلان، ولكن من خلال بعض الملاحظات الدقيقة، يمكن للمرء أن يكتشف أن هناك الكثير من أوجه التشابه.  فكر في الأمر، العلم يدورحول الاستجواب و الإثبات والتحليل وحل الشكوك والمجهول في الحياة. ولا يوجد هناك تجربة تمتلىء بالشكوك والأمور المجهولة كما الأبوة والأمومة. فيمكن للعلم أن يساعد في إعداد الآباء لهذا التغيير الكبير في الحياة، حتى يتمكنوا من تجربة المزيد من المتعة في تلك العملية وتقليل الضغط، كما يمكنه المساعدة في كيفية الاستعداد عاطفيًا لطفل جديد، وكيفية مساعدة الأشقاء الأكبر سنًا على التكيف مع أخ أو أخت جديدة، وأكثر من ذلك.

التنشئة مقابل الطبيعة

عبر مجموعة واسعة من الدراسات، غالبًا ما يستنتج الباحثون أن البيئة المنزلية وتربية الأطفال مرتبطة ارتباطا سببيًا. في المقابل، تظهر الدراسات الجينية السلوكية أن الآباء يؤثرون على أطفالهم من خلال تزويدهم بالبيئة والجينات، مما يعني أن البيئة التي يوفرها الآباء لا ينبغي اعتبارها في غياب التأثيرات الوراثية، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات خاطئة حول السببية.

فمعظم الآباء يقضون ساعات متباينة في اتخاذ القرارات بشأن البيئة التي يوفرونها لأطفالهم. الأدب العلمي يعكس هذه الفكرة. عبر مجموعة واسعة من الدراسات من العديد من المجالات النفسية، كثيرًا ما يستنتج الباحثون أن الآباء والأمهات في البيئة يقدمون نتائج الأطفال مرتبطة سببيًا، من خلال الانتقال البيئي. فعلى سبيل المثال، لفت انتباهنا في دراسة أجريت لفحص ارتباط وجود مكتبة منزلية كمراهقة ولاحقا للبالغين في مجال الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والمهارات التكنولوجية.

واستخدمت هذه الدراسة مجموعة بيانات غنية للغاية ومزودة بالطاقة، ووجدت ارتباطاً بين عدد الكتب في بيوت المراهقين وأداء محو الأمية في مرحلة البلوغ. وخلصوا إلى أن “النمو مع المكتبات المنزلية يعزز مهارات الكبار”، مما يستنتج وجود صلة سببية. وهنا نناقش كيف أن العلاقة المتبادلة بين البيئات التي يوفرها الآباء، و “بيئة التنشئة” ونتائج أطفالهم قد تكون ناجمة تمامًا عن ارتباط سببي، أو أكثر أهمية، قد تكون ناجمة جزئيًا أو كليًا أيضًا عن خلط وراثي، وبعد تسليط الضوء على المشكلة، يقترح العلم سبلاً تُمكن علماء علم النفس من دراسة المسائل البحثية المتصلة ببيئة تربية الأطفال ونتائج الأطفال بطرق تفسرأو على الأقل تعترف  بالخلط الجيني.

السيطرة الجينية والتعرض للبيئة

علم الوراثة السلوكي

علم الوراثة السلوكي هو دراسة الاختلافات النفسية بين الأفراد وكيفية خلق العوامل الوراثية وغير الوراثية لتلك الاختلافات.  سعى الباحثون في علم الوراثة السلوكي إلى تحديد مدى إمكانية تفسير مختلف الاختلافات المحددة في سلوكيات الناس وصفاتهم بالاختلافات في شفرتهم الوراثية. فيرسم المسار من جينات المرء إلى الشخص في الواقع.  فالمزيد من العلم حول قوة الجينات له تأثيرات على فهم الأمراض العقلية والاختلافات النفسية بين الأفراد، فضلاً عن الآثار النفسية للعوامل غير الجينية.

تظهر عقود من العمل من علم الوراثة السلوكي أن سمات الأطفال تتأثر بالتأثيرات الوراثية والبيئية، والأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لمعظمها هو أن التأثيرات الجينية كثيرًا ما ينظر إليها على أنها مقاييس البيئة، مما يشير إلى أن السياقات المحيطة بالأطفال تقع جزئيا تحت السيطرة الجينية. فعلى سبيل المثال ، وجد التحليل الفوقي وجود دعم تراكمي للتأثيرات الجينية على الأطفال الذين تلقوا تعليمهم، بمعنى أن هناك تأثير وراثي على التعرض للبيئات  تسمى العلاقة بين الجينات والبيئة. ويصف الترابط بين الجينات والبيئة  بالعملية التي يؤثر بها النموذج الجيني للشخص على تعرضه للبيئة.

ليست الحالة أن الجينات تفعل ذلك مباشرة، ولكن بدلًا من ذلك تصبح النماذج الجينية مهمة لجوانب من شخصيتنا، سلوكنا وإدراكنا، والتي بعد ذلك تؤثر على كيفية تفاعلنا مع بيئتنا وكيفية تفاعل الآخرين معنا. ولا يقتصر مفهوم تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به عن قصد وديناميكية على علم الوراثة السلوكي.

علم الوراثة والسلوك

قد يبدو واضحًا أن الجينات التي يرثها الناس من والديهم ويشاركونها مع أشقائهم لها تأثير على السلوك والمزاج. وكثيرًا ما يكون الأفراد أكثر تشابهًا في طائفة متنوعة من الطرق لأفراد الأسرة المباشرين من الأفراد الأبعد منهم، أو غير الأقارب. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من الاختلافات الملحوظة داخل الأسرأيضًا. وقد استخدم العلماء مجموعة من الأساليب للتدقيق في كيفية ومدى تفسير الاختلافات الوراثية للاختلافات النفسية.

الجينات والسلوك

يستخدم العلماء أساليب متخصصة لاستكشاف الروابط بين الجينات  والفروق الفردية. الدراسات التي أجريت على التوائم الذين إما لديهم جينومات متطابقة أو لا لديهم تسمح بتقديرات درجة تحريك الجينات للتباين في الصفات النفسية. كما استخدمت أساليب أخرى مثل دراسة الأطفال المتبنين وآبائهم بالتبني أو بيولوجيًا. برزت دراسات الارتباط على نطاق الجينوم كنهج رئيسي في علم الوراثة السلوكي. يستخدم نظام المعلومات الجغرافية الاختبارات الجينية لتحديد العديد من الاختلافات الجينية بين العديد من الأفراد. ثم تحليل الارتباط بين هذه الاختلافات وسمات الشخصية أو النتائج الأخرى.

العلاقة بين الجينات والبيئة

على وجه التحديد، هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين الجينات والبيئة التي يمكن أن تؤدي إلى التشابك الجيني:\

أولا- الارتباط الجيني – البيئي السلبي

يصف هذا الارتباط بين النمط الجيني الذي يرثه الطفل من والديه والبيئة التي يربي فيها الطفل. وهناك طريقة أخرى للتفكير في ذلك، وهي أن الجينات هي متغير ثالث يؤثر على كل من بيئة التنشئة التي يتلقاها الطفل فضلًا عن صفاته الخاصة، عن طريق انتقال الجينات من الآباء إلى الأطفال. وهذا يعني أنه لا يمكن استخلاص استنتاجات سببية بين بيئة التربية وسمات الأطفال.

ثانياً-  الترابط الجيني – البيئي

وهو عندما تقوم سمة الشخص المؤثر وراثيًا بتحفيز أو إثارة استجابة محددة من الآخرين في البيئة. على سبيل المثال، وُجد أن جينات الشخص ترتبط بتقييمها على أنها -أكثر حبًا- من قبل الآخرين، مما يعني أن كيف يُنظر إليك الآخرون كشريك اجتماعي، ومن ثم التفاعل المحتمل معك، تتأثر بجيناتك!

ثالثا- الارتباط النشط بين الجينات والبيئة

وهو ارتباط صفات الشخص المؤثرة وراثيًا والبيئات التي تختارها، فعلى سبيل المثال، ترتبط سمة الشخصية المؤثرة وراثيًا في التنشئة الاجتماعية، التي تقاس في مرحلة الطفولة بالتعرض لبيئات محفوفة بالمخاطر. قد تصل إلى تعاطي المواد المخدرة في مرحلة المراهقة، إذ أن الأطفال ذوي التنشئة الاجتماعية المنخفضة يتعرضون لبيئات أكثر خطورة.

إن الثلاث أنواع لديهم القدرة على سحب المزيج الحقيقي من التأثيرات الجينية والبيئية التي تنتقل بين الآباء والأطفال (أي التشابك الجيني) ولكن من المفهوم أن الترابط بين الجينات والبيئة السلبية له تأثير أكبر في الطفولة.

اللغة مثالًا

فلنأخذ اللغة مثالًا، لتعلم لغة، يحتاج الرضيع إلى جينوم بشري واضح يجعلهم قادرين على لتعلم لغة بشرية، ولكنها تحتاج أيضا إلى التعرض لها. إلى الكلمات والجمل في بيئتهم .الحيوانات غير البشرية مثل الخنازير أو السناجب لن تتعلم اللغة أبدًا مهما تحدثنا معهم. وعلى نفس المنوال، الأطفال البشر الذين لا يتعرضون إلى اللغة في وقت مبكر من الحياة ينتهي بإعاقة عميقة. حتى العمليات البيولوجية الأساسية جدًا، مثل كيف تتطور العين في مرحلة الطفولة؟ تنطوي على تفاعلات معقدة بين الجينات والبيئة.

حتى وإن جادل بعض العلماء بأن اللغة قد تنشأ بالكامل بدون جينات أو بالكامل بدون مدخلات بيئية. فإننا قد نطرح سؤالًا أكثر حدة وتحديدًا، ما السبب في اختلافنا؟ نحن نختلف في الطول، نحن أيضًا نختلف في مقدار حديثنا، نختلف في شخصيتنا، نختلف في سرعة تعلمنا  وسرعة تأثرنا.

والسؤال  هنا هو ما هو السبب في هذا التباين؟ لماذا يميل البعض إلى التحدث كثيرًا والبعض الآخر لا يتحدث بنفس القدر؟

لماذا بعض الناس أكثر عنفًا وأكثر عرضة للغضب ؟ لماذا بعضنا أفضل في الرياضيات أو العلوم أو العزف على الجيتار؟

الإجابة بكل وضوح هي أن في كل شخص، تلعب كل من الجينات والبيئة دورًا في تطوير سماته.

وحتى عند الوصول إلى تلك الأرضية من الحقيقة، لا يزال بوسعنا أن نتساءل عما إذا كانت هناك اختلافات بين الناس بسبب الاختلافات الوراثية بينهم أو بسبب تجارب مختلفة كان لديهم. وكذلك الاختلافات بين الناس  فيما يتعلق ببعض السمات،

يعزى ذلك أساسًا إلى الاختلافات في علم الوراثة، أو أنها ترجع في المقام الأول إلى تجاربنا  المختلفة في الحياة؟

هذا السؤال هو الأكثر منطقية، فعلى سبيل المثال، سواء كنا نتكلم الفرنسية أو الإنجليزية نسبة 100 في المائة تحددها الاختلافات هي الخبرة و0 في المائة حسب الاختلافات في الجينات. ومن ناحية أخرى نعرف أن سمات مثل الذكاء أو العدوانية أو العصبية غير ممكنة بدون الجينات والتعرض لخبرات في العالم الخارجي. فاتضح أنه يمكننا دراسة ما يسبب الاختلافات بين الناس ولماذا بعض الناس أكثر عصبية أو عدوانية من الآخرين. عن طريق أساليب قوية طُورت من قِبل علماء الوراثة السلوكية.

وأخيرًا، هل يمكن للجينات أن تتنبأ بسلوك الشخص المستقبلي؟

ونظراً لأن علم الوراثة لا يشكل سوى جزء من الفروق النفسية بين الناس، فإن الاختبار الجيني لن يكون قادراً أبدًا على التنبؤ بسلوك الفرد. لكن يأمل بعض الباحثين في أن تعمل درجات المخاطر الجينية-PRS والتي توفر معلومات عن احتمالات حدوث نتائج معينة (مثل تطوير اضطراب عقلي) استنادًا إلى العديد من الاختلافات الجينية الصغيرة،  كأداة مفيدة لتقييم المخاطر في المجالات النفسية. إلا أن القدرة التنبؤية لهذه الدرجات محدودة حاليًا. وهناك قيود أخرى تدفع باحثين آخرين إلى التساؤل عن مدى فعاليتها في نهاية المطاف في التنبؤ بالنتائج النفسية.

المصادر

theguardian

cdc

nature

psychologytoday

الفيضانات الكارثية بأوروبا عام 2021، أسباب ونتائج

الفيضانات الكارثية بأوروبا عام 2021، أسباب ونتائج

تعتبر الفيصانات أحد أكثر الكوارث الطبيعية كلفة. حيث تكبد العالم خسائر تعادل 104 مليار دولار أمريكي سنوياً وفق بعض التقديرات. [1] وفي خلال الفترة من 15 إلى 17 يوليو اجتاحت فيضانات كارثية عدة مدن في شمال غرب أوروبا. مخلفةً دمارًا شاملًا وصفه البعض بأنه أصعب كارثةٍ مرت بها تلك الدول بعد الحرب العالمية الثانية. فقد أسفرت عن خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات والبنية التحتية يصعب حتى الآن تقديرها بدقة. لكن مما لا شك فيه؛ أنها إنذار مبكر من الطبيعة حتى يتخذ البشر سياسات أكثر محافظةً على البيئة في تلك الدول وفي الاتحاد الأوروبي وفي العالم أجمع. الفيضانات الكارثية بأوروبا عام 2021، أسباب ونتائج

كيف حدثت الفيضانات الكارثية؟

في بداية الكارثة هطلت أمطار غزيرة من يوم 13 وحتى يوم 15 يوليو 2021 على شمال ووسط أوروبا. وصلت غزارة تلك الأمطار في ألمانيا مثلاً؛ أنه خلال يومين هطلت كميات تهطل في العادة في شهر أو أكثر. ونتيجة لتلك الأمطار الغزيرة؛ ارتفعت مناسيب الأنهار في تلك المناطق بشكل غير مسبوق خلال عقود سابقة. مما أدى إلى فيضانات عنيفة ألحقت دمارًا وخسائرًا بغالبية المناطق القريبة من تلك الأنهار. [2، 3]

الفيضانات الكارثية وأنظمة الإنذار المبكر ضد الفياضانات في ألمانيا

على الرغم من الاستعداد الكبير للفيضانات واستخدام أنظمة تنبؤ تحديدًا في ألمانيا، إلا أنها لم تتمكن من الاستعداد لتلك الفيضانات الكارثية غير المسبوقة. ويُرجع البعض ذلك إلى خلل في التواصل بين الجهات المختصة أو تأخر في استجابتهم في بعض المدن. خاصةً أن بعض المناطق أطلقت إنذار مبكر، فكانت وفياتها أقل بالمقارنة بغيرها. لكن كل تلك المدن تعرضت لخسائر مادية فادحة. جهات رسمية في المناطق الألمانية التي لم تستجب مبكراً للإنذار ردت بأن الفشل كان بسبب كمية الأمطار الشديدة الغزارة والتي لم تكن متوقعة. [2]

ما النتائج التي أسفرت عنها هذه الفيضانات الكارثية؟

خسائر بشرية

أسفرت تلك الفيضانات الكارثية عن ما يربو على 100 قتيل وهو أكبر عدد من القتلى تتسبب فيه فيضانات خلال الخمسمائة أو الألف سنة الماضية، وذلك وفقاً لصحيفة النيويورك تايمز. [2] في بلجيكا على سبيل المثال؛ كان عدد الضحايا 31 قتيل. بينما اختلف الحال في ألمانيا؛ فقد كانت الخسائر البشرية هي الأعلى. حيث نتج عن الكارثة أكثر من 160 قتيل. وهذه هي الأرقام حتى 20 يوليو بالإضافة إلى مئات المفقودين. ومع ذلك؛ فإن العدد الحقيقي للمفقودين والقتلى غير محدد بدقة بسبب انقطاع الاتصالات عن كثير من الأماكن المتضررة. [3]

خسائر مادية

مما لا شك فيه أن تلك الفيضانات سببت دماراً شديداً للمنازل والسيارات والممتلكات ومحطات الكهرباء والاتصالات. لكن حتى اليوم لا يوجد تقييم دقيق للخسائر المادية التي تسببت فيها هذه الفيضانات. على الرغم من ذلك، يتوقع بعض الأخصائيين في التأمينات أن خسائر شركات التأمين وحدها ستتراوح بين 2-6 مليار دولار. [4]

صورة لإحدى الأماكن المتضررة من الفيضان بألمانيا قبل الكارثة وبعدها. [5]

أسباب

العلاقة بين الفياضانات الكارثية والتغير المناخي

لطالما صمد البشر أمام التغيرات المناخية المختلفة التي فرضتها عليهم الطبيعة وتأقلموا معها. وكان هذا أحد أسرار بقائهم على هذا الكوكب. لكن منذ الثورة الصناعية؛ زاد تأثير الإنسان السلبي على الطبيعة بشكل ملحوظ. وقد أضحى مصطلح التغير المناخي مرتبط بشكل كبير بتأثيرات الإنسان السلبية على البيئة؛ مثل: ثقب الأوزون و الاحتباس الحراري.

ارتفاع درجة حرارة الأرض

أدى ظهور الأنشطة الصناعية إلى ارتفاع متزايد في درجة حرارة الكوكب. حيث ارتفعت درجات الحرارة في كثير من المناطق على سطح الأرض إلى ما يزيد على 1.5 درجة مئوية زيادة أعلى من درجة حرارة الأرض قبل الحقبة الصناعية. ونتج عن ذلك موجات الحر الشديد التي تتعرض لها كثير من البلدان. ويُتوقع أن تستمر في السنوات القادمة. و ستتعدى أثار ذلك الضرر المباشر على الجسد والصحة إلى أضرار غير مباشرة مثل: الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات وغير ذلك من الآثار. [6]

شكل يوضح متوسط التغير في درجة حرارة الأرض عبر الزمن، على اليسار تظهر درجات الحرارة وبالأسفل الأعوام.
ويظهر متوسط ارتفاع درجة الحرارة في الفترة من 1979 وحتى 2020 بمعدل درجة مئوية واحدة.
المصدر: وكالة ناسا للفضاء. [7]

كيف تسبب التغير المناخي في كارثة الفياضانات؟

يميل عدد كبير من العلماء إلى ترجيح ارتباط هذه الفياضانات الكارثية بالتغير المناخي وتأثير الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري على تقلبات درجات الحرارة. ويعد الربط بين التغير المناخي وزيادة الفيضانات في أوروبا أمراً ليس وليد الحدث. فالقضية بالفعل مُثارة في عدد من التقارير والدراسات السابقة. وهذا الأمر لا يقتصر على الفيضانات وإنما يشمل حرائق الغابات وغرق السواحل وغير ذلك من الكوارث الطبيعية. [8، 10] وكذلك يلزم التنويه إلى أن أحد هذه الدراسات في 2019 توقعت أن الدفاعات المصممة ضد الفيضانات لن تكون كافية لصدها مستقبلاً. [1]

يفسر بعض العلماء ارتباط تلك الفيضانات الكارثية بالتغير المناخي كالتالي: يؤدي التطرف في ارتفاع درجات الحرارة إلى تبخير كميات كبيرة من المياه. كما أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من قدرة الجو على التشبع بكميات أكبر من البخار. ومن ثم هطلت هذه الكميات على هيئة أمطار شديدة الغزارة. وكنتيجة لذلك؛ ارتفعت مناسيب الأنهار بشكل كبير ومفاجىء. مما أدى الى فيضانات اجتاحت مواقع كثيرة بالقرب من تلك الأنهار وسببت الكارثة. [3]

في الختام؛ أغلب التقديرات تميل إلى أن التغير المناخي هو المسئول الرئيسي عن تلك الفيضانات الكارثية. ومن ثم؛ فإن كارثة الفيضانات تلك ربما تسهم بشكل قوي في خفض الأصوات الغير عقلانية الداعمة لإنكار التغير المناخي. كما قد تكون دافعاً قوياً للدول الصناعية الكبرى لاتخاذ خطوات أكثر جرأة لوقف تأثير الانسان السلبي على مناخ الكوكب وتفادي غضب الطبيعة الهادر وردها الغير متوقع.

المصادر

  1. Changing climate both increases and decreases European river floods
  2. European Floods Are Latest Sign of a Global Warming Crisis
  3. Europe’s deadly floods leave scientists stunned
  4. Berenberg sees $2-3 bln reinsurance losses from European floods, overall losses higher
  5. Germany floods: How a country was taken by surprise
  6. A Degree of Concern: Why Global Temperatures Matter – Climate Change: Vital Signs of the Planet
  7. Global Temperature | Vital Signs – Climate Change: Vital Signs of the Planet
  8. Extreme weather events in Europe
  9. River floods — European Environment Agency
  10. Current European flood-rich period exceptional compared with past 500 years
  11. مصادر الصورة البارزة الممثلة للمقالة:
    At least 160 dead, hundreds missing in devastating European floods
    In pictures: Floods kill dozens in Germany and Belgium
    German floods: Several feared dead after landslide south of Cologne  

العمارة الحيوية – كيف شكّلت الطبيعة العمران والهندسة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في المقال السابق عرضنا نبذة عن الفوائد الصحية للتعرض للطبيعة، وكيف أدت تلك الأبحاث لنشوء مبادئ البايوفيليا أو “حب الطبيعة” في التصميم والتخطيط المعماريين، والتي تسعى لإدماج الطبيعة في نسيج المدن بهدف رفع جودة المعيشة أو المحافظة على البيئة أو توفير متنفس للسكان.

في هذا المقال نستعرض التأثير المعاكس لعلاقة البيئة بالعمران هذه، أي كيف تأثرت العمارة والتخطيط العمراني، من جهة المعرفة العمرانية وتقنيات البناء، بالتفكير البيئي والمحب للطبيعة، والتي أدت في أحدث محطاتها إلى نشوء العمارة الحيوية «Bionic Architecture» ومبادئ التصميم البيئي «Biophilic Design».

المدن الحدائقية – Garden Cities

قد تكون أولى محطات التصميم الحيوي أو البيئي للمدن الحديثة هي  المدينة الحدائقية، والتي ابتكرها الانجليزي «إبينيزر هوارد» عام 1898. وهي نموذج عمراني يدمج بين البيئة الحضرية -في شكل نواة مدنية- والبيئة الخضراء -في شكل محيط ريفيّ-  في محاولة لخلق توازن بين النموذجين وتلافي قصورات كليهما.

كانت المدينة الحدائقية حلًا لمشاكل التلوث والتكدس التي كانت تعانيها المدن الأوروبية في تلك الفترة، ولذلك لاقت رواجًا كبيرًا وتم إنشاء عدة بلدات بالفعل حسب هذا النموذج، إذ كانت تهدف في حال وصولها ذروة طاقتها الاستيعابية للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

إلا أنه المدينة الحدائقية كانت تعاني من قصورات خاصة بها هي أيضًا، مثل قلة المساحات المتاحة للبناء والتوسع. ولكنها لا تزال تلقى بعض الرواج، مثلًا في بريطانيا حيث قررت الحكومة عام 2017 إنشاء عدة بلدات حدائقية حول البلاد.

نموذج المدينة الحدائقية كما اقترحها إبينيزر هوارد [ويكيبيديا]

التخطيط العمراني الأخضر – Green Urbanism

ظلت المدن الحديثة غالبًا غير مهتمة بالجانب الأخضر والبيئي فيها وبآثارها البيئية حتى ستينات القرن الماضي. ففي الولايات المتحدة كمثال كان التوسع الحضري نحو الأرياف المحيطة بالمدن سمة بارزة في خطط التوسع العمراني حينئذ. ولكن مع اضطرابات الستينات الاجتماعية والسياسية وظهور الوعي بأزمة المناخ بدأت الحركات المهتمة بالبيئة بالظهور والانتشار.

وبدأت الحكومات حول العالم بسن القوانين والأكواد لمحاولة تلافي أضرار المدينة على البيئة وجعل المدن أكثر استدامة، كما حدث في قمة الأرض للأمم المتحدة عام 1992. بعد هذا المؤتمر بدأت مصطلحات كالتخطيط العمراني المستدام والتنمية المستدامة في الانتشار.

يسمى التخطيط العمراني الأخضر أيضًا بالتخطيط العمراني المستدام، وبالتخطيط العمراني البيئي.  وقد تكون كوبنهاجن من أكثر مدن العالم تطبيقًا لمبادئ التخطيط المستدام هذه. ما يدعو للإعجاب في إدارة كوبنهاجن لتوسعاتها العمرانية  هي سبقها الزمني للكثير من النماذج المستدامة.

مثل مخطط “الأصابع الخمسة” الذي طورته المدينة عام 1947 والذي كان يهدف لتنظيم التوسع العمراني لمدينة كوبنهاغن والحفاظ على المسطحات الخضراء المحيطة بالمدينة، وتطوير خطوط مواصلات عامة فعالة تربط وسط المدينة (كف اليد) بالتوسعات الجديدة (الأصابع). ستكون لنا عودة في المقالات التالية للقواعد التي اتبعتها كوبنهاجن في خلق مدن أكثر إنسانية ورفاهية من جوانب أخرى.

مخطط “الأصابع الخمسة” لمدينة كوبنهاغن

العمران العضويّ -Organic Urbanism

كان المعماري الأمريكي «فرانك لويد رايت» أول من صاغ مفهوم «العمارة العضوية» وعرّفها بأنها المعمار المتوافق مع الطبيعة.  ومع مرور الوقت أخذ مفهوم العضوية يأخذ مساحةً أكبر واهتمامًا أكثر في مجال العمران والهندسة. فبينما تتمثل العضوية في المعمار كثيرًا باستعمال أشكال وتصاميم وهياكل مشابهة لتلك التي في الطبيعة، نجد أنها مهدت الطريق للكثير من التقنيات الهندسية والمفاهيم الإنشائية الأوسع.

ففي مجال التخطيط العمراني نشأ مفهوم «المدينة العضوية» والذي يرى المدينة باعتبارها كائنًا حيًا، لا ينمو عن طريق إضافة الأجزاء له عن عمد ولكن عن طريق إعادة ترتيب وظائفه ومهامه حين يصل إلى حدود طاقته الاستيعابية وإمكانياته.

لا تمتلك المدينة العضوية مركزًا حيويًا واحدًا، بل هي تتكون من عدة مراكز مكتفية بذاتها ولكنها متصلة ببعضها وتعتمد على بعضها.  وبالمثل، فالنموذج العضويّ في التنمية العمرانية يستند على جعل كل مرحلة من إنشاء أو تنمية المدن قادرةً على القيام بذاتها، عوضًا عن جعلها جزءًا من كلٍ ينتظر الاكتمال لتبدأ بالعمل.

لذا فهذا النموذج يعتبر معياريًا، أي مكونًا من أجزاء معيارية متشابهة قائمة بذاتها كما هو الحال في عمليات حيوية كثيرة. وتعتبر العمارة العضوية مقدمة للعمارة الحيوية والتصميم الحيوي.

يعتبر مركز قطر الوطني للمؤتمرات نموذجًا للعمارة العضوية إذ يأخذ شكل فروع الأشجار، إضافةً إلى تقييماته البيئية المرتفعة.
[David Michael via Flickr Creative Commons]

العمارة البيئية –  Arcology

نشأ مفهوم العمارة البيئية مع المعماري «باولو سوليري» -وهي دمج لكلمتي عمارة وبيئة الانجليزيتين-. تسعى العمارة البيئية لخلق قواعد ومعايير هندسية لتصميم مناطق شديدة الكثافة السكانية وذات أثر بيئي منخفض.

على الرغم من كون معظم المشاريع النابعة من هذا التصور لم تظهر أو تبن على أرض الواقع، إلا أن مفهوم العمارة البيئية مثّل نقلة في التفكير المعماري -الغربي بالمقام الأول- إذ انتقل من السعي للسيطرة على الطبيعة إلى التعايش معها. ويمكننا اعتبار العمارة البيئية حلقة وصل بين التخطيط العمراني والتصميم المعماري البيئيين.

يُعد المعماري والمهندس والمخترع الأمريكي «باكمنستر فولر» (أو «باكي» كما كان يحب أن ينادى) من أبرز المنظّرين لفكرة العمارة البيئية. وحيث أنه كان من رواد نظرية النظم فقد كان من رواد مفهوم الاستدامة ورؤيتها على عدة مستويات بشكل متداخل.

على الرغم من أن أفكار «فولر» لم تنتج أي إنجاز كبير في مجال الاستدامة، فيرجع الكثير من الفضل إليه في إشاعة مفهوم الاستدامة واعتبار العالم الحديث ومدنِه جزءًا من بيئة أوسع يعتمد عليها للبقاء.

التصميم البيئي – Biophilic Design

التصميم البيئي هو مفهوم يعني العمل على تصميم البيئة الحضرية والعمرانية بشكلٍ أكثر ارتباطًا بالطبيعة وأكثر ارتباطًا بطبيعة البشر النفسية تجاه بيئاتهم ومحيطهم.

انبثق هذا التوجه من أبحاث وأفكار علماء النفس والأحياء التطوريين، بعد إدراك أن المكوّن الجيني والنفسي الذي نتعامل ونتجاوب به مع العالم والبيئة المحيطة أقدم بكثير من البيئات الحضرية التي أنشأها البشر في العشرة آلاف عامًا الماضية.

كان عالم الأحياء «إدوارد ويلسون» أول من صكّ مفهوم حب الطبيعة «Biophilia» وعرّفها بأنها الميل للظروف البيئية التي ساهمت في بقائنا -من منظورٍ تطوريّ-. 

عرضنا في المقال السابق أمثلة لتطبيقات هذا المفهوم في التخطيط العمراني والتصميم المعماري. بعض الكتابات الحديثة في هذا المجال تحاول توظيف نظريات حيوية لتفسير السلوك البشري في البيئة الحضرية؛ مثل تفضيل الناس للسير بجانب الجدران عوضًا عن الابتعاد عنها. وسيكون لنا عودة لهذا المجال في مقال لاحق.

العمارة الحيوية – Bionic Architecture

العمارة الحيوية هي توجه مشابه لمفهوم العمارة العضوية، وهي توجهٌ يدرس النظم والعمليات الحيوية في الطبيعة ويحاول محاكاتها في العمارة والهندسة عن طريق التصميم الحيوي، بهدف الوصول إلى إنشاءات أكثر توفيرًا وأكثر فعالية وأقل تأثيرًا على البيئة.

تأثرت العديد من أفكار ونظريات وتقنيات هذا المجال أيضًا بالنظريات البيولوجية والمحاكات الحاسوبية الحيوية وبتقنيات البايوتكنولوجي. من أبرز أمثلة هذا النمط من التصميم هو مشروع عدن في بريطانيا.

مشروع عدن [ويكيبيديا]

إحدى تطبيقات هذا النوع من الهندسة الحيوية هو «المحاكاة الحيوية – Biomimicry» حيث يحاول المهندسون والمعماريون والعلماء فهم الوسائل التي تعمل بها الطبيعة والكائنات الحية بكفاءة لمحاكاتها بهدف تطوير  تصميمات ومواد وتقنيات أكثر استدامة وأكثر فاعلية. أكثر تطبيقات هذا المفهوم شهرة هو محاكاة الهياكل الطبيعية لصنع هياكل أكثر متانة للأبنية.

لكن يشتهر أيضًا تطوير مواد محاكية لتلك التي في الطبيعة أو مواد أكثر نفعًا بيئيًا، مثل مادة الـETFE التي يشتهر استعمالها لخفة وزنها وكفاءتها في العزل الحراري. كما بدأت تظهر للواقع تقنيات ومواد أكثر غرابة، مثل استعمال الطحالب (لتوليد الحرارة، أو للعزل الحراري، أو غيرها).

كان مبنى BIQ House في هامبورغ بألمانيا أول مبنى يوظف هذه التقنية. من رواد المحاكاة الحيوية اليوم المعماري البريطاني مايكل بولين، مؤسس مبادرة «يعلن المعماريون».

وهكذا كما ترى، فليست المدينة وحدها التي تؤثر على الطبيعة سواءً بالسلب أو الإيجاب، بل حتى الطبيعة تؤثر على تخطيط المدن والتفكير العمراني، وتظل العمارة الحيوية شاهدة على انبهار البشر بالعالم من حولهم عوضًا عن سيطرتهم عليه.

[1] Scandinavia Standard [2]
للمزيد من الأمثلة عن العمارة العضوية: Omrania [3]
لأمثلة أكثر عن تطبيقات المحاكاة الحيوية: re-thinking the future و dezeen

طبقة الأوزون فوق أنتاركتيكا تتعافى الآن

طبقة الأوزون فوق قارة أنتاركتيكا تتعافى :

طبقة الأوزون فوق قارة أنتاركتيكا تتعافى ،حيث تعافت طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية كثيرًا، فقد توقفت بالفعل عن العديد من التغييرات المقلقة، في الغلاف الجوي لنصف الكرة الجنوبي. فإذا كنت تبحث عن شخص تشكره، فأشكر العالم بأسره.

تشير دراسة جديدة إلى أن «بروتوكول مونتريال» – اتفاقية عام 1987 لوقف إنتاج المواد المستنفدة للأوزون (ODSs) – يمكن أن يكون مسؤولاً عن إيقاف، أو حتى عكس، بعض التغييرات المثيرة للقلق في التيارات الهوائية، حول نصف الكرة الجنوبي التي تدور حول أقطاب كوكبنا على ارتفاع عال والتيارات الهوائية السريعة المعروفة باسم «التيارات النفاثة».

طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية المتجمدة تتعافى

تأثير «بروتوكول مونتريال»

قبل نهاية القرن، كان استنفاد الأوزون يقود التيار النفاث الجنوبي إلى الجنوب أكثر من المعتاد. هذا انتهى بتغيير أنماط هطول الأمطار، وربما تيارات المحيطات أيضًا.

ثم، بعد عقد من الزمان أو ما بعد التوقيع على البروتوكول، توقف هذا الترحيل فجأة. هل كانت صدفة؟ باستخدام مجموعة من النماذج والمحاكاة الحاسوبية، أظهر الباحثون الآن أن هذا التوقف المؤقت في الحركة، لم يكن مدفوعًا بالتحولات الطبيعية في الرياح وحدها.

وبدلاً من ذلك، يمكن فقط للتغيرات في الأوزون أن تفسر سبب توقف زحف التيار النفاث فجأة. وبعبارة أخرى، يبدو أن تأثير «بروتوكول مونتريال» قد أوقف مؤقتًا، أو حتى انعكس قليلاً، الهجرة الجنوبية للتيار النفاث، وللمرة، هذه أخبار جيدة في الواقع. في أستراليا، على سبيل المثال، زادت التغييرات في «التيار النفاث» من خطر الجفاف من خلال دفع المطر بعيدًا عن المناطق الساحلية. إذا انعكس الاتجاه، فقد تعود هذه الأمطار.

ثقب الأوزون :

في حين أن التحسينات في تقليص اعتمادنا على المواد المستنفدة للأوزون سمحت بالتأكيد للأوزون بالتعافي إلى حد ما، فإن مستويات ثاني أكسيد الكربون تستمر في الزحف إلى أعلى وتعرض كل هذا التقدم للخطر.

في العام الماضي، وصل ثقب الأوزون فوق أنتاركتيكا إلى أعلى مستوى سنوي له منذ عام 1982،

ولكن لم يتم حل المشكلة، وقد يكون لهذا السجل علاقة مع درجات حرارة معتدلة بشكل غير معتاد في تلك الطبقة من الغلاف الجوي. أو تبقى مسطحة أو معكوسة. “

ما هو أكثر من ذلك، في السنوات الأخيرة، كانت هناك زيادة في المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون، قادمة من المناطق الصناعية في الصين.

إن شد الصراع بين الآثار المتعارضة لاستعادة الأوزون وارتفاع غازات الدفيئة هو الذي سيحدد الاتجاهات المستقبلية.” «بروتوكول مونتريال» دليل على أنه إذا اتخذنا إجراءات عالمية وفورية يمكننا المساعدة في إيقاف بعض الضرر الذي بدأناه أو حتى عكسه. ومع ذلك، حتى الآن، فإن الارتفاع المطرد في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يذكرنا بأن أحد هذه الإجراءات لا يكفي ببساطة.

طبقة الأوزون فوق قارة أنتاركتيكا تتعافى

المصادر : nature, science alert, Nasa ozone watch

ماذا سيحدث لو اختفى الأكسجين لمدة 5 ثواني؟

ماذا سيحدث لو اختفى الأكسجين لمدة 5 ثواني؟

بالطبع سيبدو لك هذا السيناريو بعيدا كل البعد عن الواقع. لكن ربما قد تسآلت بالفعل ماذا سيحدث لو اختفى الأكسجين لمدة 5 ثواني؟

حسنا، ربما تعتقد أن الأمر شبيه بحبس أنفاسك لمدة 5 ثواني، فهذه الفترة القصيرة التي ستحرم منها من الأكسجين لن تؤثر على جسمك إطلاقا، هذا صحيح! حتى أن جسمك لن يلاحظ الأمر. لكن لنأخد الموضوع من منظور مختلف، مثلا ماذا سيحدث للبيئة أو الغلاف الجوي؟ ستكون النتائج وخيمة عكس المتوقع!

1. اذا كنت تقضي بعض الوقت في الشاطئ لتستمتع فستصاب بحروق شمسية حادة. إن الأوزون عبارة عن جزيئات من الأكسجين تحجب معظم الأشعة فوق البنفسجية لحمايتنا.

2. ستظلم السماء في النهار بسبب وجود جسيمات قليلة وغياب الأكسجين في الغلاف الجوي لنثر الضوء الأزرق.

3. ستتعطل جميع محركات الاحتراق الداخلي: لن تكون النار موجودة في غياب الأوكسجين لذلك فعملية الاحتراق لن تحدث هي الأخرى. ما يعني أن كل طائرة قد قلعت ستسقط على الأرض، وستتعطل جميع السيارات والمركبات غير الكهربائية.

4. انفجار الأذن الداخلية: فقدان الأوكسجين يعني فقدان حوالي 21 في المائة من ضغط الهواء في لحظة واحدة، أي ما يعادل النقل الفوري إلى أعلى جبال الأنديز ذات ارتفاع 2000 متر تقريبا.

5. ستتحول جميع المباني المصنوعة من الخرسانة (مادة تتكون من الإسمنت، الرمل والماء) إلى تراب: يعتبر الأوكسجين (ثنائي أكسيد الكربون CO2) مكون مهم في البنايات الخرسانية، حيث يساعدها للحفاظ على صلابتها.

6. ستنفجر جميع الخلايا الحية وسط ضباب من غاز الهيدروجين. باعتبارنا أن الماء ثلث الأكسجين، يتحول الهيدروجين إلى غاز ويتمدد حجمه في غياب الأوكسجين.

7. ستتبخر جميع المحيطات على الأرض: عندما يغيب الأوكسجين في مياه المحيطات، يتحول مكوّن الهيدروجين إلى غاز حر غير مقيد، ويرتفع إلى الغلاف الجوي العلوي لكونه غاز خفيف ويتسرب ببطء في الفضاء من خلال الغلاف الجوي.

8. وأخيرا ستنهار القشرة الأرضية ولن يتبقى أي شيء بحيث سنرسل جميعا إلى سقوط حر: لأن الأكسجين يشكِّل نحو 45 في المائة من قشرة الأرض.

مصادر:

What If .1

 Slate.com .2

University of Michigan .3

نتمنى أن تقيم المقال في الأسفل إذا أعجبك! 
Exit mobile version