ما هي العناصر الأرضية النادرة، وفيمَ تستخدم؟

هذه المقالة هي الجزء 13 من 22 في سلسلة موضوعات تأسيسية في الطاقة المتجددة

تعد المواد الخام أهم عائق يحول دون تحقيق النقلة المرجوة من مصادر الطاقة الحالية إلى مصادر متجددة نظيفة. في معظم دول العالم وأهمها الاتحاد الأوروبي، أسهمت الحاجة الماسة لمواد تحقق هذه النقلة في خلق زخم بحثي تُوج بعدة نتائج ربما لم تتناسب في النهاية مع ما هو متاح في السوق العالمية. فالتركيز كان نحو العناصر الأرضية النادرة، والتي يشكل عدم توفرها عائقًا أمام استخدامها على مدى اقتصادي وتجاري واسع. كونها ليست في متناول جميع الأقطار، أدى هذا إلى خلق تداعيات سياسية واقتصادية بدأنا نشهدها في الأعوام الأخيرة.[1] فما هي العناصر الأرضية النادرة، وفيمَ تستخدم؟

العناصر الأرضية النادرة

هي عبارة عن مجموعة من سبعة عشر عنصر كيميائي في الجدول الدوري، وتحديدًا السكانديوم، الإتريوم، واللانثانيدات. يعتبر السكاندوم والإتريوم عناصر أرضية نادرة بسبب ظهورها في الفلزات مع اللانثانيدات وبسبب خواصها الكيميائية المشابهة لها. أطلق اسم “نادرة” على هذه العناصر بسبب قلة الأماكن التي كانت تستخرج منها سابقا، إلا أنه مؤخرًا فإنه يعثر على تركيز عالٍ نسبيًا من هذه العناصر في القشرة الأرضية.[2] تستخدم هذه المواد في تطبيقات التقنيات الحديثة على نطاق واسع، وأهمها: النيوديميوم، والباراسيوديميوم، والديسبروسيم، والتربيوم؛ والتي تدخل جميعها في صناعة المغناطيس الدائم المسمى ب ” نيوديميوم- حديد- البورون” «NdFeB».

العناصر الأرضية النادرة سياسيًا

كما ذكر سابقًا، من الممكن العثور على هذه المعادن بتركيز عالٍ نسبيًا في القشرة الأرضية، إلا إن ارتفاع تكلفتها يعزو إلى عملية استخراجها المعقدة بسبب عدم تواجدها بصورتها النقية في الطبيعة، عدا أن توزيعها الجغرافي متباين بحد ذاته.
فتركز معظم المناجم في الصين سبب ندرة تنوع لهذه الثروة، واحتياج السوق العالمية لهذه المواد جعل منها سلاح جيوسياسي فعال تستخدمه الصين لتوسيع نفوذها، وتلوح به كورقة ضغط في المفاوضات السياسية والتجارية.

علاوة على ذلك، قامت الصين بتوسيع أعمال الحفر والتعدين في مناجمها والمناطق الخاضعة لسيطرتها كخطوة لزيادة إنتاج الأجزاء ذات القيمة السوقية المرتفعة، مثل: السبائك، والمغناطيس الدائم، مطالبة بريادة عالمية وهيمنة في سلسلة القيمة لهذه الصناعة بشكل مكتمل، تنفيذًا للخطة الإستراتيجية للحزب الحاكم لعام ٢٠٢٥.

فبعد حدوث أزمة المعادن النادرة بين عامي ٢٠١٠ – ٢٠١١؛ الناتجة عن تذبذب أسعارها ما بين صعود مفاجئ وانخفاض حاد، تزايد التوتر العالمي، مما دفع إلى تشكل وعي جمعي في المجتمع الدولي بضرورة دعم مشاريع البحث والتعدين في هذا المجال.

فتعددت الندوات المتخصصة المقامة، ودشنت نشاطها بإنشاء أول مؤسسة عالمية«Rare earth industrial association» تعنى بصناعة المعادن النادرة عام ٢٠١٩.[1]

المغناطيس الدائم «NdFeB»

طُور مغناطيس «NdFeB» لأول مرة عام ١٩٨٤ عبر جنرال موتورز، ومؤسسة سوميتومو«General Motors and Sumitomo Corporation»، استحدثت المؤسستان السبيكة بشكل منفرد وعبر طرق تصنيع مختلفة تمامًا، وكانت النتيجة مغناطيس دائم مشبع «Bonded permanent magnets» من صنع جنرال موتورز ، ومغناطيس دائم متكلس«Sintered permanent magnets» من صنع سوميتومو.

تتكون هذه السبائك من النيوديميوم، والباراسيوديميوم، والديسبروسيم، والتربيوم. بينما يساهم كلًا من النيوديميوم، والباراسيوديميوم في زيادة صلابة المغناطيس، يعمل كلًا من الديسبروسيم، والتربيوم على تحسين قابلية التمغنط خصوصًا في درجات الحرارة العالية.

من الممكن التلاعب في نسب المواد في المركب لإنتاج خواص مغنطة مختلفة. فمن الممكن استبدال النيوديميوم، والباراسيوديميوم بعناصر أخرى بصورة محدودة خاضعة لشروط مواصفات التشغيل.

في السنوات القليلة السابقة، ركزت معظم الأبحاث على الاستفادة القصوى من استخدام الديسبروسيم، والتربيوم، بالرغم من تكلفتهما العالية.[1,3]

استخدام «NdFeB» في تقنيات الطاقة الحديثة

منذ بزوغ فجرها في عام ٢٠٠٥، بشرت مولدات المغناطيس الدائم، خصوصًا تلك المستخدمة في عنفات السواحل، بمرحلة جديدة لقدرتها على إنتاج كمية عالية من الكهرباء، وبكفاءة عالية رغم صغر حجمها، فاتحة المجال لزيادة الإنتاج السنوي من الطاقة بتكاليف أقل.

يحتوي المغناطيس المستخدم في مولدات عنفات الرياح على ٢٨.٥% نيوديميوم، ٤.٤ باراسيوديميوم، ١% بورون، ٦٦% حديد، بوزن يصل إلى ٤ طن.

بعد التداعيات السياسية الأخيرة، توالت الجهود لتقليص محتويات المغناطيس الدائم من المعادن النادرة في مولدات عنفات الرياح. فعلى سبيل المثال، خفضت شركة سيمنز جيميزا للطاقة المتجددة«Siemens Gamesa Renewable Energy» نسبة الديسبروسيم في مولداتها إلى نسبة أقل من ١%. وفي خطوة أكثر جرأة، طورت «GreenSpur Renewables» نموذج لمولدات ذات مغناطيس حديدي خال من المعادن النادرة، وبعد مروره بعدة مراحل اختبارية ناجحة، ستبدأ الشركة بتسويقه تجاريًا.

حاليًا، عدة نماذج تم اختبارها بنجاح لمولدات ذات ١٢ ميجا واط، مع الوصول إلى ٢٠ ميجا واط في ٢٠٢٢. مع أن معظم المحاولات تسير في اتجاه تقليص استخدام المعادن النادرة، لا يزال العالم بعيد عن تطوير مغناطيس دائم فعال خال من عناصر الأرض.

مستقبلًا، يمكن للبدائل أن تتضمن مولدات بمغناطيس ذو توصيلية فائقة «superconductor-based generators»، كتلك المختبرة في مشروع إيكو سوينج«EcoSwing project» والتي تم تمويلها من قبل الاتحاد الأوروبي. أحد الحلول البديلة يشمل استخدام المولدات الهجينة «hybrid drive generators»، والتي تستخدم مغناطيس دائم صغير مقارنة بالنوع العادي. الأخير يمكن أن يخفض الاعتماد على المعادن النادرة بنسبة ثلثين في العنفة الواحدة. مع هذا، تبقى كل الخيارات المتاحة بحاجة للكثير من التطوير والدراسة لتصبح مؤهلة لاستبدال المعادن النادرة.[1,3]

[1]THE ROLE OF RARE EARTH ELEMENTS IN WIND ENERGY AND ELECTRIC MOBILITY
[2] Rare-earth element
[3]Critical Materials for the Energy Transition – IRENA

عائلة اللغات الصينية التبتية

هذه المقالة هي الجزء 3 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

تعد عائلة اللغات الصينية التبتية (Sino-Tibetan Languages) من العائلات اللغوية الأساسية. وتصنف على أنها ثاني أكبر عائلة من ناحية عدد المتحدثين، حيث يبلغ عدد الناطقين بلغاتٍ تنتمي إلى هذه العائلة حوالي 1,4 مليار شخص في العالم. ومن جهة عدد اللغات التي تضمها، فيوجد تقريباً 455 لغة صينية تبتية [1].

عائلة اللغات الصينية التبتية

تصنيف اللغات ضمن العائلة

تنتشر عائلة اللغات الصينية التبتية في الصين ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك في بورما ونيبال والهند [2]. وتعتبر دراسة هذه العائلة في علم اللغويات حديثة العهد، إذ لم ينشط الاهتمام بها إلا منذ حوالي 50 عاماً. في البداية، سعى الباحثون منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى تحديد مكان اللغة الصينية في سياق أوسع من ناحية أصلها. وكان الاعتماد في هذا على العلاقة بين اللغتين الصينية والتبتية من جهة، وبين التبتية والبورمية من جهة أخرى. وبالعموم، أدت دراسة هاتين العلاقتين إلى توضيح بعض المفاهيم الغامضة حول عائلة لغاتٍ هندية صينية. وفيما يتعلق بمصطلح “الصينية التبتية،” كان أول من استخدمه روبرت شافير (Robert Shafer) الذي قاد مجموعة أبحاث لغوية في جامعة كاليفورنيا في ثلاثينيات القرن العشرين. وفي دراسته، قسم شافير هذه العائلة إلى ثلاث مكونات هي المكون الصيني، والمكون التبتي البورمي، والمكون الأخير وهو تاي-كاداي أو دايك [2] [3].

أصل اللغات الصينية التبتية

تشير الدراسات إلى أن موطن أصل هذه العائلة، والمتمثل باللغة الصينية التبتية البدائية (Proto-Sino-Tibetan)، يقع في منطقة الهيمالايا حيث تنبع الأنهار الكبيرة في آسيا كالنهر الأصفر (Yellow River) ونهر يانجتسي (Yangtze River) ونهر ميكتونغ (Mekong River) [2].

اعتمد أحد الأبحاث على تحليل هذه العائلة وفق علم الوراثة العرقي. وفيه، جمع الباحثون قاعدة بياناتٍ تضمّ 180 مفردةً أساسية من 50 لغة صينية تبتية قديمة تعود إلى أكثر من ألف عامٍ، كاللغات الصينية القديمة، والبورمية القديمة، والتبتية القديمة، إضافة إلى لغات حديثة. ثم قاموا بتحديد الكلمات التي تعود إلى أصل مشترك. كما درسوا لفظ هذه الكلمات لتبيان ما هي الأصوات التي قد تكون مرتبطة ببعضها. ومن بين الصعوبات التي واجهها هذا البحث هو وجود كلماتٍ استعارتها اللغات من بعضها، ولم تكن هذه الحالات بالقليلة. لكنّ المعرفة الجيدة لتاريخ لغاتٍ محددة، واستخدام تقنيات طورت خصيصاً لاكتشاف تاريخ استعارة الكلمات، أدى إلى تجاوز تلك العقبة. وبالاعتماد على طرائق حاسوبية، استطاع فريق البحث استخلاص العلاقات المحتملة بين هذه اللغات، ومن ثم تقدير الفترة الزمنية التي نشأت فيها. فكانت النتيجة التي رجحتها تقديرات الباحثين أن اللغة السلف لعائلة اللغات الصينية التبتية ظهرت قبل حوالي 7200 سنة في شمال الصين، وكان يتحدثها مزارعو الدخن [4] [5].

المجموعات الفرعية للعائلة الصينية التبتية

يمكن تقسيم هذه العائلة إلى مجموعات فرعية، وبالعودة إلى روبرت شافير، توجد ثلاث تقسيمات أساسية ضمن هذه العائلة الأمّ. أولاً، هناك الفرع الصيني (Chinese)، ويشير إلى اللغة الصينية ذات الأهمية الكبيرة في العالم. ويعرّف بعض الباحثين مرحلتين لتطور هذه اللغة وهما اللغة الصينية القديمة، واللغة الصينية المتوسطة [2].

ثانياً، يوجد الفرع المسمى التبتي البورمي (Tibeto-Burman)، والذي يضم اللغات المحكية في منطقة واسعة تمتد من هضبة التبت في الشمال إلى شبه جزيرة مالايو في الجنوب، ومن شمالي باكستان في الغرب إلى شمال شرق فيتنام في الشرق [6].

ثم في كتاب “مقدمة إلى اللغات الصينية التبتية” التي نشر في عام 1966، تحدث شافير عن القسم الفرعي الثالث وهو لغات تاي-كاداي أو دايك (Tai/Daic). وتضم هذه اللغات التايلاندية (السيامية) واللاوية وغيرها من اللغات كتلك المحكية في فيتنام [7].

وأخيراً، يمكن الحديث عن مجموعة فرعية أخرى وهي المجموعة الأصغر وتدعى اللغات الكارينية (Karen) ويتحدثها حوالي 3 مليون شخصاً متواجدون في جنوبي بورما وغرب تايلاند [8].

بعض المجموعات الفرعية ضمن العائلة الصينية التبتية

المصادر

  1. Ethnologue
  2. The Sino-Tibetan Language Family
  3. Britannica
  4. Origin of Sino-Tibetan Language Family Revealed by New Research
  5. Dated language phylogenies shed light on the ancestry of Sino-Tibetan
  6. MustGo
  7. Tai languages
  8. Babbel Magazine

تاريخ الكتابة

ما الذي له اليد الطولى في وصول العالم إلى ما هو عليه الآن؟ بالطبع، ليس هناك سبب واحد للتطور الحضاري. لكن ثمة أسباب معينة كانت وراء انتقال البشرية من استخدام العصا إلى استخدام الأجهزة الذكية. قد يقول البعض بأن النار هي مفتاح الحضارة، وهم محقون في ذلك. وقد يعول البعض على الخيال الأسطوري الذي مهد إلى معرفتنا الحالية بالعالم والكون، وهم بدورهم على الصواب. بيد أن الكتابة هي العنصر الأكثر فاعلية في رحلة الإنسان الشاقة نحو المزيد من المعرفة. هذه الأداة التي أُستخدمت قبل آلاف الأعوام في بلاد ما بين النهرين لأغراض تجارية هي الحارس الوحيد لاقتصادنا المعرفي. فتاريخ التقدم البشري هو على الأغلب تاريخ الكتابة، أو على الأقل لما كان هناك أي نقاش دون وجود هذه العلامات ذات البعدين. فسنخصص هذا المقال في البحث عن تاريخ الكتابة.

ما قبل الكتابة

إذا كانت اللغة المنطوقة هي أساس بناء علاقة أفقية مع الآخر في حدود زمانية ومكانية محددة، فالكتابة هي دعوة للحوار العمودي بين الأسلاف والاخلاف. تسعى اللغة المنطوقة إلى أهداف آنية وتواصل آني سرعان ما يُنسى. في حين، الكتابة هي مقاومة الزمن في سعي مستمر نحو أهداف طويلة المدى.

مع أن الكتابة لعبت دورًا مشابهًا للدور الذي لعبته النار في الحضارة البشرية، إلا أن تاريخ الكتابة فتي وقصير جدًا. اللغة المنطوقة سبقت المكتوبة بآلاف السنين ولا نعرف لماذا تكاسل البشر في هذا الاكتشاف. لكن، الكتابة ما هي إلا شكلٌ من أشكال التواصل الحر العمودي؛ ترك البشر الكثير من الرموز الأخرى لإقامة علاقة معنا. فالرسومات الفنية على جدران الكهوف تمثل بدورها نوعًا من اللغة المكتوبة ومع تفسير تلك الرسومات يمكن فهم الكثير عن الحالة البشرية قبل عشرات الآلاف من الأعوام.

الكتابة هي المظهر المادي للغة المنطوقة. ويُعتقد بأن البشر قد طوروا هذا المظهر المادي حوالي (50000 إلى 35000 ق.م) كما هو واضح من الرسوم الكهفية في عصر إنسان كرو-ماجنون. فتلك الرسومات كانت تعبر عن مفاهيم من الحياة اليومية، كرحلة صيد وما وقع فيها من الأحداث على سبيل المثال(1).

تاريخ الكتابة

الرموز الممهدة للكتابة

كان السلف المباشر لخط بلاد ما بين النهرين عبارة عن جهاز تسجيل (Recording Device) يتكون من قطع طينية ذات أشكال متعددة. تم العثور على الكثير من تلك الاشكال الطينية الهندسية مثل المخاريط والأسطوانات والأقراص والاشكال البيضوية  وهي تعود إلى 8000 إلى 3000 ق.م. هذه الاشكال تجسدت رموز دلالية ونظام من الإشارات لنقل المعلومات. على سبيل المثال، كان المخروط والكرة يمثلان على التوالي مقدارًا صغيرًا أو كبيرًا من الحبوب(2). بيد أن هذه الاشكال لم يكن لها سياق قواعدي. قثلاثة مخاريط وثلاث بيضات متناثرة بأي شكل من الأشكال كان من المقرر ترجمتها “ثلاث سلال من الحبوب، وثلاث أوعية زيت”(2).

الكتابة التصويرية

بعد أربعة آلاف عام، أدى النظام الرمزي (Token System) إلى الكتابة. حيث حل الخط (Script) محل العدادات (Counters) في كل من بلاد السومر وعيلام عندما كانت الأخيرة تحت الحكم السومري في فترة 3500 ق.م. كان يتم تخزين الرموز (Tokens) في مظاريف طينية مسدودة، من المرجح كانت تمثل الديون، ويقوم المحاسبين بوضع علامة خطية على تلك المظاريف. وتلك العلامات كانت أولى علامات الكتابة(2). بيد أن التحول هذا لم يكن كبيرًا ولم تتحرر الكتابة بعد من نظام الرمز سوى في تحويل الرموز من ثلاثية الأبعاد إلى ثنائية الأبعاد. كان الخروج الرئيسي الوحيد من نظام الرمز يتمثل في إنشاء نوعين متميزين من العلامات(signs): الرسوم التصويرية المحفورة(incised pictographs) والأرقام المؤثرة (impressed numerals). بدأ هذا المزيج من العلامات في التقسيم الدلالي بين العنصر المحسوب والرقم(2).

اقرأ أيضًا: ملخص كتاب دروس من التاريخ لويل ديورانت

اللوغرام

المرحلة الثانية في تطور الكتابة تبدأ من حوالي 3000 ق.م. وذلك عند إنشاء علامات صوتية، بحيث تحولت العلامة الكتابية من عالم البصر إلى عالم السمع.

مع بناء الدولة، تطلبت اللوائح الجديدة تسجيل أسماء الأفراد الذين استلموا البضائع المسجلة على الألواح الطينية. وكانت العلامة الكتابية تكون بمثابة صورة ومحاكاة للعلامة المنطوقة، على سبيل المثال، يمكن كتابة اسم ربيع بعلامة دالة لفصل الربيع. وفي حال العبارات كان يتم استخدام رموز دالة وحسب لا الأفعال. هذه المرحلة من تطور خط بلاد ما بين النهرين والتي تميزت بإنشاء العلامات الصوتية، لم تؤدي فقط إلى فصل الكتابة عن المحاسبة ، بل أدت أيضًا إلى انتشارها من سومر إلى المناطق المجاورة، الحضارة المصرية على سبيل المثال(2).

ظهور الأبجدية

بدأت المرحلة الثالثة من تطور الكتابة حوالي 1500 ق.م مع اختراع الأبجدية. الأبجدية الأولى والتي تسمى بالسينائية (Porto-Sinaitic) والتي نشأت في أرض لبنان الحالية تأسست على حقيقية أن كل لغة تتألف من عدد محدد من الحروف وكل حرف يمثل صوتًا(2).

وكان قد حدث الانتقال من الكتابة المسمارية إلى الأبجدية في الشرق الأدنى القديم على مدى قرون. هذه الثورة المعرفية العظمى صدرها الشرق إلى بلاد الأغريق من خلال التجار الفينيقيين أبان القرن الثامن قبل الميلاد.

الجدير بالإشارة هو أن الفيضانات التي كانت تحدث في بلاد ما بين النهرين كان لها دور في ابتكار الأبجدية. حيث وجدت المجتمعات التي بنت المدن المبكرة أنها بحاجة إلى الاحتفاظ بسجلات لمخزوناتها وممتلكاتها وتجارتها(3).

الكتابة في مصر

منذ عام 3200 ق.م فصاعدًا، ظهرت الكتابة المصرية الهيروغليفية على ألواح عاجية صغيرة تُستخدم كملصقات للبضائع الجنائزية في المقابر. و تم العثور على الكتابة بالحبر باستخدام فرش وأقلام القصب لأول مرة في مصر. عُرفت هذه الكتابة بالحبر في اليونانية بالهيراتيكية (النص الكهنوتي) ، في حين أن الأحرف المنحوتة والمرسومة التي نراها على الآثار تسمى الهيروغليفية (المنحوتات المقدسة).

وكان للكتابة في مصر وظيفتان: الأولى كانت احتفالية وكانت كتابة منحوتة، والأخرى كانت في خدمة الإدارات الملكية والمعابد وكانت مكتوبة(4).

الكتابة في الصين

تطورت الكتابة في الصين من طقوس العرافة باستخدام عظام أوراكل عام 1200 قبل الميلاد. يبدو أن الكتابة الصينية نشأت بشكل مستقل، حيث لا يوجد دليل على انتقال ثقافي في هذا الوقت بين الصين وبلاد ما بين النهرين. تضمنت ممارسة العرافة الصينية القديمة نقوشًا على العظام أو الأصداف التي تم تسخينها بعد ذلك حتى تشققها. ومن ثم يتم تفسير الشقوق بواسطة العراف (Diviner) إذا كان هذا العراف قد حفر “الثلاثاء القادم سوف تمطر” و “الثلاثاء القادم لن تمطر” فإن نمط الشقوق على العظم أو الصدفة سيخبره ما هو الحال. بمرور الوقت ، تطورت هذه النقوش إلى النص الصيني(1).

تسجل عظام أوراكل هذه (شفرات كتف الثيران والسلاحف) الاسئلة التي طُرحت على النسب الملكي حول مواضيع متنوعة مثل تناوب المحاصيل والحرب والولادة وحتى وجع الأسنان. حتى الآن، تم العثور على ما يقرب من 150000 نموذج لمثل هذه العظام، تحتوي على أكثر من 4500 رمز مختلف، يمكن تحديد العديد منها على أنها أسلاف الأحرف الصينية التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم(4).

الخلاصة

منذ اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين بدأت الحضارة ترتقي أكثر فأكثر. فاللغة قديمة جدًا، لكنها لم تكن قادرة على القيام بوظيفتها الكاملة دون وجود الكتابة. العالم نفسه لما كان سيكون بهذا الشكل لولا الهبة التي قدمتها لنا الكتابة. لما كنا سنعرف ملحمة جلجامش ولا الفلسفة اليونانية ولا كتاب مبادئ الرياضيات ولا حتى النصوص الدينية. ثمة أمر مثير للإهتمام في تاريخ الكتابة ألا وهو حدوثها الحتمي. إذ أن الكتابة كانت ستكون حتى دون أن يجازف السومريون؛ فحسب الأدلة التاريخية تمكن الصينيون من اختراع نظام للكتابة خاص بهم بمنأى عن السومريين. والكتابة لم تأتي فجأة بشكلها الحالي إنما تطورت بما يخدم الحاجات البشرية.

المصادر:

  1. ancient.eu
  2. sites.utexas.edu
  3. sciencedirect
  4. bl.uk

اللقاح الصيني .. كل ما تريد معرفته عنه

في هذا الوقت من العام الماضي اجتاح فيروس كورونا العالم بدايةً من مدينة ووهان الصينية وصولًا إلى كل بقعة من الأرض. مع مرور عام كامل على هذه الجائحة ظهرت اللقاحات والتي تقدم بدورها بعض الحماية في مواجهة هذا الخطر المستمر. مع بداية توزيع اللقاح الصيني حول العالم ظهرت حالة من القلق العام. فالبعض يشكك في دقة نتائج اللقاح ويرى أنها تستخدمنا كفئران تجارب للمرحلة الثالثة، ويشكك البعض الآخر في سياسة الصين نفسها! أنها ربما صنعت الفيروس من البداية وأن اللقاح وسيلة للتحكم في اقتصاد العالم. ربما تبدو هذه الأفكار غريبة ولكنها ليست كذلك في ظل حالة القلق والتشوش التي يمر بها الجميع. في هذا المقال سنتحدث عن اللقاح الصيني وسنجيب عن بعض التساؤلات بشأنه.

توزيع اللقاح الصيني

في هذا الأسبوع وصلت أول شحنة من اللقاح الصيني التابع لشركة (Sinovac) إلى إندونيسيا استعدادًا لبدء التطعيمات بعد الموافقة المحلية المتوقعة بالطبع. وقبل ذلك وافقت الحكومة الصينية على العديد من اللقاحات، وذلك لاستخدامها في حالات الطوارئ، وبالفعل تم تطعيم أكثر من مليون صيني بتلك اللقاحات. (1)

الاختبارات التجريبية على اللقاح الصيني

في 29 فبراير وبعد أقل من شهرين من تفشي الفيروس. وقفت عالمة الفيروسات واللواء العسكري تشين وي أمام علم الصين الشيوعي هي وستة من العلماء العسكريين في فريقها، وتلقوا اللقاح التجريبي للفيروس. من ثم وصلت إلى مدينة ووهان مع فريقها من أكاديمية العلوم الطبية والعسكرية ليساهموا في تطوير لقاح شركة (CanSino Biologics). وقتها تداولت الأخبار أن تلقيهم للقاح التجريبي مجرد كذب، إلا أن الباحث في الأكاديمية هو لي هوا أكد على صحة الأخبار وصرح بأنها كانت لحمايتهم في المدينة الأكثر تضررًا. شارك مليون متطوع صيني في تلقي اللقاحات التجريبية، دون الانتهاء من المراحل السريرية، الأمر الذي سبب قلقًا للعلماء حول العالم.

هل هناك أكثر من لقاح صيني؟

يظن البعض أن هناك لقاح صيني واحد فقط، وهذا ليس بصحيح، فقد طورت الصين خمس لقاحات من خلال أربع شركات منتجة. تلك اللقاحات تعتمد على التقنيات التقليدية من تعطيل نشاط الفيروس ومن ثم حقنه في الجسم. (2) استخدام تلك التقنية يمنح اللقاحات الصينية بعض المميزات. على سبيل المثال التخزين، فعلى عكس لقاح فايزر يمكن تخزين اللقاح الصيني في درجة حرارة الثلاجة العادية من 2-8 درجة سليزية. (2) في حين أن لقاح فايزر يتطلب التخزين في درجة حرارة -70 سليزية.

أربع شركات صينية تصنع اللقاح!

1- شركة sinovac

وهي شركة صينية خاصة مهتمة بتطوير وتصنيع اللقاحات، طورت من قبل خمسة لقاحات للبشر ولقاح للحيوانات. (1) تعتمد شركة (sinovac) في تصنيع لقاح كورونا والذي يسمى (CoronaVac) على تقنية تقليدية. يُزرع الفيروس في المعمل ومن ثم يعطَّل ببعض المواد الكيميائية، والتي تساعد في إيقاف عملية التكاثر للفيروس. ولكن في أكتوبر الماضي رُصدت حالة وفاة لأحد المتطوعين في البرازيل. بعدها أوقفت السلطات البرازيلية التجارب السريرية الثالثة. ولكنها عادت واُستكملت بعد أن صرحت السلطات البرازيلية بأن الوفاة لم تكن بسبب اللقاح.

2- شركة Sinopharm

هي شركة تابعة للدولة وقد طورت العديد من اللقاحات والأدوية، وتعتمد على نفس تقنية شركة (sinovac). تطور الشركة لقاحين وكانت نتائجهم في المرحلتين الأولى والثانية مبشرة، وما زالت المرحلة الثالثة مستمرة. في سبتمبر الماضي وافقت دولة الإمارات المتحدة على الاستخدام الطارئ لأحد لقاحات شركة (sinopharma) كامتداد لتجارب السريرية الثالثة والتي تم إجراؤها على 31.000 متطوع. (1)

3- شركة (CanSino Biologics)

هي شركة صينية شاركت مع الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية والعسكرية على تطوير لقاح كورونا على أساس غدي. فالفيروس الغدي لا يسبب المرض ولكنه يُوصل بروتين الفيروس للجسم. التجارب السريرية الأولى والثانية كانت ناجحة، وتم الموافقة على الاستخدام المحدود له من قبل الصين. كما أن التجارب السريرية الثالثة بدأت في أغسطس في بعض الدول من ضمنها المملكة العربية السعودية. (1)

4- شركة (Anhui Zhifei Longcom Biopharmaceutical)

طورت الشركة لقاح يعتمد على تقنية الوحدة البروتينية الفرعية، والتي تستخدم قطعة نقية من الفيروس وتنشط من الاستجابة المناعية. حتى الآن لم تظهر أي تقارير عن المرحلة الأولى والثانية. (1)

لما لا تُطبق المرحلة السريرية الثالثة في الصين؟

بعد انتشار الفيروس في أرجاء الصين. أظهرت الدولة جهود منقطعة النظير في السيطرة على المرض من خلال العزل القسري للحالات واختبار بمدن بأكملها. لكن انتشار المرض في الولايات المتحدة ساعد في زيادة نتائج تجارب الفعالية للقاح. فيقول عالم الأوبئة (راي يب-Ray Yip)” إذا كان في الصين حالات أكثر، كان بإمكانهم إنهاء تجارب فعالية اللقاح قبل الجميع”. (3) ولكن الصين سيطرت سيطرة كاملة على الفيروس وبالتالي بدأت التجارب السريرية في دول أخرى مثل البرازيل وتركيا وإندونيسيا. كما أنه يقول بإن الصين تعلم بأنها لا تحتاج إلى اللقاحات بصورة ضرورية محليًا، لأنها سيطرت إلى حد كبير على الوباء. هي فقط تلعب لعبة عالمية فهي ترسل اللقاحات وتشارك تقنياتها مع الدول التي تجرب اللقاحات على متطوعيها. يقول (يان تشونغ هوانغ- Yanzhong Huang)، أخصائي الصحة العالمية في كل من جامعة (سيتون هول-Seton Hall) ومجلس العلاقات الخارجية: “أن الصين تستغل اللقاح لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية، كما أنها تحاول ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة”. (3) ويُرجح بعض المختصين أن سياسة الصين تهدف إلى الهيمنة على الاقتصاد الحيوي للعقد العام.

ما علاقة اللقاح بالسياسة؟

في 3 نوفمبر نشر الشيخ محمد بن راشد أل مكتوم تغريدة لصورته وفيها يتمنى للجميع الصحة والسلامة، وهو يُحقن باللقاح الصيني. أصبحت الإمارات المتحدة حجر الزاوية في التجارب السريرية الثالثة للقاح الصيني، وذلك بعد اجتماع فيديو بين كل من دولة الإمارات والصين. تقول الصين بأن الإمارات دولة كبيرة وبها عمالة من 125 دولة مختلفة، ويقولون إذا نجح الأمر في الإمارات سينجح في أي مكان! وحاليًا ستبدأ التجارب في كل من البحرين ومصر والأردن والعديد من الدول حول العالم. ويحلل الخبراء هذا التصريح بإن الصين تحاول أن تجعل العالم يطمئن لسلامة لقاحها. فدولة كبيرة مثل الإمارات بدأت في تطعيم رعاياها الأمر سيؤثر بدوره على الدول الأخرى . كما أن الصين ترغب في تهدئة الرأي العام، فالدول المشاركة في اللقاح غالبية سكانها من المسلمين. لذا تحاول الصين التخفيف من شكاوى حقوق الإنسان حول معاملة الصين لمسلمي الأويغور في مقاطعة شينجيانغ.

هل اللقاحات آمنة؟

يتساءل الجميع عن ذلك ولكن إذا لاحظنا ليس هناك أي معلومات عن المرحلة الأخيرة، وهذا يثير العديد من التساؤلات والتي لم يُجاب عنها حتى الآن.كما أن بعض العلماء يرون أن التقنية المستخدمة في اللقاح الصيني ربما تسبب بعض المشاكل، ومن ضمن المشاكل مرض يسمى (أمراض الجهاز التنفسي المحسنة). والذي يحدث عند الأشخاص المحصنين من المرض عند إصابتهم بالعدوى، والأمر الذي يتسبب في تجمع الأجسام المناعية في الرئتين. ولكن على الجانب الآخر كانت النتائج جيدة في التجارب الأولى والثانية. ولم تظهر أي أعراض جانبية سوى الأعراض البسيطة لأي لقاح من ارتفاع بسيط في درجة الحرارة وألم في موضع الحقن، والتي لم تظهر في جميع المشاركين. هناك دائمًا علاقة بين كل شيء والسياسة ربما تبدو لك الصين مستغلة أو غير أمينة أو حتى لا تثق في لقاحها، ولكن إنتاج لقاحات في هذه المدة البسيطة لهو إنجاز رائع. كما أننا في مرحلة حرجة، فما زال الفيروس منتشر و مازال آلاف المصابين يتساقطون يوميًا. لكن للتذكرة اللقاح ليس للعلاج، اللقاح ما هو إلا وسيلة لحمايتك من عدم الإصابة بكورونا، لذا كن على حذر واتبع إرشادات السلامة.

المصادر

1- theconversation

2- BBC

3- sciencemag

كيف يمكن للصين بناء مستشفى في عشرة أيام فقط؟

كيف يمكن للصين بناء مستشفى في عشرة أيام فقط؟

تسارع السلطات الصينية لبناء مستشفى في عشرة أيام في (ووهان- Wuhan)، المدينة تعتبر قلب تفشي (فيروس كورونا)، للمساعدة في مكافحة الفيروس سريع الانتشار. حيث أن تفشي المرض أجهد موارد مستشفيات (ووهان)، الذين أُجبروا على رفض المرضى بسبب نقص الأسرة والإمدادات الطبية الأساسية. من المتوقع أن يتم تشغيل مستشفى (هووشينشان – Huoshenshan) الذي يتسع لـ 1000 سرير في الثالث من فبراير، بينما من المفترض أن يكون الثاني، وهو مستشفى يتسع لـ 1600 سرير يدعى (ليشنشان – Leishenshan)، جاهزًا بحلول الخامس من فبراير، بعد 10 إلى 12 يومًا فقط من الإعلان عن إنشائهما. وبعيدًا عن مأساة تفشي الفيروس، فنستعرض في المقالة كيفية بناء ذلك في عشرة أيام فقط.

تصميم المستشفى

يقدم منظور تم نشره على موقع شركة الإنشاءات لمحة عن الشكل الذي قد يبدو عليه موقع (هووشينشان) بمجرد الانتهاء منه. كما تقدم الصور ومقاطع الفيديو وغيرها من المعلومات التي تقدمها شركة البناء والمسؤولون الصينيون صورة أكثر اكتمالًا عن كيفية بناء مثل هذه المنشأة بهذه السرعة. يمتد مستشفى (هووشينشان) على مساحة ثمانية أفدنة ويشمل وحدة العناية المركزة وأجنحة المرضى وغرف الاستشارات وغرف المعدات الطبية وغيرهم. سيتم بناء أجنحة منفصلة للحجر الصحي لتقليل مخاطر الإصابة بالعدوى، وفقاً لتلفزيون الصين المركزي.

سيكون المستشفى عبارة عن مبنى من طابقين يتكون من وحدات مديولية مسبقة الصنع، وفقًا لموقع (China State) للانشاءات الهندسية. بدأت مقاطع الفيديو والصور الخاصة بالبناء في موقع (هووشينشان) في الظهور على الإنترنت في 24 يناير، تحتوي على عشرات الحفارات والجرافات وغيرها من معدات الحفر التي تهرع لتسوية الأرض.

تصميم الوحدة المديولية

تبلغ مساحة كل وحدة حوالي 100 قدم مربع أي حوالي 9.2 متر مربع، ويمكنها استيعاب سريرين، وفقًا لصحيفة (People’s Daily)، الصحيفة الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني. يتم تقليل الضغط في الغرف بحيث يتم سحب الهواء إليها، حيث ان الهواء يتحرك من الضغط المرتفع الى الضغط المنخفض، وهي ممارسة شائعة في المستشفيات لمنع الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الهواء من الانتشار خارج الغرفة وإلى الممرات. (وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.)

لكن كيف يمكن للصين ضغط جدول المشروع الى عشرة أيام؟

تثير وتيرة البناء المتسارعة في ووهان العديد من الأسئلة: كيف يمكن للصينيين ضغط مواعيد الإنشاء جذريًا؟ عادة ما يستغرق إنشاء مبنى – وهو مستشفى متكامل الخدمات به معدات طبية – عدة سنوات فكيف للصين بناء مستشفى في عشرة أيام فقط. وهل يمكن أن يكون البناء السريع آمنًا حقًا؟

يوضح (Scott Rawlings)، المهندس المعماري المسئول عن شركة الهندسة العالمية (HOK) المتخصصة في المنشآت الصحية، أن ما يبنيه الصينيون ليس منشأً طبيًا نموذجيًا، بل هو “مركز فرز لإدارة العدوى الجماعية”.

أتردد في الإشارة إلى المستشفى الذي أقيم اليوم في ووهان كمستشفى دائم، وهو بالتأكيد ليس مرفقًا متكامل الخدمات، عندما نقوم بتصميم ذلك، فإننا نأخذ في الإعتبار استخدام المبنى وقدرته على التكيف لمدة 75 عامًا في المستقبل… الصين ليس لديها هذا الترف في تصميم المستشفى الجديد في (ووهان).

يوضح رولينجز، الذي يعمل حاليًا في مستشفى جديد بسعة 500 سرير في مدينة (تشنغدو) ومستشفيين في (هونغ كونغ)، أنه بالنسبة لمشروع مستشفى نموذجي، يتم قضاء وقت كبير في التشاور مع المرضى والموظفين الطبيين ومسؤولي الرعاية الصحية والمجتمع المحيط. للتأكد من أن التصميم فعال لجميع المستخدمين.

مع عدم وجود وقت لإجراء الاستشارات لتصميم مخصص جديد، يستخدم مسؤولو (ووهان) مخططات من مستشفى (شياوتانغشان – Xiaotangshan)، وهو منشأة طبية تتسع لـ 1000 سرير في ضواحي (بكين) تم تجميعه خلال أسبوع خلال (وباء السارس) في عام 2003.

صورة: كهربائيون يتسابقون لبناء مستشفى (شياوتانغشان) في بكين خلال وباء السارس عام 2003.

استخدام الوحدات الجاهزة هو مفتاح الإسراع في مستشفيات ووهان. يتم تجميع الغرف المُصنَّعة بالكامل في المصنع وتنقل بالشاحنات وتوضع في مكانها. ليتم بناء مستشفى في عشرة أيام فقط.

يؤكد المهندس Thorsten Helbig، وهو مهندس إنشائي ومؤسس مشارك لشركة الهندسة الألمانية (Knippers Helbig)، والذي يُدَّرِس حاليًا في (Cooper Union) في مدينة نيويورك، أن تقنية البناء سابقة التجهيز هذه آمنة تمامًا من الناحية الإنشائية.

يوضح أنه نظرًا لأن الوحدات يتم تجميعها في ظل بيئة خاضعة لمراقبة الجودة بالمصنع، فإنه يمكن للمصممين والإنشائيين استكشاف أي مشاكل والتأكد من أن جميع الوحدات المديولية تعمل معًا قبل أن يتم تجميعها. يعتمد البناء التقليدي، من ناحية أخرى، على الظروف الجوية والجدول الزمني من مختلف المقاولين الذين يعملون على جوانب مختلفة من المشروع. اليوم، تضم سلاسل الفنادق من (Citizen M) و (Marriott) إلى شركة (KPMG) التي افتتحت حديثًا في فلوريدا ، الأجزاء مسبقة الصنع في خطة البناء الخاصة بها.

يقول رولينغز إن تاريخ الصين مع الأوبئة الجماعية قد أعدهم للأزمة المستمرة في ووهان.

“من نواحٍ كثيرة، تتفوق الصين على الولايات المتحدة والدول الأخرى عندما يتعلق الأمر بالرد على الإصابات الجماعية، كما حدث من قبل مع السارس في أوائل العقد الأول من القرن العشرين… يمكن أن يكون لدى الصين أيضًا قيود بيروقراطية أقل عندما يتعلق الأمر بتصميم وبناء مشاريع ضخمة مثل هذا المشروع، لا سيما عندما يكون الكثير على المحك”.

هناك عوامل جديرة بالملاحظة من شأنها تسريع مشاريع البناء في الصين: الافتقار إلى النقابات العمالية، والتدفق المستمر للعمالة الرخيصة من البلدات المحلية، وتوافر مواد البناء. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن معايير البناء في الصين أكثر تساهلاً مقارنة بالنظيرات الغربية.

المستشفيات المسبقة الصنع: آمنة ولكن ليست مستدامة دائما

يقول (Helbig)، الذي عمل في العديد من مشاريع البنية التحتية الرئيسية في الصين بما في ذلك مطار (Shenzhen Bao’an) ومنتجع ديزني في شنغهاي، إن هوس الصينيين الكبير بالهندسة والعمارة جعل البنائين الصينيين متفوقين وبارعين للغاية. ففي عام 2016، أكملوا 84 ناطحة سحاب (أبراج بارتفاع 650 قدمًا وأعلى) مقارنة بسبعة فقط في الولايات المتحدة، على سبيل المثال. كما تم بناء ناطحة السحاب الصغيرة المكونة من 57 طابقًا في (هونان) في 19 يومًا فقط.

[embedyt] https://www.youtube.com/watch?v=_JUi6i_p7TI[/embedyt]

فيديو: موقع بناء مستشفى (هووشينشان).

يضيف (Helbig) أن الرغبة في الابتكار تساعد أيضًا. حيث يلاحظ أنه مقارنة بالدول الأمريكية والأوروبية، فإن الصينيين أكثر راحة في تبني طرق بناء جديدة.

“إنهم منفتحون جدًا على التقنيات الجديدة والتغيرات التكنولوجية، وهذا يختلف حقًا عن العالم الغربي في بعض النواحي. كمهندس، أقدر هذا الموقف جدًا. فنادراً ما يتمسك الصينيون بكيفية قيامهم بالأشياء في الماضي”.

ولكن بالرغم من سرعة وآمان تلك المباني في الصين، فإنها ليست بالضرورة مستدامة دائمًا، يوضح هيلبيج. “لا أستطيع أن أتخيل أن هذه المباني هي أفضل الحلول”. لقد تم التخلي عن مستشفى (شياوتانغشان) في بكين بعد احتواء وباء السارس، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية. نظرًا لأنه من الصعب إعادة استخدام مثل هذا المرفق المتخصص لأي استخدام آخر، مما يجعلها عديمة الفائدة إلى حد كبير بعد الطوارئ.

يقول (Helbig)، وهو مؤيد للعمارة المستدامة الخشبية، إنه لا يزال هناك عمل يجب القيام به في تصميم الوحدات مسبقة الصنع صديقة للبيئة، يمكن تفكيكها وإعادة استخدامها في حالات الطوارئ الأخرى أو غيرها من الهياكل المفيدة.

 

المصادر:

How China Can Build a Coronavirus Hospital in 10 Days

How China can build a hospital for Coronavirus patients in a week

 

أقرأ أيضًا: لماذا تعد صيانة المباني مهمة للغاية؟

كيف تصدى مصورو الحياة البرية للجرائم الواقعة فيها؟

كيف تصدى مصورو الحياة البرية للجرائم الواقعة فيها؟

في بداية القرن العشرين، كان عدد وحيد القرن في الحياة البرية لإفريقيا يبلغ نصف مليون تقريبًا. لكن اليوم، هناك أقل من 5000 وحيد قرنٍ فقط. ومنذ عام 2013، يقتل أكثر من 1000 واحدٍ سنويًا.

وغالبًا ما تنتهي قرونهم في السوق الصيني والفيتنامي، حيث تنظر النخبة المزدهرة إلى منتجات وحيد القرن باعتبارها دوائًا لجميع أنواع الأمراض، أو كزينة وحليّ.

ولم يقتصر الأمر على وحيد القرن فقط، فدائمًا ما كان يتم العثور على آكل النمل الحرشفي –وهو الثديي الوحيد ذو الغطاء القشري- مقدمًا في مطاعم جميع أنحاءِ شرقِ آسيا، كما يتم تربية الدببة الصفراوية لاستخدام عصارتها الصفراوية في الأدوية التقليدية.

وبينما تتحول زعانف القرش والسلاحف إلى حساء، يُحتجز أكثر من 6000 نمر في الأسر في الصين، حيث تنقع هياكلها العظمية في نبيذ الأرز لتباع أخيرًا إلى صفوة المجتمع!

صورة لنيل الدريدج لشبه وحيد القرن الأبيض معصوب العينين، والذي تم تخديره ونقله لحمايته من الصيادين.

موقف مصوري الحياة البرية

لقد شكل هذا الأمر تحديًا لبعض مصوري الحياة البرية الأكثر شهرة في العالم؛ فالحيوانات التي يقومون بتصوريها في حياتهم المهنية تعتبر على شفا الانقراض الآن.

وكرد فعلٍ على ما يحدث، تشكلت مجموعة باسم (مصورون ضد جرائم الحياة البرية) تتكون من عدد من المصورين المشهورين دولياً لصد هذه المسألة، ولمواجهة الدولة المرتبطة بالدرجة الأولى بهذه الزيادة المروعة في الصيد الجائر: الصين.

فقد تعاونت المجموعة على نشر كتاب باللغتين الإنجليزية والصينية الشمالية، يزيد من الوعي بالتجارة الغير مشروعة بالحيوانات في الصين.

ولقد شارك في تأسيس تلك المجموعة، المصورة (بريتا جاشينسكي – Britta Jaschinski)، وهي من أشهر مصوري الحياة البرية في العالم، كما تضم نخبة من المصورين كأمثال: (أدريان ستيرن – Adrian Steirn) و (برنت ستيرتون – Brent Stirton) و (بريان سكيري – Brian Skerry).

وتقول جاشينسكي:

“لقد تشكلت تلك المجموعة –جزئيًا- بسبب عدم الإقرار بجرائم الحياة البرية في المنشورات الغربية”.

وتضيف: “تم صيد ملايين الحيوانات وحصدها من البرية وبيعها في الصين لأغراضٍ عدة تراوحت بين الطعام، واقتنائها كحيواناتٍ أليفة، ولأجل الفضول السياحي بالطبع والهدايا التذكارية، بالإضافة لاستخدامها في الطب الصيني التقليدي”.

وبالإضافة إلى قولها بأن القضية لا تحصل على الاهتمام الذي تستحقها، تشير إلى أن الموضوع مزعج للغاية بالنسبة للكثير من الناس، لدرجة أن المجلات تخجل من نشر مثل هذه الصور؛ معللة بأنها “لا تباع بشكل جيد.”

حماية الحياة البرية بالوصول للجمهور المستهدف

قامت جاشينسكي وزملاؤها بتمويل ونشر مجموعة من الصور الفوتوغرافية الخاصة بهم، جنبًا إلى جنب مع التقارير المعاصرة حول القضايا الكامنة وراء جرائم الحياة البرية، منتجين بذلك كتابًا لمواجهة تلك المشكلة.

وتم نشر الكتاب في البداية باللغة الإنجليزية وبيعه بسرعة. لكن تقول جاشينسكي: “لقد أدركنا أننا بذلك لم نصل إلى الجمهور المستهدف حقًا!”.

فقامت المجموعة بترجمة الكتاب إلى اللغة الصينية الشمالية، وذلك من خلال العمل مع طابعة صينية تقع في لندن. وبعد شهور من التفاوض مع السلطات، ينتظر الكتاب توزيعه عبر البر الرئيسي الصيني، وسيتم إطلاقه في جميع أنحاء البلاد في شهري يوليو وأغسطس.

يعد هذا الكتاب الأول من نوعه الذي أُنشئ خصيصًا للجمهور الصيني، وهو يوجه بشكل صريح ضرورة إنهاء الطلب على منتجات الحياة البرية في الصين.

بالإضافة إلى أنه يستهدف نشاط المستهلك الصيني للحياة البرية، والذي يعد رأس التجارة في واحدة من أكبر الأسواق السوداء في العالم.

القيمة المادية للقرون والعاج

تعتبر تجارة الحيوانات البرية غير القانونية رابع أكبر تجارة إجرامية في العالم بعد تهريب المخدرات وتجارة الأسلحة النارية غير المشروعة والاتجار بالبشر.

وتشير جاشينسكي إلى أن سعر قرن وحيد القرن في السوق السوداء هو أكثر قيمة من حيث الوزن من الذهب أو الماس أو الكوكايين.

فوفقاً لدراسة أجرتها Science Advances، يُقدر أن يصل قرن وحيد القرن إلى 60 ألف دولار للرطل الواحد في السوق السوداء، وتقدر قيمة الصناعة غير المشروعة ككل بمبلغ 20 مليار دولار.

هل تم فرض الحظر على الصيد الجائر؟

في عام 2017، أعلنت السلطات الصينية أن كل تجارة العاج ومنتجاته ستصبح غير قانونية، لكن الحظر لم يُنفذ بطبيعة الحال.

فقرار حظرِ الاتجار بوحيد القرن والنمور موجود منذ عام 1993، لكن في أكتوبر 2018، أُثير قلق الصين من إعلان أنصار حماية البيئة بأن منتجات الحيوانات الأسيرة مرخصة “للاستخدام العلمي والطبي والثقافي”.

وتقول جاشينسكي في هذا الصدد:

“لقد عملت في جرائم الحياة البرية لمدة 25 عامًا، ولا أستطيع التفرقة بين جرائم الحياة البرية القانونية وغير القانونية!”.

مضيفة: “أصبحت الصين رائدة اقتصادية في العالم، لكن أردت أن أنظر إلى المعاملة المروعة للحيوانات والطبيعة فيها، وخاصة العلاقة بين الصيد الجائر والتجارة، بالإضافة إلى إساءة معاملة الحيوانات في الأسر.”

وفي حين أن الصور غالبًا ما تكون مروعة، إلا أنها تتمتع بجدارة فنية؛ فكل مصورٍ مشارك قد تعامل مع الموضوع من منظور مختلف، وبأسلوب جديد.

وفي مقدمة الكتاب، كتب (روز كيدمان كوكس – Roz Kidman Cox) رئيس لجنة تحكيم مصور الحياة البرية في متحف التاريخ الطبيعي:

“لقد بدأ البعض في تسليط الضوء على الظلم من خلال فن التصريح –وهي طريقة في إظهار الألم بشكلٍ صريح وواضح بدلًا من الاختباء منه- وخلق صور لا تنسى من خلال قوتها، فهو غضب معبّر عنه بشكل جميل. ويأخذ الآخرون هذا الجمال المفكك ليعيدوا تمثيله في ترتيب مؤلم، محولين بذلك الأدلةِ إلى فن. وقد يستخدمون أيقونات من الفن الكلاسيكي لإعطاء مؤلفاتهم صدى إنساني، كالصلب، وفراش الموت، وغنائم الحرب”.

 

المصدر: THE ART NEWSPAPER

 

 

Exit mobile version