كيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

هل شعرت يومًا ما بالملل وأنت جالس على المقاعد المدرسية وتساءلت كيف كانت لحياتك أن تكون لو أن نظام المدرسة قد اختلف؟ حسنًا هذا ما قد حدث بالفعل قبل مئة عام وتحديدًا في ألمانيا. فحلَّ أسلوب التدريس الجديد في مدرسة «باوهاوس-bauhaus» محل العلاقة التقليدية بين التلميذ والمعلم. وظهرت فكرة تجمع مختلف الفنانين الذين يعملون معًا بهدف إعادة الفن إلى الاتصال مع الحياة اليومية. وبالتالي جمعوا بين الهندسة المعمارية وتصميم الأثاث والفنون التطبيقية كالنحت والفخار والنسيج والطباعة والإعلان وغيرها من الحرف. وأعطوها الوزن نفسه كالفنون الجميلة. [1] فكيف نشأت مدرسة باوهاوس Bauhaus وكيف أثرت على العمارة؟

نشأة مدرسة باوهاوس Bauhaus في فايمار

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظهرت حكومة جديدة في ألمانيا، وجاءت معها أفكار مثيرة للجدل. فبدأ الناس بتجربة أفكارهم المختلفة بجرأة واستخدموا الفن والمسرح للتعبير عن معتقداتهم. [2]

وتأسست مدرسة باوهاوس عام 1919 في «فايمار-weimar» من قبل المعماري «فالتر غروبيوس-walter gropius». وجمع فالتر بين أكاديميتين، أكاديمية فايمار للفنون، ومدرسة فايمار للفنون والحرف وأسماها باوهاوس وهي مزيج من الكلمات الألمانية «بناء-bau» و «منزل-haus». واستمرت في فايمار لمدة 6 سنوات. [3]

وقد شجّعت باوهاوس طلابها على النظر إلى العالم من حولهم بطريقة مختلفة، ودرّستهم في ورش العمل العملية، والتي كانت على عكس المحاضرات النظرية النخبوية في العديد من مدارس التصميم المعاصر. وغيّرت نظرة الناس عمومًا حول ما يفترض أن يكون عليه الفن. [2]

أهداف باوهاوس ونظامها التعليمي

هدفت باوهاوس إلى معالجة الانقسام بين الفنون والحرف اليدوية، وإزالة الحواجز الطبقية بينهما. وكان على الطلاب الذين بلغ عددهم 100 طالب أن يتعلموا أن يكونوا على نفس القدرة من الكفاءة في المجالات الفنية المتعددة. كما في تكنولوجيا الإنتاج كذلك، فدرسوا في مناهج متعددة التخصصات. [4]

وقبل قبولهم في ورش العمل، كان على طلاب باوهاوس أن يأخدوا دورة تمهيدية لمدة 6 أشهر في عدة ورش كالنجارة، والمعادن، والفخار، والزجاج الملون، والرسم على الجدران، وغيرها من الفنون. ودُرّست هذه الورش عمومًا بواسطة شخصين، الفنان الذي ركّز على التعليم النظري، والحرفي الذي ركّز على التقنيات والتدريب العملي. [3]

وأصرّ غروبيوس على أن يتقن الطلاب عملية الإنتاج الصناعي من البداية إلى النهاية. بحيث يتم إطلاع حاستهم الفنية على إمكانيات جديدة من خلال التكنولوجيا الحديثة. وشجّعت المدرسة الطلاب على الاتصال مع الشركات الصناعية في جميع أنحاء المدينة. فكان الدافع إلى الإنتاج الضخم وتوحيد المعايير مركزيًا ومهمًا في رؤى المدرسة. [4]

انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو

أعلن غروبيوس إغلاق مدرسة باوهاوس Bauhaus عام 1925 بسبب تخفيض وزارة التعليم لمنحتها المالية. وكان من الممكن أن تنتهي المدرسة تمامًا لولا العرض الذي جاء من مدينة «ديساو-dessau» الصناعية. فانتقلت باوهاوس إلى مدرسة جديدة صمّمها غروبيوس. وتكوّن المبنى من إطارات فولاذية مع جدران كبيرة من الزجاج، وتميز بالعديد من خصائص العمارة الحديثة. [2][4]

وتُعتبر سنوات انتقال مدرسة باوهاوس Bauhaus إلى ديساو ذروة إنتاجها فبدأ المعماري «مارسيل بروير-marcel breuer» وطلابه بإنتاج كراسي أنبوبية ثورية وخفيفة الوزن. فأصبح القسم مصدرًا قيّمًا ويوفر دخلًا للمدرسة.

واستقال غروبيوس من منصبه، فعُيّن المعماري السويسري «هانيس ماير-hannes meyer» رئيسًا لباوهاوس عام 1928. وتأثر ماير بالاتّجاه اليساري، وبسبب الصراع السياسي في تلك الفترة، طُلب منه الاستقالة بسبب آرائه السياسية التي جعلته في صراع مع سلطات ديساو. وأتى بعده المعماري «لودفيغ ميس فان دير روه- ludwing mies van der rohe » مديرًا للمدرسة عام 1930. فحظر لودفيغ النشاط السياسي وحوّل باوهاوس إلى مدرسة معمارية أكثر تقليدية في محاولة عقيمة لإنقاذها. [3][4]

كيف أصبحت النهاية نقطة بداية؟

سيطر النازيون عام 1931 على حكومة مدينة ديساو وحاربوا الباوهاوس، فأجبروا بعض المعلمين والأساتذة على المغادرة. ونقل نتيجةً لذلك ميس فان دير روه المدرسة إلى مستودع قديم في برلين عام 1932. وأغلِقت في نهاية المطاف عام 1933. [4] وضمنت باوهاوس في النهاية استمرارها، ونجحت بسبب إغلاقها. فهاجر فنانونها إلى بلدان أخرى، ونشروا أفكارهم في جميع أرجاء العالم. [5]

ألهمت أساليب فنانو باوهاوس العديد من الدول وخاصةً أمريكا وبريطانيا. فأسس الفنان «لاسزلو موهلي ناجي-laszlo moholy nagy » باوهاوس جديد، وأعيد تسميته فيما بعد باسم معهد التصميم في شيكاغو عام 1937. [3]

كيف أثّرت باوهاوس على الفنون والحرف؟

رفضت مدرسة باوهاوس Bauhaus تركيز الفنون والحرف على الأشياء الفاخرة التي يتم تنفيذها بشكل فردي. وأدرك غروبيوس أن إنتاج الآلات يجب أن يكون الشرط المسبق للتصميم. وبالتالي الاستفادة من التقدم التقني في الفنون بصورة شاملة. فوجّه جهود المدرسة نحو التصنيع الشامل والمتعدد. على سبيل المثال، فكّر المصممون منذ ذلك الحين بإنتاج أشياء وظيفية ومُرضية من الناحية الجمالية للمجتمع، بدلًا من تصميم العناصر الفردية لنخبة الأثرياء.

واشتركت منتجات باوهاوس في نمط هندسي صارم، ولكن تميز بالأناقة. وعلى الرغم من أن الأعمال المنتجة في الواقع كانت غنية بالتنوع، لكنهم نفذوها مع مراعاة كبيرة للجانب الاقتصادي. فأثّرت أفكارها على المدى البعيد، فحتى الآن تتم إعادة إنتاج منتجاتها على نطاق واسع. وتُدين التصاميم غير المزخرفة، والبسيطة، والأنيقة ذات الاستخدام اليومي بالكثير إلى مبادئ الباوهاوس. [3]

تأثير مدرسة باوهاوس على العمارة

على الرغم من أن غروبيوس كان معماريًا، ولكن لم تنشأ كلية الهندسة المعمارية إلّا بعد 8 سنوات من افتتاح المدرسة. فافتقرت المدرسة إلى كلية العمارة عندما فتحت أبوابها ومع ذلك تُعتبر العديد من المباني مثل المنازل الرئيسية في ديساو دليل على أهمية البناء بالنسبة لباوهاوس منذ البداية. [5]

أثّرت الباوهاوس وخاصةً في مرحلة ديساو على عمارة الحداثة بشكل كبير. فأصرّوا على توحيد المعايير والتجارب في التصميم، واهتموا بمفهوم التصميم الصناعي. [4] وبالنسبة لأعضائها لم يكن هناك حاجة إلى التزيين أو الزخرفة أو الاكتظاظ. فيمكن أن تكون المباني أحدث وأفضل دون نسخ أو تقليد مبنى قد سبق وصمّم. حيث يولد الجمال من إيجاد جواب للسؤال: ما هو المفيد؟ فارتبطت مباني الباوهاوس بالوظيفية. [6]

وفي الوقت الحاضر تعني باوهاوس أن التصميم يقتصر على أساسيّاته والاستخدام العقلاني والأنيق للمواد الحديثة والتقنيات الصناعية، إضافةً للوضوح والبساطة وأحادية اللون.[7]

وتميز أسلوبها بزوايا قائمة من الزجاج المكوّن «للجدار الستائري-curtain wall» وهو غلاف خارجي للمبنى الذي تكون جدرانه الخارجية غير إنشائية، فتعزل مستخدمي المبنى عن الخارج، ويمكن صنعه من مواد خفيفة الوزن للتقليل من تكاليف الإنتاج. وتستخدم معها الفولاذ والطوب أو البلوك. فتُنشئ مع بعضها أنماطًا في المباني تتّسم بالكفاءة والعقلانية.

وركّز التعليم فيما بعد بشكل أقل على الوظيفة وأكثر على التجريد، لذلك تأثر الفن المنتج بالتعبيرية والمستقبلية إلى جانب أسلوبها الهندسي الذي يشبه قليلًا التكعيبية في بعض الأحيان. [8]

مصنع فاغوس في ألفيد، ألمانيا

يعتبر مصنع فاغوس للأحذية واحد من أقدم مباني الحداثة. وعُهد به أول الأمر إلى المهندس إدوارد فيرنر، ولكن نجح غروبيوس بإقناع صاحب المصنع بأنه يجب أن ينفذ كمشروع فني. إذ شعر غروبيوس أن التصميم الخارجي للبناء يجب أن يكشف عن وظيفة المبنى. وهذا يماثل مبدأ لويس سوليفان رائد مدرسة شيكاغو، الذي عبّر عنه بمقولته الشهيرة “الشكل يتبع الوظيفة”. وأشار غروبيوس لأهميّة تحسين ظروف العمل من خلال زيادة ضوء النهار والهواء النقي، اللذين يؤدّيان إلى زيادة رضى العمّال وبالتالي زيادة الإنتاج الكلّي.

والتزم غروبيوس ومعاونه أدولف ماير بمخططات فيرنر، وركّزوا على التصميم الخارجي والداخلي للمصنع. فاستخدم غروبيوس الطوب الداكن بارتفاع 40 سم، الذي ابتعد 4 سم عن الواجهة، مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المجمّع.

صورة لجزء من مصنع فاغوس من تصميم فالتر غروبيوس وأدولف ماير، في ألفيد المانيا.

بينما صمّم مبنى المكاتب على عكس المباني الأخرى، فتميّز هذا الجزء بواجهة زجاجية بدلًا من الجدران التقليدية الحمّالة. واتّخذ غروبيوس قرارًا جريئًا ومبتكرًا بوضع أعمدة الخرسانة المسلحة إلى الخلف من الجدران. فحرر الواجهة، واستطاع بذلك خلق زوايا خارجية زجاجية بالكامل. [9]

مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو

تشمل أرض مدرسة باوهاوس Bauhaus في ديساو المدرسة وسكن الطلاب والهيئة التدريسية والمكاتب. واقتبس غروبيوس خطوطه في تصميم المدرسة من شكل مراوح الطائرات، التي صُنعت إلى حد كبير في المناطق المحيطة بديساو. ويتكون المبنى من 3 أجنحة، تتصل جميعها مع بعضها. فمثلًا ترتبط المدرسة مع ورشة العمل من خلال جسر كبير من طابقين، والذي يمثل الإدارة. ووصل غروبيوس المدرسة مع الوحدات السكنية أيضّا ليُسهّل الوصول إلى قاعة الاجتماعات وصالة العروض وقاعة الطعام.

منظور لمجسم يوضح مبنى مدرسة باوهاوس في ديساو من تصميم فالتر غروبيوس

وأظهر غروبيوس مبادئ باوهاوس بتصميمه من خلال إدراج التطورات الإنشائية والتكنولوجية. فتراجعت هنا أيضًا الجملة الإنشائية الحاملة إلى الخلف، لتفسح المجال أمام الجدران الستائرية الزجاجية لتتموضّع كامتداد واحد. وأكدت تلك الواجهات على الطبيعة المكانية المفتوحة للهندسة المعمارية الجديدة. وبالطبع أمكنت هذه النوافذ الواسعة أشعة الشمس من دخول كل المبنى، ولكنها خلقت كذلك تأثيرًا سلبيًا في أيام الصيف الدافئة.

صورة تظهر قسم الإدارة المرفوع على أعمدة وقسم صالة العروض وقاعة الطعام والاجتماعات في مبنى مدرسة باوهاوس .
صورة تظهر الجزء السكني من مدرسة باوهاوس مع شرفاتها الشهيرة.

وكمحاولة لدمج الطلاب في عملية البناء. نفّذت ورشة الطلاء التصميم الداخلي للمبنى بأكمله. وجهّزت ورشة المعادن الإضاءة. وصنعت ورشة الإعلان والطباعة الحروف. [10] فنستطيع القول بأن باوهاوس قد مثّلت تحولًا ملحميًا في كيفية اقتراب الناس من التصميم والفن. وأثّرت إلى الأبد على أنماط العمارة من بعدها.

المصادر

  1. Tate
  2. B.B.c
  3. Britannica
  4. The open university
  5. Arch daily
  6. The gurdian
  7. The gurdian
  8. History
  9. Arch daily
  10. Arch daily

رحلة في تاريخ الفن، من أين أتى القنطور؟

لا بد وأنك شاهدت قنطورًا ولو لمرة في حياتك على الأقل؛ في لعبة Hercules مثلًا.《 والقنطور-Centaur 》 هو كائن غريب من الميثولوجيا اليونانية. نصفه إنسان ونصفه، حصان وقد عاش في غابات البر الرئيسي لليونان. استخدم الإغريق هذا المخلوق كرمز، للدلالة على الشعوب الأخرى التي اعتبروها بربرية وهمجية. لكن في حالة 《تشيرون-Chiron》 فقد كان رمزًا للحكمة الإلهية.

أدبيًا، ظهر أقدم ذكر للقنطور في نصوص هوميروس. أما في الفن فقد ظهر هذا المخلوق في اليونان بدايةً، في نهاية ما يسمى بالعصور المظلمة اليونانية، أما في الحضارات الشرقية فله شواهد تعود إلى ما قبل هذا التاريخ.

ولادة القنطور-Centaur

مشهد منحوت من أسطورة Centauromachy 447-438 المتحف البريطاني

في الأساطير والميثولوجيا اليونانية، كان القنطور جنسًا أخر من المخلوقات. كائنات مركبة نصفها بشر ونصفها أحصنة. يقاتلون باستخدام أغصان الأشجار وبرمي الحجارة في معظم الأوقات، ونادرًا ما قاتلوا باستخدام الأقواس والأسهم.

إن قصة ولادة القنطور غريبة بعض الشيء. لم يجد 《إيكسيون-Ixion》 ابن الإله أريس أحدًا يمكن أن يسامحه لما اقترفه من ذنب عندما قتل والده بالتبني، حتى تبناه في النهاية الإله زيوس واستقبله كضيف في جبل الأولمب. لكن إيكسيون عاد لذنبه ووقع في حب 《هيرا- Hera》 زوجة زيوس. ولكشفه قام زيوس بصنع سحابة على شكل زوجته فوقع إيكسيون بالفخ بعد أن تزاوج معها. أما القنطور فقد ولد من تزاوجهم.

استطاع القنطور أن ينجب ذرية عبر زواجه من أفراس منطقة 《ماغنيسيا-Magnesian mares》

كان القنطور يمثل الهمجية والوحشية بعيد كل البعد عن الحضارة. مثل القنطور العنف يظهر في الميثولوجيا كقاتل ومغتصب. عاش في الغابات في مناطق 《ثيساليا- Thessaly》 والبعض الأخر عاش في منطقة إيبيروس أما النوع الذي كان يمتلك قرونًا كالثور فقد انتشر في جزيرة قبرص.

ريد ويدنغ أو الزفاف الأحمر

أكثر المشاهد شهرة والتي تظهر في الميثولوجيا اليونانية هي أسطورة 《Centauromachy》. في هذه الأسطورة يدعو 《بيريثيوس-Pirithous》 القنطور لحضور حفل زفافه مع  《هيبوداميا-Hippodamia》 وفي أثناء الحفل يسكر القنطور ويهاجم جميع الضيوف ويحاول خطف هيبوداميا. لحسن الحظ يتمكن بيريثيوس بمساعدة البطل ثيسيوس من هزيمته وابعاد هذا التهديد.

إن القنطور الأكثر شهرة في الأساطير اليونانية هو تشيرون. وقد اعتبره هوميروس الأصلح بينهم جميعًا. ويعتبر من أكثر الكائنات حكمة في الميثولوجيا اليونانية. لقد كان معلم أخيل وهرقل وفرساوس وثيسيوش والكثير غيرهم. كان تشيرون ابن 《كرونوس-Cronus》 وفيليريا وربما كانت قصة ولادته المختلفة هذه من أجل شرح سبب اختلافه عن باقي أنواع القنطور الهمجية.

كائنات مركبة

رجل وقنطور من البرونز منتصف القرن الثامن ق.م.

مثل كل الحضارات الأخرى تقريبًا كان للإغريق أساطيرهم الخاصة. ولو يكن القنطور هو الكائن الوحيد المركب في هذه الأساطير. كان هنالك أيضًا 《Sphinex أو أبو الهول》 وهو كائن نصفه أسد ورأسه إنسان والعديد من هذه الكائنات أيضًا.

بهذه الأساطير حاول الإغريق فهم وشرح العالم الطبيعي الذي يحيط بهم.

قبل ظهور العالم اليوناني في التاريخ، كانت صور المخلوقات المركبة موجودة بالفعل في حضارات بحر إيجة والبحر المتوسط.  هنالك تمثيل واحد على الأقل لقنطور من العصر البرونزي وجد في أوغاريت أو ما يعرف برأس شمرا حاليًا على الساحل السوري. كما تم التعرف أيضًا على عدة مخلوقات مركبة في الحضارة الميناوية والميسينية التي ازدهرت في بحر إيجة خلال عصر البرونز.

وخلال العصور المظلمة اليونانية، الفترة التي تلت انهيار حضارات عصر البرونز، اختفت هذه المخلوقات المركبة في ظروف غامضة حتى عادت فيما يعرف بالعصر الهندسي اليوناني. وهو عصر ازدهر فيه الفن الهندسي اليوناني من سنة 700-900 قبل الميلاد.

تشترك جميع هذه المخلوقات المركبة في الفن اليوناني في أن تصميمها كان قيد التجريب في جميع هذه المراحل وصولًا للقرن السادس قبل الميلاد.

في الفن الشرقي

الثور المجنح من الحضارة الأشورية 721-705 ق.م.

على الرغم من اعتبار القنطور الهام يوناني بامتياز، فهذا لا يعني أن اليونان لم يستوحوا شيئًا من رموزهم وأيقوناته من حضارات وثقافات أخرى.

لم تكن مناطق وجزر بحر إيجة معزولة عن بقية العالم. فقد أحاطت باليونان ممالك قوية ذات تاريخ عميق وأساطير غنية. أثرت مصر وممالك الشرق الأدنى والأوسط على الإغريق في كل جانب، من العمارة والفن إلى الدين. ليس من قبيل المصادفة أن يتضمن الفن القديم فترة استشراقية. بحلول الوقت الذي كتب فيه هوميروس ملاحمه، كان بحر إيجة قد شهد بالفعل الحرب والتجارة والهجرة لدرجة أن صور وقصص الشرق كانت في متناول الإغريق. لم يكن اليونانيون، بطبيعة الحال، مستقبِلين سلبيين بل فاعلين. لقد تبنوا هذه الصور والمحفزات، وخلطوها مع صورهم الخاصة، وأنتجوا أساطير وقصص وفنون فريدة جديدة تحتوي على كل هذه التأثيرات القديمة.

تم استخدام رموز هذه الوحوش المركبة مثل أبو الهول من الحضارات الشرقية، أحيانًا مع بعض التغييرات الصغيرة وأحيانًا أخرى دون أي تغييرات على الإطلاق. علاوة على ذلك، فإن الوحوش الشرقية مثل الأسد البشري والثور البشري تقدم العديد من أوجه التشابه الشكلي مع القنطور.

هل كان هنالك قنطور-Centaur في الشرق؟

خنم أسطواني أشوري من القرن 13 ق.م.

في ختم أسطواني آشوري يعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، يمكننا أن نرى بوضوح رجلًا له أجنحة وجسم حصان وذيل عقرب. يحمل هذا الفارس المجنح المميز قوسًا.

تصوير مبكر آخر للقنطور في الفن الشرقي يأتي من ختم أسطواني آشوري آخر من القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كان الشكل يحمل أيضًا قوسًا، وخلال القرون التالية تبلورت في صورة برج القوس.

باستثناء هذه الأختام الآشورية، يمكن إرجاع جذور 《القنطور-Centaur》 إلى بلاد ما بين النهرين ، وهو نوع خاص من الأسود المركبة. بالطبع، هناك أيضًا كائنات أخرى لها أجسام بشرية وحيوانية ولكن لا شيء مثل القنطور كما ظهر في الفن والأساطير اليونانية.

القنطور في حضارات بحر إيجة

القنطور الميسيني

كانت الحضارات الميسينية والمينوية هي الحضارات التي ازدهرت في بحر إيجه خلال العصر البرونزي اليوناني وحتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد عندما بدأت العصور المظلمة اليونانية.

هناك دليل جيد يدعم استخدام الحضارة الميسينية لرمز 《القنطور-Centaur》. إنه عبارة عن تمثالان من الطين الميسيني تم العثور عليهما في أوغاريت. ليس من الغريب العثور على أشياء ميسينية في أوغاريت فقد كانت مركزًا تجاريًا رئيسيًا في منطقة سوريا. في الواقع، كان الميسينيون على اتصال دائم من خلال التجارة والحرب والسفر مع الشعوب من حولهم.

هناك ايضًا عدة أدلة تشبه القنطور وهي تماثيل خزفية نذرية من معابد في جزيرة كريت وقبرص من القرنين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد. ومع ذلك، بدت هذه الأشياء أشبه بأبي الهول وأقل شبهاً بالقنطور لأنها لم تكن لها أيدي.

القنطور والعصور المظلمة لليونان

قنطور لافكندي 1000 ق.م.

تم اكتشاف شخصية لافكندي بالقرب من بلدة 《Euboea》 الصغيرة في منطقة تسمى لافكندي. يعود تاريخه إلى العصور المظلمة اليونانية، وبشكل أكثر تحديدًا القرن العاشر قبل الميلاد. بشكل عام، يعتبر لافكندي موقعًا أثريًا مهمًا قدمت أعمال التنقيب فيه معلومات قيمة فيما يتعلق بالعصر اليوناني المظلم والاتصال بين اليونان ومصر وقبرص وسوريا وليفانتي.

إقرأ أيضًا: سلسلة الفن القديم: الجزء الرابع – الفن الهيلينستي (اليوناني)

إنه أول مثال كامل للقنطور. أهميته كبيرة لدرجة أن العديد من الكتيبات تعتبر هذه بداية الفن اليوناني. تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه في هذا الوقت لم تكن هناك أساطير يونانية موحدة. لم يتم تدوين ملاحم هوميروس إلا بعد قرنين من الزمن. في وقت نحت هذا التمثال، كانت الأساطير اليونانية لا تزال في بدايتها. حيث كانت الأساطير تتفاعل مع بعضها البعض وتتغير باستمرار. لذلك لا يمكننا افتراض أنه كان له نفس المعنى والرمزية كما في القرن السادس قبل الميلاد.

يعتبر القنطور من 《لافكندي Lefkandi》 أول قنطور كامل في الفن اليوناني. لكن ماذا يعني الكامل؟ على الرغم من أن فكرة الهجينة بين الإنسان والحصان ليست اختراعًا يونانيًا، إلا أن فكرة القنطور ككائن برأس وجسم الإنسان العلوي وجسم الحصان هي إلهام يوناني.

هل يمكن أن يكون قنطور-Centaur ليفكندي هو تشايرون؟

قنطور-Centaur ليفكندي كان لديه ستة أصابع في يده كذلك كان تشايرون صاحب الحكمة الأسطورية. مات تشيرون بعد إصابته بسهام هرقل في ركبته اليسرى. إذا ألقينا نظرة فاحصة على الركبة اليسرى لشخصية ليفكندي، فسنلاحظ خدشًا عميقًا. قد يكون هذا إضافة مقصودة أو نتيجة غير مقصودة ناتجة عن مرور الوقت. إذا كان الأول صحيحًا، فسيكون هناك سبب آخر للاعتقاد بأن بأن هذا القنطور هو مثل مبكر لـلتشايرون أو مخلوق له أسطورة مماثلة لأسطورة تشايرون.

المصادر

  1. The Centaur’s Smile
  2. The Lapiths and the Centaurs
  3. Classical Myth

عصر النهضة الفني

هذه المقالة هي الجزء 2 من 8 في سلسلة مقدمة في تاريخ فن العصور الوسطى

عصر النهضة الفني

في بداية القرن الخامس عشر، شهدت إيطاليا نهضة ثقافية أثرت بشكل كبير على جميع فئات المجتمع. أدى ذلك إلى الابتعاد عن السمات القوطية والرومانية السابقة، مما أدى إلى ظهور “عصر النهضة”.

بدأ ظهور عصر النهضة بمجموعة من الفنانين واللوحات والسمات المتطورة، وقد عرفت أول فترة منها باسم “النهضة المبكرة”، ثم جاءت بعدها فترة سميت بـ “النهضة الحديثة”. حيث صاحبت النهضة الحديثة نهضة في شمال أوروبا، فلم يكن لعصر النهضة المبكرة تأثير يذكر خارج إيطاليا. لكن منذ أواخر القرن 15 بدأت سمات ذلك العصر بالانتشار خارج إيطاليا عابرة حدودها إلى شمال أوروبا.

حفّز الفنانون في إيطاليا على تجديد أمجاد الفن الكلاسيكي بما يتماشى مع عصر ناشئ معاصر يهتم بالإنسانية والفردية. وانطلاقًا من هذه البيئة الجديدة المزدهرة التي مكّنت المجتمع من الانغماس الكامل في دراسات العلوم الإنسانية، بدأ فنانو عصر النهضة في خلق أعمالٍ مكتظة بالمعارف المختلفة. شملت أعمال أولئك الفنانين الهندسة المعمارية والفلسفة واللاهوت والرياضيات والعلوم والتصميم.

استمرت الابتكارات التي نشأت في الفن خلال هذه الفترة في إحداث أصداءٍ لازالت تؤثر على الساحات الإبداعية والثقافية اليوم.

عصر النهضة المبكر

يعتبر عصر النهضة المبكر أول مراحل عصر النهضة، وقد استمرت الفترة المبكرة نحو 90 عامًا. تشير الفترة المبكرة في المقام الأول إلى الفترة الفنية التي سادت إيطاليا في القرن ال15.

بدأ الفنانون بالابتعاد عن الفن القوطي وتطورت الأساليب الفنية الجديدة جذريًا. ابتعدوا عن الأعمال الفنية ذات الأشكال المسطحة وثنائية الأبعاد، والتي شاعت في السابق.

Birth of Venus, By: Sandro Bottcili Location: Uffizi Gallery

وقد شمل ذلك إدخال أساليب ثورية مثل:

  • المنظور الخطي ذو النقطة الواحدة والمستمد من دراستهم للرياضيات والهندسة المعمارية.
  • التفاصيل الطبيعية والتشريحية.
  • الاهتمام بالنسب.
  • استخدام التباين العالي بين الظل والضوء.
  • الخداع البصري لغرض خلق الأوهام.

وقد تطورت الموضوعات لتبتعد عن القصص الدينية التقليدية التي سيطرت على الفن طوال تاريخه.

شمل ذلك التجديد مشاهد المعارك، والصور الشخصية – Portraits، وتصوير الأشخاص العاديين بعيدًا عن المقدسات. لم يعد الفن وسيلة لرفع مقام الشخصيات الدينية فحسب، بل أصبح وسيلة لتوثيق حياة الناس وأحداث العصر الحديث، بالإضافة لتوثيق التاريخ.

Jerome in his Study, By: Antonello da Messina, Location: National Gallery, London

ومن المؤكد أن فناني عصر النهضة المبكرة قد تأثروا بالفلسفة الإنسانية التي أكدت أن علاقة الإنسان بالعالم والكون والله لم تعد حكرًا على الكنيسة فقط. أدى ذلك التأثر إلى إنتاج أعمالٍ أكدت على الخصائص العاطفية والفردية للأشخاص بمواضيعٍ وطرقٍ جديدة. ترتب ذلك التأثر على بناء طرقٍ أكثر عاطفية بين المشاهد والتجربة الفنية.

من الأعمال الفنية في عصر النهضة المبكر

The Annunciation, By: Fra Angelico
Flagellation of the Christ, By: Piero della Francesca
بوابات النعيم: Gates of Paradise, By: Lorenzo Ghiberti

تيار التصوير الهولندي المبكر، الفن الفلمنكي

أما بالنسبة لتيار (التصوير الهولندي المبكر) والذي يطلق عليه أيضًا الفن الفلمنكي، فقد اشتمل على العديد من المجالات كالنحت والتصوير والعمارة والفنون البصرية الأخرى. نشأ وازدهر تيار الفن الفلمنكي في العديد من المجالات في أواخر القرنين الرابع عشر والخامس عشر.

كانت تباع اللوحات التي تم إنتاجها في تلك الفترة إلى الأمراء أو التجار الأجانب، لكن لسوء الحظ تم تدمير غالبية الأعمال في القرنين ال16 وال17. بقيت منها إلى اليوم بضعة آلاف فقط، فلم يوثّق رسامي تلك المرحلة وأعمالهم جيدًا حتى منتصف القرن التاسع عشر.

قضى مؤرخو الفن قرنًا تقريبًا في تحديد الصفات ودراسة الأيقونات ووضع الخطوط العريضة لحياة الفنانين الكبار للتيار الفلمنكي. حتى الآن، لا تزال بعض أهم أعمال ذلك العصر موضع جدل.

من أهم الفنانين الهولنديين

  • Robert Campin
  • Jan van Eyck
  • Rogier van der Weyden
  • Dieric Bouts
  • Petrus Christus
  • Hugo van der Goes

الفنان فان أيك van Eyck

Portrait of a Man in Red Turban, By: Jan van Eyk

يعتبر من أهم فناني التيار الهولندي، وبسبب ابتكاراته في استخدام الألوان الزيتية، جعل ذلك التدريجات اللونية بين مساحات الألوان ممكنة. لجأ فان أيك إلى الاعتماد على وقت الجفاف البطيء للألوان الزيتية، مما سمح لتصوير المنظور والمساحة البعيدة والقريبة بشكل أكثر قربًا من الواقع.

من أهم سمات أعمال فان أيك قيامه بتحقيق مستوى متطور من الواقعية ودقة التنفيذ والتفاصيل. ساعد أيك على تقديم ذلك المستوى الرفيع اختياره للعناصر الثمينة والراقية كالمجوهرات اللامعة والمعادن العاكسة والأقمشة المختلفة كالمخملية والساتان. كل ذلك، بالإضافة لعمله على تطوير الجسد البشري حتى وصوله إلى درجة عالية من الطبيعية.

من أكثر ما اشتهر به فان أيك فكرة اختراع عمل اللوحة بالألوان الزيتية، ونسبت إليه بعد قرنٍ من وفاته. ولقد كتب المؤرخ الفني جورجيو فاساري عن ذلك، ونسبه إلى أيك إلا أن ذلك غير صحيح، واستمرت تلك الأسطورة حتى القرن التاسع عشر. لكن حتى بعدما خمدت نيران تلك الشائعة، يظل فان أيك محتفظًا بلقب “أبو التصوير الزيتي” إلى اليوم.

يعود الفضل إلى فان أيك في اختراع البورتريه الحديث، والذي يظهر أسلوبه بشدة في لوحته الشخصية التي رسمها لنفسه بعنوان “بورتريه الرجل ذو العمامة الحمراء” Portrait of a Man in Red Turban.

من أهم أعماله أيضًا لوحة بورتريه أرنولفيني “The Arnolfini Portrait”، والتي أظهر فيها دقة فائقة في عمل التفاصيل والرموز.

The Arnolfini Portrait

من أعمال الفنانين الهولنديين

Portrait of Margaret van Eyck, By: Jan van Eyk
The Harvesters, By: Pieter Bruegel the Elder, Location: The Metropolitan Museum of Art

عصر النهضة الحديث

يشير عصر النهضة الحديث إلى فترة ثلاثين عامًا جسدتها الأعمال الفنية البارزة التي أُنتجت في إيطاليا. أدى تجديد الفن الكلاسيكي والذي تزاوج مع دراسة عميقة للعلوم الإنسانية إلى تحفيز الفنانين لإخراج أعمال فنية لا مثيل لها. أنتج فنانو ذلك العصر إبداعاتهم بمعرفة كثيفة بالعلم والتشريح والهندسة المعمارية. بقيت حتى اليوم الكثير من الأعمال المميزة والتي تعتبر الأكثر إلهامًا في تاريخ الفن.

School of Athens, By: Raphael لوحة مدرسة أثينا

وعلى الرغم من تنافس العديد من الفنانين على المكانة العالية خلال هذا العصر، فإن (ليوناردو دا فينشي) و(مايكل انجلو) و(رافاييل) و(دوناتو برامانتي) هم بلا شك أعظم أكثر شهرة في تلك الفترة باهتماماتهم المتعددة وإتقانهم لها.

استخدم فنانو عصر النهضة الحديث مجموعة من التقنيات المستعارة من فناني عصر النهضة المبكر مثل:

  • المنظور الهندسي لخلق عمق شديد.
  • التنفيذ الدقيق والصحيح علميًا للتشريح البشري.
  • دمج العناصر المعمارية والمنحوتات في اللوحة الفنية.

ظهرت أساليب جديدة في هذا الوقت، من ضمنها تقنية (سفوماتو) والتي اخترعها “دا فينشي”، وهو تأثير زجاجي أحدث ثورة هائلة في طريقة مزج الألوان. بالإضافة لظهور (لوحات السقف) والتي توفر للمشاهد تجربة رؤية المنظر بأسلوب يتفاعل فيه المشاهد مع العمل الفني، وهو ما يتحقق عند الرؤية من الأسفل.

تعد اللوحات المرسومة على سقف “كنيسة سيستين – Sistine Chapel” بالفاتيكان بيد العبقري مايكل أنجلو – Michelangelo هي أقرب مثال لذلك. تعد لوحة (خلق آدم – Creation of Adam) من أشهر ما وجد فيها، وهي لوحة واحدة من 9 لوحات متتالية على سقف الكنيسة.

Creation of Adam, By: Michelangelo

تشتهر هذه الفترة بإدخال أفكار الجمال إلى الفن، سواء بتصويرها لشخصياتٍ دينية أو أشخاص عاديين، فقد كانت اهتمامات الفنانين في عصر النهضة الحديث هي تقديم قطع تحتوي على الكمال والجمال البصري.

من الأعمال الفنية في عصر النهضة الحديث

Virgin of the Rocks, By: Leonardo da Vinci
David, By: Michelangelo
Madonna of the Harpies, By: Andrea del Sarto
Mona Lisa, By: Leonardo da Vinci

الفن الأسلوبي أو التكلفي

ظهر في أواخر عصر النهضة تيار فني أطلق عليه (الفن الأسلوبي) أو (الفن التكلفي)، وهو تيار ظهر كرد فعل للشكل الكلاسيكي المعتاد والذي تميزت به أعمال عصر النهضة. ويُعتبر هذا التيار جسرًا بين عصر النهضة الحديث وفترة عصر الباروك القادمة.

اهتم فنانو ذلك التيار بالكمال الذي تم تصويره في عصر النهضة لكنهم لم يسعوا إلى تكراره. وبالغوا في كثير من العناصر والنسب بدلًا من الكمال، مما أدى إلى إنتاج أعمال تعبر عن الذات أكثر من تحقيقها للمثالية.

بدأ الفنانون في خلق لوحات تتسم بالتراكيب المصطنعة والمتكلفة وغير الحقيقية، وكانت إحدى الطرق الأساسية التي اتبعوها هي المبالغة. لم يكن ذلك عن جهل أو مشكلة بالدقة، ولكنهم رفضوا الأبعاد الواقعية وقاموا بتقديم شخصيات بأطرافٍ مستطيلة وأوضاع غريبة للأجساد البشرية. فمن المحتمل أن استخدامهم لتلك الأشكال الممتدة والملتوية كانت رغبة منهم في إبراز الحركة أو لزيادة الدراما.

Self-portrait in a Convex Mirror, By: Parmigianino
Madonna with Long Neck, By: Parmigianino
Spring, by: Giuseppe Arcimboldo

المصادر:

the culture trip
hisour
the art story
the art story

الفن الكارولنجي والرومانسيكي والفن القوطي

هذه المقالة هي الجزء 1 من 8 في سلسلة مقدمة في تاريخ فن العصور الوسطى

فنون العصور الوسطى، الفن الكارولنجي والرومانسيكي والفن القوطي

ظهرت عدة فنون في العصور الوسطى مستمدة ومتطورة من الفن البيزنطي بعد انتهاءه على نطاق واسع في أوروبا، وكان من أهمها الفن الكارولنجي والفن الرومانيسكي والفن القوطي، وهو أكبرهم في التأثير.

لذا دعونا نتعرف معًا على تلك الفنون، ونرى كيف تطورت ومهدت لعصر النهضة العظيم.

الفن الكارولنجي (780 – 900)

يعتبر الفن الكارولنجي من أهم فنون العصور الوسطى، والذي بدأ حين قام شارلمان -ملك الفرنجة ومؤسس الإمبراطورية الرومانية المقدسة- بتحريض إحياء ثقافي معروف باسم عصر النهضة الكارولنجية، وذلك بدعوة أعظم العلماء من جميع أنحاء أوروبا للمثول أمام المحكمة وإبداء الاقتراحات لتجديد السياسة والكنيسة والفن والأدب.

قام ببناء قصر وكنيسة في آخن بألمانيا عام 805، لتصبح بمثابة مقر لسلطة “شارلمان” وما زالت تضم عرشه اليوم. ربما تكون الكنيسة أفضل مثال حي باق للهندسة المعمارية الكارولنجية، والتي أثرت في تصميم القصور الأوروبية لاحقًا.

كاتدرائية آخن – Aachen Cathedral. by: Frans Sellies

وكان لدى شارلمان أيضًا مركز لنسخ المخطوطات في آخن. وقد كانت أنماط الكتابة والنصوص في أوروبا قبل ذلك مترجمة ويصعب قراءتها. لم يكن بالإمكان قراءة الكتب في أوروبا يسيرًا في ذلك الوقت، حتى وإن كان كلا من الكاتب والقارئ يجيدان اللغة اللاتينية.

اعتمدت اللغة الكارولنجية المنتشرة من آخن عالميًا مما أتاح التواصل الكتابي بشكل أكبر. أصبحت الكارولنجية أكثر النصوص المستخدمة على نطاق واسع في أوروبا في وقتها.

انفوجراف مبسط حول الفن الكارولنجي.

الفن الرومانيسكي (1000 – 1300)

بدأت فترة الفن الرومانسكي في العصور الوسطى حوالي عام 1000 م واستمرت حتى عام 1300 تقريبًا. وقد تأثر بكل من الفن الروماني والبيزنطي، كما هو الحال مع كل الفنون؛ فقد تأثر كل عصر ومدرسة بما قبلهم على طول تاريخ الفن.

كان تركيز الفن الرومانيسكي على الدين والمسيحية. شمل الفن الرومانسيكي التفاصيل المعمارية كالزجاج الملون والجداريات الكبيرة على الجدران والأسقف، والمنحوتات على المباني والأعمدة.

أهم الأعمال الرومانيسكية

كنيسة سانت فوي – حوالي 1050- 1130

تنقل الواجهة شعورًا بالقوة والصلابة، وتزيد بساطة العناصر الزخرفية من قوتها. كانت القديسة “فوي” فتاة من آكيتاين استشهدت في الفترة من عام 287 إلى عام 303 م، وكانت الكنيسة تحتفظ بمخزن ذهب يحتوي على رفاتها.

كنيسة سانت فوي – Church of Sainte-Foy. حقوق ملكية الصورة: jean françois bonachera

انفوجراف مبسط حول الفن الرومانسيكي.

الفن القوطي

نشأ الفن القوطي في القرن الثاني عشر الميلادي وتطور من الطراز الرومانيسكي بعد انتصار القوط على الرومان. كان الاسم مرادفًا لكلمة “البربرية”، وقد استخدم لوصف الفن القوطي بأنه بعيد مقارنة بالفن الكلاسيكي عندما كان الناس يتطلعون إلى إحيائه.

وقد استخدم المصطلح في رسالة من “رافاييل” إلى البابا “ليو العاشر”، شبه فيه الأقواس المدببة للهندسة القوطية بأكواخ القوط الغربيين البدائية التي تم إنشاؤها عن طريق ثني قمم الأشجار معًا. فقد كان ينظر فناني ومؤرخي عصر النهضة إلى هذا الفن نظرة ازدراء؛ لبعده عن النسب الكلاسيكية الإغريقية والرومانية.

لكن على الرغم من آراءهم، فقد أصبحت الهندسة والمنحوتات المعمارية القوطية واستخدامهم للزجاج المعشق موضع تقدير اليوم باعتبارها قطع فنية جميلة ومعقدة.

العمارة القوطية

حاولت العمارة القوطية بالعصور الوسطى إعادة خلق بيئة سماوية على الأرض؛ من خلال حوائط مرتفعة ونوافذ زجاجية ملونة. استندت العمارة القوطية على الأساليب الرومانيسكية. قام المعماريون القوط بتطوير الزخارف بين النوافذ الزجاجية، مما أدى إلى خلق مساحات داخلية أبهرت حواس المصلين.

من أشهر وأجمل كاتدرائيات الفن القوطي والتي نشب بها حريق هائل في الخامس عشر من أبريل العام المنصرم، هي كاتدرائية “نوتردام“.

كاترائية نوتردام – notre dame cathedral. by: sacratomato

وقد صور فن النحت المعماري والميداني شخصيات اكتسبت سمات طبيعية وحسية أكثر من السابق في العصور الوسطى. أصبحت القطع الأثرية واللوحات الجدارية أكثر شيوعًا في كنائس نهاية الحقبة القوطية في القرن الرابع عشر.

سمات العمارة القوطية

كانت الخصائص الهيكلية الرئيسية للتصميم المعماري القوطي في العصور الوسطى تنبع من جهود البنائين من القرون الوسطى لحل المشكلات المرتبطة بدعم قبو سقف المباني الثقيلة (الأسقف المقوسة) الواسعة. ظهرت المشكلة لأن السقف التقليدي المقنطر كان يسبب ضغطًا هابطًا للأسفل وللخارج على الجدران التي استند عليها، مما تسبب في كثير من الأحيان في الانهيار.

اعتقد المصممون أن الجدران الداعمة الرأسية يجب أن تكون سميكة وثقيلة للغاية من أجل مواجهة وامتصاص ضغط القبو، لكن مصممي القوطية حلوا هذه المشكلة بالعديد من الابتكارات الرائعة.

كانت الكاتدرائية هي المركز الذي تم فيه وضع الاختراعات الأساسية للعمارة القوطية مثل القوس المدبب، والقبو المتقاطع المضلع، ودعامات الطيران

المباني العملاقة

تم استخدام أقبة الأضلاع، ودعامات الطيران، والأقواس المدببة كحلول لمشكلة بناء هيكل طويل للغاية مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الضوء الطبيعي. قاموا بتقليل وزن السقف، فصنعوا سقفًا (قبوًا) مضلعًا، يتكون من قبو متقاطع الأضلاع من الألواح الحجرية الرقيقة. واستبدلوا الأقواس المستديرة لخزينة الأسطوانة بأقواس مدببة وزعت وزن القبة في اتجاه أكثر رأسية. وبكل بساطة، انخفض وزن السقف بالكامل على الجدران الداعمة. قام المعماريون القوطيون بتحويل وزنه على طول أضلاع السقف عبر الجدران إلى دعامة تحلق (نصف قوس)، ثم نزول الدعامات الرأسية (الأرصفة) إلى الأرض.  فلم يعد السقف يعتمد على الجدران للحصول على الدعم. ونتيجة لذلك أصبح بناء جدران الكاتدرائيات أعلى بكثير.

تميزت بناياتهم بالتالي:

  • استخدام الحجر والرخام بدلًا من الطوب، مما سمح بإنشاء الكاتدرائيات والكنائس عالية الارتفاع.
  • أقواس مبالغ فيها.
  • نوافذ عالية وكبيرة.
  • جدران أكثر سمكًا من العمارة الرومانيسكية.
  • منحت ألواح النوافذ الزجاجية الملونة (Stained Glass) تأثيرات داخلية مذهلة بأشعة الشمس، وهي من أهم سمات العمارة القوطية وأهم أشكال التزيين الرئيسية فيها.
الزجاج الملون بكاتدرائية نوتردام.

النحت القوطي

قام كل عنصر من عناصر تصميم الكاتدرائية القوطية بنقل رسائل دينية. وعكست الطبيعة الهيكلية للبناء والمنحوتات (النقوش والتماثيل والأعمدة) والنوافذ الزجاجية الملون والجداريات رسائل للكتاب المقدس.

رغم أن الفضول القوي حول الجسم الإنساني أنتج الفن اليوناني ببراعته ودقته، لكن كان هناك نوع آخر من الفضول المسؤول عن روح الفن القوطية في العصور الوسطى يكمن جوهر تماثيله في قدرتها على الإيحاء. ليس الكمال النهائي بالنسب الكلاسيكية، ولكن البحث الديناميكي عما لا يمكن بلوغه.

Diptych with The Last Judgement and Coronation of the Virgin.

والفن القوطي يشبه الخليط وجب أن يرى مع بعضه البعض، فمكوناته المنفصلة لا تمثل النتيجة النهائية. ليس من السهل فصل قطعة من النحت -مهما كانت معبرة- عن مأواها المعماري دون سرقة قدر كبير من معناها، لأنها جزء من إيقاع أكبر. بالرغم من ذلك، يمكن رؤيتها مفردة وستبقى محافظة على الإبهار، وليس فقط لحيويتها وخيالها ونعومتها، ولكن بسبب معناها المتأصل بذاته.

ظهر النحت القوطي في زخرفة واجهات الكاتدرائية بشكلٍ واضح جدًا، كونها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهندستها المعمارية والمساعدة في تقسيمها إلى طوابق. وقد كانت تنحت على الأعمدة أكثر من كونها تماثيل منفصلة ومستقلة بذاتها.

منحوتات قوطية من كاتدرائية ستراسبورغ، فرنسا.

وقد تنوعت موضوعاتها ضمن السياق الديني بين العهد القديم والجديد، وذلك كنهاية العالم والحساب الأخير. كما حضر كثير من أبطال الكتاب المقدس وصورت قصصهم، بالإضافة لاحتلال العذراء مكانًا متميزًا بينهم.

التصوير القوطي

ظهرت اللوحة المصورة القوطية متأخرة قليلًا عن الأشكال الأخرى للفن القوطي من العمارة والنحت في العصور الوسطى. وبدأ الفنانون القوطيون في استخدام الألوان والأبعاد والمناظير الأكثر إشراقًا، وانتقلوا نحو المزيد من الواقعية. كما بدأوا في استخدام المزيد من الظلال والضوء في فنهم مع تجريب مواضيع جديدة تتجاوز الدين، كالحيوانات في المواضيع الأسطورية.

تم رسم الأشكال لتضفي حركة مع مساحة أكبر داخل مساحة الخلفية، وقد رسمت في الكنائس بتقنية الفريسكو. توجد أكبر مجموعة من اللوحات الجدارية في الدنمارك والسويد والمليئة بقصص الكتاب المقدس من العهد القديم والعهد الجديد.

أصبحت اللوحات الفردية ، مثل اللوحات الزيتية على القماش، مشهورة في القرن الرابع عشر وقد مهدت لعصر النهضة. ونشأت حركة “الفن الهولندي المبكر” في شمال أوروبا في ذلك الوقت واعتُبرت أعماله قوطية على الرغم من بدء عصر النهضة.

The Miracle of the child falling from the balcony. Location: Church of St. Augustine Novello, Siena, Italy.

أما الاتجاهات الكلاسيكية الجديدة في جنوب أوروبا فلم تكن وصلت بعد إلى المنطقة، فبقي النمط القوطي قائمًا.

تضمنت تقنيات الحركة الهولندية تفاصيل دقيقة ورمزية وواقعية، بالإضافة إلى موضوعات لاهوتية بمشاهد دينية معقدة. وقد رسمت هذه اللوحات بأحجام صغيرة لتوضع في المنازل، وغالبًا ما تظهر صورة المالك إلى جانب القديسين.

التصوير القوطي الإيطالي

كانت إيطاليا واحدة من آخر الأماكن التي وصلتها القوطية، وواحدة من أول من قفزوا إلى عصر النهضة الفريد الخاص بها. وحين كانت النوافذ الزجاجية الملونة الشيء الرئيسي لتزيين الكنيسة الداخلية في العصر القوطي، حيث قلت الجداريات والفسيفساء بجانبه، استثنت إيطاليا نفسها من تلك القاعدة. لعبت اللوحات الجدارية وغيرها من أشكال التصوير دورًا رئيسيًا لتزيين الكنائس في إيطاليا.

تطور استكشاف الفنان القوطي للمنظور الهندسي، لكن لم يقصد بذلك استعادة مجد الفن الكلاسيكي. يمكننا أن نرى تطور المنظور القوطي الإيطالي في شكلين رئيسيين: المنظور الداخلي وتوفير العمق لمساحة مغلقة، والمنظور الخارجي مع مقدمة راسخة وظهور لمنتصف الأرض والخلفية.

ومن أهم وأشهر اللوحات في ذلك العصر هي لوحة: “Adoration of the Magi”.

Adoration Of The Magi. by: Giotto 2 m x 1.85 m

ومن أكثر الأشياء إثارة في هذه اللوحة القوطية الإيطالية، أنه ولأول مرة منذ فترة طويلة عرفنا أسماء لمعظم الفنانين في هذا العصر. كان أغلب الفنانين القوط -من معماريين أو نحاتين- مجهولين الهوية.

أهم فنانين التصوير القوطي

  • جيوتو – Giotto
  • دوتشيو – Duccio
  • تشيمباو – Cimabue
  • الأخوان لوريزنتي – Lorenzetti
  • جنتيلي دا فابريانو – Gentile Da Fabriano

ومن خلال متابعة عمل هؤلاء الفنانين، يمكننا رؤية اتجاهين يتطوران في الفن القوطي الإيطالي: شخصيات واقعية بشكل متزايد واستخدام المنظور في الرسم. هذه الاتجاهات هي ما ستؤدي في النهاية إلى النهضة الإيطالية.

انفوجراف مبسط حول الفن القوطي.

المصادر:

Gothic Art and Architecture
Romanesque Architecture and Art
khanacademy
Ducksters
TheArtist
MyModernMet
Visual-Arts-Cork
Visual-Arts-Cork
Study: gothic painting style characteristics

الفن القديم والفن الفرعوني

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

سلسلة الفن القديم والفن الفرعوني

بعد أن استقر الإنسان في الأرض، وقام بتعميرها زراعيًا واقتصاديًا وفنيًا، وابتعد عن الحياة البدائية،، بدأ يحول اهتمامه نحو الحياة الأخرى بشكل كبير، وهذا ما فعله بالضبط الفن الفرعوني.

أثناء ازدهار حضارة بلاد الرافدين، برزت حضارة أخرى بلغت إسهاماتها للحياة الأخرى ما يميزها عن غيرها، وتوثقه توثيقًا متقنًا بوسائل فن فاقت جميع ما سبقها من حضارات وفنون، فنشأت تلك الحضارة هي الفرعونية متميزة تميزًا ضخمًا.

التسلسل الزمني للفن الفرعوني

أصبح تاريخ الحضارة الفرعونية معروفًا من خلال فنه إلى حد كبير، فقد تطور الفن في مصر القديمة بشكلٍ ملحوظ خلال فترة ما قبل الأسرات (6000 ق.م – 3150 ق.م) من خلال الرسوم الصخرية والأعمال الخزفية.

لكن تم إدراكه بالكامل في فترة الأسرات المبكرة (حوالي 3150 – 2613 ق.م.) في لوح نارمر الشهير.

وكان ذلك أول أبواب الفن في الحضارة الفرعونية، فلوح نارمر من أشهر القطع الفنية في ذلك العصر، وهو طبق حجري تم عمله احتفالًا بالنصر لتوحيد مصر وهو الأمر المدوّن على وجهيه، والمنحوت فيهما مشاهد توحيد الملك نارمر لمصر العليا والسفلى بشكلٍ معقد.

وتتجلى أهميته في التركيبة الغريبة التي تتميز برؤوس أربعة ثيران –والتي ترمز للقوة- في أعلى كل جانب، وبتمثيل غاية في التوازن لشخصيات القصة.

ويعتبر هذا العمل تحفة فنية من عصر الأسرات المبكرة؛ مظهرًا بشكلٍ كبير مدى تقدم الفنانين المصريين في ذلك الوقت.

لوحة نارمر ، مصر ، ج. 3100 قبل الميلاد. يصوّر اللوح الملك نارمر وهو يغزو أعدائه ويُخضع الأرض. المتحف المصري، القاهرة.

وقد استمرت إسهاماتهم الفنية بعد هذا اللوح بهرم زوسر (هرم سقارة)، والذي عكس بطبيعة الحال المهارة المصرية في العمل في الحجر على الأعمال الفنية الضخمة.

وقد ازدهر الفن بشكل ملحوظ خلال عصر الدولة الوسطى (2040-1782 قبل الميلاد) والذي يعتبر عمومًا أهم مكان في الثقافة المصرية.

فقد بدأت صناعة التمثال الهائل الحجم، وهي نفس الفترة التي بني فيها معبد الكرنك العظيم في طيبة، مرورًا باستبدال مثالية تصورات المملكة القديمة للتماثيل واللوحات بأشكال واقعية، حتى ظهور فن الطبقات الدنيا أكثر من السابق، والذي كانت تحتكره نخبة المجتمع والطبقات العالية.

معبد الكرنك، أكبر معبد في العالم، مدينة الأقصر، مصر.

لكن حينما ظهرت المملكة الحديثة (1570 – 1069 ق.م) تم اعتبارها فورًا الفترة الأكثر شهرة من تاريخ مصر، وقد أنتجت بعض أروع وأشهر الأعمال الفنية: كتمثال نفرتيتي والقناع الذهبي لتوت عنخ آمون.

ويتميز فن المملكة الحديثة بجودة عالية في رؤيتهم الفنية وتقنياتها؛ وذلك لتفاعل الدولة المصرية مع الثقافات المجاورة، بما أن ذلك العصر هو عصر دخول الإمبراطورية إلى مصر.

سمات الفن الفرعوني

يحتاج أي عمل ببساطة إلى أن يكون جميلًا، ويحظى الفن المصري بإعجاب دائم بجماله بسبب القيمة التي قدمها المصريون القدماء في التماثل – Symmetry.

يعكس التوازن المثالي في الفن المصري القيمة الثقافية للإلهة (ماعت) -إلهة الحق والنظام والعدل- والذي كان نظامها أساسًا قويًا للحضارة المصرية.

فقد جعلت الكون مرتبًا من فوضى متماثلة، وكانت تلك الفوضى هي مفهوم الوحدة، لكنها جعلت الازدواجية -الليل والنهار، الإناث والذكور، الظلام والضوء- منظمة بدقة.

ويجب النظر إلى الفن المصري القديم من وجهة نظر المصريين القدماء لفهمه، فقد كانت التماثيل والصور دائمًا ما تتميز بأوضاع ثابتة إلى حد ما، تحيطها هالة العادات الرسمية، بالإضافة إلى ظهورها بشكل تجريدي.

وغالبًا ما أدت الطبيعة الغامضة للعديد من الفن المصري القديم إلى مقارنات غير عادلة  مع بقية الفنون اللاحقة ، كالفن اليوناني أو فن عصر النهضة.

لكن هذا لا يعني أن المصريين لم يكن لديهم شعور بالجمال. فقد كُتبت الهيروغليفية المصرية مثلًا مع أخذ علم الجمال في الاعتبار بشكل كبير وواضح.

وظيفة الفن الفرعوني

خدم  فن المصريين غرضًا مختلفًا تمامًا عن غرض هذه الثقافات، فقد تم إنشاؤه لغرض عملي، بينما كان الفن اللاحق مخصصًا للمتعة الجمالية.

فبينما نتعجب من الكنوز المتلألئة من قبر توت عنخ آمون، والنقوش البارزة في مقابر المملكة الحديثة ، والجمال الهادئ للتماثيل في الدولة القديمة، من الضروري أن نتذكر أن غالبية هذه الأعمال لم يُقصد منها أن يستمتع بها؛ بل صُممت لتفيد الآلهة أو المتوفيين.

فقد كان غرض التماثيل هو تجسيد المتلقي (الآلهة أو المتوفي) للظهور أمام الشعب وبالتالي استفادتهم من الطقوس المقدمة لهم.

تُظهر معظم
التماثيل بشكل أمامي ورسمي متجهة للأمام؛ لمواجهة الطقوس التي تُجرى أمامها. فالتماثيل -سواء كانت إلهية أو ملكية أو لأفراد من نخبة المجتمع- وفرت نوعًا من القنوات للروح للتفاعل مع العالم الأرضي.

معبد أبو سمبل، 230 كم جنوب غرب أسوان، مصر.

وقد أظهرت لوحات القبور مشاهد من حياة المرء على الأرض حتى تتذكرها الروح، أو مشاهد من الجنة يأمل المرء في بلوغها حتى يعرف كيفية الوصول إليها.

وعلى سبيل المثال، فقد صُممت حديقة تعود للأسرة الحادية عشرة لتحكي قصة رحلته صاحبها في الحياة وصولًا إلى الجنة.

فقد بنيت أعمدة الرواق على شكل أزهار اللوتس والتي ترمز إلى منزله في صعيد مصر، ويمثل حوض السباحة في الوسط  بحيرة (ليلي)، التي يتعين على الروح عبورها للوصول إلى الجنة.

وقد تم تزيين سور الحديقة البعيدة بمشاهد من الحياة الآخرة، لذا في كل مرة يجلس فيها في حديقته؛ستذكره كل تلك المشاهد بطبيعة الحياة باعتبارها رحلة قصيرة، والذي من المرجح أن يضفي عليه نظرة زاهدة للحياة عند مروره بأي ظروف قد تكون مزعجة!

السجلات

تم تسجيل مشاهد تروي قصصًا في مختلف مجالات الحياة بشكلٍ متوازٍ على الحائط يعرف باسم السجلات، وهذه السجلات تفصل المشاهد عن بعضها بخطوط أرضية.

ويوجد نوع آخر من المشاهد المدونة لا تحتوي على سجلات، وعادة ما تسجل مشاهد للقتال والصيد، وفي كثير من الأحيان تظهر الجيوش دون خطوط أرضية.

الخامات المستخدمة في الفن الفرعوني

كان من طبيعة حال الفن في تلك العصور أنه استخدم بواسطة مواد طبيعية ولكن معدة بطرق متقنة، وبالنسبة للحضارة الفرعونية، فقد مزج الفنانون الألوان المصنوعة من معادن طبيعية.

فقد صنعوا الأسود من الكربون، والأحمر والأصفر من أكاسيد الحديد، أما بالنسبة  للأزرق والأخضر فكانوا من من الأزوريت والملكيت، أما  الأبيض كان من الجبس.

يتم خلط المعادن مع المواد العضوية بنسب مختلفة، ثم يتم خلطها مع بياض البيض لجعلها لزجة بحيث تلتصق بالسطح، بالإضافة لمواد غير معروفة حتى يومنا الحالي.

تفاصيل من عرش( توت عنخ آمون) الذي يظهر مع زوجته (عنخ إست آمون) على اليمين. المتحف القومي للحضارة المصرية، القاهرة، مصر.

وكان الطلاء المصري متينًا لدرجة أن العديد من الأعمال ظلت حية بعد أكثر من 4000 عام، حتى الغير المحمية منها في المقابر!

أما بالنسبة للنحت بنوعيه البارز والغائر، فيتم تنعيم سطح الجدار وهو ممزوج بالجص، ثم يغطى بالرمل.

وفي البداية، يقوم أحد الفنانين بإنشاء نموذج مصغر للعمل الكبير بطريقة دقيقة، ثم يرسم الخطوط الأساسية عليه بتقنية الشبكة ويقوم بنقلها على الحائط بالنسب الجديدة.

ولن تواجه الفنان أية مشاكل مع النسب عند النقل؛ لأنه سيتمكن من نسخ الصورة بالنسب الصحيحة باستخدام العمل الأصغر كنموذج ومرجع.

وحينما ينتهي الفنان من نقل النسب الصحيحة، يُرسم المشهد على الحائط ثم يتم تحديده بالطلاء الأحمر.

وقبل أن يباشر العمل النهائي، يجب المرور على مرحلة الملاحظة والتصحيح، فسيتم إجراء تصحيحات على العمل بواسطة فنان أو مشرفٍ آخر، ثم عند التأكد من كل شيء فيها يتم طلاؤها باللون الأسود، وبمجرد انتهاء تلك المرحلة يبدأ الفنان في النحت والتلوين.

هل ما نراه في المتاحف هو كل شيء؟

إن معظم الأعمال التي نراها في المتاحف هي في الحقيقة نتاج ورش ملكية أو تعود ملكيتها لصفوة المجتمع؛ فتلك القطع تتناسب بشكل أفضل مع أفكارنا الحديثة عن الجمال!

ومع ذلك، فإن معظم أقبية المتاحف يوجد بها الآلاف من القطع الأخرى والمصممة للأشخاص ذوي المكانة المنخفضة – كالتماثيل الصغيرة والتمائم والتوابيت والأحجار- والتي يمكن التعرف عليها بشكلٍ كامل، ولكن نادرًا ما يتم عرضها.

تُظهر هذه القطع بشكل عام جودة أقل في المصنعية؛ بمشاكلٍ في النسب أو لسوء تنفيذها، والتي قليلًا ما يتم اعتبارها (فنًا) بالمعنى الحديث.

لكنها تخدم رغم ذلك نفس الوظيفة بالضبط المتمثلة في توفير المنفعة لأصحابها وبنفس درجة الفعالية، كتلك التي صُنعت للنخبة.

اقرأ أيضًا: الفن في مصر القديمة

المصادر:
Ancient History
Khan Academy

Exit mobile version