فنان جوائز نوبل

قد لا يكون هناك جوائز نوبل للفنون لكن هناك فنان يرسم كل الفائزين بجوائز نوبل وهو السويدي «Niklas Elmehed-نيكلاس إلميد» المدير الفني لجميع وسائل الإعلام لمؤسسة نوبل؛ وهو من أنشأ «المفهوم البصري-visual identity» وصمم موقع Nobelprize.org الموقع الرسمي لجائزة نوبل.

يشرف إلميد على الجانب الفني المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤسسة منذ عام 2014، وتسببت رؤيته الفنية في زيادة عدد متابعي حسابات تويتر وفيسبوك ويوتيوب حتى بلغت عدد زيارات الموقع حوالي 30 مليون متصفح كل عام بعدما أنشأ الهوية البصرية/الجرافيكية والصور المصاحبة للتغريدات والمشاركات.

الهوية البصرية للموقع الرسمي لجوائز نوبل

ورغم أنه مسؤول عن جميع الصور الرسمية لجائزة نوبل منذ أكتوبر 2012 المنتشرة في وسائل الإعلام والصحافة، إلا أنه لا يرسم كل شئ بنفسه فقد درب بعض أفضل الفنانين في السويد لرسم وتنفيذ الصور المميزة المصاحبة لجوائز نوبل منذ ذلك العام، فاكتسبت شكلها المميز والمحبب لهواة العلوم.

احتفالا بمئوية العظيم إينشتاين

كيف بدأ؟

عُين نيكلاس الميد كمدير فني لمؤسسة نوبل الإعلامية ومسؤولًا عن محتواها المرئي خلال إعلانات جوائز عام 2012، ففي هذا العام قام إلميد برسم أول بورتريه سريع بقلم تحديد أسود لأن المؤسسة لم تتمكن من العثور على صور لبعض الفائزين للنشر على المنصات الرقمية الرسمية لجائزة نوبل، فقام الفنان برسم بعض الاسكتشات السريعة للفائزين والتي تم استخدامها بشكل مكثف من قبل وسائل الإعلام الإخبارية الكبرى!

في عام 2014 حصل إلميد على مهمة إنشاء هوية بصرية لوحات الرسمية للفائزين فخطرت له فكرة الخطوط العريضة السريعة السوداء مع الظلال الزرقاء والصفراء ذلك لأنه يبلغ بأسماء الفائزين قبل الإعلان عنهم ببضع ساعات فقط لضمان السرية!

اللوحات المميزة للأعوام من 2014 إلى 2017

لوحات من ذهب!

تُرسم تلك اللوحات بالأكريليك الأسود وتغطى برقائق الذهب فقد خضعت جائزة نوبل عام 2017 لتغييرات جذرية لمحتواها البصري وتقرر أن اللون الرئيسي للأعلان السنوي عن الفائزين سيكون ذهبيًا، ويفضل أن يكون ذهبيًا مجسمًا وليس مجرد لون طلاء مسطح.

«طُلب مني تعديل لوحاتي الزرقاء والصفراء والتي ميزت إعلان جوائز نوبل بين عامي 2014 و2017 ، إلى المظهر الذهبي الجديد، وجربت كثيرًا باستخدام أنواع مختلفة من الطلاء الذهبي حتى وقعت على رقائق الذهب؛ وهي عبارة عن رقائق معدنية رفيعة للغاية يمكنك وضعها على اللوحة باستخدام غراء خاص، أعتقد أن الصور جنبًا إلى جنب مع الخطوط العريضة السوداء المرسومة على خلفية بيضاء لها تأثير قوي ومميز للغاية»-نيكلاس إلميد.

ماذا يفعل باقي العام؟!

يعمل إلميد على مشروعات فنية مستقلة معظم الوقت لكنه يقوم أيضًا بإنشاء محتوى مرئي لعملاء آخرين غير جائزة نوبل، على سبيل المثال؛ يقوم بتصميم بعض الرسوم المتحركة لفريق كرة القدم الوطني السويدي!.

كما أنه يمارس الرياضة بشكل منتظم ويلعب كرة القدم والكيك بوكسينغ عدة أيام في الأسبوع كما أنه متزوج ولديه ثلاثة أطفال: ابن عمره 15 عامًا وابنتان تبلغان 12 و 8 أعوام.

احتفالا بمئوية العظيم إينشتاين

العلاقة بين الفن والرياضيات

العلاقة بين الفن والرياضيات

يمكننا الجمع بين عالم الجماليات والعاطفة والإحساس وعالم المنطق والدقة والحقيقة، سنجد ذلك في العلاقة بين الفن والرياضيات إذ استطاع الكثيرون على مر العصور الجمع بينهم.

سنأخذك عزيزي القارئ في مغامرة فنية بها الرياضيات خفية! سنتعرف على سبع علاقات بين الرياضيات والفن.

فن الثلج

يعد «سيمون بيك_Simon Beck» فنانًا للمناظر الطبيعية، فقد درس الهندسة قبل أن يتحول إلى المجالات الإبداعية. إذ يتجول سيمون في التضاريس المغطاة بالثلوج لإنشاء أعمال ذات أنماط هندسية. ليس ذلك فحسب بل ابتكر أعمالًا معقدة على الرمال أيضًا. لكن نظرًا لقيود السفر أو الحياة القصيرة لأعماله الفنية، يوثق بيك ذلك بالتقاط الصور.

‏هناك معايير يوضحها سيمون للرسم على الثلج وهي أن تكون الشمس غير مشرقة بلا غائبة، لكن ليس كثيرًا بحيث يكون جزء من الرسم في الظل ويجب أن يكون الثلج خفيفًا ورقيقًا وألا يكون هناك رياح. إذ أنه وضح أن حوالي 12 رسمة دُمرو بسبب الرياح. إذا لاحظنا فسنجد أن الفن على الثلج أثبت حضوره، سنجد رجل الثلج على سبيل المثال في التاريخ والأدب والفن، سواء كان ذلك مذكور في مخطوطة من القرن الرابع عشر أو رجل ثلج أقل شهرة للنحات الإيطالي مايكل أنجلو. فقد ساد فن الثلج لفترة طويلة المجال الاجتماعي والإبداعي.

الرسوم الحاسوبية

‏يستخدم الإيراني «حميد نادري يغانيه» الصيغ الرياضية لخلق إيحاءات معقدة بواسطة الكمبيوتر. إذ درس الرياضيات وله بضع سنوات مهتم بفن الرياضيات. لقد استخدم علم المثلثات لرسم أشكال متناظرة تتكون من خطوط ودوائر وإنشاء العديد من الصور بوظائف الجيب وجيب التمام. كما جعل الصيغ والرسوم التوضيحية الخاصة به مفتوحة للجمهور على موقعه على الويب حتى يتمكن أي شخص من إنشاء صيغة خاصة وفي حد قوله لنشر قوة الرياضيات.

الفركتلات

الفركتلات هي أنماط تتكرر على مستويات عدة وينشأ عنها دوامات وخطوطًا ومنحنيات لا تنتهي. أوضح «توم بيدارد فابرجيه_Tom Beddard Fabergé» أنه أنشأ الفركتلات ثلاثية الأبعاد بواسطة الصيغ التكرارية وتقوم تلك الصيغ بالتحكم بالمساحة وطيها أو تغيير حجمها أو تدويرها أو قلبها.

كان المشروع الأخير المسمى بـ «Fabergé Fractals»، يبرز جمال الرياضيات والتركيبة الهندسية والتكنولوجية ثلاثية الأبعاد التي تمكنه من إنشاء صور واقعية لدرجة كبيرة مثل بيضته المزخرفة وتتميز إبداعات بيدارد بأنماط تصميم رائعة ومعقدة.

تصنيف مميز للفركتلات!

ابتكر كل من «ليز بلاكنشيب-Liz Blakenship» و«دانيال أشلوك-Daniel Ashlock» تصنيفًا كاملًا للفركتلات بالرسوم التوضيحية. ويطلق على ذلك التصنيف «Lsystem fractal» إذ أنه عبارة عن أشكال هندسية تحتوي على نسخ أصغر غير نهائية. وتلك واحدة من التصنيفات العديدة لكلا من دانيال أشلوك وليز بلاكنشيب للفركتلات.

نماذج هنري سيجرمان ثلاثية الأبعاد

حصل عالم الرياضيات الأسترالي «هنري سيجرمان_Henry Siegman» على درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة أكسفورد ومن ثم الدكتوراة وكان عالم رياضي وفنان، إذ وضح تعقيدات الهندسة ثلاثية الأبعاد والطوبولوجيا -مجالات خبرته- في شكل نحتي.

أنشأ هنري رسومًا توضيحية ونماذج مطبوعة ثلاثية الأبعاد تعبر عن الصيغ والمفاهيم الرياضية، لمساعدة طلابه على فهمها بشكل أفضل. يستخدم برنامجًا للنمذجة ثلاثية الأبعاد يسمى «Rhinoceros»، وعادة ما يُستخدم لتصميم المباني والسفن، والسيارات….

نماذج مشروع Hevea للتضمين متساوي القياس

عتبر التضمين متساوي القياس أمرًا معقدًا بعض الشيء لفهمه، لكنه كان عملاً أساسيًا قام به عالم الرياضيات «جون ناش» مع «نيكولاس كويبر»، وهو يشرح كيف يمكن احتواء العالم بأسره في حبة رمل. يُظهر ناش وكويبر أنه من خلال تحريك السطح بشكل كافٍ وبسلاسة لا يُسمح بالتجعيد أو الطي أو التمزيق! يمكنك الحصول على نسخة متساوية القياس من كرة تنس أصلية مثلا، وكلها موجودة داخل نصف قطر النانومتر. قام فريق فرنسي من علماء الرياضيات يطلقون على أنفسهم اسم مشروع (Hevea) بإنشاء إنشاءات رقمية.

احتفال بالهبوط على المريخ!

إذا كان هنالك شيء جميل كالفن الرياضي، فهو الفن الرياضي المرتبط باستكشاف الفضاء. تلك الصورة أنشأها الفنان الشهير ومهندس ناسا السابق «كيري ميتشل» في عام 2012 للاحتفال بمركبة كيوريوسيتي التي هبطت على سطح المريخ. على الرغم من أنها تبدو وكأنها لوحة عادية، إلا أن ميتشل يخلق كل فنه باستخدام الخوارزميات والفركتلات.

يلتقي علماء الرياضيات والفنانون كل عام في مؤتمر «الجسور_Bridges» المعبر عن الروابط الرياضية في الفن والموسيقى والعلوم، وهو مهرجان يحتفل بالروابط بين الرياضيات والفنون. تأسست منظمة الجسور في عام 1998 تحت قيادة عالم الرياضيات بجامعة توسون «رضا سرهنجي» بهدف تعزيز العمل متعدد التخصصات في الرياضيات والفن.‏

يتضمن المؤتمر عروضاً تقديمية حول مواضيع متنوعة مثل تصور الموسيقى، واستخدام الأعمال الفنية في الرياضيات وتصوير الفضاء. بالإضافة إلى ورش عمل حول تأليف الفن والشعر باستخدام الرياضيات، وأمسية موسيقية، وجلسات مسرحية وشعرية تجريبية، ومعرض فنون بصرية.

المصادر

رحلة في تاريخ الفن، من أين أتى القنطور؟

لا بد وأنك شاهدت قنطورًا ولو لمرة في حياتك على الأقل؛ في لعبة Hercules مثلًا.《 والقنطور-Centaur 》 هو كائن غريب من الميثولوجيا اليونانية. نصفه إنسان ونصفه، حصان وقد عاش في غابات البر الرئيسي لليونان. استخدم الإغريق هذا المخلوق كرمز، للدلالة على الشعوب الأخرى التي اعتبروها بربرية وهمجية. لكن في حالة 《تشيرون-Chiron》 فقد كان رمزًا للحكمة الإلهية.

أدبيًا، ظهر أقدم ذكر للقنطور في نصوص هوميروس. أما في الفن فقد ظهر هذا المخلوق في اليونان بدايةً، في نهاية ما يسمى بالعصور المظلمة اليونانية، أما في الحضارات الشرقية فله شواهد تعود إلى ما قبل هذا التاريخ.

ولادة القنطور-Centaur

مشهد منحوت من أسطورة Centauromachy 447-438 المتحف البريطاني

في الأساطير والميثولوجيا اليونانية، كان القنطور جنسًا أخر من المخلوقات. كائنات مركبة نصفها بشر ونصفها أحصنة. يقاتلون باستخدام أغصان الأشجار وبرمي الحجارة في معظم الأوقات، ونادرًا ما قاتلوا باستخدام الأقواس والأسهم.

إن قصة ولادة القنطور غريبة بعض الشيء. لم يجد 《إيكسيون-Ixion》 ابن الإله أريس أحدًا يمكن أن يسامحه لما اقترفه من ذنب عندما قتل والده بالتبني، حتى تبناه في النهاية الإله زيوس واستقبله كضيف في جبل الأولمب. لكن إيكسيون عاد لذنبه ووقع في حب 《هيرا- Hera》 زوجة زيوس. ولكشفه قام زيوس بصنع سحابة على شكل زوجته فوقع إيكسيون بالفخ بعد أن تزاوج معها. أما القنطور فقد ولد من تزاوجهم.

استطاع القنطور أن ينجب ذرية عبر زواجه من أفراس منطقة 《ماغنيسيا-Magnesian mares》

كان القنطور يمثل الهمجية والوحشية بعيد كل البعد عن الحضارة. مثل القنطور العنف يظهر في الميثولوجيا كقاتل ومغتصب. عاش في الغابات في مناطق 《ثيساليا- Thessaly》 والبعض الأخر عاش في منطقة إيبيروس أما النوع الذي كان يمتلك قرونًا كالثور فقد انتشر في جزيرة قبرص.

ريد ويدنغ أو الزفاف الأحمر

أكثر المشاهد شهرة والتي تظهر في الميثولوجيا اليونانية هي أسطورة 《Centauromachy》. في هذه الأسطورة يدعو 《بيريثيوس-Pirithous》 القنطور لحضور حفل زفافه مع  《هيبوداميا-Hippodamia》 وفي أثناء الحفل يسكر القنطور ويهاجم جميع الضيوف ويحاول خطف هيبوداميا. لحسن الحظ يتمكن بيريثيوس بمساعدة البطل ثيسيوس من هزيمته وابعاد هذا التهديد.

إن القنطور الأكثر شهرة في الأساطير اليونانية هو تشيرون. وقد اعتبره هوميروس الأصلح بينهم جميعًا. ويعتبر من أكثر الكائنات حكمة في الميثولوجيا اليونانية. لقد كان معلم أخيل وهرقل وفرساوس وثيسيوش والكثير غيرهم. كان تشيرون ابن 《كرونوس-Cronus》 وفيليريا وربما كانت قصة ولادته المختلفة هذه من أجل شرح سبب اختلافه عن باقي أنواع القنطور الهمجية.

كائنات مركبة

رجل وقنطور من البرونز منتصف القرن الثامن ق.م.

مثل كل الحضارات الأخرى تقريبًا كان للإغريق أساطيرهم الخاصة. ولو يكن القنطور هو الكائن الوحيد المركب في هذه الأساطير. كان هنالك أيضًا 《Sphinex أو أبو الهول》 وهو كائن نصفه أسد ورأسه إنسان والعديد من هذه الكائنات أيضًا.

بهذه الأساطير حاول الإغريق فهم وشرح العالم الطبيعي الذي يحيط بهم.

قبل ظهور العالم اليوناني في التاريخ، كانت صور المخلوقات المركبة موجودة بالفعل في حضارات بحر إيجة والبحر المتوسط.  هنالك تمثيل واحد على الأقل لقنطور من العصر البرونزي وجد في أوغاريت أو ما يعرف برأس شمرا حاليًا على الساحل السوري. كما تم التعرف أيضًا على عدة مخلوقات مركبة في الحضارة الميناوية والميسينية التي ازدهرت في بحر إيجة خلال عصر البرونز.

وخلال العصور المظلمة اليونانية، الفترة التي تلت انهيار حضارات عصر البرونز، اختفت هذه المخلوقات المركبة في ظروف غامضة حتى عادت فيما يعرف بالعصر الهندسي اليوناني. وهو عصر ازدهر فيه الفن الهندسي اليوناني من سنة 700-900 قبل الميلاد.

تشترك جميع هذه المخلوقات المركبة في الفن اليوناني في أن تصميمها كان قيد التجريب في جميع هذه المراحل وصولًا للقرن السادس قبل الميلاد.

في الفن الشرقي

الثور المجنح من الحضارة الأشورية 721-705 ق.م.

على الرغم من اعتبار القنطور الهام يوناني بامتياز، فهذا لا يعني أن اليونان لم يستوحوا شيئًا من رموزهم وأيقوناته من حضارات وثقافات أخرى.

لم تكن مناطق وجزر بحر إيجة معزولة عن بقية العالم. فقد أحاطت باليونان ممالك قوية ذات تاريخ عميق وأساطير غنية. أثرت مصر وممالك الشرق الأدنى والأوسط على الإغريق في كل جانب، من العمارة والفن إلى الدين. ليس من قبيل المصادفة أن يتضمن الفن القديم فترة استشراقية. بحلول الوقت الذي كتب فيه هوميروس ملاحمه، كان بحر إيجة قد شهد بالفعل الحرب والتجارة والهجرة لدرجة أن صور وقصص الشرق كانت في متناول الإغريق. لم يكن اليونانيون، بطبيعة الحال، مستقبِلين سلبيين بل فاعلين. لقد تبنوا هذه الصور والمحفزات، وخلطوها مع صورهم الخاصة، وأنتجوا أساطير وقصص وفنون فريدة جديدة تحتوي على كل هذه التأثيرات القديمة.

تم استخدام رموز هذه الوحوش المركبة مثل أبو الهول من الحضارات الشرقية، أحيانًا مع بعض التغييرات الصغيرة وأحيانًا أخرى دون أي تغييرات على الإطلاق. علاوة على ذلك، فإن الوحوش الشرقية مثل الأسد البشري والثور البشري تقدم العديد من أوجه التشابه الشكلي مع القنطور.

هل كان هنالك قنطور-Centaur في الشرق؟

خنم أسطواني أشوري من القرن 13 ق.م.

في ختم أسطواني آشوري يعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، يمكننا أن نرى بوضوح رجلًا له أجنحة وجسم حصان وذيل عقرب. يحمل هذا الفارس المجنح المميز قوسًا.

تصوير مبكر آخر للقنطور في الفن الشرقي يأتي من ختم أسطواني آشوري آخر من القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كان الشكل يحمل أيضًا قوسًا، وخلال القرون التالية تبلورت في صورة برج القوس.

باستثناء هذه الأختام الآشورية، يمكن إرجاع جذور 《القنطور-Centaur》 إلى بلاد ما بين النهرين ، وهو نوع خاص من الأسود المركبة. بالطبع، هناك أيضًا كائنات أخرى لها أجسام بشرية وحيوانية ولكن لا شيء مثل القنطور كما ظهر في الفن والأساطير اليونانية.

القنطور في حضارات بحر إيجة

القنطور الميسيني

كانت الحضارات الميسينية والمينوية هي الحضارات التي ازدهرت في بحر إيجه خلال العصر البرونزي اليوناني وحتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد عندما بدأت العصور المظلمة اليونانية.

هناك دليل جيد يدعم استخدام الحضارة الميسينية لرمز 《القنطور-Centaur》. إنه عبارة عن تمثالان من الطين الميسيني تم العثور عليهما في أوغاريت. ليس من الغريب العثور على أشياء ميسينية في أوغاريت فقد كانت مركزًا تجاريًا رئيسيًا في منطقة سوريا. في الواقع، كان الميسينيون على اتصال دائم من خلال التجارة والحرب والسفر مع الشعوب من حولهم.

هناك ايضًا عدة أدلة تشبه القنطور وهي تماثيل خزفية نذرية من معابد في جزيرة كريت وقبرص من القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد. ومع ذلك، بدت هذه الأشياء أشبه بأبي الهول وأقل شبهاً بالقنطور لأنها لم تكن لها أيدي.

القنطور والعصور المظلمة لليونان

قنطور لافكندي 1000 ق.م.

تم اكتشاف شخصية لافكندي بالقرب من بلدة 《Euboea》 الصغيرة في منطقة تسمى لافكندي. يعود تاريخه إلى العصور المظلمة اليونانية، وبشكل أكثر تحديدًا القرن العاشر قبل الميلاد. بشكل عام، يعتبر لافكندي موقعًا أثريًا مهمًا قدمت أعمال التنقيب فيه معلومات قيمة فيما يتعلق بالعصر اليوناني المظلم والاتصال بين اليونان ومصر وقبرص وسوريا وليفانتي.

إقرأ أيضًا: سلسلة الفن القديم: الجزء الرابع – الفن الهيلينستي (اليوناني)

إنه أول مثال كامل للقنطور. أهميته كبيرة لدرجة أن العديد من الكتيبات تعتبر هذه بداية الفن اليوناني. تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه في هذا الوقت لم تكن هناك أساطير يونانية موحدة. لم يتم تدوين ملاحم هوميروس إلا بعد قرنين من الزمن. في وقت نحت هذا التمثال، كانت الأساطير اليونانية لا تزال في بدايتها. حيث كانت الأساطير تتفاعل مع بعضها البعض وتتغير باستمرار. لذلك لا يمكننا افتراض أنه كان له نفس المعنى والرمزية كما في القرن السادس قبل الميلاد.

يعتبر القنطور من 《لافكندي Lefkandi》 أول قنطور كامل في الفن اليوناني. لكن ماذا يعني الكامل؟ على الرغم من أن فكرة الهجينة بين الإنسان والحصان ليست اختراعًا يونانيًا، إلا أن فكرة القنطور ككائن برأس وجسم الإنسان العلوي وجسم الحصان هي إلهام يوناني.

هل يمكن أن يكون قنطور-Centaur ليفكندي هو تشايرون؟

قنطور-Centaur ليفكندي كان لديه ستة أصابع في يده كذلك كان تشايرون صاحب الحكمة الأسطورية. مات تشيرون بعد إصابته بسهام هرقل في ركبته اليسرى. إذا ألقينا نظرة فاحصة على الركبة اليسرى لشخصية ليفكندي، فسنلاحظ خدشًا عميقًا. قد يكون هذا إضافة مقصودة أو نتيجة غير مقصودة ناتجة عن مرور الوقت. إذا كان الأول صحيحًا، فسيكون هناك سبب آخر للاعتقاد بأن بأن هذا القنطور هو مثل مبكر لـلتشايرون أو مخلوق له أسطورة مماثلة لأسطورة تشايرون.

المصادر

  1. The Centaur’s Smile
  2. The Lapiths and the Centaurs
  3. Classical Myth

سلسلة الفن الحديث: فن ما بعد الحداثة

هذه المقالة هي الجزء 10 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

بينما قام (الفن الحديث) على المثالية والعقل، ولدت حركة (ما بعد الحداثة) من التشكيك في العقل والطعن في فكرة وجود الحقائق. فقد اعتمد فن ما بعد الحداثة على الفلسفة، واعتبر أن التجربة الفردية أكثر واقعية من المبادئ المجردة. وبينما دافع اتباع الفن الحديث عن الوضوح والبساطة. احتضنت ما بعد الحداثة معانٍ كثيرة معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان.

يعتبر فن ما بعد الحداثة مجموعة من الأساليب والمواقف المرتبطة في رد فعلها ضد الفن الحديث. وقد تم استخدام المصطلح لأول مرة عام 1970. وتعتبر حركة فنية تتحدى التعريف إلى حد ما، حيث لا يوجد أسلوب أو نظرية واحدة تعبّر عنها أو تتوقف عليها.

Wooden Gallop, By: Robert Rauschenberg, 1962

تتبنى الحركة العديد من الأساليب المختلفة لصنع الفن، ويمكن القول إنها بدأت بفن البوب في الستينيات. احتضنت الحركة الكثير مما تبع فن البوب، بما في ذلك الفن المفاهيمي  conceptual art والتعبيرية الجديدة والفن النسوي.

الفرق بين الفن الحديث وفن ما بعد الحداثة

كانت ما بعد الحداثة رد فعل ضد الحداثة التي استندت على المثالية والمجتمع والإيمان بالتقدم. فقامت بافتراض أن بعض المبادئ أو الحقائق المطلقة كالتي صاغها الدين أو العلم يمكن استخدامها لفهم أو تفسير الواقع.

بالإضافة لقيام أتباع الفن الحديث بتجربة الشكل والتقنية بدلاً من التركيز على الموضوعات، معتقدين أن باستطاعتهم إيجاد طريقة تعكس العالم الحديث تمامًا.

Soundproof Aesthetic of Luxuriety, By: Lubo Kristek, 1976
Too Obvious, By: David Hammons, 1996

وعلى النقيض من ذلك، تميزت حركة ما بعد الحداثة بالتشكيك في الأفكار الرئيسية التي تم تبنيها خلال العصر الحديث، وأهمها فكرة أن كل تقدم – وخاصة التكنولوجي- إيجابي.

فمن أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، تم تعريف الفن والأدب والعلوم والفلسفة من خلال الإحساس بالتقدم التكنولوجي الناجم عن الثورة الصناعية والانتماء إلى إيجابية الحياة الحديثة.

ومن خلال رفض تلك الأفكار، يرفض أتباع تلك الحركة فكرة تضمين المعرفة العامة أو التاريخ العالمي في الأعمال الفنية، ويؤكدون على وجوب احتضان الأفكار المحلية والمؤقتة والسريعة بدلًا من ذلك.

Torn And Twisted Curtain, By: Joseph Havel, 2004-2005

ذلك بالإضافة لرفض فكرة التطور الفني باعتباره موجهًا نحو هدف معين، كالأفكار القائلة بأن الرجال فقط هم العباقرة في الفن، والافتراض الاستعماري العنصري بأن الأجناس غير البيضاء هي أدنى مرتبة، وهكذا. لذلك غالبًا ما يتم تضمين الفن النسوي وفن الأقلية الذي يتحدى طرق التفكير التقليدية تحت عنوان ما بعد الحداثة، أو بأنها تقوم بتمثيلها.

مفهوم الأعمال الفنية

قامت حركة ما بعد الحداثة بقلب فكرة وجود معنى واحد متأصل لعمل فني، أو أن هذا المعنى حدده الفنان في وقت انشاء ذلك العمل. بل أصبح المشاهد -بدلاً من ذلك- محددًا مهمًا للمعنى، حتى أن بعض الفنانين قاموا بالسماح للمشاهد بالمشاركة في العمل. وقد ذهب فنانون آخرون إلى أبعد من ذلك من خلال إنشاء أعمال تتطلب تدخل المشاهد لإنشاء أو إكمال العمل الفني! والذي يعرف باسم” Participatory Art” الفن التشاركي.

Art Experiment: Taking inspiration from the universe, 2013
Landscape Non Grata, By: Lubo Kristek, 2014

وقد كانت فكرة تحطيم الفروق بين مراتب الفنون بدمج عناصر الثقافة الشعبية في الأعمال الفنية عنصرًا أساسيًا في ما بعد الحداثة، كوضع بابلو بيكاسو كلمات الأغاني الشعبية على لوحاته مثلًا. فجميع تلك الأفكار تعزز الفكرة القائلة بأن الثقافة المرئية لا يجب أن تكون صحيحة أو جميلة، لكن يمكن أيضًا تقديرها والاستمتاع بها دون أي تدريب جمالي، مما يجعل مفهوم القيم الفنية للأعمال أكثر نضوجًا.

Requiem for Mobile Telephones V, By: Lubo Kristek, 2010

وقد سعى فنانين مثل بول سيزان وبيت موندريان لإيجاد وسيلة عالمية للتعبير من خلال التجريد المتزايد لموضوعهم. وكان يُنظر إلى الفنانين الآخرين الذين ركزوا على الذات والنفس والغرائز، كسلفادور دالي أو مارسيل دوشامب أنهم متطرفون لعدم تركيزهم على العقلانية، وأصبحت أعمالهم  فيما بعد مقدمة لما بعد الحداثة.

وقد تطورت الأعمال الفنية بناء على تلك الأفكار حتى أصبحت عملية الرسم التي كانت وسيلة لتصوير موضوع من خلال استخدام الخط واللون والشكل، هي الموضوع نفسه.

مصادر:

The Art Story
Google Arts&Culture
TATE

الفن التجريدي: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 9 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

عندما طرحت المدرسة الرومانسية أفكارًا جديدة حول الفن معارضة لتركيز الكلاسيكية على التقليد والمثالية، وشددت على دور الخيال واللا وعي كعوامل إبداعية أساسية، أدت بدون قصد إلى ظهور العديد من المذاهب الفنية الفريدة لاحقًا، وهو ما أدى إلى ظهور الفن التجريدي.

تعود أصول الفن التجريدي إلى القرن التاسع عشر، وبدأ على إثر ذلك قبول العديد في عالم الفن من الفنانين الحرية الفكرية الجديدة تدريجياً. فكما صرّح “موريس دينيس: عام 1890 قائلًا:  “يجب أن نتذكر أن اللوحة قبل أن تكون حصانًا حربيًا أو امرأة عارية أو حكاية من نوع ما، هي أساسًا عبارة عن سطح مستوٍ مغطى بألوان بترتيب معين.”

Composition V, By: Wassily Kandinsky, 1911

الفن التجريدي

يعتبر الفن التجريدي الفن الرافض لتقديم تصوير دقيق للواقع، بل يستخدم بدلاً من ذلك الأشكال والألوان والرموز لتحقيق هدفه. ويعتمد أيضًا على تبسيط الأشكال لتكوين ما أو لمنظر طبيعي، ويعد أيضًا مصطلحًا للفن الذي يستخدم أشكالًا ليس لها أي مصدر على الإطلاق. وغالبًا ما يحمل الفن التجريدي بُعدًا أخلاقيًا؛ حيث يقوم بتمثيل الفضائل المختلفة كالنظام والنقاء والبساطة والروحانية. ويعد “كاندينسكي” عمومًا أول فنان ينتج لوحات تجريدية بحتة تحتوي أشياء لا يمكن التعرف عليها.

وقد أدى ظهور عدة حركات إلى توسيع نطاق الفن التجريدي من أهمها حركة الفن التجريدي الهولندي (de Stijl) في هولندا، الحركة الدادية (Dada) في زيورخ. وقد قاد الأولى بيت موندريان “Piet Mondrian” والذي كان من أهم رموز تطوير الفن التجريدي الحديث والقائد الرئيسي للحركة التجريدية الهولندية بلوحاته الناضجة، وقد استخدم موندريان مجموعات بسيطة للغاية من الخطوط المستقيمة والزوايا القائمة والألوان الأساسية والأسود والأبيض والرمادي.

Composition with Red, Blue and Yellow, By: Piet Mondrian, 1930

فمنذ خمسينيات من القرن الماضي، كان الفن التجريدي منتشرًا في نطاق واسع في التصوير والنحت الأوروبي والأمريكي. وعلى الرغم من إرباكه العديد من الناس، لكنه حمل قيمة وإنجازًا عظيمًا لأولئك الذين قبلوا لغته الفريدة.

وبالرغم من تلقى التجريدية القليل من الاهتمام في بدايتها وعدم حظيها بالازدهار كالحركات الفنية التي ركزت على الصور الحقيقية كالسريالية والواقعية، ظهرت بعدها مدرسة أمريكية للفن التجريدي تسمى التعبيرية التجريدية أثرت تأثيرًا كبيرًا وعلى نطاق واسع في عالم الفن.

التعبيرية التجريدية

أصبحت تلك الحركة الأمريكية اتجاهًا سائدًا في الفن الغربي. وكان من أبرز الفنانين التعبيريين التجريديين الأمريكيين “Jackson Pollock – جاكسون بولوك” و”ويليام دي كونينج” و”فرانز كلاين” و”مارك روثكو”. وقد عاش وعرض معظمهم في مدينة نيويورك.

Seated Women, By: Willem de Kooning, 1940

وقد بدأت الحركة التعبيرية التجريدية مع اللوحات التي رسمها “جاكسون بولوك” و”ويليم دي كونينج” في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وقد تألفت الحركة من عدة أساليب فنية تختلف في كل من التقنية وجودة التعبير، وعلى الرغم من هذا التنوع، فإنها تشترك في عديد من الخصائص العامة.

فغالبًا ما تصور أشكالًا غير واقعية وغير مستمدة من العالم المرئي، وتؤكد على التعبير العاطفي الحر والعفوي. ويمارس فنانوها حرية كبيرة في الأسلوب والتنفيذ لتحقيق أهدافهم، مع التركيز بشكل خاص على استغلال طبيعة الألوان العفوية لاستحضار صفات تعبيرية: كالديناميكية والعنف والغموض والتناغم. وقد قاموا بالتركيز على التطبيق الغير مدروس لتلك الألوان كشكل من أشكال الارتجال النفسي الشبيه بالسرياليين في التعبير عن قوة اللاوعي في الفن، فقد استلهموا الفكرة السريالية القائلة بأن الفن يجب أن يأتي من اللاوعي.

Convergence, By: Jackson Pollock, 1952

وعلى الرغم من تنوع الحركة التعبيرية التجريدية، يمكن التمييز بين نوعين رئيسيين منها:

أولًا الرسم الحركي، وهو يتميز بمعالجة فضفاضة وسريعة أو ديناميكية للألوان بضربات الفرشاة وبتقنيات تمليها المصادفة جزئيًا، مثل تقطير الألوان أو سكبها مباشرة على القماش بطريقة ارتجالية! وقد مارس بولوك الرسم الحركي واشتهر بوضع قماشه على الأرض والرقص حوله وهو يسكب الألوان من العلب أو بالفرشاة أو العصا.

فقد وضع رسامو الحركة بهذه الطريقة نغماتهم الداخلية مباشرة على اللوحة القماشية وقاموا ببناء أشكال معقدة ومتشابكة من الألوان، بالإضافة للأنماط الخطية المثيرة.

أما النوع الثاني فتكون من نهج الفنانين “روثكو” و”نيومان” و”رينهاردت” و”كليفورد ستيل”. فقد استخدم هؤلاء الرسامون مساحات كبيرة من الألوان المسطحة الواحدة، بالإضافة للألوان الشفافة لتحقيق تأثيرات هادئة وتأملية. وقد تكونت معظم أعمال “روثكو” من مجموعات واسعة من مناطق مستطيلة ذات الحواف الناعمة والألوان المائلة للوميض والصدى والانتشار.

White Center (Yellow, Pink and Lavender on Rose), By: Mark Rothko, 1950

وقد اهتموا بشدة بشدة بالدين والأساطير وقاموا بإنشاء تراكيب بسيطة في مساحات كبيرة من الألوان تهدف إلى إنتاج استجابة تأملية أو تأملية لدى المشاهد. وقد أدى هذا النهج للرسم إلى تطور ما يعرف بـ (الفن الميداني الملون) والذي يتميز بإنشاء الفنانين لمساحات كبيرة من لون واحد أو أكثر.

مصادر:
Tate
Tate
Britannica
Britannica

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 7 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

الحركة الدادية: سلسلة الفن الحديث

في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، بدأت أوروبا تفقد قبضتها على الواقع، فكان عالم أينشتاين أشبه بالخيال العلمي، وقامت نظريات فرويد بوضع العقل في قبضة اللاوعي، وكانت الشيوعية تهدف إلى قلب المجتمع رأسًا على عقب، وبدأت سلالة جديدة من الفنانين في مهاجمة مفهوم الفن نفسه، حتى أن الفنان (مارسيل دوشامب) قام برفض كل اللوحات؛ لأنها صنعت للعين وليس للعقل.

وغالبًا ما كان الفن والشعر والأداء الذي أنتجه فنانو (الحركة الدادية) ساخر وغير منطقي، فقد كان هدفهم تدمير القيم التقليدية للفن وخلق فن جديد يحل محل القديم. فكما كتب الفنان هانز آرب: “لقد كرسنا أنفسنا في زيورخ للفنون بعد مذبحة الحرب العالمية، فبينما كانت البنادق تدق في الساحات، كنا نغني ونرسم ونكتب القصائد بكل قوتنا.”

Fashion Show, By: Hannah Hock, 1935

تأسيس الحركة الدادية

قام الكاتب (هوغو بول) بتأسيس الحركة الدادية عام 1916 بملهى في زيورخ بسويسرا. فكانت الدادية حركة فنية وأدبية نشأت كرد فعل على الحرب العالمية الأولى. وقد تأثرت بحركات حديثة أخرى كالتكعيبية والمستقبلية والتعبيرية، وكان إنتاجها متنوعًا وشاملًا بدءًا من فن الأداء إلى الشعر والتصوير الفوتوغرافي والنحت والرسم والكولاج.

The Art Critic, By: Raoul Hausmann, 1920

وكانت هي الحركة السابقة لحركة الفن المفاهيمي conseptual art، حيث لم يكن تركيز الفنانين على صياغة أشياء مبهجة من الناحية الجمالية، ولكن على صنع أعمال غالبًا ما قلبت الأساسيات وولدت أسئلة صعبة حول المجتمع ودور الفنان وحتى الغرض من الفن. فكان أعضاء الداداية مصممين على معارضة جميع معايير الثقافة لدرجة أن المجموعة كانت بالكاد تؤيد نفسها وقاموا بالهتاف كثيرًا قائلين “الدادية معادية للدادية”.

وقد كان تأسيس المجموعة في ملهى Cabaret Voltaire مناسبًا؛ فقد تمت تسمية الملهى على اسم الكاتب الفرنسي في القرن الثامن عشر فولتير الذي سخرت روايته (Candide) من حماقات مجتمعه.

طبيعة الحركة الدادية

في عام 1919، رسم مارسيل دوشامب شاربًا ولحية صغيرة على طبعة لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دافنشي، وكان تشويه دوشامب متعمدًا ويهدف إلى التعبير عن رفض فناني الدادية لكل من السلطة الفنية والثقافية. وكتب دوشامب لاحقًا: “في عام 1913، كانت لدي فكرة بربط عجلة دراجة بمقعد مطبخ ومشاهدتها وهي تدور.” مما يعتبر مقدمة لكل من الفن الحركي والمفاهيمي.

Marcel Duchamp, L.H.O.O.Q. 1919

وقد أطلق اثنان من القادة العسكريين الألمان على الحرب اسم “معركة المعدات”. لكن الداديين وكما كتب (هوغو بول) في مذكراته: “الحرب مبنية على خطأ فادح، فقد تم الخلط بين الرجال والآلات”.

ولم تكن الحرب فقط هي من أثرت على الحركة الدادية، ولكن تأثير وسائل الإعلام الحديثة والعصر الصناعي الحديث للعلم والتكنولوجيا هو ما أثار فناني الدادية. وقد قيل أن ممثل الإنسان اليوم ليس سوى زر صغير على آلة عملاقة لا معنى لها.

لكن الداديين سخروا من هذا التجرد من الإنسانية، فقاموا بتشبيه الإنسان في أعمالهم بالتروس والبكرات والأقراص والعجلات والرافعات والمكابس. وعندما قام الداديون بتمثيل الشكل البشري، غالبًا ما تم تشويهه وجعله يبدو مصنعًا أو ميكانيكيًا. فكثرة المحاربين القدامى المعوقين بشدة ونمو صناعة الأطراف الاصطناعية ألهم الفنانين المعاصرين لأنهم خلقوا سلالة من الرجال نصف الميكانيكيين.

The Skat Players, By: Otto Dix, 1920

وقد ابتكر أيضًا الفنان (راؤول هاوسمان) عمل فني من دمية ذات شعر مستعار وأشياء غريبة ​​مختلفة – محفظة من جلد التمساح ومسطرة وساعة جيب- وأطلق عليها اسم (رأس ميكانيكي – The Mechanical Head).

Raoul Hausmann, The Mechanical Head, 1920

أشهر أعمال الدادية

لكن يعد العمل الفني Fountain واحدًا من أشهر أعمال (مارسيل دوشامب – (Duchamp ويُنظر إليه على أنه رمز لفن القرن العشرين وبداية فن ما بعد الحداثة. فقد قام بتقديم (مبولة) كعمل فني إلى جمعية الفنانين المستقلين – الملتزمة بدستور يقبل كل ما يقدمه الأعضاء-، لكنهم قاموا برفضها مبررين ذلك بأنه لا يمكن اعتبار قطعة من الأدوات الصحية عملاً فنياً.

Fountain, By: Marcel Duchamp, 1917

ذكر دوشامب لاحقًا أن فكرة Fountain نشأت من مناقشة مع جامع التحف (والتر أرينسبيرج) والفنان (جوزيف ستيلا) في نيويورك. فقد اشترى مبولة من مورد أدوات صحية وقدمها كعمل فني من تصميم R. Mutt لجمعية الفنانين المستقلين، والتي ساعد دوشامب نفسه في تأسيسها والترويج لها.

وبعد مناقشةٍ وتصويت، قرر المديرون الحاضرون نيابة عن مجلس الإدارة استبعاد تقديم العمل الفني. فقام دوشامب وأرينسبيرج بالاستقالة احتجاجًا على قرار مجلس الإدارة.

لم يعلق دوشامب صراحة على سبب رغبته في اختبار مبادئ زملائه من أعضاء مجلس الإدارة، ولكن ربما نشأ ذلك من تجربته في صالون باريس عام 1912 عنما قدم لوحته الشهيرةNude Descending a Staircase إلى الصالون، وعلى الرغم من إدراج العمل في الكتالوج، فإن المنظمين لم يكونوا راضين عن موضوع اللوحة وعنوانها، فقام إخوة دوشامب -الذين كانوا فنانين- ، بالطلب منه بسحب العمل قبل أيام قليلة من افتتاح العرض. وقد قام بفعل ذلك بهدوء، لكنه اعتبر ذلك بمثابة خيانة غير عادية ووصفها لاحقًا بأنها نقطة تحول في حياته.

وبالتالي يمكن اعتبار تقديم Fountain جزئيًا على أنه تجربة قام بها لإعادة عرض هذا الحدث، واختبار التزام المجتمع الأمريكي الجديد بحرية التعبير وتحمله للمفاهيم الجديدة للفن.

وعلى الرغم من كل ذلك الازدحام، واعتبار الحركة بأنها واحدة من أكثر الفنون تأثيرًا في الفن الحديث، حيث أنذرت بقدوم الفن التجريدي والمفاهيمي، وفن الأداء، والعمليات، وفن البوب، لكنها انتهت في أقل من عقد من الزمان ولم تمتلك هذا النوع من المتاحف الكبرى بالشكل الذي تستحقه حتى الآن.

المصادر:
The Art Story
Tate
smithsonian mag
Tate

المدرسة المستقبلية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 6 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

ظهرت المدرسة المستقبلية في أوائل القرن العشرين، وكانت حركة فنية إيطالية تهدف إلى التقاط ديناميكية وطاقة العالم الحديث في الفن بالإضافة إلى الصناعة والتكنولوجيا، وقد خلقت المستقبلية لوحاتٍ تعبر عن فكرة ديناميكية وطاقة وحركة الحياة الحديثة.

وقد سعى المستقبليون إلى التخلص من المفاهيم الفنية التقليدية بالتركيز على التقدم والحداثة وعصر الآلة. فقد تم التركيز على خلق رؤية فريدة للمستقبل، فأنتج الفنانون لوحات للمناظر الحديثة بالإضافة إلى التقنيات الجديدة: كالقطارات والسيارات والطائرات.

وقد طورت المجموعة عددًا من التقنيات الجديدة للتعبير عن السرعة والحركة والديناميكية، بما في ذلك التمويه والتكرار واستخدام الخطوط القوية. وقد تم تطوير هذه الطريقة الأخيرة من عمل التكعيبيين وأصبح إدراج هذه الخطوط سمة من سمات الصور المستقبلية.

“il Trittico della Velocità: Il Via”, By: Gerardo Dottori 1927

تأسيس المدرسة المستقبلية

أسس الكاتب الإيطالي (فيليبو توماسو مارينيتي) المدرسة المستقبلية عن طريق بيان صحفي والذي قام فيه بمطالبة الثقافة الإيطالية بتبني الحداثة والتوقف عن النظر للخلف، والتخلي عن المواضيع التقليدية والكلاسيكية بتصوير الحياة الحديثة التي أحاطت بهم بدلاً من ذلك.

وقد عبر فيه عن مشاعر الكره لكل شيء قديم، خاصة التقاليد السياسية والفنية. فقد قال في البيان: “لا نريد جزءًا من الماضي، نحن المستقبليون، الشباب والأقوياء!” فقد أضمر المستقبليون إعجابًا شديدًا بموضوعات بالسرعة والتكنولوجيا والمدن الصناعية والآلات الحديثة كالسيارة والطائرة، وقد اعتبروا كل ذلك بمثابة الانتصار التكنولوجي للبشرية على الطبيعة.

كانت المجموعة في أوج نفوذها بين عامي 1909 و1914، ولكن أعاد مارينيتي إطلاقها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. جذب هذا الإحياء فنانين جدد وأصبح يعرف بالجيل الثاني من مستقبلية، وعرضت أعمالهم في جميع أنحاء أوروبا.

“Trasvolatore”, By: Gerardo Dottori , 1931

وبمجرد انتشاره سرعان ما انضم إليه عدد من الفنانين بينهم: (أمبريتو بوكيوني)، و(كارلو كارا) و(جياكومو بالا). وقد تأثر المستقبليون بحركات فنية أهمها (ما بعد التأثيرية) و(التكعيبية)، لكن كانت لوحاتهم أكثر ديناميكية وحركة من لوحات (بابلو بيكاسو) و(جورج براك).

أهم فناني المدرسة المستقبلية

أمبرتو بوكيوني

كان أمبرتو بوكيوني رسامًا ونحاتًا التقى بالكاتب مارينيتي بعد انتشار البيان الصحفي وأصبح من أهم مؤسسي الحركة المستقبلية. وكان اهتمام بوكيوني بالتكعيبية واضحًا، فقد دمج الطريقة التكعيبية في رسمه للأشخاص بالكولاج والخطوط المستقيمة القوية التي أدت إلى إظهار الحركة.

ولم يكن غرضه تحليل وتقديم أحجام العناصر بشكل كامل، ولكن التقاط وتمثيل الديناميكية والحركة. كما قدمت إنارة الشوارع التي تم تركيبها مؤخرًا في ميلانو للفنان مواضيع جديدة ليعمل عليها، بالإضافة إلى تأثيرات ضوئية جديدة. وقد رسم مشهدين في غاية الجمال من الأحداث بعد حلول الظلام.

Simultaneous Visions“, By Umberto Boccioni, 1912
“Unique Forms of Continuity in Space”, By: Umberto Boccioni, 1913

جياكومو بالا

كان بالا رسامًا إيطاليًا ومعلمًا للفنون وشاعرًا معروفًا كمؤيد رئيسي للمستقبلية. وقد صوّر في لوحاته الضوء والحركة والسرعة.

كان أحد الأعضاء الأكبر سنا في الحركة المستقبلية. وقبل الانضمام إلى المستقبليين، كان يتبع حركة (ما بعد الانطباعية)، وخصوصًا الأسلوب المسمى بالـ (تقسيمية) –الذي سمي بذلك لاعتماده على تقسيم الألوان إلى الأجزاء المكونة لها على اللوحة وترك ضربات الفرشاة مرئية بدلاً من مزجها-.

“Street Light”, By: Giacomo Balla, 1911 

ونظرًا لأن لوحة “Street Light” قد تم رسمها في وقت مبكر من الحركة المستقبلية، فإن أسلوبه هنا لا يزال في الأساس تقسيميًا. فقد استخدم ضربات فرشاة واضحة وجريئة على شكل V متكرر لتوضيح الضوء والطاقة المنبعثة من المصباح. لكنه قد تخلى عن الأسلوب التقسيمي في النهاية لأنه بدا في النهاية غير تابع (للمستقبلية) بل مرتبطًا بالأجيال الماضية.

وبعد أن زار المستقبليون باريس معًا، تأثر العديد منهم بالتكعيبية. وعلى الرغم من تغييرهم للتقنية وتركيزهم بشكل أكبر على الموضوعات المستقبلية، بدأ بالا في استكشافات لرسم الحركة بطرق أخرى. وقد ظهر أسلوب جديد منهم في لوحة “Dynamism of a Dog on a Leash”. وفي وقت لاحق، بدأ مرحلة تجريدية استكشافية رسم فيها حركة السيارات وطيران الطيور وحركة الضوء نفسها.

“Dynamism of a Dog on a Leash”, By: Giacomo Balla, 1912

تظهر هذه اللوحة امرأة وهي تمشي مع كلبها الصغير الأسود على رصيف المدينة. ويظهر في اللوحة طريقة ضرب أقدام المرأة على الأرض، إلى جانب الطيات السفلية لملابسها السوداء، وكذلك أقدام الكلب وذيله وأذنه المرنة وتصويرها عن قرب شديد، وبدرجات متفاوتة من الشفافية والعتامة. وقد تحول الحبل المعدني الواحد إلى أربعة منحنيات متكافئة تربط المرأة بالكلب، وقد أدى خلق هذا التكرار للعناصر المتحركة إحساسًا بحركتهم الأمامية التي تتعارض مع الخطوط الرصيف.

وقد كان (بالا) يأخذ نوع من الموضوعات التي تخصصت فيه الانطباعية، لكن يقع الاختلاف اختياره لتفصيلية ومقطع واحدة فقط يقوم باختياره عشوائيًا ويجعله محور اللوحة الكاملة، فيقوم بذلك بجعل موضوع تافه حدثًا رئيسيًا.

المصادر:
The Art Story
TATE
MET MUSEUM

المدرسة التكعيبية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 5 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

غالبًا ما تأتي المدرسة التكعيبية أو -التجريدية- في المقدمة حين يذكر الفن التشكيلي، ولعل سبب شهرة الفن التكعيبي هو اختلافه الكبير عن بقية الفنون الحديثة، وسرعة انتشاره وتأثر الكثير من الفنانين به، مما أدى إلى تأثر الناس به سواء كانوا محبين للفنون أم لا. وقد أدت بشكل رئيسي إلى تشكيل اتجاه الفن الحديث والمعاصر عبر العقود.

فتعتبر المدرسة التكعيبية هي واحدة من أكثر المدارس تأثيراً في القرن العشرين، وقد بدأت في حوالي عام 1907. وقد ابتكرها كلًا من “بابلو بيكاسو” و”جورج براك”. واستمد اسم (التكعيبية) من تعليق أدلى به الناقد “لويس فوكسيلز” عند رؤية بعض لوحات الفنان “جورج براك” عام 1908 بأنها اختزلت كل شيء إلى أشكالٍ هندسية و مكعبات.

فتحت التكعيبية أبوابًا لإمكانياتٍ جديدة لوصف ومعالجة الواقع بشكل فني، واعتُبرت نقطة البداية للعديد من الأساليب التجريدية في وقت لاحق.

Painter and Model”, 1928, By: Pablo Picasso”

مميزات المدرسة التكعيبية

أكدت المدرسة التكعيبية على التسطيح والشكل ثنائي الأبعاد للعناصر والأقمشة بدلاً من خلق وهم العمق والمنظور، فكان هذا بمثابة انفصال ثوري عن الشكل الأوروبي التقليدي المتمثل في خلق وهم الفراغ والعمق باستخدام أدوات تساعد على ذلك كالمنظور الهندسي، والذي سيطر على الفن منذ عصر النهضة. وتتميز التكعيبية أيضًا بالكتل المفككة بطريقة تمكنك من رؤيتها من عدة زوايا في آنٍ واحد.

“Bread and Fruit Dish on a Table”, 1909, By: Pablo Picasso

ما الذي ألهم ظهور التكعيبية؟

تأثرت المدرسة التكعيبية جزئيًا بالأعمال المتأخرة للفنان “بول سيزان” أبو الفن الحديث، وأبرز فنان في حركة (ما بعد التأثيرية) حيث قام برسم عناصر وأشياء من وجهات نظر مختلفة قليلاً.

وقد استلهم بابلو بيكاسو أعماله أيضًا من الأقنعة القبلية الأفريقية والتي تظهر بشكل متكلف وغير طبيعي قليلًا، لكن تظهر الأشكال بشرية حية في اللوحات رغم ذلك، فقد قال بيكاسو: “لا يعتبر الوجه إلا مسألة عيون وأنف وفم يمكن توزيعهم بأي طريقة تريدها.”

“Dora Maar au Chat”, 1941, By: Pablo Picasso

بابلو بيكاسو

كان بيكاسو فنانًا مبتكرًا لحدٍ كبير، فقد قام بتجارب وابتكارات كثيرة خلال سنواته التي تزيد عن 92 عامًا على الأرض. ولم يكن رسامًا فحسب، بل كان نحاتًا وشاعرًا، وأنتج أعمالًا خزفية ومطبوعة. ومن الجدير بالذكر أن بيكاسو عاصر الحربين العالميتين، وتوفي عام 1973.

فترات بيكاسو الفنية

عرفت أول مرحلة لأعمال بيكاسو باسم (المرحلة الزرقاء). وقد امتدت تلك الفترة الفنية المعروفة باسم (الفترة الزرقاء) من عام 1901 إلى عام 1904. وخلال هذا الوقت، تميزت لوحاته بظلال من اللون الأزرق، مع لمسات من ألوان دافئة نوعًا ما. فقد تميز مثلًا العمل الفني الشهير عام (The Old Guitarist) بجيتار بألوان بنية أكثر دفئًا وسط الأشكال الزرقاء.

وغالبًا ما يُنظر إلى أعمال على أنها كئيبة، يعزو المؤرخون الفترة الاكتئاب الواضح الذي أصابع للفنان بعد انتحار صديق له. وكانت الموضوعات المتكررة بالفترة الزرقاء هي العمى والفقر.

أما الفترة التي تلتها فتسمى الفترة الوردية، وقد استمرت من 1904 حتى 1906. وتميزت لوحات تلك الفترة بأجواء أكثر دفئًا وأقل حزنًا من لوحات الفترة الزرقاء. أما موضوعاتها فقد كانت في الغالب عن المهرجين والسيرك.

أما بالنسبة للتكعيبية فقد بدأت أخيرًا في تلك الفترة في عام 1907 حين التقى براك ببيكاسو. وفي ذلك الوقت، كان بيكاسو ينتج أعمالًا في فترة سميت بالـ (الفترة الأفريقية)، حيث كانت أعماله تتميز بطابع بدائي متأثرةً بالأقنعة والنحت الأفريقي. وقد بدأت التكعيبية مع لوحة بيكاسو الشهيرة (آنسات آفنون) Demoiselles D d’Avignon والتي تضمنت أشكالًا تكعيبية ومستوحاة من الفن الأفريقي.

Les Demoiselles d’Avignon“, 1907,

لكن من المحتمل أن يكون عمل بيكاسو الأكثر شهرة، هي اللوحة الجدارية Guernica والتي تعد أقوى تصريح سياسي له، فقد تم رسمها كرد فعل لحادثة القصف المدمرة للنازيين على بلدة جيرنيكا خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

تظهر هذه اللوحة مآسي الحرب والمعاناة التي ألحقتها بالأفراد والمدنيين الأبرياء. وقد اكتسب هذا العمل وضعًا هائلاً وأصبح تذكيرًا دائمًا بمآسي الحرب ورمزًا رافضًا للحرب وتجسيدًا للسلام.

وقد تم عرض اللوحة عند انتهاءها حول العالم في جولة قصيرة، وأصبحت مشهورة ومعروفة على نطاق واسع، والتي ساعدت في لفت انتباه العالم إلى الحرب الأهلية الإسبانية.

“Guernica”,1937 

جورج براك

أمضى “براك” معظم حياته المهنية في العمل مع “بيكاسو” عندما ركزا على تطوير نمط جديد من الفن وتقديمه إلى العالم. طور الاثنان مواضيع جديدة وخطوط جريئة وسلسلة منظمة من الألوان الداكنة، وخلقوا أسلوب التكعيبية. وقد كان هدفهم هو تطوير طريقة جديدة تعكس العصر الحديث. قام “براك” أيضًا بدمج الملصقات في اللوحة بأكملها.

وكان فن (الكولاج) إضافة جديدة وقتها وأسلوبًا رئيسيًا اتبعته خلال هذه الفترة في أعماله الفنية أيضًا. وكان براك وبيكاسو أول من استخدموا الكولاج وقتها وقاموا بدمج مختلف الخامات والوسائط على اللوحة غير اللون.

Houses at Estaque“, 1908, By: Georges Braque

وقد مرت التكعيبية بمرحلتين: التحليلية والتركيبية. تُعرف المرحلة الرسمية الأولى للحركة باسم التكعيبية التحليلية، وتتميز بلوحات فوضوية لأشياء مجزأة تم عرضها بألوان محايدة. طبق بيكاسو أيضًا مبادئ التكعيبية التحليلية على ممارسته للنحت، والتي ظهرت بشكل واضح في مجموعة من التماثيل النصفية.

أما التكعيبية التركيبية هي المرحلة الثانية للحركة التكعيبية، وخلال هذا الوقت، قام بيكاسو وبراك وجريس وغيرهم من الفنانين بتبسيط تراكيبهم وإضاءة لوحات الألوان الخاصة بهم.

المصادر:
TATE
My Modern Met
Georgesbraque.org
PabloPicasso.org

المدرسة التعبيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 4 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

كانت المدرسة التعبيرية من أكثر تيارات الفن إثارة للجدل وواحدة من أهم التيارات الرئيسية للفن الحديث في القرنين الـ19 والـ20 لعدة أساب؛ فقد نشأت في جو كان يسوده الظلم والقهر، وكان ذلك في ظل الحرب العالمية الأولى والثانية، بالإضافة إلى خصائصها في التعبير عن الشخصية  والذات العميقة.

فهو الأسلوب الفني الذي لم يسع فيه الفنان إلى تصوير الواقع، بل صوّر العواطف والاستجابات التي تثيرها الأحداث داخل الشخص. ويعتبر هو الهدف الذي يحققه الفنان من خلال التشويه والمبالغة والبدائية والخيال، والتطبيق العنيف والديناميكي للعناصر.

Tired Of Life“, By: Ferdinand Hodler, 1892

ولادة المدرسة التعبيرية

على الرغم من أن مصطلح التعبيرية يمكن إطلاقه على الأعمال الفنية من أي عصر، إلا أنه مرتبط بشكل محدد بالفن الألماني الذي ظهر في القرن العشرين. وقد ظهرت التعبيرية كرد فعل على الانطباعية والفن الأكاديمي. وظهرت بشكلٍ أساسي من فن فان جوخ ضامة العديد من الفنانين: إدوارد مونش وجيمس إنسور وهودلر وهنري ماتيس – رائد المدرسة الوحشية- وإيجون شيلي وماكس بيكمان وبابلو بيكاسو وبول كليي وغيرهم.

وقد طور كل منهم أسلوبًا شخصيًا للغاية مستغلين التعبيرات التي تنتجها الألوان والخطوط لعرض الموضوعات الدرامية المليئة بالعاطفة، أو لنقل تعبيرات الخوف والرعب والبشاعة، أو ببساطة لعرض قوة الهلوسات والحالات الذهنية وما تفعله الطبيعة بالشخصية والذات الداخلية.

Anxiety“, 1894, By: Edvard Munch
Self-Portrait with Lowered Head“, 1912, By: Egon Schiele

وكان هؤلاء الرسامين في ثورة ضد ما اعتبروه الطبيعة الطبيعية السطحية للانطباعية الأكاديمية. فقد شعروا أن الفن الألماني يفتقر إلى الروحية، وسعوا للقيام بذلك من خلال تعبير عصري وبدائي وعفوي وشخصي للغاية.

صفات اللوحات التعبيرية

تم استوحاء المدرسة التعبيرية من التيارات الحديثة السابقة، وسرعان ما طور التعبيريون أسلوبًا ملحوظًا لقسوته وجرأته وكثافته البصرية؛ فاستخدموا خطوطًا خشنة ومشوهة بفرشاة سريعة وخشنة وتضارب الألوان لتصوير مشاهد موضوعات عصرية مختلفة في تركيبات مزدحمة تتميز بعدم الاستقرار وبالأجواء المشحونة بالعاطفة.

Tavern“, 1909, By: Ernst Ludwig Kirchner

وقد عبرت العديد من أعمالهم عن الاستجابة للقبح والابتذال الفاحش، والتناقضات التي يواجهونها في الحياة الحديثة، بالإضافة إلى الإحباط والقلق والاشمئزاز والسخط والعنف، خصوصًا أن تلك الحركة نشأت في فترة الحرب العالمية الثانية. وقد طور الفنانون التعبيريون نمطًا قويًا من النقد الاجتماعي بأعمالهم الحيوية والألوان الجريئة.

استمرت المدرسة التعبيرية وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا، وقد نبع منها في وقت لاحق العديد من الفنانين والتيارات الفرعية مثل: التعبيرية التجريدية والتعبيرية الجديدة ومدرسة لندن.

“Self-Portrait with a Model”, 1910, By: Ernst Ludwig Kirchner
The Intrigue“, 1890, By: James Ensor

الفن التعبيري والنازية

شنت النازية سلسلة من الحملات الشنيعة ضد الفن التعبيري أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تدمير وحرق الأعمال الفنية وطرد الفنانين من التدريس ومنعهم من ممارسة الفن حتى في بيوتهم بالإضافة إلى النفي. ويعد أشهر ما حدث هو التشهير بالفن التعبيري على الملأ بطريقة لم يتوقعها أحد!

فقد عُقد في ميونيخ عام 1937 معرضين على بعد بضع مئات الأمتار من بعضهما فقط، كان أحدهما (المعرض الكبير للفن الألماني) الذي قام بعرض أمثلة رائدة للفن الحديث. وكان الآخر معرض (الفن المنحط)الذي قدم جولة عبر الفن الذي رفضه النازيون لأسباب أيديولوجية.

وقد كانت المرئيات مهمة للنازيين، وكان هتلر نفسه رسامًا، لذلك لم يكن من الغريب أن تكرس النازية موارد كبيرة للترويج لأفكارهم من خلال الفن، والتي ظهرت بوضوح في معرض الفن الألماني الذي أقاموه. فقد أظهر ذلك المعرض أعمالًا بالسمات الكلاسيكية، ومنحوتات كبيرة ذات أجسام عضلية مثالية، ولوحات للجنود والأبطال، والتي كانت تدعوا للتفاؤل والشباب والبهجة.

معرض الفن المنحل

أما معرض (الفن المنحل)، فقد عرضت فيه الأعمال التعبيرية وبعض من التجريدية. والتي كانت أعماله تخاطب الذات والغرائز وتعبر عن القبح والفساد الداخلي والخارجي، بل وتقوم بانتقاد المجتمع بجرأة.

ورغم أن الكثير من تلك الأعمال الفنية مفضلة للكثير من النازيين قبل أن توضع في ذلك المعرض،  فقد تلاعب معرض (الفن المنحل) بالزائرين ليكرهوه ويسخروا منه من خلال محو معانيه الأصلية، بل وتم تعزيز قيمة الصدمة من خلال عدم السماح لمن دون سن الـ18 بالدخول. وقد تمت إهانة الأعمال الفنية به عن طريق إخراج العديد منها من إطاراتها ووضعها بشكلٍ عشوائي على جدران كتب عليها شعارات غاضبة.

فبدلا من أن تُرى تلك الأعمال باحترام، خدع القائمين على ذلك المعرض الزوار وأصبحوا يرون الأعمال كقمامة خطيرة وشنيعة، وفقدت مكانتها كأعمال فنية عظيمة. وقبل أن يقام ذلك المعرض، عرضت تلك الأعمال الفنية في أعظم المتاحف في البلاد.

وقد استمرت العشوائية النازية بعد إغلاق هذه المعارض، حتى أن الفنان إيميل نولده تم منعه من الرسم في بيته، فقد كان يتلقى زيارات دائمة من الشرطة السرية والتي كانت تأتي لتلمس فرشه للتأكد من أنها لم تستخدم! لكن احتال نولده عليهم أحيانًا حين رسم بالألوان المائية، والتي كانت تجف فرشها بشكل أسرع من الألوان الزيتية.

أما الفنان كريشنر، فقد انضم انضم إلى الجيش الألماني لكنه عانى في النهاية من انهيار عصبي. وعلى الرغم من اعتلال الصحة ومحاولاته للتعافي، استمر في إنتاج الأعمال الفنية بشراهة. كن ضم النازيون أعماله في معرض (الفن المنحل)، وتمت إقالته من أكاديمية برلين للفنون. وفي عام 1937، تم مصادرة أكثر من 600 من أعماله وتدميرها أو بيعها، وبعدها بعام واحد فقط أدت المعاناة النفسية التي سببتها له السلطات النازية وتشتت أعماله وتدميرها، والاحتلال النازي للنمسا بالقرب من منزله إلى انتحاره في نهاية المطاف.

المصادر:

Britannica
The Art Story
Khan Academy
NGA gov

الحركة الرمزية وحركة الانفصال الفيينية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 3 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

مقدمة

ظهرت الحركة الرمزية في الفترة التي خضع فيها الفن في القرن العشرين لعملية تغيير مستمر وسريع مثل البيئة الاجتماعية التي أنتج فيها. فلم يعد الواقع يُمثُّل عن طريق الفن في أوروبا. بل كان يتم تسجيل الأحداث التاريخية بدقة من خلال الوسائط الأحدث: كالتصوير الفوتوغرافي والسينما.

وقد انتقل سوق الفن أيضًا من الصالونات العامة الكبرى إلى نظام صالات العرض الخاصة. فأصبح حجم اللوحات أصغر، ومواضيعها شخصية بشكل أكبر واستطاعت أن تكون حرة وأكثر تجريبية. وقد مكّن ذلك الفنانين من الاستجابة للواقع المتغير من حولهم وجعلهم مواكبين للعصر. مما أدى إلى إنتاج لوحات مبتكرة ومليئة بالتأثيرات والمعاني الجديدة.

الحركة الرمزية

تطورت الحركة الرمزية في البداية كحركة أدبية فرنسية في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من ذلك، فقد تبعها جيل من الرسامين ممن رفضوا تمثيل الواقع والطبيعة. فقد اعتقد رساموا الرمزية أن الفن يجب أن يعكس عاطفة أو فكرة بدلاً من تمثيل العالم الطبيعي بطريقة المدرستين الواقعية والانطباعية.

وقد قامت الرمزية بالتمرد على العقلانية والمادية التي هيمنت على ثقافة أوروبا الغربية. وهي نفس الفلسفة التي شملت اقتناع الشاعرالفرنسي الرمزي (ستيفان مالارميه – Stéphane Mallarmé) بأن الواقع تم التعبير عنه بشكل أفضل من خلال الشعر، لأنه يوازي الطبيعة بالمعاني والعواطف بدلاً من تكرارها وتقليدها.

وغالبًا ما كانت اللوحة المرتبطة بالحركة الرمزية قائمة على الموضوعات الأدبية والأساطير، لكنها قامت أيضًا على الخيال الشخصي والحلم.

Angel, I will follow you, By: Jacek Malczewsk, 1901

وقد فكر الفنان الفرنسي (موريس دنيس – Maurice Denis) في إمكانية التقليل من الحاجة إلى الواقعية في الفن باستخدام الخط واللون بشكل أساسي. فشملت لوحاته موضوعات مألوفة -كالمشاهد الدينية، ونساء في الغابات. لكن تم تصويرها بألوان غير واقعية تحدها الخطوط الزخرفية المتدفقة. فلا يجب أن يتم وصف الحقيقة بشكل واضح ومباشر؛ بل يمكن للعقل البشري أن يفهمها من خلال الاستعارة الرموز.

بم تميزت الحركة الرمزية؟

ومما ميز الرمزية هو ابتعادها عن المبالغة لاستحضار المزاج أو الشعور. فكانت فكرتها الشائعة هي وجود مجموعة من الشخصيات التي لا تتفاعل بأي طريقة مباشرة. فلا تلتقي أعينهم أو تشير إيماءاتهم ونظراتهم لشيء، بل تدل على غوص كل واحد في خياله الخاصة.

The Yellow Sail, Odilon Redon, 1905, Pastel On paper
Mystical Conversation, By: Odilon Redon, 1896

فالتكوينات –العناصر والأشخاص والخلفية- في اللوحات الرمزية مصطنعة وليست واقعية. ويزداد هذا الإحساس من خلال التركيز على اللون والخط، وعلى الطرق التي ترتبط بها أجزاء اللوحة المختلفة مع بعضها البعض ضمن شكل عام.

كانت الحركة الرمزية موجهة نحو موضوعات نفسية معاصرة غذت أعمال الفنانين والكتّاب الرمزيين وكانت من المحرمات: كالرغبات الجنسية والشهوة والانحراف والحب والخوف والكرب، أو الصوفية الدينية والسحر.

Danaë, By: Gustav Klimt, 1908
Spirit of the Dead Watching, By: Paul Gauguin, 1892
قال غوغان أن العنوان قد يشير إما أن الفتاة تتخيل الشبح، أو أن الشبح يتخيلها.

حركة الانفصال الفيينية

في نفس الفترة الزمنية، ظهر بالتوزاي مع الرمزية حركة فنية جديدة تسمى (حركة الانفصال الفيينية). ومثلها أعمال الفنانين الشبان في (فيينا) الذين انفصلوا عن طرق وأساليب الأكاديمية المحافظة للفنون في المدينة. إذ ظلت مدارس فيينا الفنية وصالونها السنوي مرتبطين بالنمط الفني الأكاديمي القديم. وكان من أهم المؤسسين لتلك المدرسة (غوستاف كليمت – Gustav Klimt). يعتبر كليمت أشهر فنان في فيينا في ذلك الوقت. وكانت مكانته كبيرة كواحد من أعظم المصورين وفناني الديكور في القرن العشرين. وقد انتشر أسلوب الانفصال عن الأكاديميات عمومًا في العديد من المدن في جميع أنحاء أوروبا.

Death and Life, By: Gustav Klimt, 1908–1915

لم تكن هناك خصائص موحدة للتصوير أو النحت أو حتى العمارة لتلك الحركة. لكن التزم أعضاؤها بدلًا من ذلك بتحديث الفن من خلال التعرف على حركات الفن الحديث كما بعد التأثيرية. بالإضافة إلى الأنماط العصرية للفن الزخرفي كـ (الفن الجديد – Art Nouveau).

نشأت تلك الحركة وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بذلك الأسلوب (Art Nouveau) لمصممين ملّوا من الكلاسيكية الجديدة والموضوعات التاريخية. أرادوا نقل العصر لاتجاه التصميم الحديث. فقد نظروا للتصميم على أنه أكثر من مجرد تطبيق للجماليات، وسعوا إلى دمج الموضوع والجماليات والتصميم في أشكال متناغمة.

Beethoven Frieze, By: Gustav Klimt, 1902

واصل كليمت تحسين الصفات الزخرفية بحيث أصبحت الأنماط المسطحة والمتلألئة لأعماله شبه مجردة. وتعرف الآن باسم “المرحلة الذهبية”، والتي تعتبر في النهاية الموضوعات الحقيقية للوحاته. وعلى الرغم من كونه فنانًا تابعًا “للفنون الجميلة”، إلا أنه كان من الدعاة البارزين للمساواة بين الفنون الجميلة والزخرفية.

اعتقد فنانو تلك الحركة بأن الفن يمكن أن يلعب دورًا مركزيًا في التحسن الاجتماعي. مما أدى إلى شمول جميع أنواع الفن وليس فقط التخصصات الأكاديمية كالتصوير والنحت. فقد أدرجت جميع الفنون التي طبقت ذلك المبدأ من الرسم إلى العمارة تحت ذلك العنوان. فحتى الحرف اليدوية والتي لم تكن تعتبر فنًا قامت تلك الحركة الجديدة باحتضانها كجزء منها.

وقد جاء في بيان مبكر نشرته المجموعة:

“نحن لا ندرك أي فرق بين الفنون العظيمة والثانوية، بين فن الأغنياء والفقراء. الفن ملك للجميع.”

تبعات الثورة الصناعة على الحركة الرمزية

وقد أدت الثورة الصناعية والإنتاج الضخم إلى استنساخ التحف القديمة بشكل سيئ، فحاولت تلك الحركة إحيائها لكن بدقة وحرفية شديدة. فقد أرادوا إحياء ذلك بعهد جديد من التصميم الذي يرفض العبث بأسس جماليات الشيء.

أشهر من قدموا إسهاماتٍ في هذا المجال هو (لويس كومفورت تيفاني – Louis Comfort Tiffany) أحد أشهر الفنانين الأمريكيين. تبنى كومفورت كل وسيلة فنية وزخرفية تقريبًا. وقام بتوجيه مرسمه لإنتاج نوافذ زجاجية وفسيفساء ووحدات إضاءة وزجاج وفخار وأعمال معدنية ومجوهرات وديكورات داخلية.

وبصفته نجل (تشارلز لويس تيفاني) مؤسس متجر السلع الفاخرة (Tiffany & Co)، تحوّل إلى شركة المجوهرات والفضة الشهيرة اليوم. واختار متابعة اهتماماته الفنية بدلاً من الانضمام إلى الأعمال العائلية.

water-lily table lamp, Designed by: Louis Comfort Tiffany, 1904–1915
وهو أحد أنجح تصاميم تيفاني التي تم تنفيذها لمنتجات شركته المعروفة المصنوع بخامة الزجاج المعشّق بالرصاص.

كانت الرمزية والفن الجديد (Art Nouveau) حركات فنية متزامنة موجودة كل منها بمفردها، لكنها غالبًا ما وجدت سويًا في قطعة فنية واحدة. بينما ركزت الرمزية على الاستخدام المجرد للرموز للتعبير عن الواقع الروحي وراء العالم المادي، حين سعت الأخرى إلى جلب الحداثة والأناقة للتكوين والتصميم. عندما أرادت الرمزية تكوين صور من الأحلام، ساعدتها الحركة الأخرى كثيرًا حين وفّرت لها خلفية مثالية بالخطوط الدائرية والطبيعة الأثيرية.

_____________

المصادر:

All art
MetMuseum
TATE
The Artist
Visual Arts Cork
The Art Story

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “جيوتو”

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “جيوتو”

في كل تغيير أياً كان نوعه لابد أن يكون له مؤسسين حتي تتبلور صفاته وملامحه التي سيتطور خلالها فيما بعد، وهذا بالضبط ما حدث في بداية عصر النهضة فقد حاول العديد من الفنانين الخروج من التقليدية والسطحية المصاحبة للفن البيرزنطي نحو مزيد من التجسيد والواقعية، ولكن لم ينجحوا في ذلك كما نجح جيوتو الذي استطاع أن يضيف عمق لأعماله وجعلها ثلاثية الأبعاد بمقاييس ذلك العصر حتى وكأن الواقف أمامها يستطيع أن يتلمسها بأنامله، ويشعر بها. فكان بذلك مؤثرا في عباقرة القرون التالية له مثل مايكل أنجلو وليونارو دافنشي.

نشأته وحياته:

اسمه جيوتو دي بوندوني ولد عام 1266 في بيئة ريفية بجانب فلورنسا حيث كان أبوه فلاحاً، وكان جيوتو يساعده في رعاية المزرعة وبحسب رواية فيرساري فقد تكشفت موهبة جيوتو منذ نعومة أظافرة حيث كان يرسم الخراف والزهور على الأحجر حتى رآه تشيمابويه -أحد أقوى الفنانين في ذلك الوقت- وهو يرسم، فطلب أن يأخذه تلميذاً عنده. إلا أن بعض المصادر تشكك في تلك القصة، وتعتبرها محض أسطورة فتقول أن عائلة جيوتو كانت ميسورة الحال واستطاعت أن تنتقل من الريف للحياة في فلورنسا وهناك تم إرسال جيوتو لتشيمابويه، وقد أظهر جيوتو براعة لا مثيل لها وهو لايزال تلميذاً.

وبعدها بفترة سافر تشيمابوية بصحبة تلميذه النجيب جيوتو إلى ميدنة أسيزي في إيطاليا لتزيين بازيليكا القديس فرنسيس، حيث كان هناك راهب ذائع الصيت اسمه فرنسيس اشتهر بحبه للخير والزهد. بعد وفاته تم جمع أموال التبرعات من الحجاج لتشييد مبني كبير في مدينة أسيزي تخليداً لذكراه، وكان هذا المبني هو البازيليكا المتكون من كنيستين الكبرى أو العليا للحجاج والصغرى أو السفلى للرهبان وشرع الفنانين لتزيين ذلك المبني بالغ الجمال، وبالطبع كان من بينهم تشيمابويه وتلميذه جيوتو، ويُنسب إلي جيوتو مجموعة من اللوح عن حياة القديس فرنسيس، ولكن حتي يومنا هذ لا يمكننا إثبات ذلك النسب بشكل لا يخالطه الشك؛ نتيجة لتضارب الوثائق وكذلك لاختلاف أسلوب تلك اللوح عن غيرها من أعمال جيوتو فيما بعد اختلافاً ملحوظاً. في حقيقة الأمر تلك اللوح كانت مختلفة عن أسلوب العصر وعن ما يجاورها من لوح في البازيلكا فقد امتازت بقدرة كبيرة جدا على التجسيد وإظهار المشاعر، وذلك كان ثورياً وقتها؛ فقد كان الفن اليزنطي المسيطر علي الساحه في ذلك الوقت يتميز بالجمود والرتابة ونقص القدرة التعبيرية وكانت شخوصه مسطحه لا توحي بأي تجسيد. أما ما فعله جيوتو هو أنه أضاف للعمل الفني العمق والجمال والقدرة التعبيرة الخلاقة بإضافته لبعد ثالث في اللوحه فاقتربت أكثر نحو الواقعية، والتأثيرالقوي.

بازيليكا القديس فرنسيس

وظل جيوتو يرسم العديد من الأعمال الإبداعية في مختلف الكنائس، وعمل في روما بين عامي 1297 و 1300 وهناك رسم بعض الأعمال الإبداعية مثل فسيفساء المسيح يمشي على الماء. ولكن منها من تأثر بقوة بعوامل التعرية وتم ترميمه مراراً. وعلي الأرجح أنه في تلك الفترة أيضاً رسم بعض الأعمال لدور العبادة بفلورنسا مثل لوحة صلب المسيح تلك التحفة الفنية المرسومة لكنيسة سانتا ماريا نوفيلا، ويبلغ طول تلك اللوحة خمسة أمتارتقريباً. وتقول بعض المصادر أن تلك التحفة الفنية تم رسمه في عام 1290 أي قبل ذهابه الي روما وكانت من اوائل أعماله بحسب رواية فيرساري.

صلب المسيح

اشتهر جيوتو أكثر وأكثر وطُلب منه العمل في العديد من الكنائس، وكانت من بينهم مصلي سكورفيني في مدينة بادوا padua. حيث كان هناك رجل مرابي اسمه سكورفيني سيئ السمعه لدرجة أن دانتي وضع اسمه في الدرجة السابعه من الجحيم. بعد وفاته أراد ابنه إرينكو أن يحسن صورته فبنى كنيسة باسم والده والتي لم تكن تحفة معمارية، ولكن ما فعله جيوتو بداخلها جعلها من أجمل ما يكون حيث قام جيوتو برسم حياة العذراء والمسيح في 37 لوحة. ورسم لوحة ضخمة جداً تُدعى الحساب الأخير تملأ جداراً كاملاً وحدها. فكانت تلك الكنيسة تحتوي على كنز فني حقيقي يمثل ما امتاز به جيوتو فعلاً وجعله يطلق العنان لإبداع عصر النهضة كما نعرفه. تلك الكنيسة تُسمى أيضا آريانا Arena ومعناها الحلبة لأنه تم تشييدها علي أنقاض حلبة مصارعه رومانية قديمه. وبعدها عام 1306 حتى عام 1311 عاد جيوتو مرةً أخرى إلى أسيزي التي رسم فيها مجموعة من اللوح عن حياة المسيح وغيرها في الكنيسة السفلى أو الصغرى بالبازيليكا. وبعدها انتقل جيوتو الي فلورنسا عام 1311 أو عام 1314 ومكث هناك حتي عام 1320 حيث قام بتزيين بعض المحاريب لأربع عائلات من فلورنسا في كنيسة الصليب المقدس Santa Croce. وتم استدعائه من قبل الملك روبرت ملك نابولي في ذلك الوقت للقيام ببعض الأعمال الفنية بمساعدة تلاميذه، وظل هناك حتي عام 1333 وقد حظى بتقدير كبير من الملك روبرت الذي أعطاه لقباً شرفياً وراتب تقاعد سنوي. وأخيراً ذهب جيوتو إلى فلورنسا وعمل هناك بالمعمار حيث شيد برج الأجراس الذي يعد جزء من مبني كاتدرائية فلورنسا وأيضاً حظى بتكريم كبير في فلورنسا؛ حيث أُطلق عليه لقب معماري المدينة نتيجة لأعماله المتميزة خاصةً في مجال الفن.

برج الأجراس

أبرز أعماله:

في حقيقة الأمر تمتلأ الكنائس الايطالية بجميل أعمال جيوتو وتتجلي فيه عبقريته بشدة، وهناك بعض الأمثلة التي قد تُظهر إبداعه القوي الذي تميز به بقوة.

القديس فرنسيس يخرج عن طوع أبيه:

كان القديس فرنسيس شاباً في مقتبل عمره ووالده كان تاجراً، وفي أثناء مروره بجانب كنيسة سمع صوتاً من السماء يأمره بإصلاح الكنيسة فقام القديس بأخذ بعض البضائع من مخزن أبيه خفيةً ليبيعها لإصلاح الكنيسة، فغضب الوالد بشدة وذهب بابنه للقسيس حتي يطالب الفتي بالبعد عما فيه من نعيم والده. فقام القديس فرنسيس بخلع ملابسه قائلاً لأبيه (أنه متجه لخدمة ربه الذي في السماء) الأمرالذي أثر في القسيس بشدة فخلع عبائته حتي يغطي بها الفتي. وإذا نظرت للوحة ستجد أنه استطاع تمثيل كل تلك التفاصيل ببراعة شديدة مخرجا مشهداً درامياً قمة في الجمال، فيظهر القديس فرنسيس رافعاً يده للسماء شوقا لربه، ويقف أمامه أبوه الذي ارتسمت عليه ملامح القلق وقد أراد أن يزجر ابنه ولكن أحد الواقفين خلفه قد منعه. والملاحظ في تلك اللوحة أن جيوتو قد قسمها إلى جزئين الأمر الذي يدل على الفرق بين التلعق بالدنيا الممثل في الأب وجماعته، والتوجه للدين الممثل في القديس فرنسيس ومن خلفه ليبرز صراعاً قوياً يستحق الإعجاب، وكانت تلك اللوحة إحدى اللوح المنسوبة إليه في بازيليكا القديس فرنسيس بأسيزي.

أعماله في مصلي سكورفيني:

كما ذكرنا من قبل تفصايل حكاية أعماله في مصلي سكورفيني قد بلغت قدراً عالياً جداً من الجمال فمثلاً لوحة الحساب الأخير تحمل تفاصيل غاية في الجمال والبراعه؛ مثل منظر الابن أرينكو في أسفل اللوحة وهو يهدي نموذج الكنيسة لرسل أو ملائكة الرب حيث قد نزل أرينكو علي ركبتيه في خشوع يظهر على وجهه عاكساً أفكاره، وعواطفه وقد حمل نموذج الكنيسة أحد أتباع أرينكو علي كتفه في نفس الوقت الذي يمد فيه أرينكو يده لأحد الملائكة كإشارة أنه تم قبول القربان الأمر الذي كان يرغب فيه أرينكو بشده.

ولا ننسى أيضاً في كنيسة آرينا مجوعة لوح جيوتو عن الفضيلة والرذيلة التي لو اكتفي المشاهد بالنظر إليها لعرف بوضوح ما تتكلم عنه اللوحه، وفيما يدور موضوعها فمثلاً لو نظرت للوحة الممثلة لرذيلة الظلم: يظهر رجل ضخم، وقوي البنيان، وقد ارتسمت عليه ملامح السيطرة والكبر. وأمسك بسيف في يده وفي اليد الأُخرى ذات المخالب الظاهرة أمسك برمح وذلك تعبيراً منه عن القوة والكبر، ويظهر أسفل منه أتباعه من الجنود يجردون أحد المارة من ثيابه ويأخذون منه حصانه في مشهد لا يمكن وصفه بأي كلمة أخرى غير (الظلم).

ولو نظرت إلى تمثيله لفضيلة الإيمان لوجدت الأمر نفسه فتظهر أنثى ممسكة ببردية أو مخطوطة، وفي اليد الثانية تمسك بالصليب فلا حاجة للمشاهد لأي شرح حتي يعرف أن تلك اللوحة تعبرعن “الإيمان”.

وفاة القديس فرنسيس:

كانت إحدى اللوح التي أبدعها جيوتو في كنيسة الصليب المقدس التي تتنوال موضوع وفاة القديس الزاهد فرنسيس، وعلى الرغم ما فعلته عوامل التعرية بتلك اللوحة التي تم ترميمها عدة مرات على مدار أعوام طويلة إلا أنها لازالت تحتفظ بجمالها، وقدرتها التعبيرية حيث يظهر القديس فرنسيس وجميع شخوص اللوحة متوجهة إليه حتي الصليب يميل في اتجاهه والجميع ينظرون لأسفل في شكل يدل على الحزن الشديد وقد حقق الفنان في تلك اللوحة وحدة بين الأشخاص والوحده المعمارية من خلفهم فهم يظهرون كأنهم جزء من الأعمدة في الخلفية، ومع ذلك المشهد الحزين يلتفت نظر المشاهد للشخص الموجود خلف رأس القديس فرنسيس الذي استثناه جيوتو من بين باقي عناصر اللوحة وجعله ينظر إلى أعلى نحو النجم السماوي الصاعد، وقد ارتسمت على وجهه ملامح من الدهشة وهو يشير نحو السماء. فجعل تلك اللوحة تحتوي على تجسيد لعدة مشاعر من الحزن والأسى وحتى الإندهاش من الأمور الروحية الغريبة الملازمة للقديس فرنسيس على مدار حياته حتى لحظة وفاته. وبذلك أرسى جيوتو دعائم نهضة حقيقية استمرت علي مدار قرون فكان حقاً أباً روحياً لعصر النهضة ومؤثراً حقيقياً في مسار التاريخ الفني.

مصادر سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “جيوتو”:

BIOGRAPHY OF GIOTTO DI BONDONE

Britannica

Scrovegni Chapel

web gallery

الفن في عصر النهضة لثروت عكاشة

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي”

سلسة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي”

كان رجل العبقرية الغير مكتملة، سابق لعصره بسنين وقرونٍ طويلة، لم يكن فناناً بشكل أساسي؛ فقد كان كل شيئ مخترعاً، ومهندساً، جيولوجي، مهتم بالتشريح، مهتم بالفلسفة….إلخ. كان ليوناردو مهتم بكل شيئ، وأي شيئ. وعلى الرغم من أن الفن لم يكن اهتمامه الأول إلا أنه ساهم فيه بشكل ضخم، وحفر اسمه كفنان قوي، ومؤثر فى عصر النهضة بل حفر اسمه في صفحات التاريخ إلى ما لا نهاية. وسوف نركز في السطور القادمة على الجانب الفني في حياة دافنشي.

نشأته وحياته :

ولد ليوناردو في عام 1452 في منتصف شهر إبريل، وكان ابن غير شرعي لكاتب العدل «ser piero-سير بيرو» تربى في منزل والده كابنٍ شرعي؛ فحصل على تعليمه الأساسي من القراءة، والكتابة، ولكنه لم يتعلم اللاتينية وقتها بشكلٍ كافي، وكذلك بعض العلوم الأخرى من الهندسة، والحساب.

عندما كان ليوناردو في الخامسة عشر من عمره بدأ في دراسة الفن على يد الفنان الفلورنسي «أندريا ديل فيروتشيو- Andrea del verrocchio» حيث تعلم الرسم، النحت، الميكانيكا. وفي عام 1472 تم قبول ليوناردو في نقابة الفنانين بفلورنسا، ولكنه ظل في ورشة فيروتشيو خمسة أعوام أخرى. بعدها ظل يعمل بمفرده في فلورنسا حتى عام 1481 وخلالها اكتسب معرفة واسعة في الميكانيكا، الأسلحة،وغيرها.

في عام 1482 انتقل ليوناردو إلى مدينة ميلان حتي يعمل بشكل أساسي كمهندس للأسلحة. وقد كانت المدينة محكومة بواسطة الدوق لودوفيكو سفورزا، وعلى الرغم من أن ليوناردو أراد العمل بشكل أساسي في صناعة الأسلحة، ولكنه عمل أغلب الوقت في الرسم والنحت، حيث رسم أجمل لوحاته «السيدة والحمل» والعشاء الأخير، وغيرهم من روائعه.

السيدة والحمل

والمشروع الأعظم على الإطلاق الذي لم ينتهي إلى الأبد هو تمثال ضخم من البرونز لوالد الدوق «فرانسيسكو سفورزا» الذى قضى ليوناردو أعواماً طويلة على العمل عليه حتى أنتج نموذج ضخم من الصلصال للحصان عام 1493، ولكن بسبب خطر الحرب مع فرنسا تم توقف العمل علي التمثال لاستغلال المعدن في صناعة الأسلحة، والمدافع، وتم هزيمة الدوق عام 1499، وتدمير نموذج الصلصال مع كل أسف وقد كنا لنشهد تحفة فنية خالدة لولا تلك الأحداث.

ديسمبر عام 1499 أو يناير عام 1500 انتقل ليوناردو دافنشي إلى فلورنسا حيث تم الترحيب به بحفاوة. وعمل خبير في لجنة تحقيقات عن الأضرار التي لحقت بكنيسة سان فرانسيسكو وقتها، ولكن في عام 1502 ترك ليوناردو فلورنسا مرةً أخرى وذهب في خدمة واحد من أسوأ ، وأبغض رجال عصره وهو القيصر بورجيا ابن البابا ألكسندر السادس كان للقيصر طموح في الاستيلاء على مساحات كبيرة من رومانيا؛ لذلك استغل دافنشي كمهندس عسكري،وظل ليوناردو يعمل معه مدة 10 أشهر. وبعدها عاد لفلورنسا حيث عمل على مشاريع لن يتم تنفيذها أو لم يكملها من الأساس، ولكن تلك الفترة رسم فيها واحده من أجمل أعماله وهي الموناليزا، ودرس حركة الطيور ونماذج للطيران ودرس جسم الإنسان تشريحاً ووظيفة، ودرس حركة المياه، والكثير من الأمور الأخرى. وبعدها انتقل إلى ميلان مرة أخرى لفترة شهد فيها نشاط علمي قوي، ولم ينجز فيها الكثير كفنان. وانتقل إلى روما وأقام هناك فترة ثلاث سنوات. حتى انتقل إلى فرنسا عام 1516 في استضافة الملك فرانسيس الأول الذي لقبه بالرسام، والمعماري، والمهندس الأول للملك. وقد عامله الملك باحترام شديد وقام ببعض الأعمال الفنية، ولكن أغلب اهتماماته كانت علمية في ذلك الوقت كعادته حتى توفي عام 1519.

أبرز أعماله :

1. تقديم المجوس الهدايا للطفل اليسوع:

فى عام 1481 تم تكليف ليوناردو برسم لوحة جدارية عن تقديم المجوس الهدايا للطفل اليسوع أو «adoration of magi- حب المجوس» التي بالفعل بدأ العمل بها مستخدماً في ذلك تقنية قد ابتكرها في استخدام الظل والضوء، حيث كان التلاعب بالظل والضوء بالنسبة لليوناردو ليس أمراً فرعية لزيادة واقعية اللوحة، بل غاية في الأهمية في التجسيد وكان باستخدام تلك التقنية المسماه سفوماتو يستطيع أن يضيف الغموض للعمل الفني الذي بدوره يضيف الحياة. وبعد فترة من بداية العمل انتقل إلى ميلان دون أن يكمل اللوحة فتظهر بعض الشخصيات تكاد تكون منتهية وأخرى لم يبدأ فيها حتى، وكذلك الخلفية غير مكتملة، ويظهر بوضوح مباني مقوضة وأخرى يتم العمل على إنشائها، وفي قلب اللوحة يوجد المسيح علي حجر أمه وقد تضرع له من حوله وهي يشير إليهم ليمنحهم البركة.

2. العشاء الأخير :

(يروي الإنجيل حكاية العشاء الأخير حيث يجلس المسيح ومن حوله الحواريين ويقول لهم أن أحدهم سيخونه، فبدأوا بالتجادل والتساؤل عن هوية هذا الشخص) . علي أساس تلك القصة بني ليوناردو لوحته الشهيرة، حيث يجلس المسيح في المنتصف ناظراً للأسفل بعد أن قال كلمته، والحواريين من حوله يتجادلون محركين أيديهم، وأفواههم في صورة تشع بالحركة، والحياة، والملحمية،وقد ركز المشهد علي المسيح وتلاميذه حتى أنه جعل حجم المائدة إصغر من الواقع أصغر؛ من أن تتسع إثنى عشر شخصاً معطياً انطباعا بالتزاحم وكثرة العدد،وقد نجح في تركيز نظر المتأمل على المسيح ليس فقط بجعله فى المنتصف، بل بالمحافظة الموجودة خلفه أيضاً.

3. الموناليزا :

بملامح هادئة وابتسامة غريبة ونظرة غامضة كانت أجمل لوحات ليوناردو دافنشي ومن أعظم الأعمال على مر التاريخ، فباستخدام تقنية السفوماتو التي ذكرناها آنفاً استطاع أن يعطيها تجسيداً بالواقعية، وقد ارتسمت خلفية جميلة وراء الموناليزا وكأنه الأفق الغير منتهي، وأحاط فم الموناليزا، وعيناها بظلٍ خافت مما أعطاها ذلك الانطباع بالغموض فكان هو سر حياة اللوحة فلاتدري أهي تسخر منك، أم تبتسم إليك أم ماذا؟! وقد ظهرت البساطة الشديدة في اللوحة من حيث الملابس وعدم وجود مجوهرات من أي نوع. وإلى الآن غير معروف من هي السيدة بالصورة.

4. القديسة حنة والعذراء والطفل :

فى مشهد معقد، ولكن جميل يحيطه الطبيعة التي لطالما عشقها وولع بها ليوناردو، تظهر العذراء على حجر القديسة حنّة، وكلاهما متشابهتان جداً في الملامح، وقد انحنت العذراء حتي تمسك بالطفل المسيح الذي كان ممسكاً بعنق الحمل الصغير، وأظهرت اللوحة البهجة في وجوههم مشعة بالحياة. وأثّر عشق ليوناردو للجيولوجيا في رسم الصخور بين أقدام القديسة حنّة فريدة المظهر غير المتكررة في لوح غيره.

وبذلك يتضح أن ليوناردو لم يكن اهتمامه الأول الفن بل كان أمرا ثانوياً يجسد من خلاله حبه للتأمل فقد كان ليوناردو عالماً، مهندسا، ومخترعاً من الدرجة الأولى وعلى الرغم من ذلك فبلا سك هو من أهم فنانين العصر.

مصادر سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “ليوناردو دافنشي” :

Britannica

Khanacademy

الفنون في عصر النهضة ثروت عكاشة

Uffizi

إقرأ أيضاً :

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور رافائيل

المدرسة الوحشية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 2 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

تعتبر المدرسة الوحشية أول حركة فنية في القرن العشرين في الفن الحديث، وهو الاسم المطلق على الأعمال التي أنتجتها مجموعة من الفنانين من حوالي 1905 إلى 1910، والتي تميزت بشدة بألوانها قوية والفرشاة الشرسة.

وقد استلهم الوحشيون أعمالهم في البداية من فناني ما بعد التأثيرية كـ فان جوخ وبول غوغان وجورج سورا وبول سيزان. وتكونت المدرسة الوحشية من مجموعة من الرسامين الفرنسيين ذوي المصالح المشتركة، والذين اهتموا بالفنون المتحررة (كالبدائية والفطرية وفنون الأطفال).

أُطلق عليهم هذا الإسم عندما صاغه الناقد (لويس فوكسيل) حينما رأى أعمال (هنري ماتيس-Henri Matisse) و(أندريه ديران-André Derain) في صالون (ديوتومني) في باريس عام 1905 وانذعر من الألوان الصارخة التي تغطي الجدران حول تمثال لطفل من البرونز المستمد من عصر النهضة وصاح قائلًا “دوناتللو بين الوحوش!”. وقد ألهمت الوحشية بشكل كبير المدارس اللاحقة كالتكعيبية والتعبيرية والتجريدية وغيرهم.

The Dessert: Harmony in Red, 1906, By: Henri Matisse

صفات المدرسة الوحشية

  • كان من أهم سمات المدرسة الوحشية الرئيسية هو فصل اللون عن العنصر والسماح له بالوجود على اللوحة كعنصر مستقل. فيمكن للون أن يعبر عن مزاجٍ ويؤسس هيكلًا داخل العمل الفني دون أن يكون حقيقيًا كما في العالم الواقعي.
  • يعتبر التوازن الكلي للتكوين من أهم مميزات المدرسة الوحشية، بالإضافة للأشكال المبسطة والألوان البراقة، مما أعطى انطباعًا بصريًا فوريًا للعمل بالقوة والوحدة.
  • استخدام ألوان جريئة وغير طبيعية (غالبًا ما يتم تطبيقها على اللوحة مباشرة من أنابيب الألوان) وتبسيط أشكال الموضوعات أيضًا مما يجعل أعمالهم تبدو مجردة تمامًا.
  • تشارك فنانو المدرسة الوحشية في تحديد الألوان والأشكال بخطوط واضحة كوسيلة للتواصل مع الحالة العاطفية للفنان.
  • كان أهم شيء قامت الوحشية بتقديره هو التعبير الفرد، فقد كانت رؤية الفنان المباشرة في موضوعاته واستجابته العاطفية للطبيعة وحدسه أكثر أهمية من النظرية الأكاديمية أو الموضوعات الكبيرة كالأسطورية والدينية.
Landscape near Chatou, 1904, By: André Derain

هنري ماتيس

يعتبر ماتيس من أهم فناني الوحشية ورائدًا لها. ولد لعائلة من النساجين وتأثر وهو طفل بالألوان والأنماط الزاهية للمنسوجات المحلية. وقد تم إيقاظ إحساسه الفني باللون (أساس الوحشية) حينما أعطته والدته الألوان ليرسم عندما عاد المنزل ليتعافى بعد إجراءه للزائدة الدودية. وقد قال ماتيس عن ذلك في وقت لاحق: “منذ اللحظة التي أمسكت فيها بالألوان بين يدي، علمت أن هذه هي حياتي. فقد ألقيت نفسي بها كوحش يغوص نحو ما يحبه.”

وقد تم وصف طريقته خلال مساره المهني طويل بـ “البناء بالأسطح الملونة”. وظل على هذا المسار خلال المراحل المختلفة من أعماله، بدءًا من لوحاته المُلخصة والدقيقة حتى الديكور الداخلي المضاء بنور الشمس وصولًا إلى القصاصات المبتكرة في آخر حياته. وقد أدى العديد من أفضل أعماله عندما طور أسلوبًا صارمًا أكد فيه على الأشكال المسطحة والنمط الزخرفي.

Die Laute, 1942, By: Henri Matisse

وعلى الرغم من أن معظم أعماله – سواء كان الرسم بالخط السريع أو لوحاته ذات المساحات المسطحة– يبدو كأنه تم تنفيذها بسهولة تامة، فقد نبه ماتيس أن هذا التأثير مجرد “بساطة ظاهرية”. فقد عمل في الواقع بجِد لتحقيق فن التوازن والنقاء الذي طالما حلم به.

ويُنظر إلى ماتيس بشكل عام إلى جانب (بابلو بيكاسو) كواحدٍ من الفنانين الذين ساعدوا في تحديد التطورات الثورية في الفنون البصرية طوال العقود الأولى من القرن العشرين، ومن المسؤولين عن التطورات المهمة في الرسم والنحت.

Still Life With Aubergines
The Pink Studio

بعض الأعمال لأهم فناني الوحشية

أندريه ديران

Portrait of a Man With a Newspaper, 1913
Figures from a Carnival

موريس دي فلامنك

The River Seine at Chatou, 1906, By
Portrait of Derain, 1905

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

Tate
Tate
TheArtStory
MOMA
Guggenheim

ما بعد التأثيرية: سلسلة الفن الحديث

هذه المقالة هي الجزء 1 من 11 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن الحديث

في تسعينيات القرن الـ19، وبعدما سيطرت المدرسة التأثيرية على الفن في فرنسا، ظهرت عدة تيارات متطورة منها والتي أدت في النهاية إلى بداية عالم الفن الحديث. فقد أدى ذلك إلى ظهور تيارين فنيين، وهما: 

  • التأثيرية الحديثة
  • ما بعد التأثيرية

التأثيرية الحديثة

اعتمد فنانو ذلك التيار على علم البصريات واللون لصياغة تقنية جديدة للرسم متجنبين عفوية التأثيريين. فقد تبنى العديد من الفنانين في السنوات التالية تقنية من أهم تقنيات ذلك التيار والمسماة “بالتنقيطية”، وهي عبارة عن تطبيق نقاط صغيرة من اللون بجانب بعضها، بغرض رؤية المشاهد لها عندما يبتعد ألوانًا ممزوجة متناسقة.

فبالاعتماد على قدرة المشاهد على مزج نقاط الألوان ببصره على اللوحة، سعوا لخلق لوحات أكثر إشراقًا تصور الحياة العصرية بالإضافة لخلق سطح لامع ومضيء من خلال وضع الألوان المتناقضة بشكل مبتكر، مما أدى إلى المزيد من الاستكشافات للألوان والوصول للفن التجريدي في نهاية المطاف.

Place des Lices, 1893, By: Paul Signac, Location: Carnegie museum of art

ومن أهم فناني ذلك التيار:

  • بول سينياك – Paul Signac
  • جورج سورا – George Saurat
Le Cirque, 1891, By: George Seurat.

ما بعد التأثيرية

ما هي ما بعد التأثيرية؟

شعر العديد من الفنانين بأن هناك خطأً في تركيز التأثيريين على الأسلوب (التركيز على تأثيرات الضوء) بدلاً من الموضوع، مما أدى إلى ظهور تيار ما بعد التأثيرية. وهي حركة فنية تتميز بالرؤية الشخصية للفنان، حيث اختار الفنانون إثارة العواطف في أعمالهم وإظهار تصوراتهم الشخصية عن العالم، وقد اختلفت أساليب كل منهم لكن اشتركت لوحاتهم في بعض الصفات، مما أدى إلى جمعها تحت هذا الاسم.

وقد تشكلت هذه المجموعة من عمالقة الفن المعروفين اليوم: بول سيزان وجوجان وفان جوخ ولوتريك وهنري روسو وغيرهم.

ويعتقد فنانو ما بعد التأثيرية أن جمال الفن متأصل في الإدراك وليس في نقل الموضوع. ويشرح الناقد الفني والمؤرخ (روجر فراي-Roger Fry) في مقال عن علم الجمال قائلًا: 

“إن الفن ليس نسخة مطابقة للحياة الواقعية، بل هو تعبير ومحفز للحياة الخيالية”. 

The Dream, 1910, Henri Rousseau

خصائص ما بعد التأثيرية

العاطفة: كما أوضح (فراي)، يعتقد ما بعد التأثيريين أن العمل الفني لا يجب أن يدور حول الأسلوب، بل أن يركز على الرمزية وتوصيل الرسائل من العقل الباطن. فبدلاً من استخدام الموضوع كوسيلة بصرية يتم رؤيته ونقله على اللوحة، رأوا أنه وسيلة لنقل المشاعر. فبحسب بول سيزان: “إن العمل الفني الذي لم يبدأ بالعاطفة ليس عملاً فنياً”.

الألوان: استخدم ما بعد التأثيريين ألوانًا متكلفة ومصطنعة عمدًا كوسيلة لإظهار تصوراتهم الشخصية عن العالم. فقد ظهرت الأشكال في معظم لوحاتهم بشكلٍ متعدد الألوان، مما أثبت نهجهم المبتكر والخيالي في تصوير الأشياء.

ضربات الفرشاة: تتميز معظم لوحات ما بعد التأثيرية بضربات فرشاة واسعة وحادة يمكن تمييزها. فبالإضافة إلى إضفاء الملمس والشعور بالعمق في العمل الفني، فهي تشير أيضًا إلى الصفة الخيالية للوحة، مما يوضح عمدهم بعدم تمثيل الموضوع بشكل واقعي.

Where Do We Come From? What Are We? Where Are We Going? 1897, By: Paul Gauguin

فناني ما بعد التأثيرية وأهم أعمالهم

بول سيزان 

أو كما يلقب ب (أبو الفن الحديث)، هو من أهم وأعظم عمالقة الفن وأكثرهم تأثيرًا في الفن الحديث. وقد صُنفت أعماله بشكل عام بأنها (ما بعد التأثيرية)، لكن طريقته الفريدة وأسلوبه التحليلي أثروا في بناء الشكل مع اللون على المدرسة التكعيبية والوحشية اللاحقتين، وغيرهم من الأجيال اللاحقة من الفنانين.

ومن أكثر ما ميّز سيزان هي لوحات الطبيعة الصامتة التي رسمها. فقد بدأ في خلق أبعاد لعناصره وعالج مشاكل الشكل واللون من خلال الدرجات اللونية المتدرجة والمتنوعة بدقة. وقام أيضًا برفض التباين العالي بين الظل والنور وقام بتجاهل قوانين المنظور التقليدية، ونتيجة لذلك، فجّر سيزان ثورة في عالم الفن الحديث. ولم ينطبق ذلك فقط على الطبيعة الصامتة، ولكن على المناظر الطبيعية أيضًا. فقد أجرى عددًا كبيرًا من لوحات المناظر الطبيعية  والتي ألهمت العديد من التكعيبيين.

Bouilloire et fruits, 1890, By: Paul Cezanne

فينسينت فان جوخ

يعتبر واحدًا من أعظم فناني ما بعد التأثيرية والمؤسس الرئيسي لها مع سيزان، فألوانه المدهشة وضربات فرشاته المؤكدة والأشكال المحددة بقوة في أعماله توضح ذلك. لكن التأكيد على العواطف الشخصية أدت إلى وصف بعض أعماله بالتعبيرية. ويعد من أكثر الفنانين إنتاجًا في تاريخ الفن للوحات الطبيعة الصامتة والحقول والزهور.

تأثر فان جوخ بكل كبير بالواقعيين (خاصة ميليت) طوال حياته. وعندما انتقل إلى باريس تأثر بكلًا من التأثيريين والتأثيرية الحديثة وطوّر أسلوبه. وحينما انتقل إلى “آرل” بجنوب فرنسا، وبفضل الجو المشمس فيها  وألوانها الربيعية النابضة بالحياة، أنتج بها العديد من اللوحات للبساتين والحقول، ذلك بالإضافة لتأثره بالمطبوعات اليابانية.

بول جوجان

مصوّر ونحات فرنسي سعى لتحقيق تعبير “بدائي” عن الحالات الروحية والعاطفية في أعماله. وقد عرف بمنفاه الذي فرضه على نفسه في “تاهيتي”. وقد كان شريكًا لفان جوخ في السكن لفترة، لكن حدثت بينهما العديد من المشاكل والتي أدت إلى انتقال جوجان من عنده. وقد قيل أن السبب هو محاولة قتله لجوجان في إحدى انهياراته العصبية.

تأثر جوجان بكل من المدرستين الرومانسية والواقعية، ودرس على يد الفنان التأثيري “كاميل بيسارو”. وعرض في المعرض الخامس للتأثيريين، لكن بعد ابتعاده عن التأثيرية تأثرت رؤيته الفنية بهوية غريبة، مشيرة إلى أصوله من دولة “بيرو” كشكل من “البدائية”. وقد استمرت أبحاثه عن العودة إلى الفن البدائي وحث على الاعتماد على الشعور أكثر من الملاحظة المباشرة كالتأثيريين. وقد اكتشف قدرة تلك الوسائل التصويرية على إحداث شعور معين في المشاهد.

لوتريك

هنري دي تولوز لوتريك، وهو فنان الفرنسي قام بتوثيق جوانب الحياة الليلية الفرنسية. فقد أبهرته المقاهي والملاهي والفنانين في بلدة “مونامارتر” والحياة البوهيمية بها، وركز اهتمامه على تصوير الفنانين المشهورين والمهرجين. وقد أدى استخدامه للخط الحر إلى التعبير عن التدفق والحركة، وكان التبسيط الشديد بالخطوط العريضة واستخدام المساحات اللونية الكبيرة من أهم مميزات أعماله.

وقد اعتبرت الملصقات (Posters) التي رسمها من أقوى أعماله، بالإضافة للرسوم التوضيحية للأغاني والتسويق للكباريهات. وقد سعى تولوز لوتريك إلى التقاط تأثير حركة الجسم البشري من خلال شكله الأصلي البسيط، ولم تعد خطوطه مرتبطة بما هو صحيح تشريحيا مع التغافل عن المنظور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

The Art Story
Britannica
Britannica
MetMuseum
MetMuseum
MyModernMet

سلسلة أهم الفنانين على مر العصور “مونيه”

لطالما كان الفن عموماً -الرسم خاصة- طريقة للتعبير عن الإندهاش، والاهتمام بمظهر معين أو فكرة، وهو كذلك طريقة للتعبير عن فلسفة الفنان تجاه أمر معين مثل الطبيعة أو الحياة والموت ويمكن فلسفته تجاه نفسه. الفنان الذي يحكي عنه مقالنا اليوم هو مثال للخروج عن التقليدية والوصول لطرق جديدة وغريبة في التعبير ليس فقط عن جمال المشهد الملاحظ بل عن وعيه بالمشهد نفسه وهذا ما سيتضح في ثنايا أعماله وما جعله واحد في سلسلة أهم الفنانين على مر العصور.

نشأته وحياته:

أوسكار كلود مونيه ولد عام 1840 في الرابع عشر من نوفمبر في باريس بفرنسا، وتوفي عام 1926 في جيفرني بفرنسا. كان والده رجل أعمال في مجال البقالة، وبعد ولادته بفترة وجيزة انتقلت عائلته إلى ساحل نورماندي بالقرب من مدينة «le havre» في شمال غرب فرنسا حيث اقترابه من البحر كان له أثر كبير عليه وعلى فنه طول عمره، أحب الرسم منذ نعومة أظافره واشتهر في بلدته بالرسم الكراكتيري حيث كان يبيع ذلك النوع من الرسومات وهو في عمر الخامسة عشر. بدأ حبه واهتمامه برسم المناظر الطبيعية بالزيت مع تعرفه على رسام محلي اسمه «يوجين بودين». وفي عام 1859 التحق بالأكاديمية السويسرية في باريس وتعرف فيها على زوجته المستقبلية «كاميل دينسو » وبعدها تم تجنيده في الجيش من عام 1861حتى عام 1862 في الجزائر، ثم عاد إلى مدينه والده مرة أخرى ولم يلبث أن عاد لباريس ليكمل دراسته وتعرف على مزيد فنانين يشاركونه نفس الطريقة التعبيرية، وبدأت ملامح الانطباعية تظهر في أعماله -كما سنرى فيما بعد – إلا أنه لم يحقق نجاحات تذكر في تلك الفترة حيث لم تكن ستينيات القرن التاسع عشر سعيدة أبداً علي مونيه.

أما السبعينيات فشهدت فترة نشاط كبيرة لمونيه وزملائه ولكن بدون نجاح أيضاً وانتقل مونيه وأسرته إلي «فيتويل- Vetheuil» والتي فيها زادت علاقته مع أحد التجار «إزنست هوشيدى- Ernest Hoshedé» وزوجته «أليس هوشيدى» تلك العلاقة التي ستؤثر على أعمال وحياة مونيه فيما. وفي عام 1879 توفيت زوجته بعد صراع مع المرض أصبحت تعيش معه أليس هوشيدى وأطفالها بعد أن هجرهم زوجها.

ومع بداية الثمانينات تفكك مجموعة مؤسسي المدرسة الانطباعية وظل مونيه يعرض لوحاته في معارض فردية، وازدهرت أعماله بشده. فانتقل من بيته الصغير في جيفرني إلى منزل آخر كبير الذي أسس به بحيرة صغيرة بها أنواع كثيرة من النباتات والزهور جميلة ومتباينة الألوان وأقام جسر ياباني صغير، وظل في ذلك المنزل الجميل يعمل علي رسم المشاهد الجميلة الموجودة بحديقته حتى موته عام 1926. تاركاً ورائه أكثر من ألفي عمل فني نستعرض أمثله منهم فيما يلي:

شاطئ سانت أدريس:

في صيف عام 1867 كان مونيه مقيماً مع عمته في سانت أدريس في تلك الفترة بدأ حبه بالطريقة الجديدة في التعبير يتكون يزدهر وهي مدرسة الانطباعية. ولكن ما هي الانطباعية من الأساس؟

مدرسة فنية تعكس انطباع، ووعي الفنان بالمشهد المقابل وخاصة المشاهد الطبيعية من أمثلة ذلك لوحة شاطئ سانت أدريس التي رسمها مونيه، وركز فيها على منظر السحاب الأبيض والبحر بأمواجه والصيادين، ولكن ليس بالطريقة المعتادة فلم يعكسها كما هي إنما صور إحساسه بها وتحديداً إحساسه بالضوء فقد عشق مونيه أن يأسر الضوء في لوحاته ويلاحظ أثر الضوء على الأشكال الطبيعية المختلفة.

وصول القطار لمحطة سانت لازار :

رسمه عام 1876 وهي ليست من أشهر أعماله ولا أكثرها مشاهدة ولكنها من أكثرهم تميزا فبدل من تصوير وعيه بالمشاهد الطبيعية المجرة اتجه فيها لتصوير الحياة الحديثة حيث المشهد المهيب بدخول القطار لمحطة «سانت لازار- Saint Lazare» والدخان يتصاعد بكثافة وسط انتظار من المحيطين في صورة مليئة بالحياة. والجميل في لوحات مانيه هو حبه لتصوير أثر الطقس أو الهواء في لوحاته كما فعل هنا فقد جعل دخان القطار شديد السمك حتى، وكأنه يبرز من اللوحة مجبراً المشاهد لتلك الروعة الفنية أن ينظر للدخان ويهتم به حتى وإن كان لا يعيره اهتماماً في الحياة الحقيقية، وهذا يدل على فرط نجاح مونيه في تصوير انطباعه وليس فقط المشهد مجرداً.

دورة زنابق الماء :

في متحف «L’orangeria» يوجد تحفة فنية مكونه من 8 قطع متراصة جنبا لجنب عن دورة «زنابق الماء – water lilies». فالجدير بالذكر أن مونيه ابتكر طريقة رسم جديدة وجميلة وهي تصوير المشهد الطبيعي ذاته في أوقات مختلفة من اليوم أو من العام حتى يظهر تأثير الطقس والضوء على الشيئ ذاته وهذا ما يحدث في تلك التحفة بين أيدينا وغيرها من رسوماته. ولكن ما هي القصة وراء ذلك العمل الضخم؟

ربط كلاً من مونيه و «جورج كلامينسو- George Clémenceau» علاقة صداقة منذ عام 1860 التي استمرت لفترة ثم انتهت وعادت موجودين عام 1908 فكان مونيه متفق مع أفكار كلامينسو السياسية وكلامينسو كان محباً للفن ويحترم فن مونيه جداً، ففي عام 1919 وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أراد مونيه اهداء الدولة لوحتين ولكن كلامينسو أراد أكثر من لوحتين، أراد سلسة كامله من اللوح يتم عرضها رمزا للسلام، وبعد عناء استطاع إقناع مونيه الذي شرع العمل بهم وهو في الثمانينات من عمره وكان مفترض أن ينتهي منهم عام 1922 لكن الشك تجاه تلك اللوح كان يقتله، فكان دائما ما يمزقها ويدخل عليها العديد من التعديلات حتى مات في عام 1926. وتم عرض تلك اللوح أخيرا عام 1927، وتظهر تأثير الضوء والطقس على زنابق المياه فتارة انعكاس السماء الصافية وتارة السماء مليئة بالغيوم وتارة أخرى انعكاس الأشجار. مرتبة على شكل بيضاوي كما أوصى مونيه القائمين على ترتيبها أثناء عمله بهم.

شهد مونيه حياة مليئة باللألوان والضوء، الضوء الذي أحبه مونيه وأحب أن يصوره في لوحاته. مات وترك ورائه فلسفة مذهلة وجديدة فليس من الضروري أن يكون الواقع هو اللوحة الفنية بل يمكن أن يكون إدراك ذلك الواقع يستحق أن يتم تصويره.

مصادر:

اقرأ أيضاً

نبذة مختصرة عن فان جوخ

نبذة مختصرة عن مايكل أنجلو

Exit mobile version