الطفل المعجزة، يُولد أم يُصنع؟

الطفل المعجزة، يُولد أم يُصنع؟

هناك شخصيات عظيمة وذات قدرات وإنجازات مدهشة بدأوا رحلتهم معها منذ الصغر، يشترك موتسارت وغاري كاسباروف و كارل جاوس، وغيرهم، في كونهم جمعيًا كانوا أطفالاً معجزة، انقسم الباحثون حول ما إذا كان الطفل المعجزة يولد أم يصنع؟ أم الطفل المُعجزة نتاج كليهما؟ إذًا، دعنا نبدأ المقال بتعريف الطفل المعجزة، ومن ثم، نعرف ما هي صفاته، وكيف تُربي طفلاً معجزة.

من هو الطفل المعجزة؟

يطلق على كل شخص موهوب أو ذكي بشكل غير عادي لقب شخص معجزة، إذ أن موهبته تُثير الدهشة والإعجاب، أما الطفل المعجزة فهو الفرد الذي يُتقن قي سن مبكرة واحدة أو أكثر من المهارات بشكل يفوق مستوى الكبار، فهو طفل لا يتجاوز عمره ال 15 عامًا، ويؤدي أداء بمستوى شخص بالغ مُدرب تدريبًا عاليًا في مجال صعب إلى حد ما كالرياضيات والعلوم والموسيقى. يمتلك الطفل المعجزة معرفة متعمقة بشكل غير عادي في موضوع اهتمامه بالنسبة لسِنه. وغالبا ما يكون متفوقًا فكريًا على أقرانه. في حين أن أداء الأطفال الموهوبين في الصفوف الدراسية يمكن أن يكون متفوقًا على سنهم أو صفهم بصفين أو سنتين وثلاث سنوات أيضًا. فيمكن للطفل المعجزة أن يُضاهي حتى المهنيين البالغين في هذا المجال.

ما هي سمات الطفل المعجزة؟

عندما تتفاعل مع طفل معجزة، تظهر سماته على الفور، إليك أبرزها وما يجعلك تكتشف عبقريته:

  • لديه ذاكرة قوية، عاملة وكبيرة. تمكننا ذاكرتنا العاملة من تنفيذ مهامنا الروتينية، على سبيل المثال: تُستخدم الذاكرة العاملة عندما نحتاج إلى حفظ رقم هاتف يخبرنا به شخص ما لفترة من الوقت قبل كتابته. وهو ما نفعله وقد ننساه بعد مرور بعض الوقت. يختلف الأمر مع ذلك الطفل المعجزة، إذ يتمتع الطفل المعجزة بذاكرة عاملة هائلة من حيث السعة والنشاط والجودة. يمكنهم الاحتفاظ بالمعلومات في أذهانهم (رؤوسهم) أثناء معالجة المعلومات الأخرى الواردة في نفس اللحظة، كما يمكنهم التحكم فيها في نفس الوقت.
  • معدل ذكاء مرتفع. ليس من الغريب أن يكون مُعدل ذكاء هؤلاء الأطفال أعلى بكثير من الآخرين. يبلغ متوسط معدل الذكاء لدى عامة الناس 100، بينما يمتلك الطفل المعجزة معدل ذكاء يزيد عن 128. على الرغم من أن الأمر ليس كذلك دائمًا، إلا أنه يمكن القول بأن الأطفال المعجزة أذكياء ولكن ليس بالطريقة التي نتوقعها من الرقم الدال على معدل الذكاء. في بعض الأحيان كما يُرى في حالات التوحد، لا يختلف الموهوبون والعباقرة منهم كثيرًا عن الأشخاص العاديين.
  • التفاني الكامل. الطفل المعجزة لديه التزام عميق بمجال اهتمامهم، ويمكنه التركيز بشكل مكثف على الموضوعات لفترات طويلة. غالبًا ما تجده مستغرق تمامًا في شئونه ومصلحته. عندما يستمر ذلك لسنوات؛ فإنه يُطور مهاراته ويتقن كل شئ يخص المجال المهتم به.
  • لديه موهبة ومهارة غير عادية. غالبًا ما يُظهر الطفل المعجزة موهبة استثنائية في مجال معين؛ يمكن لبعض الأطفال إظهار المواهب في مجالات متعددة. يختلف هذا الأمر من طفل إلى آخر، حسب الموهبة والقدرات التى يمتلكها.

كما أن هناك عوامل أخرى تساهم في تنمية تلك المهارة أو المهارات مثل الدعم المُتاح لتطويره من الأسرة والتعليم والبيئة.

كيف تعتني بطفل معجزة؟

سيساعدك مراقبة الأداء الدراسي لطفلك وسلوكه العام في التعرف على مواهبه، وما إذا كان هناك نبتة موهبة غير عادية أم لا. يمكن أيضًا لاختبار الذكاء الرسمي من قِبل متخصص كطبيب نفسي تأكيد ما إذا كان الطفل موهوبًا. إذا اكتشفت أن طفلك موهوب وتتساءل عن كيفية رعايته وترييته فإليك بعض النصائح:

  • ساعده على تنمية مهارات القيادة والمسئولية. في معظم الحالات، يتضح شغف الطفل منذ سن مبكرة. إذا لاحظت أن طفلك يُبدي اهتمامًا بمجال معين مثل الموسيقى أو الرسم، فيمكنك مساعدته في رعاية تلك النبتة من خلال تسجيله في مؤسسة تدعم تلك الموهبة أيا كانت. أفضل طريقة لدعم طفلك هي السماح له بتولي موهبته وتنميتها بدلاً من دفعه إليها.
  • اعمل مع طفلك لتحديد أهدافه باستمرار. ساعد طفلك على تحديد أهداف قصيرة المدى يمكنه تحقيقها في وقت محدد. سوف يبني ذلك ثقته بنفسه، ويساعده على الاستمرار في التركيز لتحقيق المزيد من الإنجازات. بمجرد الانتهاء من تحديد الهدف، يجب أن يقتصر دورك كوالد فقط على ضمان أن أفعاله تدعم أهدافه. عندما يكبر طفلك امنحه مزيدًا من التحكم في الطريقة التي يرغب في الانضباط وإدارة عمله بها.
  • لا تدخر جهدًا في دعم طفلك. مع زيادة وقت تدريب الطفل، قد تجد أنت بصفتك أحد الوالدين صعوبة في تحقيق التوازن بين أمور الأسرة ككل واحتياجات طفلك. في بعض الأحيان يكون من الصعب مواكبة منحنى نمو وتطور طفلك والوفاء بالمطالب. إذا كان لديك طفل معجزة، فقد لا تناسبه المدارس العادية وقد يشعر بالملل بسهولة من المناهج الدراسية. في مثل هذه الحالات، قد يضطر إلى الدراسة في المنزل.
  • تتبع الانخفاضات واحمهِ منها. يتعرض المتفوقون أيضًا إلى المزالق والإخفاقات، فهم يمرون بها دون أن يلاحظها أحد في ضوء إنجازاتهم. غالبًا ما يتأثرون بالكمالية والقلق والإحساس المنخفض بالثقة، لأن الصفات ذاتها التي تساهم في نجاحهم، تجعلهم عُرضه للإخفاق. مثل جميع الأطفال، يحتاجون إلى الحب والرعاية من والديهم. يحتاجون إلى فهم أن فشلهم أو نجاحهم لا يؤثر على حُب الوالدين.
  • مأزق آخر يجب مراعاته؛ وهو تأثير طموح وأحلام الطفل الموهوب الكبيرة، ومقارنته بأخيه مثلاً. من المهم التعرف على شغف كل طفل وتقديره بالتساوي.

العبقرية وطيف التوحد

في الآونة الأخيرة، بدأ العلماء في دراسة العوامل التي قد تؤدي إلى التميز، هل هو معدل ذكاء مرتفع؟ أم مجرد ذاكرة عاملة بشكل مذهل؟ أم هو نوع من التوحد؟ في الواقع، وجدت دراسة أن الأفراد المصابين بمتلازمة أسبرجر غالبًا ما يكونون موهوبين للغاية. لدراسة مظاهر تميز الأطفال، درس العالمان جوان روثساتز وجوردان اورباخ مقابلات مع ثمانية أطفال نابغين ويُعتبروا معجزة في الفن والرياضيات والموسيقى، إذ خضعوا لاختبارات الذكاء من ستانفورد بينيه. كما هو متوقع، وجد أن هؤلاء حصلوا على درجات أعلى من الطبيعي(128) مقارنة بالمعدل الطبيعي (100) ولم يختلف أطفال طيف التوحد عن الأطفال العاديين في الأداء ولا النتائج.

هل تُصنع الأطفال المعجزة أم تُولد؟

بينما يكافح معظم الناس للوصول إلى مستوى معين أو حتى دراسة بعض المواد المُعقدة مثل الرياضيات، هناك أطفال معجزة مثل موتسارت يسحرون العالم بمواهبهم الرائعة. مما يدفعنا للتساؤل: كيف يمكن لطفل يبلغ من العمر عشر سنوات أن يمتلك مهارات لن يكتسبها الشخص العادي أبدًا في حياته، بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة؟ ذلك ما دفع العلماء لدراسة الأسباب الجوهرية لسنوات طويلة. وقد تشكلت مجموعتان من العلماء، إذ طورت المجموعتان نظريتهما الخاصة حول هذا الموضوع.

تعتقد المجموعة الأولى من الباحثين أن السبب چيني من الدرجة الأولى. في حين أن المجموعة الأخرى ترى أن الأسرة وظروف التنشئة والخلفيات الاجتماعية هي من جعلت هؤلاء الأطفال عباقرة. تتجسد هذه المعضلة (الطبيعة مقابل التنشئة) في اثنين من أبرز الشخصيات في التاريخ التي سببت جدلًا بين العلماء.

فمثلاً نجد أن نقاشهما متجسدًا في شخصين بارزين هما: كارل جاوس، أحد أهم علماء الرياضيات في التاريخ، يأتي من تربية متواضعة. بينما كان موتسارت من خلفية متميزة وتلقى دروسًا خلال فترة الطفولة في الموسيقى. إلا أن هناك العديد من الأبحاث التي تُشير إلى أنه بالنسبة لمُعظم الأطفال النابغين، يكون للمكوِّن الچيني تأثير كبير. غالبًا ما يُلاحظ أنهم ولدوا بقدرات فطرية. ومع ذلك، فإن مواهبهم وحدها لا تكفي للتعبير عن أنفسهم بشكل كامل، فهناك حاجة ماسة إلى التفاني والممارسة لتطوير قدراتهم الطبيعية. يمكن للطفل المعجزة أن يُظهر مواهبه في سن العاشرة أو الحادية عشر، لكن البعض يُظهرها في وقت مبكر من 3 إلى 5 سنوات.

الخلاصة

تُعد البيئة الداعمة أمرًا بالغ الأهمية لتنمية قدراتهم الفطرية. فإن ظلت غير مستكشفة، ستضمر ولن تتطور أبدًا. وبتوفير الرعاية المناسبة، يمكنك مساعدة طفلك على إدراك مواهبه بالكامل، وبذل جهود متواصلة لتطوير مهاراته.

المصادر

Exit mobile version