كيف تعمل منصات التواصل الاجتماعي على تزييف الحقائق؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 7 في سلسلة 7 قضايا إعلامية لا يسعك جهلها

أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير طريقة تعاملنا مع المعلومات وإدراكنا لها، ففي الماضي لم يكن الوصول إلي المعلومات ونشرها أمرًا سهلًا، ولكن مع ظهور الشبكات الاجتماعية شجعت المستخدمين على مشاركة المعلومات دون عناء، وأصبحت المصدر الرئيسي للأخبار، ومع ذلك غالبًا ما يتم تشويه المعلومات،[1] فمع كثرتها أصبح من الصعب تنقيتها، وأصبحت الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة تنتشر بشكل أسرع على وسائل التواصل الاجتماعي مما أدي إلي ظهور ما يسمي  بوباء المعلومات. فكيف يتم تزييف الحقائق على منصات التواصل الاجتماعي؟[2]

الغرض من الوسائط التفاعلية

لم تكن الأشكال التقليدية لوسائل الإعلام كالتلفزيون والراديو تتطلب مشاركة نشطة من قبل الجمهور، كما أنها لم تمنحهم أي طريقة حقيقية للتنقل عبر تجاربهم؛ باستثناء القدرة على تغيير القناة.

لكن مع ظهور الإنترنت في التسعينيات ومع التطور التكنولوجي،  بدأ هذا يتغير، وتم تزويد المستهلكين بأدوات مختلفة، وانتقل الإنترنت من  أداة باهظة الثمن، إلى أداة لاسلكية يمكن الوصول إليها بلمسة إصبع. وأصبح الغرض من الوسائط التفاعلية هو إشراك المستخدم والتفاعل معه بطريقة لا تفعلها الوسائط غير التفاعلية.[3]

كيف برزت وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة اتصال قوية؟

مع انخفاض استخدام الصحف بشكل كبير، وانخفاض معدلات نشرات الأخبار التلفزيونية، تسارع التأرجح إلى مصادر المعلومات الجديدة بشكل كبير،[4] وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي المصدر المهيمن للأخبار، ووفقًا لأخر الإحصائيات فإن 79% من الشباب العربي تلقوا أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2020، وذلك مقارنة ب25% في عام 2015. [5]

و أظهر التقرير الذي صدر مؤخرًا أن المستهلكين اعتمدوا في حصولهم علي الأخبار والمعلومات الخاصة بجائحة كورونا على وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من وسائل الإعلام التقليدية.

ووفقًا للدراسة التي أجريت بمعهد رويترز لدراسة الصحافة بجامعة أكسفورد، والتي طبقت علي عينة من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، أظهرت الدراسة أن ثلثا تلك الفئة يستخدمون انستجرام كمصدر للحصول على المعلومات الإخبارية، وأن تلك الفئة كانت أكثر عرضة لمشاهدة الأخبار على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.[6]

وفي استطلاع حديث، أكد 50 % من مستخدمي الإنترنت الذين شملهم الاستطلاع أنهم سمعوا عن آخر الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يسمعوا عنها في أي محطة إخبارية. كما وجد الاستطلاع زيادة حركة المرور إلى المواقع الإخبارية المحالة من وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 57%.[7]

وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة

لسوء الحظ يوجد جانب مظلم لوسائل التواصل الاجتماعي ألا وهو الأخبار الزائفة، والتي من الممكن أن تؤثر على المستخدمين وتتلاعب بهم لأسباب سياسية أو اقتصادية، وغالبًا ما يشار إلي المعلومات الخاطئة بأنها المعلومات التى يتم نشرها وتوزيعها بغرض خداع أولئك الذين يقرأونها ،فعلى سبيل المثال في أوائل عام 2020،  تصدرت العديد من الخرافات المتعلقة بعلاج فيروس كورونا عناوين الصحف، كخرافة تناول زيت جوز الهند الذي يمكن أن يعالج الفيروس.

  من الواضح أن المعلومات المضللة مصممة لأغراض معينة كتشويه سمعة الخصم السياسي، والتي من الممكن أن تضر بالخطاب العام من خلال التأثير على الأفراد لاتخاذ قرارات مضللة.

كيف يساهم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للمعلومات المضللة

على مدار العقد الماضي، انتشرت المعلومات المضللة بصورة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ساهمت في التضليل بطرق مختلفة، مما أثر في النهاية على كيفية تعامل الأشخاص مع القضايا المتعلقة بالسياسة والصحة وغير ذلك.[8]

ووفقًا للدراسة التي نشرت بمجلة  Nature، فإن العديد من الأمريكيين يشاركون الأخبار المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يتحققوا من مصداقية المحتوي الذي يقومون بمشاركته. وطبقًا للدراسة التي أجريت بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع جامعتي ريجينا بكندا وإكستر في المملكة المتحدة، فإن قلة الانتباه كان العامل الأساسي وراء مشاركة العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المعلومات الخاطئة والذي بلغ عددهم نحو 51,2%.[9]

وعادة ما تبدأ المشاركة في مجموعات صغيرة قبل أن تنتشر على نطاق واسع عبر الإنترنت. وفي بعض الأحيان، تساعد الروبوتات في هذه العملية (وهي حسابات وهمية مبرمجة لنشر قصة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص) والمتصيدون الذين يهدفون إلى نشر الأخبار الزائفة من أجل الحصول علي المال أو من أجل المصالح السياسية وغيرها.

وفي بعض الأحيان تكون الحسابات التي لديها عدد كبير من المتابعين مصدرًا خصبًا لنشر المعلومات الخاطئة والمغلوطة، فوفقًا للدراسة التي أجراها معهد رويترز، بجامعة أكسفورد، فإن القصص الإخبارية الكاذبة التي يتم إنتاجها أو مشاركتها من قبل شخصيات عامة أو مشهورة تشكل حوالي 20%، إلا أن هذا المحتوي يتم مشاركته من قبل المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي بنسبة قد تصل إلي حوالي 70%. [10]

كيف يمكن التعرف على الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة

غالبًا ما  يتم استخدام أسماء كتاب وهمين مع الأخبار الزائفة، كما أن مصادر الحصول علي المعلومات تكون غير دقيقة وغير موثوف فيها، وغالبًا ما تكون المعلومات التي نشرت ذات تحيز واضح، وتحاول إثارة مشاعر الغضب لدي القارئ، كما أن محتواها يكون محتوي غير منطقي. [11]

كيف نتعامل مع الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

 تعمل الصحف التقليدية والرقمية علي الالتزام بالمعايير الصحفية كالموضوعية والتوازن، لكن غالبًا ما يتم تجاهل هذه المعايير على وسائل التواصل الاجتماعي. من المرجح أن يشارك المستخدمون المعلومات دون التحقق منها، خاصةً عندما تحتوي على محتوى مثير للجدل، وفي كثير من الأحيان تساهم ردود الفعل العاطفية للمستخدمين في سرعة انتشار المعلومات، ولكن يوجد العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع المحتوي الزائف كالآتي:

  1. تحديد الروبوتات الخبيثة وحظرها، ومع ذلك من الصعب بمكان تحديد ما إذا كان الحساب يتم تشغيله بواسطة روبوت أم مستخدم حقيقي. كما أن بعض الروبوتات التي يتم إنشائها بقصد خبيث في بعض الأحيان تعمل على إنشاء محتوي إنساني، وتزعم دراسة حديثة بأن حوالي 9-15٪ من حسابات تويتر، و 60 مليون حساب على فيسبوك، هي عبارة عن روبوتات.
  2. تثقيف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي  لكي يتمكنوا من معرفة المعلومات الحقيقية من الزائفة. فغالبًا ما يقوم العديد من المستخدمين بمشاركة المعلومات دون تقييم مدي مصداقيتها، ومع ذلك إذا استمر هذا الاتجاه، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلي تقليل مصداقية المنافذ الإخبارية.[12]

المراجع:

(1),(12)ipur.nus.edu.sg
(2),(5)unesco
(3)investopedia
(4),(6)forbes
(7)forbes
 (8),(11)verizon
(9)nature
(10)bbc
image source: finchannel

4 تأثيرات لا تعرفها عن مواقع التواصل الاجتماعي

4 تأثيرات لا تعرفها عن مواقع التواصل الاجتماعي

تشكل مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا هامًا ورئيسيًا في عالمنا الحالي، فهي بالكاد مكوّن أساسي لا تخلو منه حياة الأفراد اليوميّة، لما تقدمه لنا من تسهيلات قد يسّرت التعاملات اليومية المتكررة أكثر من أيّ وقت مضى، بل وفي بعض الظروف قد تمثل حلولًا لمشاكل عالمية مثل الذي يحدث الآن أثناء جائحة كورونا. فقد قدّمت لنا وسائل التواصل الاجتماعي خدمات لا غنى عنها في التخفيف من وطأة الظهور المفاجئ للوباء والجو العام من العزلة التي فرضته ظروف الحجر الصحي. وبمرور الوقت، طالت مدة الأزمة وأصبحت تلك المواقع هي الواقع الجديد الذي ينبغي تقبله والتعايش معه، الأمر الذي بدوره أنتج العديد من الظواهر التي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على صحة الأفراد النفسية والعقلية.

1. أثر مواقع التواصل على الصحة النفسية

قد يسبب الاستخدام المفرط لتلك المواقع الكثير من الآثار السلبية من ازدياد شعور القلق أو الإحساس المتزايد بالوحدة والعزلة لعجز التواصل الافتراضي عن سد فجوة التواصل الحقيقي أو حتى مقارنة أنفسنا بالآخرين والشعور بالإحباط عند رؤية منشورات يعبرون فيها عن سعادتهم بينما لا نستطيع نحن الشعور بتلك السعادة. جميع هذه التأثيرات قد تحدث منفردة أو مجتمعة، وتختلف حدتها حسب المدة التي نقضيها في تصفح تلك المواقع.(1)

2. ظاهرة ال FOMO «الخوف من أن يفوتك أمر ما-Fear of missing out»

ظاهرة ال FOMO هي قلق اجتماعي نابع من الاعتقاد بأن الآخرين قد يحظون ببعض المتعة بينما الشخص الذي يعاني من القلق غير موجود. توصف أيضًا بأنها الرغبة في البقاء على اتصال دائم مع ما يفعله الآخرون. كما أنها تعرف بالخوف من الندم من أن يفوت المرء فرصة للتفاعل الاجتماعي أو تجربة جديدة أو استثمار مُربح. (2)

وفي ظل الاستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي لاقت هذه الظاهرة انتشارًا واسعًا خاصة بين فئة الشباب. كما أن آليات عمل هذه المواقع تهيئ بيئة مناسبة لانتشار هذه الظاهرة، حيث أن تلك الآليات تسعى إلى تحسين تجربة الأفراد من خلال إطالة مدة تصفحهم على المواقع وزيادة نسبة التفاعلات والأنشطة بين المستخدمين مما أدى إلى توفير تيار مستمر من الأنشطة التي قد لا يستطيع الفرد الواحد المشاركة بها، فيتولد عند الفرد إحساسًا بتفويت شيء ما. أمثلة على تلك الآليات هي خاصية «إضفاء الطابع الشخصي على المحتوى-personalisation of content»، خاصية «الإتاحة المؤقتة لنشرة الأخبار-temporarily available feeds» وخاصية «الإشعارات- notifications» و«الإنذارات-alerts».
(3)

قد تكون جميع تلك الآثار المذكورة حتى الآن مألوفة لنا أو اختبرنا بعضًا منها بدرجة أو بأخرى، ولكن هل سمعت من قبل عما يعرف ب «فترة الانتباه- attention span» وإلى أي مدى تأثرت بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي؟

3. فترة الانتباه

فترة الانتباه هي كمية الوقت الذي نقضيه بكامل التركيز على مهمة محددة قبل تشتّت الانتباه. حسب دراسة أجرتها ميكروسوفت فإن متوسط فترة الانتباه للفرد هو 8 ثوانٍ بعد أن شهد هبوطًا حادًا من 12 ثانية في عام 2000. (4) وترجع أسباب ذلك إلى الطفرة التقنية التي شهدتها تلك الفترة من ظهور الهاتف المحمول بالتزامن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وخاصية الاتصال الدائم بالانترنت. تلعب «فترة الانتباه- attention span» دورًا هامًا في قدرة الفرد على التعلم وتحقيق الأهداف. فبزيادة تلك الفترة، يزداد تركيز الفرد وبالتالي تزداد قدرته الذهنية على أداء المهام المعقدة. (5)

لكن على ما يبدو، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد. فقد وُجد أن آثار مواقع التواصل الاجتماعى قد تصل إلى مستوى أعمق من ذلك على المدى البعيد.

4. أثر مواقع التواصل على إدراك الواقع

تمضية ساعات متواصلة في التصفح على فيسبوك ومشاركة أجمل اللقطات ونشر أسعد أخبارنا وانجازاتنا وتلميع ذواتنا باستمرار قد يخلق صورة زائفة عن هويتنا الحقيقية ويغير نظرتنا تجاه من نكون نحن فعلًا. التعرض المستمر لذلك العالم المصطنع قد يغير مفهوم الواقع الحقيقي بالنسبة لنا، بل وقد يغير سلوكنا أيضًا. ولعل أحد الظواهر التي ينجلي بها تأثير وسائل التواصل على السلوك هو «تأثير بروتيوس». هل سمعت عنه من قبل؟

تأثير بروتيوس يحدث في التفاعلات الافتراضية على مواقع التواصل حين يصنع أحد المستخدمين ال«أفاتار- avatar» الخاص به، فإنه يؤثر على إدراك وتصورات الناس وسلوكهم الواعي أو غير الواعي. (6)

حسنًا قد تكون فزعت بعض الشيء، أو ربما قررت حذف حساباتك من تلك المواقع أو حتى تركها للأبد ولكن عليك أن تعلم مع ذلك أنها ليست بذلك السوء، على الرغم من قدرتها كأداة جديدة نسبيًا على البشر في إحداث آثار سلبية، فهي في آخر الأمر أداة، وكأي أداة أخرى فنتائج استخدامها تعتمد على الطريقة المستخدمة بها، إن اُستخدمت بشكل جيد أو سيء. لذا فتفكّر جيدًا في كيفية استخدامك وهل تستخدمها فعلًا بالشكل الأمثل الذي يضمن لك تحقيق أقصى استفادة من تلك الأداة؟

مصادر:
(1) IEEE
(2) wikipedia
(3)Researchgate
(4)Time
(5)wikipedia
(6)elakademiapost

Exit mobile version