عائلة اللغات النيجرية الكنغوية

هذه المقالة هي الجزء 4 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

عائلة اللغات النيجرية الكنغوية

تعد عائلة اللغات النيجرية الكنغوية (Niger Congo Languages) من العائلات اللغوية الأساسية. وتصنف على أنها ثالث أكبر عائلة بالنسبة لعدد الناطقين. ومن حيث عدد اللغات التي تضمها، فهي العائلة الأكبر. إذ إنها تحتوي على أكثر من 1500 لغةٍ، وينطق بها حوالي 570 مليون شخص [1].

عائلة اللغات النيجرية الكنغوية

تصنيف اللغات ضمن العائلة

تنتشر عائلة اللغات النيجرية الكنغوية في جزء كبير من أفريقيا، يعادل ثلثي مساحة هذه القارة. فهي تغطي كامل جنوب الصحراء الكبرى، امتداداً من السنغال في الغرب إلى جزر القمر في الشرق، ومن نيجريا في الشمال إلى جنوب أفريقيا في الجنوب [2].

يعود أقدم تصنيف معروفٍ للغات الأفريقية إلى القرن التاسع عشر. حيث قُسمت جميع اللغات الأفريقية إلى أربع مجموعات، منها ما هو في الشمال، ومنها ما هو في الوسط، ومنها ما هو في الجنوب. ثم طرأت تغيرات على هذا التصنيف نتيجة التعمق في دراسة اللغات ومقارنتها. حيث تم تقسيمها إلى مزيد من المجموعات، وأصبح تنوع اللغات موازياً لتنوع المجموعات العرقية. في القرن العشرين، ساعد العالم اللغوي الألماني ويسترمان (Westermann) في توضيح هذه التصنيفات. وتطرقت دراساته إلى اللغات “السودانية الشرقية” والتي تسمى حالياً اللغات النيلية الصحراوية (Nilo-Saharan languages). كما درس اللغات “السودانية الغربية” والتي باتت تعرف باسم اللغات النيجرية الكنغوية [3].

أصل اللغات النيجرية الكنغوية

لدى دراسة أصل عائلة اللغات النيجرية الكنغوية ومحاولة تصنيفها، واجه اللغويون تحديات بسبب التنوع والاتساع الجغرافي الكبيرين الذين تتمتع بهما. كما بقيت اللغات فيها تنقسم عن بعضها البعض، وتتمايز في لغاتٍ جديدة لآلاف السنين. ونتيجة الشحّ في السجلات التاريخية التي يعود المتوفر منها إلى مئات السنين لا أكثر، ومحدودية المعرفة حول عدد كبير من هذه اللغات، أصبح من شبه المستحيل إعادة صياغة لغة سلف مشتركة لكامل العائلة [4].

لكن قام ويسترمان في القرن العشرين بالتعمق في دراسة تفاصيل اللغات السودانية الغربية (النيجرية الكنغوية) التي عرّفها. وسعى من خلال هذا إلى اكتشاف روابط مع لغات البانتو (Bantu). فرتبها في ست مجموعات فرعية، ونسبها إلى عددٍ من الجذور في اللغة السودانية الغربية البدائية. كما قارن هذه الجذور مع جذورٍ في لغة البانتو البدائية التي كان قد أعاد صياغتها غيره من اللغويين قبل إجراء دراسته بسنوات [3].

لكن في العموم، لا يوجد اتفاقٌ بين الباحثين على أصول هذه العائلة ومسار تطورها التاريخي. ولكن عند تقسيمها إلى فروع رئيسية، تذهب التقديرات إلى أن هذه الفروع كانت قد نشأت من لغة سلفٍ تعود إلى 5000 سنة تقريباً [4].

المجموعات الفرعية للعائلة النيجرية الكنغوية

لا يمكن تحديد عدد اللغات في هذه العائلة بدقة. ففي ظل غياب السجلات التاريخية، يصعب تمييز ما إذا كانت لغتان معينتان ضمنها، هما لهجتان مختلفتان للغةٍ واحدة، أم أنهما فعلاً لغتين منفصلتين. ولكن قامت الدراسات بتقسيم العائلة إلى فروع رئيسية، ويتشابه بعضها أكثر من الآخر. ويعود هذا إلى التباعد الزمني في فترات انقسامها عن الأصل أو تمايزها كمجموعة لغات فرعية [4].

كما يوجد شبه إجماعٍ، أو على الأقل عدم خلاف، على أن التقسيمات الأساسية للعائلة النيجرية الكنغوية هي ما يلي. أولاً مجموعة لغات بينو-كونغو (Benue-Congo) وتضم لغات البانتو والعديد من اللغات المحكية في جنوب نيجريا. ثم مجموعة لغات كوا (Kwa) والممتدة من ساحل العاج إلى حدود نيجريا، ومجموعة لغات غور (Gur) التي تنتشر في قسمٍ كبيرٍ من بوركينا فاسو والأجزاء الجنوبية من مالي. أما في القسم الجنوبي الغربي من ساحل العاج وأغلب ليبيريا، توجد مجموعة فرعية تسمى لغات كرو (Kru). وعلى ساحل الأطلسي، في أجزاء من السنغال وغامبيا وغينيا وسيراليون تنتشر مجموعة اللغات الأطلسية (Atlantic). وأخيراً، في جبال النوبة في السودان، تنتشر لغات مصنفة في مجموعة يطلق عليها اسم الكوردوفانيان (Kordofanian) [5].

بعض المجموعات الفرعية ضمن العائلة النيجرية الكنغوية

في النهاية، لا يمكن القول أن هذه المجموعات الفرعية هي الوحيدة، حيث تتشعب العائلة النيجرية الكنغوية. وحتى في مجموعاتها الفرعية، يمكن العثور على تقسيمات أدق وأكثر تفصيلاً.

المصادر

  1. Ethnologue
  2. Sorosoro
  3. Exploring the Niger-Congo Languages
  4. MustGo
  5. Niger-Congo languages – Jeff Good

عائلة اللغات الصينية التبتية

هذه المقالة هي الجزء 3 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

تعد عائلة اللغات الصينية التبتية (Sino-Tibetan Languages) من العائلات اللغوية الأساسية. وتصنف على أنها ثاني أكبر عائلة من ناحية عدد المتحدثين، حيث يبلغ عدد الناطقين بلغاتٍ تنتمي إلى هذه العائلة حوالي 1,4 مليار شخص في العالم. ومن جهة عدد اللغات التي تضمها، فيوجد تقريباً 455 لغة صينية تبتية [1].

عائلة اللغات الصينية التبتية

تصنيف اللغات ضمن العائلة

تنتشر عائلة اللغات الصينية التبتية في الصين ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك في بورما ونيبال والهند [2]. وتعتبر دراسة هذه العائلة في علم اللغويات حديثة العهد، إذ لم ينشط الاهتمام بها إلا منذ حوالي 50 عاماً. في البداية، سعى الباحثون منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى تحديد مكان اللغة الصينية في سياق أوسع من ناحية أصلها. وكان الاعتماد في هذا على العلاقة بين اللغتين الصينية والتبتية من جهة، وبين التبتية والبورمية من جهة أخرى. وبالعموم، أدت دراسة هاتين العلاقتين إلى توضيح بعض المفاهيم الغامضة حول عائلة لغاتٍ هندية صينية. وفيما يتعلق بمصطلح “الصينية التبتية،” كان أول من استخدمه روبرت شافير (Robert Shafer) الذي قاد مجموعة أبحاث لغوية في جامعة كاليفورنيا في ثلاثينيات القرن العشرين. وفي دراسته، قسم شافير هذه العائلة إلى ثلاث مكونات هي المكون الصيني، والمكون التبتي البورمي، والمكون الأخير وهو تاي-كاداي أو دايك [2] [3].

أصل اللغات الصينية التبتية

تشير الدراسات إلى أن موطن أصل هذه العائلة، والمتمثل باللغة الصينية التبتية البدائية (Proto-Sino-Tibetan)، يقع في منطقة الهيمالايا حيث تنبع الأنهار الكبيرة في آسيا كالنهر الأصفر (Yellow River) ونهر يانجتسي (Yangtze River) ونهر ميكتونغ (Mekong River) [2].

اعتمد أحد الأبحاث على تحليل هذه العائلة وفق علم الوراثة العرقي. وفيه، جمع الباحثون قاعدة بياناتٍ تضمّ 180 مفردةً أساسية من 50 لغة صينية تبتية قديمة تعود إلى أكثر من ألف عامٍ، كاللغات الصينية القديمة، والبورمية القديمة، والتبتية القديمة، إضافة إلى لغات حديثة. ثم قاموا بتحديد الكلمات التي تعود إلى أصل مشترك. كما درسوا لفظ هذه الكلمات لتبيان ما هي الأصوات التي قد تكون مرتبطة ببعضها. ومن بين الصعوبات التي واجهها هذا البحث هو وجود كلماتٍ استعارتها اللغات من بعضها، ولم تكن هذه الحالات بالقليلة. لكنّ المعرفة الجيدة لتاريخ لغاتٍ محددة، واستخدام تقنيات طورت خصيصاً لاكتشاف تاريخ استعارة الكلمات، أدى إلى تجاوز تلك العقبة. وبالاعتماد على طرائق حاسوبية، استطاع فريق البحث استخلاص العلاقات المحتملة بين هذه اللغات، ومن ثم تقدير الفترة الزمنية التي نشأت فيها. فكانت النتيجة التي رجحتها تقديرات الباحثين أن اللغة السلف لعائلة اللغات الصينية التبتية ظهرت قبل حوالي 7200 سنة في شمال الصين، وكان يتحدثها مزارعو الدخن [4] [5].

المجموعات الفرعية للعائلة الصينية التبتية

يمكن تقسيم هذه العائلة إلى مجموعات فرعية، وبالعودة إلى روبرت شافير، توجد ثلاث تقسيمات أساسية ضمن هذه العائلة الأمّ. أولاً، هناك الفرع الصيني (Chinese)، ويشير إلى اللغة الصينية ذات الأهمية الكبيرة في العالم. ويعرّف بعض الباحثين مرحلتين لتطور هذه اللغة وهما اللغة الصينية القديمة، واللغة الصينية المتوسطة [2].

ثانياً، يوجد الفرع المسمى التبتي البورمي (Tibeto-Burman)، والذي يضم اللغات المحكية في منطقة واسعة تمتد من هضبة التبت في الشمال إلى شبه جزيرة مالايو في الجنوب، ومن شمالي باكستان في الغرب إلى شمال شرق فيتنام في الشرق [6].

ثم في كتاب “مقدمة إلى اللغات الصينية التبتية” التي نشر في عام 1966، تحدث شافير عن القسم الفرعي الثالث وهو لغات تاي-كاداي أو دايك (Tai/Daic). وتضم هذه اللغات التايلاندية (السيامية) واللاوية وغيرها من اللغات كتلك المحكية في فيتنام [7].

وأخيراً، يمكن الحديث عن مجموعة فرعية أخرى وهي المجموعة الأصغر وتدعى اللغات الكارينية (Karen) ويتحدثها حوالي 3 مليون شخصاً متواجدون في جنوبي بورما وغرب تايلاند [8].

بعض المجموعات الفرعية ضمن العائلة الصينية التبتية

المصادر

  1. Ethnologue
  2. The Sino-Tibetan Language Family
  3. Britannica
  4. Origin of Sino-Tibetan Language Family Revealed by New Research
  5. Dated language phylogenies shed light on the ancestry of Sino-Tibetan
  6. MustGo
  7. Tai languages
  8. Babbel Magazine

عائلة اللغات الهندو-أوروبية

هذه المقالة هي الجزء 2 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

عائلة اللغات الهندو-أوروبية


تعد عائلة اللغات الهندو-أوروبية (Indo-European Languages) من العائلات اللغوية الأساسية. وتصنف على أنها العائلة الأكبر من ناحية عدد المتحدثين، إذ يزيد عدد الناطقين بلغاتٍ تنتمي إلى هذه العائلة على 3 مليار شخص في العالم. ولكنها ليست الأكبر من حيث عدد اللغات. فتقع تحت مظلة العائلة الهندو-أوروبية حوالي 445 لغة [1].

عائلة اللغات الهندو-أوروبية

تصنيف اللغات ضمن العائلة

كان أول من استخدم اسم “الهندو-أوروبية” العالم اللغوي الألماني فرانز بوب في عام 1816. وقد اشتق هذه التسمية للإشارة إلى عائلة اللغات الموجودة في أوروبا وآسيا، بما في ذلك شمال الهند وإيران وأفغانستان وباكستان وبنغلادش [2].
ولكن يرجع اكتشاف التشابه بين اللغات في أوروبا وتلك المحكية في الهند إلى قبل ذلك. وكان نتيجة فتح باب التجارة بين هاتين المنطقتين في القرن السادس عشر. حيث لوحظ وجود تشابه غريبٍ بين بعض المفردات في اللغة السنسكريتية ومقابلاتها في اللغة الإيطالية. ومن الأمثلة على ذلك كلمة “الإله” وهي “deva” بالسنسكريتية وتقابلها “dio” بالإيطالية، وكلمة الأفعى وهي “sarpa” بالسنسكريتية وتقابلها “serpe” بالإيطالية. إضافة إلى بعض الأرقام مثل “سبعة وثمانية وتسعة” وهي بالسنسكريتية “sapta, ashta, nava” وبالإيطالية “sette, otto, nove” على الترتيب [3].

وقد تعمق المستشرق ويليام جونز في القرن الثامن عشر في مقارنة السنسكريتية واللاتينية واليونانية القديمة. وخَلُص إلى أن التشابه بين جذور الأفعال والصيغ القواعدية هو أكبر من أن يكون بمحض الصدفة. كما كانت دراسات جونز أساساً لمزيد من الأبحاث التي أجراها هو وعلماءٌ لغويون من بعده، ممن أتقنوا اللغة السنسكريتية وقواعدها. ومن الجدير بالذكر أن جونز اعتمد في دراسته على أبحاث العالم اللغوي السنسكريتي بانيني، والذي كان قد وضع نظاماً منهجياً ودقيقاً لتحليل الكلمات حوالي عام 500 ق.م. [3].

أصل اللغات الهندو-أوروبية

يعود أصل اللغات الهندو-أوروبية إلى اللغة الهندو-أوروبية البدائية (Proto-Indo-European). وترجح الدراسات أن هذه اللغة القديمة – التي لم تعد موجودة الآن – كانت منتشرة في منطقة أوكرانيا والمناطق المجاورة في القوقاز وجنوبي روسيا. وانتشرت من هناك إلى معظم أوروبا، ثم وصلت إلى الهند. إضافة لذلك، وجدت الأبحاث التي تعقبت هذه اللغة أنها كانت قد بدأت تفقد وحدتها حوالي عام 3400 ق.م.

ولكن لم يطور المتحدثون الأصليون للغة الهندو-أوروبية البدائية نظام كتابة للغتهم، مما جعل إيجاد دليلٍ مادي عليها بالأمر الصعب. ولهذا السبب، يلجأ علم اللغويات إلى محاولة إعادة بناء هذه اللغة وصياغتها باستخدام طرق مختلفة. وتتفاوت هذه الطرق من مقارنة اللغات المختلفة التي تنتمي إلى هذه العائلة، إلى إجراء دراساتٍ مقارنة تتجاوز اللغة بحد ذاتها. على سبيل المثال، تركز بعض الأبحاث على دراسة الأساطير والقوانين والهيئات المجتمعية التي كانت سائدة في تلك المجتمعات الناطقة بهذه اللغة البدائية الأصلية [4].

المجموعات الفرعية للعائلة الهندو-أوروبية

تقسم عائلة اللغات الهندو-أوروبية إلى مجموعات فرعية، ولكن بعضها انقرض مع الزمن. ومن ضمن المجموعات الفرعية التي انقرضت اللغات الأناضولية (Anatolian). وقد كانت سائدة في الألفيتين الأولى والثانية ق.م. في المناطق التي تقابل حالياً القسم الآسيوي من تركيا وشمال سوريا. إضافة لذلك، توجد مجموعة اللغات الهندية الإيرانية (Indo-Iranian) والتي كانت منتشرة في مناطق وسط وشمال الهند، وإيران، وأفغانستان. ثم توجد اللغة اليونانية (Greek) التي تشكل مجموعة فرعية على الرغم من أنها كانت على مر التاريخ لغة واحدة، ولكن تضم لهجاتٍ متنوعة. ومثلها الأرمينية (Armenian) التي تشكل مجموعة فرعية في العائلة الهندو-أوروبية مع أنها لغة واحدة. ثم لا ننسى مجموعة اللغات الإيطاليكية (Italic)، وتعد اللغة اللاتينية من أبرز مكوناتها، وتضم بدورها اللغات الرومانسية كالفرنسية والإسبانية والإيطالية. وأخيراً سنذكر مجموعة اللغات الجرمانية (Germanic) التي انقرض بعض منها وبقي بعضها الآخر كالإنكليزية والألمانية والهولندية [5].

بعض المجموعات الفرعية ضمن العائلة الهندو-أوروبية

توجد المزيد من المجموعات الفرعية تحت مظلة اللغات الهندو-أوروبية. وعموماً، تنتشر هذه اللغات حالياً في معظم أوروبا والمستعمرات الأوروبية السابقة وأجزاء كثيرة من جنوب غرب وجنوب آسيا [5].

المصادر

  1. Ethnologue
  2. CLMC
  3. The Indo European Language
  4. World History Encyclopedia
  5. Britannica

اللغات الجرمانية وأصلها

اللغات الجرمانية وأصلها

تعتبر الكثير من اللغات التي نعرفها حالياً، كالإنكليزية والألمانية والدنماركية والنرويجية، من اللغات الجرمانية (Germanic languages). وتعود جميعها إلى أصل مشترك، لكن طرأ عليها بعض التغييرات التي ميزتها عن ذلك الأصل. كما أنها مختلفة فيما بينها في عدد من الجوانب. تعد اللغات الجرمانية من المجموعات الفرعية لإحدى العائلات اللغوية الأساسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. تعتبر اللغات الجرمانية من أحد الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية [1].

أصل اللغات الجرمانية وتقسيماتها

يعود الدليل الأقدم على الناطقين باللغة الجرمانية الأصلية إلى النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد. وكان هؤلاء يقطنون في المنطقة الممتدة من جنوب شبه الجزيرة الاسكندنافية إلى ساحل بحر البلطيق الشمالي [1].

تقسم هذه اللغات إلى ثلاث مجموعات فرعية.

المجموعة الشرقية (East Germanic) هي مجموعة لغات منقرضة ولا وجود لها حالياً. كانت تتحدثها قبائل جرمانية قديمة كالقوطيين والبرغنديين والفاندال. وكانت تنتشر في المنطقة الممتدة بين نهر أودر في وسط أوروبا ونهر فيستولا في بولندا [2]. انتقلت هذه اللغات عن طريق حركات الهجرة إلى وسط وشرق أوروبا، وإلى شمال أفريقيا أيضاً. ويمكن الاطلاع على مثالٍ عن هذه المجموعة في الترجمة القوطية للإنجيل والتي تعود للقرن الرابع الميلادي [3]. ولكن بدأت المجموعة الشرقية تنقرض تباعاً منذ القرن الرابع الميلادي، وتوالت بالاختفاء حتى القرن الثامن عشر حين لم تعد أي منها من اللغات المحكية [4].

أما المجموعتان الموجودتان حالياً من فهما الجرمانية الشمالية (North Germanic) والجرمانية الغربية (West Germanic). تضم هاتان المجموعتان العديد من اللغات، إذ يبلغ عدد اللغات الجرمانية الحية 47 لغة على الأقل [4].

بالنسبة للمجموعة الشمالية، أو الإسكندنافية، فتحتوي على اللغات الدنماركية والنرويجية والسويدية والأيسلندية والفاروية. في حين تتألف المجموعة الغربية من اللغات الإنكليزية والألمانية، بكافة أشكالهما، والهولندية (بما في ذلك الأفريقانية السائدة في جنوب أفريقيا والفلمنكية) والفريزية [3].

بعض خصائص اللغات الجرمانية

طرأت تغيرات رئيسية على الجذر الهندو أوروبي أثناء تحوله إلى اللغة الجرمانية الأصلية، والتي تفرعت لاحقاُ إلى مجموعات اللغات المذكورة. ومع أن هذه اللغات قد تبدو مختلفة عن بعضها، توجد بعض النقاط المشتركة فيما بينها والتي تميزها عن غيرها.

مثلاً، تضم اللغات الجرمانية عدداً من الكلمات التي لا تملك مقابلات مشابهة في اللغات الهندو أوروبية الأخرى. من الممكن تفسير هذا بأن المقابلات كانت موجودة بالفعل، ولكنها اختفت من اللغات الهندو أوروبية الأخرى. أو أن هذه الكلمات دخلت إلى اللغات الجرمانية من لغات غير هندو أوروبية كاللغات المحكية في مناطق تعرضت لغزو القبائل الجرمانية.

كما طرأت بعض التغيرات على الأحرف الصوتية في اللغات الهندو أوروبية. ففي حين احتفظت اللاتينية بالصوت /o/، أصبح هذا الصوت /a/ في الجرمانية.

ومن التغييرات الأخرى اعتماد اللواحق لتغيير الفعل إلى الزمن الماضي. تحدث عالم اللغويات الألماني جاكوب غريم عن نوعين من الأفعال فيما يتعلق بالتحويل للزمن الماضي. حيث صنّف غريم هذه الأفعال إلى قوية وضعيفة. أولاً، تتسم الأفعال القوية بتطبيق تغيير داخلي على الفعل لتغيير زمنه إلى الماضي. ومثال هذا في الإنكليزية (rise/rose)  و (sing/sang). في حين أن الأفعال الضعيفة تستخدم لواحق لهذا الغرض، مثل (step/stepped) و (talk/talked). وتتشارك اللغات الجرمانية بهذه الميزة، وهي استخدام اللاحقة التي تضم الأصوات /t/ أو /d/.

كما تغير نظام تشديد النبرة الحر الموجود في اللغات الهندو أوروبية التي يتغير فيها تشديد النبرة من مقطع لآخر في صيغ مختلفة للكلمة الواحدة. من جهة أخرى، تعتمد اللغات الجرمانية على تشديد المقطع الأول من الكلمة. طبعاً توجد بعض الاستثناءات، وخاصة عندما يكون المقطع الأول للكلمة هو عبارة عن سابقة مضافة مثل كلمتي /believe/ و/forget/ في الإنكليزية. [5]

الفهم المتبادل ضمن المجموعة الجرمانية

وأخيراً، تتفاوت درجات فهم إحدى هذه اللغات لدى الناطقين بلغة أخرى من نفس المجموعة. على سبيل المثال، تعتبر السويدية والدنماركية أكثر اللغات الجرمانية قدرة على فهم بعضهما البعض. كما يمكن للألمانية والهولندية الوصول إلى درجة معينة من الفهم المتبادل. وتعد اللغة الإنكليزية أكثرها انتشاراً في العالم [6].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر

  1. World History Encyclopedia
  2. Britannica – East Germanic Languages
  3. John A. Hawkins – Germanic Languages
  4. Babble Magazine – All in The Language Family: The Germanic Languages
  5. History of ЄΝϞL·ΙЅΗ – Features of Germanic languages
  6. University of Groningen

أوغست كونت .. سيرة ذاتية

ميلاد علم الاجتماع وتطور حركة الفكر

إهتم المفكرون قبل وقت طويل بدراسة المجتمعات التي عاشوا فيها، قبل أن يصبح علم الاجتماع تخصصًا أكاديميًا منفصلا: «أفلاطون- Plato»، «أرسطو-Aristotle»، «كونفوشيوس-Confucius» ، «ابن خلدون-Ibn Khaldun» و «فولتير-Voltaire» كلها جهود مهدت الطريق لعلم الاجتماع الحديث. فمنذ العصور القديمة، كانت العلاقة بين الأفراد والمجتمعات التي ينتمون إليها من أهم الموضوعات التي اشتعلت في رؤوسهم. فقام الفلاسفة القدماء بدراسة العديد من الموضوعات التي تناولها علم الاجتماع الحديث، رغبةً منهم في وصف كيف يكون المجتمع المثالي، بما في ذلك نظريات الصراع الاجتماعي والاقتصاد والتماسك الاجتماعي والقوة. في هذه المقالة أوغست كونت .. سيرة ذاتية سنتناول جهود واحدًا من أهم مؤسسي علم الاجتماع.

في القرن الثالث عشر، اعترف «ما توان لين – Ma Tuan-Lin» وهو مؤرخ صيني، لأول مرة بالديناميكيات الاجتماعية كعنصر أساسي للتطور التاريخي. شهد القرن التالي ظهور المؤرخ الذي يعتبره البعض أول عالم اجتماع في العالم : ابن خلدون. كتب عن العديد من الموضوعات التي  تعتبر محاور أساسية في علم الاجتماع الحديث، إذ وضع أساسًا لكل من علم الاجتماع والاقتصاد الحديث، بما في ذلك نظرية الصراع الاجتماعي ومقارنة الحياة البدوية والمستقرة ووصف للاقتصاد السياسي ودراسة تربط التماسك الاجتماعي للقبيلة بقدرتها على السلطة.

في القرن الثامن عشر، طور فلاسفة عصر التنوير مبادئ عامة يمكن استخدامها لشرح الحياة الاجتماعية. استجاب مفكرون مثل «جون لوك- John Locke» وفولتير و «إيمانويل كانط-Immanuel Kant» و «توماس هوبز-Thomas Hobbes» لما رأوه من علل اجتماعية من خلال الكتابة عن الموضوعات التي كانوا يأملون أن تؤدي إلى الإصلاح الاجتماعي. مثل «ماري وولستونكرافتMary- Wollstonecraft» ، التي كتبت عن ظروف المرأة في المجتمع. تم تجاهل أعمالها منذ فترة طويلة من قبل الهيكل الأكاديمي الذكوري، ولكن منذ 1970s  وقد اعتبر وولستونكرافت على نطاق واسع من أوائل المفكرين النسويين.

شهد أوائل القرن التاسع عشر تغييرات كبيرة مع الثورة الصناعية  وزيادة التنقل  وأنواع جديدة من العمالة. فقد كان أيضًا وقتًا للاضطرابات الاجتماعية والسياسية الكبيرة مع صعود الإمبراطوريات التي عرضت العديد من الناس لأول مرة لمجتمعات وثقافات أخرى غير ثقافاتهم. انتقل الملايين من الناس إلى المدن وتحول الكثير من الناس بعيدًا عن معتقداتهم الدينية التقليدية.

أوغست كونت والد علم الاجتماع

صيغ مصطلح علم الاجتماع لأول مرة في عام 1780 من قبل الكاتب الفرنسي «إيمانويل جوزيف سياس-Emmanuel Joseph» في مخطوطة لم تر النور. وفي عام 1838، اختراع المصطلح ذاته من جديد من قبل أوغست كونت. درس كونت في الأصل ليكون مهندسًا، لكنه أصبح فيما بعد تلميذًا للفيلسوف الاجتماعي «كلود هنري دي روفروي كونت دي سانت سيمون- Henri de Saint-Simon» فكلاهما يعتقد أن علم الاجتماع هو دراسة المجتمع باستخدام نفس الأساليب العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية. كان كونت يأمل في توحيد جميع العلوم تحت علم الاجتماع. وأعرب عن اعتقاده بأن علم الاجتماع يحمل القدرة على تحسين المجتمع وتوجيه النشاط البشري، بما في ذلك العلوم الأخرى. ورأى أنه بمجرد أن يحدد العلماء القوانين التي تحكم المجتمع، يمكن لعلماء الاجتماع معالجة مشاكل مثل سوء التعليم والفقر.[1]

النشأة

طور الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت نظامًا للفلسفة الإيجابية. ورأى أن العلم والتاريخ يتوجان في علم جديد للبشرية، والذي أعطى اسم ” علم الاجتماع. أوغست كونت عالم الرياضيات، فيلسوف العلوم، كبير منهج الوضعية, ثم مؤسس ورئيس كهنة كنيسة الإنسانية، ولد في مونبلييه الفرنسية في 17 يناير 1798، تخلى عن الكاثوليكية المتدينة والملكية لعائلته أثناء مراهقته. دخل مدرسة الفنون التطبيقية في عام 1814 وأثبت نفسه عالم رياضيات وتميز بهذا المجال. لكنه طرد عام 1816 لمشاركته في تمرد طلابي. بعد بقائه في باريس، تمكن من إجراء أبحاث هائلة في الرياضيات والعلوم والاقتصاد والتاريخ والفلسفة. نشأ الفيلسوف الفرنسي أوغست كومت في أعقاب الثورة الفرنسية.تلك الفترة التي  شهد فيها المجتمع الأوروبي صراعًا عنيفًا ومشاعر الاغتراب. فلقد تحطمت الثقة في المعتقدات والمؤسسات الراسخة. قضى كومت الكثير من حياته في تطوير فلسفة لنظام اجتماعي جديد وسط كل الفوضى وعدم اليقين.

ميلاد أفكار كونت

رفض كونت الدين و الحكم، بدلا من ذلك ركز على دراسة المجتمع بمذهب أسماه “علم الاجتماع.” فقد قسم الموضوع إلى فئتين: القوى التي تجمع المجتمع معا “الإحصائيات الاجتماعية” وتلك التي تقود التغيير الاجتماعي “الديناميات الاجتماعية”. تلك الأفكار والأساليب العلمية التي تقدمت كثيرًا في هذا المجال. لعل كان أحد أسئلة كونت المركزية هو كيف تتطور المجتمعات وتتغير؟ منها انطلق إلى أفكاره وفلسفته الخاصة، لذا يعتبر كونت أحد مؤسسي علم الاجتماع، كما يُطلق عليه أبو علم الاجتماع

في التاسعة عشر من عمره، التقى كونت هنري دي روفروي، كونت دي سانت سيمون، وباعتباره ابنا بالتبني الروحي، أصبح سكرتيرًا ومتعاونًا مع الرجل الأكبر سنا حتى عام 1824. العلاقة بين سانت سيمون وكونت بدأت تتوتر على نحو متزايد لأسباب نظرية وشخصية حتى تدهورت في النهاية وانفصلا. كان سيمون مفكرًا بديهيًا مهتمًا بالإصلاح الاجتماعي، فكان طوباويًا. في الوقت ذاته كان كونت مفكرًا علميًا، مما يعني اعتماده المراجعة المنهجية لجميع البيانات المتاحة، مع اقتناع بأنه فقط بعد إعادة تنظيم العلم في مجمله يمكن أن يساعد في حل المشاكل الاجتماعية.

أبرز جهود كونت في علم الاجتماع

فلسفة الوضعية

عادة ما تفهم الوضعية كمصطلح على أنها طريقة معينة للتفكير. بالنسبة لكونت، فالوضعية هي عقيدة تنص على أن المعرفة الحقيقية الوحيدة هي المعرفة العلمية، وأن هذه المعرفة لا يمكن أن تأتي إلا من تأكيد إيجابي للنظريات من خلال طريقة علمية صارمة، ورفض كل شكل من أشكال الميتافيزيقيا.

فالمنهجية هي نتاج إعادة تصنيف منهجية للعلوم ومفهوم عام لتطور الإنسان في التاريخ وفقا لقانون المراحل الثلاث. كان كونت مقتنعا بأنه لا يمكن فهم أي بيانات بشكل كاف إلا في السياق التاريخي. الظواهر واضحة فقط من حيث أصلها ووظيفتها وأهميتها في المسار النسبي للتاريخ البشري.

ولكن على عكس هيجل، رأى كونت أنه لا يوجد روح (قوة معنوية)، فوق التاريخ الذي يجسد نفسه من خلال تقلبات الزمن. يمثل كونت النسبية الراديكالية: كل شيء نسبي؛ هناك الشيء المطلق الوحيد.

الوضعية كمبدأ يجعل جميع الأفكار والأنظمة السابقة نتيجة للظروف التاريخية. الوحدة الوحيدة التي يوفرها نظام الوضعية في تحيزه المضاد للفيزيائي الواضح هي النظام المتأصل للفكر البشري. وهكذا يحاول قانون المراحل الثلاث، الذي اكتشفه في وقت مبكر من عام 1820، إظهار أن تاريخ العقل البشري وتطور العلوم يتبعان نمطًا محددًا يوازي نمو المؤسسات الاجتماعية والسياسية.[3]

قانون المراحل الثلاث

 وفقًا لكونت، يرتكز نظام الوضعية على القانون الطبيعي والتاريخي فإن كل فرع من معرفتنا ملزم بالضرورة بالمرور على التوالي في مساره من خلال ثلاث حالات نظرية مختلفة.

فقانون المراحل الثلاث هو فكرة طورها أوغست كونت، وينص على أن المجتمع ككل وكل علم من العلوم يتطور من خلال ثلاث مراحل تصور عقليًا:

(1) المرحلة اللاهوتية أو الوهمية.

(2) المرحلة الميتافيزيقية أو المجردة.

(3) المرحلة العلمية أو الإيجابية. [4]

تمثل هذه المراحل أنواعا مختلفة ومعارضة من التصور البشري. النوع الأكثر بدائية هو التفكير اللاهوتي، الذي يعتمد على”مغالطة التعاطف” لقراءة التجربة الذاتية في عمليات الطبيعة. يتطور المنظور اللاهوتي بشكل جدلي من خلال الشهوة الجنسية والشرك والتوحيد حيث تفهم الأحداث على أنها متحركة بإرادتهم الخاصة أو بإرادة العديد من الآلهة أو مرسوم كائن واحد أعلى. سياسيًا، توفر الدولة اللاهوتية الاستقرار تحت الملوك المشبعين بالحقوق الإلهية والمدعومة بالقوة العسكرية. مع تقدم الحضارة، تبدأ المرحلة الميتافيزيقية كنقد لهذه المفاهيم باسم النظام الجديد. تتحول الكيانات الخارقة تدريجيًا إلى قوى مجردة تمامًا كما يتم تدوين الحقوق السياسية في أنظمة القانون. في المرحلة النهائية من العلم الإيجابي يتم التخلي عن البحث عن المعرفة المطلقة لصالح تحقيق متواضع ولكن دقيق في القوانين النسبية للطبيعة. يتم استبدال الأوامر الاجتماعية المطلقة والإقطاعية تدريجيا عن طريق زيادة التقدم الاجتماعي الذي تحقق من خلال تطبيق المعرفة العلمية.[2]

رؤية كونت في التعامل مع العلوم

من هذا المسح لتطور الإنسانية كان كونت قادرًا على تعميم منهجية إيجابية محددة. مثل «رينيه ديكارت-René Descartes» ، اعترف كونت بوحدة العلوم. ومع ذلك، لم يكن ذلك من طريقة تفكير لا لبس فيها ولكن التطور المتتالي لقدرة الإنسان على التعامل مع تعقيدات التجربة. كل علم يمتلك طريقة محددة للتحقيق. كانت الرياضيات وعلم الفلك العلوم التي طورها رجال مفكرون في وقت مبكر بسبب بساطتها وعموميتها وتجريدها. لكن الملاحظة وتأطير الفرضيات كان لابد من توسيعها من خلال طريقة التجريب من أجل التعامل مع العلوم الفيزيائية للفيزياء والكيمياء والبيولوجيا. مطلوب طريقة مقارنة أيضا لدراسة العلوم الطبيعية والإنسان والمؤسسات الاجتماعية. [5]

حتى تاريخ العلم والمنهجية يدعم قانون المراحل الثلاث من خلال الكشف عن التسلسل الهرمي للعلوم والاتجاه المنهجي من العام إلى الخاص، ومن البساطة إلى التعقيد. يدرس علم الاجتماع مجتمعات معينة بطريقة معقدة لأن الإنسان هو موضوع وبؤرة هذا الانضباط وهذه الدراسة. يمكن للمرء أن ينظر إلى الفئات الاجتماعية من وجهة نظر “الإحصائيات الاجتماعية”، التي تضم عناصر التماسك والنظام مثل الأسرة والمؤسسات، أو من وجهة نظر” الديناميات الاجتماعية ” التي تحلل مرحلة التطور المستمر التي حققها مجتمع معين.

قانون الثلاث مراحل أمام اختبار الزمن

لم تصمد رؤية كونت للعلم الموحد ولا نموذجه المكون من ثلاث مراحل أمام اختبار الزمن. فبدلا من ذلك، يأتي ذكر كونت لإضفاء توجه إيجابي على علم الاجتماع والطلب على الصرامة العلمية. إذ وجهت الدراسات الاجتماعية المبكرة تشبيها من علم الاجتماع إلى العلوم الطبيعية، مثل الفيزياء أو علم الأحياء. جادل العديد من الباحثين أن علم الاجتماع يجب أن تعتمد المنهجية العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية. هذا النهج العلمي، بدعم من أوغست كومت، هو في لُب الوضعية، وهو التوجه المنهجي مع الهدف الذي هو التحقيق العلمي الدقيق والموضوعي والتنبؤ.

منذ القرن التاسع عشر، وُضعت فكرة الوضعية على نطاق واسع. على الرغم من أن الوضعية لديها الآن مجموعة واسعة من المعاني أكثر مما انطوى عليه ما قصده كونت، إلا أن الإيمان بعلم اجتماع صارم علميًا، ففي جوهره نُفذ بالفعل. كما طبق علماء الاجتماع الحديث المنهج العلمي على البحث الاجتماعي في جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك الحكومات والتعليم والاقتصاد.

اليوم، يستخدم علماء الاجتماع الذين يتبعون التوجه الإيجابي لكونت مجموعة متنوعة من أساليب البحث العلمي. على عكس علماء الطبيعة، نادرًا ما يجري علماء الاجتماع تجارب، لأن الموارد البحثية المحدودة والمبادئ التوجيهية الأخلاقية تمنع التلاعب التجريبي على نطاق واسع للفئات الاجتماعية. ومع ذلك، في بعض الأحيان علماء الاجتماع قادرون على إجراء التجارب الميدانية. على الرغم من أن الأساليب الكمية، مثل الدراسات الاستقصائية، ترتبط بشكل شائع بالوضعية، فإن أي طريقة، كمية أو نوعية، يمكن استخدامها علميا.

في حين يعتبر نهج كونت اليوم طريقة مبسطة للغاية وغير قائمة على أسس سليمة لفهم التنمية الاجتماعية، إلا أنه يكشف عن رؤى مهمة في تفكيره حول الطريقة التي يوحد بها علم الاجتماع، – كجزء من المرحلة الثالثة – العلوم ويحسن المجتمع.

ستة مجلدات من الفلسفة الإيجابية

في عام 1826، بدأ تقديم سلسلة من المحاضرات نخبة من المفكرين الفرنسيين. ومع ذلك، حوالي ثلث الطريق من خلال سلسلة المحاضرات، عانى من انهيار عصبي. على الرغم من الاستشفاء الدوري على مدى السنوات ال 15 المقبلة، أنتج عمله الرئيسي، دورة ستة مجلدات من الفلسفة الإيجابية. في هذا العمل، جادل كومت بأنه  مثل العالم المادي، يعمل المجتمع بموجب مجموعة قوانينه الخاصة.[6]

لمحة خاصة وبزوغ عقيدته “دين الإنسانية”

عززت جهود كونت دراسة المجتمع وتطوير علم الاجتماع. خلال هذا الوقت ، دعم نفسه بمنصب في مدرسة الفنون التطبيقية، لكنه اشتبك مع المسؤولين وتم فصله في عام 1842. في نفس العام, طلق زوجته, «كارولين ماسين – Caroline Massin» بعد 17 سنوات من الزواج. ومنذ ذلك الحين، اعتمد على الأصدقاء والناس لدعمه.

في عام 1844، ارتبط كونت بـ «كلوتيلد دي فو-Clotilde de Vaux» وهي سيدة متزوجة، وهو أرستقراطي وكاتب فرنسي آنذاك. استمرت علاقتها مع كونت الأفلاطونية. بعد وفاتها وفي عام 1846، كتب كونت نظام الحكم الإيجابي. وصاغ مصطلح “دين الإنسانية”. إذ اقترح كونت نظامًا دينيًا قائمًا على العقل والإنسانية، مؤكدًا أن الأخلاق كحجر الزاوية في التنظيم السياسي البشري. [7]

وفاته

واصل كونت صقل وتعزيز “النظام العالمي الجديد”، في محاولة لتوحيد التاريخ وعلم النفس والاقتصاد من خلال الفهم العلمي للمجتمع. نشر عمله على نطاق واسع من قبل المثقفين الأوروبيين وأثر على تفكير كارل ماركس وجون ستيوارت ميل وجورج إليوت. حتى توفي جراء مضاعفات سرطان المعدة في باريس في 5 سبتمبر 1857.

عُرف أوجست كونت على نطاق واسع كمؤسس علم الاجتماع و “دين الإنسانية”. وقد أثرت مساهمات كونت في تاريخ وفلسفة العلوم بشكل حاسم على المنهجيات الإيجابية. صاغ مصطلح “علم الاجتماع” وأعطاه محتواه الأول، كانت له رؤيته الاجتماعية الخاصة، فاعتقد أن علم الاجتماع يمكن – ويجب – أن يكون انعكاسيًا وموسوعيًا وطوباويًا، فقد نظر في مواضيع مثل الشهوة الجنسية والشرك والمصير والحب والعلاقات بين علم الاجتماع والعلوم واللاهوت والثقافة.

المصادر

[1] cuny

[2] journals

[3] britannica

[4] britannica

[5] stanford

[6] lse

[7] victorianweb

كيف تلعب الشطرنج؟ كل ما تحتاج معرفته كمبتدئ

هذه المقالة هي الجزء 3 من 10 في سلسلة تعلم كيف تلعب الشطرنج للمبتدئين

أعتقد أن الشطرنج هي أكثر لعبة يمكنك أن تنفق عليها من وقتك الثمين دون أن تشعر بتأنيب الضمير. فمعظمنا يعلم مدى متعة وفائدة الشطرنج، وكيف يمكن أن تنمي قدراتك العقلية، بل والجسدية كما أوضحنا في مقال سابق. فكيف تلعب الشطرنج؟ حسنًا، هذه مهمتنا في هذا المقال. ولا تقلق، فلن تحتاج أن تكون على معرفة مسبقة باللعبة.

نبذة سريعة عن الشطرنج

الشطرنج هي اللعبة الاستراتيجية الأفضل والأشهر على مر التاريخ، ولعبة المفكرين، ولعبة الملوك، والأمراء. سمها كما شئت. لا نعرف متى بدأت اللعبة بالتحديد، ولكن من المرجح أنها ظهرت في أواخر القرن الخامس في الهند. يعود أصل التسمية إلى كلمة “شاطورانجا”، وهو الاسم الذي كان يطلق على الجيش الهندي في ذلك الوقت. كان الشطرنج في البداية يعتمد على الحظ في البداية؛ فكانت رمية النرد هي من تحدد الفائز. أما حاليًا، فجميعنا يعلم مدى الاجتهاد التي يتطلبه الشطرنج لتحترفه.

وصل الشطرنج من الهند إلى بلاد فارس، والتي عندما غزاها العرب، غيروا اسم اللعبة من “الشاطورانجا” إلى الاسم المعروف حاليًا، وهو الشطرنج. في تلك الفترة لعبت أقدم مباراة شطرنج مسجلة في التاريخ بين مؤرخ بغدادي وأحد تلاميذه في القرن العاشر، وفي نفس العام أدخل المسلمون اللعبة على شمال إفريقيا وصقلية إسبانيا، بينما كان السلاف الشرقيون ينشرون ثقافة الشطرنج في روسيا (أقوى دولة في الشطرنج) عن طريق كييف، بالتوازي مع المسلمين. أما عن بعض الدول الأوربية الأخرى مثل إنجلترا وأيسلندا، فتوغل الشطرنج إليهم عن طريق الفايكينج. تلك الأحداث كانت في القرن العاشر تقريبًا.

كان القرنين السادس والسابع عشر بمثابة نقلة نوعية في تاريخ الشطرنج. كيف لا وفيهما أصبحت الملكة -الوزير كما نسميه في بلادنا العربية- أقوى قطعة في اللعبة، وأصبح للجنود القدرة على التقدم لمربعين في بداية الدور بدلًا من مربع واحد، كما خرجت للنور حركة “En passent” الشهيرة والمفضلة عند الكثير من المبتدئين، وأخيرًا وليس آخرًا، تم لأول مرة اختراع قاعدة التبييت. ولا تقلق من المصطلحات، فسنناقش كل تلك الأشياء في الفقرات القادمة. وسنتعلم كيف كيف نبدأ في تعلم الشطرنج كمبتدئين.

كيف تلعب الشطرنج؟

رقعة وقطع الشطرنج

يُلعب الشطرنج على لوحة مربعة 8*8، ومقسمة بشكل بديع إلى 64 مربع، يأخذ كل منهم اسم معين حسب موقعه على الرقعة من الصفوف والأعمدة. أما عن قطع الشطرنج، فنجد أن عددهم 32 قطعة مقسمة على لاعبين؛ 16 بيدق، و4 أحصنة، و4 فيلة، و4 قلاع، ووزيرين، وملكين. كل لاعب يأخذ نصف ذلك العديد، ويصبح مطالبًا باستخدام جيشه المكون من 16 قطعة ليهزم خصمه الذي يمتلك نفس عدد القطع.

في البداية، يستخدم كل لاعبين صفين لينشر عليهما قطعه. فينشر اللاعب الأول والذي يلعب بالقطع البيضاء بيادقه الثمانية على الصف الثاني من ناحيته، وباق القطع على الصف الأول بترتيب ثابت. بحيث يضع القلعة، وبعدها الحصان، ثم الفيل، فالوزير، وأخيرًا الملك (الترتيب من ناحية اليمين). نفس الكلام ينطبق على اللاعب الثاني. وهكذا يصبح شكل الرقعة في البداية.

Chess set at the beginning

البيادق وحركتها

تمثل البيادق روح الشطرنج، والمقياس الأساسي للقطع الأخرى؛ فعندما نريد أن نقيم أو نقارن بين باق القطع وبعضها، فإننا نعطيها قيمًا بناءً على البيادق. الفيل والحصان مثلًا كل منهما يساو ثلاث بيادق، والقلعة تساوي خمسة بيادق، أما عن الملكة فتساوي تسعة بيادق، فهي أقوى قطعة في اللعبة كما ذكرنا. أيضًا يمكن للبيدق أن يترق ويصبح أي قطعة يريد -عدا الملك- إذا وصل إلى أي مربع في الصف الأخير لدى خصمك.

قديمًا، كان البيدق يتحرك مربع واحد إلى الأمام في بداية الدور. ومع حلول القرن السادس وإلى وقتنا الحالي، أصبح للبيدق القدرة على التحرك مربعين إلى الأمام في النقلة الأولى فقط. بعد ذلك لا يتحرك إلا لمربع واحد بالأمام. أما عن القضاء على قطع الخصوم، فالبيدق لديه القدرة على هزيمة قطع الخصم التي تقف على المربعين يمين ويسار المربع الأمامي المباشر له. هناك طريقة أخرى يمكنه أن يأكل بها بيدق خصمك المتعدي، تلك الطريقة تسمى الأكل بالتجاوز أو “En Passant”.

الحصان والفيل وكيف يتحركان

الحصانين والفيلين الذين تمتلكهما يسميان بالقطع الخفيفة أو ال “Minor Pieces”. كل منهما يساو ثلاثة بيادق. قوتهما متقاربة جدًا في الأوضاع العادية. وباختلاف الموقف تختلف القوة؛ فنجد أن الحصان أقوى بكثير من الفيل في الأوضاع المغلقة. ذلك بسبب حركته الخادعة على شكل حرف L والتي تميزه عن بقية القطع ويصعب رصد كل احتمالاتها خاصةً مع ضيق الوقت، ولكن في الأوضاع المفتوحة، يجب أن تحتاط من الفيل. فالفيل في الوضع المفتوح يسيطر على مربعات الوتر التي يقف عليها كاملةً.

القلعة وكيف تتحرك

إذا كان الفيل يتحرك على الوتر الذي يوجد عليه فقط، فإن القلعة تتحرك في خط مستقيم على جميع الصفوف والأعمدة التي تقع حولها، ولكن لا تستطيع أن تتحرك على الوتر. ونظرًا لمرونة حركة القلعة وكثرة مربعاتها عن الفيل، فإن قيمة القلعة تساوي 5 بيادق، والفيل يساوي 3 بيادق.

قوة الوزير وحركته

كما ذكرنا، فإن الوزير أقوى قطعة على الرقعة. فالوزير هو القطعة الوحيدة التي تستطيع أن تتحرك على كل الصفوف والأعمدة والأوتار، أي انه يجمع بين حركة الفيل والقلعة. الحركة الوحيدة التي لا يستطيع القيام بها، هي حركة ال L الخاصة بالحصان فقط. نظرًا لتلك القوة والسيطرة التي يفرضها الوزير على الرقعة، فإنه يُقدر بتسعة بيادق.

ما هو التبييت؟

تعلم كيف تلعب الشطرنج ثم التبييت! فببساطة هي الخطوة التي يجب أن تفعلها بأسرع ما يمكن لتأمن ملكك وتضعه في الزاوية بدلًا من الوسط. حماية الملك هل كل شيء بالتأكيد. هذه هي وظيفتك في المباراة. ويتم التبييت عندما تخرج القطع الخفيفة من بين الملك والقلعة فلا يصبح بينهما أي قطع. هناك نوعين من التبييت، الطويل والقصير. كلاهما موضح في تلك الصورة.

En Passant

خاصية تسمح للبيدق بأكل القطع على المربعين المجاورين للمربع المباشر له. وهي أشهر وأهم حركة يحبها المبتدئون كما ذكرنا. إذا أُتيحت ليهم الفرصة سيفعلونها دون شك، حتى لو ليست في محلها. الحركة تعني “الأكل بالتجاوز” وتتم عندما تضع بيدقًا لك في منطقة الخصم فيرد عليك خصمك بتحريك البيدق إلى الأمام مربعين -في النقلة الأولى- فتقوم بأكله بالتجاوز كما هو موضح.

هذا كل ما تحتاج معرفته لكي تلعب الشطرنج كمبتدأ في البداية.

المصادر:

1- Chess dot com
2- Britannica
3-A History of Chess |BOOK

فن التصوير بعد الموت أو تصوير الموتى: استخدام تقنيات العصر لتذكر الأحبة

فن التصوير بعد الموت أو تصوير الموتى: استخدام تقنيات العصر لتذكر الأحبة

يعتبر فن التصوير بعد الموت أو فن تصوير الموتى من العادات التي سادت في أوروبا وأمريكا في القرن التاسع عشر. ويقوم على تصوير الأشخاص حديثي الوفاة بهدف تخليد ذكراهم.

كيف ظهر فن التصوير بعد الموت؟

حتى نتعرف على بداية فن التصوير بعد الموت، أو تصوير الموتى، يجب أن نعود بالزمن إلى أول عملية تصوير فوتوغرافي ناجحة. وتعرف هذه باسم (داجيروتايب – daguerreotype). وهي تقنية طورها المصور والفيزيائي الفرنسي لويس جاك-ماندي ديجير (Louis-Jacques-Mandé Daguerre)، بالتعاون مع مواطنه المخترع جوزيف نيسيفور بييبس (Nicéphore Niépce) في ثلاثينيات القرن التاسع عشر [1]. وساعد هذا الاختراع على انتشار المصورين في أوروبا، وتمكين أبناء الطبقة المتوسطة من تحمّل تكاليف التقاط صورٍ شخصية. حيث كانت هذه التكاليف أقل من رسم الصور. وفي الخمسينات من القرن نفسه، انخفضت تكاليف الداجيروتايب بسبب الاستعاضة عن الفضة المستخدمة في هذه العملية بألواح الزجاج أو الورق أو معادن أخرى [2].

وقد ساعد هذا الاختراع على انتشار فن التصوير بعد الموت. ولكن سبب هذه الظاهرة يعود بالأساس إلى رغبة ذوي المتوفى بتخليد ذكراه، والاحتفاظ بصورة معالمه الأخيرة قبل الوفاة. ويكون هذا إما عن طريق رسم لوحة، أو التقاط صورة، وهي الطريقة الأقل تكلفة كما ذكرنا [3].

انتشار فن التصوير بعد الموت

لم يكن تصوير الموتى من ابتكارات القرن التاسع عشر. فمنذ العصور الوسطى، كانت تنتشر في أوروبا ممارسة الاحتفاظ بشكل الشخص الميت بعد وفاته عن طريق النحت أو الرسم. ولكن مع منتصف القرن التاسع عشر، بدأ فن التصوير ينتشر بالمجمل، وأدى ازدياد أعداد السكان وارتفاع معدلات الوفيات إلى ظهور “سوقٍ” جديدٍ للعمل في العديد من الدول الصناعية. وهكذا برزت ظاهرة تصوير الموتى في بريطانيا وأوروبا عموماً، وفي الولايات المتحدة [3].

وقد ساعدت ثقافة الحِداد وتقاليده في العصر الفيكتوري (1837-1901) على خلق نوع من الألفة مع فكرة الموت وأجساد الموتى. فقد أصرّت الملكة فيكتوريا على ارتداء اللون الأسود طيلة حياتها بعد وفاة زوجها الأمير ألبرت. وبناءً على هذا، سارع الإنكليز، ومن بعدهم الأمريكيون، إلى العمل بتجارة الملابس والحليّ الخاصة بمناسبات الوفاة وبفترة الحِداد المطلوب الالتزام بها وفق العادات الثقافية والاجتماعية. وساعد انتشار حالات إسقاط الجنين وانتشار الأمراض كالتيفوئيد على استمرار الطلب على معدات الحِداد [4]. وطبعاً، كان المصور من أوائل الأشخاص الذين يتم استدعاؤهم إلى منزل المتوفى من أجل التقاط الصورة الأخيرة [3].

تجهيز الموتى لالتقاط صورهم

في بداية الأمر، لم يكن هنالك اهتمام بتجميل الميت قبل التقاط الصورة. ففي المراحل الأولى من هذا الفن، يمكن مشاهدة صورٍ لأشخاصٍ يخرج الدم من أفواههم. وحتى إن كانت طريقة الوفاة شنيعةً، لم يكن أحد ليحاول تجميل هذا أو إخفاءه. ولكن مع انتشار التصوير بعد الموت، أصبحت العائلات – حتى الفقيرة منها – تهتم باللباس أو الموقع الذي يتم فيه التصوير بطريقة تساعد على تذكر الشخص الميت بأبهى حلة ممكنة [3].

وقد بدأت عادات مختلفة بالظهور في أمريكا وأوروبا. حيث كانت بعض العائلات في أمريكا تضع صور الموتى بإطارات خاصة. أما في أوروبا، كان البعض يقوم بعرض الصور كي تبقى ذكرى الشخص الميت محفوظة لدى الغير. فقد كان من غير المستغرب أن تجد صوراً للموتى في الصحف المحلية مثلاً. حتى أنه تم تصوير بعض الشخصيات المشهورة بعد وفاتهم، مثل الكاتب الفرنسي فكتور هوغو وتم عرض صورهم [3].

مثال عن تصوير بعد الموت – مشاهير – فكتور هوغو
المصدر

الوضعيات في الصور الملتقطة بعد الموت

في دراسة أجراها ثلاثة باحثين من جامعتي إنسوبريا (University of Insubria) وروما سابينزا (Sapienza University of Rome) في إيطاليا، تم تصنيف صور الموتى في ثلاث وضعيات رئيسية، إضافة إلى وضعية إضافية رابعة [5].

النمط الأول هو “النوم الأخير”، ويكون فيه الميت في وضعية الاستلقاء على سرير أو أريكة. ويضفي تموضع الجثة والمساحيق المستخدمة لتجميلها حالة صفاءٍ وسكينة. وفي بعض الحالات، كان يوضع عند رأس الميت نسخة من الكتاب المقدس، وتنثر الأزهار بجانبه دلالة على حالة الموت. وكان الهدف من هذا التأكيد على اللحظة التي تفارق فيها الروح الجسد [5].

مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الأول
المصدر

أما النمط الثاني فيمكن تسميته “حيّ ولكن ميت”، وتعكس هذه الوضعية حالة نكران أو رفض للموت. إذ يستخدم المصور مهارته وخبرته من أجل إيقاف الجثة بدلاً من جعلها مستلقية. ويمكن هنا استخدام قضبان مخبأة لتدعيم الجثة، أو أعواد خشبية لإبقاء العينين مفتوحتين. وقد كان البعض يقوم برسم العينين على الصورة بعد انتهائها.

مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الثاني
المصدر

النمط الثالث يقوم على وضع الشخص الميت بين أفراد العائلة وأخذ صورة جماعية. لا يمكن هنا تمييز الميت عن الأحياء بسهولة. ولكن بعد القليل من التدقيق في الصورة، تمكن ملاحظة الشخص الذي تغيب الحياة من نظراته، وفي الغالب يكون موضوعاً في وسط الصورة ليبدو “حياً مع الأحياء” [5].

مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الثالث
المصدر

والنمط الإضافي الرابع هو عبارة عن طريقة كانت تُستخدم حتى عند تصوير الأطفال ممن هم على قيد الحياة. كانت تجلس الأم وتحمل طفلها، ولكنها كانت تُغطى بقطعة قماش كي لا تظهر في الصورة. وكان الهدف إبقاء الطفل هادئاً مدة التصوير، مع الحفاظ على وجوده وحيداً في الصورة. وفي التصوير بعد الموت، كانت تستخدم هذه الطريقة أحياناً مع الأطفال المتوفين، الذين كانوا يبدون وكأنهم أحياء بسبب قيام المصور بتلوين الوجنتين بلون وردي [5].

مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الرابع
المصدر

هل استمر فن التصوير بعد الموت؟

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، انخفض انتشار ظاهرة تصوير الموتى في أمريكا، وتبعه انخفاض في أوروبا خلال القرن العشرين. حيث أصبحت حالات الوفاة تحدث في المستشفيات أكثر منها في البيوت، الأمر الذي جعل من الموت جزءاً من الممارسات الطبية. وهذا ما فرض قيوداً على المصورين في ممارسة عملهم [3].

هنالك مظاهر أخرى لفن تصوير الموتى وخاصة في فترات الحروب. ويمكن أخذ مثال على هذا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حيث كان يتم تصوير الجنود القتلى. وكانت الصورة هي الجسر الوحيد الذي يصل بين من قُتل في الحرب وأهله الذين ينتظرون عودته. ولكن هذه الممارسة تختلف بعض الشيء عما كانت عليه في بداية هذا الفن. ومع تزايد الحروب، أصبح لتصوير القتلى والأموات طابعٌ آخر وأهدافٌ مختلفة قليلاً عن مجرد تذكر شخص محبوب في العائلة [6]. وهذا نمط مختلف من التصوير من الممكن أن يشكل موضوعاً مستقلاً للدراسة.

اقرأ أيضاً: طقس “فاماديهانا”، لماذا يرقص شعب مدغشقر مع موتاهم؟

المصادر

  1. Britannica
  2. BBC
  3. Daily History
  4. Clara Barton Missing Soldiers Office
  5. Borgo, Melania & Licata, Marta & Iorio, Silvia. (2016). “Post-mortem Photography: The Edge Where Life Meets Death?Human and Social Studies. 5. 10.1515/hssr-2016-0016.
  6. Penfold-Mounce, Ruth, et al. Photography and Death: Framing Death Throughout History. pp. 1-17. United Kingdom, Emerald Publishing Limited, 2020.

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية (Romance Languages) هي مجموعة كبيرة من اللغات المنتشرة حول العالم، والتي تعود إلى أصل مشترك نشأت عنه منذ زمن طويل. لكنها ليست من العائلات اللغوية الأساسية، ولا حتى من المجموعات الفرعية لهذه العائلات. بل هي مجموعة ضمن إحدى المجموعات الفرعية للعائلات الرئيسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. من أحد هذه الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية يوجد ما يسمى مجموعة اللغات الإيطاليكية (Italic languages)، وهذه المجموعة تضم تحت سقفها المجموعة الأصغر والتي تدعى اللغات الرومانسية [1].

أصل اللغات الرومانسية وعددها:

يعود أصل اللغات الرومانسية إلى اللغة اللاتينية العامية (Vulgar Latin) وهي اللغة اللاتينية التي كان يتحدثها عامة الشعب في الإمبراطورية الرومانية. تختلف اللاتينية العامية عن اللاتينية الكلاسيكية (Classical Latin) التي كانت تُستخدم في الكتابة والأدب، والتي بقيت لاحقاً في النصوص الدينية [2]. وتعتبر اللغات الرومانسية من ضمن اللغات الإيطاليكية (Italic languages) التي تشكل بدورها مجموعة فرعية من أسرة اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages) [3].

إذاً، كان للغة اللاتينية في الإمبراطورية الرومانية عدة أشكالٍ، واستخدم أفراد الشعب العامية منها في الحديث والحياة اليومية في مناطق الإمبراطورية على اتساعها. ونتيجة هذا الاتساع وتوزع المناطق، كان حتى لهذه اللغة العامية أشكالٌ متباينة، تغيرت مع مرور الوقت لتنبثق منها اللغات الرومانسية التي نعرفها حالياً [2]. في واقع الأمر، يوجد الآن حوالي 42 لغة رومانسية أو أكثر. ولكن لا يمكن تحديد هذا الرقم بدقّة نتيجة عدم وجود توافقٍ كاملٍ على تعريف كلٍّ من مصطلحي “اللغة” و”اللهجة” والتفريق بينهما.

إلا أنه لا يختلف اثنان على أنّ أشهر خمس لغات رومانسية وأكثرها انتشاراً هي الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية والرومانية. بالإضافة لها، توجد لغاتٌ أقل انتشاراً مثل الكتالونية والسردينية وغيرها [3].

لماذا سميت باللغات الرومانسية؟

على عكس ما يوحي اسمها، لا علاقة لتسمية هذه اللغات بالمشاعر أو العواطف “الرومانسية”. بل تعود كلمة Romance هنا إلى اتصال هذه اللغات بروما. إذ يرجع أصل الكلمة الإنكليزية Romance إلى كلمة Romanicus وهي كلمة فرنسية قديمة من أصل لاتيني كانت موجودة في العصور الوسطى وتعني “روماني” أو “على النمط الروماني” [4].

ما الذي يميز اللغات الرومانسية؟

تتميز اللغات الرومانسية الخمسة الأكثر انتشاراً بمفرداتها وقواعدها ذات الأصول اللاتينية، وهذا ما يجعل من السهل على من يتحدث إحداها أن يفهم ولو بشكل بسيط اللغات الأخرى. كما أن من يتعلم واحدة منها لن يجد صعوبةً كبيرةً في تعلم إحدى أخواتها [5].

ومما تشترك فيه هذه اللغات هو التذكير والتأنيث لكافة الأسماء فيها، وإسقاط هذا على الصفات عند استخدامها مع الأسماء. ولكن تتميز اللغة الرومانية هنا بوجود كلمات حيادية الجنس وهذا ما اختفى في باقي أفراد المجموعة [6].

ما مدى التشابه بين اللغات الرومانسية واللغة اللاتينية؟

أما عن مدى انحراف هذه اللغات عن اللغة اللاتينية العامية التي نشأت منها، تعد اللغة الإيطالية الأقل تبايناً عن هذا الأصل. في حين أن اللغة الفرنسية هي الأكثر ابتعاداً من ناحية اللفظ. أما اللغة الرومانية، فتختلف أكثر من غيرها فيما يتعلق بالمفردات، ولكنها أكثر من حافظت على القواعد التي استخدمتها اللاتينية الكلاسيكية [5].

دعونا نأخذ مثالاً يوضح لنا كيف تحولت اللغة من الأصل إلى الفروع. كلمة “عشب” في اللغة اللاتينية هي “herba” وإذا ما تعقبناها في اللغات الرومانسية الأشهر، نراها موجودة كما يلي:

  • الفرنسية: herbe
  • الإسبانية: hierba
  • الإيطالية: erba
  • البرتغالية: erva
  • الرومانية: iarbã

لا يخفى تشابه هذه الكلمات على من يراها أو من يسمعها. فنلاحظ اختفاء الحرف (h) في الكلمة في جميع هذه اللغات. وحتى وإن حافظت الفرنسية والإسبانية عليه في التهجئة، لكنه سقط في اللفظ منذ زمن طويل. كما نرى أن أقرب شكل لهذه الكلمة إلى أصلها اللاتيني موجود في اللغة الإيطالية.

ولكن هذا التشابه لا يعني تطابق اللغات مع أصلها اللاتيني. فلا يمكن لمن يتحدث الفرنسية أو الإسبانية، مثلاً، أن يُعتبر طليقاً باللاتينية. بل على العكس، حتى يتقنها، ينبغي أن يتعلمها كأية لغة جديدة. وبالمقابل، لو سمع أي شخص روماني من الناطقين الأصليين باللاتينية إحدى هذه اللغات المتفرعة عن لغته الأم، كان ليرتبك ويعتبر أن ما يسمعه ينطوي على أخطاء عدة تحول دون فهمه له [7].

 في النهاية، تشهد كل لغة تغيرات وتعديلات على مر الزمن، تؤدي إلى ابتعادها عن الأصل الذي انبثقت منه. وهذه عملية طبيعية لا بدّ من حدوثها نتيجة اختلاط الناطقين ببعضهم، وحاجة اللغات إلى احتواء مفردات جديدة للتعبير عن كل ما هو جديد في مجالات الحياة المختلفة ودائمة التطور [8].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر:

  1. World History Encyclopedia
  2. ThoughtCo
  3. Britannica
  4. Babbel Magazine
  5. The Ancient Language Institute
  6. Superprof
  7. Language Evolution: How One Language Became Five Languages
  8. BBC

5 أمراض غيرت التاريخ

تركت الأمراض بصمات واضحة على جبين التاريخ. يعد انخفاض حجم السكان وتقليل التنوع الجيني وتغير المناخ بعض الأمثلة البسيطة الدالة على التأثير الذي يمكنك أن تتوقعه إثر كل وباء. سنعرض في هذه المقالة 5 أمراض غيرت التاريخ وكان لها تأثيرًا كبيرًا على العالم.

5- الاستعمار وتغير المناخ  

بعد وصول الإسبان إلى منطقة البحر الكاريبي، انتقلت أمراض مثل الجدري والحصبة والطاعون الدبلي إلى السكان الأصليين من قبل الأوروبيين. دمرت هذه الأمراض السكان الأصليين، إذ مات ما يصل إلى 90 في المائة في جميع أنحاء القارتين الشمالية والجنوبية. عند وصوله إلى جزيرة هيسبانيولا، واجه كريستوفر كولومبوس-Christopher Columbus شعب تاينو، 60 ألف نسمة. وقبل حلول 1548، بلغ عدد السكان أقل من 500. تكرر هذا السيناريو نفسه في جميع أنحاء الأمريكتين.

في عام 1520، دٌمرت إمبراطورية الأزتك بسبب عدوى الجدري. قتل المرض العديد من ضحاياه وتسبب في عجز الآخرين. لذلك لم يتمكنوا من مقاومة المستعمرين الإسبان وتركوا المزارعين غير قادرين على العمل مساحات الزراعة الخاصة بهم.

والجدير بالذكرأن الأبحاث التي أجريت في 2019، خلصت إلى وفيات 56 مليون أمريكي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كان السبب الأول لها هو المرض. كما أن محاولة زراعة الأرض الزراعية غير المحروثة وإنبات النباتات بها، تسببت في جذب المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. مما ساهم في حدوث فترة برودة شديدة للكوكب. وصفها المؤرخون بالعصر الجليدي الصغير. يمكننا القول بأن الاستعمار أثر على مناخ الأرض.

4- الكوليرا ونشأة علم الأوبئة 

عام 1854، أزال جون سنو-John Snow مقبض مضخة المياه، ليُنشئ علمًا جديدًا من علوم الطب! فقد كانت بداية نشأة علم جديد “علم الأوبئة-Epidemiology” على يد مجموعة من الأطباء أبرزهم الطبيب البريطاني جون سنو لعمله في تحديد مصدر تفشي الكوليرا.

شك سنو في الطريقة التي ينتشر بها المرض، رافضًا نظرية الميازما-Miasma والتي تفترض أن الهواء الملوث أو الفاسد هو سبب بعض الأمراض كالجدري والكوليرا والزهري، ولاحظ كيفية ظهور مجموعات من الأمراض بين الأشخاص الذين استخدموا مضخات مياه معينة. ساعد تدخله في إزالة مقبض المضخة المصابة على تقليل معدلات العدوى أثناء الوباء. جون سنو هو أول من اعتمد الاسلوب الوبائي في السيطرة انتشار المرض.

3- الانفلونزا الإسبانية ومعاهدة فرساي  

عام 1918، دمرت الأنفلونزا الإسبانية العالم وأصابت قرابة ثلث السكان. تسببت في إتلاف خلايا الدماغ، مما أثّر على قدرة الدماغ على العمل مؤدية أحيانًا إلى الذهان.

أُصيب وودرو ويلسون-Woodrow Wilson الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة بالأنفلونزا في ذلك الوقت. لعب ويلسون دورًا أساسيًا في مفاوضات معاهدة فرساي، ولا سيما مساعدة رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنسو-Georges- Clemenceau.

كان ويلسون في فترة العلاج خلال مرحلة المعاهدة، وكان دائم التعب والإرهاق والبُطء، مما جعله يتغافل عن الكثير من الأمور والمفاهيم. فأشار العديد من العاملين بالبيت الأبيض إلى التغير الكبير في سلوكه، إذ تخلى عن الكثير من أفكاره وآراءه حول المعاهدة.

توالت التقارير عن التغير الحاصل بشأن إدارة ويلسون. فمُنحت السلطة لكليمنسو. كما يروي التاريخ، فإن قسوة معاهدة فرساي أدت إلى كارثة ألمانية كشلْ الاقتصاد الألماني. كما لعبت دورًا في اكتساب هتلر السلطة. يمكن القول بأن كل هذه التطورات كانت نتيجة إصابة وودرو ويلسون بالانفلونزا الإسبانية.

2- طاعون جستنيان والقضاء على الإمبراطورية البيزنطية

ظهر لأول مرة في مصر، ثم انتشر طاعون جستنيان عبر فلسطين والإمبراطورية البيزنطية، ثم في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. غير الطاعون مسار الإمبراطورية، وسحق خطط الإمبراطور جستنيان لإعادة الإمبراطورية الرومانية إلى بعضها البعض وتسبب في صراع اقتصادي هائل. وينسب إليه أيضًا خلق الجو المروع الذي حفز الانتشار السريع  للمسيحية.

في نهاية المطاف وعلى مدى القرنين التاليين، قتل حوالي 50 مليون شخص -26% من سكان العالم- . ويعتقد أن يكون أول ظهور كبير للطاعون الدبلي، والذي يؤدي إلي تضخم الغدد الليمفاوية، وينتقل عن طريق الفئران وينتشر عن طريق البراغيث.

1- مرض السل والموضة 

في أواخر 1800s، أصبح السل -المرض المعدي في الرئتين- وباءً في الولايات المتحدة وأوروبا. كان المرض موجودًا لفترة طويلة. فتك بالبشر ببطء شديد، لكنه اتُخذ على محمل آخر! بدأت تصبح صفات مرض السل وأعراضه رومانسية في العصر الفيكتوري، فأصبحت الموضة بين النساء أن تأخذ مظهرًا شاحبًا ونحيلاً. بل وأصبح المرض نفسه اتجاهًا عصريًا. فأثر ذلك بشدة على تصاميم الفساتين والأزياء.

أثار ذلك التوجه بعض حملات الصحة العامة الكبرى في الولايات المتحدة، وأصبح هناك حملة ودعوة لجعل الفساتين والتنانير النسائية أقصر لمنعها من التقاط السُل من الشارع. كما أصبح هناك دعوات لحلق اللحى والشوارب بسبب احتمال نمو البكتيريا في شعر الوجه.

انتشار الوباء لا علاقة له بالتقدم أو التطور، حتى التطور العلمي والطبي لم يستطع وقايتنا من الأوبئة حتى يومنا هذا، تلك كانت -ليس على سبيل الحصر- 5 أمراض غيرت التاريخ وملامح بعض الحضارات.

المصادر

the conversation
bbc
smithsonianmag
history
worldhistory

أربع مدن ضائعة، قصة صعود المدن وانهيارها

فكر بالأمر جيدًا، ما هي المدينة؟ حسب رأي عالم الآثار الأسترالي غوردون تشايلد فهي مستوطنة مكتظة بالسكان. تحتوي على مبانٍ ضخمة. يتمتع شعبها بالقدرة على الإبداع والكتابة والفن ويستخدمون نوعًا من العملات في حياتهم ويدفعون الضرائب. لهم علاقات تجارية على مسافات طويلة، كما أنهم ينتجون فائضًا من السلع، وبالنسبة لحياتهم الاجتماعية فهي مبنية على الطبقية. إن المدن أو المراكز الحضارية، سواء كانت موجودة قبل 9 آلاف عام أو اليوم، فإن لها تاريخًا فريدًا. ومع ذلك، بغض النظر عن سبب تشكلها أو كيفية ازدهارها، فإن جميع هذه المدن ستواجه نفس المصير: النهاية المحتمة. وفي هذا التقرير سنتحدث عن قصة أربع مدن ضائعة.

المدن الأربعة

لن نتكلم هنا عن مغامرات اكتشاف المدن المدفونة تحت الرمال. ولا عن أسطورة المدينة المفقودة أو الحضارة الغارقة، فهذه المفاهيم والأفكار دائمًا ما تحجب الحقيقة؛ حقيقة كيف يدمر الناس حضاراتهم.

مدينة “شاتال هويوك-Çatalhöyük” بوسط تركيا، هي واحدة من أولى المدن في العالم. استوطنها البشر من حوالي 7100 إلى 5700 قبل الميلاد.  وصفها بعض علماء الآثار بأنها مجموعة من القرى، فقد كانت المدينة تعج بالنشاط قبل تعرضها للفيضانات وتخلي سكانها عنها. أما مدينة بومبي الرومانية عاش فيها رجال أعمال من عدة طبقات اجتماعية لعدة قرون. قبل أن تدفن في الرماد البركاني في عام 79 بعد الميلاد.

أما مدينة “أنغكور-Angkor” في كمبوديا (حوالي 800 إلى 1431 م)، فقد اعتمدت على شبكة ضخمة من القنوات وبرك التخزين التي بناها الخدم أو العبيد. قبل أن تنتهي بسبب النزاعات مع العمال المثقلين بالديون وبسبب البنية التحتية الفاشلة. وعلى طول سهول نهر المسيسيبي، جذبت مدينة “كاهوكيا- Cahokia” (حوالي 1050 إلى 1350 بعد الميلاد) الناس من جميع أنحاء المنطقة الذين تجمعوا للاحتفالات الدينية والثقافية. ومن المحتمل أن يكون سكانها قد عانوا كثيرًا لأن قادتها أصبحوا أكثر استبدادًا وربما تسبب تغير المناخ في الجفاف والمجاعة.

يروي الصحفي العلمي “Annalee Newitz” في كتابه “أربع مدن ضائعة” قصصًا رائعة عن الناس في هذه المدن الكبرى. وعن كيفية توصل الباحثين وعلماء الآثار إلى فهمهم الحالي عن هؤلاء الناس وكيف عاشوا حياتهم. والعديد من الاكتشافات في هذا المضمار تحصل بمساعدة التقنيات الجديدة والأساليب التحليلية الحديثة.

الاكتشافات الآثرية

توضح التماثيل الأنثوية التي يواصل علماء الآثار اكتشافها في شاتال هويوك الديانة والمعتقدات الذي يبدو أنها انتشرت في جميع أنحاء المنطقة. وتساعد الأدلة على الحرائق في إظهار كيف تغيرت المدينة على مدار تاريخها الذي يقارب 1500 عام. أما في بومبي، فيستخدم الباحثون “البيانات الضخمة” لبناء صورة أكثر اكتمالاً للحياة اليومية هناك.

يستفيد علم الآثار من كل شيء بدءًا من العلامات على الصخور وحتى النقوش على الورق. يمكن أن ينتج عن تحليل التآكل على أحجار الشوارع في بومبي ثروة من المعلومات: تشير الحفر في الطريق التي تصنعها آلاف المركبات التي تتحرك إلى المسافة بين عجلات العربات. تظهر القواطع على الأرصفة العالية التي منعت المشاة من السير في مياه الصرف الصحي المتدفقة عبر الشوارع أن الرومان من المحتمل أنهم قادوا عرباتهم على الجانب الأيمن من الطريق. كما توجد على بعض الجدران في مدينة بومبي كتابة لنساء يفخرن بتجارتهن حيث يحولون الإماء إلى عاملات بالجنس.

في أنغكور، يستخدم علماء الآثار تقنية الليدار، وهي تقنية تستخدم الليزر لرسم خرائط للأشكال الجغرافية المخبأة في الأرض. تُستخدم تكنولوجيا البيانات هناك أيضًا لتحليل قوائم العمال، واتضح أن غالبيتهم من النساء.

في كاهوكيا، استخدم علماء الآثار مقاييس المغناطيسية من أجل كشف الهياكل المدفونة. لأنها يمكن أن تكتشف الحالات الشاذة التي يمكن أن تمثل طبقات التربة المضطربة، والأشياء المحروقة، والمعادن على بعد عدة أقدام تحت السطح.

نظريات الانهيار

عندما يكتشف الباحثون شيئًا جديدًا عن هذه المدن – سواء كان مفهوم أعمق للجنس في الحضارة الرومانية في بومبي أو التضحية البشرية في كاهوكيا – فإن اكتشافاتهم تتأثر حتمًا بما تعتبره مجتمعاتنا الحالية مقبولًا أو غير مقبول. لا تزال منحوتات القضيب، التي يُعتقد أنها تجلب الحظ السعيد، محفوظة في قسم “الخزانة السرية” في متحف نابولي، على الرغم من أن أصحاب المتاجر عرضوها بشكل بارز في بومبي القديمة.

في الأوساط العلمية، تضاءلت فكرة سقوط الحضارات فقط بسبب التفاعل البشري مع البيئة قبل أن يعيد جاريد دياموند الحياة إلى هذه النظرية بكتابه الصادر عام 2004 بعنوان “الانهيار: كيف تختار المجتمعات أن تفشل أو تنجح”. فالبيئة عامل مساهم في التفكك الحضاري، ولكن هذا جزء فقط من القصة. التخلي عن المدينة وهجرها هو الأهم.

غالبًا ما يرغب قادة المدن أو أفراد العائلة المالكة في الاستثمار في المباني والمناظر الجميلة. بدلاً من الأشياء التي يحتاجها الناس للازدهار، مثل البنية التحتية العاملة والأسواق الآمنة. وبدون هذه الأشياء، غالبًا ما تكون المدن أكثر عرضة للكوارث البيئية، والتي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات سياسية عندما تغمر المنازل بالمياه أو تذبل المحاصيل.

إقرأ أيضًا: الانهيار الحضاري الكبير .. هل احتلت شعوب البحر العالم؟

هل تنهار الثقافة مع انهيار المدينة؟

انهارت المدينة، لكن هل تموت الثقافة عندما تختفي المستوطنة؟ إن معظم المهاجرين من المدن القديمة عبر التاريخ أخذوا معهم قيمهم وفنونهم وتقنياتهم واندمجوا في المدن الجديدة.

في حالة بومبي، على سبيل المثال، غالبًا ما انتقل أولئك الذين نجوا من الانفجار البركاني إلى مدن أخرى استعمرها الرومان. ربما انتشر سكان كاهوكيا السابقون وشكلوا مجتمعات أصغر عبر الغرب الأوسط.

تتوسع المناطق الحضرية وتتقلص مع موجات الهجرة بمرور الوقت. عندما ينقسم سكان المدينة إلى قرى أصغر، فهذا ليس إخفاقًا. إنه مجرد تحول، غالبًا ما يعتمد على استراتيجيات البقاء السليمة. وتستمر ثقافة تلك المدينة في تقاليد الناس الذين عاش أجدادهم هناك، وسيستمر الكثير منهم في بناء مدن جديدة على صورتها.

على الرغم من أنها قد لا تدوم إلى الأبد، إلا أن المدن الناجحة تحتاج إلى أشياء معينة لتزدهر: البنية التحتية المرنة، والمناطق التي يمكن للجمهور الوصول إليها، وتوفر المساكن للجميع، والحراك الاجتماعي، والقادة الذين يحترمون عمال المدينة.

المصادر
1- Four Lost Cities: A Secret History of the Urban Age
2- Man makes Himself

تاريخ الإنسان العاقل، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؟

منذ حوالي ستة ملايين سنة، بدأ أحد أسلافنا المعروفين، << أناسي الساحل التشادي – Sahelanthropus >> المشي على قدمين وكانت هذه الخطوة الأولى في مسار تطور البشرية. (1) لكن الإنسان العاقل تأخر لأكثر من خمسة ملايين سنة لكي يظهر. خلال تلك الفترة الطويلة، عاشت مجموعات من الأنواع البشرية المختلفة وتطورت وماتت واختلطت وأحيانًا تزاوجت على طول الطريق. ومع مرور الوقت، تغيرت أجسادهم، كما تغيرت أدمغتهم وقدرتهم على التفكير. فما هو تاريخ الإنسان العاقل؟ وكيف أصبح النوع الوحيد على هذه الأرض؟

العظام والأدوات الحجرية هي وسيلتنا لفهم كيف تطور الإنسان العاقل من هذه السلالات القديمة من أشباه. تشير هذه الأدلة بشكل متزايد إلى أن الإنسان العاقل نشأ في إفريقيا، وإن لم يكن بالضرورة في زمان ومكان واحد. يبدو أن مجموعات متنوعة من أسلاف البشر عاشت في مناطق صالحة للسكن حول إفريقيا. وتطورت جسديًا وثقافيًا في عزلة نسبية، إلى أن دفعتهم التغيرات المناخية إلى تبادل كل شيء من الجينات إلى التقنيات والأدوات. في النهاية، أدت هذه العملية إلى ظهور التركيب الجيني للإنسان الحديث.

بداية سلالة الإنسان العاقل (550.000-750.000 سنة)

إعادة بناء لوجه Homo heidelbergensis

تساعدنا الجينات في رسم مخطط هجرات وحركات وتطور جنسنا البشري. وتلك الأجناس التي تطورت أو انحدرت من تزاوجنا معها على مر العصور.

تعود أقدم الأدلة من الحمض النووي لأحد الأقارب البشريين الأوائل إلى<< حفرة العظام- Sima de los Huesos  >> في جبال أتابويركا بإسبانيا على حيث عثر العلماء على آلاف الأسنان والعظام من 28 فردًا مختلفًا دفنوا بشكل جماعي. في عام 2016، استخرج العلماء الجينوم الجزئي من هذه البقايا البالغة من العمر 430 ألف عام. ليكشفوا أن البشر في الحفرة هم أقدم إنسان نياندرتال معروف. استخدم العلماء الساعة الجزيئية لتقدير المدة التي استغرقها تراكم الاختلافات بين أقدم جينوم لإنسان نياندرتال وجينوم الإنسان الحديث. ويقترح الباحثون أن سلفًا مشتركًا عاش في وقت ما بين 550 ألف و750 ألف سنة.

على الرغم من أن جيناتنا تُظهر بوضوح آثارًا كبيرة في حمضنا النووي لإنسان نياندرتال ودينيسوفان . (2) ولكن حتى الآن، فقط القليل من الأسنان والعظام يظهرون سلفًا مشتركًأ، وليس من الواضح من هو. << إنسان هايدلبيرغ-Homo heidelbergensis >> وهو نوع كان موجودًا منذ 200000 إلى 700000 سنة. (3) ومن المرجح اليوم أن يكون سلفًا للإنسان العاقل في إفريقيا وسلفًا لإنسان النياندرتالنسيس والدينيسوفان في أوروبا.

يمكن أن تساعد أدلة جديدة من الحمض النووي القديم في تقديم صورة أوضح. لسوء الحظ، فإن الظروف الباردة والجافة والمستقرة الأفضل للحفظ على المدى الطويل ليست شائعة في إفريقيا، وقد تم ترتيب عدد قليل من الجينومات البشرية الأفريقية القديمة التي يزيد عمرها عن 10000 عام.

أقدم إنسان عاقل عاش منذ 300.000 سنة

إعادة بناء لأقدم حفريات معروفة لإنسان العاقل

تُخبرنا الأحافير والعظام الكثير عن حياة الإنسان العاقل. لكن لا يمكن للعلماء دائمًا تفسير كل شيء من أشكال العظام التي يرونها. فتحديد الرفات بشكل نهائي على أنها تعود لإنسان عاقل، أو تصنيفها كأنواع مختلفة من أقارب البشر ليس بالأمر اليسير. فيبدو أن بعض السمات في الأحافير تتغير في أماكن وأزمنة مختلفة، مما يشير إلى أن مجموعات منفصلة من التطور التشريحي قد تنتج أشخاصًا مختلفين تمامًا.

لا يوجد علماء يقترحون أن الإنسان العاقل عاش لأول مرة في ما يعرف الآن بالمغرب. لأنه تم العثور على الكثير من الأدلة المبكرة على جنسنا البشري في كل من جنوب إفريقيا وشرق إفريقيا. لكن قطعًا من جماجم وفكين وأسنان عمرها 300 ألف عام وحفريات أخرى عُثر عليها في جبل إرهود، وهو موقع غني أيضًا موطن لأدوات حجرية متطورة، هي أقدم بقايا للإنسان العاقل تم العثور عليها حتى الآن.

ظهرت بقايا خمسة أفراد في جبل إرهود سمات وجه يبدو كوده الإنسان العاقل، مع مزيج من سمات اخرى تذكرنا بالبشر القدامى. إن وجود البقايا في الركن الشمالي الغربي من إفريقيا ليس دليلاً على نقطة نشأتنا، بل على مدى انتشار البشر في جميع أنحاء إفريقيا حتى في هذا التاريخ المبكر.

مشكلة في التصنيف

غالبًا ما تُصنَّف الحفريات القديمة جدًا على أنها الإنسان العاقل المبكر تأتي من فلوريزباد، جنوب إفريقيا (حوالي 260 ألف سنة)، وتشكيل كيبيش على طول نهر أومو الإثيوبي (حوالي 195000 سنة).

تم تصنيف الجماجم البالغة من العمر 160 ألف عام لشخصين بالغين وطفل في هيرتو، إثيوبيا، على أنها سلالات فرعية <<الإنسان العاقل الأول-Homo sapiens idaltu>> بسبب الاختلافات المورفولوجية الطفيفة بما في ذلك الحجم الأكبر. (4) لكنهم بخلاف ذلك يشبهون البشر المعاصرين لدرجة أن البعض يجادل بأنهم ليسوا نوعًا فرعيًا على الإطلاق.

إن الجدل حول تعريف البقايا الأحفورية التي تمثل الإنسان الحديث، بالنظر إلى هذه التفاوتات، أمر شائع بين الخبراء. لدرجة أن البعض يسعى إلى تبسيط التوصيف من خلال اعتبارهم جزءًا من مجموعة واحدة متنوعة.

إذن، متى أظهرت الحفريات أخيرًا لأول مرة البشر المعاصرين تمامًا بكل الميزات التمثيلية؟ إنها ليست إجابة سهلة. جمجمة واحدة من Omo Kibish تشبه إلى حد كبير إنسانًا حديثًا لكنها تعود إلى 195000 عام، (5) بينما تبدو جمجمة أخرى موجودة في كهف Iwo Eleru في نيجيريا قديمة جدًا، ولكن عمرها 13000 عام فقط. توضح هذه التناقضات أن العملية لم تكن خطية، ووصلت إلى نقطة معينة أصبح بعدها جميع الناس بشرًا حديثين.

إقرأ أيضًا: الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

الإنسان العاقل خارج إفريقيا (100،000 إلى 210،000 سنة)

توضح العديد من التحليلات الجينية التي تتبع جذورنا إلى إفريقيا أن الإنسان العاقل نشأ في تلك القارة. ولكن يبدو أنه كان لدينا ميل للتجول من حقبة أقدم بكثير مما كان يشتبه العلماء في السابق.

اكتشف عظم الفك الموجود داخل كهف منهار على منحدرات جبل الكرمل بفلسطين، أن البشر الحديثين سكنوا هناك، بجانب البحر الأبيض المتوسط ​​، منذ حوالي 177000 إلى 194000 سنة. الفك والأسنان من كهف ميسليا متشابهين بشكل لا لبس فيه مع الإنسان العاقل، وتم العثور عليها مع أدوات يدوية متطورة وأدوات صوان.(6)

الاكتشافات الأخرى في المنطقة تتراوح ما بين 100000 إلى 130.000 سنة، مما يشير إلى وجود طويل الأمد للبشر في المنطقة. كما تم العثور على بقايا بشرية مع قطع من المغرة الحمراء وأدوات ملطخة بالمغرة في موقع تم تفسيره على أنه أقدم دفن بشري متعمد.

من بين أنظمة كهوف الحجر الجيري في جنوب الصين، ظهرت المزيد من الأدلة منذ ما بين 80.000 و 120.000 سنة مضت. مما يشير إلى أن مجموعات الإنسان العاقل كانت تعيش بالفعل بعيدًا جدًا عن إفريقيا منذ 120.000 سنة.

حتى الهجرات المبكرة ممكنة ؛ يعتقد البعض أن هناك أدلة على وصول البشر إلى أوروبا منذ 210 ألف عام. في حين أن معظم الاكتشافات البشرية المبكرة تثير بعض الجدل العلمي، إلا أن القليل منها يصل إلى مستوى جزء جمجمة Apidima في جنوب اليونان، والذي قد يكون عمره أكثر من 200000 عام وربما يمثل أقدم حفرية بشرية حديثة تم اكتشافها خارج إفريقيا. ومع ذلك، فإن الموقع غارق في الجدل، حيث يعتقد بعض العلماء أن البقايا المحفوظة بشكل سيئ تبدو أقل من تلك الخاصة بنوعنا وتشبه إنسان نياندرتال، الذي تم العثور على بقاياه على بعد أمتار قليلة في نفس الكهف. يشكك آخرون في دقة تحليل التأريخ الذي تم إجراؤه في الموقع، وهو أمر صعب لأن الأحافير قد سقطت منذ فترة طويلة من الطبقات الجيولوجية التي ترسبت فيها.

الإنسان العاقل (15000 إلى 40.000 سنة)

بالنسبة لمعظم تاريخنا على هذا الكوكب، لم نكن البشر الوحيدين. لقد تعايشنا معًا، وكما توضح جيناتنا بشكل متكرر تزاوجنا مع أنواع مختلفة من أشباه البشر، بما في ذلك بعض الأنواع التي لم نتعرف عليها بعد. لكنهم تراجعوا، واحدًا تلو الآخر، تاركين جنسنا البشري ليمثل البشرية جمعاء. على مقياس زمني تطوري، اختفت بعض هذه الأنواع مؤخرًا فقط.

في جزيرة فلوريس الإندونيسية، تظهر الحفريات وجود فضولي وضئيل من الأنواع البشرية المبكرة الملقبة بـ “الهوبيت”. يبدو أن Homo floresiensis قد عاش حتى ما يقرب من 50000 عام، لكن ما حدث لهم هو لغز. لا يبدو أن لديهم أي علاقة وثيقة بالإنسان الحديث بما في ذلك مجموعة Rampasasa pygmy، التي تعيش في نفس المنطقة اليوم.

انتشر إنسان نياندرتال مرة واحدة عبر أوراسيا من البرتغال والجزر البريطانية إلى سيبيريا. تزامن ذلك مع اختفاء إنسان نياندرتال، منذ حوالي 40 ألف عام.

ترك أبناء عمومتنا الأكثر غموضًا، دينيسوفان، وراءهم عددًا قليلاً جدًا من الأحافير التي يمكن التعرف عليها لدرجة أن العلماء ليسوا متأكدين تمامًا من شكلهم. أو ما إذا كانوا أكثر من نوع واحد. تشير دراسة حديثة للجينوم البشري في بابوا غينيا الجديدة إلى أن البشر ربما عاشوا وتزاوجوا مع دينيسوفان منذ 15000 عام. ورث العديد من الآسيويين الأحياء ما يقرب من 3 إلى 5 في المائة من حمضهم النووي من الدينيسوفان.

لقد مات جميع أقربائنا في النهاية، تاركين الإنسان العاقل وحيدًا على هذه الأرض.

المصادر

  1. The Earliest Hominins: SahelanthropusOrrorin, and Ardipithecus
  2. You may have more Neanderthal DNA than you think
  3. Homo heidelbergensis
  4. 160,000-year-old fossilized skulls uncovered in Ethiopia are oldest anatomically modern humans
  5. Human fossils from Omo Kibish
  6. Israeli fossils are the oldest modern humans ever found outside of Africa

كيف شكل المؤرخون اليونانيون التاريخ الغربي الحديث؟

طور الإغريق القدماء خلال العصور الكلاسيكية القديمة ما نعرفه اليوم باسم التاريخ. وقد خرج من بين اليونان أوائل المؤرخين في العالم. الذين بنوا أعمالهم عبر دراسة الوثائق والاعتماد على الأبحاث التاريخية السابقة. حتى أن بعض المؤرخين اليونانيين القدماء شاركوا في الأحداث التي وصفوها بأنفسهم أو شهدوها. مع مرور الوقت، ضاعت كتابات العديد من هؤلاء المؤرخين. وبعضها بقي فقط كأجزاء أو اقتباسات أو مراجع في أعمال لاحقة. وبغض النظر عما إذا كانت جميع أعمالهم قد نجت أو لا، فقد شكل المؤرخون اليونانيون فهمنا للعصور القديمة الكلاسيكية ولدراسة التاريخ.

هوميروس

المؤرخون اليونانيون

لا يُعرف شيء تقريبًا عن هوميروس، المؤلف الأسطوري الذي تنسب إليه للإلياذة والأوديسة؛ قصائد ملحمية تحكي قصة حرب طروادة وعواقبها. كانت هوية هوميروس والفترة التي عاش فيها والظروف التي ألف فيها هذه القصائد موضع نقاش ساخن لعدة قرون. حتى أن البعض يذهب إلى حد التشكيك في وجوده ذاته. أما ما لا يمكن التشكيك فيه فهو تأثير أعماله على التأريخ الغربي وتطور التاريخ في اليونان القديمة.

خلال العصور القديمة، كانت حرب طروادة أول “حدث تاريخي” يتم تسجيله في اليونان القديمة وأصبحت أساسية. تمت قراءة أعمال هوميروس على نطاق واسع وتم دمجها في النظم التعليمية للعديد من مدارس الفلسفة. نتيجة لذلك، استوحى العديد من المؤرخين اليونانيين الإلهام من هوميروس عندما قاموا بتأليف تاريخهم. كانت حرب طروادة أيضًا نقطة بداية للمؤرخين اليونانيين القدماء لأنها غالبًا ما كانت أول حدث معروف لديهم وكان أبطالها مرتبطين بأساطير مختلف القبائل والسلالات والمدن والمناطق والممالك. لكن البعض انتقد هوميروس بسبب معاملته للآلهة وشكك في روايته لأحداث حرب طروادة. على الرغم من أنهم يميلون جميعًا إلى قبول حدوث هذه الحرب.

هيرودوت (484-425 قبل الميلاد)

المؤرخون اليونانيون

وُلد هيرودوت، الملقب بـ “أبو التاريخ”، في مدينة هاليكارناسوس اليونانية التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية الأخمينية الفارسية. لأسباب غير واضحة، ولكن ربما كانت مدفوعة بالسياسات المحلية، سافر هيرودوت على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأدنى وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​ومن المعروف أنه زار ساموس ومصر وصور وبابل وأثينا وماغنا جراسيا ومقدونيا. تم تصور عمله العظيم، “التاريخ”، كمحاولة لشرح أصول الحروب اليونانية الفارسية. يركز هذا العمل، الذي بدأ في الفترة الأسطورية، على السنوات ما بين 550-479 قبل الميلاد ويمتد إلى 9 كتب.

أدرج هيرودوت ثروة من المعلومات في “التاريخ” ويميل إلى الاستطرادات الطويلة في المسائل الأنثروبولوجية والإثنوغرافية. على الرغم من أن عمله ألهم العديد من المؤرخين اللاحقين، إلا أن هيرودوت نفسه لا يزال مثيرًا للجدل وقد لقب “بأبو الأكاذيب”. يحتوي عمله على العديد من الروايات الأسطورية والخيالية. ومع ذلك، يقول هيرودوت نفسه أنه لا يذكر إلا ما قيل له، بل إنه يلاحظ عندما لا يصدق مصدره. اليوم، تم تأكيد عدد من الجوانب الخيالية في كتاب التاريخ لهيرودوت من خلال الأبحاث في علم الآثار.

ثيوسيديدز (حوالي 460-400 ق.م)

المؤرخون اليونانيون

》ثيوسيديدز-Thucydides》 الأرستقراطي الأثيني، الذي كان يمتلك منجمًا للذهب، خدم كجنرال خلال 《الحرب البيلوبونيسية-Peloponnesian War》، ونجا من طاعون أثينا، ونفي في النهاية من أثينا لفشل الحملة عسكرية في تراقيا. اشتهر بتاريخه، والذي يتم تقديمه اليوم بشكل شائع باسم “تاريخ الحرب البيلوبونيسية”. يمتد هذا العمل على 8 كتب ويصف أحداث الفترة التي تشمل 438-411 قبل الميلاد تقريبًا. مع توقف تأليفه لهذا العمل فجأة، يُعتقد أن ثيوسيديدس مات فجأة وبشكل غير متوقع.

يعتبر ثيوسيديدز، إلى جانب هيرودوت، “أبو التاريخ”؛ إن نهجه العلمي الذي لم يعترف بالتدخل الإلهي، إلى جانب أسلوبه غير القضائي الذي سعى إلى الإبلاغ عن الأحداث بطريقة غير منحازة، أدى إلى اعتباره أيضًا أول “مؤرخ حقيقي”. ومع ذلك، فهو يقر أيضًا بحرية إلقاء الخطب المناسبة للشخصيات في كتابه التاريخ، بناءً على ما شعر أنه كان يجب عليهم قوله. ومع ذلك، كان تأثير ثيوسيديدز هائلاً على المؤرخين اليونانيين القدماء المتأخرين وعلى التاريخ الغربي.

زينوفون (430-354 ق.م)

زينوفون متحف برلين

وُلِد 《زينوفون-Xenophon》 في أثينا، وكان مؤرخًا يونانيًا قديمًا وجنديًا وفيلسوفًا قاد جيشًا من عشرة آلاف مرتزق يوناني من بلاد فارس، مرتبطين بسقراط وأفلاطون، وكان لهم علاقات وثيقة بأسبرطة. يعكس عمله كمؤرخ خبراته حيث تشمل: 《أناباسيس-The Anabasis》، الذي يعرض تفاصيل مسيرة العشرة آلاف؛ 《Cyropaedia》، التي تصف الحياة المبكرة لكورش العظيم؛ Agesilaus، التي تصف سيرة 《أجيسيلاوس-Agesilaus》 الثاني ملك قوي من سبارتا؛ وتاريخ اسبرطة ومؤسساتها.

ومع ذلك، كان أهم عمل لـ زينوفون هو “Hellenica” أو “كتابات حول مواضيع يونانية”، والتي تغطي السنوات 411-362 قبل الميلاد وتمتد على إجمالي 7 كتب. بشكل عام، كان Hellenica بالنسبة لـزينوفون مشروعًا شخصيًا بعمق، لذلك يظهر تحيزه المؤيد للإسبرطة والمناهض للديمقراطية في هذا العمل.

كتيسياس (القرن الخامس قبل الميلاد)

كان 《كتيسياس-Ctesias》 يونانيًا يعيش في كنيدوس، وهي مدينة كاريانية في الأناضول، عاش هذا المؤرخ اليوناني القديم في ظل الإمبراطورية الأخمينية. طبيب ملكي للملك الأخميني أرتحشستا الثاني، رافق الملك في رحلات استكشافية مختلفة وعالج جروحه. كان لكتيسياس إمكانية الوصول إلى المحفوظات الملكية للإمبراطورية الأخمينية، والتي استند إليها في بناء تاريخه.

اشتهر بعملين، “بيرسيكا وإنديكا”. يعكس 《إنديكا-Indica》 المعرفة والمعتقدات الأخمينية عن الهند ولا يُعرف إلا بالشظايا والاقتباسات المحفوظة في أعمال المؤرخين الآخرين. امتدت أعمال كتيسياس الأخرى، 《بيرسيكا-Persica》، إلى 23 كتابًا وقد كُتبت في الأصل ضد هيرودوت وروايته. كانت بيرسيكا ذات قيمة عالية ونقلت على نطاق واسع في العصور القديمة، على الرغم من وجود شكوك حتى في ذلك الوقت حول موثوقيتها.

إقرأ أيضًا: رحلة في تاريخ الفن، من أين أتى القنطور؟

ديودورس الصقلي (90-30 قبل الميلاد)

ديودورس الصقلي

كان 《ديودورس الصقلي-Diodorus Siculus》 يونانيًا من مدينة Agyrium في صقلية، ولم يُعرف أي شيء آخر عن حياته. أعظم أعماله هو 《المكتبة التاريخية-Bibliotheca Historica》. كان هذا عملاً هائلاً امتد في الأصل إلى حوالي 40 كتابًا. لإكمال هذا العمل الملحمي، اعتمد ديودوروس الصقلي على أبحاث العديد من المؤرخين السابقين. ومع ذلك، فقد ضاع الكثير من المكتبة التاريخية مع مرور الوقت، بحيث بقيت الكتب 1-5 و11-20 فقط؛ إلى جانب بعض الأجزاء والاقتباسات المحفوظة في أعمال المؤرخين اللاحقين.

كان القصد من مكتبة هيستوريكا أن تكون تاريخًا عالميًا. أي أنها حاولت تقديم تاريخ البشرية جمعاء في وحدة واحدة متماسكة. على هذا النحو، تم تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء. تناول القسم الأول التاريخ الأسطوري حتى تدمير طروادة. غطى القسمان الثاني والثالث الفترات ما بين تدمير طروادة وموت الإسكندر، ومن وفاة الإسكندر إلى بداية حروب الغال قيصر. جغرافيًا، امتدت أعماله إلى العالم المعروف وشملت مصر والهند والجزيرة العربية وسيثيا وبلاد ما بين النهرين وشمال إفريقيا والنوبة وأوروبا.

ترك المؤرخون اليونانيون القدماء بصمة دائمة على المجتمع الغربي الحديث. على الرغم من أنهم عاشوا منذ آلاف السنين. من ملحمة هوميروس القديمة جاءت الفكرة الحديثة التي تححدث عن رحلة البطل، ومن توثيق الحروب القديمة، تمكن المؤرخون من دراسة الغزوات العسكرية للعصور القديمة وتطوير تكتيكات الحرب الحديثة. كان لتوثيق التاريخ القضائي والسياسي والعسكري والثقافي والفني في العصور القديمة تأثير لا يُحصى على الثقافة الغربية الحديثة. بدون مساهمات هؤلاء المؤرخين اليونانيين القدماء، كان عالمنا اليوم سيبدو مختلفًا تمامًا.

المصادر

  1. Ancient Historians
  2. Greek historiography
  3. Why Homer Matters: A History 

رحلة في تاريخ الفن، من أين أتى القنطور؟

لا بد وأنك شاهدت قنطورًا ولو لمرة في حياتك على الأقل؛ في لعبة Hercules مثلًا.《 والقنطور-Centaur 》 هو كائن غريب من الميثولوجيا اليونانية. نصفه إنسان ونصفه، حصان وقد عاش في غابات البر الرئيسي لليونان. استخدم الإغريق هذا المخلوق كرمز، للدلالة على الشعوب الأخرى التي اعتبروها بربرية وهمجية. لكن في حالة 《تشيرون-Chiron》 فقد كان رمزًا للحكمة الإلهية.

أدبيًا، ظهر أقدم ذكر للقنطور في نصوص هوميروس. أما في الفن فقد ظهر هذا المخلوق في اليونان بدايةً، في نهاية ما يسمى بالعصور المظلمة اليونانية، أما في الحضارات الشرقية فله شواهد تعود إلى ما قبل هذا التاريخ.

ولادة القنطور-Centaur

مشهد منحوت من أسطورة Centauromachy 447-438 المتحف البريطاني

في الأساطير والميثولوجيا اليونانية، كان القنطور جنسًا أخر من المخلوقات. كائنات مركبة نصفها بشر ونصفها أحصنة. يقاتلون باستخدام أغصان الأشجار وبرمي الحجارة في معظم الأوقات، ونادرًا ما قاتلوا باستخدام الأقواس والأسهم.

إن قصة ولادة القنطور غريبة بعض الشيء. لم يجد 《إيكسيون-Ixion》 ابن الإله أريس أحدًا يمكن أن يسامحه لما اقترفه من ذنب عندما قتل والده بالتبني، حتى تبناه في النهاية الإله زيوس واستقبله كضيف في جبل الأولمب. لكن إيكسيون عاد لذنبه ووقع في حب 《هيرا- Hera》 زوجة زيوس. ولكشفه قام زيوس بصنع سحابة على شكل زوجته فوقع إيكسيون بالفخ بعد أن تزاوج معها. أما القنطور فقد ولد من تزاوجهم.

استطاع القنطور أن ينجب ذرية عبر زواجه من أفراس منطقة 《ماغنيسيا-Magnesian mares》

كان القنطور يمثل الهمجية والوحشية بعيد كل البعد عن الحضارة. مثل القنطور العنف يظهر في الميثولوجيا كقاتل ومغتصب. عاش في الغابات في مناطق 《ثيساليا- Thessaly》 والبعض الأخر عاش في منطقة إيبيروس أما النوع الذي كان يمتلك قرونًا كالثور فقد انتشر في جزيرة قبرص.

ريد ويدنغ أو الزفاف الأحمر

أكثر المشاهد شهرة والتي تظهر في الميثولوجيا اليونانية هي أسطورة 《Centauromachy》. في هذه الأسطورة يدعو 《بيريثيوس-Pirithous》 القنطور لحضور حفل زفافه مع  《هيبوداميا-Hippodamia》 وفي أثناء الحفل يسكر القنطور ويهاجم جميع الضيوف ويحاول خطف هيبوداميا. لحسن الحظ يتمكن بيريثيوس بمساعدة البطل ثيسيوس من هزيمته وابعاد هذا التهديد.

إن القنطور الأكثر شهرة في الأساطير اليونانية هو تشيرون. وقد اعتبره هوميروس الأصلح بينهم جميعًا. ويعتبر من أكثر الكائنات حكمة في الميثولوجيا اليونانية. لقد كان معلم أخيل وهرقل وفرساوس وثيسيوش والكثير غيرهم. كان تشيرون ابن 《كرونوس-Cronus》 وفيليريا وربما كانت قصة ولادته المختلفة هذه من أجل شرح سبب اختلافه عن باقي أنواع القنطور الهمجية.

كائنات مركبة

رجل وقنطور من البرونز منتصف القرن الثامن ق.م.

مثل كل الحضارات الأخرى تقريبًا كان للإغريق أساطيرهم الخاصة. ولو يكن القنطور هو الكائن الوحيد المركب في هذه الأساطير. كان هنالك أيضًا 《Sphinex أو أبو الهول》 وهو كائن نصفه أسد ورأسه إنسان والعديد من هذه الكائنات أيضًا.

بهذه الأساطير حاول الإغريق فهم وشرح العالم الطبيعي الذي يحيط بهم.

قبل ظهور العالم اليوناني في التاريخ، كانت صور المخلوقات المركبة موجودة بالفعل في حضارات بحر إيجة والبحر المتوسط.  هنالك تمثيل واحد على الأقل لقنطور من العصر البرونزي وجد في أوغاريت أو ما يعرف برأس شمرا حاليًا على الساحل السوري. كما تم التعرف أيضًا على عدة مخلوقات مركبة في الحضارة الميناوية والميسينية التي ازدهرت في بحر إيجة خلال عصر البرونز.

وخلال العصور المظلمة اليونانية، الفترة التي تلت انهيار حضارات عصر البرونز، اختفت هذه المخلوقات المركبة في ظروف غامضة حتى عادت فيما يعرف بالعصر الهندسي اليوناني. وهو عصر ازدهر فيه الفن الهندسي اليوناني من سنة 700-900 قبل الميلاد.

تشترك جميع هذه المخلوقات المركبة في الفن اليوناني في أن تصميمها كان قيد التجريب في جميع هذه المراحل وصولًا للقرن السادس قبل الميلاد.

في الفن الشرقي

الثور المجنح من الحضارة الأشورية 721-705 ق.م.

على الرغم من اعتبار القنطور الهام يوناني بامتياز، فهذا لا يعني أن اليونان لم يستوحوا شيئًا من رموزهم وأيقوناته من حضارات وثقافات أخرى.

لم تكن مناطق وجزر بحر إيجة معزولة عن بقية العالم. فقد أحاطت باليونان ممالك قوية ذات تاريخ عميق وأساطير غنية. أثرت مصر وممالك الشرق الأدنى والأوسط على الإغريق في كل جانب، من العمارة والفن إلى الدين. ليس من قبيل المصادفة أن يتضمن الفن القديم فترة استشراقية. بحلول الوقت الذي كتب فيه هوميروس ملاحمه، كان بحر إيجة قد شهد بالفعل الحرب والتجارة والهجرة لدرجة أن صور وقصص الشرق كانت في متناول الإغريق. لم يكن اليونانيون، بطبيعة الحال، مستقبِلين سلبيين بل فاعلين. لقد تبنوا هذه الصور والمحفزات، وخلطوها مع صورهم الخاصة، وأنتجوا أساطير وقصص وفنون فريدة جديدة تحتوي على كل هذه التأثيرات القديمة.

تم استخدام رموز هذه الوحوش المركبة مثل أبو الهول من الحضارات الشرقية، أحيانًا مع بعض التغييرات الصغيرة وأحيانًا أخرى دون أي تغييرات على الإطلاق. علاوة على ذلك، فإن الوحوش الشرقية مثل الأسد البشري والثور البشري تقدم العديد من أوجه التشابه الشكلي مع القنطور.

هل كان هنالك قنطور-Centaur في الشرق؟

خنم أسطواني أشوري من القرن 13 ق.م.

في ختم أسطواني آشوري يعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، يمكننا أن نرى بوضوح رجلًا له أجنحة وجسم حصان وذيل عقرب. يحمل هذا الفارس المجنح المميز قوسًا.

تصوير مبكر آخر للقنطور في الفن الشرقي يأتي من ختم أسطواني آشوري آخر من القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كان الشكل يحمل أيضًا قوسًا، وخلال القرون التالية تبلورت في صورة برج القوس.

باستثناء هذه الأختام الآشورية، يمكن إرجاع جذور 《القنطور-Centaur》 إلى بلاد ما بين النهرين ، وهو نوع خاص من الأسود المركبة. بالطبع، هناك أيضًا كائنات أخرى لها أجسام بشرية وحيوانية ولكن لا شيء مثل القنطور كما ظهر في الفن والأساطير اليونانية.

القنطور في حضارات بحر إيجة

القنطور الميسيني

كانت الحضارات الميسينية والمينوية هي الحضارات التي ازدهرت في بحر إيجه خلال العصر البرونزي اليوناني وحتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد عندما بدأت العصور المظلمة اليونانية.

هناك دليل جيد يدعم استخدام الحضارة الميسينية لرمز 《القنطور-Centaur》. إنه عبارة عن تمثالان من الطين الميسيني تم العثور عليهما في أوغاريت. ليس من الغريب العثور على أشياء ميسينية في أوغاريت فقد كانت مركزًا تجاريًا رئيسيًا في منطقة سوريا. في الواقع، كان الميسينيون على اتصال دائم من خلال التجارة والحرب والسفر مع الشعوب من حولهم.

هناك ايضًا عدة أدلة تشبه القنطور وهي تماثيل خزفية نذرية من معابد في جزيرة كريت وقبرص من القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد. ومع ذلك، بدت هذه الأشياء أشبه بأبي الهول وأقل شبهاً بالقنطور لأنها لم تكن لها أيدي.

القنطور والعصور المظلمة لليونان

قنطور لافكندي 1000 ق.م.

تم اكتشاف شخصية لافكندي بالقرب من بلدة 《Euboea》 الصغيرة في منطقة تسمى لافكندي. يعود تاريخه إلى العصور المظلمة اليونانية، وبشكل أكثر تحديدًا القرن العاشر قبل الميلاد. بشكل عام، يعتبر لافكندي موقعًا أثريًا مهمًا قدمت أعمال التنقيب فيه معلومات قيمة فيما يتعلق بالعصر اليوناني المظلم والاتصال بين اليونان ومصر وقبرص وسوريا وليفانتي.

إقرأ أيضًا: سلسلة الفن القديم: الجزء الرابع – الفن الهيلينستي (اليوناني)

إنه أول مثال كامل للقنطور. أهميته كبيرة لدرجة أن العديد من الكتيبات تعتبر هذه بداية الفن اليوناني. تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه في هذا الوقت لم تكن هناك أساطير يونانية موحدة. لم يتم تدوين ملاحم هوميروس إلا بعد قرنين من الزمن. في وقت نحت هذا التمثال، كانت الأساطير اليونانية لا تزال في بدايتها. حيث كانت الأساطير تتفاعل مع بعضها البعض وتتغير باستمرار. لذلك لا يمكننا افتراض أنه كان له نفس المعنى والرمزية كما في القرن السادس قبل الميلاد.

يعتبر القنطور من 《لافكندي Lefkandi》 أول قنطور كامل في الفن اليوناني. لكن ماذا يعني الكامل؟ على الرغم من أن فكرة الهجينة بين الإنسان والحصان ليست اختراعًا يونانيًا، إلا أن فكرة القنطور ككائن برأس وجسم الإنسان العلوي وجسم الحصان هي إلهام يوناني.

هل يمكن أن يكون قنطور-Centaur ليفكندي هو تشايرون؟

قنطور-Centaur ليفكندي كان لديه ستة أصابع في يده كذلك كان تشايرون صاحب الحكمة الأسطورية. مات تشيرون بعد إصابته بسهام هرقل في ركبته اليسرى. إذا ألقينا نظرة فاحصة على الركبة اليسرى لشخصية ليفكندي، فسنلاحظ خدشًا عميقًا. قد يكون هذا إضافة مقصودة أو نتيجة غير مقصودة ناتجة عن مرور الوقت. إذا كان الأول صحيحًا، فسيكون هناك سبب آخر للاعتقاد بأن بأن هذا القنطور هو مثل مبكر لـلتشايرون أو مخلوق له أسطورة مماثلة لأسطورة تشايرون.

المصادر

  1. The Centaur’s Smile
  2. The Lapiths and the Centaurs
  3. Classical Myth

قصة الطاعون.. عن تجربة الإنسان في مواجهة الأوبئة

إنه يوم خريفي صاخب من عام 1347 في صقلية وتحديدًا في ميناء مدينة ساحلية تسمى ميسينا. حيث ترسوا السفن الأتية من جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. ترسوا السفن المحملة بالتوابل والحرير والحبوب في ميناء المدينة لتفرغ بضائعها. لكن هذه المرة كان على إحدى هذه السفن نوع مختلف جدًا من البضائع، أو بالأحرى بعض المسافرين سرًا. إنها الجرذان، وعلى وجه الخصوص، ما يعرف بالجرذ الأسود، أو راتوس راتوس، كما يطلق عليه علميًا. وهو في الواقع حيوان لطيف إلى حد ما. لكن على هذه الجرذان اللطيفة يوجد مسافر آخر أيضًا وهو البرغوث. داخل أمعاء هذا البرغوث الصغير كانت تنمو بكتيريا تسمى 《Yersinia pestis》، وهي بكتيريا ستطلق في المستقبل العنان لكارثة عالمية.(1) سنتحدث هنا عن قصة الطاعون وعن تجربة الإنسان في مواجهته.

الطاعون الدبلي

الطاعون الدبلي المسؤول عن ثلاث أوبئة عالمية كبرى على مدى الألفي سنة الماضيين. اثنان منها يسميان جستنيان من القرن السادس حتى القرن الثامن. أما الثالث فهو الموت الأسود من سنة 1347 إلى سنة 1351. أودى الطاعون بحياة ما يقرب من 50 مليون شخص.

تعد بكتيريا Yersinia pestis، المسؤولة عن الطاعون الدبلي وهي تعيش داخل أمعاء البراغيث. حيث تتكاثر على الفور لدرجة أنها تسد الجهاز الهضمي للبرغوث فيبدأ بالموت جوعاً. عندها يصبح مضطرًا للعض أكثر. فيعض الجرذان وينقل إليهم العدوى. وبعدها تنقل الجرذان والبراغيث هذا المرض للناس.

مصدر هذا المرض هو المناطق القاحلة في آسيا الوسطى. حيث تظهر أدلة الحمض النووي إلى أنه يعود إلى العصر الحجري الحديث وبداية عصر البرونز (5000-3500) سنة قبل الوقت الحاضر. (2)

لا يزال مستوطنًا اليوم في المناطق الجافة من وسط أفريقيا، غرب شبه الجزيرة العربية، كردستان، شمال الهند، منطقة جوبي الصحراء وجبال غرب أمريكا الشمالية. ولكونه عدوى بكتيرية، يتم الآن علاجه بسهولة إذا تم التعرف على أعراضه بشكل صحيح وفي الوقت المناسب.

هل كان بالإمكان تفادي الطاعون؟

ينتقل الطاعون إلى البشر بمجرد تعرضهم للدغة البرغوث المصاب. تبحث بكتيريا Yersinia pestis عن أقرب غدة ليمفاوية في الجسد. الرقبة أو الإبط أو الفخذ. فتستطيع عندها البدأ بالتكاثر. تتوسع الغدد اللمفاوية لتصبح أحيانا بحجم برتقالة بسبب تكاثر البكتيريا. تسمى بالدبل ومن هنا يسمى بالطاعون الدبلي.

يمكن أيضًا أن ينتقل الطاعون من شخص لآخر إذا أصيب المريض بحالة التهاب رئوي ثانوي. في المراحل المتأخرة من تطور المرض، إذا كانت هناك كمية كافية من البلغم المحمّل بالبكتيريا يمكن أن ينتقل عندها عبر السعال إلى شخص آخر على مقربة من المريض فيكتسب عدوى الالتهاب الرئوي الأولية. هذه الحالات تكون قاتلة دائمًا تقريبًا إذا لم يتم علاجها، وفي غضون أيام بدلاً من الأسبوع المعتاد للشكل الدبلي.

يوجد طريقة أخرى للإنتقال فالبراغيث الميتة يمكن أن تحافظ على اليرسينيا الطاعونية لمدة تصل إلى 400 يوم. فينتقل عبر الملابس الملوثة، والقوارض التي تلامس الإنسان، وعدد كبير من الحيوانات الأخرى بما في ذلك الجربوع والقطط والكلاب.

هنالك أيضًا الحالات شديدة الخطورة من العدوى المعروفة باسم طاعون إنتان الدم. تحدث هذه الحالات إذا بدأت البكتيريا في التكاثر في مجرى الدم بدلاً من الغدد الليمفاوية أو الرئتين. يحدث عندها فشل في الأعضاء على نطاق واسع بسرعة ويؤدي إلى وفات سريعة.

ظهر الطاعون في ختام فترات طويلة من الظروف المواتية له ليتحول لوباء قاتل . توسع للدول مصحوب بزيادة التجارة لمسافات طويلة على الامتداد الشاسع بين شرق آسيا وأوروبا الغربية. فبدون الكثير من الناس الذين يتحركون مع حيواناتهم وسلعهم المحملة بالكائنات الحية، وخاصة الحبوب أو المنسوجات، لم يكن للطاعون أبدًا فرصة للقيام بأكثر من مجرد ضرر منفصل.

حكاية الموت الأسود

بحلول عام 1346، بدأ الأوروبيون في الاستماع لأشياء غريبة وفظيعة تحدث في الشرق الأقصى. لكنهم استمعوا إلى حكايات الرحالة المزعومة هذه بسذاجة غريبة، فبالنسبة لهم لم يكن يوجد سبب حقيقي للقلق.

عدم وجود سببب للقلق بنظرهم لم يمنع الطاعون من دخول أوروبا. 《غابرييل دي موسيس- Gabriel de Mussis》، كاتب عدل من مدينة في شمال إيطاليا. يقدم لنا أحد أقدم الروايات عن كيفية دخول الطاعون إلى أوروبا.

 في شبه جزيرة القرم، ربما مات 85000، لذلك سعى التتار إلى استئصال المصدر البشري من بلادهم. قرروا مهاجمة التجار المسيحيين في المنطقة، ومعظمهم من جنوة. تجمع التجار في قلعة الكافا  على ساحل القرم للاختباء.

استعد التتار لمحاصرة القلعة، لكنهم غلبهم الوباء. اضطر لإلغاء العملية، قرروا على الأقل نشر المرض باستخدام مقلاعهم لرمي جثث ضحايا الطاعون فوق الحائط. حمل الجنويون الجثث المذكورة عبر المدينة وألقى بهم في البحر، لكن الطاعون انتشر على أي حال. أخذ الناجون إلى مدنهم ومرت البحر الأسود عائدة إلى البحر الأبيض المتوسط ​​، حاملين معهم الطاعون .

حتى لو كان هذا أحد الطرق التي دخل بها الطاعون إلى أوروبا، لم يكن بالتأكيد الطريق الوحيد أو المحتمل، لكنه يظل محل اهتمامنا اليوم، لأنه طريق كان واضحًا ومعقولًا حددها المعاصرون.

ماذا يخبرنا علم الآثار الحيوية عن الطاعون؟

نشر كاتب العلوم 《آدم رذرفورد -Adam Rutherford》مؤخرًا كتابًا بعنوان “موجز تاريخ كل من عاش”. يتحدثه فيه عن نتائج أخر الدراسات التي تخبرنا عن سكان العصور القديمة. لقد اعتمدت هذه الدراسات على الأدلة المحفوظة في الجينوم البشري.

يقول في كتابه أن الإنسان يحمل قصيدة ملحمية في جيناته. فبعد دراسة 19 سنًا محفوظة من 12 حفرة لدفن مرضى الطاعون من القرن السادس في مجتمع 《عشيم- Ashame》، لتي تقع بالقرب من ميونيخ، ألمانيا اليوم، تم اكتشاف الحمض النووي ليرسينيا بيستيس، وبهذا تم التأكد أن الوباء الكبير الذي قضى على سكان هذه المنطقة كان طاعون الدبلي.

علاوة على ذلك كشفت الدراسة أن شجرة العائلة للحمض النووي للطاعون كانت بلا شك ذات أصل شرقي وليس أفريقيًا، لذا كان الوباء العظيم في القرن السادس ينتقل عبر السهوب على طول طريق الحرير القديم. (3)

إقرأ أيضًا: الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

هل هاجم الطاعون الفقراء أولًا؟

من المحتمل أن يكون الطاعون قد هاجم الفقراء أكثر من غيرهم، على وجه الخصوص في الموجات الاحقة منه. فحلقة الموت الأسود الأولى كانت مفاجئة ومدمرة وقاتلة لجميع شرائح السكان.

لكن تفشي الطاعون في العقود والقرون التي تلت ذلك كانت أقل فتكًا بشكل عام. ومن المرجح أن تكون نسب الوفيات بين الفقراء أعلى من غيرهم. فمسؤولي المدينة الخائفين، على سبيل المثال، اتخاذوا التدابير الوقائية، وفي كثير من الأحيان كانت ضد الفقراء على وجه الخصوص. المتسولين والمتشردين غالبًا ما ينقلون إلى خارج حدود المدينة، حيث يتركون أكثر عرضة لخطر الطاعون.

من ناحية أخرى طال نقص الإمدادات الغذائية في البلدات أو المدن المحجورة السكان الأكثر فقرًا فكانوا الأكثر عرضة للنقص. وبالطبع أفقر أفراد المجتمع، وكما هو الحال الآن، عاشوا وعملوا في ظروف خطيرة جدًا ليتمكنوا من تأمين احتياجاتهم.

هل حد الحجر الصحي من تفشي الطاعون؟

استراتيجية واحدة لمكافحة انتشار المرض، سواء في الماضي أو الحاضر، هو 《الحجر الصحي-quarantine》 وهو مصطلح يعود أصله إلى وباء القرن الرابع عشر واللغة الإيطالية، وقد كان يستعمل لالإشارة إلى عدد الأيام التي يجب أن تبقى فيها السفينة معزولة في الميناء قبل دخول المدينة.

عند النظر في موضوع الحجر الصحي، خاصة كممارسة تاريخية، من المهم فهم البيئة المبنية للمكان المعني. على سبيل المثال، حدود مدينة معاصرة غالبًا ما يتم تمييزها بعلامة، إن وجدت. تتجلى الحدود، بدلاً من ذلك، في الاختلافات الضريبية، الوصول إلى الموارد ونوعية البنية التحتية. لكن عندما نفكر في المدن التي شيدت في الماضي، نجد أن العديد منها، مثل جمهورية راغوزا، دوبروفنيك اليوم، أحيطت بجدارن وأسوار.

فهل كان الحجر الصحي أداة فعالة ضد انتشار الأمراض المعدية؟ الحجر الصحي على من إذا كان المرض ينتقل عبر الحيوانات والحشرات والبشر؟ قد تحافظ بوابات المدينة المغلقة على الأشخاص والبضائع من الدخول أو الخروج لكنها بالتأكيد لم تحمي من سفر الجرذان أو الآفات الحضرية الأخرى. علاوة على ذلك، فإن الحجر الصحي تسبب في تكاليف خاصة، بالنسبة لسكان المدن الكبيرة الذين يعتمدون على استيراد المواد الخام الغذائية والزراعية من الريف وعلى استيراد العمالة أيضًا.

ينقسم المؤرخون حول التأثير من الحجر الصحي في التاريخ لكنه قد طبق بدرجات متفاوتة.

التباعد الاجتماعي

بصرف النظر عن عزل مدن أو مناطق بأكملها، هناك أدلة على أن درجة معينة من “التباعد الاجتماعي” كانت تمارس كوسيلة لمنع العدوى من الطاعون. استخدام “نوافذ النبيذ” في فلورنسا، وهي ممارسة يُعتقد أنها بدأت بعد انتشار الطاعون عام 1634 فقد مر الموت الأسود أو الطاعون عبر مدينة فلورنسا ، تاركًا الموت والخراب في أعقابه. حيث تم استخدام نوافذ النبيذ الوفيرة في المدينة للبيع الآمن للنبيذ ، دون اتصال مباشر بين العميل والبائع. (4)

كانت هذه حالة جيدة محفوظة في التاريخ لاحدى إجرائات التباعد الإجتماعي. من دون شك فقد اتخذت إجرائات مماثلة في مناطق أخرى.

ومن اللافت للنظر أن هذه النوافذ يعاد استخدامها اليوم في ظل جائحة كورونا. خلال هذا الوقت ، قام بعض أصحاب النوافذ الفلورنسية بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء واستخدموا نوافذ النبيذ الخاصة بهم لتوزيع أكواب النبيذ وأكواب القهوة والمشروبات والسندويشات والآيس كريم – بدون أي حاجة إلى التلامس!

تجربة الإنسان في مواجهة الأوبئة

هل غير الطاعون وجه الأنظمة في الماضي؟

سيسطر الموت الأسود على وعينا التاريخي الجماعي على مدى ثلاث قرون أخرى، لأن أثاره كانت كارثية فبحلول عام 1351 كانت كل أوروبا قد واجهت هذه الآفة. وقد وصل معدل الوفيات بسبب الطاعون إلى ما يقرب من الثلث السكان.

لكن الطاعون لم يقتل السكان فحسب، فقد فكك الأسر وعطل الإنتاج والتجارة وبدد كميات لا حصر له رأس المال البشري، من أساسيات اقتصاد الأسرة إلى المهارات الحرفية المتخصصة لجهات الاتصال التجارية على حد سواء القريب والبعيد وصولاً إلى التعلم. وأدى الطاعون أيضًأ لزعزعة استقرار المؤسسات بشكل أساسي التي كانت ضرورية للحفاظ على النظام السياسي والاجتماعي.

يخبرنا المؤرخون، على سبيل المثال، أنه كان من المستحيل العثور على كهنة لدفن الموتى ولا لأداء القداس. كتاب العدل والأطباء والقضاة وجباة الضرائب والقادة المدنيون كأنهم قد اختفوا جميعهم، مما أدى إلى إعاقة العمل أمام طريق العيش الجماعي.

يمثل الموت الأسود نقطة تحول واضحة، فقد أضعف قوة الكنيسة والنبلاء مقابل صعود ملكية أكثر مركزية وقوة من هذا النوع مميزة جدًا في الدول الأوروبية الحديثة.

نبلاء الأرض، أو الذين تعتمد قوتهم على ملكيتهم للأراضي، على الرغم من أنهم محميون إلى حد ما من المرض بسبب ظروفهم المعيشية المتفوقة، خاصة في حالات تفشي الطاعون في وقت لاحق، ومع ذلك وقعوا ضحية “الموت الأسود” بنفس السهولة كما فعل الفقراء.

فقد أصيبوا بالضرر من خلال توازن القوى المعاد تنظيمه جذريًا بين موردي العمالة وأصحاب رأس المال، وأهمها رأس المال الذي كان على شكل أراضٍ زراعية. الوضع الجديد الذي لم تكن فيه الأراضي الصالحة للزراعة فالأراضي إما مدمرة وإما لا تصلح للزراع، كما انخفض عدد العمال بشدة، مما أدى إلى قوة تفاوضية اكبر للعمال مقابل أصحاب رؤوس الأموال والنبلاء والكنيسة. حدث هذا في معظم أنحاء أوروبا، مما أدى إلى ارتفاع الأجور وتحسين شروط العمل.

وهكذا أطلق المؤرخون على فترة ما بعد الموت الأسود فترة العصر الذهبي للعمال. كانت هذه الفترة أيضًا العصر الذهبي للبكتيريا، ولكن ليس من المستبعد أن نرى كلاهما مرتبطين.

المصادر

  1. After The Plague
  2. Analysis of 3800-year-old Yersinia pestis genomes suggests Bronze Age origin for bubonic plague
  3. DNA in London Grave May Help Solve Mysteries of the Great Plague
  4. ANTIGERM WINE WINDOWS Yesterday and Today

التاريخ ينصف المرأة.. دورها في الحكم أعظم مما نتصور!

مرة بعد أخرى يعيد العلم للمرأة بعضًا من حقوقها المهدورة. فمن الشائع جدًا بين المؤرخين وعلماء الآثار أن الرجال قد حكموا معظم المجتمعات خلال العصر البرونزي في أوروبا. كان ذلك قبل أن تظهر أدلة جديدة يمكن أن تعيد كتابة التاريخ، لكن بطريقة منصفة. فهل سينصف التاريخ المرأة هذه المرة؟

ظهرت وعلى رأسها تاج 

تهيمن على موقع 《 La Almolya 》في اسبانيا أطلال هيكل شبيه بالقصر كان مبنيا في ما مضى على قمة تل صخرية تطل على السهول المحيطة. كان الباحثون الإسبان يحفرون في الموقع سنة 2014 عندما عثروا على قبر تحت أرضية غرفة كبيرة تفتقر إلى معظم أدوات المعيشة. لم يكن فيها أي عناصر احتفالية تشير لوظيفة دينية بل مجرد مقاعد حجرية متشققة ومتوزعة على طول الجدران. مما يشير إلى أن هذا المكان كان مركزًا للحكم.

في القبر وجد الباحثون جرة فخارية احتوت على عظام المرأة وإلى جانبها هيكل عظمي لرجل. كان الرجل يرتدي سوارًا نحاسيًا وسدادات أذن ذهبية. أما المرأة فكانت ترتدي العديد من الأساور والخواتم الفضية، وقلادة من الخرز، وإكليل فضي مذهل يزين جمجمتها. هذه القطعة الشبيهة بالتاج مطابقة تقريبًا لأربعة قطع أخرى وجدت على نساء مدفونات في منطقة أخرى في 《الأرغار- El Argar.》

الجرة المدفنية التي وجد فيها عظام المرأة وزوجها.

اما الأرغار فهو مجتمع سيطر على مناطق الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة الأيبيريةمن حوالي عام 2200 إلى 1550 قبل الميلاد. كان هذا المجتمع منتجًا رئيسيًا للمنسوجات وربما مركزًا إقليميًا ثريًا، كما يقول عالم الآثار والمؤلف المشارك في الدراسة روبرتو ريش من جامعة برشلونة المستقلة.

اقرأ أيضًا: العصر البرونزي الحديث .. كيف تصبح العولمة سببًا لانهيار الحضارات ؟

نخبة مجتمع الأرغار

حسب التأريخ بالكربون المشع للرفات فقد مات الرجل والمرأة عام ١٦٥٠ قبل الميلاد، وقد ماتوا في نفس الوقت أو تقريبًا. كان الرجل يبلغ من العمر حوالي 35 إلى 40 عامًا عندما توفي، أما المرأة فقد ماتت بين 25 و30 عامًا. لا يمكن للباحثين التأكد من سبب موتهم، فلم تظهر الهياكل العظمية إصابات مميتة بشكل واضح. يكشف التحليل الجيني أن الاثنين لم يكونا مرتبطين (ليسوا من عائلة واحدة)، لكن لديهما ابنة ماتت في سن الطفولة ودُفنت في مكان قريب.

ويشير الباحثون في  الدراسة  التي نشرت حديثًا في مجلة Antiquity إلى أن القبر القيّم للزوجين يدل على أنهما كانا من بين نخبة La Almoloya. وتشير الزخارف النسائية إلى أن سلطة المرأة كانت أقوى من الرجل في ذلك الوقت وربما كانت حاكمة إقليمية في مجتمع الأرغار.

تم العثور على زخارف أنثوية غنية في مواقع أخرى من العصر البرونزي في جميع أنحاء أوروبا. في الماضي، كان العديد من علماء الآثار يعيدون ذلك الطقس إلى أنهن زوجات لمحاربين أقوياء. لكن بالنظر إلى أهمية وبروز المرأة في موقع La Almoloya، لماذا لا نقول بساطة أن المرأة كانت الحاكمة في هذا المجتمع؟

الحكم للمرأة

لا يمكن ان نعلم الأن مدى اتساع سلطة هذه الحاكمة لكن الباحثين تمنوا أن يدفع هذا الاكتتشاف الأخرين إلى إعادة النظر في افتراضاتهم حول وضع  المرأة طوال عصور ما قبل التاريخ.

تقول عالمة الآثار 《سامانثا سكوت رايتر-Samantha Scott Reiter 》التي لم تشارك في الدراسة: “فكرة أن نساء العصر البرونزي ربما احتللن مكانة وسلطة في حد ذاته كانت موجودة منذ بعض الوقت”. “في الآونة الأخيرة فقط – بمقالات مثل هذه – يبدو أن النظام يعطي قوة الإناث اعتبارات أكاديمية أكثر جدية الأن.”

يقول《 مارك هوجتون-Mark Haughton》 عالم الآثار بجامعة كامبريدج، إنه من المستحيل معرفة كيف ينظر مجتمع الأرغار إلى الأفراد المدفونين. لكنه سعيد لرؤية أن الباحثين لم يحسموا فرضيتهم بأن مجوهرات المرأة المدفونة معها هي رمز لقوة زوجها. يقول: “إذا قبلنا أن الأغراض الجنائزية هي ممتلكات المتوفى، فإننا بحاجة إلى القبول بامتلاك النساء لهذه الأغراض في رواياتنا عن القوة في عصر البرونز”.

تقول عالمة الآثار جوانا بروك: “إذا قبلنا أن النظام الأبوي ليس أمرًا حتميًا، فربما يمكننا تخيل مستقبل أفضل لأنفسنا.”

المصادر

الدراسة المنشورة في مجلة Antiquity

Exit mobile version