كيف توصل نيوتن لقانون الجاذبية وما هي تطبيقاته؟

كيف توصل نيوتن لقانون الجاذبية وما هي تطبيقاته؟

تقول القصة الشهيرة أنه بينما كان نيوتن جالسًا تحت شجرة التفاح. سقطت تفاحة على رأسه وظل يتساءل عن السبب وراء وقوع تلك التفاحة عموديًا على الأرض ولمَ لم تصعد لأعلى مثلًا. وبعدها صاغ نيوتن نظريته عن الجاذبية -الشهيرة- تقريبًا عام 1665 أو 1666. لذا في هذا المقال سنتعرف على تاريخ الجاذبية الذي أوصلنا لأشهر المعادلات الرياضية في التاريخ. وهي معادلة نيوتن للجاذبية وكذلك عن أهمية هذه المعادلة وتطبيقاتها وهل قصة تفاحة نيوتن حقًا مختلقة؟

نبذة عن تاريخ وتطور الجاذبية 

على الرغم من أن نيوتن له الفضل في الوصول إلى القانون الشهير للجاذبية المستخدم إلى يومنا. إلا أن للجاذبية تاريخ طويل حقًا فيه علماء كثيرين تفكروا في ماهيتها قبل نيوتن. فمنذ بداية القرن السادس عشر، نشأت وجهات نظر وتطورات من ناحية الظواهر الفيزيائية مثل فكرة التركيب الذري للكون. ويُعدُّ ديموقراطيس من أكثر الفلاسفة المؤثرين وأحد مؤسسي المدرسة الذرية في الفلسفة، والتفكر في المفهوم الذري لطبيعة المادة وأنواع الذرات المختلفة التي تتحرك في الفراغ والتفاعلات بين الذرات وتأثيرها. كذلك في هذا العصر تم توضيح فكرة الفراغ والذرات والتصادمات بينها، فمثلًا وضح «لوكريتيوس-Lucretius» أنه يتم استنتاج الترتيب الزماني و المكاني للظواهر الفيزيائية من خلال طبيعة الذرات وتصادمها داخل الفراغ، أيضًا ذكر مبدأ ثبات المادة وعدم فنائها وذلك ينتمي إلى أساسيات ميتافيزيقيا ديموقراطيس، وبعد ذلك أتت العديد من المفاهيم والتفسيرات للكتلة، فكل ذلك كان بمثابة مقدمات غير مباشرة عن الجاذبية. 

مفهوم الكتلة… الباب للجاذبية

أتت العديد من التفسيرات لمفهوم الكتلة فمثلًا يأتي أرخميدس ليصيغ مفهوم الكتلة كما هو مفهوم حديثًا من خلال أطروحاته في الإحصاء والهيدروستاتيكا، حيث يحدد مركز الكتلة وكذلك يصيغ لأول مرة في تاريخ الميكانيكا قانون الروافع مع تطويره طرق لتحديد المساحات والأحجام ذات الطبيعة المعقدة واقترابه من بعض المفاهيم المتعلقة بطبيعة القوى الفيزيائية وقوة الجاذبية. 

كذلك أتى «نقولاس الكوزاني-Nicholas of Cusa» ليوضح خصائص الكتلة ولهذا العالم تأثير كبير على فكر «جوهانس كيبلر-Johannes Kepler» الذي قدم مقترحات حول فكرة الجاذبية أثناء بحثه في حركة الكواكب. ومن بعد ذلك وفي نفس الفترة -القرون الوسطى- وضح «جون فيلوبونوس-John Philoponus» لأول مرة أهم مفهوم للزخم والذي يمكن اعتباره رائدًا لمفهوم غاليليو عن القصور الذاتي، إذ تتناول نظريته كل من مفهوم الكتلة والحركة، لذا يمكن اعتباره مرتبطًا بمفهوم الجاذبية. 

وتوصل «جوهانس كيبلر-Johannes Kepler» أيضًا إلى فكرة وجود قوة فيزيائية مسؤولة عن إبقاء الكواكب في حركتها حول الشمس وبعدها تطرق لمفهوم الكتلة بشكل أكثر دقة عن من سبقوه، ويقترب من صياغة قانون الجاذبية، وعلى الرغم من عدم توصله له إلا أن عمله أحد أضلاع المثلث المهمة لنظرية الجاذبية لنيوتن.

من علم الحركة لقانون نيوتن! 

يأتي دور العالم «جاليليو جاليلي-Galileo Galilei» ليساهم في الجانب الحركي لحركة الأجسام المادية والتي تنشأ بالأساس تحت تأثير قوة ثابتة مع رفضه لأي تخمين نظري حول الجوهر الحقيقي لمصطلح القوة، وأفكاره هذه أيضًا أحد الأضلاع المساهمة في نشأة قانون الجاذبية. 

 بعد ذلك ينشر نيوتن كتابه الشهير المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية لأول مرة في عام 1687. الذي يقدم فيه الوصف الحركي والديناميكي للظواهر الفيزيائية فيما يتعلق بحركات وتفاعلات الأجسام المادية، ويستطيع نيوتن إعادة صياغة جميع قوانين كيبلر الثلاثة. كما أنهت نظرية الجاذبية لنيوتن كل معارضة لعمل جوهانس كيبلر أي لقوانينه الثلاثة لحركة الكواكب. 

كذلك اعتبر نيوتن الوقت مفهومًا فيزيائيًا أساسيًا، فيعيد عمله صياغة مفاهيم الفضاء والوقت والحركة والكتلة في طبيعتها القصورية والجاذبية ويمهد الطريق نحو الوصف المادي الحديث للواقع. كما يقدم مفهوم القوة في استخدامها الحديث؛ لوصف تفاعل الجاذبية ويميز بين العديد من أنواع القوى الفيزيائية.

إضافة لتوسيعه وجهات نظره حول القضايا العلمية المركزية مثل النظرية المعرفية والمنهجية والقضايا التجريبية. وكذلك القضايا الميتافيزيقية واللاهوتية والتي كان لها دور في تشكيل مفهوم نيوتن عن الطبيعة. وأخيرًا إدراكه المشكلات المفاهيمية وخاصة مشكلة تعريف القصور الذاتي للجسم المادي ومفهوم الفعل عن بُعد.

قصة التفاحة.. ما بين الحقيقة والاختلاق؟ 

تتيح الجمعية الملكية في لندن مخطوطة أصلية تصف كيف اكتشف نيوتن الجاذبية بعد أن شاهد تفاحة تسقط من شجرة في حديقة والدته حينما كان ناظرًا يتأمل من النافذة المطلة على الحديقة، ولكن لم يُروي أنها سقطت على رأسه. والناقل لهذه الرواية هو عالم الآثار ويليام ستوكلي وهو الكاتب للسيرة الذاتية لإسحاق نيوتن. حيث حينما كان معه في لقاء ما، خرج كل منهم بعد العشاء واحتسوا مشروبًا ما في الحديقة تحت أشجار التفاح. وقال له نيوتن أن الموقف الواقعين فيه الآن هو نفسه حينما خطرت في ذهنه فكرة الجاذبية. وقد روى كذلك تلك القصة فولتير الذي قيل بأنه سمعها من كاثرين بارتون ابنة أخت نيوتن وزوجها جون كوندويت وهذا يرجح أنه ربما تكون تلك القصة التي رواها نيوتن صحيحة.

ما هو قانون نيوتن للجاذبية وعلامَ ينص؟ 

يبيّن لنا قانون نيوتن للجاذبية كيف تتجاذب الأجسام -في الكون- ذات الكتلة مع بعضها البعض. وينص على وجود قوة تجاذب بين أي جسمين في الكون، وهذه القوة تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتلتي أي الجسمين وتتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بينهما.

قانون الجاذبية

وتمثل:

F قوة التجاذب بين الأجسام. 

m1, m2 هي كتل الأجسام.

G هو ثابت الجذب العام أو ثابت الجاذبية.

ما هي أهمية وتطبيقات هذا القانون؟ 

لولا الجاذبية لما كنت تقرأ هذا المقال! فأنت ثابت على الأرض ممسكًا هاتفك دون أن تطير أو يطير هاتفك مثلًا، فهذا بفضل الجاذبية! وهذا مثال بسيط، فيُعدّ قانون الجاذبية أساسيًا في الفيزياء الكلاسيكية، إذ يفسر العديد من الظواهر من سقوط التفاحة من الشجرة إلى دوران الكواكب حول الشمس والقمر حول الأرض. ومن تطبيقاته الشهيرة في الفلك أنه يمثل أهمية قصوى في حساب قوة الجاذبية للكواكب أو في حساب مسار الأجسام الفلكية عامة والتنبؤ بحركتها. 

نهايةً -عزيز القارئ- لولا اكتشاف نيوتن للجاذبية وقانونه لمَ توصل العلم إلى مهو عليه الآن. حيث يدخل استخدام هذا القانون في الرياضيات والفيزياء خاصة والتي بدورها ترتبط مع باقي العلوم المختلفة وتساهم في تقدمها. 

المصادر

أوغست كونت .. سيرة ذاتية

ميلاد علم الاجتماع وتطور حركة الفكر

إهتم المفكرون قبل وقت طويل بدراسة المجتمعات التي عاشوا فيها، قبل أن يصبح علم الاجتماع تخصصًا أكاديميًا منفصلا: «أفلاطون- Plato»، «أرسطو-Aristotle»، «كونفوشيوس-Confucius» ، «ابن خلدون-Ibn Khaldun» و «فولتير-Voltaire» كلها جهود مهدت الطريق لعلم الاجتماع الحديث. فمنذ العصور القديمة، كانت العلاقة بين الأفراد والمجتمعات التي ينتمون إليها من أهم الموضوعات التي اشتعلت في رؤوسهم. فقام الفلاسفة القدماء بدراسة العديد من الموضوعات التي تناولها علم الاجتماع الحديث، رغبةً منهم في وصف كيف يكون المجتمع المثالي، بما في ذلك نظريات الصراع الاجتماعي والاقتصاد والتماسك الاجتماعي والقوة. في هذه المقالة أوغست كونت .. سيرة ذاتية سنتناول جهود واحدًا من أهم مؤسسي علم الاجتماع.

في القرن الثالث عشر، اعترف «ما توان لين – Ma Tuan-Lin» وهو مؤرخ صيني، لأول مرة بالديناميكيات الاجتماعية كعنصر أساسي للتطور التاريخي. شهد القرن التالي ظهور المؤرخ الذي يعتبره البعض أول عالم اجتماع في العالم : ابن خلدون. كتب عن العديد من الموضوعات التي  تعتبر محاور أساسية في علم الاجتماع الحديث، إذ وضع أساسًا لكل من علم الاجتماع والاقتصاد الحديث، بما في ذلك نظرية الصراع الاجتماعي ومقارنة الحياة البدوية والمستقرة ووصف للاقتصاد السياسي ودراسة تربط التماسك الاجتماعي للقبيلة بقدرتها على السلطة.

في القرن الثامن عشر، طور فلاسفة عصر التنوير مبادئ عامة يمكن استخدامها لشرح الحياة الاجتماعية. استجاب مفكرون مثل «جون لوك- John Locke» وفولتير و «إيمانويل كانط-Immanuel Kant» و «توماس هوبز-Thomas Hobbes» لما رأوه من علل اجتماعية من خلال الكتابة عن الموضوعات التي كانوا يأملون أن تؤدي إلى الإصلاح الاجتماعي. مثل «ماري وولستونكرافتMary- Wollstonecraft» ، التي كتبت عن ظروف المرأة في المجتمع. تم تجاهل أعمالها منذ فترة طويلة من قبل الهيكل الأكاديمي الذكوري، ولكن منذ 1970s  وقد اعتبر وولستونكرافت على نطاق واسع من أوائل المفكرين النسويين.

شهد أوائل القرن التاسع عشر تغييرات كبيرة مع الثورة الصناعية  وزيادة التنقل  وأنواع جديدة من العمالة. فقد كان أيضًا وقتًا للاضطرابات الاجتماعية والسياسية الكبيرة مع صعود الإمبراطوريات التي عرضت العديد من الناس لأول مرة لمجتمعات وثقافات أخرى غير ثقافاتهم. انتقل الملايين من الناس إلى المدن وتحول الكثير من الناس بعيدًا عن معتقداتهم الدينية التقليدية.

أوغست كونت والد علم الاجتماع

صيغ مصطلح علم الاجتماع لأول مرة في عام 1780 من قبل الكاتب الفرنسي «إيمانويل جوزيف سياس-Emmanuel Joseph» في مخطوطة لم تر النور. وفي عام 1838، اختراع المصطلح ذاته من جديد من قبل أوغست كونت. درس كونت في الأصل ليكون مهندسًا، لكنه أصبح فيما بعد تلميذًا للفيلسوف الاجتماعي «كلود هنري دي روفروي كونت دي سانت سيمون- Henri de Saint-Simon» فكلاهما يعتقد أن علم الاجتماع هو دراسة المجتمع باستخدام نفس الأساليب العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية. كان كونت يأمل في توحيد جميع العلوم تحت علم الاجتماع. وأعرب عن اعتقاده بأن علم الاجتماع يحمل القدرة على تحسين المجتمع وتوجيه النشاط البشري، بما في ذلك العلوم الأخرى. ورأى أنه بمجرد أن يحدد العلماء القوانين التي تحكم المجتمع، يمكن لعلماء الاجتماع معالجة مشاكل مثل سوء التعليم والفقر.[1]

النشأة

طور الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت نظامًا للفلسفة الإيجابية. ورأى أن العلم والتاريخ يتوجان في علم جديد للبشرية، والذي أعطى اسم ” علم الاجتماع. أوغست كونت عالم الرياضيات، فيلسوف العلوم، كبير منهج الوضعية, ثم مؤسس ورئيس كهنة كنيسة الإنسانية، ولد في مونبلييه الفرنسية في 17 يناير 1798، تخلى عن الكاثوليكية المتدينة والملكية لعائلته أثناء مراهقته. دخل مدرسة الفنون التطبيقية في عام 1814 وأثبت نفسه عالم رياضيات وتميز بهذا المجال. لكنه طرد عام 1816 لمشاركته في تمرد طلابي. بعد بقائه في باريس، تمكن من إجراء أبحاث هائلة في الرياضيات والعلوم والاقتصاد والتاريخ والفلسفة. نشأ الفيلسوف الفرنسي أوغست كومت في أعقاب الثورة الفرنسية.تلك الفترة التي  شهد فيها المجتمع الأوروبي صراعًا عنيفًا ومشاعر الاغتراب. فلقد تحطمت الثقة في المعتقدات والمؤسسات الراسخة. قضى كومت الكثير من حياته في تطوير فلسفة لنظام اجتماعي جديد وسط كل الفوضى وعدم اليقين.

ميلاد أفكار كونت

رفض كونت الدين و الحكم، بدلا من ذلك ركز على دراسة المجتمع بمذهب أسماه “علم الاجتماع.” فقد قسم الموضوع إلى فئتين: القوى التي تجمع المجتمع معا “الإحصائيات الاجتماعية” وتلك التي تقود التغيير الاجتماعي “الديناميات الاجتماعية”. تلك الأفكار والأساليب العلمية التي تقدمت كثيرًا في هذا المجال. لعل كان أحد أسئلة كونت المركزية هو كيف تتطور المجتمعات وتتغير؟ منها انطلق إلى أفكاره وفلسفته الخاصة، لذا يعتبر كونت أحد مؤسسي علم الاجتماع، كما يُطلق عليه أبو علم الاجتماع

في التاسعة عشر من عمره، التقى كونت هنري دي روفروي، كونت دي سانت سيمون، وباعتباره ابنا بالتبني الروحي، أصبح سكرتيرًا ومتعاونًا مع الرجل الأكبر سنا حتى عام 1824. العلاقة بين سانت سيمون وكونت بدأت تتوتر على نحو متزايد لأسباب نظرية وشخصية حتى تدهورت في النهاية وانفصلا. كان سيمون مفكرًا بديهيًا مهتمًا بالإصلاح الاجتماعي، فكان طوباويًا. في الوقت ذاته كان كونت مفكرًا علميًا، مما يعني اعتماده المراجعة المنهجية لجميع البيانات المتاحة، مع اقتناع بأنه فقط بعد إعادة تنظيم العلم في مجمله يمكن أن يساعد في حل المشاكل الاجتماعية.

أبرز جهود كونت في علم الاجتماع

فلسفة الوضعية

عادة ما تفهم الوضعية كمصطلح على أنها طريقة معينة للتفكير. بالنسبة لكونت، فالوضعية هي عقيدة تنص على أن المعرفة الحقيقية الوحيدة هي المعرفة العلمية، وأن هذه المعرفة لا يمكن أن تأتي إلا من تأكيد إيجابي للنظريات من خلال طريقة علمية صارمة، ورفض كل شكل من أشكال الميتافيزيقيا.

فالمنهجية هي نتاج إعادة تصنيف منهجية للعلوم ومفهوم عام لتطور الإنسان في التاريخ وفقا لقانون المراحل الثلاث. كان كونت مقتنعا بأنه لا يمكن فهم أي بيانات بشكل كاف إلا في السياق التاريخي. الظواهر واضحة فقط من حيث أصلها ووظيفتها وأهميتها في المسار النسبي للتاريخ البشري.

ولكن على عكس هيجل، رأى كونت أنه لا يوجد روح (قوة معنوية)، فوق التاريخ الذي يجسد نفسه من خلال تقلبات الزمن. يمثل كونت النسبية الراديكالية: كل شيء نسبي؛ هناك الشيء المطلق الوحيد.

الوضعية كمبدأ يجعل جميع الأفكار والأنظمة السابقة نتيجة للظروف التاريخية. الوحدة الوحيدة التي يوفرها نظام الوضعية في تحيزه المضاد للفيزيائي الواضح هي النظام المتأصل للفكر البشري. وهكذا يحاول قانون المراحل الثلاث، الذي اكتشفه في وقت مبكر من عام 1820، إظهار أن تاريخ العقل البشري وتطور العلوم يتبعان نمطًا محددًا يوازي نمو المؤسسات الاجتماعية والسياسية.[3]

قانون المراحل الثلاث

 وفقًا لكونت، يرتكز نظام الوضعية على القانون الطبيعي والتاريخي فإن كل فرع من معرفتنا ملزم بالضرورة بالمرور على التوالي في مساره من خلال ثلاث حالات نظرية مختلفة.

فقانون المراحل الثلاث هو فكرة طورها أوغست كونت، وينص على أن المجتمع ككل وكل علم من العلوم يتطور من خلال ثلاث مراحل تصور عقليًا:

(1) المرحلة اللاهوتية أو الوهمية.

(2) المرحلة الميتافيزيقية أو المجردة.

(3) المرحلة العلمية أو الإيجابية. [4]

تمثل هذه المراحل أنواعا مختلفة ومعارضة من التصور البشري. النوع الأكثر بدائية هو التفكير اللاهوتي، الذي يعتمد على”مغالطة التعاطف” لقراءة التجربة الذاتية في عمليات الطبيعة. يتطور المنظور اللاهوتي بشكل جدلي من خلال الشهوة الجنسية والشرك والتوحيد حيث تفهم الأحداث على أنها متحركة بإرادتهم الخاصة أو بإرادة العديد من الآلهة أو مرسوم كائن واحد أعلى. سياسيًا، توفر الدولة اللاهوتية الاستقرار تحت الملوك المشبعين بالحقوق الإلهية والمدعومة بالقوة العسكرية. مع تقدم الحضارة، تبدأ المرحلة الميتافيزيقية كنقد لهذه المفاهيم باسم النظام الجديد. تتحول الكيانات الخارقة تدريجيًا إلى قوى مجردة تمامًا كما يتم تدوين الحقوق السياسية في أنظمة القانون. في المرحلة النهائية من العلم الإيجابي يتم التخلي عن البحث عن المعرفة المطلقة لصالح تحقيق متواضع ولكن دقيق في القوانين النسبية للطبيعة. يتم استبدال الأوامر الاجتماعية المطلقة والإقطاعية تدريجيا عن طريق زيادة التقدم الاجتماعي الذي تحقق من خلال تطبيق المعرفة العلمية.[2]

رؤية كونت في التعامل مع العلوم

من هذا المسح لتطور الإنسانية كان كونت قادرًا على تعميم منهجية إيجابية محددة. مثل «رينيه ديكارت-René Descartes» ، اعترف كونت بوحدة العلوم. ومع ذلك، لم يكن ذلك من طريقة تفكير لا لبس فيها ولكن التطور المتتالي لقدرة الإنسان على التعامل مع تعقيدات التجربة. كل علم يمتلك طريقة محددة للتحقيق. كانت الرياضيات وعلم الفلك العلوم التي طورها رجال مفكرون في وقت مبكر بسبب بساطتها وعموميتها وتجريدها. لكن الملاحظة وتأطير الفرضيات كان لابد من توسيعها من خلال طريقة التجريب من أجل التعامل مع العلوم الفيزيائية للفيزياء والكيمياء والبيولوجيا. مطلوب طريقة مقارنة أيضا لدراسة العلوم الطبيعية والإنسان والمؤسسات الاجتماعية. [5]

حتى تاريخ العلم والمنهجية يدعم قانون المراحل الثلاث من خلال الكشف عن التسلسل الهرمي للعلوم والاتجاه المنهجي من العام إلى الخاص، ومن البساطة إلى التعقيد. يدرس علم الاجتماع مجتمعات معينة بطريقة معقدة لأن الإنسان هو موضوع وبؤرة هذا الانضباط وهذه الدراسة. يمكن للمرء أن ينظر إلى الفئات الاجتماعية من وجهة نظر “الإحصائيات الاجتماعية”، التي تضم عناصر التماسك والنظام مثل الأسرة والمؤسسات، أو من وجهة نظر” الديناميات الاجتماعية ” التي تحلل مرحلة التطور المستمر التي حققها مجتمع معين.

قانون الثلاث مراحل أمام اختبار الزمن

لم تصمد رؤية كونت للعلم الموحد ولا نموذجه المكون من ثلاث مراحل أمام اختبار الزمن. فبدلا من ذلك، يأتي ذكر كونت لإضفاء توجه إيجابي على علم الاجتماع والطلب على الصرامة العلمية. إذ وجهت الدراسات الاجتماعية المبكرة تشبيها من علم الاجتماع إلى العلوم الطبيعية، مثل الفيزياء أو علم الأحياء. جادل العديد من الباحثين أن علم الاجتماع يجب أن تعتمد المنهجية العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية. هذا النهج العلمي، بدعم من أوغست كومت، هو في لُب الوضعية، وهو التوجه المنهجي مع الهدف الذي هو التحقيق العلمي الدقيق والموضوعي والتنبؤ.

منذ القرن التاسع عشر، وُضعت فكرة الوضعية على نطاق واسع. على الرغم من أن الوضعية لديها الآن مجموعة واسعة من المعاني أكثر مما انطوى عليه ما قصده كونت، إلا أن الإيمان بعلم اجتماع صارم علميًا، ففي جوهره نُفذ بالفعل. كما طبق علماء الاجتماع الحديث المنهج العلمي على البحث الاجتماعي في جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك الحكومات والتعليم والاقتصاد.

اليوم، يستخدم علماء الاجتماع الذين يتبعون التوجه الإيجابي لكونت مجموعة متنوعة من أساليب البحث العلمي. على عكس علماء الطبيعة، نادرًا ما يجري علماء الاجتماع تجارب، لأن الموارد البحثية المحدودة والمبادئ التوجيهية الأخلاقية تمنع التلاعب التجريبي على نطاق واسع للفئات الاجتماعية. ومع ذلك، في بعض الأحيان علماء الاجتماع قادرون على إجراء التجارب الميدانية. على الرغم من أن الأساليب الكمية، مثل الدراسات الاستقصائية، ترتبط بشكل شائع بالوضعية، فإن أي طريقة، كمية أو نوعية، يمكن استخدامها علميا.

في حين يعتبر نهج كونت اليوم طريقة مبسطة للغاية وغير قائمة على أسس سليمة لفهم التنمية الاجتماعية، إلا أنه يكشف عن رؤى مهمة في تفكيره حول الطريقة التي يوحد بها علم الاجتماع، – كجزء من المرحلة الثالثة – العلوم ويحسن المجتمع.

ستة مجلدات من الفلسفة الإيجابية

في عام 1826، بدأ تقديم سلسلة من المحاضرات نخبة من المفكرين الفرنسيين. ومع ذلك، حوالي ثلث الطريق من خلال سلسلة المحاضرات، عانى من انهيار عصبي. على الرغم من الاستشفاء الدوري على مدى السنوات ال 15 المقبلة، أنتج عمله الرئيسي، دورة ستة مجلدات من الفلسفة الإيجابية. في هذا العمل، جادل كومت بأنه  مثل العالم المادي، يعمل المجتمع بموجب مجموعة قوانينه الخاصة.[6]

لمحة خاصة وبزوغ عقيدته “دين الإنسانية”

عززت جهود كونت دراسة المجتمع وتطوير علم الاجتماع. خلال هذا الوقت ، دعم نفسه بمنصب في مدرسة الفنون التطبيقية، لكنه اشتبك مع المسؤولين وتم فصله في عام 1842. في نفس العام, طلق زوجته, «كارولين ماسين – Caroline Massin» بعد 17 سنوات من الزواج. ومنذ ذلك الحين، اعتمد على الأصدقاء والناس لدعمه.

في عام 1844، ارتبط كونت بـ «كلوتيلد دي فو-Clotilde de Vaux» وهي سيدة متزوجة، وهو أرستقراطي وكاتب فرنسي آنذاك. استمرت علاقتها مع كونت الأفلاطونية. بعد وفاتها وفي عام 1846، كتب كونت نظام الحكم الإيجابي. وصاغ مصطلح “دين الإنسانية”. إذ اقترح كونت نظامًا دينيًا قائمًا على العقل والإنسانية، مؤكدًا أن الأخلاق كحجر الزاوية في التنظيم السياسي البشري. [7]

وفاته

واصل كونت صقل وتعزيز “النظام العالمي الجديد”، في محاولة لتوحيد التاريخ وعلم النفس والاقتصاد من خلال الفهم العلمي للمجتمع. نشر عمله على نطاق واسع من قبل المثقفين الأوروبيين وأثر على تفكير كارل ماركس وجون ستيوارت ميل وجورج إليوت. حتى توفي جراء مضاعفات سرطان المعدة في باريس في 5 سبتمبر 1857.

عُرف أوجست كونت على نطاق واسع كمؤسس علم الاجتماع و “دين الإنسانية”. وقد أثرت مساهمات كونت في تاريخ وفلسفة العلوم بشكل حاسم على المنهجيات الإيجابية. صاغ مصطلح “علم الاجتماع” وأعطاه محتواه الأول، كانت له رؤيته الاجتماعية الخاصة، فاعتقد أن علم الاجتماع يمكن – ويجب – أن يكون انعكاسيًا وموسوعيًا وطوباويًا، فقد نظر في مواضيع مثل الشهوة الجنسية والشرك والمصير والحب والعلاقات بين علم الاجتماع والعلوم واللاهوت والثقافة.

المصادر

[1] cuny

[2] journals

[3] britannica

[4] britannica

[5] stanford

[6] lse

[7] victorianweb

فلسفة التنوير وتفكيك المقدس

فلسفة التنوير وتفكيك المقدس

يجب ألا ننظر إلى كل فلسفة باعتبارها حالة تراكمية أو مجموعة من التأملات المجردة التي لا أثر لها في الواقع. كل فلسفة تتأثر بعصرها وتؤثر فيه، إذ يمكن أن نقول بأن الفلسفة لا تفسر العالم وحسب بل تشارك في تغييره أيضًا. ففلسفة التنوير من الفلسفات التي غيرت وجه العالم على نحو جذري وقادت محاولات تفكيك الخطاب المقدس. في القرن الثامن عشر برزت حركة التنوير بشكل مدهش في أوربا وقضت على معظم السرديات التأسيسية في السياسة والفلسفة والاخلاق. في هذا المقال سنسلط الضوء على أهم جوانب وافكار فلسفة التنوير وتداعياتها.

مفهوم التنوير:

في النصف الأول من القرن الثامن عشر، جاء جان جاك روسو بسردية فلسفية سرعان ما تحولت إلى شبح يهدد أوربا. لم تكن سردية التنوير وليدة الصدفة أو حادث عرضي من تاريخ التخبط الفلسفي، إنما كانت مدفوعة بروح الثورة العلمية آنذاك. فكانت للاكتشافات العلمية والتقدم الصناعي دور بارز في حث العالم نحو إيجاد منهجية جديدة لتفسير العالم، إذ أن الحجة الدينية التقليدية كانت تسقط أمام الدليل العلمي. لهذا، نجد في أولى كتابات التنوير الشغف الكبير بالعلم، ففي كتابه (رسائل فلسفية) يتحدث فولتير عن نيوتن بإجلال. حيث اثبتت قوانين نيوتن بإن العالم قابل للتفسير والوصول إلى الحقائق القطعية ممكن.  شعر الإنسان بأن مفاتيح الأسرار الكونية لم تعد بيد السلطة الدينية؛ وهذا ما دفعه للتمرد ضد كافة اشكال التبعية ولإعادة النظر في مكانته.

يحمل التنوير دلالتين ثوريتين: كينونة الإنسان عابرة للهويات الوطنية والدينية والقومية، وبالتالي له وجود كوني. قدرة العقل الإنساني على بناء عالم مضيء ومتنور، بالتالي الإنسان مشروع التنوير. ففي الدلالة الأولى اطاح التنوير بالقوالب الدينية والطبقية التي وضع فيها الإنسان واعلن القطيعة مع التراث القديم. وفي الدلالة الثانية ايقظ القدرة الفكرية للفرد لمعارضة الدور الدين الإرشادي في الفكر والعمل(1).

التنوير الفرنسي:

حمل الفلاسفة الفرنسيون قضية التنوير نحو الأمام مثل مونتسكيو وفولتير وروسو وديدرو وكويسناي وألمبيرت، ولعبوا دورًا بارزًا في زرع روح التفكير المستقل وعرض العقلانية. كما هاجموا عدم المساواة والقسوة والاستغلال في المجتمع الفرنسي وبشروا بمستقبل ليبرالي وتقدمي حر(2). والثورة الفرنسية كانت ثمرة هذه الجهود الفلسفية.

مونتسكيو:

ردًا على الطروح القومية التي تنظر إلى الآخر نظرة دونية وعدائية يقول مونتسكيو بأنني إنسان بالضرورة وفرنسي بالصدفة (3). وسخر من المجتمع الفرنسي وهاجم نظام الحكم المطلق الذي انشأه لويس الرابع عشر والكنيسة الكاثوليكية وجميع طبقات المجتمع(4). في كتابه (روح القوانبين) دعا مونستكيو إلى نظام دستوري من شأنه أن يخدم مصالح الشعب الفرنسي، كما أكد على أن حرية الافراد لا يمكن أبدًا أن تكون آمنة بدون فصل سلطات الحكومة إلى ثلاثة أجهزة مستقلة – تشريعية وقضائية وتنفيذية(2).

فولتير:

يعد فولتير من الفلاسفة الأكثر ارتباطًا بالتنوير ليس فقط لما له من أطروحات تنويرية، فدخوله السجن كان بمثابة توقيع فلسفي على الثورة الفرنسية. هاجم نظام الحكم رغم الاستبداد والعادات والمفاهيم السائدة في المجتمع واعتبر الكنيسة الكاثوليكية كوكر للخرافات ومركزًا للتعصب وترسيخ العبودية(2).

روسو:

فتح جبهته أولًا ضد العقلانية المتمثلة بديكارت، وأسس لعقلانية خصبة قادرة على مواجهة المشاكل الاجتماعية والسياسية. ودافع عن الحريات والحقوق المدنية وحق التمرد ضد النظام حين يفشل في خدمة الناس(2).

التنوير الإنكليزي:

يمثل التنوير الإنكليزي الحجر الأساس لفلسفة التنوير، فاكتشافات نيوتن العلمية هي التي الهمت فلاسفة التنوير الفرنسي. كان لتوماس هوبز وديفيد هيوم وآدم سميث حضورًا مميزًا في بلورة فكرة التنوير على جميع الاصعدة. شارك هوبز في إرساء العقد الاجتماعي والنظام السياسي. أما هيوم فكان رائد التجريبية ونقد الدين، ففسر هيوم الحالة الإنسانية في ضوء العلم التجريبي. وانطلاقًا من دراساته التجريبية انتقد هيوم اللاهوت والمعجزات والتفسيرات الأسطورية. بينما آدم سميث فهو مهندس النظام الاقتصاد السياسي(5).

التنوير الألماني:

وصل التنوير ألمانيا متأخرًا مقارنة مع فرنسا وبريطانيا، كمان أن التنوير الألماني كان يختلف كثيرًا عن باقي الحركات التنويرية لقربه الشديد من الميتافيزيقيا. كان كانط من أبرز فلاسفة التنوير في ألمانيا. حول مفهوم التنوير يقول كانط “التنوير هو انعتاق المرء من حالة العجز الذاتي. العجز هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه الخاص دون توجيه الآخر. اذا لم يكن سبب هذه الحالة، من عدم النضج الذاتي، هو نقص في ملكة الفهم، فهو بالأحرى، نقص في الشجاعة والاقدام لإستخدامها دون إرشاد الاخر. لذلك، يكون شعار التنوير إذن: تحلّ بالشجاعة لاستخدام عقلك بنفسك”(6). فكانط كان من انصار الحرية الفردية، بوصفها الأفق المناسب لفهم العالم.

موقف التنوير الديني:

لم يكن لفلسفة التنوير طرح موحد حول مسألة الإيمان، لكن كان هناك تأويل موحد للأساطير والخرافات الدينية. رفض التنوير العقل الأسطوري والخرافات وسلطة الكنيسة المطلقة.  كانت هناك أربعة اشكال للدين في عصر التنوير: الربوبية، دين القلب، الإيمانية والإلحاد.

الربوبية:

تمثل الربوبية الشكل الديني الأكثر ارتباطًا بعصر التنوير، ووفقًا لها، فأنه بإمكاننا أن نستدل إلى الخالق من خلال العقل وهذا الخالق هو الذي يدير الكون وله خطة، ولا يتدخل الخالق في شؤون الخلق. كما رفضت الربوبية الإيمان الأعمى بالمعجزات وكذلك رفضت ألوهية المسيح بل اعتبرته معلمًا صالحًا(2).

دين القلب:

رفض هذا الاتجاه الطرح الربوبي بحجة أنه يخلق هوة بين الخالق والمخلوق، ويصور الخالق على أنه مجرد مهندس للكون. كان روسو من مؤمني دين القب، فوفقًا لروسو الدين قائم على المشاعر الإنسانية(2).

الإيمانية:

كان كانط من الفلاسفة المؤمنين، وهو أكثر فيلسوف ساهم في نقد الدين التقليدي. يؤمن هذا الإتجاه بإلوهية المسيح وقيامته، فضلًا عن الإيمان بالكتاب المقدس. بالنسبة لوجود الله فهو يقع في حدود المعرفة القبيلة، بحيث يصعب على الإنسان الوصول إلى الكينونة الإلهية السامية على العالم سواء عن طريق التجربة أو العقل. لكن نجد لدى كانط بأنه كان يستدل إلى وجود الله من خلال تصميم الكون والضمير.

الإلحاد:

يعلن الإلحاد حضوره في التنوير الفرنسي بشكل أكبر، فطبقًا لدينيس ديدرو يجب أن نبحث في مبادئ النظام الطبيعي داخل العمليات الطبيعية وليس في كائن خارق متعال على العالم(2).

موقف التنوير الاخلاقي:

قبل عصر التنوير، في الغرب كان التفكير الاخلاقي يتمحور حول العقيدة الدينية المتعلقة بالله والحياة الآخرة. لكن مع بزوغ نجم التنوير، تم قطع اوصال الاخلاق مع تلك الحياة الافتراضية وربطوها بالحياة الدنيا نفسها، داخل الإطار الفلسفي بشكل عام وداخل المجتمع إلى حد ما. فالسعادة بعدما كانت تتحقق برضى السماء والزهد صارت خاصية لعلاقات الإنسان في سياق العالم الحسي.

كانت للحروب المذهبية والقومية في فترة ما قبل التنوير دلالات اخلاقية خطيرة، إذ أن الاخلاق الدينية فشلت في وقف سفك دماء ملايين البشر بل كانت تبرر لتلك الجرائم أحيانًا، ومن هنا برزت الحاجة لإرساء أسس اخلاقية علمانية قادرة على احتواء الإشكالات الاخلاقية.

واجه فلاسفة التنوير تحديات كبيرة في تحديد النظام الاخلاقي، لهذا كان هناك تباين بين الآراء التي ناقشت المسألة الاخلاقية. توماس هوبز كان يميل إلى الاخلاقية الذاتية، ربط بين القيمة الاخلاقية والموضوع الاخلاقي من خلال الانطباع الفردي. فما هو خير هو  موضوع الرغبة أو الشهية، وما هو شر هو موضوع الكراهية والنفور، ورفض هوبز وجود ما هو خير بذاته أو العكس(2). هذه الفكرة فيها نوع من التناقض مع روح التنوير الداعية للعقلانية والموضوعية.

في الطرف المقابل كان كل من صامويل كلارك وإيريل شافتسيري يرفضان نظرة هوبز ويؤكدان على أن ذاتية هوبز تتناقض مع حرية الآخر. وأكدا على اخلاقية موضوعية، بحيث ما هو خير هو ما يحقق مصلحة الجميع(2).

في ألمانيا كان الطرح الاخلاقي مختلفًا، كانت الاخلاق ما زالت تتألق في سماء الميتافيزيقيا. كان يعتبر كانط الحكم الاخلاقي من الاحكام القبلية. رفض كانط النسبية الاخلاقية، فالكذب مثلًا، غير اخلاقي مهما كانت الظروف والاسباب.

اقرأ ايضًا: فلسفة الجنس والجنسانية

موقف التنوير السياسي:

كانت الثورات الإنكليزية (1688) والأمريكية (1877-1783) والفرنسية (1789-1799) قد تأثرت وأثرت في الحركة الفلسفية آنذاك. ففلاسفة التنوير كانوا ينظرون إلى الانظمة السياسية والاجتماعية عصرئد على أنها هشة بما يكفي لتسقط أمام النقد العقلاني؛ لكونها محاطة بالأساطير الدينية والتقاليد الغامضة(2). كان يصعب في عصر تكتشف فيه القوانين التي تحكم الكون أن يؤمن الإنسان بسلطة تفرض عليه العبودية بحجج واهية. كانت تطلعات التنوير تتجه نحو بناء مجتمع يحترم حرية الفرد والمساواة والتنوع الديني والعقائدي. وكان كتاب توماس هوبز اللفياثان يعد كتابًا تأسيسيًا لنظرية التنوير السياسية، ومع أن هوبز كان مناصرًا للسلطة المطلقة إلا أنه كان يؤمن بسلطة يشارك فيها الجميع وتحقق مصلحة الافراد.

 لكن آراء روسو كانت الأكثر إثارة لكونها كانت تمس علاقة الفرد مع السلطة على أساس أن الإنسان غاية والسلطة وسيلة. رأى روسو بأن الديمقراطية الخالصة هي الشكل الوحيد للحكومة التي يمكن من خلالها أن يحقق فيها الفرد حريته. وحرية الفرد تكون ممكنة من خلال الإرادة العامة التي هي إرادة الجهاز السياسي العام، وهذا الجهاز يختاره ويحدده الأفراد بكامل إرادتهم(2).   

موقف التنوير الجمالي:

حسب ما يلاحظه كاسيير فأن القرن الثامن عشر لم يكن عصر الفلسفة وحسب بل هو عصر النقد ايضًا، إذ كان النقد مركزيًا في عصر التنوير. كان لازدهار الجماليات علاقة طردية مع ميول العصر، ألكسندر بومغارتن يعد مؤسس منهجية الجماليات للتنوير، وبالنسبة لومغارتن علم الجماليات هو علم الحواس أو الإداراك الحسي. لم يعول التنوير على الجماليات النومينية والمثالية، إنما بحث في العلاقة الجمالية بين الموضوع الجميل والذات المدركة والمتعة الناتجة منها(2).

وفي ألمانيا أسس كريستان وولف لعقلانية ميتافيزيقية للتفكير الجمالي، ويؤكد على أن الجمال حقيقة مدركة من خلال الشعور بالمتعة. يرى وولف بأن الجمال هو الكمال الموجود في الموضوع، فالموضوع فيه نسق وترتيب وانسجام، وبالتالي فأننا نقول عن شيء ما جميل لما له من الانسجام والكمال. لذا، طبقًا لوولف الجمال هو الإداراك الحسي للكمال(2).  

الخلاصة:

منذ أن سادت الفلسفة الأرسطية العالم -المسيحي خاصة- لم تحدث ثورة فلسفية تضاهي ثورة التنوير. فعصر النهضة لم يحقق الكثير إلا على المستوى الفني والجمالي، والعقلانية ابت أن تتحرر من المنطق القديم. ما حققه التنوير أثر في كل العالم، سواء من خلال إعادة تأويل وتفكيك النص المقدس أو نقد الخطاب السياسي والإجتماعي أو تبنيه المنهجية العلمية. كما يقدم التنوير تحديات قاسية لكل مجتمع يدعو إلى التغيير، فكل محاولة إصلاحية تلازمها ضرورة إعادة هيكلة الخطاب الديني والسياسي، لا يمكن لأي تقدم أن يحصل فعليًا دون أن تكون العقلانية والمنهجية العلمية أداةً لها. إذ أن التنوير هو دعوة إلى تفكيك كل خطاب ديني ودنيوبي.

المصادر:

  1. https://plato.stanford.edu/entries/enlightenment/#RatEnl
  2. https://www.historytuitions.com/world-history/french-revolution/#Role_of_Philosophers_in_French_Revolution
  3. https://plato.stanford.edu/entries/montesquieu/
  4. https://www.encyclopedia.com/humanities/culture-magazines/french-literature-during-enlightenment
  5. https://www.encyclopedia.com/religion/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/enlightenment-philosophy
  6. http://www.columbia.edu/acis/ets/CCREAD/etscc/kant.html
Exit mobile version