لماذا تعاني السيارات الكهربائية الصينية للعثور على مشترين في أوروبا؟

شهدت الصين، أكبر سوق للسيارات في العالم، تحولاً ملحوظاً على مدى العقد الماضي. حيث انتقلت من إنتاج نسخ من السيارات الغربية الأساسية إلى تصنيع سيارات تنافس أفضل السيارات في العالم. وأصبحت الصين القوة التصنيعية الرئيسية للسيارات الكهربائية في العالم. ومع حجم الإنتاج الضخم، تغمر السيارات الصينية الآن الموانئ الأوروبية، حيث قضي بعضها ما يصل إلى 18 شهرًا في مواقف السيارات بالموانئ. على الرغم من تلقيها تقييمات إيجابية، إلا أن السيارات الكهربائية الصينية تعاني للعثور على مشترين في أوروبا. يثير هذا اللغز تساؤلات: لماذا تفشل السيارات الكهربائية الصينية، التي تضاهي أو حتى تتجاوز العلامات التجارية الأوروبية من حيث النطاق والجودة والتكنولوجيا، في جذب المشترين الأوروبيين؟ تكمن الإجابة في مزيج معقد من العوامل سنكتشفها في المقال الآتي.

نجاح اليابان في مجال صناعة السيارات

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت اليابان تحاول ترك بصمتها في صناعة السيارات العالمية. وكانت البلاد تنتج السيارات، لكنها كانت تعتبر أقل شأنًا من نظيراتها الغربية. حيث كان يُعتقد أن السيارات اليابانية صغيرة الحجم وضعيفة من حيث القوة وعرضة للصدأ، مع تصميم عام لا يمكن أن يضاهي طراز السيارات الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، كانت ذكريات تورط اليابان في الحرب العالمية الثانية لا تزال حاضرة في أذهان الناس، مما يجعل من الصعب على السيارات اليابانية أن تحظى بالقبول.

إحدى النقاط الرئيسية هي أهمية إنتاج سيارات عالية الجودة وموثوقة يمكنها الصمود أمام اختبار الزمن. وحققت شركات صناعة السيارات اليابانية ذلك من خلال مراقبة الجودة الصارمة، وعمليات التصنيع المبتكرة، والتركيز المستمر على التطوير. وبفضل ذلك، تمكنت البلاد من قلب الاتجاه ببطء حيث بدأت السيارات اليابانية تحظى بالاعتراف في مجال السيارات. وفي نهاية المطاف، أصبحت اليابان قوة كبيرة في مجال السيارات في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

إن صعود اليابان يوضح أهمية بناء ولاء للعلامة التجارية من خلال النجاح في رياضة السيارات والسمعة الطيبة. على سبيل المثال، ساعد تاريخ فورد الغني في السباقات على ترسيخ مصداقيتها بين المشترين. في حين أن المصنعين الحاليين يتمتعون بإرث من الموثوقية الذي يمنحهم ميزة كبيرة. ويتعين على شركات صناعة السيارات الصينية أن تستثمر الوقت والجهد في بناء هذه الأصول غير الملموسة إذا كانت تأمل في التنافس مع العلامات التجارية الراسخة.

وتواجه الصين الآن تحدياً مماثلاً لما واجه اليابان سابقًا. حيث كانت البلاد تنتج السيارات، بما في ذلك السيارات الكهربائية، ولكن لا يزال ينظر إليها بعين الريبة من قبل العديد من الغربيين. والسبب ليس مجهولًا، فصناعة السيارات في الصين تتمتع بإرث حديث يتمثل في إنتاج نسخ رخيصة وغير قانونية من السيارات الأوروبية. وقد أدى ذلك إلى تصور أن السيارات الصينية لا ترقى إلى مستوى المعايير الأوروبية.

التحديات وعقبات أمام الصين

يعد اقتحام السوق الأوروبية عقبة كبيرة أمام مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين. ويكمن التحدي في إقناع المشترين باختيار منتجاتهم بدلاً من العلامات التجارية الأوروبية الراسخة. إحدى العقبات الرئيسية هي الافتقار إلى صورة العلامة التجارية والولاء. المشترين الأوروبيين مخلصون لعلامات تجارية مثل (BMW)، وبورش، وفيراري، التي تتمتع بتاريخ غني من الموثوقية، والنجاح في رياضة السيارات، وشبكة وكلاء قوية. ويحتاج صانعو السيارات الصينيون إلى بناء هذه السمعة من الصفر، الأمر الذي يستغرق وقتًا طويلًا.

التحدي الآخر هو وتيرة الابتكار في سوق السيارات الكهربائية. على سبيل المثال، حددت شركة تسلا وتيرة سريعة لتحديث المنتجات، مما يجعل من الصعب على الشركات المصنعة الصينية مواكبة ذلك. هذه الوتيرة السريعة للابتكار يمكن أن تجعل المشترين حذرين من الاستثمار في منتج قد يصبح قديمًا قريبًا. ولتحقيق النجاح، يتعين على الشركات المصنعة الصينية أن تعمل على إيجاد وسيلة لتحقيق التوازن بين الإبداع والاتساق، وضمان بقاء منتجاتها قادرة على المنافسة ومرغوبة.

بالإضافة إلى ذلك، يعد سوق الأساطيل في أوروبا قطاعًا مهمًا، ومن الحكمة أن يستهدف المصنعون الصينيون هذا السوق. يمكن أن يساعد البيع للأساطيل وشركات التأجير في الحصول على المزيد من السيارات على الطريق، مما سيوفر بيانات قيمة حول الموثوقية والأداء. وهذا بدوره يمكن أن يساعد في بناء الثقة بين المشترين من القطاع الخاص.

عقبة الحرب التجارية

إحدى العقبات الكبيرة التي تواجهها السيارات الكهربائية الصينية في أوروبا هي عقبة الحرب التجارية. حيث يفرض الاتحاد الأوروبي حاليا تعريفة استيراد بنسبة 10% على كل سيارة يتم جلبها من الصين. بينما تخضع واردات السيارات من الصين في الولايات المتحدة إلى تعريفة أعلى بنسبة 27.5%. وقد ترتفع هذه التعريفات بشكل أكبر، مما يزيد من صعوبة اختراق شركات صناعة السيارات الصينية للسوق الأوروبية.

ولوضع هذا في الاعتبار، إذا كانت تكلفة إنتاج السيارة الكهربائية الصينية 20 ألف يورو، فإن تعريفة الاستيراد بنسبة 10٪ ستضيف 2000 يورو إلى التكلفة، مما يجعلها أقل قدرة على المنافسة في السوق الأوروبية. علاوة على ذلك، يجري الاتحاد الأوروبي تحقيقًا حول ما إذا كانت تعريفته منخفضة للغاية، وإذا خلص إلى ذلك في وقت لاحق من هذا العام، سيتم تطبيق رسوم أعلى بأثر رجعي على السيارات المستوردة. فهذا يعني أن شركات صناعة السيارات الصينية سوف تضطر إلى استيعاب التكلفة الإضافية، مما يجعل منتجاتها أقل قدرة على المنافسة.

وبالإضافة إلى التعريفات الجمركية، يجب أن تمتثل السيارات الكهربائية الصينية أيضًا للوائح الأوروبية المعقدة والطويلة. ويشمل ذلك تلبية معايير السلامة والانبعاثات الصارمة، بالإضافة إلى اجتياز العملية البيروقراطية للحصول على الموافقة النوعية لمركباتهم. كل هذه العقبات التنظيمية يمكن أن تزيد من التكلفة والوقت الذي يستغرقه صانعو السيارات الصينيون لجلب منتجاتهم إلى السوق. مما يصعب عليهم التنافس مع العلامات التجارية الأوروبية الراسخة.

طرق بناء الولاء للعلامة التجارية

بالنسبة لشركات صناعة السيارات الصينية، يعد بناء الولاء للعلامة التجارية مهمة شاقة. إنهم بحاجة إلى إقناع المشترين بأن سياراتهم ليست مجرد بدائل أرخص، ولكنها موثوقة وأنيقة ومرغوبة في حد ذاتها. إنه تحدٍ يتطلب فهمًا عميقًا للمشترين الأوروبيين وقيمهم.

وتتلخص إحدى الطرق للقيام بذلك في الاستفادة من العلامات التجارية الحالية التي استحوذت عليها الشركات الصينية، مثل فولفو، ولوتس، وإم جي. تتمتع هذه العلامات التجارية بتاريخ غني ومتابعين مخلصين، ويمكن لشركات صناعة السيارات الصينية الاستفادة من هذه النوايا الحسنة الحالية لبناء سمعتها الخاصة.

هناك نهج آخر يتمثل في التركيز على سوق المشترين من القطاع الخاص، بدلًا من سوق الأساطيل. حيث يهتم المشترون من القطاع الخاص أكثر بتجربة الملكية الشاملة، بما في ذلك التصميم والأداء والموثوقية. ومن خلال استهداف هذا السوق، يمكن لشركات صناعة السيارات الصينية بناء قاعدة عملاء مخلصين تدافع عن علامتها التجارية.

في نهاية المطاف، يتطلب بناء الولاء للعلامة التجارية وقتًا وجهدًا والتزامًا عميقًا بالجودة والابتكار. ويتعين على شركات صناعة السيارات الصينية أن تثبت استعدادها لبذل جهود كبيرة لكسب ثقة المشترين الأوروبيين. إذا تمكنوا من القيام بذلك، فقد تجد السيارات الكهربائية الصينية طريق النجاح في أوروبا.

المصادر:

Electric cars pile up at European ports as Chinese firms struggle to find buyers / the conversation

كيف ظهر العبيد؟

عندما تخطر ببالنا كلمة العبيد، تتبادر إلى أذهاننا صور بشعة عن استعباد عرق بشري لعرق آخر لم يمتلك القوة لحماية حريته. سفنٌ مبحرة من قارة إفريقيا إلى الأمريكتين ، مكدسة بالأفارقة المقيدين بالسلاسل ومسلوبي الحياة.. وقد تخطر في أذهاننا كذلك صورة للشاعر الجاهلي عنترة بن شداد، الذي ألهمت قصته الكتاب والمخرجينالذين تطرقت أعمالهم إلى قضاية العبودية في شبه الجزيرة العربية. فهل تساءلت يومًا كيف ظهر العبيد؟ وكيف سلبت حريتهم ؟ وما سبب ظهور العبودية؟

سبب ظهور العبيد

ظهر العبيد مع ظهور الثورة الاقتصاديةوالزراعية التي سادت العالم في القرن السابع عشر الميلادي، والتي كانت تنتج عددا من السلع الأساسية كالسكر، والتبغ، والقطن. انتشرت زراعة وصناعة هذه السلع في مناطق معينة فانتشر السكر في جزر الكاريبي، والقطن والتبغ في جنوب أمريكا. احتاجت تلك المزروعات إلى الأيدي العاملة لتحصدها وتحولها إلى منتجات يمكن الاستفادة منها، بدلا من صورتها الأولية.

عمل الأوربيون الفقراء لدى الحكومات والنبلاء الذين امتلكوا تلك الصناعات، ولكنهم كانوا ضعيفي البنية، سريعي المرض. فلم تكن لديهم القدرة على مواصلة العمل لفتراتٍ طويلة. ولذلك كان على الحكومات والنبلاء أن يبحثوا عن حلٍّ آخر أكثر فعالية يدر عليهم أرباحا أكثر،ويساهم في تطور العالم وانتقاله إلى حقبة زمنية مليئة بالإنجازات.

استخدم رجال الأعمال الأفارقة كعمالة رخيصة، تمتلك قوة وقدرة أكبر على العمل لفترات طويلة بخلاف غيرهم من الأوروبيين الفقراء. ومن هنا كانت بداية ظهور العبيد. فعملوا في حصاد السكر، وتنظيف القطن من البذور، و في مزارع التبغ والأرز وغيرها من الأعمال الشاقة دون راحة. مما أدى إلى هلاكهم نتيجة الإجهاد المتواصل.

نستنتج أن العبيد ظهروا لاستمرار تطور البشرية، والمساهمة في خلق   العالم الجديد، على الرغم مما تعرضوا له من ظلمٍ ووحشية. فلولاهم لما كان للتجارة أن تزدهر كما ازدهرت في القرن الثامن عشر. وما كانت الدول العظمى  لتصبح في مقدمة سلم الاقتصاد، فهم من قاد العالم أجمع.

كيف تحول العبيد إلى تجارة؟

لم يتوقف الأمر على كون الأفارقة عمالة سهلة الطلب، بل تحول العبيد إلى تجارة مربحة لكل من عمل بها. فكان التجار يحضرون آلاف العبيد بالإكراه على متن السفن من إفريقيا إلى البلاد التي تحتاج العمالة السهلةكالأمريكتين. يباع الرجال  ليباشروا العمل الشاق فور وصولهم. واعتبر الأطفال السلعة الأخف وزنًا مما سهل نقلها فأدرت  ربحًا هائلًا على تجار العبيد. أما النساء فكنّ كمنجم متنقل لقدرتهن على الحمل وإنتاج المزيد من العبيد لبيعهم لاحقًا. حتى أن الأسياد قد اغتصبوهن وباعوا أطفالهم بكل بساطة، لأن الابن يرث الحرية أو العبودية من أمه.

كان اختطاف العبيد أمرا شائعا في الحقبة الزمنية بين القرن السابع عشر والثامن عشر. ويذكر بعض المؤرخون أنه تم  استعباد من ستة  إلى سبعة  مليون  إنسان في القرن الثامن عشر ونقلهم إلى أمريكا. وكان لذلك أثر سلبي على القارة السمراء، فقد افتقرت إلى الثروة البشرية التي كانت تمتلكها. لكن، لم يكن الأمر اختطافًا فقط، بل كان تبادل سلع كالأسلحة أو القهوة والسكر ببعض البشر. كما وجدت مفاوضات بين التجار وسكان تلك المناطق الأفريقية، لمحاولة نقل أكبر عدد ممكن إلى العالم الجديد.

وُجد  العمل الجبري منذ بدء الخليقة، وكانت تجارة البشر موجودة بالفعل عبر البحر الأبيض المتوسط. ولكنها لم تقترن  بعرقٍ معين، حتى بدأت التجارة عبر المحيط الأطلسي في مطلع القرن الخامس عشر، فتحولت من مجرد عمل جبري إلى عبودية مقرونة بالعرق الإفريقي. وفي مطلع القرن التاسع عشر وبعد أن حظر الكونجرس الأمريكي التجارة الدولية للعبيد، إلا أن التجارة المحلية استمرت وازدهرت حتى أن أعدادهم كانت بالملايين.

دور العبيد في العالم الجديد

في القرن الخامس عشر الميلادي انقسم العالم بموجب قرار الكنيسة الرومانية إلى قسمين رئيسيين؛ قسم تترأسه البرتغال وقسم تترأسه إسبانيا. امتلكت البرتغال امتياز التجارة في غرب إفريقيا، وكانت تجارة العبيد هي إحدى تلك العمليات التجارية. أما إسبانيا فامتلكت امتياز اكتشاف  الأمريكتين، أو كما يطلق عليهما “العالم الجديد”.

بعد أن استعمرت إسبانيا العالم الجديد، احتاجت إلى الأيدي العاملة التي ستساعدها في بسط سلطتها على تلك الأراضي. رفضت الملكة القشتالية إيزابيلا أن تستعبد السكان الأصليين، باعتبارهم رعايا إسبان. فاتجهت إلى البرتغال وعقدت صفقة لاستيراد العبيد من غرب إفريقيا. لم تكن إسبانيا وحدها من سعت إلى استيراد العبيد، بل كانت جميع الدول الطامحة إلى  الثروة واكتشاف المزيد من الأراضي والثروات على وفاق مع البرتغال لكونها المورد الأساسي للعبيد حول العالم.

كان للعبيد دورٌ أساسي ورئيسي في اكتساب الدول المال والسلطة، بالإضافة إلى النفوذ والقدرة على تحديد مصير العالم أجمع. أصبح لدول أوروبا القومية والكنيسة الرومانية مكانة كبيرة بين أقرانهم في العالم، كما ارتقت جزر الكاريبي أكثر وأكثر إلى جوارالأمريكتين.

 كان كل من راوده حلم الخلود والبقاء يسعى خلف  تحويل الأحرار إلى عبيد. والتحكم ليس فقط في الثروة الحيوانية والنباتية، ولا حتى الذهب والأحجار الكريمة، بل في البشر فلا يرفضُ لهمأمر ولا يعترض عليهم أحد. ولكن لم يكن العبيد بذلك الاستسلام ، بل كانوا يقاومون ويحاربون لأجل استعادة حريتهم وحياتهم وعائلاتهم، وآدميتهم التي سرقت عنوة.

المصادر:

1- History

2- NY Times

أوغست كونت .. سيرة ذاتية

ميلاد علم الاجتماع وتطور حركة الفكر

إهتم المفكرون قبل وقت طويل بدراسة المجتمعات التي عاشوا فيها، قبل أن يصبح علم الاجتماع تخصصًا أكاديميًا منفصلا: «أفلاطون- Plato»، «أرسطو-Aristotle»، «كونفوشيوس-Confucius» ، «ابن خلدون-Ibn Khaldun» و «فولتير-Voltaire» كلها جهود مهدت الطريق لعلم الاجتماع الحديث. فمنذ العصور القديمة، كانت العلاقة بين الأفراد والمجتمعات التي ينتمون إليها من أهم الموضوعات التي اشتعلت في رؤوسهم. فقام الفلاسفة القدماء بدراسة العديد من الموضوعات التي تناولها علم الاجتماع الحديث، رغبةً منهم في وصف كيف يكون المجتمع المثالي، بما في ذلك نظريات الصراع الاجتماعي والاقتصاد والتماسك الاجتماعي والقوة. في هذه المقالة أوغست كونت .. سيرة ذاتية سنتناول جهود واحدًا من أهم مؤسسي علم الاجتماع.

في القرن الثالث عشر، اعترف «ما توان لين – Ma Tuan-Lin» وهو مؤرخ صيني، لأول مرة بالديناميكيات الاجتماعية كعنصر أساسي للتطور التاريخي. شهد القرن التالي ظهور المؤرخ الذي يعتبره البعض أول عالم اجتماع في العالم : ابن خلدون. كتب عن العديد من الموضوعات التي  تعتبر محاور أساسية في علم الاجتماع الحديث، إذ وضع أساسًا لكل من علم الاجتماع والاقتصاد الحديث، بما في ذلك نظرية الصراع الاجتماعي ومقارنة الحياة البدوية والمستقرة ووصف للاقتصاد السياسي ودراسة تربط التماسك الاجتماعي للقبيلة بقدرتها على السلطة.

في القرن الثامن عشر، طور فلاسفة عصر التنوير مبادئ عامة يمكن استخدامها لشرح الحياة الاجتماعية. استجاب مفكرون مثل «جون لوك- John Locke» وفولتير و «إيمانويل كانط-Immanuel Kant» و «توماس هوبز-Thomas Hobbes» لما رأوه من علل اجتماعية من خلال الكتابة عن الموضوعات التي كانوا يأملون أن تؤدي إلى الإصلاح الاجتماعي. مثل «ماري وولستونكرافتMary- Wollstonecraft» ، التي كتبت عن ظروف المرأة في المجتمع. تم تجاهل أعمالها منذ فترة طويلة من قبل الهيكل الأكاديمي الذكوري، ولكن منذ 1970s  وقد اعتبر وولستونكرافت على نطاق واسع من أوائل المفكرين النسويين.

شهد أوائل القرن التاسع عشر تغييرات كبيرة مع الثورة الصناعية  وزيادة التنقل  وأنواع جديدة من العمالة. فقد كان أيضًا وقتًا للاضطرابات الاجتماعية والسياسية الكبيرة مع صعود الإمبراطوريات التي عرضت العديد من الناس لأول مرة لمجتمعات وثقافات أخرى غير ثقافاتهم. انتقل الملايين من الناس إلى المدن وتحول الكثير من الناس بعيدًا عن معتقداتهم الدينية التقليدية.

أوغست كونت والد علم الاجتماع

صيغ مصطلح علم الاجتماع لأول مرة في عام 1780 من قبل الكاتب الفرنسي «إيمانويل جوزيف سياس-Emmanuel Joseph» في مخطوطة لم تر النور. وفي عام 1838، اختراع المصطلح ذاته من جديد من قبل أوغست كونت. درس كونت في الأصل ليكون مهندسًا، لكنه أصبح فيما بعد تلميذًا للفيلسوف الاجتماعي «كلود هنري دي روفروي كونت دي سانت سيمون- Henri de Saint-Simon» فكلاهما يعتقد أن علم الاجتماع هو دراسة المجتمع باستخدام نفس الأساليب العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية. كان كونت يأمل في توحيد جميع العلوم تحت علم الاجتماع. وأعرب عن اعتقاده بأن علم الاجتماع يحمل القدرة على تحسين المجتمع وتوجيه النشاط البشري، بما في ذلك العلوم الأخرى. ورأى أنه بمجرد أن يحدد العلماء القوانين التي تحكم المجتمع، يمكن لعلماء الاجتماع معالجة مشاكل مثل سوء التعليم والفقر.[1]

النشأة

طور الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت نظامًا للفلسفة الإيجابية. ورأى أن العلم والتاريخ يتوجان في علم جديد للبشرية، والذي أعطى اسم ” علم الاجتماع. أوغست كونت عالم الرياضيات، فيلسوف العلوم، كبير منهج الوضعية, ثم مؤسس ورئيس كهنة كنيسة الإنسانية، ولد في مونبلييه الفرنسية في 17 يناير 1798، تخلى عن الكاثوليكية المتدينة والملكية لعائلته أثناء مراهقته. دخل مدرسة الفنون التطبيقية في عام 1814 وأثبت نفسه عالم رياضيات وتميز بهذا المجال. لكنه طرد عام 1816 لمشاركته في تمرد طلابي. بعد بقائه في باريس، تمكن من إجراء أبحاث هائلة في الرياضيات والعلوم والاقتصاد والتاريخ والفلسفة. نشأ الفيلسوف الفرنسي أوغست كومت في أعقاب الثورة الفرنسية.تلك الفترة التي  شهد فيها المجتمع الأوروبي صراعًا عنيفًا ومشاعر الاغتراب. فلقد تحطمت الثقة في المعتقدات والمؤسسات الراسخة. قضى كومت الكثير من حياته في تطوير فلسفة لنظام اجتماعي جديد وسط كل الفوضى وعدم اليقين.

ميلاد أفكار كونت

رفض كونت الدين و الحكم، بدلا من ذلك ركز على دراسة المجتمع بمذهب أسماه “علم الاجتماع.” فقد قسم الموضوع إلى فئتين: القوى التي تجمع المجتمع معا “الإحصائيات الاجتماعية” وتلك التي تقود التغيير الاجتماعي “الديناميات الاجتماعية”. تلك الأفكار والأساليب العلمية التي تقدمت كثيرًا في هذا المجال. لعل كان أحد أسئلة كونت المركزية هو كيف تتطور المجتمعات وتتغير؟ منها انطلق إلى أفكاره وفلسفته الخاصة، لذا يعتبر كونت أحد مؤسسي علم الاجتماع، كما يُطلق عليه أبو علم الاجتماع

في التاسعة عشر من عمره، التقى كونت هنري دي روفروي، كونت دي سانت سيمون، وباعتباره ابنا بالتبني الروحي، أصبح سكرتيرًا ومتعاونًا مع الرجل الأكبر سنا حتى عام 1824. العلاقة بين سانت سيمون وكونت بدأت تتوتر على نحو متزايد لأسباب نظرية وشخصية حتى تدهورت في النهاية وانفصلا. كان سيمون مفكرًا بديهيًا مهتمًا بالإصلاح الاجتماعي، فكان طوباويًا. في الوقت ذاته كان كونت مفكرًا علميًا، مما يعني اعتماده المراجعة المنهجية لجميع البيانات المتاحة، مع اقتناع بأنه فقط بعد إعادة تنظيم العلم في مجمله يمكن أن يساعد في حل المشاكل الاجتماعية.

أبرز جهود كونت في علم الاجتماع

فلسفة الوضعية

عادة ما تفهم الوضعية كمصطلح على أنها طريقة معينة للتفكير. بالنسبة لكونت، فالوضعية هي عقيدة تنص على أن المعرفة الحقيقية الوحيدة هي المعرفة العلمية، وأن هذه المعرفة لا يمكن أن تأتي إلا من تأكيد إيجابي للنظريات من خلال طريقة علمية صارمة، ورفض كل شكل من أشكال الميتافيزيقيا.

فالمنهجية هي نتاج إعادة تصنيف منهجية للعلوم ومفهوم عام لتطور الإنسان في التاريخ وفقا لقانون المراحل الثلاث. كان كونت مقتنعا بأنه لا يمكن فهم أي بيانات بشكل كاف إلا في السياق التاريخي. الظواهر واضحة فقط من حيث أصلها ووظيفتها وأهميتها في المسار النسبي للتاريخ البشري.

ولكن على عكس هيجل، رأى كونت أنه لا يوجد روح (قوة معنوية)، فوق التاريخ الذي يجسد نفسه من خلال تقلبات الزمن. يمثل كونت النسبية الراديكالية: كل شيء نسبي؛ هناك الشيء المطلق الوحيد.

الوضعية كمبدأ يجعل جميع الأفكار والأنظمة السابقة نتيجة للظروف التاريخية. الوحدة الوحيدة التي يوفرها نظام الوضعية في تحيزه المضاد للفيزيائي الواضح هي النظام المتأصل للفكر البشري. وهكذا يحاول قانون المراحل الثلاث، الذي اكتشفه في وقت مبكر من عام 1820، إظهار أن تاريخ العقل البشري وتطور العلوم يتبعان نمطًا محددًا يوازي نمو المؤسسات الاجتماعية والسياسية.[3]

قانون المراحل الثلاث

 وفقًا لكونت، يرتكز نظام الوضعية على القانون الطبيعي والتاريخي فإن كل فرع من معرفتنا ملزم بالضرورة بالمرور على التوالي في مساره من خلال ثلاث حالات نظرية مختلفة.

فقانون المراحل الثلاث هو فكرة طورها أوغست كونت، وينص على أن المجتمع ككل وكل علم من العلوم يتطور من خلال ثلاث مراحل تصور عقليًا:

(1) المرحلة اللاهوتية أو الوهمية.

(2) المرحلة الميتافيزيقية أو المجردة.

(3) المرحلة العلمية أو الإيجابية. [4]

تمثل هذه المراحل أنواعا مختلفة ومعارضة من التصور البشري. النوع الأكثر بدائية هو التفكير اللاهوتي، الذي يعتمد على”مغالطة التعاطف” لقراءة التجربة الذاتية في عمليات الطبيعة. يتطور المنظور اللاهوتي بشكل جدلي من خلال الشهوة الجنسية والشرك والتوحيد حيث تفهم الأحداث على أنها متحركة بإرادتهم الخاصة أو بإرادة العديد من الآلهة أو مرسوم كائن واحد أعلى. سياسيًا، توفر الدولة اللاهوتية الاستقرار تحت الملوك المشبعين بالحقوق الإلهية والمدعومة بالقوة العسكرية. مع تقدم الحضارة، تبدأ المرحلة الميتافيزيقية كنقد لهذه المفاهيم باسم النظام الجديد. تتحول الكيانات الخارقة تدريجيًا إلى قوى مجردة تمامًا كما يتم تدوين الحقوق السياسية في أنظمة القانون. في المرحلة النهائية من العلم الإيجابي يتم التخلي عن البحث عن المعرفة المطلقة لصالح تحقيق متواضع ولكن دقيق في القوانين النسبية للطبيعة. يتم استبدال الأوامر الاجتماعية المطلقة والإقطاعية تدريجيا عن طريق زيادة التقدم الاجتماعي الذي تحقق من خلال تطبيق المعرفة العلمية.[2]

رؤية كونت في التعامل مع العلوم

من هذا المسح لتطور الإنسانية كان كونت قادرًا على تعميم منهجية إيجابية محددة. مثل «رينيه ديكارت-René Descartes» ، اعترف كونت بوحدة العلوم. ومع ذلك، لم يكن ذلك من طريقة تفكير لا لبس فيها ولكن التطور المتتالي لقدرة الإنسان على التعامل مع تعقيدات التجربة. كل علم يمتلك طريقة محددة للتحقيق. كانت الرياضيات وعلم الفلك العلوم التي طورها رجال مفكرون في وقت مبكر بسبب بساطتها وعموميتها وتجريدها. لكن الملاحظة وتأطير الفرضيات كان لابد من توسيعها من خلال طريقة التجريب من أجل التعامل مع العلوم الفيزيائية للفيزياء والكيمياء والبيولوجيا. مطلوب طريقة مقارنة أيضا لدراسة العلوم الطبيعية والإنسان والمؤسسات الاجتماعية. [5]

حتى تاريخ العلم والمنهجية يدعم قانون المراحل الثلاث من خلال الكشف عن التسلسل الهرمي للعلوم والاتجاه المنهجي من العام إلى الخاص، ومن البساطة إلى التعقيد. يدرس علم الاجتماع مجتمعات معينة بطريقة معقدة لأن الإنسان هو موضوع وبؤرة هذا الانضباط وهذه الدراسة. يمكن للمرء أن ينظر إلى الفئات الاجتماعية من وجهة نظر “الإحصائيات الاجتماعية”، التي تضم عناصر التماسك والنظام مثل الأسرة والمؤسسات، أو من وجهة نظر” الديناميات الاجتماعية ” التي تحلل مرحلة التطور المستمر التي حققها مجتمع معين.

قانون الثلاث مراحل أمام اختبار الزمن

لم تصمد رؤية كونت للعلم الموحد ولا نموذجه المكون من ثلاث مراحل أمام اختبار الزمن. فبدلا من ذلك، يأتي ذكر كونت لإضفاء توجه إيجابي على علم الاجتماع والطلب على الصرامة العلمية. إذ وجهت الدراسات الاجتماعية المبكرة تشبيها من علم الاجتماع إلى العلوم الطبيعية، مثل الفيزياء أو علم الأحياء. جادل العديد من الباحثين أن علم الاجتماع يجب أن تعتمد المنهجية العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية. هذا النهج العلمي، بدعم من أوغست كومت، هو في لُب الوضعية، وهو التوجه المنهجي مع الهدف الذي هو التحقيق العلمي الدقيق والموضوعي والتنبؤ.

منذ القرن التاسع عشر، وُضعت فكرة الوضعية على نطاق واسع. على الرغم من أن الوضعية لديها الآن مجموعة واسعة من المعاني أكثر مما انطوى عليه ما قصده كونت، إلا أن الإيمان بعلم اجتماع صارم علميًا، ففي جوهره نُفذ بالفعل. كما طبق علماء الاجتماع الحديث المنهج العلمي على البحث الاجتماعي في جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك الحكومات والتعليم والاقتصاد.

اليوم، يستخدم علماء الاجتماع الذين يتبعون التوجه الإيجابي لكونت مجموعة متنوعة من أساليب البحث العلمي. على عكس علماء الطبيعة، نادرًا ما يجري علماء الاجتماع تجارب، لأن الموارد البحثية المحدودة والمبادئ التوجيهية الأخلاقية تمنع التلاعب التجريبي على نطاق واسع للفئات الاجتماعية. ومع ذلك، في بعض الأحيان علماء الاجتماع قادرون على إجراء التجارب الميدانية. على الرغم من أن الأساليب الكمية، مثل الدراسات الاستقصائية، ترتبط بشكل شائع بالوضعية، فإن أي طريقة، كمية أو نوعية، يمكن استخدامها علميا.

في حين يعتبر نهج كونت اليوم طريقة مبسطة للغاية وغير قائمة على أسس سليمة لفهم التنمية الاجتماعية، إلا أنه يكشف عن رؤى مهمة في تفكيره حول الطريقة التي يوحد بها علم الاجتماع، – كجزء من المرحلة الثالثة – العلوم ويحسن المجتمع.

ستة مجلدات من الفلسفة الإيجابية

في عام 1826، بدأ تقديم سلسلة من المحاضرات نخبة من المفكرين الفرنسيين. ومع ذلك، حوالي ثلث الطريق من خلال سلسلة المحاضرات، عانى من انهيار عصبي. على الرغم من الاستشفاء الدوري على مدى السنوات ال 15 المقبلة، أنتج عمله الرئيسي، دورة ستة مجلدات من الفلسفة الإيجابية. في هذا العمل، جادل كومت بأنه  مثل العالم المادي، يعمل المجتمع بموجب مجموعة قوانينه الخاصة.[6]

لمحة خاصة وبزوغ عقيدته “دين الإنسانية”

عززت جهود كونت دراسة المجتمع وتطوير علم الاجتماع. خلال هذا الوقت ، دعم نفسه بمنصب في مدرسة الفنون التطبيقية، لكنه اشتبك مع المسؤولين وتم فصله في عام 1842. في نفس العام, طلق زوجته, «كارولين ماسين – Caroline Massin» بعد 17 سنوات من الزواج. ومنذ ذلك الحين، اعتمد على الأصدقاء والناس لدعمه.

في عام 1844، ارتبط كونت بـ «كلوتيلد دي فو-Clotilde de Vaux» وهي سيدة متزوجة، وهو أرستقراطي وكاتب فرنسي آنذاك. استمرت علاقتها مع كونت الأفلاطونية. بعد وفاتها وفي عام 1846، كتب كونت نظام الحكم الإيجابي. وصاغ مصطلح “دين الإنسانية”. إذ اقترح كونت نظامًا دينيًا قائمًا على العقل والإنسانية، مؤكدًا أن الأخلاق كحجر الزاوية في التنظيم السياسي البشري. [7]

وفاته

واصل كونت صقل وتعزيز “النظام العالمي الجديد”، في محاولة لتوحيد التاريخ وعلم النفس والاقتصاد من خلال الفهم العلمي للمجتمع. نشر عمله على نطاق واسع من قبل المثقفين الأوروبيين وأثر على تفكير كارل ماركس وجون ستيوارت ميل وجورج إليوت. حتى توفي جراء مضاعفات سرطان المعدة في باريس في 5 سبتمبر 1857.

عُرف أوجست كونت على نطاق واسع كمؤسس علم الاجتماع و “دين الإنسانية”. وقد أثرت مساهمات كونت في تاريخ وفلسفة العلوم بشكل حاسم على المنهجيات الإيجابية. صاغ مصطلح “علم الاجتماع” وأعطاه محتواه الأول، كانت له رؤيته الاجتماعية الخاصة، فاعتقد أن علم الاجتماع يمكن – ويجب – أن يكون انعكاسيًا وموسوعيًا وطوباويًا، فقد نظر في مواضيع مثل الشهوة الجنسية والشرك والمصير والحب والعلاقات بين علم الاجتماع والعلوم واللاهوت والثقافة.

المصادر

[1] cuny

[2] journals

[3] britannica

[4] britannica

[5] stanford

[6] lse

[7] victorianweb

Exit mobile version