اللغات الجرمانية وأصلها

اللغات الجرمانية وأصلها

تعتبر الكثير من اللغات التي نعرفها حالياً، كالإنكليزية والألمانية والدنماركية والنرويجية، من اللغات الجرمانية (Germanic languages). وتعود جميعها إلى أصل مشترك، لكن طرأ عليها بعض التغييرات التي ميزتها عن ذلك الأصل. كما أنها مختلفة فيما بينها في عدد من الجوانب. تعد اللغات الجرمانية من المجموعات الفرعية لإحدى العائلات اللغوية الأساسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. تعتبر اللغات الجرمانية من أحد الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية [1].

أصل اللغات الجرمانية وتقسيماتها

يعود الدليل الأقدم على الناطقين باللغة الجرمانية الأصلية إلى النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد. وكان هؤلاء يقطنون في المنطقة الممتدة من جنوب شبه الجزيرة الاسكندنافية إلى ساحل بحر البلطيق الشمالي [1].

تقسم هذه اللغات إلى ثلاث مجموعات فرعية.

المجموعة الشرقية (East Germanic) هي مجموعة لغات منقرضة ولا وجود لها حالياً. كانت تتحدثها قبائل جرمانية قديمة كالقوطيين والبرغنديين والفاندال. وكانت تنتشر في المنطقة الممتدة بين نهر أودر في وسط أوروبا ونهر فيستولا في بولندا [2]. انتقلت هذه اللغات عن طريق حركات الهجرة إلى وسط وشرق أوروبا، وإلى شمال أفريقيا أيضاً. ويمكن الاطلاع على مثالٍ عن هذه المجموعة في الترجمة القوطية للإنجيل والتي تعود للقرن الرابع الميلادي [3]. ولكن بدأت المجموعة الشرقية تنقرض تباعاً منذ القرن الرابع الميلادي، وتوالت بالاختفاء حتى القرن الثامن عشر حين لم تعد أي منها من اللغات المحكية [4].

أما المجموعتان الموجودتان حالياً من فهما الجرمانية الشمالية (North Germanic) والجرمانية الغربية (West Germanic). تضم هاتان المجموعتان العديد من اللغات، إذ يبلغ عدد اللغات الجرمانية الحية 47 لغة على الأقل [4].

بالنسبة للمجموعة الشمالية، أو الإسكندنافية، فتحتوي على اللغات الدنماركية والنرويجية والسويدية والأيسلندية والفاروية. في حين تتألف المجموعة الغربية من اللغات الإنكليزية والألمانية، بكافة أشكالهما، والهولندية (بما في ذلك الأفريقانية السائدة في جنوب أفريقيا والفلمنكية) والفريزية [3].

بعض خصائص اللغات الجرمانية

طرأت تغيرات رئيسية على الجذر الهندو أوروبي أثناء تحوله إلى اللغة الجرمانية الأصلية، والتي تفرعت لاحقاُ إلى مجموعات اللغات المذكورة. ومع أن هذه اللغات قد تبدو مختلفة عن بعضها، توجد بعض النقاط المشتركة فيما بينها والتي تميزها عن غيرها.

مثلاً، تضم اللغات الجرمانية عدداً من الكلمات التي لا تملك مقابلات مشابهة في اللغات الهندو أوروبية الأخرى. من الممكن تفسير هذا بأن المقابلات كانت موجودة بالفعل، ولكنها اختفت من اللغات الهندو أوروبية الأخرى. أو أن هذه الكلمات دخلت إلى اللغات الجرمانية من لغات غير هندو أوروبية كاللغات المحكية في مناطق تعرضت لغزو القبائل الجرمانية.

كما طرأت بعض التغيرات على الأحرف الصوتية في اللغات الهندو أوروبية. ففي حين احتفظت اللاتينية بالصوت /o/، أصبح هذا الصوت /a/ في الجرمانية.

ومن التغييرات الأخرى اعتماد اللواحق لتغيير الفعل إلى الزمن الماضي. تحدث عالم اللغويات الألماني جاكوب غريم عن نوعين من الأفعال فيما يتعلق بالتحويل للزمن الماضي. حيث صنّف غريم هذه الأفعال إلى قوية وضعيفة. أولاً، تتسم الأفعال القوية بتطبيق تغيير داخلي على الفعل لتغيير زمنه إلى الماضي. ومثال هذا في الإنكليزية (rise/rose)  و (sing/sang). في حين أن الأفعال الضعيفة تستخدم لواحق لهذا الغرض، مثل (step/stepped) و (talk/talked). وتتشارك اللغات الجرمانية بهذه الميزة، وهي استخدام اللاحقة التي تضم الأصوات /t/ أو /d/.

كما تغير نظام تشديد النبرة الحر الموجود في اللغات الهندو أوروبية التي يتغير فيها تشديد النبرة من مقطع لآخر في صيغ مختلفة للكلمة الواحدة. من جهة أخرى، تعتمد اللغات الجرمانية على تشديد المقطع الأول من الكلمة. طبعاً توجد بعض الاستثناءات، وخاصة عندما يكون المقطع الأول للكلمة هو عبارة عن سابقة مضافة مثل كلمتي /believe/ و/forget/ في الإنكليزية. [5]

الفهم المتبادل ضمن المجموعة الجرمانية

وأخيراً، تتفاوت درجات فهم إحدى هذه اللغات لدى الناطقين بلغة أخرى من نفس المجموعة. على سبيل المثال، تعتبر السويدية والدنماركية أكثر اللغات الجرمانية قدرة على فهم بعضهما البعض. كما يمكن للألمانية والهولندية الوصول إلى درجة معينة من الفهم المتبادل. وتعد اللغة الإنكليزية أكثرها انتشاراً في العالم [6].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر

  1. World History Encyclopedia
  2. Britannica – East Germanic Languages
  3. John A. Hawkins – Germanic Languages
  4. Babble Magazine – All in The Language Family: The Germanic Languages
  5. History of ЄΝϞL·ΙЅΗ – Features of Germanic languages
  6. University of Groningen

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية (Romance Languages) هي مجموعة كبيرة من اللغات المنتشرة حول العالم، والتي تعود إلى أصل مشترك نشأت عنه منذ زمن طويل. لكنها ليست من العائلات اللغوية الأساسية، ولا حتى من المجموعات الفرعية لهذه العائلات. بل هي مجموعة ضمن إحدى المجموعات الفرعية للعائلات الرئيسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. من أحد هذه الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية يوجد ما يسمى مجموعة اللغات الإيطاليكية (Italic languages)، وهذه المجموعة تضم تحت سقفها المجموعة الأصغر والتي تدعى اللغات الرومانسية [1].

أصل اللغات الرومانسية وعددها:

يعود أصل اللغات الرومانسية إلى اللغة اللاتينية العامية (Vulgar Latin) وهي اللغة اللاتينية التي كان يتحدثها عامة الشعب في الإمبراطورية الرومانية. تختلف اللاتينية العامية عن اللاتينية الكلاسيكية (Classical Latin) التي كانت تُستخدم في الكتابة والأدب، والتي بقيت لاحقاً في النصوص الدينية [2]. وتعتبر اللغات الرومانسية من ضمن اللغات الإيطاليكية (Italic languages) التي تشكل بدورها مجموعة فرعية من أسرة اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages) [3].

إذاً، كان للغة اللاتينية في الإمبراطورية الرومانية عدة أشكالٍ، واستخدم أفراد الشعب العامية منها في الحديث والحياة اليومية في مناطق الإمبراطورية على اتساعها. ونتيجة هذا الاتساع وتوزع المناطق، كان حتى لهذه اللغة العامية أشكالٌ متباينة، تغيرت مع مرور الوقت لتنبثق منها اللغات الرومانسية التي نعرفها حالياً [2]. في واقع الأمر، يوجد الآن حوالي 42 لغة رومانسية أو أكثر. ولكن لا يمكن تحديد هذا الرقم بدقّة نتيجة عدم وجود توافقٍ كاملٍ على تعريف كلٍّ من مصطلحي “اللغة” و”اللهجة” والتفريق بينهما.

إلا أنه لا يختلف اثنان على أنّ أشهر خمس لغات رومانسية وأكثرها انتشاراً هي الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية والرومانية. بالإضافة لها، توجد لغاتٌ أقل انتشاراً مثل الكتالونية والسردينية وغيرها [3].

لماذا سميت باللغات الرومانسية؟

على عكس ما يوحي اسمها، لا علاقة لتسمية هذه اللغات بالمشاعر أو العواطف “الرومانسية”. بل تعود كلمة Romance هنا إلى اتصال هذه اللغات بروما. إذ يرجع أصل الكلمة الإنكليزية Romance إلى كلمة Romanicus وهي كلمة فرنسية قديمة من أصل لاتيني كانت موجودة في العصور الوسطى وتعني “روماني” أو “على النمط الروماني” [4].

ما الذي يميز اللغات الرومانسية؟

تتميز اللغات الرومانسية الخمسة الأكثر انتشاراً بمفرداتها وقواعدها ذات الأصول اللاتينية، وهذا ما يجعل من السهل على من يتحدث إحداها أن يفهم ولو بشكل بسيط اللغات الأخرى. كما أن من يتعلم واحدة منها لن يجد صعوبةً كبيرةً في تعلم إحدى أخواتها [5].

ومما تشترك فيه هذه اللغات هو التذكير والتأنيث لكافة الأسماء فيها، وإسقاط هذا على الصفات عند استخدامها مع الأسماء. ولكن تتميز اللغة الرومانية هنا بوجود كلمات حيادية الجنس وهذا ما اختفى في باقي أفراد المجموعة [6].

ما مدى التشابه بين اللغات الرومانسية واللغة اللاتينية؟

أما عن مدى انحراف هذه اللغات عن اللغة اللاتينية العامية التي نشأت منها، تعد اللغة الإيطالية الأقل تبايناً عن هذا الأصل. في حين أن اللغة الفرنسية هي الأكثر ابتعاداً من ناحية اللفظ. أما اللغة الرومانية، فتختلف أكثر من غيرها فيما يتعلق بالمفردات، ولكنها أكثر من حافظت على القواعد التي استخدمتها اللاتينية الكلاسيكية [5].

دعونا نأخذ مثالاً يوضح لنا كيف تحولت اللغة من الأصل إلى الفروع. كلمة “عشب” في اللغة اللاتينية هي “herba” وإذا ما تعقبناها في اللغات الرومانسية الأشهر، نراها موجودة كما يلي:

  • الفرنسية: herbe
  • الإسبانية: hierba
  • الإيطالية: erba
  • البرتغالية: erva
  • الرومانية: iarbã

لا يخفى تشابه هذه الكلمات على من يراها أو من يسمعها. فنلاحظ اختفاء الحرف (h) في الكلمة في جميع هذه اللغات. وحتى وإن حافظت الفرنسية والإسبانية عليه في التهجئة، لكنه سقط في اللفظ منذ زمن طويل. كما نرى أن أقرب شكل لهذه الكلمة إلى أصلها اللاتيني موجود في اللغة الإيطالية.

ولكن هذا التشابه لا يعني تطابق اللغات مع أصلها اللاتيني. فلا يمكن لمن يتحدث الفرنسية أو الإسبانية، مثلاً، أن يُعتبر طليقاً باللاتينية. بل على العكس، حتى يتقنها، ينبغي أن يتعلمها كأية لغة جديدة. وبالمقابل، لو سمع أي شخص روماني من الناطقين الأصليين باللاتينية إحدى هذه اللغات المتفرعة عن لغته الأم، كان ليرتبك ويعتبر أن ما يسمعه ينطوي على أخطاء عدة تحول دون فهمه له [7].

 في النهاية، تشهد كل لغة تغيرات وتعديلات على مر الزمن، تؤدي إلى ابتعادها عن الأصل الذي انبثقت منه. وهذه عملية طبيعية لا بدّ من حدوثها نتيجة اختلاط الناطقين ببعضهم، وحاجة اللغات إلى احتواء مفردات جديدة للتعبير عن كل ما هو جديد في مجالات الحياة المختلفة ودائمة التطور [8].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر:

  1. World History Encyclopedia
  2. ThoughtCo
  3. Britannica
  4. Babbel Magazine
  5. The Ancient Language Institute
  6. Superprof
  7. Language Evolution: How One Language Became Five Languages
  8. BBC
Exit mobile version