هل يمكن لفيروس الكورونا أن يعيش في التغيرات المناخية؟!

منذ أن كشف الفيروس عن نفسه وأعلن الحرب على البشرية، أصبح حديث العالم أجمع؛ في المنزل والعمل والمؤسسات التعليمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكما انتشر الفيروس بسرعة كَثُرت الشائعات والأقاويل الغير مسندة بدليل علمي، وإحداها ما تم تداوله في الأونة الأخيرة ينخفض ​​موسم الإنفلونزا بشكل عام في أبريل ومارس، ولكن هل سيصاحب ذلك فيروس كورونا؟ هل تغير المناخ قد يساهم في كبح الفيروس ومنعه من الانتشار؟ هل يمكن لفيروس الكورونا أن يعيش في التغيرات المناخية؟! جاء الرد على هذا التساؤل من منظمة الصحة العالمية الفلبينية، تابع معنا المقال التالي لمعرفة الإجابة إلى جانب بعض الإرشادات الواجب إتباعها لتفادي الإصابة بفيروس كورونا.

قالت منظمة الصحة العالمية في الفلبين:

“أن الفيروس يمكنه البقاء على حد سواء في المناطق الحارة والرطبة، إذ أنه انتشر إلى البلدان ذات المناخ الحار والرطب، وكذلك البارد والجاف، أينما كنت تعيش، ومهما كان المناخ، من المهم اتباع الاحتياطات اللازمة”.

ما علاقة تغير الطقس بحركة الفيروسات؟

تشير الأبحاث الحديثة نسبياً إلى أن الهواء البارد الجاف قد يساعد على بقاء الفيروسات سليمة في الهواء أو السفر إلى مسافات أبعد عندما تصبح محمولة بالهواء.
نُشرت إحدى الدراسات الأولى لاختبار مدى تأثير الظروف البيئية على انتقال الفيروس في عام 2007، ونظرت في كيفية انتشار الأنفلونزا عبر خنازير غينيا المصابة في المختبر، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة وخاصة الرطوبة العالية إلى ابطاء انتشار الأنفلونزا، وفي مستويات الرطوبة العالية للغاية، توقف الفيروس عن الانتشار بالكامل.
يفترض العلماء أن انخفاض الرطوبة، والذي يحدث غالباً في فصل الشتاء، قد يضعف وظيفة المخاط في أنفك، والذي يستخدمه جسمك لاحتجاز وطرد أجسام غريبة مثل الفيروسات أو البكتيريا، ويمكن للهواء البارد والجاف أن يجعل هذا المخاط أكثر جفافاً وأقل كفاءة في حبس الفيروس.
«إيان ليبكين_Ian Lipkin» مدير مركز العدوى والمناعة بجامعة كولومبيا، يدرس فيروس كورونا الجديد، ويقول:

“إن ضوء الشمس، الذي يكون أقل وفرة في فصل الشتاء، يمكن أن يساعد أيضاً في تحطيم الفيروسات التي تم نقلها إلى الأسطح، إذا كنت بالخارج، فهي أنظف بشكل عام من الداخل ببساطة بسبب ضوء الأشعة فوق  البنفسجية”.

إن الأشعة فوق البنفسجية فعالة جداً في قتل البكتيريا والفيروسات التي تستخدم غالباً في المستشفيات لتعقيم المعدات.
أما عالم الأوبئة في جامعة هارفارد «مارك ليبتشيتش_Marc lipsitch» لا يعتقد أن أي تغيرات في الطقس ستضع تأثيراً كبيراً على كيفية انتشار الفيروس.
لقد تم توثيق فيروس COVID-19 في جميع أنحاء العالم، وإذا كان الفيروس يشبه فيروس الأنفلونزا، فقد يزداد سوءاً في مناطق نصف الكرة الجنوبي مع تغير الفصول.

يقول ديفيد هيمان من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي:

“إن هذا المعلومات المتاحة للفيروس غير كافية للتنبؤ بكيفية تغيره مع الظروف المناخية”.

وذكّرت منظمة الصحة العالمية بعض النصائح والإرشادات المهمة للمساعدة في تفادي الإصابة بفيروس الكورونا:

اغسل يديك بشكل متكرر.

قم بتغطية فمك بمنديل أثناء السعال والعطس أو بالكوع المثني وتخلص من المنديل فور الانتهاء واغسل يديك مباشرة.

في حال كنت تعاني من الحمى والسعال وصعوبة في التنفس اطلب الرعاية الطبية مبكرًا وشارك سجل سفرك السابق مع مقدم الرعاية الصحية الخاص بك.

تجنب الاتصال الوثيق مع أولئك الذين تظهر عليهم أعراض مثل السعال أو العطس.

أما بشأن الادعاءات بأن شرب الماء والمشروبات الكحولية يحمي الناس من الإصابة بالفيروس فأشارت إلى:

“في حين أن شرب كميات كافية من الماء أمر مهم للصحة العامة، إلا أنه لا يمنع الإصابة بالفيروس”.

الأمر ذاته بالنسبة للمشروبات الكحولية، إذ ذكرت منظمة الصحة العالمية الفلبينية:

شرب الكحول لا يحميك من عدوى الفيروس، إذ كنت ممن يتناول الكحول حافظ على الاعتدال دائمًا، ولا يجب على الأشخاص الذين لا يشربون الكحول البدء في الشرب في محاولة لمنع الإصابة بفيروس الكورونا”.

في غضون ذلك، دعت وزارة الصحة (DOH) مرارًا وتكرارًا الجمهور إلى التوقف عن نشر الأخبار المزيفة، وذكّرت الوكالة أيضًا الجميع بأنه يجب عليهم الرجوع فقط إلى النصائح العامة والإعلانات الرسمية من موقع وزارة الصحة الرسمي وقنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.

المصدر:

WHO

Cosmo

nationalgeographic

من كورونا وسارس إلى الحمى الصفراء، ومن الطب ما قتل!

ومن الطب ما قتل!

في 7 فبراير 2020، أُعلنت وفاة الطبيب الصيني Li Wenliang إثر إصابته بفيروس COVID-19 عن عمر 33 عام. يعتبر لي ونليانغ أحد أوائل المكتشفين والمحذرين من الفيروس، مما زاد من حالة التعاطف والحزن التي سادت وسائل الإعلام الصينية والعالمية. دفعتنا تلك الحالة لاستبدال مقولة ومن الحب ما قتل إلى ومن الطب ما قتل . إذ اعتقد البعض أن وفاة لي ونليانغ بمثابة هزيمة للأنظمة الصحية العالمية أمام الفيروس، لكن لا تجري الأمور هكذا. ليست تلك المرة الأولى التي يحصد فيها أحد الأوبئة أرواح الأطباء المعالجين أو المكتشفين له. بل وكان في موت بعضهم أحيانًا علامة لانتصار ما أو خطوة ساهمت في إنقاذ الآلاف. ما نعنيه هنا أن للأمر خلفية تاريخية يجدر بنا تسليط الضوء عليها قليلًا لنتعلم منها.

الحمى الصفراء

رسم معبر عن حروب التحرير في جزر تاهيتي

داء لعين أُطلق عليه اسم “القيئ الدموي” ينتقل عبر لدغات بعض أنواع الناموس. انتشر في أفريقيا وأمريكا ويسبب الحمى والدوار والإمساك وألم مستمر في العضلات يعقبه اصفرار للجلد والعيون ونزيف لثة المصاب وجدار معدته. وتراوحت نسب وفاة المصابين بالحمى الصفراء من 20-50%. تسبب الوباء في آلاف الوفيات، لكن أشهر أحداثه كانت منذ قرنين، حين قتل حوالي 35:45 ألف جندي من قوات نابوليون المُرسلة لإيقاف ثورات التحرر في جزر هاييتي وفقًا للمؤرخ J. R. McNeill وتسببت في هزيمته. سقط من الجنود الفرنسيين ضحية لهذا المرض ضعف من سقطوا في معركة ووترلو الشهيرة. ثم استمر الوباء في الظهور والاختفاء حتى القرن العشرين دون معاملة علمية منهجية تُذكر حتى مجيئ الطبيب الأمريكي لازيار.

انتقل جيسي لازيار Jesse Lazear كعضو لجنة الحمى الصفراء إلى كوبا عام 1900 لدراسة المرض وفهم أسبابه المجهولة حينها. كان لازيار هو العضو الوحيد صاحب الخبرة بالبعوض ونقله للأمراض، فقد عمل سابقًا في مشفى جون هوبكنز في بالتيمور عام 1985 ودرس الملاريا والحمى الصفراء هناك. افترض الطبيب أن السبب الرئيسي في الإصابة هو وجود عائل حي ينقلها إلى البشر، وحينها قررت اللجنة اختبار فرضية لازيار بنفسها. سمح الطبيب لازيار لبيوض البعوض بالفقس داخل مستشفى هافانا والتغذي على دماء المصابين بالحمى الصفراء. ثم سُمح للبعوض أيضًا أن يتغذى على دماء بعض المتطوعين، فانتقلت إليهم العدوى وثبتت الفرضية. أعلنت اللجنة أن المسؤول عن الإصابة هو كائن شديد الصغر لا يمكن الإمساك به عبر فلاتر البكتيريا أي أنه أصغر من البكتيريا. شُفي الرجلان اللذان تعرضا للتجربة، ولكن يبدو أن لازيار قد عرّض نفسه أو تعرّض للدغات البعوض المصاب، ولسوء حظه لم يُشف. أصيب لازيار بالحمى الصفراء بالفعل ومات في سبتمبر عام 1900. 1

استكملت التجارب بعد وفاة الطبيب لازيار لجمع المزيد من الأدلة العلمية بعدما تأكدت اللجنة من دور البعوض في الإصابة بالمرض، فتطوعت الممرضة الأمريكية كلارا ماس Clara Maass لخوض التجربة، لكنها للأسف لم تنج لتعرضها للإصابة من البعوضة الأخطر الحاملة للمرض Aedes aegypti في 24 أغسطس 1901. قدمت تضحيات كلارا ولازيار للبشرية حينها معرفة كيفية الإصابة ونوع العائل بالتحديد، فتركزت الجهود بعدها على محاربة بعوضة Aedes aegypti وتجفيف المستنقعات أو تغطيتها، مما ترتب عليه إنخفاض معدلات الإصابة وإنقاذ آلاف البشر. 2

الممرضة كلارا ماس                                الطبيب جيسي لازيار

المتلازمة التنفسية الحادة سارس SARS

في نوفمبر 2002، توجه أحد المزارعين الصينيين إلى مستشفى فوشان ليتلقى العلاج إثر أعراض حمى وسعال وصعوبة شديدة في التنفس، ثم مات بعدها بأيام دون تشخيص واضح لسبب الوفاة. وفي نهاية الشهر ذاته، انطلقت أولى التحذيرات من كندا عبر تحليل أخبار ومواقع صينية عدة عن وجود جائحة إنفلونزا غريبة في الصين. استهدفت التحذيرات الكندية منظمة الصحة العالمية والتي طلبت بدورها معلومات من الصين في ديسمبر 2002. وبينما تحاول المنظمة الحصول على معلومات من الصين، كان أحد رجال الأعمال الأمريكيين المصابين يسافر على متن طائرة من الصين إلى سنغافورة في فبراير 2003. توقفت الطائرة في مدينة هانواي الفيتنامية، ونُقل المريض الذي ساءت حالته إلى مستشفى هانواي الفرنسي. أصيب مُعظم الطاقم الطبي الذي تعامل مع المريض بالأعراض، فدُعي عالم الميكروبات الطبيب الإيطالي كارلو أورباني لمتابعة الحالة.

كارلو أورباني

درس كارلو أورباني الطب في إيطاليا وتخصص في علم الطفيليات، ثم تطوع للعمل في أفريقيا وسافر إلى أثيوبيا عام 1987. أصبح استشاري لمنظمة الصحة العالمية بعد سنوات من مكافحة الأوبئة ودراستها. وفي 1996، انتقل إلى كمبوديا مع أسرته للعمل في مؤسسة أطباء بلا حدود، ليعود إلى إيطاليا كرئيس للفرع الإيطالي للمؤسسة. فوضته المؤسسة للحصول على جائزة نوبل التي نالتها عام 1999. ثم دُعي الطبيب كارلو أورباني في نهاية فبراير 2003 لمتابعة حالة رجل الأعمال المريض في مستشفى هانواي الفرنسي. اعتقد أطباء المستشفى أنهم أمام حالة إنفلونزا طيور شديدة، لكن كارلو بخبرته علم أنه أمام فيروس أكثر عدوانية وانتشار. أرسل كارلو تحذيراته لمنظمة الصحة العالمية ببدء إجراءات الحجر الصحي للمصابين على الفور تجاه الوباء الجديد. كما أقنع وزارة الصحة الفيتنامية ببدء إجراءات فحص المسافرين وعزل المصابين. 3

في 11 مارس 2003، دُعي الطبيب كارلو للحديث في مؤتمر طبي في تايلاند. وبينما هو في الطائرة، شعر بالحُمى والإعياء وطُلبت له الإسعاف في المطار فور وصوله. انتقل كارلو إلى مستشفى بانكوك وشُخص بالإصابة بفيروس سارس. وبعد حرب ومعاناة مع الفيروس لـ 18 يوم، توفى في 29 مارس في العناية المركزة للمستشفى بتايلاند. ساعدت توجيهات كارلو في السيطرة على انتشار الوباء في فيتنام والتعرف على فيروس سارس الجديد ليصبح هو أول من يكتشفه. كما أوصى كارلو قبل وفاته بالتبرع بخلايا رئته المصابة للأبحاث العلمية في سبيل مكافحة الفيروس الجديد، لينجح العالم في تشخيص الفيروس والحد من انتشاره.

هناك المزيد من الأمثلة، لكن بدا واضحًا الآن أن بعض التضحيات تركت بصمة لا يمكن محوها، كما تركت دروس مستفادة لأفراد المجتمع والأطقم الطبية والأنظمة الصحية لنتعلم جميعًا منها. للأسف فقد أودت تلك التضحيات بحياة صانعيها مثلما أودى الحب بحياة شاب الأصمعي الذي دعاه لقول مقولته”ومن الحب ما قتل”.

للمزيد: ماذا تعرف عن عالم الفيروسات؟

Exit mobile version