ما هو الوباء المعلوماتي وكيف تحمي نفسك منه؟

تسببت جائحة كورونا في وفاة أكثر من ستة ملايين شخص حتى نهاية شهر ابريل 2022 (تاريخ كتابة هذا المقال). [1] كما تسببت الجائحة في أكبر ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. [2] وفي نفس التوقيت، ظهر «وباء معلوماتي – Infodemic» غير مسبوق. يصف مصطلح الوباء المعلوماتي الانتشار السريع للشائعات ونظريات المؤامرة عبر المنصات المختلفة عبر العالم. فتابع معنا المقال التالي لتتعرف أكثر على الوباء المعلوماتي وأسبابه وكيف تحمي نفسك منه؟

ما هو الوباء المعلوماتي؟

تمت صياغة مصطلح الوباء المعلوماتي لأول مرة في عام 2003 من قبل «ديفيد روثكوبف – David Rothkopf » وهو كاتب صحفي في الواشنطن بوست. وليس هناك تعريف ثابت للوباء المعلوماتي. ولكن طبقًا لقاموس ميريام وبستر فهو انتشار سريع وبعيد المدى للمعلومات الدقيقة وغير الدقيقة حول شيء ما، كمرض معين مثل جائحة كورونا على سبيل المثال. ويعد الوباء المعلوماتي الذي صاحب جائحة كورنا هو أحدث وباء معلوماتي غزا العالم في العصر الحديث. وقد أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم غيبريسوس – Tedros Adhanom Ghebreyesus» في العديد من المرات أن منظمة الصحة العالمية لا تحارب وباء كورونا فقط ولكنها تحارب الوباء المعلوماتي المصاحب له أيضًا. [3]

أسباب انتشار الوباء المعلوماتي  

أجمعت العديد من الدراسات على أن وسائل التواصل الإجتماعي و نقص المعرفة العلمية هي الأسباب الرئيسية لانتشار الوباء المعلوماتي. ولا شك أن كلا السببين مرتبطين بشكل وثيق. فكافة المعلومات تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي. ولذلك تعد وسائل التواصل الإجتماعي هي الوسيلة الأولى لمتابعة الأخبار العالمية حاليًا. ونتيجة نقص المعرفة لا يتم تمييز أي من المعلومات صحيح وأيها خاطئ. وفيما يلي نستعرض كل سبب على حدة.

دور وسائل التواصل الإجتماعي في انتشار الوباء المعلوماتي

لا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في نقل اخبار العالم. فطبقًا لآخر إحصائية فإن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وصل إلى ما يقارب 3.36 مليار في عام 2020. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 4.41 مليار مستخدم بحلول عام 2025.[4] لكن بعكس المجلات العلمية فليس كل ما ينشر على مواقع التواصل يتم مراجعته من قبل المتخصصين. ونتيجة لذلك تنتشر المعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الإجتماعي بشكل كبير. فطبقًا لإحدى الدراسات فإن مواقع التواصل الإجتماعي مسؤولة بشكل مباشر عن 50 % من اجمالي المعلومات المغلوطة المنتشرة حول فايروس كورونا المستجد. فعلى سبيل المثال قامت إحدى الدراسات بتحليل المئتي فيديو أصحاب أكثر مشاهدات على موقع يوتيوب في الفترة ما بين يناير 2020 وحتى ابريل 2020 حيث كانت تلك الفترة بداية انتشار الفايرس عالميًا. وقد وجدت هذه الدراسة أن هناك 115 فيديو من الفيديوهات المئتان الأكثر مشاهدة تحدثوا عن وباء كورونا بشكل مباشر. وقد احتوى 39 فيديو منهم على معلومات مغلوطة عن الوباء. أي أن 37% من هذه الفيديوهات احتوت على معلومات مغلوطة حول فايروس كورونا المستجد. [3]

دور نقص المعرفة العلمية في انتشار الوباء المعلوماتي

ساعد نقص المعرفة العلمية في انتشار الوباء المعلوماتي بشكل كبير. فربما لو كان المجتمع أكثر وعيًا بالطريقة العلمية، لاستطاعوا التحقق مما اذا كانت المعلومات التي يسمعونها صحيحة أم خاطئة. فطبقًا لدراسة أمريكية فإن نصف الأمريكيين لا يستطيعون تمييز الأخبار الصحيحة من الأخبار الخاطئة حول فايروس كورونا. وإذا كان نصف المجتمع الأمريكي المتفتح إلى حد كبير لا يستطيع تمييز الأخبار الصحيحة من الأخبار الخاطئة فكيف الحال بالدول الأفريقية مثلًا، التي يعد الوصول فيها للانترنت رفاهية لا يمتلكها أغلب الناس.[3]

وقد تسبب نقص المعرفة العلمية في وفاة 800 شخصًا بشكل مباشر في ايران نتيجة تناول منظفات ومعقمات اعتقادًا منهم أن هذه المنظفات قادرة على منع اصابتهم بوباء كورونا. [8]

لو أن المرء ليس مسؤولا إلا عن الأمور التي يعيها، لكانت الحماقات مبرأة سلفا عن كل إثم. لكن الإنسان ملزم بالمعرفة. الإنسان مسؤول عن جهله. الجهل خطيئة.

ميلان كونديرا – رواية المحاورة

دور الانحياز التأكيدي في انتشار الوباء المعلوتي

في سلسلة من التجارب ، شرع الأستاذ المساعد بقسم علم النفس «جوردون بينيكوك – Gordon Pennycook» وزملاؤه في إحدى الورقات البحثية في استكشاف التناقض بين ما نؤمن به وما نشاركه. أولًا قام العلماء بعرض العديد من الأخبار المزيفة على المشاركين التي تتفق م سياساتهم. ومن ثم قامو بتحديد ما إذا كان بإمكان المشاركين التمييز بين الأخبار الصحيحة والأخبار المزيفة.

وقد كان المشاركون في هذا التجربة أصحاب قدرة مميزة على تمييز الأخبار الصحيحة من الأخبار المزيفة. ولكن بالرغم من ذلك، كان من المحتمل أن يشارك المشاركون مقالًا خاطئًا يمثل وجهة نظرهم السياسية بمقدار الضعف مقارنةً بتصنيفها على أنها دقيقة. على وجه التحديد ، اخطأ الأشخاص في تصنيف ما يقرب من 20٪ من العناوين الكاذبة التي تتطابق مع سياساتهم وقامو بتصنيفها على أنها أخبار صحيحة. وعلى الرغم من ذلك، قام ما يقرب من 40٪ من الأشخاص بمشاركة نفس الأخبار المزيفة. أي أن الناس على استعداد لمشاركة مقالات يعلمون أنها كاذبة لمجرد أنها تتفق مع سياسيتهم فيما يمكن تصنيفه كانحياز تأكيدي (أحد أشهر الانحيازات المعرفية الموجودة). [5]

كيف تقلل عدد المنشورات المزيفة التي تنشرها

قام دكتور بينيكوك وزملاؤه بتحديد بعض التكتيكات التي قد يستخدمها رواد منصات التواصل الاجتماعي حتى يعطي الناس الأولوية للدقة في مشاركاتهم. قام الباحثون بتجنيد أكثر من 5000 مستخدم على تويتر شاركوا مقالات من المواقع التي تنقل المعلومات المضللة بانتظام. أرسل الباحثون رسائل خاصة إلى مستخدمي تويتر هؤلاء وطلبوا منهم تقييم دقة العنواين الرئيسية قبل كل نشر. لقد تم إعداد هؤلاء المستخدمين للتفكير بشكل أكبر في الدقة بعد هذا الطلب، ونتيجة لذلك زادت دقة مشاركات هؤلاء المستخدمين بنسبة 5 إلى 10٪ . قد تبدو الزيادة من 5 إلى 10٪ صغيرة ، ولكن عندما تفكر في العدد الهائل من منشورات توتير ، فإن مثل هذا الانخفاض في مقدار المعلومات الخاطئة قد يكون كبيرًا جدًا. لذلك فإن تبني مبدأ بسيط مثل تقييم دقة المقال قبل نشره يقلل عدد المنشورات المزيفة ولو بشكل قليل. [6]

كيف تميز الاخبار المزيفة على مواقع التواصل

نظرًا لأن عبء تمييز المنشورات الصحيحة من المزيفة يقع على عاتق كل فرد فينا، فإليك بعض الاستراتيجيات لمساعدتك في تقييم صحة المعلومات الطبية بشكل عام:

قيم مصدر المعلومة

لا يوجد وقت كافٍ للخوض في الكم الهائل من المعلومات التي نواجهها ، لذا فإن أسرع طريقة لفرز القمح من القشر هي التأكد من أن الشخص الذي يدعي الادعاء هو خبير حسن السمعة. الخبراء هم المنقذون الذين ينقذون الناس من الغرق في المعلومات الخاطئة ، وهذا هو السبب في أن مقدمي الأخبار الكاذبة ينتقصون من المهنيين المؤهلين. ومع ذلك ، فإن أوراق الاعتماد الأكاديمية ليست مؤشرًا مضمونًا لجودة المعلومات. على الرغم من الخراب الذي قد يجلبه ذلك إلى حياتهم المهنية ، فإن هناك بعض الخبراء المحتالين. بينما يرتكب آخرون أخطاء صادقة. ولكن النتيجة هي أن احتمالية أن تكون نصيحة الخبير سليمة أعلى بكثير من نصيحة غير الخبراء، خاصةً عندما يتم دعم رأي أحد الخبراء من قبل خبراء آخرين. [7]

كن حذرًا من وسائط الأخبار المتحيزة

شهدت العقود الأخيرة انتشارًا للوسائط الإخبارية مثل القنوات الإخبارية والمواقع الإلكترونية التي تعد بمثابة آلات دعاية للأحزاب السياسية. في هذه الحالة، غالبًا ما تكون المعلومات التي تستهلكها متحيزة بهدف التلاعب بالمستهلك لتلبية أجندة سياسية. كيف تعرف أن الوسط الإخباري المفضل لديك متحيز؟ إحدى النصائح الواضحة هي أن الوسط الإخباري يشيد باستمرار بحزب سياسي واحد بينما يهاجم الحزب المعارض بلا هوادة. نصيحة أخرى هي الطريقة التي يتم بها نقل المعلومات: يجب أن تكون النغمة مهنية وموضوعية ، وليست مشبعة بالعاطفة والغضب والرأي الشخصي. [7]

المصادر

[1] worldometers

[2] worldbank

[3] science direct

[4] statista

[5] nature

[6] psychology today

[7] psychology today

[8] BBC

4 تأثيرات لا تعرفها عن مواقع التواصل الاجتماعي

4 تأثيرات لا تعرفها عن مواقع التواصل الاجتماعي

تشكل مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا هامًا ورئيسيًا في عالمنا الحالي، فهي بالكاد مكوّن أساسي لا تخلو منه حياة الأفراد اليوميّة، لما تقدمه لنا من تسهيلات قد يسّرت التعاملات اليومية المتكررة أكثر من أيّ وقت مضى، بل وفي بعض الظروف قد تمثل حلولًا لمشاكل عالمية مثل الذي يحدث الآن أثناء جائحة كورونا. فقد قدّمت لنا وسائل التواصل الاجتماعي خدمات لا غنى عنها في التخفيف من وطأة الظهور المفاجئ للوباء والجو العام من العزلة التي فرضته ظروف الحجر الصحي. وبمرور الوقت، طالت مدة الأزمة وأصبحت تلك المواقع هي الواقع الجديد الذي ينبغي تقبله والتعايش معه، الأمر الذي بدوره أنتج العديد من الظواهر التي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على صحة الأفراد النفسية والعقلية.

1. أثر مواقع التواصل على الصحة النفسية

قد يسبب الاستخدام المفرط لتلك المواقع الكثير من الآثار السلبية من ازدياد شعور القلق أو الإحساس المتزايد بالوحدة والعزلة لعجز التواصل الافتراضي عن سد فجوة التواصل الحقيقي أو حتى مقارنة أنفسنا بالآخرين والشعور بالإحباط عند رؤية منشورات يعبرون فيها عن سعادتهم بينما لا نستطيع نحن الشعور بتلك السعادة. جميع هذه التأثيرات قد تحدث منفردة أو مجتمعة، وتختلف حدتها حسب المدة التي نقضيها في تصفح تلك المواقع.(1)

2. ظاهرة ال FOMO «الخوف من أن يفوتك أمر ما-Fear of missing out»

ظاهرة ال FOMO هي قلق اجتماعي نابع من الاعتقاد بأن الآخرين قد يحظون ببعض المتعة بينما الشخص الذي يعاني من القلق غير موجود. توصف أيضًا بأنها الرغبة في البقاء على اتصال دائم مع ما يفعله الآخرون. كما أنها تعرف بالخوف من الندم من أن يفوت المرء فرصة للتفاعل الاجتماعي أو تجربة جديدة أو استثمار مُربح. (2)

وفي ظل الاستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي لاقت هذه الظاهرة انتشارًا واسعًا خاصة بين فئة الشباب. كما أن آليات عمل هذه المواقع تهيئ بيئة مناسبة لانتشار هذه الظاهرة، حيث أن تلك الآليات تسعى إلى تحسين تجربة الأفراد من خلال إطالة مدة تصفحهم على المواقع وزيادة نسبة التفاعلات والأنشطة بين المستخدمين مما أدى إلى توفير تيار مستمر من الأنشطة التي قد لا يستطيع الفرد الواحد المشاركة بها، فيتولد عند الفرد إحساسًا بتفويت شيء ما. أمثلة على تلك الآليات هي خاصية «إضفاء الطابع الشخصي على المحتوى-personalisation of content»، خاصية «الإتاحة المؤقتة لنشرة الأخبار-temporarily available feeds» وخاصية «الإشعارات- notifications» و«الإنذارات-alerts».
(3)

قد تكون جميع تلك الآثار المذكورة حتى الآن مألوفة لنا أو اختبرنا بعضًا منها بدرجة أو بأخرى، ولكن هل سمعت من قبل عما يعرف ب «فترة الانتباه- attention span» وإلى أي مدى تأثرت بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي؟

3. فترة الانتباه

فترة الانتباه هي كمية الوقت الذي نقضيه بكامل التركيز على مهمة محددة قبل تشتّت الانتباه. حسب دراسة أجرتها ميكروسوفت فإن متوسط فترة الانتباه للفرد هو 8 ثوانٍ بعد أن شهد هبوطًا حادًا من 12 ثانية في عام 2000. (4) وترجع أسباب ذلك إلى الطفرة التقنية التي شهدتها تلك الفترة من ظهور الهاتف المحمول بالتزامن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وخاصية الاتصال الدائم بالانترنت. تلعب «فترة الانتباه- attention span» دورًا هامًا في قدرة الفرد على التعلم وتحقيق الأهداف. فبزيادة تلك الفترة، يزداد تركيز الفرد وبالتالي تزداد قدرته الذهنية على أداء المهام المعقدة. (5)

لكن على ما يبدو، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد. فقد وُجد أن آثار مواقع التواصل الاجتماعى قد تصل إلى مستوى أعمق من ذلك على المدى البعيد.

4. أثر مواقع التواصل على إدراك الواقع

تمضية ساعات متواصلة في التصفح على فيسبوك ومشاركة أجمل اللقطات ونشر أسعد أخبارنا وانجازاتنا وتلميع ذواتنا باستمرار قد يخلق صورة زائفة عن هويتنا الحقيقية ويغير نظرتنا تجاه من نكون نحن فعلًا. التعرض المستمر لذلك العالم المصطنع قد يغير مفهوم الواقع الحقيقي بالنسبة لنا، بل وقد يغير سلوكنا أيضًا. ولعل أحد الظواهر التي ينجلي بها تأثير وسائل التواصل على السلوك هو «تأثير بروتيوس». هل سمعت عنه من قبل؟

تأثير بروتيوس يحدث في التفاعلات الافتراضية على مواقع التواصل حين يصنع أحد المستخدمين ال«أفاتار- avatar» الخاص به، فإنه يؤثر على إدراك وتصورات الناس وسلوكهم الواعي أو غير الواعي. (6)

حسنًا قد تكون فزعت بعض الشيء، أو ربما قررت حذف حساباتك من تلك المواقع أو حتى تركها للأبد ولكن عليك أن تعلم مع ذلك أنها ليست بذلك السوء، على الرغم من قدرتها كأداة جديدة نسبيًا على البشر في إحداث آثار سلبية، فهي في آخر الأمر أداة، وكأي أداة أخرى فنتائج استخدامها تعتمد على الطريقة المستخدمة بها، إن اُستخدمت بشكل جيد أو سيء. لذا فتفكّر جيدًا في كيفية استخدامك وهل تستخدمها فعلًا بالشكل الأمثل الذي يضمن لك تحقيق أقصى استفادة من تلك الأداة؟

مصادر:
(1) IEEE
(2) wikipedia
(3)Researchgate
(4)Time
(5)wikipedia
(6)elakademiapost

5 أمراض غيرت التاريخ

تركت الأمراض بصمات واضحة على جبين التاريخ. يعد انخفاض حجم السكان وتقليل التنوع الجيني وتغير المناخ بعض الأمثلة البسيطة الدالة على التأثير الذي يمكنك أن تتوقعه إثر كل وباء. سنعرض في هذه المقالة 5 أمراض غيرت التاريخ وكان لها تأثيرًا كبيرًا على العالم.

5- الاستعمار وتغير المناخ  

بعد وصول الإسبان إلى منطقة البحر الكاريبي، انتقلت أمراض مثل الجدري والحصبة والطاعون الدبلي إلى السكان الأصليين من قبل الأوروبيين. دمرت هذه الأمراض السكان الأصليين، إذ مات ما يصل إلى 90 في المائة في جميع أنحاء القارتين الشمالية والجنوبية. عند وصوله إلى جزيرة هيسبانيولا، واجه كريستوفر كولومبوس-Christopher Columbus شعب تاينو، 60 ألف نسمة. وقبل حلول 1548، بلغ عدد السكان أقل من 500. تكرر هذا السيناريو نفسه في جميع أنحاء الأمريكتين.

في عام 1520، دٌمرت إمبراطورية الأزتك بسبب عدوى الجدري. قتل المرض العديد من ضحاياه وتسبب في عجز الآخرين. لذلك لم يتمكنوا من مقاومة المستعمرين الإسبان وتركوا المزارعين غير قادرين على العمل مساحات الزراعة الخاصة بهم.

والجدير بالذكرأن الأبحاث التي أجريت في 2019، خلصت إلى وفيات 56 مليون أمريكي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كان السبب الأول لها هو المرض. كما أن محاولة زراعة الأرض الزراعية غير المحروثة وإنبات النباتات بها، تسببت في جذب المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. مما ساهم في حدوث فترة برودة شديدة للكوكب. وصفها المؤرخون بالعصر الجليدي الصغير. يمكننا القول بأن الاستعمار أثر على مناخ الأرض.

4- الكوليرا ونشأة علم الأوبئة 

عام 1854، أزال جون سنو-John Snow مقبض مضخة المياه، ليُنشئ علمًا جديدًا من علوم الطب! فقد كانت بداية نشأة علم جديد “علم الأوبئة-Epidemiology” على يد مجموعة من الأطباء أبرزهم الطبيب البريطاني جون سنو لعمله في تحديد مصدر تفشي الكوليرا.

شك سنو في الطريقة التي ينتشر بها المرض، رافضًا نظرية الميازما-Miasma والتي تفترض أن الهواء الملوث أو الفاسد هو سبب بعض الأمراض كالجدري والكوليرا والزهري، ولاحظ كيفية ظهور مجموعات من الأمراض بين الأشخاص الذين استخدموا مضخات مياه معينة. ساعد تدخله في إزالة مقبض المضخة المصابة على تقليل معدلات العدوى أثناء الوباء. جون سنو هو أول من اعتمد الاسلوب الوبائي في السيطرة انتشار المرض.

3- الانفلونزا الإسبانية ومعاهدة فرساي  

عام 1918، دمرت الأنفلونزا الإسبانية العالم وأصابت قرابة ثلث السكان. تسببت في إتلاف خلايا الدماغ، مما أثّر على قدرة الدماغ على العمل مؤدية أحيانًا إلى الذهان.

أُصيب وودرو ويلسون-Woodrow Wilson الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة بالأنفلونزا في ذلك الوقت. لعب ويلسون دورًا أساسيًا في مفاوضات معاهدة فرساي، ولا سيما مساعدة رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنسو-Georges- Clemenceau.

كان ويلسون في فترة العلاج خلال مرحلة المعاهدة، وكان دائم التعب والإرهاق والبُطء، مما جعله يتغافل عن الكثير من الأمور والمفاهيم. فأشار العديد من العاملين بالبيت الأبيض إلى التغير الكبير في سلوكه، إذ تخلى عن الكثير من أفكاره وآراءه حول المعاهدة.

توالت التقارير عن التغير الحاصل بشأن إدارة ويلسون. فمُنحت السلطة لكليمنسو. كما يروي التاريخ، فإن قسوة معاهدة فرساي أدت إلى كارثة ألمانية كشلْ الاقتصاد الألماني. كما لعبت دورًا في اكتساب هتلر السلطة. يمكن القول بأن كل هذه التطورات كانت نتيجة إصابة وودرو ويلسون بالانفلونزا الإسبانية.

2- طاعون جستنيان والقضاء على الإمبراطورية البيزنطية

ظهر لأول مرة في مصر، ثم انتشر طاعون جستنيان عبر فلسطين والإمبراطورية البيزنطية، ثم في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. غير الطاعون مسار الإمبراطورية، وسحق خطط الإمبراطور جستنيان لإعادة الإمبراطورية الرومانية إلى بعضها البعض وتسبب في صراع اقتصادي هائل. وينسب إليه أيضًا خلق الجو المروع الذي حفز الانتشار السريع  للمسيحية.

في نهاية المطاف وعلى مدى القرنين التاليين، قتل حوالي 50 مليون شخص -26% من سكان العالم- . ويعتقد أن يكون أول ظهور كبير للطاعون الدبلي، والذي يؤدي إلي تضخم الغدد الليمفاوية، وينتقل عن طريق الفئران وينتشر عن طريق البراغيث.

1- مرض السل والموضة 

في أواخر 1800s، أصبح السل -المرض المعدي في الرئتين- وباءً في الولايات المتحدة وأوروبا. كان المرض موجودًا لفترة طويلة. فتك بالبشر ببطء شديد، لكنه اتُخذ على محمل آخر! بدأت تصبح صفات مرض السل وأعراضه رومانسية في العصر الفيكتوري، فأصبحت الموضة بين النساء أن تأخذ مظهرًا شاحبًا ونحيلاً. بل وأصبح المرض نفسه اتجاهًا عصريًا. فأثر ذلك بشدة على تصاميم الفساتين والأزياء.

أثار ذلك التوجه بعض حملات الصحة العامة الكبرى في الولايات المتحدة، وأصبح هناك حملة ودعوة لجعل الفساتين والتنانير النسائية أقصر لمنعها من التقاط السُل من الشارع. كما أصبح هناك دعوات لحلق اللحى والشوارب بسبب احتمال نمو البكتيريا في شعر الوجه.

انتشار الوباء لا علاقة له بالتقدم أو التطور، حتى التطور العلمي والطبي لم يستطع وقايتنا من الأوبئة حتى يومنا هذا، تلك كانت -ليس على سبيل الحصر- 5 أمراض غيرت التاريخ وملامح بعض الحضارات.

المصادر

the conversation
bbc
smithsonianmag
history
worldhistory

الانفلونزا الإسبانية أم الأوبئة الحديثة

الانفلونزا الإسبانية أم الأوبئة الحديثة

في خريف عام 1918، بلغت الحرب العالمية الأولى منتهاها، وكانت بوادر السلام تظهر في الأفق، انضم الأمريكيون للقتال، مما كان يبشر بغلبة الحلفاء على الألمان، عاش هؤلاء الرجال في ظروف الحرب القاسية وكانت اسوأ ما يمكن توقعه قبل أن تبدأ أعراض الانفلونزا بالانتشار، لكنها لم تكن مجرد انفلونزا عادية، ربما كان وباء انفلونزا هو أكثر الأوبئة خطورة في التاريخ، فقد تجاوز عدد ضحاياها عدد الحرب العالمية الأولى بعدد قتلى حوالي 50 مليون شخص حول العالم،

ما هي الانفلونزا؟

الأنفلونزا فيروس شديد العدوى، يستهدف خلايا الجهاز التنفسي، ينتقل عبد الرذاذ الذي ينتقل عند “سعال أو عطس أو كلام”الفرد المصاب، كما ينتقل عبر ملامسة الأسطح المصابة.

موسم الانفلونزا

في الولايات المتحدة، يمتد موسم الانفلونزا بشكل عام من أواخر الخريف إلى الربيع، في عام عادي يدخل أكثر من 200000 أمريكي إلى المستشفى بسبب مضاعفات الانفلونزا، وفقا ل “مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” (CDC). يواجه الرضع والكبار الذي تجازوت أعمارهم ال65 سنة والنساء الحوامل والأشخاص ذوي الأمراض المزمنة كأمراض القلب والربو والسكري، خطرا أكبر للإصابة بالمضاعفات المرتبطة بالانفلونزا.

أعراض الانفلونزا الإسبانية

حدثت الموجة الأولى من الجائحة عام 1918 في الربيع، وكانت خفيفة بشكل عام، وعادة مايتعافى المصابون بالأعراض المعروفة، وعموما كان معدل الوفيات منخفضا.

في خريف نفس العام، ظهرت الموجة الثانية في معسكر “ديفينز” وهو معسكر لتدريب الجيش، فإشتدت الأعراض بقسوة، تحول لون جلد المصابين للون الأزرق وامتلأت رئتيهم بالسوائل مما يسبب الإختناق، بين سبتمبر ونوفمبر بلغت الموجة الثانية للوباء ذروتها، هذه الموجة هي الأشد فتكا، وهي المسؤولة عن معظم الوفيات؛ قتل الفيروس في ذلك العام حوالي 195000 أمريكي خلال شهر أكتوبر فقط وفي غضون عام واحد فقط انخفض متوسط العمري في أمريكا 12 عاما.

في خريف عام 1918 واجهت الولايات المتحدة أزمة نقص الممرضات المحترفات كما أصدر فرع “شيكاغو” للصليب الأحمر إعلانا لطلب المتطوعين وبدأ مسؤولوا الصحة ولجان الجمعية الأمريكية للصحة العامة بحملات توعوية وبرامج تثقيفية تضمنت إرتداء الأقنعة الواقية وتنظيم ساعات فتح وغلق المتاجر وكذا إغلاق دور السينما والتنقل سيرا بدلا من استخدام المواصلات العامة، انتشرت الجائحة على مستوى العالم على مسار ناقلات البشر على طول طرق التجارة وخطوط الشحن فاجتاحت أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا وافريقيا.

ما الذي تسبب بالانفلونزا الإسبانية؟

من غير المعروف بالضبط من أين جاءت سلالة الانفلونزا الاسبانية فقد لوحظت أول مرة في أوروبا وأمريكا ومناطق من آسيا قبل الانتشار.

على الرغم من أنها لم تنحصر في مكان واحد إلا أنها أصبحت معروفة باسم الانفلونزا الاسبانية عالميا حيث تضررت اسبانيا بشدة من المرض.

ولا يزال العلماء لا يعرفون على وجه اليقين من أين نشأت الإنفلونزا الإسبانية، على الرغم من أن النظريات تشير إلى فرنسا أو الصين أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.

لماذا سميت الانفلونزا الاسبانية بهذا الاسم؟

بالطبع لم تنطق الجائحة من اسبانيا على الرغم من التغطية الاعلامية لها فخلال الحرب العالمية الأولى كانت اسبانيا دولة محايدة لديها وسائل اعلام حرة تغطي الجائحة حيث كانت أول من أبلغ عنها في مدريد في أواخر مايو من عام 1918 وفي الوقت نفسه، كان لدى دول الحلفاء ودول المركز مراقبين في زمن الحرب قاموا بالتستر على أخبار الأنفلونزا للحفاظ على الروح المعنوية عالية. نظرًا لأن مصادر الأخبار الإسبانية كانت الوحيدة التي أبلغت عن الأنفلونزا، اعتقد الكثيرون أنها نشأت هناك (في غضون ذلك، اعتقد الإسبان أن الفيروس جاء من فرنسا وأطلقوا عليه اسم “الأنفلونزا الفرنسية”).

محاربة الانفلونزا الاسبانية

عندما ظهرت الانفلونزا كان العلماء والأطباء غير متأكدين من سببها أو كيفية علاجها على عكس اليوم فلم تكن هنالك لقاحات فعالة أو أدوية مضادة للفيروسات إضافة الى أن الحرب العالمية قد خلفت عجزا في المنظومة الصحية الأمريكية ونقصا في عدد الأطباء وعمال الصحة.

كذلك نقص المستشفيات مما أوجب تحويل المباني لأخرى لمستشفيات لاستقبال المرضى. وفرض بعض المسؤولون الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة وإغلاق الأماكن العامة وأوقفت المكاتب حضر الكتب وعلقت لافتات تمنع البصق

متطوعوا الصليب الأحمر

نهاية الانفلونزا الإسبانية

بحلول صيف 1919 إنتهت الجائحة فمن المصابين من مات ومنهم من طور مناعة ضد الفيروس.

بعد 90 عاما في عام 2008 أعلن الباحثون اكتشاف ما جعل الانفلونزا مميتة للغاية فقد مكنت 3 جينات فيروسية من إضعاف رئتي الضحية وأنابيب الشعب الهوائية وتمهيد الطريق للالتهاب الرئوي الميكروبي فمنذ عام 1918 كان هنالك العديد من الأوبئة الاخرى على الرغم من وجود أي جوائح قاتلة تسببت جائحة أخرى في الفترة من 1957 إلى 1958 في مقتل حوالي 2 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك حوالي 70،000 شخص في الولايات المتحدة، كما قتلت جائحة أخرى من 1968 إلى 1969 ما يقرب من مليون شخص ، بما في ذلك حوالي 34000 أمريكي.

لقي أكثر من 12000 أمريكي حتفهم خلال وباء H1N1 (أو “إنفلونزا الخنازير”) الذي حدث في الفترة من 2009 إلى 2010. ينتشر وباء فيروس كورونا الجديد لعام 2020 في جميع أنحاء العالم حيث تتسابق البلدان لإيجاد علاج لـ COVID-19 وتوفير مأوى للمواطنين في محاولة لتجنب انتشار المرض ، وهو مرض مميت بشكل خاص لأن العديد من حاملي المرض لا تظهر عليهم أعراض لعدة أيام قبل أن يدركوا أنهم مصابون

عدوى فيروسية أم جرعة زائدة من الأسبرين؟

يبدو الآن أن عدد قليل من الوفيات لم يكن بسبب الفيروس، إنما بسبب عقار يستخدم في علاجه، الأسبرين! نشرت الدكتورة”كارين ستاركو” مؤلفة واحدة من الأوراق البحثية التي ترتبط باستخدام الاسبرين بمتلازمة راي، مقالاً يشير إلى أن الجرعات الزائدة من “العقار المعجزة” الجديد حينها قد يكون مميتًا ما أثار شكوك الدكتور ستاركو هو أن كميات الأسبرين غير الآمنة اليوم كانت تستخدم في الماضي بشكل عادي، إضافة إلى صعوبة التمييز بين أعراض الانفلونزا وأعراض الجرعة الزائدة من الأسبرين، لكن تظل تلك الفرضية غريبة بعض الشيء نظرًا لعدد الضحايا الضخم.

المصادر
CDC
CDC
STANFORD

هل عانى الفايكنج من انتشار الأوبئة أيضًا ؟

هل عانى الفايكنج من انتشار الأوبئة أيضًا ؟

الجدري في العصر الحديث انتشر الجدري في الماضي من شخص إلى الآخر عن طريق قطرات الرذاذ المحملة  بالفيروس، وقتل ما يقرب من ثلث المصابين به وترك ثلث آخر بعد أن أصابه بالعمى أو أصابه بندوب لم تختفي أبدًا. مات أكثر من 300 مليون شخص بسببه فقط في القرن العشرين قبل أن يتم القضاء عليه بشكل نهائي عام 1980 بعدما بذل العالم كله جهد كبير في الحصول على لقاح مناسب. ويعتبر أول مرض بشري في التاريخ يتم القضاء عليه بالكامل ! أما الآن، فقد قام فريق من العلماء حول العالم بترتيب الجينوم (التتابع الجيني الكامل) الخاص بسلالة جديدة من فيروس الجدري،  بعد استخراجها من أسنان جماجم محاربين الفايكنج من مواقع عديدة في شمال أوروبا. في نظرك، هل عانى الفايكنج من انتشار الأوبئة أيضًا ؟ كما نعاني نحن اليوم من انتشار وباء كوفيد 19 ؟

هل حقًا عانى الفايكنج من الجدري ؟

يقول البروفسور« Eske Willerslev »مؤلف الدراسة: “لقد اكتشفنا سلالات جديدة من الجدري في أسنان الهياكل العظمية للفايكنج ووجدنا أن تركيبهم الجيني مختلف عن الجدري الحديث الذي قضى عليه في القرن العشرين. وقد كنا نعلم بالفعل أن الفايكنج تنقلوا باستمرار في أوروبا وما بعدها، والآن نعلم أنهم كانوا مصابين بالجدري. وهذا يشبه ما حدث هذا العام حيث أدى تنقل الناس بسرعة إلى انتشار كوفيد 19 بشكل كبير حول العالم كما أدى الفايكنج إلى انتشار وباء الجدري بشكل كبير نتيجة تنقلهم. إلا أنهم كانوا يستعملون السفن بدلًا من الطائرات.

“تعد المعلومات الجينية التي استطعنا استخراجها من هذه الهياكل العظمية والتي يبلغ عمرها 1400 عام مهمة جدًا لأنها تساعدنا على معرفة التاريخ التطوري لفيروس الفاريولا الذي سبب الجدري.”

التصورات السابقة عن فيروس الجدري

في مطلع القرن العشرين، تم القضاء على الجدري في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ولكن ظل موجودًا لفترة في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية. وقامت منظمة الصحة العالمية ببدء برنامج للقضاء عليه عام 1967 عن طريق تتبع ما يحدث بين الناس من اتصال جسدي أو حملات للتوعية والتواصل مع الناس بخصوص هذا المرض. ولكن يرجع الفضل في القضاء على المرض بالكامل إلى المصل الذي تم اكتشافه عام 1980.

يعتقد المؤرخين أن الجدري ربما كان موجودًا منذ 10 آلاف عام قبل الميلاد ولكن لم يكن هناك دليل حتى الآن يؤكد أن المرض كان موجودًا قبل القرن السابع عشر. وتظل الطريقة التي أصاب بها الفيروس البشر لأول مرة غير معروفة حتى الآن ولكن يعتقد (بالضبط كفيروس كورونا) أن الفيروس انتقل من الحيوانات إلى البشر.

يقول بروفسور « Martin Sikora »من جامعة كوبنهاجن: “يظل التتابع الزمني الذي انتشر من خلاله الجدري غير واضح ولكن عن طريق ترتيب التتابع الجيني لأول سلالة من الفيروس القاتل، فقد أثبتنا ولأول مرة أن الجدري كان موجودًا في عصر الفايكنج.

ومع أننا لا ندرك ما إذا كانت هذه السلالة من الفيروس قاتلة وسببت موت أفراد الفايكنج الذين عثر في هياكلهم العظمية على سلالات الفيروس، إلا أننا ندرك أن هؤلاء الأفراد بالتأكيد ماتوا وكان فيروس الجدري في مجرى دمائهم. ومن المحتمل أيضًا أنه كانت هناك أوبئة أخرى قبل ذلك الوقت ولم يكتشف العلماء أدلة بعد على وجودها.” وجد فريق الباحثين فيروس الجدري في 11 موقع دفن يعود تاريخها إلى عصر الفايكنج في الدنمارك والنرويج وروسيا وكذلك المملكة المتحدة.

هل يتشابه الجدري في عصر الفايكنج مع الجدري في عصرنا ؟

يقول « Dr Lasse Vinner »، عالم فيروسات، :فهم التركيب الجيني لهذا الفيروس سيساعدنا في فهم تطوره وتطور الفيروسات الآخرى ويضيف الكثير إلى معرفتنا مما سيساعدنا على قتال الأمراض الفيروسية المنتشرة.

تظهر النسخة الأكثر قدمًا للفيروس أكثر تقاربًا من ناحية الجينات إلى مجموعة الفيروسات « poxviruses » والتي تصيب الحيوانات أمثال « camelpox » التي تصيب الجمال، و« taterapox » التي تصيب الجربوع. فلا تتشابه هذه النسخ القديمة كثيرًا مع النسخ الحديثة للفيروس التي تطور. نحن لا نعرف كيف تطور الفيروس في عصر الفايكنج ــ فيمكن أنه كان تركيبه الجيني مختلف كثيرًا عن السلالات الحديثة التي قتلت وشوهت مئات الملايين من البشر.”

يقول « Dr Terry Jones »:”يوجد هناك الكثير من الألغاز حول « poxviruses ». وعثورنا على فيروس الجدري المنتمي لتلك الجماعة من الفيروسات بتركيب جيني مختلف في عصر الفايكنج لهو حدث مميز حقًا. فلم يتوقع أحد أبدًا أن هذه السلالات من الجدري كانت موجودة. فقد اعتقدنا لمدة طويلة أن فيروس الجدري كان موجودًا في غربي أوروبا وجنوبها تقريبًا في عام 600م.

وقد أثبتنا كذلك أن الفيروس كان منتشر بشكل كبير في شمالي أوروبا. وقد اعتقد قديمًا أن الحملات الصليبية العائدة أو أحداث أخرى كانت هي السبب في جلب الجدري إلى أوروبا، ولكن لا يمكن لتلك النظريات أن تكون صحيحة. وعلى الرغم من أن قياسنا لتاريخ الأمراض يكون غامضًا في معظم الأحيان، فإن هذا الاكتشاف يجعل وجود الجدري أقدم بحوالي ألف عام.”

تقول « Dr Barbara Mühlemann »:”تمتلك تلك السلالات العتيقة من الفيروس أحماضًا نووية تختلف كثيرًا عن النسخ الأحدث . يوجد هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها أن يتطور الفيروس ويتحور لكي يصبح أكثر أو أقل خطرًا. ويعد هذا لمحة مهمة إلى الخطوات التي تطور بها فيروس فاريولا ليصل لشكله الحالي.”

بماذا يمكن أن تفيدنا تلك الدراسة ؟

ويضيف د/جونز: “معرفة الماضي تحمينا في الحاضر، عندما ينقرض حيوان أو نبات، فهو لا يعود مرة أخرى إلى الوجود، ولكن يمكن أن تحدث الطفرات ويمكن للفيروسات أن تتحور حول بقايا الحيوانات والتي تعتبر مستودع طبيعي لنشوء الفيروس مما يؤدي إلى ظهور « Zoonosis ».”

وتعرف ظاهرة  Zoonosis بأنها انتشار الأمراض المعدية نتيجة انتقال الكائن المسبب للمرض من الحيوان إلى الانسان.

ويلخص « Willerslev » قائلًا: “تم القضاء على الجدري ولكن يمكن أن تظهر سلالة جديدة من بقايا الحيوانات غدًا. فما نعرفه اليوم في 2020 عن الفيروسات والكائنات المسببة للأمراض والتي تؤثر على الانسان يعد نظرة خاطفة على الأوبئة التي أمرضت الناس على مر التاريخ.”

اعداد: طاهر إسماعيل

المصدر

Sciencedaily

Nytimes

انظر أيضًا

لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟

لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟ هل حقا هي البلد الأصلي؟ كيف تخلص العالم من تلك الجائحة؟

من حين لأخر قد تجد نفسك أو أحد معارفك يختفي عن الأنظار لعدة أيام، ولعل السبب الشائع هو الإصابة بالبرد أو الإنفلونزا. حيث ترتبط سيرتها في الأذهان بالخمول وشعور بالألم وعدم الراحة يسري في الجسد، بالإضافة إلى زيادة كمية المخاط بالأنف الذي يسد فوهاتها والتي تدفع صاحبها لاستخدام أوراق المناديل باستمرار؛ وقد يتطور الأمر إلى السعال وضيق بالتنفس. وعندما تظهر مثل تلك الأعراض على صاحبها يحاول أن يفرض على نفسه تباعدا اجتماعيا بقدر الممكن كتعريف مخفف للعزل الذاتي بسبب شيوع الوعي أنه يمكن لمثل تلك الأنفلونزا الخفيفة أن ينتقل مسببها وهو فيرس الإنفلونزا من شخص إلى آخر، وتصيبه مثل تلك الأعراض التي تظهر على صاحبها؛ على الرغم من أن البعض لا يعرف أن مثل تلك الإنفلونزا الموسمية الخفيفة تقتل أكثر من نصف مليون شخص سنويا طبقا لتقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، وهذا قد يعيد لأذهاننا التحدث عن الجائحة الأكبر في التاريخ الحديث وهي الإنفلونزا الإسبانية.

لماذا نسبت الإنفلونزا الإسبانية لبلد إسبانيا؟

التشاؤم يزيد، هل عززت الإنفلونزا الإسبانية من وجوده؟

في العام الذي ظهرت فيه الإنفلونزا الإسبانية، كان العالم قبلها يعاني من حالة تشاؤم وسوداوية شديدة، حيث كانت نسبة الوفيات والقتلى مرتفعة للغاية بسبب آثار الحرب العالمية الأولى، ومن تداعيات تلك الحرب أنها خلفت مجاعات شديدة تسببت في زيادة أعداد الوفيات في البلدان التي حطت عليها. بالإضافة إلى العديد من الأمراض التي ساهمت تلك الحرب في انتشارها مثل مرض السل الذي لم يتسنَ للعلم وقتها أن يجد له علاجا شافيا بسبب تلك الظروف. كل تلك العوامل عززت من ظهور الإنفلونزا الإسبانية والتي كانت سببا في إصابة ثلث الكرة الأرضية.

كيف فرضت الإنفلونزا الإسبانية نفسها؟

لم يستطع العلماء أن يحددوا المكان الذي ظهر فيه ذلك الوباء، لكن تضاربت الآراء ويعزى البعض بداية ظهورها بين ثلاث دول في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ثم فرنسا والصين، وسرعان ما انتشرت بالعالم كله، وبدأت في التفشي بكثرة داخل معسكرات الجنود المشاركين في الحرب نظرا للبيئة غير النظيفة التي خيمت فيها المعسكرات جانب حظائر الطيور والخنازير. ولم يعرف العلماء السبب الرئيسي في ظهور ذلك الوباء وقتها، لكن فيما بعد توصل بعض منهم لإمكانية أنه قد يكون انتقل من أحد سلالات الطيور المصابة بالفيروس المسبب لهذا المرض.

دور الشفافية الصحفية في تسجيل التاريخ؟

كانت إسبانيا من الدول المحايدة التي لم تشارك في الحرب العالمية الأولى، ولم تفرض سلطاتها أي رقابة أو تشديدات على صحافتها، على عكس الدول المشاركة بالحرب التي لم يظهر في صحافتها عنوانا صحفيا إلا ومر على جهات تخص السلطة للبت في نشره. وتلك الحرية الصحفية التي تمتعت بها إسبانيا جعلتها تقترب أكثر من وضع الجائحة في العديد من الدول، فكانت تسجل أخبار ذلك الوباء وتذيع تحديثاته باستمرار.


سجلت شراسة تلك الجائحة التي أصابت ٥٠٠ مليون شخصا على مستوى العالم، وقتلت بين ٣٠ إلى ٥٠ مليونا من المصابين خلال عام واحد، وذلك لتحور المرض داخل جسد المصاب والذي تزداد شدته فتملأ رئتيه بالسوائل الناتجة عن الإلتهاب، فيفشل عن التنفس. وعلى الرغم من أن الصحافة الإسبانية كانت تطلق على ذلك المرض “الإنفلونزا الفرنسية”، لكن لارتباط أخبار هذا المرض في أذهان الناس بالصحافة الإسبانية، تم تسميته بالإنفلونزا الإسبانية.

حلول سريعة، ما عواقبها؟

مع ظهور الجائحة وزيادة أعداد المصابين والوفيات، وضعف وضحالة الخدمات الصحية المقدمة من الحكومات تجاه هذا الوباء، أشار بعض الأطباء على الحكومات في تطبيق العزل الإجتماعي على المواطنين، وهو ما تبنته الحكومات وقت الجائحة الإسبانية، وقامت بفرض حظر التجوال والحجر الصحي المنزلي وعزلت المدن عن بعضها وفرضت غرامات على المخالفين، وهو ما تسبب في تراجع نسب المصابين والوفيات، وعند تخفيف تلك التشديدات ظهرت موجة جديدة للمرض، وارتفعت نسب الإصابات والوفيات من جديد. وتبنى أحد الأطباء فكرة معالجة الأعراض التي تظهر على المصابين بالأسبرين، فكان يعطي للشخص المصاب ٣٠ جراما يوميا من هذا العقار، والذي ثبت بعدها بأيام أن الوضع ازداد سوءا، ومات كثيرا من المصابين الذين تعاطوا الأسبرين، وذلك لأن الجرعة القصوى التي يتحملها الجسم لا تزيد عن ٤ جرامات يوميا.

هل فهمنا الدرس؟

الجدير بالذكر أن العلماء لم يضعوا أسبابا واضحة عن كيفية تخلص العالم من تلك الجائحة، لكن السبب الوحيد والذي يراه البعض منطقيا هو اكتساب سكان الكرة الأرضية مناعة القطيع ضد هذا المرض، فتمكنت مناعتهم من التعامل معه؛ لكن تلك الجائحة نبهت إلى أهمية تبني الحكومات إنشاء المستشفيات والمستوصفات الطبية، وتولية الاهتمام لتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بدارسة الفيروسات وفهم جيناتها حتى يستطيع العلماء اختراع اللقاحات والأدوية المناسبة لمحاربتها. وعلى الرغم أن حالة المجتمعات في عصر الإنفلونزا الإسبانية لم تكن بمقدار التحضر أو التمدن الحالي من حيث وسائل المواصلات البسيطة والقليلة أو عدد السكان والذي كان يفترض أن تستغل تلك النقطة في تخفيف آثار تلك الجائحة! لكن هذا يدفعنا إلى المزيد من التفكير والبحث في الكيفية التي تنتقل بها مثل تلك الأوبئة.

والدرس المهم الذي نتعلمه، أن البشرية طوال سجلها التاريخي لم تسلم من شيوع مثل تلك الجوائح والأوبئة، وهذا يعني بالضرورة أن مثل تلك الأمراض سوف تستمر في الظهور بين الحين والآخر، فيجب أن نعد له العدة ونستعد لتلقي جوائح جديدة، نحن بصدد مواجهة واحدة منها الآن، وهي جائحة فيروس كورونا المستجد (covid 19 – كوفيد ١٩).

المصادر:

Stanford.Edu, World Economic Forum, National Geographic, CDC USA, History.

مواضيع قد تهمك:

مواضيع الأكاديمية بوست عن فيروس كورونا
حوار مع بيل غيتس حول سياق تنبؤاته لفيروس كورونا قبل 5 سنوات ومستلزمات اللقاح
هل العدوى الفيروسية مسبب محتمل لمرض الألزهايمر؟

ادعاءات كاذبة تربط تقنية (5G) بفيروس كورونا

تنتشر في جميع أنحاء المملكة المتحدة ادعاءات كاذبة تربط تقنية (5G) بفيروس كورونا وقد تسببت هذه المؤامرة في أضرار مادية هذا الأسبوع. وقد اضطر مزودو شبكات الهاتف المحمول البريطانيون إلى فضح هذه النظريات التي لا أساس لها  بعد إحراق العديد من العمدان المزودة لخدمة 5G .

ما هو الجيل الخامس 5G:

الجيل الخامس (5G) هو الجيل التالي من تقنية الشبكات اللاسلكية التي من المتوقع أن تغير طريقة حياة الناس وعملهم. ستكون أسرع وقادرة على التعامل مع الأجهزة المتصلة أكثر من شبكة 4G الحالية، والتحسينات التي ستتيح موجة من أنواع جديدة من المنتجات التقنية. بدأت شبكات 5G في الانتشار في الولايات المتحدة وحول العالم في عام 2018 وما زالت في أيامها الأولى، لكن الخبراء يقولون إن الإمكانات هائلة.

سيكون لشبكة 5G عرض نطاق ترددي أكبر، مما يعني أنها يمكنها التعامل مع العديد من الأجهزة المتصلة أكثر من الشبكات السابقة. وهذا يعني عدم وجود خدمة متقطعة عندما تكون في منطقة مزدحمة. وسيمكن المزيد من الأجهزة المتصلة مثل فرش الأسنان الذكية والسيارات ذاتية القيادة. وسيقلل الجيل الخامس أيضًا من زمن الاستجابة – الوقت الذي يستغرقه الهاتف الخلوي (أو أي جهاز متصل آخر) لتقديم طلب من خادم والحصول على استجابة – إلى صفر تقريبًا.

حادثة سيئة:

تم استدعاء خدمات الطوارئ لإخماد الحريق على طريق spring في منطقة سباركهيل بالمدينة في الساعة 8.18 مساءً مساء الخميس. واشتبك رجال الإطفاء في إخماد النيران لمدة ساعتين بينما أغلقت الشرطة الطريق لحماية حركة المرور. وتقول الشرطة إنها لم تتأكد بعد من سبب اشتعال النيران.

 وقالت خدمة الإطفاء في ويست ميدلاندز إن ثمانية من رجال الإطفاء حضروا حادثة مساء الخميس التي شملت برجًا يبلغ ارتفاعه 70 قدمًا في موقع للاتصالات في منطقة سباركهيل في برمنجهام على الرغم من أن المتحدث قال إنه لم يتم تحديد السبب بعد ولا يمكنه تأكيد ما إذا كان العمود من نوع 5G.

وقالت شركة EE، مشغل الشبكة، للصحيفة إنها لا تزال تحقق في الحريق ولكن من المحتمل في هذا الوقت أن يكون من أعمال مفتعلي الحرائق. وقالت أيضًا أن تعطيل اتصال المحمول عمداً في وقت يحتاج فيه الناس أكثر من أي وقت مضى للبقاء على اتصال ببعضهم البعض، هو أمر متهور وضار وخطير للقيام به.

وقد تم العثور على حريق آخر في برج هاتف 5G بالقرب من ليفربول بإنجلترا في وقت متأخر من مساء الجمعة، حسبما ذكرت صحيفة Echo Liverpool.

إساءات ضد مهندسو الاتصالات:

في مكان آخر في إنجلترا، يقال إن مهندسي الاتصالات يواجهون الإساءة اللفظية والتهديدات بالعنف من قبل الأشخاص الذين يؤمنون بالنظرية الزائفة. حيث وفقا لـ MailOnline، اقتربت امرأة مجهولة من عاملين يضعان كابلًا في أحد شوارع لندن، وألقت باللوم عليهما في قتل العائلات.

ادعاءات كاذبة:

وقامت Full Fact،المنظمة البريطانية المستقلة لتقصي الحقائق، بدحض خرافة أن هناك أي صلة بين شبكة 5G في ووهان، حيث اندلعت الفيروسات التاجية، والمرض. وقالت أن الادعاء الذي ينص على أن الجيل الخامس يمكن أن يؤثر على أجهزة المناعة لا أساس له من الصحة على الإطلاق. ولا يوجد دليل يربط الفيروس التاجي الجديد بتقنية الجيل الخامس.

ماذا فعلت فيسبوك:

وفي مجموعة على فيسبوك محذوفة الآن، زعم القائمون على هذه المؤامرة أن تقنية 5G المنبعثة كانت تزيد من حدة فيروس كورونا. ولكن لا يوجد دليل علمي على أن تقنية 5G تشكل أي تهديد لصحة الإنسان وقد تم التأكيد على أنها آمنة من قبل هيئة مراقبة الإشعاع الشهر الماضي.

قالت فيسبوك أن الصفحة المحظورة تم حذفها بسبب خرق سياساتها لأنها تنطوي على إمكانية التسبب في ضرر حقيقي للعالم. ومع ذلك، زعم أحد المستخدمين أنه أبلغ عن الصفحة في وقت مبكر للمشرفين لأنها تروج للعنف، ولكنه تلقى رد يقول إنه لا يعتبر انتهاكًا لمعايير مجتمع فيسبوك

وقد تم نشر العديد من مقاطع الفيديو التي تدعي إظهار أبراج 5G مشتعلة على صفحة على فيسبوك، مما شجع الآخرين على القيام بنفس الشيء. تم إنشاء الصفحة يوم الخميس وأزالها فيسبوك صباح الجمعة.

الخاتمة:

هل تعتقد أن وجود ادعاءات كاذبة تربط تقنية (5G) بفيروس كورونا في هذا الوقت بالتحديد حيث يحارب العالم هذا الفيروس الشرس، كان شيئًا ضروريًا؟ حيث العالم حاليًا يضج بالشائعات

المصدر(1)، المصدر(2)، المصدر(3)

من كورونا وسارس إلى الحمى الصفراء، ومن الطب ما قتل!

ومن الطب ما قتل!

في 7 فبراير 2020، أُعلنت وفاة الطبيب الصيني Li Wenliang إثر إصابته بفيروس COVID-19 عن عمر 33 عام. يعتبر لي ونليانغ أحد أوائل المكتشفين والمحذرين من الفيروس، مما زاد من حالة التعاطف والحزن التي سادت وسائل الإعلام الصينية والعالمية. دفعتنا تلك الحالة لاستبدال مقولة ومن الحب ما قتل إلى ومن الطب ما قتل . إذ اعتقد البعض أن وفاة لي ونليانغ بمثابة هزيمة للأنظمة الصحية العالمية أمام الفيروس، لكن لا تجري الأمور هكذا. ليست تلك المرة الأولى التي يحصد فيها أحد الأوبئة أرواح الأطباء المعالجين أو المكتشفين له. بل وكان في موت بعضهم أحيانًا علامة لانتصار ما أو خطوة ساهمت في إنقاذ الآلاف. ما نعنيه هنا أن للأمر خلفية تاريخية يجدر بنا تسليط الضوء عليها قليلًا لنتعلم منها.

الحمى الصفراء

رسم معبر عن حروب التحرير في جزر تاهيتي

داء لعين أُطلق عليه اسم “القيئ الدموي” ينتقل عبر لدغات بعض أنواع الناموس. انتشر في أفريقيا وأمريكا ويسبب الحمى والدوار والإمساك وألم مستمر في العضلات يعقبه اصفرار للجلد والعيون ونزيف لثة المصاب وجدار معدته. وتراوحت نسب وفاة المصابين بالحمى الصفراء من 20-50%. تسبب الوباء في آلاف الوفيات، لكن أشهر أحداثه كانت منذ قرنين، حين قتل حوالي 35:45 ألف جندي من قوات نابوليون المُرسلة لإيقاف ثورات التحرر في جزر هاييتي وفقًا للمؤرخ J. R. McNeill وتسببت في هزيمته. سقط من الجنود الفرنسيين ضحية لهذا المرض ضعف من سقطوا في معركة ووترلو الشهيرة. ثم استمر الوباء في الظهور والاختفاء حتى القرن العشرين دون معاملة علمية منهجية تُذكر حتى مجيئ الطبيب الأمريكي لازيار.

انتقل جيسي لازيار Jesse Lazear كعضو لجنة الحمى الصفراء إلى كوبا عام 1900 لدراسة المرض وفهم أسبابه المجهولة حينها. كان لازيار هو العضو الوحيد صاحب الخبرة بالبعوض ونقله للأمراض، فقد عمل سابقًا في مشفى جون هوبكنز في بالتيمور عام 1985 ودرس الملاريا والحمى الصفراء هناك. افترض الطبيب أن السبب الرئيسي في الإصابة هو وجود عائل حي ينقلها إلى البشر، وحينها قررت اللجنة اختبار فرضية لازيار بنفسها. سمح الطبيب لازيار لبيوض البعوض بالفقس داخل مستشفى هافانا والتغذي على دماء المصابين بالحمى الصفراء. ثم سُمح للبعوض أيضًا أن يتغذى على دماء بعض المتطوعين، فانتقلت إليهم العدوى وثبتت الفرضية. أعلنت اللجنة أن المسؤول عن الإصابة هو كائن شديد الصغر لا يمكن الإمساك به عبر فلاتر البكتيريا أي أنه أصغر من البكتيريا. شُفي الرجلان اللذان تعرضا للتجربة، ولكن يبدو أن لازيار قد عرّض نفسه أو تعرّض للدغات البعوض المصاب، ولسوء حظه لم يُشف. أصيب لازيار بالحمى الصفراء بالفعل ومات في سبتمبر عام 1900. 1

استكملت التجارب بعد وفاة الطبيب لازيار لجمع المزيد من الأدلة العلمية بعدما تأكدت اللجنة من دور البعوض في الإصابة بالمرض، فتطوعت الممرضة الأمريكية كلارا ماس Clara Maass لخوض التجربة، لكنها للأسف لم تنج لتعرضها للإصابة من البعوضة الأخطر الحاملة للمرض Aedes aegypti في 24 أغسطس 1901. قدمت تضحيات كلارا ولازيار للبشرية حينها معرفة كيفية الإصابة ونوع العائل بالتحديد، فتركزت الجهود بعدها على محاربة بعوضة Aedes aegypti وتجفيف المستنقعات أو تغطيتها، مما ترتب عليه إنخفاض معدلات الإصابة وإنقاذ آلاف البشر. 2

الممرضة كلارا ماس                                الطبيب جيسي لازيار

المتلازمة التنفسية الحادة سارس SARS

في نوفمبر 2002، توجه أحد المزارعين الصينيين إلى مستشفى فوشان ليتلقى العلاج إثر أعراض حمى وسعال وصعوبة شديدة في التنفس، ثم مات بعدها بأيام دون تشخيص واضح لسبب الوفاة. وفي نهاية الشهر ذاته، انطلقت أولى التحذيرات من كندا عبر تحليل أخبار ومواقع صينية عدة عن وجود جائحة إنفلونزا غريبة في الصين. استهدفت التحذيرات الكندية منظمة الصحة العالمية والتي طلبت بدورها معلومات من الصين في ديسمبر 2002. وبينما تحاول المنظمة الحصول على معلومات من الصين، كان أحد رجال الأعمال الأمريكيين المصابين يسافر على متن طائرة من الصين إلى سنغافورة في فبراير 2003. توقفت الطائرة في مدينة هانواي الفيتنامية، ونُقل المريض الذي ساءت حالته إلى مستشفى هانواي الفرنسي. أصيب مُعظم الطاقم الطبي الذي تعامل مع المريض بالأعراض، فدُعي عالم الميكروبات الطبيب الإيطالي كارلو أورباني لمتابعة الحالة.

كارلو أورباني

درس كارلو أورباني الطب في إيطاليا وتخصص في علم الطفيليات، ثم تطوع للعمل في أفريقيا وسافر إلى أثيوبيا عام 1987. أصبح استشاري لمنظمة الصحة العالمية بعد سنوات من مكافحة الأوبئة ودراستها. وفي 1996، انتقل إلى كمبوديا مع أسرته للعمل في مؤسسة أطباء بلا حدود، ليعود إلى إيطاليا كرئيس للفرع الإيطالي للمؤسسة. فوضته المؤسسة للحصول على جائزة نوبل التي نالتها عام 1999. ثم دُعي الطبيب كارلو أورباني في نهاية فبراير 2003 لمتابعة حالة رجل الأعمال المريض في مستشفى هانواي الفرنسي. اعتقد أطباء المستشفى أنهم أمام حالة إنفلونزا طيور شديدة، لكن كارلو بخبرته علم أنه أمام فيروس أكثر عدوانية وانتشار. أرسل كارلو تحذيراته لمنظمة الصحة العالمية ببدء إجراءات الحجر الصحي للمصابين على الفور تجاه الوباء الجديد. كما أقنع وزارة الصحة الفيتنامية ببدء إجراءات فحص المسافرين وعزل المصابين. 3

في 11 مارس 2003، دُعي الطبيب كارلو للحديث في مؤتمر طبي في تايلاند. وبينما هو في الطائرة، شعر بالحُمى والإعياء وطُلبت له الإسعاف في المطار فور وصوله. انتقل كارلو إلى مستشفى بانكوك وشُخص بالإصابة بفيروس سارس. وبعد حرب ومعاناة مع الفيروس لـ 18 يوم، توفى في 29 مارس في العناية المركزة للمستشفى بتايلاند. ساعدت توجيهات كارلو في السيطرة على انتشار الوباء في فيتنام والتعرف على فيروس سارس الجديد ليصبح هو أول من يكتشفه. كما أوصى كارلو قبل وفاته بالتبرع بخلايا رئته المصابة للأبحاث العلمية في سبيل مكافحة الفيروس الجديد، لينجح العالم في تشخيص الفيروس والحد من انتشاره.

هناك المزيد من الأمثلة، لكن بدا واضحًا الآن أن بعض التضحيات تركت بصمة لا يمكن محوها، كما تركت دروس مستفادة لأفراد المجتمع والأطقم الطبية والأنظمة الصحية لنتعلم جميعًا منها. للأسف فقد أودت تلك التضحيات بحياة صانعيها مثلما أودى الحب بحياة شاب الأصمعي الذي دعاه لقول مقولته”ومن الحب ما قتل”.

للمزيد: ماذا تعرف عن عالم الفيروسات؟

Exit mobile version