ما هي الهندسة الطبية؟ وما هي فروعها؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 8 في سلسلة دليلك لفهم أساسيات الهندسة الطبية

ما هي الهندسة الطبية؟

هي تطبيق مبادئ حل المشاكل والتقنيات الهندسية ضمن المجال الطبي بشكل عام وعلى جسم الإنسان بشكل خاص. وقد برزت  بشكل أكبر بعد ظهور الحاجة إلى زرع أجهزة إلكترونية في الجسم مثل  «الناظمات القلبية – Pacemakers» وزراعة «الأطراف الصناعية – Artificial Limbs ». واستمرت الهندسة الطبية في التطور حتى ضمت عدة مجالات إضافية مثل هندسة النسج والطباعة ثلاثية الأبعاد للأعضاء البديلة.[1]

كيف تختلف الهندسة الطبية عن غيرها من الاختصاصات الهندسية؟

الاختلاف الأساسي هو أن الهندسة الطبية تستهدف صحة الإنسان بشكل مباشر. يدمج هذا الاختصاص المعارف المختلفة من الهندسة الميكانيكية، والإلكترونية، والكهربائية، وعلوم الحاسوب، وعلم الأحياء والطب ليكوّن علم قائم بحد ذاته يخدم المجال الطبي ويمنحه حلول إضافية وفعّالة.

ما هو عمل المهندسين الطبيين؟

ينقسم عمل المهندسين الطبيين إلى أكثر من مجال وتخصص، من أهمها:

  1. تصميم وتطوير الأجهزة البديلة مثل الناظمات القلبية، والكلى الصناعية، والقلب الصناعي، والأطراف الصناعية، والأوعية الدموية الصناعية وغيرها الكثير.
  2. برمجة أجهزة مراقبة المرضى في المستشفيات و تطويرها.
  3. برمجة وتطوير أنظمة التصوير الطبي «الطبقي المحوري – CT»، و«التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني – PET »، و«الرنين المغناطيسي – MRI» والتصوير بالأمواج فوق الصوتية.
  4. إجراء الأبحاث العلمية والتطويرية في مجال المواد الطبية الحيوية ومحاولة اكتشاف خلطات جديدة.
  5. إجراء الأبحاث العلمية في مجال الميكانيكا الحيوية.
  6. صيانة الأجهزة الطبية، ويعد مجالًا واسعًا بسبب التنوع الكبير في الأجهزة الطبية وخصوصية كل جهاز، فقد نجد اختصاصات مختلفة ضمن مجال الصيانة. [2]

ما هي المؤهلات اللازمة لدراسة هذا المجال؟

يجب أن يكون الشخص الراغب بدراسة هذا المجال ملمًّأ بمبادئ الفيزياء، والكيمياء، وعلوم الأحياء، والميكانيكا، والرياضيات والتشريح. ومن الممكن أن يعمل ضمن هذا المجال المهندسين الحاصلين على شهادات أخرى مثل الهندسة الكهربائية بعد أن يخضعوا لدورة تدريبية تعزز الجانب الطبي لهم بالإضافة إلى خبرتهم الأساسية بالجانب التقني والإلكتروني.[3]

ما هي تصنيفات الأجهزة التي يتعامل معها المهندس الطبي؟

تتصف الأجهزة الطبية بالتنوع الكبير، ولكن يمكن تصنيفها ضمن مجموعات كما يلي:

  • الأجهزة التعويضية الجزئية أو الكلية، وتتمثل في الأطراف الصناعية، سواء للقدمين أو لليدين، أو أجهزة تصحيح التشوهات الخلقية للأطراف.
طرف صناعي علوي
  • التجهيزات الخاصة بالمستشفيات والمراكز العلاجية: وتتمثل في الأسرّة، وتجهيزات الغرف بأنواعها وأيضًا تمديدات شبكة الغازات الخاصة بالمستشفى.
  • أجهزة التشخيص والمراقبة: وأمثلة على هذا النوع: السماعة الطبية، وعتاد إضاءة غرف العمليات، وجهاز قياس ضغط الدم وضغط قاع العين وضغط التنفس، ومقاييس نسب السكر في الدم.
جهاز قياس تركيز السكر في الدم
  • أجهزة التصوير: مثل التصوير المقطعي، والمسحي والإلكتروني، وأجهزة رسم تخطيط القلب وأجهزة رسم تخطيط الدماغ.
جهاز التصوير بالإصدار البوزيتروني PET
  •  المجاهر: وتُعد من أبرز أجهزة الهندسة الطبية الحيوية المُستخدمة في المخابر ومراكز الأبحاث، وهناك الكثير من الأنواع، ومنها: المجاهر الضوئية، والإلكترونية، وأجهزة التحليل الطيفي.[3]

المصادر

[1]-Michigan Tech
[2]-Marquette University
[3]-Drexel University

الأبوة والأمومة والعلم

توقع طفل جديد هو حالة من الفرح والإثارة العظيمة، لكنها تُمثل بعض القلق للآباء والأمهات. فتحمل الشهور التسع للحمل الكثير من مشاعر القلق والرهبة والخوف من فكرة تحمل مسئولية رعاية وتربية و تنشئة فرد جديد. لنعتبر أن تلك الفترة فرصة لنمو طفلك الأول، وفرصة لتمنحك وقتًا لإعداد نفسك وحياتك لواحد من أكبر التغيرات و الاضطرابات التى قد تواجهها على الإطلاق. فلنبدأ بوضع الأبوة والأمومة في ميزان العلم حتى نُلم بأهم المؤثرات التي تؤثر على عملية التنشئة من حيث كونها بيئية أم جينية؟

العلوم والأبوة والأمومة

يمكن أن يبدو العلم والأبوة والأمومة وكأنهما عالمان منفصلان، ولكن من خلال بعض الملاحظات الدقيقة، يمكن للمرء أن يكتشف أن هناك الكثير من أوجه التشابه.  فكر في الأمر، العلم يدورحول الاستجواب و الإثبات والتحليل وحل الشكوك والمجهول في الحياة. ولا يوجد هناك تجربة تمتلىء بالشكوك والأمور المجهولة كما الأبوة والأمومة. فيمكن للعلم أن يساعد في إعداد الآباء لهذا التغيير الكبير في الحياة، حتى يتمكنوا من تجربة المزيد من المتعة في تلك العملية وتقليل الضغط، كما يمكنه المساعدة في كيفية الاستعداد عاطفيًا لطفل جديد، وكيفية مساعدة الأشقاء الأكبر سنًا على التكيف مع أخ أو أخت جديدة، وأكثر من ذلك.

التنشئة مقابل الطبيعة

عبر مجموعة واسعة من الدراسات، غالبًا ما يستنتج الباحثون أن البيئة المنزلية وتربية الأطفال مرتبطة ارتباطا سببيًا. في المقابل، تظهر الدراسات الجينية السلوكية أن الآباء يؤثرون على أطفالهم من خلال تزويدهم بالبيئة والجينات، مما يعني أن البيئة التي يوفرها الآباء لا ينبغي اعتبارها في غياب التأثيرات الوراثية، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات خاطئة حول السببية.

فمعظم الآباء يقضون ساعات متباينة في اتخاذ القرارات بشأن البيئة التي يوفرونها لأطفالهم. الأدب العلمي يعكس هذه الفكرة. عبر مجموعة واسعة من الدراسات من العديد من المجالات النفسية، كثيرًا ما يستنتج الباحثون أن الآباء والأمهات في البيئة يقدمون نتائج الأطفال مرتبطة سببيًا، من خلال الانتقال البيئي. فعلى سبيل المثال، لفت انتباهنا في دراسة أجريت لفحص ارتباط وجود مكتبة منزلية كمراهقة ولاحقا للبالغين في مجال الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والمهارات التكنولوجية.

واستخدمت هذه الدراسة مجموعة بيانات غنية للغاية ومزودة بالطاقة، ووجدت ارتباطاً بين عدد الكتب في بيوت المراهقين وأداء محو الأمية في مرحلة البلوغ. وخلصوا إلى أن “النمو مع المكتبات المنزلية يعزز مهارات الكبار”، مما يستنتج وجود صلة سببية. وهنا نناقش كيف أن العلاقة المتبادلة بين البيئات التي يوفرها الآباء، و “بيئة التنشئة” ونتائج أطفالهم قد تكون ناجمة تمامًا عن ارتباط سببي، أو أكثر أهمية، قد تكون ناجمة جزئيًا أو كليًا أيضًا عن خلط وراثي، وبعد تسليط الضوء على المشكلة، يقترح العلم سبلاً تُمكن علماء علم النفس من دراسة المسائل البحثية المتصلة ببيئة تربية الأطفال ونتائج الأطفال بطرق تفسرأو على الأقل تعترف  بالخلط الجيني.

السيطرة الجينية والتعرض للبيئة

علم الوراثة السلوكي

علم الوراثة السلوكي هو دراسة الاختلافات النفسية بين الأفراد وكيفية خلق العوامل الوراثية وغير الوراثية لتلك الاختلافات.  سعى الباحثون في علم الوراثة السلوكي إلى تحديد مدى إمكانية تفسير مختلف الاختلافات المحددة في سلوكيات الناس وصفاتهم بالاختلافات في شفرتهم الوراثية. فيرسم المسار من جينات المرء إلى الشخص في الواقع.  فالمزيد من العلم حول قوة الجينات له تأثيرات على فهم الأمراض العقلية والاختلافات النفسية بين الأفراد، فضلاً عن الآثار النفسية للعوامل غير الجينية.

تظهر عقود من العمل من علم الوراثة السلوكي أن سمات الأطفال تتأثر بالتأثيرات الوراثية والبيئية، والأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لمعظمها هو أن التأثيرات الجينية كثيرًا ما ينظر إليها على أنها مقاييس البيئة، مما يشير إلى أن السياقات المحيطة بالأطفال تقع جزئيا تحت السيطرة الجينية. فعلى سبيل المثال ، وجد التحليل الفوقي وجود دعم تراكمي للتأثيرات الجينية على الأطفال الذين تلقوا تعليمهم، بمعنى أن هناك تأثير وراثي على التعرض للبيئات  تسمى العلاقة بين الجينات والبيئة. ويصف الترابط بين الجينات والبيئة  بالعملية التي يؤثر بها النموذج الجيني للشخص على تعرضه للبيئة.

ليست الحالة أن الجينات تفعل ذلك مباشرة، ولكن بدلًا من ذلك تصبح النماذج الجينية مهمة لجوانب من شخصيتنا، سلوكنا وإدراكنا، والتي بعد ذلك تؤثر على كيفية تفاعلنا مع بيئتنا وكيفية تفاعل الآخرين معنا. ولا يقتصر مفهوم تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به عن قصد وديناميكية على علم الوراثة السلوكي.

علم الوراثة والسلوك

قد يبدو واضحًا أن الجينات التي يرثها الناس من والديهم ويشاركونها مع أشقائهم لها تأثير على السلوك والمزاج. وكثيرًا ما يكون الأفراد أكثر تشابهًا في طائفة متنوعة من الطرق لأفراد الأسرة المباشرين من الأفراد الأبعد منهم، أو غير الأقارب. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من الاختلافات الملحوظة داخل الأسرأيضًا. وقد استخدم العلماء مجموعة من الأساليب للتدقيق في كيفية ومدى تفسير الاختلافات الوراثية للاختلافات النفسية.

الجينات والسلوك

يستخدم العلماء أساليب متخصصة لاستكشاف الروابط بين الجينات  والفروق الفردية. الدراسات التي أجريت على التوائم الذين إما لديهم جينومات متطابقة أو لا لديهم تسمح بتقديرات درجة تحريك الجينات للتباين في الصفات النفسية. كما استخدمت أساليب أخرى مثل دراسة الأطفال المتبنين وآبائهم بالتبني أو بيولوجيًا. برزت دراسات الارتباط على نطاق الجينوم كنهج رئيسي في علم الوراثة السلوكي. يستخدم نظام المعلومات الجغرافية الاختبارات الجينية لتحديد العديد من الاختلافات الجينية بين العديد من الأفراد. ثم تحليل الارتباط بين هذه الاختلافات وسمات الشخصية أو النتائج الأخرى.

العلاقة بين الجينات والبيئة

على وجه التحديد، هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين الجينات والبيئة التي يمكن أن تؤدي إلى التشابك الجيني:\

أولا- الارتباط الجيني – البيئي السلبي

يصف هذا الارتباط بين النمط الجيني الذي يرثه الطفل من والديه والبيئة التي يربي فيها الطفل. وهناك طريقة أخرى للتفكير في ذلك، وهي أن الجينات هي متغير ثالث يؤثر على كل من بيئة التنشئة التي يتلقاها الطفل فضلًا عن صفاته الخاصة، عن طريق انتقال الجينات من الآباء إلى الأطفال. وهذا يعني أنه لا يمكن استخلاص استنتاجات سببية بين بيئة التربية وسمات الأطفال.

ثانياً-  الترابط الجيني – البيئي

وهو عندما تقوم سمة الشخص المؤثر وراثيًا بتحفيز أو إثارة استجابة محددة من الآخرين في البيئة. على سبيل المثال، وُجد أن جينات الشخص ترتبط بتقييمها على أنها -أكثر حبًا- من قبل الآخرين، مما يعني أن كيف يُنظر إليك الآخرون كشريك اجتماعي، ومن ثم التفاعل المحتمل معك، تتأثر بجيناتك!

ثالثا- الارتباط النشط بين الجينات والبيئة

وهو ارتباط صفات الشخص المؤثرة وراثيًا والبيئات التي تختارها، فعلى سبيل المثال، ترتبط سمة الشخصية المؤثرة وراثيًا في التنشئة الاجتماعية، التي تقاس في مرحلة الطفولة بالتعرض لبيئات محفوفة بالمخاطر. قد تصل إلى تعاطي المواد المخدرة في مرحلة المراهقة، إذ أن الأطفال ذوي التنشئة الاجتماعية المنخفضة يتعرضون لبيئات أكثر خطورة.

إن الثلاث أنواع لديهم القدرة على سحب المزيج الحقيقي من التأثيرات الجينية والبيئية التي تنتقل بين الآباء والأطفال (أي التشابك الجيني) ولكن من المفهوم أن الترابط بين الجينات والبيئة السلبية له تأثير أكبر في الطفولة.

اللغة مثالًا

فلنأخذ اللغة مثالًا، لتعلم لغة، يحتاج الرضيع إلى جينوم بشري واضح يجعلهم قادرين على لتعلم لغة بشرية، ولكنها تحتاج أيضا إلى التعرض لها. إلى الكلمات والجمل في بيئتهم .الحيوانات غير البشرية مثل الخنازير أو السناجب لن تتعلم اللغة أبدًا مهما تحدثنا معهم. وعلى نفس المنوال، الأطفال البشر الذين لا يتعرضون إلى اللغة في وقت مبكر من الحياة ينتهي بإعاقة عميقة. حتى العمليات البيولوجية الأساسية جدًا، مثل كيف تتطور العين في مرحلة الطفولة؟ تنطوي على تفاعلات معقدة بين الجينات والبيئة.

حتى وإن جادل بعض العلماء بأن اللغة قد تنشأ بالكامل بدون جينات أو بالكامل بدون مدخلات بيئية. فإننا قد نطرح سؤالًا أكثر حدة وتحديدًا، ما السبب في اختلافنا؟ نحن نختلف في الطول، نحن أيضًا نختلف في مقدار حديثنا، نختلف في شخصيتنا، نختلف في سرعة تعلمنا  وسرعة تأثرنا.

والسؤال  هنا هو ما هو السبب في هذا التباين؟ لماذا يميل البعض إلى التحدث كثيرًا والبعض الآخر لا يتحدث بنفس القدر؟

لماذا بعض الناس أكثر عنفًا وأكثر عرضة للغضب ؟ لماذا بعضنا أفضل في الرياضيات أو العلوم أو العزف على الجيتار؟

الإجابة بكل وضوح هي أن في كل شخص، تلعب كل من الجينات والبيئة دورًا في تطوير سماته.

وحتى عند الوصول إلى تلك الأرضية من الحقيقة، لا يزال بوسعنا أن نتساءل عما إذا كانت هناك اختلافات بين الناس بسبب الاختلافات الوراثية بينهم أو بسبب تجارب مختلفة كان لديهم. وكذلك الاختلافات بين الناس  فيما يتعلق ببعض السمات،

يعزى ذلك أساسًا إلى الاختلافات في علم الوراثة، أو أنها ترجع في المقام الأول إلى تجاربنا  المختلفة في الحياة؟

هذا السؤال هو الأكثر منطقية، فعلى سبيل المثال، سواء كنا نتكلم الفرنسية أو الإنجليزية نسبة 100 في المائة تحددها الاختلافات هي الخبرة و0 في المائة حسب الاختلافات في الجينات. ومن ناحية أخرى نعرف أن سمات مثل الذكاء أو العدوانية أو العصبية غير ممكنة بدون الجينات والتعرض لخبرات في العالم الخارجي. فاتضح أنه يمكننا دراسة ما يسبب الاختلافات بين الناس ولماذا بعض الناس أكثر عصبية أو عدوانية من الآخرين. عن طريق أساليب قوية طُورت من قِبل علماء الوراثة السلوكية.

وأخيرًا، هل يمكن للجينات أن تتنبأ بسلوك الشخص المستقبلي؟

ونظراً لأن علم الوراثة لا يشكل سوى جزء من الفروق النفسية بين الناس، فإن الاختبار الجيني لن يكون قادراً أبدًا على التنبؤ بسلوك الفرد. لكن يأمل بعض الباحثين في أن تعمل درجات المخاطر الجينية-PRS والتي توفر معلومات عن احتمالات حدوث نتائج معينة (مثل تطوير اضطراب عقلي) استنادًا إلى العديد من الاختلافات الجينية الصغيرة،  كأداة مفيدة لتقييم المخاطر في المجالات النفسية. إلا أن القدرة التنبؤية لهذه الدرجات محدودة حاليًا. وهناك قيود أخرى تدفع باحثين آخرين إلى التساؤل عن مدى فعاليتها في نهاية المطاف في التنبؤ بالنتائج النفسية.

المصادر

theguardian

cdc

nature

psychologytoday

فلسفة العلوم: كيف ترى الفلسفة النظريات العلمية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

فلسفة العلوم: كيف ترى الفلسفة النظريات العلمية؟

فلسفة العلوم (Philosophy of Science) قد يبدو هذا العنوان غريباً، وقد يثير تساؤلاً حول علاقة العلم بالفلسفة. ولكن في الواقع، تعد فلسفة العلوم إحدى فروع الفلسفة، وتتطرق في دراستها إلى طرائق البحث والنظريات العلمية. تناقش هذه الفلسفة على وجه التحديد ما الذي يمكن اعتماده تحت تسمية “علم” ولماذا، إضافة إلى طرح منهجيات معينة لفهم مدى مصداقية النظريات العلمية [1].

وقد أثبتت الفلسفة فائدتها للعلوم، إذ تعمل على توضيح العديد من المفاهيم من خلال أبحاثها ودراساتها. ويسهم هذا التوضيح المفاهيمي في تحسين دقة المصطلحات العلمية واستخداماتها في الأبحاث ذات الصلة. كما يساعد في إجراء استقصاءات تجريبية جديدة. حيث تختلف كيفية فهم التجارب وإجرائها مع اختلاف الأطر المفاهيمية. وكلما تعرّفت هذه الأطر أكثر، أصبح من الممكن إجراء مزيد من البحوث والدراسات [2].

التوجهات ضمن فلسفة العلوم

إذا أردنا دراسة فلسفة العلوم من منظور واسع نسبياً، يمكننا الذهاب إلى مقاربتين مختلفتين حول طبيعة العلم بحد ذاته. فلا يوجد هنا تركيز على نظرية علمية محددة دون سواها. كما لا تتم دراسة موضوع أو تخصص واحد كعلم الأحياء، أو الفيزياء. بل يكمن الاختلاف بين هاتين المقاربتين في تعريفهما لطبيعة النظريات العلمية التي يمكن أن تُصنف على أنها نظريات جيدة. إضافة لذلك، تملك كل منهما وجهة نظر مختلفة حول ما يجب أن نأمل الحصول عليه من النظريات العلمية، بصفتنا متلقين للعلم. وبدقّة أكبر، يتمثل الاختلاف في الهدف من العلم، والنتيجة التي ينبغي أن تصل إليها النظريات العلمية [1].

أما عن هذين التيارين أو التوجهين ضمن فلسفة العلوم، فهما الواقعية العلمية (Scientific Realism) واللاواقعية العلمية (Scientific Anti-Realism).

الواقعية العلمية

يمكن تعريفها بطرق عدة، وباختصار، تمثل الواقعية العلمية موقفاً تجاه النظريات العلمية ينص على أن هدف هذه النظريات هو إيصالنا إلى الحقيقة. أي أن النظريات العلمية هي تلك التي تنجح، من خلال المصطلحات العلمية النظرية، بتفسير ما يحدث في العالم المرئي (كدراسة علم الفلك للكواكب) وغير المرئي (كدراسة الفيزياء للبروتونات والإلكترونات). ويوجد هنا توجه نحو فكرة الحقيقة التي يجب على النظريات العلمية أن تؤدي إليها. أي أن لهذه النظريات جانباً معرفياً، لأنها تمنحنا مظاهر معرفية مرتبطة بالعالم، بما في ذلك المظاهر غير المرئية منه [3].

وفق الواقعية العلمية، يكمن هدف العلم في إعطاء تفسيرات وتوصيفات صحيحة لما يحدث في العالم. ويمكن في هذا السياق الحديث عن جانبين للنظرية العلمية، هما الجانب المعنوي أو الدلالي (semantic) والجانب المعرفي (epistemic). بالنسبة للجانب المعنوي، يجب أن نفهم لغة النظرية العلمية والمصطلحات المستخدمة فيها. وهذا يعني أن يكون لهذه المصطلحات دلالات في العالم الخارجي يمكننا ربطها بها. على سبيل المثال، عندما تتحدث النظرية عن الكواكب، ينبغي لنا أن نعرف دلالة كلمة “كوكب” ونفهم معناها وما تمثله في العالم الخارجي [1].

أما بالنسبة للجانب المعرفي، يجب أن نصدق النظريات العلمية على أنها صحيحة بالنسبة لما تطرحه من أفكار حول العالم أو الأشياء التي تدل عليها. فنص النظرية العلمية يهدف إلى إعطاء شرح وتفسير لظواهر العالم. لهذا لا بد أن نصدق أنها صحيحة، ولو بشكل تقريبي، بمعنى توافقها مع الحقائق الصحيحة في الطبيعة [1].

اللاواقعية العلمية

تضم اللاواقعية العلمية أفكاراً مختلفة، من أهمها التجريبية البنائية والتي طورها بشكل رئيسي الفيلسوف الأمريكي فراسن (Bas van Fraassen) في ثمانينيات القرن الماضي. وتختلف اللاواقعية عن الواقعية في تحديدها للهدف من النظريات العلمية [1]. وفقاً للتجريبية البنائية، يسعى العلم لإعطاء نظريات دقيقة من الناحية التطبيقية، لكن ليس بالضرورة نظريات صحيحة. فلا يشترط لقبول نظرية ما على أنها نظرية علمية أن تثبت صحتها. بل يكفي أن تكون دقيقة عملياً [4]. وتتفق هذه النظرية مع الواقعية العلمية في الجانب المعنوي أو الدلالي. أي أنها تركز أيضاً على ضرورة فهم المصطلحات العلمية التي تستخدمها النظرية، وربط هذه المصطلحات بالعالم ودلالاتها فيه. لكن يكمن الاختلاف في الجانب المعرفي. فهنا لا يشترط أن نؤمن بصحة النظرية كي نعتبرها نظرية علمية جيدة. بل نلجأ إلى التجربة العملية التي يجب أن تكون دقيقة [1].

يتمحور التركيز هنا حول الجوانب المرئية من العالم، والتي يجب أن تكون دقيقة عملياً. وتنطوي الدقة العملية أو التطبيقية في النظرية على حسن إعطاءها لتفسير صحيح للظواهر المرئية. باختصار، يجب للنظرية أن تكون قادرة على احتواء الظواهر المرئية التي نؤمن بوجودها كي تكون نظرية علمية. أي أنه، بالنسبة للتجريبية البنائية، لا تنطوي صحة تفسير الظواهر المرئية التي نصدقها في النظرية العلمية على صحة تفسير الظواهر غير المرئية، ولا مشكلة بهذا في النظرية العلمية [5].

الفلسفة والعلوم

إذاً تختلف وجهات النظر الفلسفية في طريقة رؤيتها للنظريات العلمية. وفي الواقع، هذا الاختلاف يغني العلوم ويوسع النطاق المعرفي الذي تجري الأبحاث ضمنه – إما بناء على توسيع الإطار المفاهيمي، أو بناء على نقد الافتراضات العلمية. إذ يمكن للفلسفة أن تكون على مستوى من الفعالية في تأثيرها على صياغة نظريات جديدة تكون قابلة للاختبار، وتساهم في وضع مسارات جديدة لأبحاث تطبيقية [2].

اقرأ أيضاً: فلسفة العقل وعلاقة العقل بالجسد

المصادر

  1. Coursera: Massimi, Michela, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
  2. Why Science Needs Philosophy
  3. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Scientific Realism
  4. Constructive Empiricism – Paul Dicken
  5. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Constructive Empiricism

التاريخ ينصف المرأة.. دورها في الحكم أعظم مما نتصور!

مرة بعد أخرى يعيد العلم للمرأة بعضًا من حقوقها المهدورة. فمن الشائع جدًا بين المؤرخين وعلماء الآثار أن الرجال قد حكموا معظم المجتمعات خلال العصر البرونزي في أوروبا. كان ذلك قبل أن تظهر أدلة جديدة يمكن أن تعيد كتابة التاريخ، لكن بطريقة منصفة. فهل سينصف التاريخ المرأة هذه المرة؟

ظهرت وعلى رأسها تاج 

تهيمن على موقع 《 La Almolya 》في اسبانيا أطلال هيكل شبيه بالقصر كان مبنيا في ما مضى على قمة تل صخرية تطل على السهول المحيطة. كان الباحثون الإسبان يحفرون في الموقع سنة 2014 عندما عثروا على قبر تحت أرضية غرفة كبيرة تفتقر إلى معظم أدوات المعيشة. لم يكن فيها أي عناصر احتفالية تشير لوظيفة دينية بل مجرد مقاعد حجرية متشققة ومتوزعة على طول الجدران. مما يشير إلى أن هذا المكان كان مركزًا للحكم.

في القبر وجد الباحثون جرة فخارية احتوت على عظام المرأة وإلى جانبها هيكل عظمي لرجل. كان الرجل يرتدي سوارًا نحاسيًا وسدادات أذن ذهبية. أما المرأة فكانت ترتدي العديد من الأساور والخواتم الفضية، وقلادة من الخرز، وإكليل فضي مذهل يزين جمجمتها. هذه القطعة الشبيهة بالتاج مطابقة تقريبًا لأربعة قطع أخرى وجدت على نساء مدفونات في منطقة أخرى في 《الأرغار- El Argar.》

الجرة المدفنية التي وجد فيها عظام المرأة وزوجها.

اما الأرغار فهو مجتمع سيطر على مناطق الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة الأيبيريةمن حوالي عام 2200 إلى 1550 قبل الميلاد. كان هذا المجتمع منتجًا رئيسيًا للمنسوجات وربما مركزًا إقليميًا ثريًا، كما يقول عالم الآثار والمؤلف المشارك في الدراسة روبرتو ريش من جامعة برشلونة المستقلة.

اقرأ أيضًا: العصر البرونزي الحديث .. كيف تصبح العولمة سببًا لانهيار الحضارات ؟

نخبة مجتمع الأرغار

حسب التأريخ بالكربون المشع للرفات فقد مات الرجل والمرأة عام ١٦٥٠ قبل الميلاد، وقد ماتوا في نفس الوقت أو تقريبًا. كان الرجل يبلغ من العمر حوالي 35 إلى 40 عامًا عندما توفي، أما المرأة فقد ماتت بين 25 و30 عامًا. لا يمكن للباحثين التأكد من سبب موتهم، فلم تظهر الهياكل العظمية إصابات مميتة بشكل واضح. يكشف التحليل الجيني أن الاثنين لم يكونا مرتبطين (ليسوا من عائلة واحدة)، لكن لديهما ابنة ماتت في سن الطفولة ودُفنت في مكان قريب.

ويشير الباحثون في  الدراسة  التي نشرت حديثًا في مجلة Antiquity إلى أن القبر القيّم للزوجين يدل على أنهما كانا من بين نخبة La Almoloya. وتشير الزخارف النسائية إلى أن سلطة المرأة كانت أقوى من الرجل في ذلك الوقت وربما كانت حاكمة إقليمية في مجتمع الأرغار.

تم العثور على زخارف أنثوية غنية في مواقع أخرى من العصر البرونزي في جميع أنحاء أوروبا. في الماضي، كان العديد من علماء الآثار يعيدون ذلك الطقس إلى أنهن زوجات لمحاربين أقوياء. لكن بالنظر إلى أهمية وبروز المرأة في موقع La Almoloya، لماذا لا نقول بساطة أن المرأة كانت الحاكمة في هذا المجتمع؟

الحكم للمرأة

لا يمكن ان نعلم الأن مدى اتساع سلطة هذه الحاكمة لكن الباحثين تمنوا أن يدفع هذا الاكتتشاف الأخرين إلى إعادة النظر في افتراضاتهم حول وضع  المرأة طوال عصور ما قبل التاريخ.

تقول عالمة الآثار 《سامانثا سكوت رايتر-Samantha Scott Reiter 》التي لم تشارك في الدراسة: “فكرة أن نساء العصر البرونزي ربما احتللن مكانة وسلطة في حد ذاته كانت موجودة منذ بعض الوقت”. “في الآونة الأخيرة فقط – بمقالات مثل هذه – يبدو أن النظام يعطي قوة الإناث اعتبارات أكاديمية أكثر جدية الأن.”

يقول《 مارك هوجتون-Mark Haughton》 عالم الآثار بجامعة كامبريدج، إنه من المستحيل معرفة كيف ينظر مجتمع الأرغار إلى الأفراد المدفونين. لكنه سعيد لرؤية أن الباحثين لم يحسموا فرضيتهم بأن مجوهرات المرأة المدفونة معها هي رمز لقوة زوجها. يقول: “إذا قبلنا أن الأغراض الجنائزية هي ممتلكات المتوفى، فإننا بحاجة إلى القبول بامتلاك النساء لهذه الأغراض في رواياتنا عن القوة في عصر البرونز”.

تقول عالمة الآثار جوانا بروك: “إذا قبلنا أن النظام الأبوي ليس أمرًا حتميًا، فربما يمكننا تخيل مستقبل أفضل لأنفسنا.”

المصادر

الدراسة المنشورة في مجلة Antiquity

Exit mobile version