متلازمة الطفل الأوسط : 5 سماتٍ مميزة للطفل الأقل حظًا!


الطفل الأكبر دومًا مسؤول، والأصغر مدللٌ ويحبه الجميع، بينما الأوسط هو الأقل حظًا دائمًا. هذه هي الصور النمطية التي نعرفها جميعًا عن ترتيب الأطفال داخل الأسرة. سنهتم اليوم بالطفل الأقل حظًا، ومتلازمة الطفل الأوسط التي سُميت باسمه. فما هي متلازمة الطفل الأوسط؟ وما مدى صحتها؟
 

تعريف متلازمة الطفل الأوسط

متلازمة الطفل الأوسط هي الاعتقاد السائد أن هذا الطفل لا يحظى بالاهتمام والرعاية الكافية من أبويه، فهو طفل مُهمل ومشتت بين ظلال أخويه الأكبر والأصغر. نتيجة لذلك يطور هذا الطفل سمات شخصية معينة تنبع بشكل أساسي من ترتيبه في العائلة.

ظهرت هذه المتلازمة كجزء من نظرية شهيرة وضعها عالم النفس ألفريد أدلر. حاول أدلر في نظريته تفسير الاختلافات بين شخصيات البشر تبعًا لموقعهم في العائلة. على سبيل المثال: 

  • الطفل الوحيد: يحب أن يكون مركز الانتباه، ويفضل صحبة البالغين، كما يجد صعوبةً في مشاركة أقرانه في الأنشطة المختلفة.
  • الطفل الأكبر: صارم ومسؤول وأكثر التزامًا بالقواعد من باقي الأخوة.
  • الطفل الأصغر: مدلل يحتاج للعناية، ويضع خططًا كبيرة لكنه يخفق في تنفيذها.
  • الطفل الشبح: الطفل الذي يُولد بعد وفاة آخر. عادةً يكون هذا الطفل معارضًا رافضًا مقارنته بذكرى الطفل الراحل.

سمات الطفل الأوسط

لم يُغفِل أدلر في نظريته الطفل الأوسط، فهو طفل يقع بين الطفل الأكبر والأكثر قدرةً وإنجازًا، والطفل الأصغر الذي يبهر الجميع بابتسامة ويحظى بكل الانتباه والرعاية. نتيجة لذلك يطور هذا الطفل عددًا من السمات الشخصية. منها:

  • التنافسية
    الطفل الأوسط طفلٌ تنافسي، فهو ينافس الأَخَوان الأكبر والأصغر ليحظى بالانتباه والرعاية. وقد يصل به هذا الأمر إلى ارتكاب أخطاء، أو المعارضة والثورة بلا سبب فقط لجذب الانتباه.
  • تزعزع الثقة بالنفس
    ينظر الطفل إلى إنجازات أخيه الأكبر الأكثر نضجًا -عقلًا وجسمًا- فلا يشعر بتميز إنجازاته.

    وهناك بعض السمات الإيجابية مثل:
  • القدرة على التعلم
    يراقب الطفل الأوسط أخاه الأكبر دائمًا، في محاولة للتعلم منه والتفوق عليه لإثارة إعجاب أبويه.
  • التعاون وتحمل المسؤولية
    يساعد الطفل الأوسط أخاه الأصغر، حيث يقوم بمراقبته والاعتناء به أو تعليمه مهارات لم يتعلمها بعد.
  • التفاوض
    مهارة التفاوض من أهم السمات التي يكتسبها الطفل الأوسط، فوجوده داخل مجموعة ينمي مهاراته الاجتماعية بشكل كبير.

أسباب متلازمة الطفل الأوسط

السبب الأساسي لظهور متلازمة الطفل الأوسط هو شعور الطفل بنقص الاهتمام والغربة بين عائلته. ما بين اهتمام الأبوين بالطفلين الأصغر والأكبر، يشعر الأوسط بقلة تميزه مقارنةً بهما، وقد ينتهي به الأمر منخرطًا في المشاعر والسلوكيات السلبية التي ترتبط بهذه المتلازمة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض العوامل المحفزة التي تساهم في ظهور المتلازمة بشكل أوضح:

  • غياب الدعم
    هو شعور الطفل بالإهمال والوحدة، وعدم قدرته على التحدث بحرية مع أبويه.
  • اضطراب الهوية
    يشعر هذا الطفل بالحيرة والاضطراب، مشتتًا بين ظلال أخويه الأكبر والأصغر.

حقيقة متلازمة الطفل الأوسط

يدور حول هذه المتلازمة الكثير من الجدل، وهناك الكثير من النتائج المتناقضة فيما يخص حقيقة وجودها.

الدراسات المؤيدة

استطلعت الدراسات علاقة الطفل الأوسط بأبويه وصحته النفسية، فوجدت أن النسبة الأكبر من المشاركين ذوي الترتيب الأوسط (مقارنةً بالأول والأخير):

  •  ليسوا مقربين من أمهاتهم.
  • لا يلجأون للأبوين وقت الحاجة.
  •  أكثر ميلًا للمثالية والالتزام.

الدراسات المعارضة

  • دحضت الدراسات المعارضة تأثير متلازمة الطفل الأوسط على إصابة الطفل بأمراض نفسية مثل: الاكتئاب.
  • أشارت دراسة حديثة واسعة إلى: عدم وجود أي تأثير دائم لترتيب المولود على السمات الشخصية له مثل: الانفتاح والقبول والاستقرار العاطفي.

نلاحظ هنا تعارض النتائج بشكل واضح بين مؤيد ومعارض. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه، سواء أثبت العلم صحة هذه النظرية أو خطأها، أن طفلك -مهما كان ترتيبه- يستحق العناية والاهتمام. وأن أسوأ ما قد يحدث له هو غياب الدعم والملاحظة، لا ترتيبه الأوسط!

اقرأ أيضا: متلازمة توريت | 7 مُضاعفات ولا أحد يعرف السبب!

المصادر

الحب من منظور علم النفس التطوري

هذه المقالة هي الجزء 6 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

الحب من منظور علم النفس التطوري

كتب فيه الفلاسفة والأدباء ما لا يُحصى من الكتب. روي عنه ما لا يُحصى من الحكايات في الأفلام والروايات. ألهم الموسيقيين والرسامين والشعراء، وغُزلت حوله ملاحم الأساطير والمعجزات. إنه الحب، واحد من أهم المشاعر الإنسانية، وقد يكون أكثرها تعقيدًا. رغم أنه شغل حيزًا كبيرًا من الحياة الثقافية والفكرية والفنية للإنسان، إلا أن العلم بقي خجولًا وعاجزًا لفترة طويلة أمامه باعتبار أن دراسته وتفسيره بشكل موضوعي أمر شبه مستحيل. حتى أن تعريف الحب نفسه يعتبر مهمة شاقة، نظرًا لاختلاف تجاربنا البشرية فيه. لكن تطور علوم الأحياء والجينات وعلم النفس سمح للعلوم بفهم شعور الحب بشكل أعمق. وبدوره، بحث علم النفس التطوري عن جذور هذا الشعور وأسبابه التاريخية، إذن ما هو الحب من منظور علم النفس التطوري ؟ وكيف يفسّره؟

ما هو الحب؟

الحب بطبيعته مفهوم معقّد وواسع ويحمل عددًا من المعاني، فقد يُقصد به الحب الرومانسي الذي يجمع شخصين في ارتباط عاطفي، وقد يعني أيضًا حب الأم والأب لأطفالهم أو حب الأصدقاء أو المحبة بكل ما تعنيه. لكن ما يعنينا في هذا المقال تحديدًا هو الحب الرومانسي.

لم يجتمع الفلاسفة والأدباء حول تعريف موحّد للحب، ولا حول تفسير واضح له. في علم النفس، تعدّدت النظريات حول الحب لكن الأكثر شيوعًا هي نظرية مثلث الحب لعالم النفس الاجتماعي ستيرنبرج. وقد اعتبر أن الحب يتألف من ثلاثة عناصر أساسية هي الشهوة والحميمية والالتزام.

لكن كون الحب شعورًا بشريًا عامًا موجودًا في كل المجتمعات وعند مختلف الشعوب، يمكن اعتباره سمة بشرية ذات أساس فيزيولوجي. فنحن نشعر الحب بأجسادنا، بأعراض شبه مرضية، من دقات القلب السريعة إلى الأرق ورعشة الجسد وغيرها. ورغم أننا نشير في الحب غالبًا إلى القلب، إلا أن الحب ينبع من الدماغ، ويرتبط بشكل مباشر بـ«الناقلات العصبية – Neurotransmitters» كالدوبامين والأوكسيتوسين.

أما من ناحية علم النفس التطوري، فقد حاول الباحثون تفسير الحب كسمة تطورية ساهمت في تحسين النجاح الإنجابي و/أو فرص البقاء على قيد الحياة. وقد أثبتوا فعلًا عددًا من الوظائف التكيّفية للحب، بالإضافة إلى عدد من الدلائل التي تشير إلى جذور الحب التطورية.

الوظائف التكيّفية للحب

يعتمد علم النفس التطوري بشكل أساسي على نظرية الانتقاء الطبيعي. فتنتقل الجينات المساهمة في زيادة النجاح الإنجابي وفرص البقاء على قيد الحياة من جيل إلى الآخر. ويعتبر علم النفس التطوري أن الحب نفسه نتيجة للانتقاء الطبيعي، نظرًا للوظائف التكيفية التالية:

  • رعاية الأطفال: مع تطوّر البشر وزيادة حجم دماغهم، ازدادت حاجة الأطفال للرعاية لوقت طويل. ففي حين تولد الكثير من الحيوانات بأدمغة شبه مكتملة، يولد أطفال البشر بأدمغة غير كاملة. يحتاج أطفال البشر طفولة طويلة تمتد حتى 15 عامًا ليصبح الطفل ناضجًا وواعيًا ومستقلًا. من هنا، أصبحت رعاية الأطفال مهمة شاقة تستنزف الكثير من الوقت والطاقة. ساهم الحب في خلق علاقة التزام بين الوالدة والوالد، مما سهّل مهمة رعاية الأطفال. وزادت قدرتهما على تأمين الموارد المادية والنفسية لهم وبالتالي تزداد فرص بالبقاء على قيد الحياة ونقل الجينات.
  • زيادة احتمالية الحمل والإنجاب: تتميّز إناث حيوانات الشيمبانزي بخصائص جسدية ظاهرة خلال فترة «الشبق –Estrus» ، فيتم التزاوج حصرًا في هذه الفترة التي تمتاز بخصوبة عالية مما يرفع احتمالية الحمل.

أما عند إناث البشر، فتتكرر فترة الإباضة شهريا، وهي قصيرة نسبيًا ولا تُظهر خصائص جسدية واضحة. لذلك من المهم أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل طويلة الأمد لزيادة احتمالية الحمل وبالتالي الإنجاب. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعدد الأزواج لمرأة واحدة يزيد من احتمالية تسمّم الحمل، وبالتالي فعلاقة الزواج الأحادي تعزّز احتمالية الإنجاب.

  • أهمية رعاية الأب: بيّنت دراسة لبيئة السكان الأصليين في شرقي باراغواي أن الأطفال الذين ينعمون برعاية الأب خلال السنين الخمس الأولى من حياتهم تصبح لديهم فرصة مضاعفة للبقاء على قيد الحياة مقارنة بالأطفال الذين فقدوا آبائهم في أول حياتهم. وهذه الدراسة ما هي إلا دليل جديد على أن الحب الذي يضمن بقاء الوالد إلى جانب أطفاله، يعزز فرصتهم في البقاء على قيد الحياة.

كيف ساهم الحب في تنمية القدرات المعرفية والاجتماعية؟

ساهمت العلاقات الطويلة الأمد في بناء القبائل والمجموعات التي تعزز فرصها بالنجاة. لكن الحياة ضمن القبائل تطلبت بالمقابل قدرات اجتماعية عالية تسمح بالتعاون والتضامن وكشف الغشاشين وغيرها.

كما أن العلاقات العاطفية نفسها تشكل واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا، نسبة للتعلّق النفسي الكبير بين الفردين. وهي بالتالي تنتج مع الوقت مصاعب اجتماعية معقّدة. ونظرًا للدافع الذي شكله الحب، ساهم بشكل مباشر بصقل القدرات الفكرية والاجتماعية التي تميزنا كبشر عن باقي الكائنات، والتي شكلت الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات المتقدمة والثقافات بشكلها الحالي.

“الحب قماشة تقدمها الطبيعة ويطرزها الخيال”.

فولتير

الحب ليس فقط شعور عظيم وتجربة إنسانية راقية، لكنه أيضًا الشعور الذي ساهم في المحافظة على حياة أسلافنا وانتشارهم في بقاع الأرض، وفي تنمية قدراتنا العقلية والاجتماعية لنصبح ما أصبحنا عليه اليوم.

المصادر

Researchgate
Science direct
Harvard Health Publishing

الطفل المعجزة، يُولد أم يُصنع؟

الطفل المعجزة، يُولد أم يُصنع؟

هناك شخصيات عظيمة وذات قدرات وإنجازات مدهشة بدأوا رحلتهم معها منذ الصغر، يشترك موتسارت وغاري كاسباروف و كارل جاوس، وغيرهم، في كونهم جمعيًا كانوا أطفالاً معجزة، انقسم الباحثون حول ما إذا كان الطفل المعجزة يولد أم يصنع؟ أم الطفل المُعجزة نتاج كليهما؟ إذًا، دعنا نبدأ المقال بتعريف الطفل المعجزة، ومن ثم، نعرف ما هي صفاته، وكيف تُربي طفلاً معجزة.

من هو الطفل المعجزة؟

يطلق على كل شخص موهوب أو ذكي بشكل غير عادي لقب شخص معجزة، إذ أن موهبته تُثير الدهشة والإعجاب، أما الطفل المعجزة فهو الفرد الذي يُتقن قي سن مبكرة واحدة أو أكثر من المهارات بشكل يفوق مستوى الكبار، فهو طفل لا يتجاوز عمره ال 15 عامًا، ويؤدي أداء بمستوى شخص بالغ مُدرب تدريبًا عاليًا في مجال صعب إلى حد ما كالرياضيات والعلوم والموسيقى. يمتلك الطفل المعجزة معرفة متعمقة بشكل غير عادي في موضوع اهتمامه بالنسبة لسِنه. وغالبا ما يكون متفوقًا فكريًا على أقرانه. في حين أن أداء الأطفال الموهوبين في الصفوف الدراسية يمكن أن يكون متفوقًا على سنهم أو صفهم بصفين أو سنتين وثلاث سنوات أيضًا. فيمكن للطفل المعجزة أن يُضاهي حتى المهنيين البالغين في هذا المجال.

ما هي سمات الطفل المعجزة؟

عندما تتفاعل مع طفل معجزة، تظهر سماته على الفور، إليك أبرزها وما يجعلك تكتشف عبقريته:

  • لديه ذاكرة قوية، عاملة وكبيرة. تمكننا ذاكرتنا العاملة من تنفيذ مهامنا الروتينية، على سبيل المثال: تُستخدم الذاكرة العاملة عندما نحتاج إلى حفظ رقم هاتف يخبرنا به شخص ما لفترة من الوقت قبل كتابته. وهو ما نفعله وقد ننساه بعد مرور بعض الوقت. يختلف الأمر مع ذلك الطفل المعجزة، إذ يتمتع الطفل المعجزة بذاكرة عاملة هائلة من حيث السعة والنشاط والجودة. يمكنهم الاحتفاظ بالمعلومات في أذهانهم (رؤوسهم) أثناء معالجة المعلومات الأخرى الواردة في نفس اللحظة، كما يمكنهم التحكم فيها في نفس الوقت.
  • معدل ذكاء مرتفع. ليس من الغريب أن يكون مُعدل ذكاء هؤلاء الأطفال أعلى بكثير من الآخرين. يبلغ متوسط معدل الذكاء لدى عامة الناس 100، بينما يمتلك الطفل المعجزة معدل ذكاء يزيد عن 128. على الرغم من أن الأمر ليس كذلك دائمًا، إلا أنه يمكن القول بأن الأطفال المعجزة أذكياء ولكن ليس بالطريقة التي نتوقعها من الرقم الدال على معدل الذكاء. في بعض الأحيان كما يُرى في حالات التوحد، لا يختلف الموهوبون والعباقرة منهم كثيرًا عن الأشخاص العاديين.
  • التفاني الكامل. الطفل المعجزة لديه التزام عميق بمجال اهتمامهم، ويمكنه التركيز بشكل مكثف على الموضوعات لفترات طويلة. غالبًا ما تجده مستغرق تمامًا في شئونه ومصلحته. عندما يستمر ذلك لسنوات؛ فإنه يُطور مهاراته ويتقن كل شئ يخص المجال المهتم به.
  • لديه موهبة ومهارة غير عادية. غالبًا ما يُظهر الطفل المعجزة موهبة استثنائية في مجال معين؛ يمكن لبعض الأطفال إظهار المواهب في مجالات متعددة. يختلف هذا الأمر من طفل إلى آخر، حسب الموهبة والقدرات التى يمتلكها.

كما أن هناك عوامل أخرى تساهم في تنمية تلك المهارة أو المهارات مثل الدعم المُتاح لتطويره من الأسرة والتعليم والبيئة.

كيف تعتني بطفل معجزة؟

سيساعدك مراقبة الأداء الدراسي لطفلك وسلوكه العام في التعرف على مواهبه، وما إذا كان هناك نبتة موهبة غير عادية أم لا. يمكن أيضًا لاختبار الذكاء الرسمي من قِبل متخصص كطبيب نفسي تأكيد ما إذا كان الطفل موهوبًا. إذا اكتشفت أن طفلك موهوب وتتساءل عن كيفية رعايته وترييته فإليك بعض النصائح:

  • ساعده على تنمية مهارات القيادة والمسئولية. في معظم الحالات، يتضح شغف الطفل منذ سن مبكرة. إذا لاحظت أن طفلك يُبدي اهتمامًا بمجال معين مثل الموسيقى أو الرسم، فيمكنك مساعدته في رعاية تلك النبتة من خلال تسجيله في مؤسسة تدعم تلك الموهبة أيا كانت. أفضل طريقة لدعم طفلك هي السماح له بتولي موهبته وتنميتها بدلاً من دفعه إليها.
  • اعمل مع طفلك لتحديد أهدافه باستمرار. ساعد طفلك على تحديد أهداف قصيرة المدى يمكنه تحقيقها في وقت محدد. سوف يبني ذلك ثقته بنفسه، ويساعده على الاستمرار في التركيز لتحقيق المزيد من الإنجازات. بمجرد الانتهاء من تحديد الهدف، يجب أن يقتصر دورك كوالد فقط على ضمان أن أفعاله تدعم أهدافه. عندما يكبر طفلك امنحه مزيدًا من التحكم في الطريقة التي يرغب في الانضباط وإدارة عمله بها.
  • لا تدخر جهدًا في دعم طفلك. مع زيادة وقت تدريب الطفل، قد تجد أنت بصفتك أحد الوالدين صعوبة في تحقيق التوازن بين أمور الأسرة ككل واحتياجات طفلك. في بعض الأحيان يكون من الصعب مواكبة منحنى نمو وتطور طفلك والوفاء بالمطالب. إذا كان لديك طفل معجزة، فقد لا تناسبه المدارس العادية وقد يشعر بالملل بسهولة من المناهج الدراسية. في مثل هذه الحالات، قد يضطر إلى الدراسة في المنزل.
  • تتبع الانخفاضات واحمهِ منها. يتعرض المتفوقون أيضًا إلى المزالق والإخفاقات، فهم يمرون بها دون أن يلاحظها أحد في ضوء إنجازاتهم. غالبًا ما يتأثرون بالكمالية والقلق والإحساس المنخفض بالثقة، لأن الصفات ذاتها التي تساهم في نجاحهم، تجعلهم عُرضه للإخفاق. مثل جميع الأطفال، يحتاجون إلى الحب والرعاية من والديهم. يحتاجون إلى فهم أن فشلهم أو نجاحهم لا يؤثر على حُب الوالدين.
  • مأزق آخر يجب مراعاته؛ وهو تأثير طموح وأحلام الطفل الموهوب الكبيرة، ومقارنته بأخيه مثلاً. من المهم التعرف على شغف كل طفل وتقديره بالتساوي.

العبقرية وطيف التوحد

في الآونة الأخيرة، بدأ العلماء في دراسة العوامل التي قد تؤدي إلى التميز، هل هو معدل ذكاء مرتفع؟ أم مجرد ذاكرة عاملة بشكل مذهل؟ أم هو نوع من التوحد؟ في الواقع، وجدت دراسة أن الأفراد المصابين بمتلازمة أسبرجر غالبًا ما يكونون موهوبين للغاية. لدراسة مظاهر تميز الأطفال، درس العالمان جوان روثساتز وجوردان اورباخ مقابلات مع ثمانية أطفال نابغين ويُعتبروا معجزة في الفن والرياضيات والموسيقى، إذ خضعوا لاختبارات الذكاء من ستانفورد بينيه. كما هو متوقع، وجد أن هؤلاء حصلوا على درجات أعلى من الطبيعي(128) مقارنة بالمعدل الطبيعي (100) ولم يختلف أطفال طيف التوحد عن الأطفال العاديين في الأداء ولا النتائج.

هل تُصنع الأطفال المعجزة أم تُولد؟

بينما يكافح معظم الناس للوصول إلى مستوى معين أو حتى دراسة بعض المواد المُعقدة مثل الرياضيات، هناك أطفال معجزة مثل موتسارت يسحرون العالم بمواهبهم الرائعة. مما يدفعنا للتساؤل: كيف يمكن لطفل يبلغ من العمر عشر سنوات أن يمتلك مهارات لن يكتسبها الشخص العادي أبدًا في حياته، بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة؟ ذلك ما دفع العلماء لدراسة الأسباب الجوهرية لسنوات طويلة. وقد تشكلت مجموعتان من العلماء، إذ طورت المجموعتان نظريتهما الخاصة حول هذا الموضوع.

تعتقد المجموعة الأولى من الباحثين أن السبب چيني من الدرجة الأولى. في حين أن المجموعة الأخرى ترى أن الأسرة وظروف التنشئة والخلفيات الاجتماعية هي من جعلت هؤلاء الأطفال عباقرة. تتجسد هذه المعضلة (الطبيعة مقابل التنشئة) في اثنين من أبرز الشخصيات في التاريخ التي سببت جدلًا بين العلماء.

فمثلاً نجد أن نقاشهما متجسدًا في شخصين بارزين هما: كارل جاوس، أحد أهم علماء الرياضيات في التاريخ، يأتي من تربية متواضعة. بينما كان موتسارت من خلفية متميزة وتلقى دروسًا خلال فترة الطفولة في الموسيقى. إلا أن هناك العديد من الأبحاث التي تُشير إلى أنه بالنسبة لمُعظم الأطفال النابغين، يكون للمكوِّن الچيني تأثير كبير. غالبًا ما يُلاحظ أنهم ولدوا بقدرات فطرية. ومع ذلك، فإن مواهبهم وحدها لا تكفي للتعبير عن أنفسهم بشكل كامل، فهناك حاجة ماسة إلى التفاني والممارسة لتطوير قدراتهم الطبيعية. يمكن للطفل المعجزة أن يُظهر مواهبه في سن العاشرة أو الحادية عشر، لكن البعض يُظهرها في وقت مبكر من 3 إلى 5 سنوات.

الخلاصة

تُعد البيئة الداعمة أمرًا بالغ الأهمية لتنمية قدراتهم الفطرية. فإن ظلت غير مستكشفة، ستضمر ولن تتطور أبدًا. وبتوفير الرعاية المناسبة، يمكنك مساعدة طفلك على إدراك مواهبه بالكامل، وبذل جهود متواصلة لتطوير مهاراته.

المصادر

المماطلة | أسبابها وكيف تتخلص منها؟

المماطلة | أسبابها وكيف تتخلص منها؟

مع اقتراب الموعد النهائي لمهمة معينة، يجد بعضنا نفسه يُماطل ويفعل شيئًا بعيدًا كل البعد عن المهمة كأن يجد نفسه على منصة يوتيوب يشاهد مقابلات سياسية أو أبرز أحداث الملاكمة أو حشرات تأكل قططًا!

لماذا نُماطل؟ هل لأن المهام صعبة أم أنه توجد صراعات مع ضبط أنفسنا أم أننا مشتتون أو غير مكترثون بالنتائج! إذا كانت المشاعر السلبية تتزايد عليك بسبب المُماطلة وتقف في طريقك؟ إليك هذا المقال الذي سنتعرف فيه على المماطلة.. أسبابها وكيف تتخلص منها؟

ما هي المماطلة؟

إن المماطلة (التسويف) هي التأجيل الغير ضروري للقرارات أو المهام. على سبيل المثال، أنت بحاجة إلى كتابة مقال، لكن تجد في النهاية أنك تضيع الوقت على الإنترنت على الرغم من أنك تعلم أنك يجب أن تعمل وتنهي المقال؟ وذلك يعني أنك تماطل. المماطلة تكون بقدر كبير ضارة للأشخاص في متابعة أهدافهم بنجاح وذلك ما توضحه المؤشرات، إذ أنه في الحقيقة أن المماطلة ترتبط بتلقي درجات سيئة في المدرسة أو كسب راتب أقل في العمل. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط المماطلة بقضايا ثانوية كالتوتر وتدهور الصحة البدنية والعقلية… وفيما يلي سنتعرف على المماطلة.. أسبابها وكيف تتخلص منها؟ لكن بعدما أن نعرف لماذا يُماطل الناس؟

لماذا يُماطل الناس؟

يفترض البعض أن المماطلة فقط متعلقة بقوة الإرادة، لكن الواقع يقول لنا أن الوضع أكثر تعقيدًا من ذلك. عندما نوجه بعض القرارات التي نتخذها أو المهام التي واجب علينا إكمالها، فإننا نعتمد عادةً على ضبط النفس من أجل تحفيز أنفسنا لإنجاز ما علينا.

يستند دفع أنفسنا إلى توقع الحصول على بعض المكافآت لجهودنا، يمكنها تدعيم ضبط أنفسنا وبذلك تزداد احتمالية إنجازنا في الأوقات المناسبة. لكن يوجد العديد من العوامل التي تضعف همتنا (المُثبطة) والتي لها تأثير عكسي على دوافعنا، مما تسبب مزيدًا من المماطلة مثل: الخوف من الفشل، والقلق، والمشاعر السلبية الأخرى التي تعيقنا وتجعلنا نتأخر دون داعي.

هناك أيضًا عوامل معيقة تتداخل مع ضبط النفس والتحفيز مثل الإرهاق الذي يحدث نتاج عمل جاد طوال اليوم وفي وقت متأخر مما يصعب علينا ضبط أنفسنا وكذلك بالمثل الفجوة بين الوقت الذي نكمل فيه مهمة والوقت الذي نتلقى فيه المكافآت لإكمالها، يمكنه أن يتسبب في خصم قيمة هذه المكافأة وذلك يعني أن قيمتها التحفيزية ستنخفض بشكل كبير. لكن طالما أن ضبط النفس والتحفيز يفوقان العوامل المُثبطة، على الرغم من العوامل المعيقة التي تتداخل معاهما، فإننا سننجح في إنجاز عملنا بالوقت المناسب.

لكن عندما تفوق كل العوامل السلبية ضبط النفس والتحفيز، يؤدي بنا إلى المماطلة عن طريق التأجيل لأجل غير مسمى. في نهاية تلك الفقرة نحن نماطل لأن ضبط النفس والتحفيز يواجهما معوقات تجعلنا نفشل في تنظيم سلوكنا الذاتي ولكن ملحوظة: هناك بعض الاستثناءات، إذ يوجد حالات أخرى للمماطلة مثل التمرد أو الرغبة في إضافة الإثارة إلى العمل المُمل ولكن بنسبة كبيرة ما وضحناه سابقًا هي الآلية الرئيسة التي تُفسر سبب التأجيل.

ما هي أسباب المماطلة؟

إذا كنت تتساءل عن أسباب المماطلة، فابحث في تلك القائمة الشاملة التي سنقدمها لك وحاول اكتشاف أي من تلك الأسباب ينطبق عليك. حاول كذلك أن تكون صادقًا مع نفسك أثناء بحثك، لأن معرفة السبب أو الأسباب الكامنة وراء المماطلة سيجعلك قادرًا على التقدم وتحقيق ما تريد.

الأسباب:

  • أهداف مجردة بعيدة عن الواقع وغير واضحة.
  • ‏ المكافآت البعيدة: يميل البعض إلى المماطلة في المهام المرتبطة بالمكافآت التي لن يحصلوا عليها إلا بعد فترة طويلة.
  • ‏انفصالنا عن أنفسنا في المستقبل: يُماطل البعض لأنهم ينظرون إلى أنفسهم في المستقبل على أنها منفصلة عن حاضرهم.
  • التركيز على الخيارات المستقبلية: يتجنب الناس اتخاذ إجراءات في الوقت الحاضر لأنهم يأملون في مسار عمل أفضل في المستقبل. يمكن أن تؤدي تلك العقلية إلى المماطلة على المدى الطويل.
  • ‏التفاؤل بالمستقبل: يماطل البعض في أداء المهام لأنهم متفائلون بقدرتهم على إكمال مهام معينة في المستقبل. يمكن أن يتعلق التفاؤل بمقدار الوقت المتاح لإكمال المهمة فيظن أن هناك متسع كبير من الوقت لإنجازها لاحقًا ولكن قد يحدث العكس وتتراكم المهام أو لا يستطيع إنجازها.
  • التردد: يماطل البعض لأنهم غير قادرين على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب.
  • ‏الشعور بالإرهاق.
  • القلق بشأن المهمة المُكلفة.
  • النفور والهروب من المهمة.
  • ‏السعي إلى الكمال.
  • الخوف من التقييم أو ردود الفعل السلبية.
  • الخوف من الفشل.
  • الإعاقة الذاتية: يقوم البعض بالمماطلة كطريقة لوضع حواجز، بحيث إذا فشلوا، فإن فشلهم يمكن أن يزيد من مماطلتهم بدلًا من قدراتهم على أداء المهام وهو سلوك يُشار إليه بالإعاقة الذاتية.
  • التخريب الذاتي: يماطل البعض بسبب ميلهم للانخراط في سلوكيات هزيمة الذات، مما يعني أنهم يعيقون تقدمهم لنظرهم أنهم لا يستحقون ذلك الشيء أو المكانة.
  • عدم الإيمان بالقدرات وقلة الثقة بالنفس.
  • ‏عدم القدرة على السيطرة على حياتهم وترك الآخرين يتحكمون بها.
  • ‏اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
  • الاكتئاب.
  • ‏عدم وجود حافز.
  • نقص الطاقة.
  • ‏الكسل.
  • إعطاء الأولوية للأشياء التي لا تتماشي مع الأهداف طويلة المدى للشعور بالتحسن.
  • ‏القدرة المنخفضة على التحكم بالنفس.
  • عدم المثابرة.
  • الاندفاع بدون تفكير أو تخطيط.
  • ‏التشتت.
  • ‏الانسياق وراء المشاعر.
  • ‏التمرد: في بعض الأحيان تكون المماطلة كعمل من أعمال التمرد لدى البعض.

كيفية التغلب عليه

بعدما عرفت الأسباب التي تجعلك تُماطل بالتحديد، يمكنك بنجاح معرفة كيفية حل مشكلة المماطلة لديك. مثلًا، إذا لاحظت أنك تماطل وتستخدم أهداف مجردة، يمكنك التأكد من تحديد أهداف أكثر واقعية. بالمثل، إذا لاحظت أنك تماطل لأنك تشعر بالإرهاق بسبب مهمة كبيرة، يمكنك تقسيمها إلى مهام صغيرة وستشعر براحة أكبر في التعامل. دعنا نخبرك عزيزي القارئ بعض الخطوات الرئيسة في التغلب على المماطلة والتي يجب عليك اتباعها بخصوص جزء الأهداف ذلك الجزء المهم بحياتنا.

الخطوات:

  • ابدأ بتحديد أهدافك. عند القيام بذلك، تأكد جيدًا من تحديدها بأكبر قدر من الوضوح، وتأكد أنها مهمة بما يكفي وأن تكون قابلة للتحقيق.
  • ‏اكتشف المشكلة الرئيسة للمماطلة لديك. يمكنك القيام بذلك من خلال التفكير في الحالات التي قمت فيها بالمماطلة ومن ثم حدد متى وكيف ولماذا فعلت ذلك.
  • قم بوضع خطة عمل. يجب أن تتضمن خطتك تقنيات لمكافحة المماطلة أثناء المهام والتي ستسمح لك بالتعامل مع المواقف التي تمنعك فيها مشكلة المماطلة من تحقيق أهدافك.
  • قسّم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر ليسهل تنفيذها.
  • خذ راحة بين كل مهمة والأخرى؛ لتستعيد نشاطك.
  • تخلص من المشتتات.
  • حدد الوقت الذي تكون فيه أكثر وأقل إنتاجية، وقم بجدولة مهامك.
  • ضع مواعيد نهائية ومحددة لكل مهمة.
  • ركز على أهدافك بدلًا من المهام التي عليك إكمالها.
  • ‏استخدم قاعدة الخمس ثواني.
  • تخيل نفسك في المستقبل وأنت محقق تلك الأهداف.
  • تجنب السعي للكمال.
  • ‏ثق بنفسك وآمن بقدراتك.
  • ‏راقب تقدمك.‏
  • كافئ نفسك عند تنفيذ خطة عمل ما بنجاح.

المصادر

كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

 العلاقة بين علم النفس التطوري والأمراض النفسية

تُعتبر نظرية التطوّر واحدة من أهم المبادئ التأسيسية في مجال علوم الأحياء والصحة، وقد فتح علم النفس التطوري المجال أمام هذه النظرية لتكون جزءًا أساسيًا من تفسير السلوك الإنساني من جهة، وتفسير الأمراض والاضطرابات التي تصيب الصحة النفسية من جهة أخرى. إذًا كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟

ماذا قدّم علم النفس التطوري لعلم الأمراض النفسية؟

منذ نشأته، بدا علم النفس التطوري كعلم واعد في مجال دراسة السلوكيات البشرية العامة و”الطبيعية”، إلا أن استخدام نظرياته في محاولة تفسير أو معالجة الأمراض النفسية جاء خجولًا، وذلك لأن كل العاملين والباحثين في مجال الصحة النفسية منكبّين فعليًا على المعالجة الفعالة والسريعة للاضطرابات النفسية، فيما يبحث علم النفس التطوري عن الأسباب التاريخية الكامنة وفي دورالانتقاء الطبيعي في الأمراض النفسية.

منذ السبعينات، ظهرت محاولات عدة أبرزت دور التطور في علم النفس المرضي. وتستمر هذه المساهمات حتى يومنا هذا، لكنها بقيت إلى حدِّ ما متفرقة ومُشتتة، بحيث تناولت المقاربات التطورية كل مرض على حدى.

مقاربة راندولف نيسي

في عام 2015، قدّم الطبيب الأميركي «راندولف نيسي –Randolph Nesse» مقاربة شاملة، يشرح فيها أهمية مساهمات علم النفس التطوري في فهم الأمراض النفسية بطريقة واضحة، خصوصًا أن العدد الأكبر منها ذات إتيولوجيا (مصدر أو أسباب) مجهولة. يهتم نيسي بأهمية فهم أسباب ترك الانتقاء الطبيعي لهشاشة صحتنا النفسية في مواجهة الكثير من الأمراض والاضطرابات.

يساهم علم النفس التطوري في مقاربة فيزيولوجية أكثر عمقًا في مجال الصحة النفسية، وقد تجيب عن أسئلة هامة حول طبيعة عمل العلاقات البشرية والمشاعر الإنسانية. كذلك يضع إطارًا علميًا أوضح للتشخيص النفسي على أساس فيزيولوجي، ويضع إطارًا عمليًا أكثر عمقًا وتعاطفًا مع الأفراد المُصابين باضطرابات نفسية.

يحاول علم النفس التطوري فهم الفروقات الفردية التي تجعل بعض الأفراد أكثر عرضةً من غيرهم للأمراض النفسية، وأهمية التجارب الحياتية المُبكرة في بناء شخصية الفرد وتحفيز اضطرابات نفسية معينة عنده.

 «مفارقة الأمراض النفسية –Paradox of mental disorders»

تُصيب الأمراض النفسية عددًا كبيرًا من البشر. فأكثر من 10% من البشر حول العالم يعانون من مرض نفسي واحد على الأقل. ويموت سنويًا قرابة 800 ألف شخص حول العالم جرّاء الانتحار، أي بنسبة شخص واحد كل اربعين ثانية.

تتعدد وتتشابك الأسباب المؤدية لانتشار الأمراض النفسية. لكن تشير الأبحاث إلى دور مهم للجينات الوراثية في العديد من الأمراض النفسية. يبلغ حوالى الـ90 % في مرض التوحد، والـ85% في اضطراب ثنائي القطب والـ81% في مرض الفُصام.

من هنا، نشأ سؤال حول دور الانتقاء الطبيعي في بقاء الأمراض النفسية على مدى الأجيال المتلاحقة. إن كانت هذه الأمراض النفسية تضر تكيفنا ككائنات حية، فلماذا سمح الانتقاء الطبيعي ببقائها أو حتى بزيادتها؟ تسمّى هذه المفارقة بمفارقة الأمراض النفسية. ويأتي هنا دور علم النفس التطوّري في الإجابة على هذا السؤال.

كيف يفسّر علم النفس التطوري الأمراض النفسية من خلال الانتقاء الطبيعي؟

انتقلت الأمراض النفسية عبر الأجيال، ولم يتمكّن الانتقاء الطبيعي من كبحها، بل يعتقد أنه ساهم في بقائها أحيانًا. ويمكن تفسير ذلك من خلال الأسباب التالية:

  • سوء التكيف: لقد ساهم الانتقاء الطبيعي في صقل قدراتنا بحسب حاجاتنا في بيئة العصر الحجري، والتي تشكل بيئة التكيف التطوري. ولكن هذه التكييفات قد لا تناسب البيئة الحالية التي نعيش ضمنها. وقد تكون الامراض النفسية التي نعاني منها ناتجة عن سوء التكيف بين عقول العصر الحجري التي نحملها في جماجمنا وبين حاجات عالمنا اليوم.
  • الإصابة الفيروسية أو البكتيرية: تنتج بعض الأمراض النفسية عن إصابات فيروسية أو بكتيرية، سواءً في عمر بالغ أو في أشهر التكوّن الأولى في رحم الأم. كما أنها قد تنتج عن الاستجابة المناعية للجسد في وجه جسم غريب (كما في حالات أمراض المناعة الذاتية). في هذه الحالة، لا يقدر الانتقاء الطبيعي على مواجهة الإصابات. فتطوّر الفيروس والبكتيريا أسرع بكثير من تطور الإنسان بسبب كثرة أجيال الفيروس والبكتيريا مقارنة بتوالد البشر.
  • محدودية الانتقاء الطبيعي: رغم الأهمية الهائلة لهذه العملية، إلا أنها تبقى محدودة نظرًا لعشوائيتها والأخطاء المحتملة في نقل المعلومات الجينية. ويمكن بذلك أن تعزز احتمالية انتقال الأمراض النفسية بسبب عدم تأثير تلك الأمراض بشكل مباشر على توارث الصفات الجينية.
  • الدفاعات الجسدية والنفسية: بعض ردات الفعل الجسدية كالألم والسعال وارتفاع الحرارة قد تكون مزعجة، لكنها في الأساس تهدف للدفاع عن صحتنا الجسدية وحمايتنا. وغيابها نفسه يعد عرضًا مرضيًا. كذلك المشاعر السلبية كالقلق مثلًا قد يكون دفاعًا مفيدًا. وقد يعزّز القلق فرص البقاء على قيد الحياة، وبالتالي فمن الطبيعي أن يبقيه الانتقاء الطبيعي رغم كونه شعورًا سلبيًا.
  • مساومة الانتقاء الطبيعي (Trade off): في الانتقاء الطبيعي لا وجود لحلول مثالية. كل ميزة نحصل عليها نخسر في مقابلها ميزة أخرى، فنحن نملك قدرات جسدية وعقلية محدودة. لذلك قد يكون الحفاظ على الأمراض النفسية يشكل نوعًا من الحماية من خسارة ميزات معينة. وقد تكون بعض تلك الميزات ميزات عاطفية مسؤولة عما نحن عليه كمجتمعات بشرية.

مستقبل دراسة علم النفس التطوري للأمراض النفسية

ما زالت الأمراض النفسية تشكل تحدّيًا كبيرًا للبشرية. وتعتبر من الأمراض القليلة التي تفتقد للمؤشرات البيولوجية الكافية لتشخيصها، فيعتمد تشخيصها بشكل أساسي على وصف الأعراض. من هنا جاءت ضرورة استخدام علم النفس التطوري لفهم السياق الطبي التاريخي الذي أتى بهذه الاضطرابات. لا يسعى علم النفس التطوري لإيجاد نوع جديد من العلاج أو التشخيص للأمراض النفسية، بل لأن يدرس الأسباب فيساهم في نظرة أكثر شمولية وعمق لهذا النوع من الأمراض، لعل ذلك يفتح المجال أمام علاجها وتحسين حياة الملايين من البشر.

كيف أثّرت تطبيقات تحرير الصور على معايير الجمال واحترام الذات؟

كيف أثّرت تطبيقات تحرير الصور على معايير الجمال واحترام الذات؟

استخدمت مايا تطبيق الإنستجرام لأول مرة عندما بلغت 18 عام. في البداية كانت تشعر بثقة تجاه مظهرها في الصور التي تنشرها، ولكن هذا لم يستمر طويلًا، فقد بدأت مايا تقضي وقتًا أطول على هذه المنصة، وتُشاهد صور أصدقائها ومؤثرين التواصل الاجتماعي “المثالية” حسب تعبيرها. هذا ما جعلها تشعر بعدم الثقة والقلق تجاه صورها الأصلية، وبدأت عدة تساؤلات تراودها مثل هل أنفي صغير بما فيه الكفاية؟ لماذا لا أبدو جميلة بلا مجهود مثل هؤلاء المؤثرين؟ “كان هذا محبط” حسب قول مايا.

لتُعزِّز ثقتها بنفسها قامت بتنزيل تطبيق تحرير الصور الشهير FaceTune وبدأت بتعديل صورها، ولكن أصبح مظهرها يختلف على الطبيعة لذلك لجأت مايا للجراحة التجميلية والفيلر لسد هذه الفجوة.

بدأت مايا تنشر صورها بدون تعديلات وعبّرت بأن الأمر كان أشبه بفلتر على وجهها طوال الوقت، ولكن ذلك لم يحميها من الاستمرار في مقارنة مظهرها مع غيرها في الصور، وكان هذا الأمر محبط على الرغم من علمها بكل التعديلات التي يجريها الآخرون على مظهرهم و صورهم. أدركت مايا أنّ هذا الأمر سيء لذلك قلّلت من عدد الساعات التي تقضيها على الإنستجرام وألغت متابعتها لعدة مؤثرين للتقليل من هذا الهوس. [1]

معايير جديدة للجمال

يقول جراحو التجميل إن أيام الرغبة في الظهور بمظهر المشاهير قد ولّت. الآن يأمل الناس أن يُشبه مظهرهم في الواقع نُسختهم المعدلة بتطبيقات مثل «FaceTune و snapchat».

ارتفع عدد الأشخاص الذين يلتقطون الصور الشخصية في السنوات الأخيرة، ففي عام 2016 أعلنت «جوجل صور_Google photos» أن 200 مليون مُستخدم نشروا 24 مليار صورة شخصية على التطبيق، ومع وجود الكاميرات الأمامية في الهواتف الذكية التي تأتي مع تطبيقات الصور مثل «Snapchat و Instagram و Facetune» أصبح لدى المستخدمين قوة تشبه الفوتوشوب في متناول أيديهم، وأصبح من السهل التقاط الصور والتلاعب بها ثم الذهاب إلى جراح التجميل لتغيير مظهرهم كتلك الصور، فعلى سبيل المثال في عام 2015 أفاد 42% من جراحي التجميل أنهم رأوا عملاء كان هدفهم تحسين مظهرهم في صور السيلفي، وارتفع هذا الرقم إلى 55٪ في عام 2017. [2]

صورة معدلة ببرنامج facetune.

خلل السنابشات-snapchat dysmorphia

حديثًا يسعى بعض الأشخاص لإجراء عمليات تجميل لجعل مظهرهم يشبه صورهم المتلاعب بها بسنابشات وغيره _شفاه ممتلئة أو أنف أصغر أو عيون أكبر_ تعرف هذه الظاهرة باسم «خلل السنابشات-Snapchat dysmorphia». صاغ هذا المصطلح جراح التجميل تيجيون إيشو _مؤسس عيادات إيشو في لندن ونيوكاسل_ في عام 2015 عندما لاحظ أنه بدلًا من احضار صور المشاهير الآن يُشير الأشخاص إلى صورهم المتلاعب بها بالتطبيقات قبل اجراء عمليات التجميل.

انتشر هذا المصطلح عندما اعلنت الطبيبة فاشي وزملاؤها في تقرير في المجلة الطبية «JAMA» أن صور السيلفي وتحرير الصور غرسوا معايير جديدة للجمال قد تكون هذه المعايير غير واقعية، وكذلك يُمكن لهذه التطبيقات أن تجعلنا نفقد الاتصال بالواقع لأننا نتوقع أن نبدو في الحياة الواقعية كنسختنا المعدلة بتلك التطبيقات. تقول أستاذة علم النفس رينيه إنجلن “معرفتك بأن صورك قد تم التلاعب بها لا يحمي عقلك من المقارنة بينها وبين مظهرك في الواقع لأن هذا يحدُث تلقائيًا”.

يكون «snapchat dysmorphia» أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 40 عامًا. [1]

دائمًا ما يتصارع المجتمع والعلماء مع مُثُل ومعايير الجمال الغير واقعية. في الماضي تم نشر هذه المُثُل من قِبل المشاهير، ولكن يُمكننا إدراك أن هذه المعايير غير قابلة للتحقيق بسبب المسافة الهائلة بين النجوم والأشخاص العاديين لأنه يتم تحقيق هذه المعايير عند المشاهير عن طريق الالتزام المهني بالمظهر من خلال ممارسة التمارين الرياضية، والنظام الغذائي الخاضع للرقابة وفريق من خبراء التجميل والشعر والأزياء، ولكن هذه الفجوة تضيق الآن إن لم تكن تختفي تمامًا. يتوفر «FaceTune» وتطبيقات التحرير الأخرى على نطاق واسع لدرجة أن زملاء الدراسة وزملاء العمل والجيران والأصدقاء يتذرعون بمُثُل الجمال الغير واقعية. وفقًا لتقرير «للأكاديمية الأمريكية للجراحة التجميلية ABFPRS» في عام 2018 شهِد أكثر من نصف الجراحين زيادة في اجراءات التجميل أو الحقن في الأشخاص تحت 30 عام؛ أكثر من 80% كانت مخصصة للمظهر فقط. [1]

جراح التجميل تيجيون إيشو.

على الرغم من كل المخاوف إلا أن العديد من جراحي التجميل يعتقدون بأن «snapchat dysmorphia» قد تكون لها جوانب مضيئة. على سبيل المثال يعتقد دانيال مامان _جرّاح تجميل معتمد في مدينة نيويورك_ أنّ مفتاح النجاح في مجاله هو جعل مايريده الزبائن ممكنًا، وهذا يسهل تحقيقه عندما يأتي الأشخاص بصورة شخصية معدلة بدلًا من صور لمشاهير يختلف فيها مظهرهم عنهم كليًا، ولكن لا تزال هناك صعوبات في جعل مظهر الأشخاص مطابق لصورهم الذاتية المتلاعب بها بسبب التعارض بين التغييرات التي يتم إجراؤها بواسطة الصور ثنائية الأبعاد مع العالم الثلاثي الأبعاد، وكذلك من الصعب تكرار التعديلات الصغيرة التي لا تُعد ولا تُحصى الممكنة على تطبيقات التحرير في الممارسة العملية. [2]

وجوه السيلفي ليست حقيقية!

مانراه في صور السيلفي ليس واقعيًا، ففي دراسة حديثة في مجلة «JAMA» حَسَب الباحثون تشوه الوجه في صور السيلفي من خلال التقاط الصور من جوانب مختلفة عند اختبار ما أطلقوا عليه «اسم تأثير الصور الشخصية». عند التقاط صورة ذاتية على بعد 12 بوصة ظهر أنف الرجل أكبر بنسبة 30٪ بينما كان أنف المرأة أكبر بنسبة 29%، ولم تكن ملامح الوجه متناسبة في الصورة مع مقياس الحياة الواقعية إلا بعد مسافة 5 أقدام. من الممكن أن يُغذّي هذا استياء الشخص من مظهره، وكذلك قد يدفع البعض لإجراء العمليات الجراحية وبالتالي تكون رغبة الشخص في تصغير أنفه مدفوعة بالتشوهات الكامنة في التقاط الصور الشخصية.[2]

هوس الشخص بمظهره هو علامة حمراء لجراحي التجميل والأطباء النفسيين على حد سواء. بالنسبة لهؤلاء الخبراء فإنّ الخطر الأكبر هو «اضطراب تشوه الجسم-body dysmorphic disorder»، وهو مرض نفسي يشعر فيه الشخص بقلق بسبب عيوب في مظهره وهي عيوب تبدو بسيطةً أو لا يراها الآخرون ولكن قد يتعارض هذا القلق مع حياة المريض المهنية والاجتماعية.

أشار تقرير حديث في المجلة الطبية الأمريكية «JAMA» إلى أن تعديل الصور الذاتية باستخدام الفلاتر والتطبيقات يمكن أن يؤدي إلى اضطراب تشوه الجسم. [3]

كذلك نُشرت دراسة في «المجلة الدولية لاضطرابات الأكل» تُشير إلى أنّ كُثرة استخدام برامج تحرير الصور بين المراهقات يرفع من قلقهن تجاه أجسادهن ونظامهن الغذائي. يحدث هذا بسبب عدم التطابق بين الطريقة التي ترى بها الفتاة نفسها والصور التي تراها على وسائل التواصل الاجتماعي. وجدت دراسة أخرى أن المزيد من مشاهدة السيلفي كان مرتبطًا بتقدير الذات السلبي، وكشفت دراسة أخرى عن وجود صلة بين تحرير الصور وقبول الجراحة التجميلية.[1]

الخاتمة

في النهاية تذكر أن معايير الجمال الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي غير واقعية، وأن الصور التي نراها كل يوم خضعت لعدة تعديلات لتبدو بهذا الشكل. كذلك اسأل نفسك ما الذي تحاول تحقيقه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟ لتشعر بأنك جميل ومثير؟ أم للتواصل مع الأصدقاء؟ فكّر فيما إذا كانت المنصات تحقق لك حقًا ماتريد. [1]

مصادر كيف أثّرت تطبيقات تحرير الصور على معايير الجمال واحترام الذات؟:

[1]. psychology today

[2]. webmd

[3]. JAMA

اقرأ أيضًا: كيف يهدد التنميط جودة حياتنا؟

«نصل أوكام-occam’s Razor»: عندما يكون أفضل الطرق أقصرها

● ما هو نصل أوكام؟

يستخدم مبدأ «نصل أوكام-occam’s Razor» المعروف أيضاً ب «مبدأ التقتير-Principle of Parsimony» على نطاق واسع في العلم والفلسفة كوسيلة منطقية للاستدلال على المعرفة، حيث يدل ببساطة على تفضيل النظريات ذات الكينونات والمبادئ الأقل عن غيرها كمنهج تعليلي للظواهر.

تُنسب تسميته إلى الفيلسوف واللاهوتي الانكليزي «ويليام الأوكامي-William of ockham’s»
(1287-1347A.C) ‏الذي نص في كتاباته حرفياً على “ضرورة أن لا تتكاثر أو تتعدد الكينونات دون ضرورة”. [1][5] وبعبارة أخرى كما صاغها واستخدمها ابن خلدون في مقدمته “الطبيعة لا تترك أقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأعوص والأبعد”. [2]

● على أرض الواقع:

هذا ما يتم تطبيقه حقيقةً اليوم في العلم، إذا ما قُورنت نظريتان تفسران نفس الظاهرة بدقة، فإن النظرية التي تعتمد على كينونات أقل لتفسير الموجودات هي التي تُعتمد كتفسير للظاهرة. [1]

لعب هذا المبدأ دوراً هاماً في نجاح وتدعيم التفسير العلمي للطبيعة منذ العصور الوسطى وحتى الآن، إذ أن البساطة الشاملة هي أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى تفسيرات أفضل كلما تم تقديم أدلة جديدة حول مشاهدة ما؛ دون الحاجة لافتراض عوامل زائدة التعقيد. [1]

من السهل اختبار صحة نصل أوكام من حيث المبدأ بالتجربة؛ إذ أنه ينص على أن «التفسيرات الأبسط أفضل في العادة من التفسيرات المعقدة طالما كانت جميع العوامل الأخرى متساوية»، عن طريق المقارنة التاريخية بين النظريات التي اعُتمدت و كانت تقدم نتائج صحيحة، نلاحظ عندئذ أن النظريات الأبسط هي الأنجع. [1][5]

● تطبيقات المبدأ:

في العلم:

كتطبيق على هذا في حقل العلم؛ تعتبر ظاهرة تشكل البرق مثالاً جيداً، حيث كان الاعتقاد السائد في الميثيولوجيا الاسكندنافية قبل ظهور التفسيرات الحديثة هو أن «ثور-Thor» إله الرعد يضرب بمطرقته السحب مشكلاً البرق لأنه غاضب، تبين لاحقاً أن الظاهرة تفسر بدقة بتفريغ مفاجئ لمناطق ضمن الغلاف الجوي، كان هذا أبسط من التفسير الاسكندنافي الميتافيزيقي، لأنه لم يحتاج لافتراض وجود آلهة غاضبة أو قرع مطرقة عملاقة في السماء.

في الفلسفة:

مع بداية القرن العشرين، اكتسبت التعليلات المعرفية القائمة على الاستقراء، والمنطق، والبراغماتية، وعلم الاحتمالات بصفة خاصة شهرة أكبر في أوساط الفلاسفة فوجب استخدام المبدأ.

لا يوجد خلاف حول جدوى مبدأ نصل أوكام في الفلسفة، لكن غالباً ما يثار الجدل عند تطبيقه، فعلى سبيل المثال: رأى أنصار المذهب السلوكي في فلسفة الذهن أنه يمكن تفسير اللغة والسلوك دون الرجوع إلى الحالات الذهنية التي يختبرها الفرد، كالأفكار والمشاعر والنوايا والأحاسيس، فتطبيق «نصل أوكام-occam’s Razor» ينفي وجود هذه الحالات الذهنية، لأنها لا تقوم بأي دور في تفسير أفعالنا؛ لأنها مجرد نتائج جانبية مصاحبة للعمليات المادية التي تحدث في أدمغتنا، وتجعلنا نتصرف بصورةٍ معينة، لإنكار وجود كينونات أو حالات محددة؛ بل إنه يعمل على التمييز بين الحالات التي تقوم بدور في التفسير والحالات الأخرى التي لا تقوم بدورٍ مماثل، وهنا فإن تطبيق المبدأ يعد أمراً جيداً إذا ما تم التفريق بين ما يعد تفسيراً بسيطاً وتفسيراً تبسيطياً مخلاً. [3]

● كيف نتجنب الخلط؟

يجب التأكيد نهايةً على ضرورة عدم الوقوع في خطأ التشويش بين الحاجة إلى تفسيرات معقدة أحياناً والبساطة الشديدة، لكن من الأجدى تقديم التفسيرات البسيطة قبل التصورات الأكثر تعقيداً لحدث ما؛ قبل إفتراض كينونات إضافية تغطي الظاهرة المدروسة، بصياغة أخرى (النظريات الأبسط تفضَّل دوماً على النظريات الأعقد دون داعِ). [4][5]

المصادر

[1] Stanford Encyclopedia of Philosophy
[2] ابن خلدون – المقدمة
[3] Baggini, Julian. Fosl, Peter. The philosopher’s toolkit: A compendium of philosophical concepts and methods, 2nd ed. New York: Wiley-Blackwell; 2010. 209-210 p.
[4] University of Nottingham. Baron, Sam; Tallant, Jonathan
Do not revise Ockham’s razor without necessity

[5] Technische Universitaet Muenchen
Cognitive Systems, vol. 7, no. 2 (2009) 133-138Arcisstr. 21, D-80333 Muenchen, Germany

لماذا تزداد أعداد المتابعين على حسابات المؤثرين- influencers؟

لماذا تزداد أعداد المتابعين على حسابات المؤثرين

على مدار العقد الماضي شهد البشر أهمية وسائل التواصل الاجتماعي. ففي عام 2020 استخدم أكثر من 3.6 بليون شخص وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ما يقرب من 4.41 بليون شخص في عام 2025. ونتيجة هذا ظهر مؤخرًا فئة تُدعى ” المؤثرين- influencers”.

المؤثرون هم أشخاص قاموا بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وعملوا على زيادة المتابعين لديهم حتى أصبح لديهم جمهور ضخم متحمس لمعرفة أخبارهم وحياتهم اليومية. وأصبح لديهم القدرة على التأثير في القرارات الخاصة بالمتابعين بسبب علاقتهم بهم، وفي بعض الأحيان يقلدهم العامة بشكل هستيري!
بالمقال التالي سنفهم سر هذا التقليد وما تأثير هؤلاء المؤثرون على الواقع:

ما هو التسويق عبر المؤثر- influencer marketing؟

التسويق عبر المؤثرين هو عبارة عن تعاون علامة تجارية معينة مع مؤثر عبر الإنترنت لتسويق أحد منتجاتها أو خدماتها.
ونرى هذا النوع من التسويق يوميًا بمقاطع فيديو أو قصص المشاهير ليسوقوا لمنتجات للبشرة أو الشعر أو أيًا كان المنتج. ومن الأمثلة المعروفة على التسويق عبر المؤثرين هو تعاون أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي YouTube PewDiePie مع صانعي فيلم رعب تم تصويره في سراديب الموتى، حيث أنشأ سلسلة من مقاطع الفيديو التي خضع فيها لتحديات في سراديب الموتى. لقد كان محتوى مثاليًا لمتابعي PewDiePie والبالغ عددهم 27 مليونًا وحصل بعدها على ضعف عدد المشاهدات تقريبًا وأيضًا تم التسويق للفيلم بحرفية كبيرة وربح الجميع!

مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة!

من المثير للاهتمام أن لكل فئة بشرية موقع تواصل اجتماعي معين تفضله عن الآخر، فمثلًا الإناث كن أكثر استخدامًا لموقع” Instagram” لمتابعة المؤثرين، بينما كان الذكور أكثر استخدامًا لموقع YouTube.
وباستطلاع رأي أجري عن عمر أغلب المتابعين للمؤثرين وجد أن: أغلب الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عامًا يفضلوا متابعة المؤثرين على “Facebook”. ويتابع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و 24 عامًا المؤثرين على “Instagram”. أما الأكبر سنًا من 35-61 عامًا لا يتبعون أي مؤثر.
وعند السؤال عن نوع المحتوى الذي يفضل المستخدمون تلقيه من المؤثرين. أجاب 33٪ ممن شملهم الاستطلاع “مقاطع فيديو اليومية التي تكون في قصص المؤثرين”. ويأتي ذلك نظرًا للنمو الهائل للقنوات سريعة الزوال مثل Snapchat و Instagram Stories.

ما الذي يجعل المستهلكين يثقون في المؤثرين؟

على عكس المشاهير، يمكن أن يكون المؤثر أي شخص بأي مكان، وما يجعلهم مشاهير هي كثرة المتابعين لا أكثر.
يمكن أن يكون المؤثر مصور أزياء شهيرًا على Instagram. أو مدونًا يقوم بالتغريد على موقع تويتر، أو مدير تسويق على LinkedIn. في أي صناعة هناك أشخاص مؤثرون سيكون لدى البعض مئات الآلاف (إن لم يكن الملايين) من المتابعين.

شئ بديهي أن ما يشد الشخص هو الشئ الذي يحبه، فتنجذب النساء بشكل أساسي إلى منتجات الملابس والعناية بالبشرة، وينجذب الرجال إلى الألعاب عبر الإنترنت، “الاهتمامات” هي السبب الرئيسي وراء متابعة المستهلكين للمؤثرين عبر الإنترنت.
لذا يعد التخصص في المحتوى أمر مهم لنجاحه. وباستطلاع رأي أشار 66٪ من المستجيبين إلى الحاجة بأن يكون المحتوى ذو صلة باهتماماتهم. وبالنسبة للنساء، أشار 44٪ من المستجيبين إلى أن رؤية المنتج / الخدمة قيد الاستخدام كسبب للثقة في مشاركة المؤثر، بينما استشهد الذكور بـ “الخبرة” على أنها الأكثر أهمية.
بالإضافة إلى ذلك يثق الشخص بالمؤثرين الذين لديهم متابعون أكثر، بالفطرة يثق البشر بالشئ الذي عليه إقبال أكبر، فكلما زاد المتابعون زادت ثقة الناس بالشخص.

اقرأ أيضًا: أشهر حيل تسوقية

لماذا تزداد أعداد المتابعين على حسابات المؤثرين- influencers؟

لدى المؤثرين بعض الحيل المستخدمة لجذب المتابعين والتي منها:

استخدام بعض الهاشتاغات– hashtags بصفة مستمرة للوصول إلى أشخاص جدد
تحسين صياغة السيرة الذاتية والملف الشخصي: يحرص المؤثرون بأن يكون الملف الشخصي والسيرة الذاتية واضحة وجذابة حتى يضغط المتابع على زر المتابعة
مشاركة محتوى جذاب: يمكن أن يشارك المؤثرين محتوى غريب أو شخصي لجذب المتابعين، حيث ينجذب بعض المتابعون لحياة الأشخاص الشخصية كنوع من الفضول أو المحتوى الغريب الغير مألوف. وهذا لا ينفي وجود محتوى هادف ومؤثر.
كتابة كلمات تزيد التفاعل مثل طرح الأسئلة والتي يقوم المتابعون بالإجابة عنها ومن ثم تزداد التفاعلات.
ترويج الحسابات
نشر المحتوى القابل لإعادة النشر والمشاركة
استخدام كلمات منتشرة في أسماء الحسابات للظهور في عمليات البحث بشكل أكبر

أما بالنسبة للعامة فيقلد الشباب والصغار أصدقائهم ويتابعون المؤثرين لأن صديقه رشح له ذلك، وقد يصل متابعة البعض المؤثرين إلى الهوس والإدمان! وذلك لحبهم الشديد للمؤثرين فنهجهم نهج المشاهير من الممثلين أو الفنانين لديهم متابعين ومعجبين.


الخاتمة


هناك جانب آخر لا يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي من المؤثرين وهو عدم قول الحقيقة كاملة. مثلًا قد تشتري بعض الفتيات في منتجات عناية بالبشرة سوقتها مؤثرة لأن بشرة هذه المؤثرة تبدو جيدة، ولكن الحقيقة أن هذه المؤثرة تستخدم المكياج أو الإضاءة الجيدة لتكسب ثقة الفتيات وإغرائهم.


وينتج عن هذا تشويه لاحترام الذات بين الشابات فتشعر بعض الفتيات أن بعدم جاذبيتهم. الآن، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تجعل أكثر من نصف المستخدمين يشعرون بعدم كفاية. وفقًا لمسح شمل 1500 شخص من قبل مؤسسة Scope، يقول نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا إن ذلك يجعلهم يشعرون بعدم الجاذبية. اقترحت دراسة أجراها باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا عام 2016 أن مشاهدة صور السيلفي لأشخاص آخرين يقلل من احترام الذات لأن المستخدمين يقارنون أنفسهم بصور الأشخاص الذين يبدون أسعدهم. كما وجد بحث من جامعة ستراثكلايد وجامعة أوهايو وجامعة أيوا أن النساء يقارن أنفسهن سلبًا بالصور الذاتية لنساء أخريات.

مصادر لماذا تزداد أعداد المتابعين على حسابات المؤثرين:

1- psychology today

2- BBC

3- INSIDER

4- childmind

علم نفس التسويق | تعرف على أشهر 3 حيل تسويقية!

علم نفس التسويق مجال شيق وواسع. وهناك عدد من الأحداث في التاريخ التي أخفقت فيها طرق التسويق المعتادة، وأفلح فقط استخدام علم النفس لمعرفة ما يريده المستهلك حقًا. ربما تتساءل الآن، إذًا كيف بدأ الأمر؟

والإجابة هي: صندوق خليط الكعك الجاهز!

قصة خليط الكعك الجاهز

هل تساءلت يومًا عن تاريخ «خليط الكعك الجاهز-cake mix»؟ يبدو أن هذا الصندوق الصغير مر بالكثير من الأحداث المشوقة قبل أن يصل إلينا.

ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز خلال فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة. حيث توقف الناس عن خبز كعكاتهم لكثرة المكونات والخطوات، ولقلة الموارد بالطبع. نتيجة لنقص الطلب زادت كميات الطحين وفاضت، مما دفع أصحاب المطاحن إلى التفكير في وسيلة مبتكرة لبيعه. وهنا ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز.

ابتكر المصنعون وصفة من الطحين والدبس المجفف والبيض المجفف، وما على ربة المنزل سوى إضافة بعض الماء والاستمتاع بكعكة لذيذة. توقع المصنعون نجاحًا باهرًا، لأن الخطوات بسيطة وغير مكلفة أبدًا. زادت المبيعات بالفعل واشترى الناس خليط الكعك الجاهز، لكن استقرت الأرقام بعد فترة ولم يصل المنتج لأي شخص جديد.

قرر أصحاب المصانع تقصي الأمر، لما لم تحب المزيد من ربات البيوت هذا المنتج؟ ما العائق؟ وكيف نتخطاه؟

حل عبقري

هنا جاء دور علم النفس. ظهر عالم النفس النمساوي «إرنست ديكتر-ernest dichter» لينقذ خليط الكعك الجاهز. توصل ديكتر إلى العائق الذي منع ربات البيوت من استخدام الخليط الجاهز، وهو “الشعور بالذنب”. توقفت السيدات عن استخدام الخليط الجاهز لأنهن شعرن بالذنب، لقلة المجهود الذي يتطلبه الأمر. فلم يشعرن أنه خَبزٌ حقيقي من أجل العائلة، ولم يشعرن باستحقاق المديح.

هنا جاء ديكتر بفكرة عبقرية وهي: إضافة البيض!

كان الشعور بالذنب هو العائق الذي يقف في طريق هذا المنتج، لذا استخدم ديكتر حيلة نفسية بارعة. تسمح للسيدات بالشعور بالمزيد من المشاركة الحقيقية، على عكس خليط الكعك الأصلي، شعرت ربات البيوت أنهن يقمن بطهو حقيقي عند كسر البيض وصنع الخليط وبالتالي قل شعورهن بالذنب.

تضاعفت المبيعات بعد هذا التعديل البسيط، ومثّل نقطة الانطلاق في تاريخ خليط الكعك الجاهز. حتى صار منتجًا معتادًا في أغلب بيوت العالم اليوم.

شهرة علم نفس التسويق

لماذا أقص هذه القصة؟

أقص هذه القصة لأن تعديل ديكتر البسيط لم يؤثر على مبيعات المنتج وحسب، وإنما فتح بابًا جديدًا يُوظَف فيه علم النفس في استراتيجيات التسويق، توظيفًا يلعب على تحيزاتنا ومشاعرنا وأفكارنا لتحقيق أعلى المبيعات. لذا إن كنت صاحب مشروع أو متسوق متهور توشك بطاقته الائتمانية على الإفلاس، دعنا نتعرف على بعض مفاهيم علم النفس المستخدمة في عالم التسويق اليوم.

تأثير الشَرّك

التسويق علم واسع وكبير، ولا داعي لذكر الهدف الأهم المرجو منه وهو تحقيق أعلى المبيعات. لا يمكن تحقيق هذه المبيعات المرتفعة دون التلاعب بالأسعار، ودفع المشترين بشتى الطرق إلى شراء المنتج المستهدف.

«تأثير الشرك-Decoy Effect» أحد الوسائل التي يستخدمها المسوقون للتلاعب بالأسعار. ويحدث عندما يُعرِض المستهلك عن اختيار ما ويختار الآخر، ذلك عند مقارنتهما باختيار ثالث مختلف. هذا الاختيار الثالث هو “الفخ” أو الشرك الذي يضعه خبراء التسويق ليدفع المستهلكون في اتجاه المنتج المستهدف.

مثال: عرضت إحدى الصحف خيارين لباقات الاشتراك الشهرية بها.

  1. اشتراك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

أسفرت النتائج عن اختيار النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الالكتروني الأقل تكلفة. أما عند القيام بتعديل بسيط ومنح المشاركين ثلاثة خيارت:

  1. اشترك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك مطبوع: 125$
  3. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

اختارت النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الثالث الأعلى تكلفة. ونلاحظ أنه كان الخيار المستهدف منذ البداية لأنه يعود بالفائدة الأعلى على الصحيفة.

يمثل الخيار الأوسط هنا الفخ أو الشرك، الذي يجعل الخيار الثالث يبدو أكثر فائدة ومنطقية. ويجعل المستهلك يتساءل لماذا يختار الخيار الثاني بينما يمكنه دفع نفس السعر والحصول على نسخة مطبوعة؟

يلعب هذا التأثير بشكل أساسي على مشاعر المستهلك. يشعر المستهلك بالقلق وعدم القدرة على اتخاذ القرار عند عرض عدة خيارات (الظاهرة التي عرفها علماء النفس بإشكالية اتخاذ القرار). ويلجأ إلى تبسيط خياراته وعقد مقارنة بينها تبعًا لعوامل أساسية مثل السعر والجودة على سبيل المثال.

هنا يأتي دور تأثير الشرك، حيث يستخدمه المسوق الماهر لدفع المستهلك في اتجاه المنتج المستهدف (المنتج الذي يبدو للمستهلك أنه الأجود والأفضل سعرًا).

كره الخسارة

يخبرنا علم النفس أن مشاعر الخسارة السلبية أشد بأضعاف من مشاعر الكسب الإيجابية. من هنا يأتي مفهوم «كره الخسارة-Loss Aversion» وهو تحيز معرفي يشير إلى تفضيل البشر الخيار الآمن، فيفضلون تجنب الخسارة على احتمالية الكسب.

مثال: المشاعر السلبية المرتبطة بخسارة 20$ أشد من المشاعر الإيجابية المرتبطة بكسب 20$!

يعد هذا المفهوم إحدى حيل علم النفس المنتشرة في عالم التسويق. ويستغله المسوقون عن طريق عرض منتجاتهم بالشكل الذي يدفع المستهلك لشرائها، الشكل الذي يُشعر المستهلك أنه يخسر/يضيع فرصة ما إذا أعرض عن الشراء. ذلك باستخدام عبارات مثل:

  • اشترِ الآن
  • اشترك الآن
  • جرب الآن
  • احصل عليه الآن

يرتبط بتلك الوسيلة التسويقية مبدأ آخر، هو مبدأ النُدرة الذي يغذي شعور كره الخسارة ويساهم في اتخاذ قرارات شراء متسرعة. ويظهر في: الحسومات لفترة محدودة، أو المنتجات محدودة الإصدار.

تأثير الألفة

“البعيد عن العين بعيد عن القلب”

يخفي هذا المثل الشعبي الشهير أحد مفاهيم علم النفس وهو تأثير الألفة. كلما رأيت شيئًا ما مرارًا وتكرارًا، اعتدته وازداد تعلقك به.

يستخدم خبراء التسويق هذا المفهوم لزيادة شعبية منتجاتهم، عن طريق الدعاية المتكررة، واستخدام المنصات الالكترونية المختلفة لخلق حملة ترويج مستمر. يخلق هذا التعرض المنتظم لنفس المنتج نوعًا من الاعتياد والألفة الذي سرعان ما يتحول إلى إعجاب بالمنتج.

مثال: تأتي شركات الملابس أحيانًا بأغرب الصيحات التي ينفر منها الكثير. لكن بمرور الوقت وزيادة الانتشار تجد أغلب الناس يعتادونها ويبدأون بشرائها. هنا يظهر تأثير الألفة.

خاتمة

تعرفنا اليوم على ثلاث من مفاهيم علم النفس التسويق. وبالطبع لا يقتصر الأمر عليهم وحسب، بل يستخدم خبراء التسويق وعلماء النفس عشرات المفاهيم يوميًا لدفعنا بطرق بسيطة وخفية إلى المزيد من الشراء. أنت تقرر إذا كان هذا الأمر نافعًا أم ضارًا. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه هو أنه ذكي للغاية ومثير للاهتمام!

المصادر

كيف ساهم التطور في صقل مهاراتنا الاجتماعية؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

الإنسان ليس الكائن الاجتماعي الوحيد، لكنه بالتأكيد الأكثر تعقيدًا بين الكائنات اجتماعيًا. فهو لم يكتفِ بالعيش ضمن مجموعة صغيرة يتشارك معها مقوّمات العيش، بل انخرط في مجموعات أكبر وبنى حضارات ضخمة وطوّر ثقافات مختلفة لكلِّ منها خصائص ولغة تواصل وعادات سلوكية مختلفة. إن هذه المهارات الاجتماعية تتطلب قدرات عقلية، إذًا كيف ساهم التطور في صقل مهاراتنا الاجتماعية؟ وما هي مساهمات علم النفس التطوّري في هذا المجال؟

بمَ يتميّز البشر عن القردة العليا في مجال المهارات الاجتماعية؟

تعيش قرود الشيمبانزي، وهي الكائنات الأقرب  إلينا من الناحية التطورية، في مجموعات صغيرة تسمّى بالعشيرة أو القبيلة. وقد تبيّن أن هذه العشائر تحمل اختلافات ثقافية، فقد بيّنت دراسة أُجريت عام 2013 في ساحل العاج أن ثلاثة قبائل مختلفة من الشيمبانزي تستخدم أساليب وتقنيات مختلفة في تكسير الجوز. والمُلفت أن هذه العشائر الثلاثة تجمعها علاقات الزواج والمصاهرة، وبالتالي فإن الفروقات بينها ليست جينية، بل هي ثقافية أي أنها تنتقل من خلال التنشئة الاجتماعية.

ولكن الأكيد أن هذه الاختلافات الثقافية، بسيطة جدًا أمام التنوع الثقافي عند البشر، من الأديان واللباس وصولًا إلى العادات الاجتماعية واللغات. لذلك عمل الباحثون وعلماء النفس على البحث عن الأسباب التي تجعل الكائن البشري أكثر تطورًا على الصعيد الاجتماعي.

في دراسة أجراها «إدوين فان لوفين – Edwin Van Leeuwen» قارن فيها أطفال تحت عمر الثالثة بحيوانات الشيمبانزي. تبيّن أن الأطفال يبدون اهتمامًا أكبر بالتعلّم من أقرانهم وتقليدهم، وهم أكثر تأثرًا بمحيطهم.

قد ينسب البعض الاختلاف الكبير في القدرات الاجتماعية إلى الفروقات في القدرات المعرفية بين البشر والحيوانات الأخرى. لكن آخرون يعتبرون أن البشر يتميّزون بتفوقهم في المهارات الاجتماعية بشكل خاص ومستقل عن باقي القدرات العقلية. وبالتالي هم يدعمون «فرضية الذكاء الثقافي – Cultural intelligence hypothesis».

فقد قارنت دراسة تشمل 230 مشارك، من أطفال يبلغون عمر السنتين ونصف السنة وقرود الشيمبانزي والأورنغوتان. ووجدت أن النتائج تتشابه في مجالات القدرات المعرفية المتعلقة بالمكان والكميات والعلاقة السببية. أما في المهارات الاجتماعية التواصلية، فقد تفوق البشر بما يفوق الضعف على القردة العليا.

مسألة الاختيار لـ«واسون – Wason»: تفوق المهارات الاجتماعية على قدرة التحليل المنطقي

في الستينيات من القرن الماضي، أجرى عالم النفس المعرفي «بيتر واسون – Peter Wason» اختبارًا لقدرة التحليل والمنطق الاستنتاجي. ويقوم هذا الاختبار على عرض أربعة بطاقات مع ضرورة التزام هذه البطاقات بشرط معين. وعلى الفرد اختيار أقل عدد معين من البطاقات لفتحها للتأكد من التزامها بالشرط.

نعرض هنا مثلًا من الاختبار، في الصورة أدناه ترى أربع بطاقات، كلُّ منها تحمل شكلًا هندسيًا من جهة ولونًا من الجهة الثانية. عليك التأكد من احترام البطاقات للقاعدة التالية: إذا حمَلَت البطاقة اللون الأصفر من جهة، عليها أن تحمل الشكل الدائري من الجهة الأخرى. أي بطاقات تعتقد أن عليك فتحها؟

الحل: عليك أن تفتح أولًا البطاقة التي تحمل اللون الأصفر للتأكد من أنها تحمل الشكل الدائري. بعكس ما يمكن أن تعتقد، أنت لا تحتاج لأن تفتح البطاقة التي تحمل الدائرة، لأن الشرط لا يلزمها بلون معين. لكنك تحتاج لفتح البطاقة التي تحمل المثلث للتأكد من أنها لا تحمل اللون الأصفر.

هل استطعت أن تحل المسألة؟ إذا لم تجد الإجابة الصحيحة لا تقلق، فقد بيّن الاختبار أن فقط 10% من الأشخاص يستطيعون حلّها.

تجارب الثمانينات

في الثمانينات، أعاد علماء النفس الاختبار مع قواعد اجتماعية بدلًا من القواعد المنطقية المجرّدة. وسنعرض هنا مثلًا عنها. تخيّل أنك تعمل في نادٍ ليلي، وعليك أن تتأكد أن من تجاوزوا الواحد والعشرين عامًا هم فقط من يستطيعون تناول الكحول.

كل بطاقة من البطاقات التالية ترمز إلى فرد موجود في النادي الليلي، أي بطاقات عليك فتحها للتأكد من احترام القانون؟

الحل: عليك فتح البطاقة التي تحمل الرقم 16 للتأكد من عدم تناوله الكحول، وعليك فتح البطاقة التي تحمل الكحول للتأكد من أنها تحمل عمرًا يفوق الواحد والعشرين.

هل لاحظت أن المسألة الثانية أسهل من المسألة الأولى؟ كثيرون ممن يخضعون للاختبارين يعتبرون أن حل المسألة الثانية أسهل بكثير من الأولى رغم تشابههما.

كيف يرى علم النفس التطوري نتائج اختبار واسون؟

بحسب العالمين كوسميدس وتوبي، مؤسسي علم النفس التطوري، يثبت اختبار واسون أن البشر يتميزون بقدرة أكبر على حل المسائل الاجتماعية من قدرتهم على حل المسائل المنطقية، وذلك لأن هذه المهارات كانت ضرورية للبقاء على قيد الحياة عند أسلافنا. فقد عاش البشر القدماء في عشائر من الصيادين، ومن أكثر المشاكل التي واجهوها هي تلك المتعلقة بالحياة الجماعية. لذلك كان من الضروري والمفيد تطوير المهارات المتعلقة بالتعاون والمنافسة وكشف النوايا وكشف خرق القوانين الاجتماعية.

إذًا ما يميّزنا كبشر لا يقتصرعلى حجم أدمغتنا الذي يبلغ ثلاثة أضعاف حجم أدمغة القردة العليا ولا على قدراتنا على حل مسائل الرياضيات والعلوم. بل الأهم من ذلك كله هو القدرة على التواصل وبناء المجتمعات المنظمة والتعلم من بعضنا البعض. التواصل هو ما جعلنا قادرين على مراكمة خبرات الأجيال البشرية والتفوق على التطور البيولوجي سرعةً من خلال نقل التجارب اجتماعيًا وتطويرها.

المصادر:

Coursera
Livescience
AAAS
AAAS

هل الدماغ البشري عبارة عن آلة ذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

هل الدماغ البشري عبارة عن آلة ذكية؟

محرِّكات بحث، آلات قيادة السيارات، تلسكوبات استكشاف الكواكب الجديدة.. وآلات ذكية في كل مكان! أصبحت الآلات الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وهي قادرة على القيام بوظائف صعبة ومعقدة. فهل تستطيع هذه الآلات “التفكير”؟ وإلى أي مدى يشبه الدماغ البشري هذه الآلات الذكية التي صنعناها بأنفسنا؟ هل الدماغ البشري عبارة عن آلة ذكية؟

تورينغ والآلات الذكية

كثيرًا ما تبهرنا الوظائف المعقدة التي تستطيع الآلات الذكية تأديتها. فبإمكان أي آلة أداء وظيفتها بإتباع مجموعة محددة وثابتة من الأوامر. أما الآلة الذكية، فهي إضافًة إلى ذلك، قادرة على تمييز المعلومات والتفاعل معها من خلال ما نسميه بالـ«حساب – Computation». والمقصود بالحساب هو طريقة لحل المسائل تتم باتباع سلسلة تعليمات تسمّى بالـ«خوارزمية – Algorithm». وتتكوّن الخوارزمية من سلسلة خطوات بسيطة وسهلة جدًا، لكن تتابعها وتراكمها قادرٌ على صنع سلوك معقّد وذكي.

يعتبر عالم الرياضيات البريطاني «ألان تورينغ – Alan Turing» من أكثر المؤثرين في عالم الحساب والذكاء الاصطناعي اليوم. فقد تمكن تورينغ من تصميم نموذج بسيط يحاكي عمل الحاسوب، قادر على القيام بأي مهمة وحل أي مسألة مهما زاد تعقيدها، بشرط أن يعطى النمط أو الخوارزمية اللازمة، مع المساحة والذاكرة الكافية. وبذلك، تم اختصار صعوبة إنجاز السلوكيات المعقدة بإيجاد الخوارزمية المناسبة لها. يعرف هذا النموذج بآلة تورينغ. 

ولكن ما هي الخوارزميات القادرة على خلق السلوكيات الذكية؟

لسنين عديدة، ظلت الخوارزميات المعتمَدة هي تلك التي تحتوي على قواعد وعناصر لغوية. ثم أصبحت مؤخرًا تحتوي على شبكات من الخلايا الرقمية المتشابكة، المستوحاة من طريقة عمل الدماغ. تسمى تلك الشبكات بـ«شبكة اتصال – Connectionist network».

من هنا، وُلد تساؤل جديد حول عمل الدماغ: هل للسلوكيات المعقدة والذكية التي يصدرها الدماغ البشري آلية مماثلة لتلك الموجودة في الآلات الذكية؟ هل يمكن اعتبار الدماغ البشري آلة ذكية شديدة التعقيد؟

النظرية الحاسوبية للعقل

لم تقتصر النظرية الحاسوبية على طريقة لبناء آلات ذكية لتسهيل حياتنا. بل هي أيضًا تقترح أن نعيد النظر فيما نعرفه عن عقلنا البشري، فقد يكون العامل الذي يجعل آلة ما ذكية، هو نفسه العامل الذي يخولنا أن نكون أذكياء. وبذلك تكون النظرية الحاسوبية ليست مجرد أداة هندسية، بل هي وسيلة لفهم طريقة عمل الدماغ. من هنا، نشأت «النظرية الحاسوبية للعقل –Computational Theory of mind ».

في عام 1943، اقترح العالمان الأميركيان «وارين ماك كولوتش – Warren McCulloch» و«والتر بيتس- Walter Pitts» أن نموذج آلة تورينغ قد يكون نموذجًا جيدًا لوصف الدماغ.

وفي الستينيات، أصبحت هذه النظرية مركزية في العلوم الناشئة في مجال العلوم المعرفية. وفي العام 1967، طرح الفيلسوف الأميركي «هيلاري بوتنام – Hilary Putnam» النظرية الحاسوبية بشكلها الحديث.

في السبعينات، اعتبر عالم الأعصاب البريطاني «ديفيد مار – David Marr» أن النظرية الحاسوبية للعقل تفسر وتجيب عن ثلاثة أسئلة أساسية متعلّقة بالعقل. الأسئلة هي: “ما هي المهمة التي ينجزها العقل؟ لماذا ينجزها؟ وكيف؟”.

علاقة النظرية الحاسوبية للعقل بمعضلة الوعي

تعتبر النظرية الحاسوبية للعقل أن طريقة عمل شبكات الخلايا العصبية كآلة تورينغ ليست مسؤولة فقط عن القدرات المعرفية للدماغ، بل أيضًا عن تجربة الوعي التي نختبرها كبشر، وقد تكون هذه النظرية عبارة عن إجابة لمشكلة الوعي الصعبة في الفلسفة.

يجدر الإشارة إلى أن النظرية الحاسوبية للعقل تلتبس أحيانًا بالتشبيه المجازي الذي يعتبر أن الدماغ يشبه الحاسوب الحديث. وهذا فعليًا لا يعكس حقيقة النظرية. فالتشبيه بالحاسوب يوحي بأن الدماغ مبرمج تمامًا كالحاسوب. بينما النظرية تعتبر أن الدماغ يستخدم قواعد مشتركة مع الحاسوب، وبالتالي هو بنفسه نظامًا حاسوبيًا.

ختامًا، إن الدماغ البشري هو أكثر العناصر تعقيدًا في الكون. وبالتالي، فمن الطبيعي أن تتعدّد النظريات المُفسّرة لطريقة عمله. وقد تكون النظرية الحاسوبية من أكثر هذه النظريات انتشارًا اليوم، ولكن يبقى السؤال، ما الذي يجعلنا، ككائنات ذكية، مختلفين عن الآلات؟ وهل النظرية الحاسوبية كافية لتفسير كل مكونات الدماغ من أفكار ومشاعر واعية وغير واعية؟

المصادر:

Coursera
Stanford encyclopedia of philosophy

أثر خطر الانتحار على المقربين ..أسباب ومساعدة

يعتبر الانتحار أبشع عمل يمكن أن يقوم به الإنسان، يمكن أن يسمى بالجريمة ولكن ليس الجريمة وفقًا للقانون، فهو جريمة ضد نفس المنتحر وأسرته أو المجتمع الصغير المحيط به، فهو ينهي حياته ولا يعي أثر خطر الانتحار على المقربين بعد ذلك. يأتي الانتحار في المرتبة الثانية من أسباب الوفاة بين الشباب والمراهقين والعاشر بشكل عام.

وفقًا لتقارير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، يفكر قرابة 16% من المراهقين في الانتحار. هناك ما يقرب من مليون حالة انتحار سنويًا بسبب جميع أنحاء العالم. الأعداد مقلقة ويجب معالجتها بشكل صحيح بكل الوسائل الممكنة.

الانتحار ليس نهاية المشكلة التي عاشها المنتحر، ولن يصبح أبدًا “الحل”. المشكلة لا تنتهي بانتحار الشخص، إنها تطارد كل من يرتبط به/بها طوال الحياة. يؤثر انتحار القريب أوالصديق أو العزيز على باقي أفراد الأسرة، فحالة الانتحار تصيبهم بالإحباط والخوف، وتجعلهم غير مستعدين لأي إنجاز. كثيرون لا يعودون أبدًا إلى حياتهم الطبيعية، وبالتالي يعيشون حياة بائسة في أغلب الأحيان وكأن لا دور لهم في المجتمع.

 ما هي أهم المشاكل التي تدفع الإنسان إلى الانتحار؟

  • الفشل في الحب.
  • الفشل في الحصول على تقدير- درجة – مستوى مُرضٍ في المدرسة مثلا، وبالتالي خسارة فرصة الالتحاق بالكلية المرغوبة.
  • عقدة النقص وتدني احترام الذات.
  • البطالة وعدم إيجاد فرصة عمل.
  • الديون الشديدة والعبء المالي.
  • المشكلات الأسرية، والأعمال التي تبدو بالنسبة للشخص أنها مشينة (الخيانة الزوجية، الزواج خارج الطبقة الاجتماعية، الإتهام بالاغتصاب، التنمر المستمر والتوبيخ، العنف الأسري،… ، إلخ)
  • مرض أو ألم عِضال.
  • شريك الحياة غير المسؤول أو مدمن على الكحول ويتسبب في الإساءة للزوج والابن،… وما إلى ذلك.
  • كون الشخص ضحية لحادث اغتصاب.

تطول القائمة، وتظهر أسباب جديدة في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون وما إلى ذلك كل يوم تقريبًا للانتحار. ينتشر الانتحار في الوقت الحاضر لدرجة تجعله أمر متوقع دائمًا، وهو أمر مرعب. فنسمع عن انتحار صبي أو فتاة لا يتجاوز عمرها 8 سنوات. ما الذي دفع بهم لارتكاب مثل هذا العمل الشنيع؟ لقد أصبح الانتحار خطرًا شائعًا في المجتمع لدرجة أن الناس اعتادوا عليه. أصبحوا معتادين على استقبال اخبار عن الانتحار، دون إظهار أي ندم أو شفقة، أصبحوا غير مبالين تمامًا.

يمكن لعوامل أخرى مثل الخسارة، والإدمان، وصدمات الطفولة أو أشكال أخرى من الصدمات والاكتئاب. أيضًا الأمراض الجسدية الخطيرة، والتغيرات الكبيرة في الحياة أن تجعل بعض الناس يشعرون بالإرهاق وعدم القدرة على التكيف. ربما يكون لدى الشخص نوع من أزمات منتصف العمر الخطيرة التي تؤدي إلى اقترابه من خطر الانتحار، أو أنه لم يجد معنى لحياته، أو ارتبك من احتمالية حدوثها. إن فكرة الحياة ومعناها ترعبهم وتملأ عقولهم بالشك، مما يقلل من احترامهم لذواتهم. من المهم أن تتذكر أنه ليس بالضرورة أن تكون طبيعة الخسارة أو الضغوطات مهمة بقدر أهمية تجربة الفرد مع هذه الأشياء التي لا يتحملها.

متى يتخذ الشخص خطواته نحو الانتحار؟

يأتي الانتحار كنتيجة لمدى الصلابة النفسية للفرد ومدى تهيؤه للتعامل مع الكرب النفسي والألم أو الخوف أو اليأس الذي يطغى على قيمة الفرد في العيش والأمل في الحياة. في حين أن هناك ارتباطًا راسخًا بين الانتحار والاكتئاب، فإن كل حالة انتحار تحدث بمزيج فريد من العوامل المعقدة والمترابطة، الفردية والبيئية والبيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والسياسية والروحية، بما في ذلك الصدمات النفسية.

قد يكون ضحايا الانتحار محقين في وجهة نظرهم لارتكاب أكثر الأفعال قسوة على أنفسهم، للهروب من المشكلة التي دفعتهم إلى الفعل. قد يدعى بعض الناس أن كل هؤلاء الذين يعظون ضد الانتحار يحتاجون إلى التفكير ومواجهة المشكلة من وجهة نظر الضحية، وأن يكونوا في مكانهم قبل إلقاء اللوم على ضحايا الانتحار. لكن مع كل ذلك ، فيظل الانتحار فعل خطر وبغيض، ولن يُقبل كقرار صحيح للهروب من المشكلة.

هل يمكن أن ننتبه قبل وقوع الانتحار؟

من المهم أن تعرف أن عددًا قليلاً فقط من حالات الانتحار تحدث دون سابق إنذار. يقدم معظم الأشخاص الذين يموتون بالانتحار تحذيرات محددة بشأن نواياهم. لذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار جميع التهديدات بإيذاء النفس. بالإضافة إلى ذلك، فإن أغلب الأشخاص الذين يحاولون الانتحار متناقضون وليسوا عازمين أبدًا على الموت، يفكرون بين الحين والآخر في أثر الانتحارعلى المقربين.

يجب أن تعلم أن العديد من حالات الانتحار تحدث في فترة التحسن عندما يكون لدى الشخص الطاقة والإرادة لتحويل الأفكار اليائسة إلى عمل بشع كالإنتحار. كما أن الشخص الذي يفكر في الانتحار ليس بالضرورة دائمًا في خطر، فالأفكار الانتحارية تراوده كل فترة وأخرى، فهي ليست دائمة، وقد لا تعود أبدًا مع بعض الأشخاص.

يجب أيضًا أن تشعر بأن هناك حل لكل مشكلة، صغيرة كانت أم كبيرة. الخطوة الأولى والأهم هي أن تثق بأن الناس سيقبلون الحل الذي يدور برأسك وبعد ذلك سيمضون قدمًا في حياتهم. بعض الناس لديهم نية وفكرة وهدف ثابت، قد يكون لديهم نوع من الهواجس السيئة، ومن ثم يصبح من الصعب إقناع هؤلاء بأي فكرة أخرى أو جعلهم يغيرون رأيهم.

كثيرون لا يشاركون مشاكلهم أبدًا مع الآخرين، مما يجعل حياتهم أكثر تعقيدًا. تظهر المشكلات فقط بعد أن يرتكب الشخص الفعل الوحشي المتمثل في الانتحار، في شكل رسالة انتحار. في كثير من الأحيان، حتى تلك الرسالة لا تكون متاحة أو لا تُلاحظ، وبالتالي فهي تزيد من تعاسة المقربين والأصدقاء، لمعرفة سبب الانتحار.

بعض الحلول لإبعاد فكرة الانتحار في الوسط المحيط بك

التواصل

يعتبر التواصل مهم جدًا لحل أي مشكلة. في الواقع، دائمًا ما يكون التواصل الجيد والمستمر مفيدًا لمنع وإبعاد خطر الانتحار عن طريق إزالة الفكرة الخاطئة التي تشغل ذهن المريض. عدم وضوح الأفكار والحل يدفع الضحية إلى العزلة، ويمكن أن يساعد التواصل الفعال في الوقت المناسب الشخص دائمًا على التفكير بشكل إيجابي.

الملاحظة

تصبح الملاحظة مسؤوليتنا الأخلاقية، فالاهتمام لأمر أقربائنا وأحبائنا وأصدقائنا وزملائنا وما إلى ذلك، يساعدنا على إدراك أي اختلاف أو تغيير يطرأ عليهم، بما في ذلك تعبيرات وجوههم، وسلوكهم، ومواقفهم وأفعالهم. ووفقًا لذلك، نحتاج إلى التحدث معهم والود إليهم.

من المحتمل أن بعض الناس يثبطون محاولتك مساعدتهم، لكن لا يمكننا تركهم وشأنهم. يمكنك المحاولة معهم بطريقة أكثر ودًا؛ بطريقة يقبلون بها محاولتنا وتجعلهم يشاركون ما يدور في أذهانهم. قد يستغرق الأمر وقتًا ولكننا بحاجة إلى التحلي بالصبر. كن على يقين أن أسلوبك لا يتعدّى بأي شكل من الأشكال على حريتهم، فأنت تحاول مساعدتهم وهم يعانون.

الدعم وغرس الثقة

دائمًا ما يفتقر الشخص الذي يفكر في الانتحار إلى الثقة بذاته، كما أن عقدة النقص وقلة احترام الذات تمنع الدماغ من التفكير بشكل إيجابي، وتدفع هؤلاء الأشخاص إلى اتخاذ خطوة جذرية حقيقية للاقتراب من خطر الانتحار.

إن الفشل المستمر في الحياة، والتنمر والاستهزاء من قِبل الآباء والمعلمين، والعبء المالي وما إلى ذلك، تلك هي بعض الأسباب التي تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بأنهم كيان أدنى في بنية الأسرة والمجتمع.

من واجبنا الأخلاقي غرس الثقة فيهم، وجعلهم يدركون أهمية الحياة، ومساعدتهم على استخدام مهاراتهم بطريقة أكثر فعالية في السعي لتحقيق النجاح. من المهم أن نجعلهم يفهمون أن الفشل قد يكون نقطة الانطلاق للنجاح. يجب التحدث معهم وذِكر أمثلة من الماضي والحاضر حول عدد الأشخاص الذين نجحوا في حياتهم وأصبحوا عظماء بعد أن كانوا على حافة الهاوية.

تعزيز القدوة والاستعانة بالمؤثرين

تكوين أسرة صحية أمر مطلوب بشدة لمنع الانتحار من قبل الشباب.على الآباء أن يصبحوا نموذجًا يحتذى به الأطفال في الأسرة. إظهار الحب والعاطفة، وعدم إهمالهم ولا إهمال اهتماماتهم، وفهمهم وإرشادهم باستمرار، ومساعدتهم على تحقيق رغباتهم وأهدافهم.
يجب ممارسة التوازن الصحيح بين المرونة والصرامة لضمان نمو الأطفال بشكل جيد وفهم أهمية الدراسة، والمال، والحب والمودة، والعلاقات، والثواب والعقاب، وما إلى ذلك، وضرورة الموازنة بين كل تلك الأمور. من غير الصحي أن يتشاجر الوالدان أمام أطفالهم، يجب تسوية أي الخلافات دون حضور الأطفال. يجب على الآباء أن يكونوا مثالاً جيدًا.

مجموعة الأصدقاء

يساعد الأصدقاء الجيدون دائمًا في الحفاظ على عادات صحية وعلاقات قوية وغرس الثقة والبقاء في الحالة النفسية الهادئة. تكون الحياة ممتعة دائمًا في مثل هذه المجموعة من الأصدقاء الجيدين الذين يساعدون دائمًا بعضهم البعض على الارتقاء والسعادة والصمود في الأوقات الصعبة. مثل هؤلاء الأصدقاء يساعدون بعضهم البعض دائمًا على رفع معنوياتهم عندما يكون الفرد في حالة سئة أو في مأزق، مثل أن يكون في حالة مزاجية سيئة، أو حين أن يكون لديه مشاكل مالية، أو نزاع عائلي، أو فشل  في الحب أو الدراسة، أو البطالة،…إلخ. الحياة بدون أشخاص جيدين دائمًا ما تكون صعبة ومظلمة تمامًا.

الخلاصة

ساعد أولئك الذين لديهم أفكار انتحارية، ساعد في منع مثل هذا العمل الشنيع. دعنا نكافح ونسعى معًا للحد من الانتحار، لجعل المجتمع موطنًا سعيدًا وصحيًا لك ولأبناءك. ولتعلم أن هناك أشخاص مستعدون لإنفاق ثرواتهم بالكامل لمجرد رؤية شروق الشمس في اليوم التالي. بالتأكيد ستكون هناك لحظات من الشك والأزمات ونقاط ضعف أخرى في الحياة ولكن يجب على الجميع الاستمرار ورؤية ضوء اليوم التالي ومن يدري ما قد تخبئه لنا الحياة.

المصادر

كيف تنظر الفلسفة إلى مفهوم الوعي؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

تُعتبر إشكالية الوعي من أعقد الإشكاليات العلمية. رغم أننا كبشر نختبر الوعي ونعرفه بطبيعتنا، إلا أن تفسيراتنا الفلسفية والعلمية في مجال الوعي ما زالت مبتدئة. ففي حين اعتبر الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن الوعي حقيقة بديهية وصافية ندركها بالعقل، إلا أن مفهوم الوعي ما زال غامضًا وما زلنا بعيدين عن فهم تفسير مفهوم الوعي وأسبابه العلمية. فما هو تعريف الوعي؟ وكيف تناول الفلاسفة هذا المفهوم المعقّد ؟ وما طبيعة العلاقة التي تجمع الوعي والفلسفة؟

مفهوم الوعي وتعاريفه المختلفة

نستخدم كلمة “وعي” ومشتقاتها في حياتنا اليومية لنعبّر عن مفاهيم مختلفة (فنقول مثلًا فقد فلان وعيه أو لم أكن واعيًا،…). لذلك يسمّي الفلاسفة الوعي بـ«المفهوم الشعبي – Folk concept»، أي أنه متجذّر في اهتماماتنا اليومية ونابع منها.

ولكن الملفت أيضًا هو أن استخدام كلمة الوعي لا يرد في سياق واحد، أي أنها تحمل معانٍ مختلفة.

المعنى الأول للوعي هو «الإحساس –Sentience  »، أي الإدراك الحسّي والقدرة على التفاعل مع المحيط.  ويُستخدم مفهوم الوعي أيضًا بمعنى «اليقظة – Wakefulness»، فنعتبر أن الكائن واعي بمجرّد أنه غير نائم أو مخدّر، ويكون الوعي بهذا المعنى حالة من حالات الحياة العقلية التي نحظى بها.

أما المعنى الثالث للوعي هو ما يسمّيه الفيلسوف الأميركي «نيد بلوك – Ned Block» بـ«الوعي الوصولي –Access consciousness » وهو ببساطة الأفكار التي تدور في رأسنا في لحظة معينة، وتتفاعل مع بعضها وتؤثر بشكل مباشر على سلوكنا. وقد اعتقد الكثيرون قبل القرن العشرين أن كل أفكارنا متاحة لوعينا، غير أن المدرسة التحليلية في علم النفس التي تأسّست على يد فرويد بيّنت أن الأفكار والسلوكيات الواعية ليست إلا جزءًا صغيرًا من حياتنا العقلية والنفسية، وهي تخبئ الكثير من الأفكار والعواطف اللاواعية والتي تؤثر بشكل لاواعٍ على تصرفاتنا.

وأخيرًا، المعنى الرابع للوعي هو ما يسمّى بـ«الوعي الهائل أو الخبرة الذاتية – Phenomenal consciousness (Qualia)»، وهي حالة الوعي الشاملة التي لا تقتصر على كل المعارف والمعلومات والإدراكات الحسية والذكريات والرغبات والمخططات الموجودة في العقل، بل تشمل أيضًا التجربة الذاتية والمشاعر الشخصية التي يعيشها كلٌّ منا في معظم أوقاتنا. فمن الممكن أن تميز آلة معينة بين أطعمة ذات مذاقات مختلفة أو أي إدراكات حسية مختلفة. ورغم أن هذه الآلة تملك قدرات معرفية لكنها لا تعيش ما تعيشه أنت، ككائن واعٍ، من تجربة شخصية عند تذوق كل من الأطعمة، وبالتالي لا تملك الوعي.  

كيف تناول الفلاسفة مفهوم الوعي عبر التاريخ؟

يُقال أن تساؤلاتنا كبشر حول الوعي والعقل بدأت منذ زمن بعيد. فكان لحضارات العصر الحجري الحديث و ما بعدها ممارسات عقائدية وروحية تبين حدًا أدنى من التفكير والتساؤل حول مفهوم الوعي.

غير أن آخرين يعتبرون أن مفهوم الوعي كما نعرفه حاليًا يُعد حديث نسبيًا، أي أنه لم يبدأ قبل العصر الهوميري (أي تقريبًا في العام 750 قبل الميلاد). حتى أن اللغة الإغريقية القديمة لم تكن تحتوي على كلمة مرادفة للوعي، رغم اهتمام الإغريق بالكثير من الإشكاليات العقلية.

قفزة الوعي في منتصف القرن السابع عشر

ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر، بدأ الحديث عن الوعي بشكل كبير، وتم اعتباره موضوعًا مركزيًا في أي حديث عن العقل، حتى أن ديكارت عرّف “الفكرة” نفسها على أنها الوعي بحدوثها. وفي نهاية القرن السابع عشر، لاقاه الفيلسوف البريطاني «جون لوك – John Locke» في أفكار مشابهة عن الوعي، بحيث اعتبر أنه أساسي ليس فقط للفكرة، بل أيضًا للهوية الذاتية.

ثم أتى عالم المنطق والرياضيات والفلسفة الألماني «ليبنيز – Leibniz» ليقدم نظرية عقلية، اعتبر فيها أن الوعي مُجزأ إلى درجات لا متناهية، حتى أنه طرح احتمالية أن تكون بعض الأفكار لا واعية. كما كان من أوائل الذين ميّزوا بين «الإدراك – Perception » و«الإدراك بالترابط – Apperception» وبين الوعي والوعي الذاتي.

وبقيت «المدرسة الترابطية –Associanism  »التي بدأت مع لوك  مسيطرة على كل النظريات المتعلقة بالفكر والوعي لمدة قرنين، وهي تؤمن أن كل العمليات العقلية مترابطة ، وأن كل معرفة تبدأ عن طريق الحواس. وقد تبع هذه المدرسة الفيلسوف الاسكتلندي «ديفيد هيوم – David Hume» في القرن الثامن عشر وبعده الفيلسوف الاسكتلندي «جيمز ميل- James Mill» في القرن التاسع عشر، فاكتشفا مبادئ ترابط الأفكار وتفاعلها.

في المقابل، انتقد الفيلسوف الفرنسي ايمانويل كانت المدرسة الترابطية، بحيث اعتبر أن الوعي الهائل لا يمكن أن ينتج فقط عن ترابط الأفكار، بل هو يستلزم بنية عقلية غنية ومنظمة.

في كل هذه الفترة، كانت العلاقة بين الوعي والدماغ البشري غامضة جدًا بالنسبة للباحثين.

بدأت تتكشف هذه العلاقة في القرن العشرين مع بداية المدرسة السلوكية في علم النفس، ومن بعدها بشكل أكبر مع صعود علم النفس المعرفي الذي وضع أسسًا علمية لكيفية عمل الدماغ ومعالجة المعلومات والعمليات العقلية.

ولكننا حتى الآن، لم نتوصّل بعد إلى إيجاد الإجابات حول الكثير من الأسئلة حول الوعي. مثل ما الذي يجعلنا بالتحديد كائنات واعية، وإمكانيات وجود الوعي عند كائنات أخرى غير بشرية. والأهم أن العلاقة بين الفلسفة والعلوم المعرفية ما زالت تحمل حلقات ناقصة، لذلك تحدّث الفلاسفة عن وجود «مشكلة الوعي الصعبة – The hard problem of consciousness».

مشكلة الوعي الصعبة

مشكلة الوعي الصعبة تكمن في تفسير وجود الوعي الذاتي (الخبرة الذاتية أو الكواليا). وهنا السؤال الأساسي: ما الذي يجعل منا، ككائنات جسدية ومادية، كائنات واعية؟

إذا أردنا تشريح هذه المشكلة يمكن النظر إلى الوعي الذاتي من زاويتين مختلفتين.

من الزاوية الأولى، نحن نعرف أننا نملك الوعي، بكل بساطة لأننا نختبره. من خلال هذه النظرة الذاتية، يمكن وصف تجاربنا الشخصية المختلفة مع كل المشاعر الواعية التي تصحبها.

في المقابل، إذا نظرنا إلى الوعي الذاتي من منظور خارجي، يصعب تحديد الوعي وتعريفه. فلننظر مثلًا إلى الدماغ كعضو مادي، نعرف أنه عضوًا فائق التعقيد مع أكثر من مئة مليار خلية عصبية متصلة ومتشابكة. كما نعرف أنه قادر على تخزين المعلومات والتمييز بين المحفزات الحسية والتخطيط والسيطرة على سلوكياتنا. لكننا لا نملك أدنى فكرة كيف يمكن لهذا النشاط الدماغي أن يصنع الوعي الذاتي.

هل يستطيع العلم حل معضلة الوعي؟

يعتبر عدد من الفلاسفة أمثال «فرانك جاكسون – Frank Jackson» و«ديفيد تشالمرز – David Chalmers»  أن العلم لن يستطيع حل مشكلة الوعي الصعبة، ولن يستطيع اختصار الوعي بتفسيرات العلوم المعرفية والنشاط العقلي. ويعطي فرانك جاكسون هذا المثال كدليل على ذلك. تخيّل أن “ماري” هي عالمة أعصاب عبقرية، لكنها وُلدت في غرفة خالية من الألوان، وكل ما من حولها بالأبيض والأسود. استطاعت ماري من داخل غرفتها تعلم كل المعلومات عن نشاط الدماغ، بما فيها قدرة الدماغ على تمييز الألوان. تخيّل أن ماري خرجت في يوم من الأيام إلى العالم الملوّن. في هذا اليوم، رغم معرفة ماري السابقة عن كل المعلومات المتعلقة بالألوان ومعالجتها، فهي اكتسبت خبرة جديدة لمجرد رؤيتها للألوان. وبالتالي، فإن فهم النشاط الذهني غير كافي لتفسير الوعي.

ختامًا، تبقى إشكالية الوعي عصية حتى الآن على التفسير العلمي والفلسفي. لكن استطاع العلم قبل ذلك أن يشرح الضوء بخصائص فيزيائية رغم اعتقاده عصيًا على هذا الشرح. فهل سيتوصّل العلم إلى تفسير الوعي خصوصًا مع صعود العلوم العصبية في عصرنا؟

المصادر
Coursera
Stanford Encyclopedia of Philosophy

إقرأ أيضًا: قضية موت الفلسفة ومساءلة العلم

تأثير بروتيوس.. كيف يؤثر الواقع الافتراضي على سلوكنا؟

تأثير بروتيوس.. كيف يؤثر الواقع الافتراضي على سلوكنا؟


إن أول ما يلفت نظرنا عند رؤية شخص ما، هو شكل واللباس الذي يرتديه وصفاته الجسمانية. ولكن اللباس والمظهر والصفات الجسدية تؤثر في سلوك الفرد. وفي توقعاتنا لسلوك الأفراد تختلف هذه التوقعات بحسب مظهر الشخص. فلا تتوقع ممن يرتدي لباس الرياضة نفس السلوك المتوقع ممن يرتدي لباسًا رسميًا، لأن الصورة النمطية لكل شخص مطبوعة في أذهاننا شئنا أم أبينا.
يحاول الناس تعديل مظهرهم بحسب ما يناسب البيئة المحيطة بهم، وفي أيامنا هذه تجاوزنا موضوع اللباس ودخلنا الواقع الافتراضي. تسمح لنا التكنولوجيا الحديثة بأن نصمم شكلًا لنا كما نريد، ونتحول إلى أي مظهر نريده.
إذًا كيف يؤثر الشكل الذي قمنا بصنعه على سلوكنا؟

 

ما هو الأفاتار ” avatar”


 الأفاتار، أو الصورة الرمزية هو تمثيل صوري لشخصية المستخدم، وقد يكون ثنائي الأبعاد كما هو الحال في الأفاتار الذي تصنعه على فيسبوك. أو ثلاثي الأبعاد كما هو الحال في الألعاب. وهذا الشكل تصممه كما تهوى وتتحكم في كل معاييره ومقاييسه.

تأثير بروتيوس


في التفاعلات الافتراضية يؤثر الأفاتار على إدراك وتصورات الناس وأفعالهم وسلوكهم الواعي أو غير الواعي وهذا ما يعرف بتأثير بروتيوس.
وبروتيوس إله إغريقي يعد حاميًا للبحار والأنهار والوحوش التي تعيش فيها. ومن أهم قدراته التحول لأي شكل وأي مخلوق يريده، ومنه جاء ربط التأثير باسم الإله.
 أول من وصف هذا التأثير هما الباحثان <nick yee, Jeremy bailenson > في جامعة ستانفورد عام 2007. واقترح الباحثان أن الناس يغيرون سلوكهم تبعًا للسلوك المتوقع من الشكل الذي اختاروه في البيئة الافتراضية.
أي أن السلوك المتوقع من الأشخاص حسب شكلهم يختلف باختلاف الشكل، بالتالي فإن الشكل الذي اخترناه سيؤدي لتغيير سلوكنا إلى ما نعتقد أنه يتناسب مع الشكل المعطى.
بينت تجارب يي وبايلنسون أن سلوك المبحوثين تغير بشكل ملحوظ عند تمثيلهم بأفاتار يملك شكلًا جذابًا مقارنة بشكل غير جذاب، فكان المبحوث ضمن البيئة الافتراضية يتصرف بشكل أكثر ثقة. كذلك الوضع عند تمثيل المبحوث بشكل أطول أو أقصر. أو باختلاف الجنس حيث أن المبحوثين حاولوا أن يتصرفوا بما يتوافق مع الصورة النمطية في أذهانهم عن كل الذكور والإناث. كما أن الشخص الذي يمثل بصورة بطل خارق حاول أن يساعد الناس أكثر من غيره في ضمن اللعبة أو الواقع الافتراضي المعطى.

نظريات دعمت فرضية تأثير بروتيوس


من النظريات المهمة التي اعتمدها الباحثان في تدعيم فرضيتهم هي نظرية التأكيد السلوكي Behavioral > confirmation> ،ونظرية الإدراك الذاتي< Self-perception theory> ، ونظرية التفرد < Deindividuation>


نظرية التأكيد السلوكي Behavioral confirmation theory



تشير نظرية التأكيد السلوكي إلى أن تفاعل الأفراد الذين يحملون صورة نمطية مسبقة في أذهانهم سيبحث هؤلاء بالتالي في سلوك الأفراد عما يؤكد توقعاتهم المسبقة عن هذا الشخص.


نظرية الإدراك الذاتي self perception theory


تشير نظرية الإدراك الذاتي أن الأفراد يحددون سلوكهم وأفعالهم بملاحظة الظروف التي أدت لهذا السلوك، وتأثير بروتيوس يطبق هذا المفهوم في المجتمعات الافتراضية.

نظرية التفرد Deindividuation


نظرية التفرد تشير إلى انخفاض في الوعي الذاتي نتيجة الانخراط في المجموعة، وفي البيئات الافتراضية يكون هذا ناجمًا عن مستوى إخفاء الهوية الذي توفره البيئات الافتراضية.



إن تأثير بروتيوس  يشير لمدى تأثرنا بعالمنا الافتراضي وإلى أي مدى قد يؤثر بنا ما صنعناه نحن. قد يخيل للمرء أن مسيطر ومدرك لكل مايفعله و خصيصًا إذا تعلق الأمر بشيء قام بخلقه هو. لكن واقع الحال يشير إلى أن ما صنعناه يصنع سلوكنا بدوره.



الفصام يجمع آلهة ميشيغان الثلاث

هذه المقالة هي الجزء 20 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

بينما يود كل إنسان أن يصير آلهًا رغم استحالة ذلك، يواجه البعض صعوبة في الاعتراف بتلك الاستحالة

القوة-برتراند راسل

شهد مستشفي« يبسلانتي-Ypsilanti» الواقع في ولاية ميشيغان الأمريكية عام 1959م حدثًا مميزًا، حيث قام عالم نفس طموح بدراسة جديدة جمع فيها ثلاثة رجال يعانون من الفصام العقلي من النوع «فصام الشخصية الارتيابي/البارانويدي-Paranoid Schizophrenia» 
لماذا دخل هؤلاء الرجال إلى المستشفى؟ لأن كل واحد منهم ادعى أنه المسيح!

تجربة روكيش

ميلتون روكيش، عالم النفس الذي قام بهذه التجربة، وضع الرجال الثلاث في غرفة واحدة. وعقد اجتماعات دورية بينهم بحضوره ومساعديه وسجل ملاحظاته. طمح روكيش أن يُشفى الرجال الثلاث من أوهامهم عندما تحدث المواجهة بينهم، لكن للأسف لم يحدث ذلك. عاش الرجال الثلاث في غرفة واحدة لمدة عامين كاملين ولم يتخل أي منهم عن وهمه أنه الآله. رغم ذلك شهد روكيش بعض التطورات في حالتهم حيث ازداد التواصل فيما بينهم واعترف كل منهم بمرض رفيقيه (مع تمسكه بوهمه أنه الآله الوحيد)
نشر روكيش نتائج دراسته في كتابه «مسحاء يبسلانتي الثلاث-Three Christs’ of Ypsilanti» وهو عبارة عن دراسة سردية للمدة التي خضع فيها الرجال الثلاث للملاحظة. ومن الجدير بالذكر أن كتاب روكيش تم تحويله إلى فيلم عام 2017م يجسد معاناة الرجال الثلاث مع الفصام.

تعريف الفصام العقلي

والآن بعد أن تعرفنا على قصة الرجال الثلاث، دعونا نتعمق في تفاصيل مرضهم، الفصام وأعراضه والعلاج المقترح له.
يمكن تقسيم مصطلح «الفصام-Schizophrenia» إلى جزئين: الأول schizo ومعناها يقسم/يشطر و phren المقابل اليوناني لكلمة العقل. بجمع الجزئين معًا نحصل على انشطار العقل.
وهنا قد نتسرع في حكمنا على طبيعة المرض بافتراض أن مريض الفصام يمتلك شخصيات متعددة، وهذا ليس صحيحًا. الفصام هو مرض نفسي خطير ومزمن يؤثر على عمليات التفكير والإدراك والمشاعر والسلوك مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الضغط على المريض فينفصل عن الواقع. وعملية الانفصال عن الواقع هي بالتحديد ما يميز مريض الفصام، فهو لا يطور شخصيات متعددة داخل شخصيته كما يشيع، وإنما قد يستبدل هويته بهوية جديدة على سبيل المثال (كوسيلة للهروب من الواقع)

أعراض الفصام

عادة تظهر أعراض الفصام في الفترة بين: نهاية سنوات المراهقة حتى بدايات الثلاثينات. وبينما يتساوى الذكور والإناث في معدل الإصابة بالفصام، نجد الأعراض تظهر عند الذكور أبكر من الإناث بفارق 3-5 سنوات تقريبًا.
وتنقسم هذه الأعراض إلى نوعين:

الأعراض الإيجابية

وُصفت هذه الأعراض بالإيجابية لأنها تمثل نشاطًا عقليًا ما، على عكس الأعراض السلبية التي سنفسرها فيما بعد والتي تخلو من أي نشاط.

  • الأوهام
    الوهم هو فكرة ليست حقيقية، معتقد زائف يتمسك به مريض الفصام ويرفض تغييره مهما عُرضت عليه معلومات تدحضه.

“يحتاج المريض المنفصل عن نفسه إلى شي يرتكز عليه كالشعور بالهوية، يبعث هذا الشعور المعنى في نفسه والقوة -رغم كل الضعف الذي يخترقه- في كيانه. وهنا يبدأ الخيال، ببطء وتدريجيًا، في العمل فينسج له صورة مثالية عنه، بينما يسبغ المريض على نفسه قوى وقدرات الآلهة”

المرض النفسي ونمو الإنسان-كارين هورني

عانى مرضى الدراسة السالف ذكرها بشكل أساسي من الأوهام. كذلك يعاني كل مرضى الفصام، فتواجد هذا الخلل لفترة معينة من الزمن شرط أساسي لتشخيص أحدهم بهذا المرض. والأوهام لها عدة أنواع منها:

  1. السيطرة: يعتقد المريض أنه واقع تحت سيطرة وتلاعب قوة خارجية.
  2. العظمة: يعتقد المريض أنه يمتلك قوى وقدرات خارقة.
  3. الغيرة: يعتقد المريض بخيانة شريكه/شريكته له.
  4. الاضطهاد: يعتقد المريض بوجود مؤامرة تُحاك ضده.
  5. الإحالة: يعتقد المريض أن ما يحدث حوله إشارات موجهة له، مثل صوت الراديو أو التلفاز.
  • الهلاوس
    الهلاوس هي معلومات حسية خاطئة، يمكن أن تأتي عن طريق أي من الحواس الخمس ومنها:
  1. سمعية: كأن يسمع المريض أصواتًا ليست موجودة.
  2. بصرية: كأن يرى المريض أشخاصًا أو ألوانًا أو أشكالًا ليست موجودة.
  3. شمية: يشم الريض روائح ليس لها مصدر مادي موجود بالفعل.
  4. حسية: يختبر المريض أحاسيس أو لمسات ليست حقيقية.
  5. تذوقية: يختبر المريض مذاقًا ما دون أن يأكل أي شيء بالفعل.
  • اضطراب الفكر والحديث
    يواجه مرضى الفصام العقلي صعوبة في ترتيب أفكارهم والتعبير عنها، فيتوقفون في منتصف الجملة ثم يتحدثون في موضوع جديد. أو يتحدثون في دوائر فلا يستطيعون التعبير عن وجهة نظر واضحة وإنما عدد من التفاصيل غير المهمة. كذلك يتبعون نمط تفكير غير منطقي فلا يستطيعون الإجابة بشكل مباشر عن الأسئلة.
    تتأثر قدرة الحديث عندهم أيضًا، فيختاروا الكلمات التي تتناغم مع بعضها دون النظر إلى معناها، أو يتحدثون بشكل عشوائي تمامًا فلا يوجد رابط بين كل كلمة وأخرى.
  • اضطراب الحركة
    يضطرب السلوك الحركي عند المصابين بهذا المرض، وأخطر حالات اضطراب الحركة هي التصلب، حيث يدخل في حالة من الجمود الحركي ويقل تفاعله مع البيئة المحيطة بشكل كبير.

الأعراض السلبية

وصفت هذه الأعراض بالسلبية، لأنها تتضمن سلب أو خسارة المريض لنشاط استطاع فعله سابقًا. وهنا يخسر المريض عمليات التفكير والشعور الطبيعية. فيظهر عليه ما يلي

  1. غياب الدافع وعدم القدرة على التخطيط والشروع بأي نشاط.
  2. شعور عام بعدم الاكتراث وقلة الاستمتاع بأنشطة الحياة اليومية.
  3. قلة الحديث.

أسباب حدوث الفصام

لم يتوصل العلماء حتى وقتنا الحالي إلى سبب محدد لحدوث هذا المرض، لكنهم تقصّوا دور الجينات والبيئة في تطوره وظهوره وتوصلوا إلى الآتي:

  • تخبرنا الدراسات الجينية أن عددًا من الجينات والطفرات الجينية المختلفة تساهم في ظهور المرض، لكن لا يوجد جين محدد يفعل ذلك. ولذلك عندما أجرى العلماء اختبارات التوائم المتماثلة، بحيث يحمل أحد الأخوين المرض ويختبر العلماء احتمالية إصابة الآخر، وجدوا أن احتمالية الإصابة هي 50%. لذا تعكس هذه الدراسات الدور الذي تلعبه الجينات في ظهور هذا المرض لكنها لا تنكر دور العوامل الأخرى.
  • تعتبر البيئة من العوامل المؤثرة في ظهور الفصام، فعند جمع القابلية الجينية للإصابة بالمرض مع بعض العوامل البيئية المحفزة مثل: التعرض المستمر للضغط، والبيئة الفقيرة، والتعرض للفيروسات وأمراض سوء التغذية، ترتفع احتمالية الإصابة بشكل كبير.
  • لا تقتصر عوامل الخطر على الجينات والبيئة فقط، هناك عوال تختص بتركيب المخ وطريقة عمله. مثل: اختلاف حجم مكونات محددة من المخ، واختلاف الطريقة التي تتصل بها أجزاء المخ ببعضها، ونقص كمية أحد النواقل العصبية وهو الدوبامين.

العلاج

شأنه كشأن سائر الأمراض النفسية، يحتاج مصابو الفصام إلى الالتزام بالأدوية والمداومة على العلاج النفسي للتحكم في الأعراض.
يصف الأطباء عادة أدوية مضادة للذهان (التي تعمل على تخفيف الأعراض الإيجابية فقط). ويتضمن العلاج النفسي: العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الجماعي، والتدريب على المهارات الاجتماعية، كذلك تشجيع دور العائلة.

خاتمة

“يضطر المرء أن يصبح آلهًا، عندما يشعر بأنه لم يعد إنسانًا”

مسحاء يبسلانتي الثلاث-ميلتون روكيش

هنا سأنهي حديث اليوم، بأخطر أوجه الفصام وهو سلب الهوية والانفصال التام عن الواقع، فلا يشعر المرء بنفسه مجددًا. وفي النهاية يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة، حيث يدفعه وهمه إلى الابتعاد عن الناس فيزيد انغماسه في وهمه وهكذا.

اقرأ أيضًا: متلازمة كابجراس أو “المُنتحِل”: الوهم الذي يحوّل الأقرباء إلى غرباء

المصادر

Exit mobile version