ما هي اللانهاية؟ وكيف أسهم جورج كانتور وجاليليو في اللانهايات؟

ما هي اللانهاية؟ وكيف أسهم جورج كانتور وجاليليو في اللانهايات؟

يكشف تاريخ اللانهاية الستار عن العقل الفضولي للإنسان. كيف فكرنا في هذه الفكرة لآلاف السنين ولسنا قريبين من الإجابة الآن كما كنا منذ آلاف السنين؟ ومع ذلك، ما زلنا مفتونين بفكرة ورمزية اللانهاية.

 لطالما عُومل مفهوم اللانهاية بمزيجٍ من الرهبة والإبهار بل ساوى البعض بينه وبين الألوهية ويرى آخرون أنه مفهوم ليس له قيمة عملية في العالم الحقيقي، بحجة أنه حتى الرياضيات التي تعتمد على ما يبدو على اللانهاية مثل حساب التفاضل والتكامل يمكن جعلها تعمل باللجوء إلى كميات لا تنضب ولكنها محدودة. لم يبد الإغريق القدماء ارتياحًا لهذا المفهوم بل أطلقوا عليه اسم «أبيرون-Apeiron»، الذي يحمل نفس النوع من الدلالات السلبية التي نطبقها الآن على كلمة الفوضى. كان “الأبيرون” مفهومًا خارج نطاق السيطرة، وحشي وخطير.

يحمل رمز اللانهاية معنى عميقًا للروحانية والحب والجمال والقوة، ففي بلاد الهند القديمة والتبت، مثّلت اللانهايةُ الازدواجيةَ والوحدة بين الذكر والأنثى. عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الحميمية، لا يتوانى الشعراء والأدباء في وصف شعورهم نحو محبوباتهم بأنه أبديٌ سرمديٌ، بل نحن الأناس العاديون والذي لا يمتلك معظمنا ذائقة أدبية، نود أن نصدق أن الحب بين الرجل والمرأة لا حدود له.  أدى هذا القياس الجميل إلى ظهور هدايا مثل الأساور والأقراط والساعات وغيرها من المجوهرات التي تحمل رمز اللانهاية وغالبًا ما يرتدي الأزواج هذه القطع كتمثيل مادي لروحين مرتبطين بالحب الأبدي. في هذا المقال سنمضي معًا في جولة تاريخية لنعرف المعنى العميق لمفهوم اللانهاية في الرياضيات وكيف تطور هذا المفهوم عبر القرون الماضية وسنتعرف عن إسهامات أرسطو وجاليليو وكانتور في مجال اللانهايات.

سوار زينة على شكل رمز اللانهاية منقوش عليه عبارة ” لربما نلتقي مجددًا”، العبارة المشهورة من مسلسل The 100

ما هي اللا نهاية؟

تعرف اللا نهاية ببساطة بأنها الشيء اللا محدود وغير قابل للعد. نحمل جميعنا فكرة عن ماهية اللا نهاية، فهي صفة للأشياء غير المنتهية، كون لا نهائي، أو قائمة لا نهائية، كمجموعة الأعداد الطبيعية 1، 2، 3، 4، … فمهما استمريت بالعدّ، فلن تصل للنهاية أبدًا، كما أنه من المستحيل أن تصل إلى نهاية الكون حتى لو سافرت بواسطة أسرع مركبة

فضائية، وهذا النوع من اللا نهايات هو ما سمّاه العالم الرياضي الإغريقي «أرسطو-Aristotle» باللانهاية الممكنة: هذه النهاية موجودة فعلًا، لكن من المستحيل أن تصل إليها.   صنّف أرسطو نوعاً آخر من اللانهايات يُسمى باللانهاية الفعلية والتي تصف الأشياء التي باستطاعتنا قياسها، مثلًا قياس درجة حرارة جسم ما في مكان ووقت معين. لم يسبق لأحد الوصول إلى لانهاية فعلية مطلقًا، ويعتقد أرسطو أن اللانهاية الفعلية غير موجودة في العالم المادي، وحتى هذا اليوم لا يعلم الفيزيائيون مدى صحة اعتقاده.

مفهوم أرسطو للا نهاية

لقد تطلب الأمر من أرسطو أن يضع مفهوم اللانهاية بشكل دقيق بحيث لا يكاد أحد يعطيه اعتبارًا مباشرًا مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر. كان النهج الذي اتخذه عمليًا بشكل مدهش. قرّر أرسطو أن تكون اللانهاية موجودة، لأنه بدا أن الزمن ليس له بداية ولا نهاية، كما لم يكن من الممكن القول أن أرقام العد لها نهاية على الإطلاق. إذا كان هناك رقم أكبر -أطلق عليه “max”، فما الخطأ في max + 1 أو max + 2؟ ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن أن توجد اللانهاية في العالم الحقيقي. وقال إنه إذا كان هناك -على سبيل المثال-جسد مادي غير محدود، فسيكون بلا حدود ومع ذلك، يجب أن يكون للكائن حدودًا.

كان الحل الوسط الذي طوره أرسطو -وهو حل ذكي -هو القول إن اللانهاية موجودة وغير موجودة. وقال إنه بدلاً من أن تكون ملكية حقيقية لأي شيء حقيقي، كان هناك احتمال لانهائي. يمكن أن يكون اللانهاية من حيث المبدأ، ولكن من الناحية العملية لم يكن كذلك. يعطينا أرسطو مثالاً ممتازًا لتوضيح ذلك. الألعاب الأولمبية موجودة -من المستحيل إنكار ذلك. ومع ذلك، فقد كان كائنًا أجنبيًا يظهر (أرسطو لم يتضمن في الواقع كائنًا فضائيًا في مثاله) ويسألنا “أرني هذه الألعاب الأولمبية التي تتحدث عنها”، لم نتمكن من فعل ذلك. في الوقت الحالي هم غير موجودون في الواقع لكنهم موجودون كإمكانات. وجادل أرسطو بأن اللانهاية كانت في نفس الحالة المحتملة تمامًا.

كان هذا الشكل من اللانهاية هو الذي من شأنه أن يفرز حساب التفاضل والتكامل وسيتم تضمينه عمليًا في جميع الاعتبارات الرياضية لللامحدود حتى قام العالم جورج كانتور باكتشافات ثورية في هذا الصدد والتي قادته في نهاية الأمر إلى الجنون. لكن رجلاً واحدًا خالف هذا الاتجاه مبكرًا، وهو العالم جاليليو جاليلي المشهور في مجال علم الفلك.

مفهوم غاليليو غاليلي للانهايات

بعد بدء الإقامة الجبرية في منزل جاليليو في عام 1634، إبان محاكمته بشأن عمله الهرطقي حول حركة الأرض حول الشمس، لم يتوقف جاليليو عن الكتابة. في ذلك الوقت ، أنتج الكتاب الذي يمكن القول إنه أعظم أعماله العلمية ، والذي يعادل كتاب المبادئ الرياضية لنيوتن. ، أطللق جاليليو على كتابه اسم «Discorsi e dimostrationi matematiche» ، والذي احتوى على مفاهيم جديدة أو نقاشات وتوضيحات رياضية تتعلق بعلوم جديدة. واجه جاليليو صعوبة كبيرة في نشر هذا -أوضحت محاكم التفتيش أنه لن يتم نشر أي عمل من قبل هذا المهرطق في أي بلد تحت نفوذها-. عندما تناول الناشر الهولندي العظيم «إلسفير- Elsevier» الكتاب في نهاية المطاف، أعرب جاليليو عن دهشته الكبيرة من أنه نُشر على الإطلاق، وهو ما زعم أنه لم يكن نيته أبدًا.

اتخذ الكتاب شكل محادثة بين عدد من الشخصيات إلى حد كبير حول مسائل خطيرة. لكن بعد التساؤل عما يجعل المادة متماسكة (اعتقد جاليليو أنها جيوب صغيرة من الفراغ بين جسيمات المادة)، فإنهم يتحولون، فقط من أجل المتعة، إلى طبيعة اللانهاية. يبرز جاليليو عددًا من النقاط، ومن بين هذه النقاط واحدة جديرة بالملاحظة بشكل خاص تتضمن دوران زوج من العجلات.

بدأ جاليليو بصنع عجلات ذات جوانب قليلة على سبيل المثال، يمكن أن تكون سداسية. هذه أشكال ثلاثية الأبعاد -تخيل أن الأشكال السداسية مقطوعة من صفائح من الرخام. يُثبت الشكل السداسي الأصغر على الأكبر، ويستند كل واحد منهم على سكة أفقية خاصة به.

الآن نقوم بتدوير العجلة المدمجة بحيث تتحرك إلى جانبها التالي. عندما تقوم العجلة الكبيرة بتدويرها تدور على الزاوية وتتحرك على طول المسار بطول جانب واحد. لكن ماذا حدث للعجلة الأصغر؟ لم تتحرك العجلة الكبيرة بهذه المسافة فحسب، بل تحركت العجلة الصغيرة أيضًا. يجب أن: يتم إصلاحهما معًا. ومع ذلك، عند الدوران بمقدار 1/6 من الدوران، يجب أن يتدحرج الصغير فقط على طول المسار بطول جانبه -مسافة أصغر بكثير، مميزة باللون الأحمر في الرسم التخطيطي. لتحقيق الحركة الإضافية، رُفعت العجلة الأصغر تمامًا عن المسار.

الآن هذا هو الشيء الذكي. تخيل جاليليو زيادة عدد الجوانب. كلما زاد عدد الجوانب، زادت مجموعات الحركات الصغيرة على طول القضيب والقفزات الصغيرة التي تحصل عليها أثناء تدوير العجلات. أخيرًا، دعنا نتخيل، إذا كان من الممكن، أن نأخذ هذا العدد من الأضلاع إلى ما لا نهاية. ننتهي بعجلات دائرية.

مرة أخرى نقوم بتدوير العجلتين، معًا، على طول القضبان الخاصة بهما. مرة أخرى كلاهما يقطعان نفس المسافة -في هذه الحالة ربع محيط العجلة الكبيرة-. لكن الآن حدث شيء غريب عندما دُحرجت حافة العجلة الكبيرة بمقدار ربع محيطها على مسارها، قامت حافة العجلة الأصغر بتدوير محيطها الربع الأصغر فقط، ولكن لا يزال يتعين على العجلة الصغيرة أن تقطع نفس المسافة التي تقطعها العجلة الأكبر، دون أن تترك المسار على الإطلاق. لم تكن هناك قفزات، أو على الأقل هكذا يبدو.

ما تخيله جاليليو هو أنه مع دوران العجلة الأصغر يكون هناك عدد لا حصر له من الفجوات الصغيرة متناهية الصغر، والتي تتراكم لتحدث فرقًا بين محيط العجلة والمسافة التي تتحرك فيها.  ومن هنا دخل مفهوم اللانهاية حيز اللعب في جهاز مادي لجعل ما يبدو مستحيلًا يحدث.

بعد أن ترك جاليليو هذا الأمر يتسلل إلى لاوعيه، فإن شخصية جاليليو التقليدية والقاتمة إلى حد ما، سيمبليسيو، لديها شكوى. يبدو أن ما يقوله جاليليو (أو سالفياتي تقنيًا، الشخصية التي تمثل صوت جاليليو في الكتاب) هو أن هناك عددًا لا حصر له من النقاط في عجلة دائرية واحدة وعدد لا حصر له من النقاط في الأخرى. ولكن بطريقة ما، على الرغم من أن كل منها له نفس اللانهاية من النقاط، إلا أن إحداها تضاف إلى مسافة أكبر من الأخرى. كان أحد اللانهاية هو نفسه الآخر وأكبر.

مفهوم العالم جورج كانتور للانهاية

إن جوهر حساب التفاضل والتكامل هو أنك تتعامل مع أشياء كبيرة بشكل لا نهائي. لكننا لم نضطر أبدًا إلى تحديد اللانهاية نفسها، ولم يكن علينا أبدًا القلق بشأن طبيعة اللانهاية، وذلك لأننا دائمًا ما تتعامل مع نفس النوع من اللانهاية -بالمعنى التقريبي، اللانهاية من النقاط التي تشكل خطًا، اللانهاية للجميع الأرقام الحقيقية بين 0 و1 وكان هذا محور الاهتمام في حساب التفاضل والتكامل من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر. لكن علماء الرياضيات لم يفكروا في ماهية اللانهاية، لأنهم لم يفكروا في ماهية المجموعة لسبب واحد. ما هي المجموعة؟ ثم ما هو الفرق بين مجموعة محدودة ومجموعة لانهائية؟ هذا شيء فعله العالم كانتور في أواخر القرن التاسع عشر. طور كانتور فكرة المجموعة، ومفهوم المجموعة اللانهائية، وهي المجموعة التي تحتوي على عدد لا نهائي من الأشياء.

كان الألماني جورج كانتور رائداً في الرياضيات وتحديدًا في في مجال أصبح يُعرف باسم نظرية المجموعات. وفقًا لنظرية المجموعات، فإن الأعداد الصحيحة، وهي أرقام بدون كسر أو فواصل عشرية (مثل 1، 5، -4)، تشكل مجموعة لا نهائية قابلة للعد. من ناحية أخرى، فإن الأعداد الحقيقية، والتي تشمل الأعداد الصحيحة والكسور وما يسمى بالأرقام غير النسبية، مثل الجذر التربيعي للعدد 2، هي جزء من مجموعة لا نهائية غير قابلة للعد. دفع هذا كانتور للتساؤل عن الأنواع المختلفة من اللانهاية. اعتقد كانتور أنه لا توجد نهايات بين مجموعات الأعداد الصحيحة والأعداد الحقيقية، لكنه لم يكن قادرًا على إثبات ذلك. ومع ذلك، أصبح بيانه معروفًا باسم فرضية الاستمرارية، وصُنّف علماء الرياضيات الذين عالجوا المشكلة على خطى كانتور بمنظري المجموعات

اللانهايات المعدودة والغير معدودة

ذكرنا مسبقًا أن اللانهائيات الممكنة تصف الأشياء غير المحدودة، ومن أمثلتها مجموعة الأعداد الطبيعية لكن الآن تخيل خط مستقيم طويل غير محدود. يبدأ هذا الخط من النقطة التي تقع أمامك مباشرة ويمتد إلى المالانهاية، هل اللانهاية التي يمثلها هذا الخط هي نفسها اللانهاية التي تمثلها مجموعة الأعداد الطبيعية؟

صنّف علماء الرياضيات اللانهاية الممكنة إلى لانهايات معدودة ولانهايات غير معدودة. تُمثل الأعداد الطبيعية لانهاية معدودة، وهذا منطقي لأنه باستطاعتك مواصلة العد إذا كان لديك وقت لانهائي، كما هو الحال بالنسبة لمجموعة لا نهائية من الأشخاص، بإمكانك إدراجهم في قائمة تحمل جميع اسماءهم، وكل اسم يشغل خانته الخاصة ومن ثم عدهم إذا كان لديك وقت لا نهائي أيضًا. بصورةٍ عامة يمكننا القول أنّ أيّ مجموعة غير محدودة من العناصر تمثل لانهاية معدودة إذا كان باستطاعتك إدراج تلك العناصر في قائمة، وكل عنصر لديه مكان خاص في هذه القائمة وكل مكان في القائمة يتسع لعنصر واحد فقط.  

تخيل الآن أن لدينا خط مستقيم لانهائي، أي أنه يتكون من عدد من العناصر اللانهائية أيضًا، وفي هذه الحالة تُسمى تلك العناصر نقاطاً على الخط، إذا وضعنا على الخط مسطرة طويلة لانهائية، فإن كل نقطة على الخط يمثلها عدد على المسطرة، النقطة الأولى على الخط تقع على العدد 0، النقطة التي تبعد نصف متر عن البداية تقع على العدد 0.5، وهكذا. يطلق على المجموعة العددية التي تمثلها المسطرة اسم مجموعة الأعداد الحقيقية الموجبة وهي تشمل الاعداد الطبيعية والكسور والأرقام النسبية. هل يمكنك وضع قائمة لهذه الأعداد لكي ترى إذا كانت تمثل لانهاية معدودة أيضًا؟ ربما بإمكانك ترتيب هذه الأعداد عن طريق الحجم، لكن ستزيد هذه الطريقة من صعوبة المسألة. وبالتأكيد العدد الأول سيكون 0، لكن ماذا يجب أن يكون العدد الذي يليه؟ ربما 0.1؟ لكن 0.01 أصغر منه ويجب أن يأتي قبل 0.1. لكن ماذا عن 0.001؟ لكل عدد تظن أنه من الممكن أن يحل المرتبة الثانية في القائمة سوف تجد عدد أصغر منه (ببساطة تضيف صفرًا بعد الفاصلة)، فلذلك ترتيب هذه الأعداد على المسطرة بواسطة الحجم غير مجدي.   هل من الممكن إيجاد طريقة أخرى لإدراج الأعداد في قائمة؟ الإجابة هي لا يمكن ذلك، وهناك سبب منطقي ومباشر لهذه المسألة وينص على أنه في أي قائمة لأعداد حقيقية موجبة هناك على الأقل عدد واحد مفقود، وبالتالي لا يمكنك كتابة قائمة كاملة أبدًا، وهذا يثبت أن اللانهاية الممثلة عن طريق الخط المستقيم (أو الأعداد الحقيقية الموجبة) هي لانهاية غير معدودة.

المصادر

firstscience
livescience
plus.maths
gyllenwatches
britannica
pbs.org

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

هذه المقالة هي الجزء 13 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر اهتم العلماء كثيرًا بسؤال الأمور المشتركة بين البشر، والبحث في أصلها سواء كانت أمور غريزية أم مكتسبة. مثل: اللغة والمشاعر والإدراك والنمو. جميعها مفاهيم هامة وحيوية وتمسنا جميعًا. لكن السؤال الذي لا يقل أهمية سنطرحه اليوم وهو: ما الذي يختلف فيه البشر؟ وكيف نميز هذه الاختلافات؟

الاختلاف الأول: الشخصية

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

يمكننا تقليص جميع الاختلافات بين البشر وحصرها في عاملين مهمين: وهما الشخصية والذكاء. وسنتعرض في هذا المقال إلى وصف كل عامل منهم وتفسيره.

أولًا الشخصية

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

يمكن تعريف الشخصية أنها الأسلوب الذي تتبعه في التعامل مع العالم، تحديدًا الأشخاص الآخرين. فكر في صديقك المقرب وحاول أن تصف شخصيته: ربما تقول أنه كسول وغير مسئول وطيب القلب. بينما تفكر في صديق آخر وتراه مجتهد ومسئول وصادق. هذه هي شخصيتهم التي تراها وفقًا لأسلوب تعاملهم مع العالم من حولهم بمن فيهم أنت.

تعريف آخر للشخصية أنها صفة ثابتة تحملها معك طوال الوقت، وهي مختلفة عن رد الفعل.

إذا جاء أحدهم وصفعك الآن فجأة، ستشعر بغضب شديد، وهذا هو رد الفعل. لكن إذا كنت تستيقظ وتنام وتمارس حياتك غاضبًا فهذه هي الشخصية.

وبما أن حديثنا اليوم عن الاختلافات، كيف يمكننا -بشكل علمي- قياس الاختلافات بين شخصيات البشر؟

اختبارات الشخصية

قبل الإجابة عن هذا السؤال سنتعرف أولًا على اثنين من الصفات التي يجب أن يتمتع بها أي اختبار علمي. وهما:

  • «الدقة-Reliability»

بمعنى عدم وجود خطأ في القياس، وعند تكرار نفس الاختبار مع نفس الشخص في أوقات مختلفة يتوجب الحصول على نفس النتائج.

مثال: إذا أظهر اختبار الشخصية أنك متفتح وهاديء اليوم، ثم أظهر أنك مندفع وقلق غدًا، فهو بالتأكيد لا يتمتع بخاصية الدقة.

  • «الصدق-validity»

بمعنى أن الاختبار يقيس ما وُضع لقياسه.

مثال: إذا افترضنا وجود اختبار يقيس نسبة ذكائك من يوم ميلادك، فيُظهر أن مواليد شهر يناير حمقى وديسمبر أذكياء وهكذا. هذا الاختبار ليس صادقًا على الإطلاق، لأنه لا توجد علاقة بين نسبة الذكاء ويوم الميلاد. على صعيد آخر نجد أن هذا الاختبار مثالًا رائعًا للدقة، لأنه سيظهر نفس النتائج إذا أخذته اليوم أو غدًا أو حتى يوم موتك.

«اختبار رورشاخ-Rorschach test»

اختبار رورشاخ أو اختبار بقعة الحبر مثال واقعي ومشهور لاختبارت الشخصية. وضعه هيرمان رورشاخ، الذي كرس حياته حرفيًا لبقعة الحبر لدرجة أنه صار لقبه في مراهقته.

ويقوم الاختبار على عرض صورة لبقعة حبر على الشخص وسماع انطباعه عنها ثم تكوين رؤية عن شخصيته.

اختبار بقعة الحبر (حقوق الصورة: wikipedia)

اختبار بقعة الحبر مشهور للغاية، ويستخدمه كثير من علماء النفس أو الأطباء النفسيين في عياداتهم. لكن يمكننا القول أنه عديم الفائدة، ولا يُعول على نتائجه. فهل هناك بديل أفضل؟

تاريخ اختبارات الشخصية

بحث العلماء في الشخصية وحاولوا إيجاد طرق مبتكرة لقياسها وتحديد الاختلافات بينها. أول هذه الطرق وضعها عالم النفس الأمريكي «جوردون ألبورت-Gordon Allport».

بحث ألبورت في القاموس عن جميع الكلمات التي اعتقد أنها تصف الشخصية، وتوصل إلى ما يقرب من خمسة آلاف منها. لكن المشكلة أن هذه الصفات لم تكن قائمة بذاتها، بمعني أن صفات مثل: ودود، واجتماعي، ولطيف تبدو متشابهة للغاية. وهنا جاء دور كاتل.

حاول «كاتل-Cattell» مع آخرين تقليل عدد هذه الصفات عن طريق طرح السؤال: كيف تختلف شخصيات البشر عن بعضها؟ وما المعايير التي يمكن وضعها لقياس ذلك؟ وتوصل إلى ست عشرة صفة تختص كل منها بنمط معين من أنماط الشخصية.

لاحقًا توصل «آيزنك-Eysenck» إلى معيارين فقط يمكن من خلالهما تحديد الشخصية. الأول: انطوائي-اجتماعي الثاني: عصبي-مستقر وبناءًا على هذين المعيارين يوجد أربع أنماط للشخصية.

وأخيرًا استقر العلماء على صيغة أكثر صحة مما سبقها، فلا تتحدد الشخصية بمعيارين فقط أو ستة عشرة واحدًا. وإنما خمسة معايير تُعرف باسم «العوامل الخمس الكبرى للشخصية-The five big personality factors»

العوامل الخمس الكبرى

انطلاقًا من جهود العلماء السابقين توصل العلم إلى نظرية العوامل الخمس الكبرى، التي تشير أنه يمكننا وصف شخصياتنا وشخصيات من حولنا بآلاف الصفات. وستقع هذه الشخصية مهما كانت صفاتها في نطاق العوامل الخمس الكبرى دائمًا. وهذه العوامل الخمس هي:

  • الاستقرار-العصبية

بمعنى هل أنت شخص هاديء ومتزن، أم قلق ومتشائم؟

  • الاجتماعية-الانطوائية

بمعنى هل أنت شخص منفتح ومحب للمرح، أم متحفظ وتفضل العزلة؟

  • القبول-عدم القبول

بمعنى هل أنت شخص مهذب ومتعاون، أم مرتاب وغير متعاون؟

  • الانفتاح- عدم الانفتاح

بمعنى هل أنت شخص منفتح للتجارب الجديدة، أم عملي تفضل الروتين؟

  • الحذر-التهور

بمعنى هل أنت شخص منظم وحذر، أم مهمل ومندفع؟

وهكذا استطاع العلماء قياس الاختلافات بين شخصيات البشر باستخدام هذه العوامل الخمس، والمشوق أن هذه النظرية تستخدم أسلوب «المدى-Spectrum» كما بالصورة

مدى العوامل الخمس الكبرى للشخصية (حقوق الصورة: المنفى)

على عكس أساليب القياس الأخرى مزدوجة الاختيار. بمعنى أنه يمكنك أن تجد نفسك شخصًا منفتحًا فقط أو غير منفتح فقط أو نقطة ما بينهما.

والسؤال هنا الآن، أين تقع هذه النظرية من خاصيتي الدقة والصدق؟ وما الأدلة عليها؟

ما الأدلة عليها؟

  1. تتميز هذه النظرية على عكس اختبارات الشخصية الأخرى بخاصية الدقة، فإذا اختبرت الصفات الخمس الآن ثم أعدت نفس الاختبار بعد خمس سنوات، فلن تجد تغيرًا كبيرًا. خاصة بعد سن الثلاثين، حيث تستقر هذه الصفات إلى حد كبير.
  2. تتميز هذه النظرية أيضًا بخاصية الصدق، لأنها تقيس ما وُضعت لقياسه. فنجد موقفك من الصفات الخمس يتنبأ بسلوكك في العالم الحقيقي. فيقيس الانفتاح مثلًا احتمالية تغييرك لوظيفتك، بينما يقيس القبول مدى نجاح علاقاتك.
  3. تتفق نتائج هذه النظرية مع انطباع الآخرين عنك. فإذا سألت والدتك ورفيقك في العمل واستاذك في الجامعة عن انطباعهم عنك، ستتداخل إجاباتهم إلى حد كبير، وستتفق مع موقفك من الصفات الخمس.

الاختلاف الثاني: الذكاء

الذكاء هو العامل الثاني الذي يحدد الاختلافات بين البشر، لكنه -على عكس الشخصية- يصعب تعريفه. لأنه ليس محدود بصفات معينة يمكن اختبارها.

عندما استقطبت أحد الدراسات ألف خبير وسألتهم عن تعريفهم للذكاء، اشتركت إجابات معظهم في بعض النقاط مثل: القدرة على حل المشكلات، والتعلم، والتفكير المجرد. وجاءت بعض الإجابات الأخرى مثل: الذاكرة، وسرعة البديهة، والإبداع، واللغات.

لذا نستنتج من هنا أن تعريف الذكاء أمر يصعب الاتفاق عليه. فما هو الأمر الذي نتفق عليه عند حديثنا عن الذكاء؟ الأمر الذي نتفق عليه أن تصنيفنا للذكاء أمر بديهي، بمعنى أنك تملك حسًا داخليًا عنه. فتعرف أن آينشتاين مثلًا شديد الذكاء، وأستاذك في الجامعة ذكي أيضًا، بينما “بسيط نجم” (شخصية من عرض سبونج بوب) ربما ليس الأنبغ!

سبيرمان وأنواع الذكاء

والآن سنناقش أنواع الذكاء تبعًا لاثنين من المفاهيم الهامة. هذان المفهومان يرتبطان بـ «نظرية الذكاء ثنائية العامل-Two factors theory of intelligence» لعالم النفس «تشارلز سبيرمان-Charles Spearman» أشار سبيرمان إلى نوعين من الذكاء عند البشر:

  • النوع S: أي الذكاء الخاص، الذي يتحدد بنتائجك المختلفة في كل اختبار ذكاء منفرد مثل: اختبار القراءة، والحساب، والقدرة المكانية.
  • النوع G: أي الذكاء العام، الذي يتحدد بنتائجك في هذه الاختبارات جميعها بشكل عام.

وما توصل إليه سبيرمان هو نوع من الارتباط بين نوعي الذكاء، فلا ينفصل النوع G عن النوع S وإنما يؤثر بشكل كبير عليه. فبينما تمدنا الاختبارات المنفردة بنتائج مختصة بمهارة ما تحديدًا، إلا أنها تدلنا أيضًا على نوع من الأداء المشترك/ الذكاء العام بينهم جميعًا.

ولفهم ذلك بشكل أوضح سنشبه الأمر بامتلاكك صالة رياضية، هناك عدد من الاختبارات التي يقوم بها المشاركون، أحدها لاختبار سرعة الجري، أو السباحة، أو التسلق، ثم آخر لتقدير الأداء بشكل عام. عند مراجعة نتائج المشاركين ستجد أن هؤلاء الذين يحرزون نتائج مرتفعة في كل اختبار منفصل يأتي تقديرهم العام مرتفعًا أيضًا، والعكس صحيح. لذا يمكننا القول أن نتائج هذه الاختبارات مهما كانت منفصلة إلا أنه هناك نوع من الأداء المشترك بينها. فلا ينفصل الذكاء العام عن الذكاء الخاص مطلقًا!

أهمية اختبارات الذكاء

لاختبارات الذكاء أهمية كبرى في حياتنا اليومية، فتتأثر الحالة الاجتماعية للأشخاص في المجتمع، ومدى نجاحهم وثرائهم بمعدل ذكائهم الذين يحصلون عليه من اختبارات الذكاء

هكذا أشار هيرنستين وموراي في كتابهم «منحنى الجرس-The Bell Curve».

كتاب منحنى الجرس لهيرنستين وموراي (حقوق الصورة: wikipedia)

ويمكنك أن تتخيل الجدل الذي أثاره هذا التصريح في المجتمع العلمي، فظهرت على إثره عدد من الأبحاث المشوقة. قامت جمعية علم النفس الأمركية بواحد من هذه الأبحاث، حيث طلبت من خمسين من كبار الباحثين كتابة تقرير عن معدل الذكاء، هل يؤمنون بأهمية اختبارات الذكاء؟ وهل ترتبط نتائجها بالذكاء الفعلي؟

جاءت النتائج باتفاق واسع على أهمية معدل الذكاء، وأشاروا أن معدل الذكاء -أكثر من أي صفة بشرية أخرى قابلة للقياس- مرتبط بالعديد من الانجازات التعليمية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية.

  • في بعض الحالات يكون الارتباط قويًا جدًا مثل: النجاح في الدراسة.
  • أو معتدلًا مثل: الكفاءة الاجتماعية.
  • أو طفيفًا مثل: احترام القوانين.

إذًا نستنتج من هنا أن معدل الذكاء مهم، خاصة في مواضع التحصيل الاجتماعي والوظيفي، لكن تظل هناك بعض الشكوك!

لدى بعض العلماء تخوفًا أن يكون تأثير معدل الذكاء مثل نبوءة ذاتية التحقق، حيث أدت نظرة المجتمع الجدية لاختبارات الذكاء في المقام الأول إلى زيادة أهميته.

لذا نعم، يتأثر نجاحك بمعدل ذكائك لأن نجاحك/التحاقك بجامعة مرموقة يعتمد على نتيجتك في اختبارات القبول (SAT) وهي شكل من أشكال اختبارات الذكاء.

لفهم ذلك بشكل أوضح تخيل معي أننا نعيش في عالم يشترط ألا يقل طولك عن 170 سم لكي تلتحق بالجامعة، هنا يؤثر الطول على نجاحك، وبمرور الوقت لن نتعجب ربط أحد العلماء بين الطول والإنجاز العلمي!

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

والآن بعد أن تعرفنا على جهود العلماء في فهم الفروقات بين المجموعات البشرية، ومحاولة إيجاد الطرق المبتكرة والموثوقة لقياسها ومن ثم المقارنة بينها. بداية من اختبار رورشاخ لفهم الشخصية وانتهاءًا باختبار معدل الذكاء الاعتيادي الذي نراه دائمًا. يتبقى لنا أن نعرف أسباب هذه الاختلافات، ما أصلها؟ جيني موروث أم بيئي مكتسب أم خليط بين الاثنين؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.

اقرأ أيضًا: ما الابتسامة؟ وما فوائدها؟ وهل تصف دائمًا السعادة؟

المصادر

  1. verywellmind
  2. verywellmind
  3. simplypsychology

كيف تستخدم “هاري بوتر” لتعليم أطفالك علم الوراثة؟

نعلم جميعًا أن العلم معقد ومليء بالكلمات الكبيرة والأفكار الصعبة. لكنها أيضًا أفضل أداة لدينا لفهم وتطوير العالم من حولنا، لذلك من الضروري إثارة اهتمام الأطفال بالعلم منذ صغرهم. لمساعدتك في ذلك، يشاركك أحد الباحثين نصيحةً احترافيةً لجعل الأطفال يفهمون علم الوراثة – وهو أحد أكثر المجالات صعوبةً ولكن بنفس الوقت من أكثرها ارتباطًا بالحياة. “ما هي النصيحة”؟ تحدث معهم عن هاري بوتر!

جديًا، إذ تمتاز هذه السلسلة (للكاتبة ج. ك. رولينغ) ليس فقط بكونها مشهورةً على نطاقٍ واسع، بل اتضح أنها أيضًا نقطة نقاش رائعة لبعض الأفكار المعقدة في علم الوراثة الحديث، وفقًا لجون روبرتس، مستشار وراثي في ​​معهد «Wellcome Trust Sanger Institute» و «كلية الملك في لندن-King’s College London» في المملكة المتحدة. يوضح روبرتس في مدونة GenomEthics قائلًا:

“بصفتي مستشارًا وراثيًا، كان أحد أصعب الأسئلة التي واجهتها في العيادة من والدين يسألان: ” كيف نتحدث عن الحالة المتوارثة في عائلتنا مع أطفالنا؟”

نصيحته موجهة إلى آباء الأطفال المصابين بأمراض وراثية، والذين يواجهون صعوبةً في مناقشة هذه المواضيع المخيفة مع أطفالهم. ولكنها أيضًا نصيةٌ ذهبيةٌ لأي شخص يسعى إلى جذب اهتمام الأطفال بالعلوم. إذًا كيف يمكن لمحادثة حول الكوديتش و فولدمورت أن تتحول إلى درس عن الحمض النووي؟ يركز روبرتس في المدونة على موضوعين مهمين: الإرث و “الشعور بالاختلاف”. قد يبدو كل من هذين الموضوعين بسيطًا بالنسبة لنا، ولكن قد يكون من الصعب على الطفل فهمه دون علمٍ مسبقٍ للجينومات أو الكروموسومات أو السمات المرتبطة بالكروموسوم X.

لحسن الحظ، تمتلئ كتب هاري بوتر بأمثلة على الميراث يمكنك التحدث عنها مع طفلك. على سبيل المثال، في عالم هاري بوتر، من المرجح أن يكون للوالدين الساحرين أطفالٌ ساحرون. ولكن هذا ليس هو الحال دائمًا، إذ أنه يمكن للقدرات السحرية الظهور عند الأطفال دون وجودها لدى أي من الوالدين، وهذا يصلح مثالًا للصفات المتنحية كما في مرض «التليف الكيسي-cystic fibrosis». نرى هذا مع هيرميون وهي ذات أبوين ليسا من السحرة. هناك أمثلة أخرى على الميراث في الكتب. هاجريد يمتاز بحجمه الكبير جدًا لأن والدته كانت من العمالقة. ونسمع كثيرًا أن هاري بوتر يشبه والده تمامًا، باستثناء عينيه اللتان ورثهما عن والدته.

وعندما يتعلق الأمر بمعاني تلك السمات الموروثة، فإن الكتب رائعة لأنها مليئة بالأمثلة الإيجابية لأشخاص “غير طبيعيين”. واحدٌ من تحديات الصفات الجينية هو أنها يمكن أن تجعل الشخص يشعر بأنه مختلف. واللغة الطبية ليست مفيدةً دائمًا في نقاش هذا الموضوع مع الأطفال. نحن هنا نتحدث عن ’الطفرات’ ونحاول معرفة ما إذا كانت المتغيرات الجينية مسببة للأمراض أم لا. هناك طريقة أخرى لصياغة الحديث بدون استخدام كل هذه المصطلحات الطبية، كما يقترح روبرتس، وهي التحدث عن اختلاف هاري عن بقية أصدقائه، وكيف أن ندبته أخذت شكل البرق والذي يعتبر علامة جسدية للألم الداخلي. أو العنصرية ضد لوبين لأنه مستذئب، رغم أنه يبدو مثل أي شخصٍ آخر في معظم الأوقات. كل من هاتين الشخصيتين (هاري ولوبين) لديهما صراعاتهما الخاصة – لكنهما محبوبان فضلًا عن كونهما من أبطال القصة.

بالطبع أن محادثة عن الصفات الوراثية في قصة هاري بوتر لن تحول ابنك إلى عالم وراثة بين عشية وضحاها! لكنها طريقة فعالة جدًا لإلهام جيل جديد والتحدث عن العلوم مع الأبناء في سنٍ مبكرة – سواء كان ذلك يؤثر عليهم بشكلٍ مباشرٍ أم لا.

لكن ماذا لو أن أطفال المستقبل لن يحبو قصص ج. ك. رولينغ؟ يجيب روبرتس:يمكن للآباء الارتجال.

لقد استخدمت هاري بوتر كمثال، من ناحية لأنه مصدر غني لشخصيات وصور قوية، ومن ناحيةٍ أخرى لأنه مشهورٌ ومن المرجح أن يجذب شغف الأطفال للحديث عنه. أعتقد أن السماح للأطفال بإبداء آرائهم وأفكارهم وإظهار الاحترام لها سيساعد بسير المحادثة وتسهيل التواصل.

المصادر:   Science Alert
GenomeEthics Blog
National Library of Medicine
إقرأ أيضًا: لماذا يصعب علينا الانقطاع عن قراءة “هاري بوتر”؟

ما هو اضطراب طيف التوحد ؟

يعد «اضطراب طيف التوحد -Autism spectrum disorder» من الاضطرابات العصبية التطورية. وتتميز تلك الاضطرابات بمجال واسع من أعراض واعتلالات تظهر في سن مبكرة من مرحلة الطفولة وتستمر مدى الحياة. ومن بينها صعوبات في التعلم والتواصل الاجتماعي وغلبة الأنماط الحركية والكلامية المتكررة إضافة إلى السلوك العدواني في بعض الحالات.

تبعًا لمنظمة الصحة العالمية فإن اضطراب طيف التوحد في مرحلة نمو مستمر بمعدل انتشار عالمي وصل إلى مريض واحد من كل 160 طفل مع شيوع أكبر بأربع إلى خمس مرات لدى الذكور منه لدى الإناث.

تأثير اضطراب طيف التوحد على الدماغ

تمت دراسة التغيرات البنيوية والوظيفية الطارئة على بنية الدماغ لدى مرضى التوحد وذلك باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي (MRI) التي تعد من أكثر التقنيات المستخدمة في هذا المجال.

أظهرت التحاليل أنّ لدى الأطفال ما بين السنتين والخمس سنوات تطورًا غير طبيعي في تلافيف الفصين الجبهي والصدغي (الجانبي) للدماغ وكميةً أقل من المادتين الرمادية والبيضاء وحجمًا أقل للجسم اللوزي، وذلك بالمقارنة مع الأطفال السليمين من هذا الاضطراب. وفي مقارنة أخرى باستخدام الرنين المغناطيسي ثلاثي الأبعاد (3D MRI) لوحظ ازدياد في حجمي المخ والجسم اللوزي لدى الأطفال المصابين من عمر الثلاثة إلى أربع سنوات مقارنة بالأطفال السليمين من نفس العمر. (1)

تشخيص اضطراب التوحد

شهد العقد الماضي تقدمًا ملحوظًا في مجال تشخيص الاضطراب من حيث تطوير الفحوصات الكاشفة والأدوات اللازمة لها، كما تعمّق فهم العلماء في التباين الكبير للأعراض والأنماط السلوكية بين المرضى.

يتصف تشخيص مرض التوحد بالصعوبة ذلك لأنّ الطفل قد يقوم بسلوكيات معينة ناتجة عن عوامل غير مرتبطة بالاضطراب،مثل العمر والإدراك المعرفي المرتبط بالبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الطفل.

في أعمار معينة قد ترتبط بعض الخصائص المعروفة في التوحد باضطرابات مختلفة لذلك يتطلب إجراء التشخيص فحوص دقيقة ومنتقاة بعناية يقوم بها أخصائيين على مستوى عالي من الاحترافية وينبغي لهذه الفحوص أن تؤمن معلومات دقيقة حول مقدرات الطفل وأدائه الوظيفي العام في كل من المجالات اللغوية والمجالات غير لغوية وبالتالي توفير نقطة انطلاق حاسمة للطبيب لتحقيق أفضل النتائج الممكنة. من المهم جدًا الفصل بين تقييمات المهارات اللغوية والمهارات غير اللغوية فالعديد من الأطفال المصابين بالتوحد قد يظهرون مهارات حركية غير متوقعة إذا ما نظرنا إلى أنماطهم اللغوية المتكررة وطريقة لعبهم بالمقارنة مع أقرانهم غير المصابين.(2)

العوامل المسببة للاضطراب

لايوجد في الوقت الرهن تفسير شامل لاضطراب طيف التوحد إلا أن الدراسات الحالية ترجع الاضطراب لأسباب بيئية ووراثية، وفي دراسة مؤخرة أجريت على مرضى يابانيين اكتشف العلماء طفرتين في موقعين مختلفين من جين(DAB1) المسؤول عن إنتاج بروتين داخل خلوي يلعب دورًا أساسيًا في عمليات التموضع العصبي الصحيح والتشكل الطبقي الخلوي أثناء تطور الدماغ بالإضافة إلى دوره في وظائف التشابك العصبي والتعلم والذاكرة في دماغ البالغ.

لا يمكن اعتماد نتائج هذه الدراسة كتفسير نهائي للاضطراب. فلا بدّ من زيادة حجم العينة المدروسة لتحقيق تقييم أكثر شمولية للجين (DAB1) والجينات المتعلقة به. (3)

علاج اضطراب التوحد

للأسف لا يوجد حتى الآن أي علاج فعال وجذري لاضطراب طيف التوحد. فالطرق العلاجية الحالية والتدخلات الطبية المدروسة كلها تسعى إلى تخفيف الأعراض المعيقة وتطوير القدرات الإدراكية والمهارات الحياتية اليومية للطفل المصاب. فاكتساب مهارات اجتماعية تساعده في الاندماج والمشاركة الفاعلة في مجتمعه المحيط.

يؤثر اضطراب طيف التوحد على شخصية كل مصاب بشكل قد يختلف كثيرًا عن المصابين الآخرين فيكون لكل طفل قدراته و مشكلاته الخاصة في السلوك والتواصل والإدراك، وهذا ما يتطلب خططًا علاجية تشترك بها عائلة المريض مع الطبيب المعالج لتلبية الاحتياجات الخاصة للطفل المصاب لتحقيق أفضل نتائج ممكنة. تركز الخطط العلاجية بشكل أساسي على العلاج النفسي والسلوكي، وقد يلجأ الطبيب إلى العلاج الدوائي للتخفيف من أعراض القلق والاكتئاب ورفع مستويات الطاقة والقدرة على التركيز. بالنسبة للأطفال الأكبر عمرًا والبالغين فهناك جهود تبذَل لتطوير خطط علاجية مناسبة لهم، ذلك لأنّ الخطط الحالية وللأسف لاتحقق نتائج فعالة بالنسبة لهذه الفئة من المصابين.(4)

في الآونة الأخيرة تزايد الوعي الشعبي حول هذا الاضطراب وعواقبه، وبات المجتمع العربي أكثر تقبلًا لشريحة المصابين به، وتزايد عدد الجمعيات والجهات المعنية بحماية حقوقهم ومساعدتهم في الاعتماد على أنفسهم ليصبحوا أعضاء فاعلين ومؤثرين في مجتمعاتهم.

المصادر

1_ nature
2_ ncbi
3_ nature
4_ cdc



ما هو الامتثال الاجتماعي؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

كل فرد منا مميز، له معتقداته وآراؤه، ويملك قراراته وخياراته. كلٌّ منا يدّعي أنه يلتزم مبادئه حتى لو تعارضت مع مبادئ وممارسات الأغلبية، لكننا هل نفعل ذلك حقًا؟ أم أن الضغط الاجتماعي يفرض علينا الانصياع؟ ما هو الامتثال الاجتماعي؟ هل الامتثال الاجتماعي والالتزام بمبادئ المجموعة أمر جيد وأخلاقي دائمًا؟ أم يكون الانحراف أكثر أخلاقية من المطابقة أحيانًا؟

«الامتثال الاجتماعي-Conformity» هو فعل التقيد بالتصرفات أو الأفكار أو المبادئ أو الأعراف المُحبذة ضمن مجموعة معينة، وقد يشمل حتى تغيير القناعات الشخصية أو مخالفتها للحفاظ على القبول الاجتماعي من أفراد المجموعة.

الانحراف

في المقابل، يُعرَّف «الانحراف-Deviance» بمخالفة التصرفات أو الأفكار أو الأعراف المُتّبعة في مجموعة معينة. ويشمل الانحراف شتى أنواع ودرجات المخالفات ابتداءً من لبس ثياب غير معتادة في مكان معين وصولًا إلى مخالفة القوانين وارتكاب الجريمة.

يخلق مصطلحا “الامتثال” و”الانحراف” عادةً ردات فعل سلبية، بسبب تعليبهما ضمن مفاهيم نمطية ومتطرفة. فيتم تصوّر الامتثال على أنه الانصياع الكامل وغياب أي خيارات شخصية مستقلة. ومن جهة أخرى، عند سماع مصطلح الانحراف، أول ما نفكر به هو القيام بأعمال مشينة أخلاقيًا أو القيام بالجرائم المؤذية. لكن في الحقيقة، تندرج جميع تصرفاتنا اليومية وأفكارنا في خانات تتراوح بين الامتثال مع المبادئ العامة والانحراف عنها.

لا يحمل الامتثال الاجتماعي دائمًا معنىً سلبيًا، فهو ضروري لتنفيذ عمل جماعي، وينم في كثير من الأحيان عن مشاعر حب الجماعة والانتماء لها والميل للصالح العام. كما أنه أساسي لأي تواصل وتعاون وقد كان ميزة مهمة لقيام المجتمعات والثقافات.

الحاجة إلى الامتثال الاجتماعي

تنمو الحاجة إلى الامتثال عند الإنسان منذ طفولته، فنجد الطفل يميل إلى تقليد حركات أهله وأفراد محيطه وتصرفاتهم، ثم يتبنى أفكارهم. ويكون التقليد مرحلة أساسية لتعلم كل مهاراته الحركية والاجتماعية اليومية. ويكافؤه مجتمعه في كل مرة يلتزم بالقواعد العامة. ويكون هذا الالتزام ضروريًا لنمو صحي ومتوازن.

تلازمنا حاجة الامتثال الاجتماعي مع التقدم بالعمر، فالالتزام بالأعراف المُعتمدة يعطينا شعورًا بالأمان والراحة، كما أنه يعزز صورتنا الاجتماعية الإيجابية وبالتالي ثقتنا بأنفسنا. وغالبًا ما يكافؤنا المجتمع المحيط بالقبول الاجتماعي.

في المقابل، نجد أنفسنا في كثير من الأحيان مضطرين إلى الانصياع لقواعد تخالف قناعاتنا ورغباتنا. وتولد في أنفسنا رغبة جامحة في مخالفتها. ونكون في هذه الحالة منحرفين عن القاعدة العامة. ولكن لمَ لا؟ ألم يكن الانحراف أساس التطور والتغيير في التاريخ البشري؟ ألم تغيّر “روزا باركس” التاريخ في لحظة انحرافها عن القوانين العنصرية التي تفرض عليها التخلي عن مقعدها في الباص لرجل أبيض؟ خلق بيكاسو تيارًا فنيا عصريًا ومميزًا نتيجة تمرده على الرسم التقليدي، أليس كذلك؟

الامتثال الاجتماعي: أسباب نفسية – اجتماعية وبيولوجية

يمكن تصنيف الامتثال الاجتماعي إلى نوعين: «المطاوعة-Compliance» و«القبول-Acceptance».

المطاوعة

المُطاوعة تعني الموافقة العلنية أو الالتزام بالتصرفات أو الأفكار المتوقعة، لكن دون الاقتناع بها. وقد تنتج المطاوعة عن الخوف من الرفض الاجتماعي، أو عن حب الانتماء إلى الجماعة.

القبول

أما القبول فهو تغيير القناعات الشخصية لتتلاءم مع قناعات الجماعة، وهو يحصل تحت الضغط الاجتماعي أو قوة الإقناع.

اختبارات آش

وقد ظهر نوعا الامتثال في اختبارات «آش-Asch» الشهيرة في الخمسينيات من القرن الماضي. وتجري تجربة آش بالشكل التالي: تشارك مجموعة من ثمانية أشخاص في تجربة إدراكية بسيطة، على المشاركين اختيار الشكل المطابق (بين ثلاث خيارات) للشكل الأساسي. في الحقيقة يكون كل المشاركين ممثلين باستثناء شخص واحد، وتدرس التجربة ردة فعل هذا الشخص تجاه سلوك الآخرين، فهل سيمتثل لأجوبتهم غير المنطقية لمجرد أنهم يكوّنون الأكثرية، أم سيجيب إجابة مختلفة عن الآخرين؟

وقد بيّنت هذه التجربة نسب عالية من الامتثال رغم سهولة المهمة، ورغم عدم الضغط بأي شكل من الأشكال على المشاركين لاختيار جواب معين. النسبة الأكبر من المُشاركين الذين أظهروا الامتثال في الأجوبة لم يقتنعوا بإجاباتهم بل أعطوها تماشيًا مع الأغلبية. ولكن نسبة صغيرة منهم أظهروا القبول والاقتناع بالأجوبة غير المنطقية.

وتختلف نسبة الامتثال الاجتماعي تبعًا لمتغيرات مختلفة منها:

– عدد الأشخاص الذين يشكّلون الأغلبية، ترتفع نسبة الامتثال مع ارتفاع العدد.

– عدد الأشخاص “الحقيقيين” في التجربة أي عدد المعارضين للإجابة التي تعطيها الأغلبية، وفي هذه الحالة تنخفض نسبة الامتثال بشكل ملحوظ.

– صعوبة المهمة، تزداد نسبة الامتثال مع صعوبة المهمة.

– المستوى الاجتماعي للأغلبية، إذا كانت الأغلبية من مستوى اجتماعي عالي، ترتفع نسبة الامتثال بها.

نظريات نفسية واجتماعية تفسر الامتثال الاجتماعي

قدّم عالم النفس الاجتماعي «ليون فستنجر-Leon Festinger»، في عام 1954، نظرية المقارنة الاجتماعية (Social Comparison theory)، وهي تطرح أن كل فرد منا يلجأ إلى مقارنة نفسه بالمحيط بهدف تقييم نفسه و”تصحيحها”. ويعتبر فستنجر أن تقييم الذات يشكل حاجة نفسية إنسانية، وبسبب غياب أدوات التقييم الموضوعية، يقيم الشخص نفسه نسبةً لمحيطه. من هنا تظهر الحاجة إلى الامتثال والمطاوعة.

لعبت نظرية المقارنة الاجتماعية دورًا مؤثرًا في الدراسات الاجتماعية، لكنها لم تجب بشكل كافٍ على سبب الامتثال والعلاقة بين تقييم الذات والانصياع للقواعد العامة. لذلك قدم فستنجر نظرية أخرى عام 1957 تسمّى ب”نظرية التنافر المعرفي-Cognitive dissonance theory”. ويعتبر فستنجر أن الفرد يشعر بعدم الارتياح عند تناقض الأفكار التي نملكها مسبقًا مع الأفكار الحديثة، أو عند تناقض معتقداتنا مع أفعالنا. تحت الضغط الاجتماعي والحفاظ على القبول الاجتماعي، نقوم أحيانًأ بتبديل آرائنا ومعتقداتنا لتتماشى مع تصرفاتنا ضمن هذا المجتمع.

حديثًا، أظهرت دراسات التصوير العصبي للدماغ أن القبول الاجتماعي يحفز المناطق الدماغية المسؤولة عن المكافأة. ولذلك نشعر بالراحة والفرح عند قبول رأينا أو تصرفنا من قبل محيطنا. في المقابل، عند مخالفة العادات أو الأعراف أو رأي الأغلبية، يظهر الدماغ نشاطًا في المناطق المسؤولة عن معالجة التهديد والخطر. تفسر إذًا هذه الدراسات تفضيل الإنسان للتماشي مع المحيط وعدم مخالفته.

ختامًا، يشكل الامتثال موضوعًا جدليًا كبيرًا. فعلى قدر أهميته لبناء المجموعات والمجتمعات، فهو أيضًا سلاح بيد الأنظمة (السياسية او الاقتصادية) لتطويع شعوب كاملة دون السماح لها بالاعتراض. وتطرح إشكالية الامتثال إشكالية أكبر: هل نحن، البشر، نملك حرية القرارات والخيارات حقًا؟ هل اعتقداتنا وقيمنا تمثلنا فعلًا، أم أنها مرآة محيطنا الذي نطاوعه وننصاع له؟

المصادر

NCBI
Researchgate
Psychological science
University of Kentucky Uky.edu

أيهما أكثر إبداعًا: الفنون أم العلوم؟

إن إعداد الجيل القادم للمستقبل يحتاج إلى فهم ثغرات سوق العمل. وأجهزة الحاسوب والذكاء الاصطناعي لا تستطيع الوصول إلى المهارات البشرية، حيث المكان المناسب للإبداع. فبات لا يمكن التقليل من أهمية الإبداع في عالم أصبح رقميًا، فالمنافسة أصبحت على أشدها. لاسيما بعد أن أشار المنتدى الاقتصادي العالمي-2020 أن الإبداع لا يقل أهمية عن الذكاء الاصطناعي في وظائف المستقبل. لكن غالبًا ما يرتبط الإبداع بالفنون والأعمال الأدبية، فما محل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الإبداع؟ وأيهما أكثر إبداعًا: الفنون أم العلوم؟

إلى أي مدى أصبح الإبداع عاملاً هامًا فى النجاح الوظيفي؟

تأتي الدعوة للاهتمام بتدريس المواد في جميع التخصصات بشكل مختلف ينطوي على مفاتيح الإبداع في الوقت الذي يظهر فيه بحث جديد يؤكد أن الإبداع أصبح كفاءة أساسية في جميع التخصصات أكثر من أي وقت مضى، فقد أصبح عاملاً حاسمًا لضمان النجاح الوظيفي في المستقبل.

على الموسيقي صاحب الرؤية الفريدة أن يكافح من أجل تأليف لحن جديد بإيقاع جميل على النفوس، فلا سبيل له إذَا إلا الإبداع. وعلى المهندس الذكي أن يحل مشكلة وجود قنوات المياه والمرافق الاخرى بينما يضع دائرة كهربية، فلن يجد بغير الإبداع حلاً لها.

إذا اعتقدت أن أدوات ومعايير الإبداع مختلفة في هاتين المشكلتين، فأنت مُخطئ! على الرغم من أن للموسيقي أوتاره وأدواته وللمهندس أدواته، إلا أن أساليب الإبداع متشابهة للغاية. فلا يحتاج أي منهما سوى الانفتاح على الأفكار الجديدة، وتوظيف التفكير المتشعب، واعتماد المرونة والحياد عن الطرق التقليدية.

دراسة جديدة ستغير طرق التعليم

كثيرّا ما ارتبط مصطلح الإبداع في أذهان الطلاب بالفنون والآداب فقط. ظنًا منهم أن مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مجالات صماء، تخضع للقوانين فقط لا مجال للإبداع فيها.

حتى صدور هذه الدراسة، لم نكن نعلم ما إذا كان الإبداع في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هو نفسه الإبداع في كل شئ، أو إذا ما كان هناك شيء فريد حول الإبداع في تلك المجالات.

تعاون الباحث «ديڨيد كروبلي-David Cropely» من جامعة جنوب استراليا، والباحث «كيم فان برويكهوفن-Kim Van Broekhoven» من جامعة ماستريخت، في دراسة للتحقيق في وجود اختلافات بين الإبداع في العلوم والإبداع في الفنون. أجريت الدراسة على 2277 طالبًا تتراوح أعمارهم بين 17 و 37 عامّا، بينهم 2147 طالبًا مُسجلين بمساقات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، و130 طالبًا مسجلين بالمساقات الأدبية والفنون.

مرت الدراسة بثلاث خطوات:

الخطوة الأولى: اختبرت الكفاءة الذاتية الإبداعية للطلاب، وثقتهم في قدراتهم الإبداعية. فقد طُلب من  الطلاب التفاعل بالموافقة أو عدم الموافقة مع عبارات مثل: “أنا جيد في ابتكار أفكار جديدة” و “لدي خيال جيد”، وغيرها.

المرحلة الثانية: اختبرت تفكيرهم المتباين، فقد طُلب منهم تكوين أكبر عدد من الأفكار لمشكلة محددة، مثل تحسين استخدام القطارات العامة.

وفي المرحلة الثالثة والأخيرة: طُلب منهم أن يسجلوا حلولاً معينة بمعايير معينة لمشكلات في جميع المجالات. وقد حدد الباحثون حدًا أدنى من الاختلافات والفروق بين أداء طلاب الفنون وطلاب العلوم.

فالإبداع هو كفاءة متعددة الأوجه، تتضمن مواقف وتصرفات ورؤى ومهارات ومعارف متشابهة. كما يعَرَّف الإبداع أنه الميل إلى توليد أفكار وبدائل واحتمالات لحل مشكلة والتواصل مع الآخرين. ولكي تميل لأن تكون مبدعًا، يجب أن تكون قادرًا على رؤية الأشياء بعين جديدة، أو من منظورٍ مختلف. كما يجب أن تكون قادرّا على توليد أفكارٍ جديدة. وعلى الرغم من ذلك، فلا تقيس اختبارات الإبداع عدد البدائل التى يمكن إيجادها فحسب. بل تقيس أيضّا مدى تفرد تلك البدائل؛ فالقدرة على توليد البدائل الصالحة أو حتى رؤية الأشياء بشكل مختلف لا يحدث عن طريق التغيير فقط. فهو مرتبط بصفاتٍ أُخرى أكثر جوهرية في التفكير، مثل المرونة والغموض والقدرة على التنبؤ، فالإبداع ليس عملاً سهلاً.

الفائدة

قد ساعدت تلك الدراسة على تقديم نظرةً ثاقبةً حول كيفية تقييم أنظمة التعليم للقدرات الإبداعية. بالإضافة إلى إمكانية إتباع المعلمين نهج شامل لتدريس الإبداع، ودمجه في المناهج واعتماده مبدءًا هامًا في جودة الأنشطة التعليمية، بشكل أكثر عمومية وشمولية أيًا كان مجال الدراسة، مبتعدين عن النهج التقليدى في تناول المحتوى الدراسي.

وأخيرًا، يجب على الطلاب في القرن الحادي والعشرين أن يكونوا أكثر انفتاحًا على التنوع المذهل للإمكانات المتاحة لهم في التعليم؛ تلبيةً لمتطلبات وظائف العصر، فلا يمكن الآن أن نتساءل أيهما أكثر إبداعًا: الفنون أم العلوم؟ فلقد أصبح لكل طالب فرصته لخلق مساره الفريد الخاص به، لإن الإبداع هو الأساس المتين لضمان الازدهار وعدم النجاح فحسب.

المصادر:

csun
sciencedaily
weforum

ما هو الإرهاق وما هي أسبابه؟ وطرق التعامل معه؟

صديق لي يعمل في مكان ما، بدأ مؤخرًا يشعر بفقدان الطاقة ومعنى ما يفعله، ودائمًا ما يشعر بالإرهاق ذهنيًا أو جسديًا، أصبح قليل الصبر، منفعلًا لأبسط الأشياء، أصبحت أبسط المهمات في عمله شديدة التعقيد لديه، في البداية ظننت أنه يعاني من ضغط العمل فقط، مثلما نتعرض جميعًا للضغوطات الحياتية بصورة مستمرة! ولكن خلال بحث بسيط، اكتشفت بإن هذه الأعراض التي ربما تكون إعتيادية لنا جميعًا، لها مصطلح أخر يسمى (الإرهاق – Burn out). إذًا ما هو الإرهاق وما هي أسبابه؟ وكيف نتعامل معه؟ هذا ما سنجيب عنه في هذا المقال.

ما هو الإرهاق؟

عام 1974 وضع (هربرت فرودنبيرجر-Herbert Freudenberger) مصطلح جديد يسمى (الإرهاق- Burn out). خلال عام 2019 صنفت منظمة الصحة العالمية (WHO) الإرهاق على أنه حالة مرضية، كما أنها ضمت الحالة ضمن كُتيبها، والذي يضم التصنيفات العالمية للحالات المرضية، والذي يستخدمه مقدمي الخدمات الطبية في تشخيص الأمراض. وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الإرهاق هو متلازمة تنتج من الضغط مستمر في بيئة العمل، والذي لم يتم إدارته بنجاح. (3) وهناك بعض الأعراض التي ربما تساهم في التعرف عليه مثل: الشعور بالاستنزاف سواء جسديًا أو نفسيًا، الابتعاد الذهني عن العمل ومهماته الشعور بالسلبية تجاه العمل، إنخفاض الكفاءة المهنية.(3)

ما الفرق بين الإرهاق والضغط؟

رسميًا يعتبر الإرهاق أزمة مزمنة في بيئة العمل، وحاليًا تأخذ الشركات تلك الأزمة بجدية أكبر. كما أن طبيعة الإرهاق مختلفة تمامًا عن ضغط العمل عادي، فهو لا ينتهي عندما تأخذ عطلة طويلة، أو حتى عندما تقلل من إيقاع أو ساعات العمل. عندما تكون واقعًا تحت ضغط ما، فإنك تكافح للتعامل مع تلك الضغوط، أما في حالة الإرهاق، فإنك تكون حرفيًا فاقدًا للطاقة، وتشعر باليأس من التعامل مع تلك الضغوطات.

أظهرت الدراسات الاستقصائية أن 60٪ من حالات التغيب عن العمل، تكون بسبب الضغط الجسدي والنفسي المصاحب الإرهاق. خلال دراسة استقصائية في عام 2018 قال 40٪ من ضمن 2000 موظف، أنه فكر في الاستقالة بسبب الإرهاق. قدر الخبراء بأن الإرهاق يكلف الشركات الأمريكية من 150-350 مليار دولار سنويًا. وبالطبع نتائج تلك الدراسات مخيفة لكل رب عمل. ويقول الباحث (كريستيان دورمان -Christian Dormann)والذي قام بدراسة في جامعة (يوهانس جونيرج- Johannes Gutenberg) ” إن أهم أعراض الإرهاق، الشعور بالإجهاد الكلي للحد الذي لا يمكن تصحيحه بأخذ عطلة، أو حتى قضاء أمسية هادئة”. الذين يتعرضون الإرهاق يحاولون حماية أنفسهم عبر بناء مسافة نفسية بينهم وبين عملهم وزملائهم في العمل. (1)

هل الضغط هو الدافع وراء الإرهاق؟

ولأن الفكر السائد هو أن ضغط العمل هو الدافع وراء الإرهاق، قام فريق من جامعة (ماينز- Mainz) بإجراء 48 دراسة على ضغط العمل والإرهاق، ضمت هذه الدراسات 26,319 مشاركًا، وكان متوسط الأعمار حوالي 42 عام، وبنسبة 44٪ من الذكور. شملت الدراسة الفترة من 1986-2019، وفي بعض دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا وجنوب إفريقيا والصين وتايوان واستراليا. وأظهرت الدراسة الجديدة أن الضغط والإرهاق يعزز كل منهما الآخر، ولكن على العكس الإرهاق له تأثير أكبر على ضغط العمل وليس العكس. وهذا معناه أنه كلما شعر أحدهم بالإرهاق، كلما زادت عليه ضغوط العمل، وصعب عليه التعامل معها. لذا يقول الخبراء أن مثل هؤلاء الموظفين لا بد أن يتم تزويدهم بالدعم الكافي في الوقت المناسب، لكسر تلك الحلقة المفرغة من الضغط والإرهاق، كما أن الإرهاق يبدأ ويتطور تدريجيًا، ويتراكم مع مرور الوقت، وفي النهاية يؤدي إلى الشعور بأن العمل مرهق، وأن أبسط المهام تكون مرهقة للغاية. (1)

ما هي أسباب الإرهاق؟

هناك عدة أسباب، ولكن كما قلنا فإن المشكلة تنبع أكثر من بيئة العمل، ولكن أي شخص يشعر بعدم التقديرأوالضغط يمكن أن يصل لتلك الحالة، بداية من الموظف العادي وصولًا إلى ربة المنزل. لكن الإرهاق لا يكون فقط بسبب ضغط العمل أو تحمل مسئولياتٍ كثيرة، فهناك عوامل أخرى، مثل أسلوب حياتك وسماتك الشخصية، كما أن طريقتك في رؤية الحياة ربما تؤثر في الأمر برمته. ومن الأسباب المهنية: الشعور بعدم سيطرتك على عملك، عدم التقدير من قبل مرؤسيك على عملك الجيد، العمل في بيئة عالية الضغط أو غير منظمة. ومن الأسباب الشخصية: عدم أخذ الوقت الكافي للراحة، تحمل الكثير من المسئوليات بدون مساعدة من أحد، عدم وجود علاقات داعمة بجوارك، عدم أخذ كفايتك من النوم، الشعور بحتمية الكمال، وأن أي شيء تفعله غير كافي أو مثالي، نظرة متشائمة للعالم ولنفسك، الحاجة للشعور بالسيطرة. (2)

كيف أتعامل مع الإرهاق؟

إذا شعرت بأن أغلب الأعراض والأسباب تنطبق عليك، ربما يجب عليك أن تلتقط أنفاسك وتركز في تلك الحلول، والتي ربما تساعدك قليلًا في التخفيف عنك خلال تلك المرحلة. أول شيء، أن تُقر بوجود المشكلة، و تطلب الدعم وتحاول إيجاد طرق لإدارة هذا الضغط، وأخيرًا أن تكون مرنًا، لتسترجع صحتك النفسية والجسدية، وإليك هذه النصائح البسيطة. (2)

تواصل مع الآخرين

عند شعورك بالإرهاق، فإن قدرتك على الرغبة في التواصل مع الأخرين تقل وتصبح أثقل، ولكن التواصل طبيعة بشرية، ووجود أشخاص حولك يستمعون لك، هو حل إيجابي ومساعد كثيرًا، ليس بالضرورة أن يكون عندهم حلول لكل مشكلة، ولكن الاستماع الفعال والمتفهم، يشعرك بالراحة ويقلل من حجم توترك. (2) تواصلك مع المقربين منك سواء عائلتك أو أصدقائك، ربما يشعرك بإن الحديث عما يؤرقك معهم سيجعلك عبء عليهم، ولكن هذا ليس حقيقيًا، فمحاولتك تلك ستكون نقطة إيجابية أخرى، فمن خلالها سيشعرون أنك تثق بهم، وبالتالي ستقوي من علاقتك بهم.

كون علاقات جيدة في بيئة العمل

حاول أن تكون علاقاتك جيدة مع زملائك في العمل، بحيث تقلل من ضغط بيئة العمل، كذلك حاول أن تبتعد عن الأشخاص السلبيين، حتى لا يتفاقم وضعك وتشعر بالضغط أكثر. إعادة ترتيب أولوياتك في الحياة، أمر لا بد منه من حين لأخر، ومحاولة اكتشاف أشياء وأهداف جديدة في حياتك، أمر منعش ومحفز.

تعود أن تقول: “لا”!

ضع بعض الحدود، لا تحاول أن ترهق نفسك بالمهمات التي لا تريدها، تعود أن تقول لا، وأعلم أنها وسيلة تتيح لك الوقت لتفعل ما تريد حقًا.

قلل من التكنولوجيا

بالطبع التعامل مع التكنولوجيا في تلك الفترة ستزيد من سوء الوضع، حيث أن التكنولوجيا من إحدى أسباب الضغط في الحياة اليومية، حاول أن تنقطع عنها خلال وقت بسيط من اليوم، لتحافظ على حالتك الذهنية.

عليك بالرياضة والحركة

مارس الرياضة، لأنها تخفف من التوتر وتحسن من حالتك الجسدية والنفسية على حد سواء، حاول أن تجرب ألعاب رياضية جديدة وأن تستمتع خلال هذا الوقت.

نم لوقتٍ كافٍ

النوم بعمق يُريح الجسد والعقل، لذا حاول أن تعمل على هذا الجانب، حتى تحصل على يوم جيد، إذا كنت تعاني من إضطرابات النوم، يمكنك استشارة طبيب.

حسن عاداتك الغذائية

أخيرًا تناول الطعام الصحي مثل الفاكهة والخضروات وغيرها من الأطعمة، التي تحسن من الحالة الذهنية والجسدية، وابتعد عن تناول السكريات والكربوهيدرات بكثرة.

كل تلك النصائح البسيطة مع الاستمرار اليومي، ستحقق غايتها. بالطبع الأمر مرهق تمامًا، وربما تبدو تلك النصائح غير فعالة أو ليست حل جذري، ولكن العادات البسيطة، وأسلوب الحياة الصحي، يغير من نظرتك للحياة ولنفسك، لذا ربما يجب عليك أن تحدد من جديد أولوياتك في الحياة، وأن تدرك تمامًا أن طلب المساعدة الطبية متاح، طالما شعرت أنت بحاجتك لذلك.

اقرأ أيضًا: ما الابتسامة؟ وما فوائدها؟ وهل تصف دائمًا السعادة؟

المصادر

  1. The Surprising Difference Between Stress and Burnout. (2020). https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-right-mindset/202011/the-surprising-difference-between-stress-and-burnout
  2. Burnout Prevention and Treatment – HelpGuide.org. (2020). https://www.helpguide.org/articles/stress/burnout-prevention-and-recovery.htm
  3. Burn-out an “occupational phenomenon”: International Classification of Diseases. (2020). https://www.who.int/news/item/28-05-2019-burn-out-an-occupational-phenomenon-international-classification-of-diseases

ما هي الميزة النسبية ؟

حانت فترة نهاية الدورة الدراسية، ما يعني فتره مشاريع نهاية الدورة، بينما أنت مشغول (ة) بالمذاكرة للامتحانات النهائية، تذكر(ي) أنه تبقى يومان لمشروع نهائي لأحد المواد. نظرا لضيق الوقت، عليكما تبني استراتيجية تمكنكما من الخروج من هذا المأزق، يتكون المشروع من جزأين. الجزء الأول يتضمن كتابة خمس مقالات، و جزء آخر يتضمن صنع فيديوهات. تستطيع انت كتابة مقال واحد في ساعتين بينما صنع الفيديو يأخذ أربع ساعات من وقتك. أما صديقك فتستغرق كتابة المقال منه 12 ساعة، بينما يستغرق صنع الفيديو ساعات. كيف ستقسمان العمل بينكما لإكمال المشروع في الوقت المحدد؟ يمكن حل هذه المشكلة بالتعرف على نظرية الميزة النسبية.

مبدأ التخصص 

ينص مبدأ التخصص في علم الاقتصاد على أنه من المفيد لطرف أن يتخصص ويتاجر في منتج محدد أكثر من تعميم وتوزيع مجهوداته لإنتاج منتوجات أخرى حتى وان كان الأفضل في إنتاج كل هذه المنتجات بين الأطراف الأخرى.

لنأخذ على سبيل المثال الولايات المتحدة و الصين. نفترض أن الولايات المتحدة تستطيع إنتاج 50 كيلوغراما من القمح أو 100 كيلوغرام من الذرة في اليوم الواحد. نفترض أيضا أن الصين تستطيع إنتاج 25 كيلوغرام من القمح أو 5 كيلوغرامات من الذرة. سيكون أفضل للولايات المتحدة التخصص في إنتاج القمح. بينما من الأفضل للصين التخصص في إنتاج الذرة على الرغم من كون الولايات المتحدة الأفضل في إنتاج الاثنين. هذا راجع إلى مفهوم الميزة النسبية.

الميزة النسبية

يعتمد هذا المبدأ على مبدأ تكلفة الفرصة الذي يمكن الاطلاع عليه في هذا المقال. نتكلم عن الميزة النسبية حين يكون لطرف ما (شركة، بلد) مصلحة أكثر في إنتاج (المنتوج أ) من (المنتوج ب). تقوم هذه المقارنة بين المنتجات على مبدأ تكلفة الفرصة. كما ذكر في المقال المشار إليه أعلاه، تمثل تكلفة فرصة (المنتوج أ) في عدد المنتوجات ب التي يمكن صنعها باستعمال نفس الموارد المستعملة لإنتاج المنتوج أ. بطريقة أخرى، تمثل ما سيتم التضحية به من المنتوج ب لصنع المنتوج أ.

إذا عدنا إلى مثال الولايات المتحدة و الصين، إذا قامت الولايات المتحدة بإنتاج القمح فقط، تكون تكلفة الفرصة لإنتاج كيلوغرام من القمح هي كيلوغرامين من الذرة. و من أجل كيلوغرام من الذرة، على الولايات المتحدة التضحية بنصف كيلو من القمح.

بالنسبة للصين، تكون تكلفة الفرصة لإنتاج كيلوغرام واحد من الذرة 5 كيلوغرام من القمح. إذن للولايات المتحدة ميزة نسبية في إنتاج الذرة لأن تكلفة فرصتها أقل من تكلفة الفرصة للقمح. على نفس المنوال، تكون للصين ميزة نسبية في إنتاج القمح.

لنطبق نفس المنهاج على مثال مشروع نهاية السنة. تكون تكلفة الفرصة لعملك على فيديو واحد هي مقالين، بينما تكلفة الفرصة لعمل صديقك على مقال واحد هي اثنين من الفيديوهات. بالتالي، لك ميزة نسبية في العمل على المقالات، و لصديقك ميزة نسبية في العمل على الفيديوهات.

المصادر:

Econport

Crash Course

ملخص رواية “انقطاعات الموت” للكاتب جوزيه ساراماغو

ملخص رواية “انقطاعات الموت” للكاتب جوزيه ساراماغو

تُعد راوية انقطاعات الموت رواية فلسفية موجعة يطرح فيها الكاتب أسئلة لا حصر لها عن علاقتنا بالزمن فنحن نموت دائمًا في النهاية، فماذا لو توقف الموت عن قتلنا؟ ما معنى الموت أصلًا؟ ولماذا نموت؟ في الرواية يتوقف الموت عن القتل ويصبح فيها منتهى آمال الناس وغايتهم، فهل من الممكن أن نمتن لما نخاف منه؟

تبدأ الأحداث في يوم من أغرب الأيام التي مرت على البشرية قاطبة، ففي ذلك اليوم لم يمت أحد!، أربع وعشرون ساعة دون أن تحدث حالة وفاة واحدة بمرض أو سقطة قاتلة أو حتى حالة انتحار، واستمر الوضع لعدة أيام متتالية وكأن الموت اختفى من البلاد وترك أرواح المتعبين والتعساء معلقة لا تتمنى إلا أن يعود الموت ويخلصها من عذابها.

باختفاء الموت بدأ الهلع والاضطراب يسري في جميع أنحاء البلدة وعَلت العناوين الرنانة والمرعبة صفحات الصحف اليومية، اهتزت الأجهزة المسؤولة في الدولة أمام تلك الظاهرة الفريدة من نوعها، فكيف للدولة أن تحل المشاكل المترتبة على اختفاء الموت؟ كيف تتحمل كل تلك النفقات؟ بدأت المشاكل تنهال على رأس الحكومة وكان بدايتها اعتراض مؤسسات التجارة الجنائزية على الوضع الراهن وتقدمهم بالشكاوى للحكومة، فقد فقدت تلك المؤسسات مادة تجارتها الأولية وأصبحوا أمام كارثة الإفلاس، حاولت الحكومة حل المشكلة عن طريق إلزام مربي الحيوانات الأليفة أن يقوموا بدفن وإحراق جثث حيواناتهم عندما تموت من خلال تلك المؤسسات، لم يكن الحل مرضيًا ولكنه كافيًا في الظروف الراهنة.

أما المستشفيات الخاصة والحكومية فقد بدأت تكتظ بالمرضى بعد أن توقفت العملية الدوارة المعهودة لمرضى يشفون ومرضى يموتون، ازدادت أعداد المرضى أصحاب الأمراض والحوادث الخطيرة التي كان من المفترض أن تودي بحياتهم، بدأت المستشفيات تضع المرضى في الممرات وبدأت تنفذ الأسرة ويسوء الوضع، وبناء على هذه الحالة المزرية أصدرت الحكومة أوامرها أن يتم نقل المرضى من هذا النوع إلى رعاية أسرهم بعد التأكد من انعدام الأمل في تحسنهم.

وبعد مرور عدة أشهر في تلك الأزمة جاء وقت السؤال الأقسى على الإطلاق “ماذا سيحدث للمسنين؟” فقد امتلأت دور المسنين عن آخرها وكادت تفيض، قررت الحكومة حل المشكلة عن طريق تصورات لبناء منشآت كبيرة يوضع فيها العجزة وكأنها مقابر للأحياء تلقى فيها الشيخوخة الوبيلة والمحتومة الرعاية مثلما يشاء الرب، لأنهم لا يدروا لمتى سيستمر هذا الوضع فأيامهم بلا نهاية.

كان وضع المرضى والعجزة المعلقة أرواحهم يفطر القلب فلا سبيل لخلاصهم سوى الموت، فكر أحد الأجداد الذي سأم من وضعه المحزن وأمر أهله أن ينقلوه خارج حدود البلاد حيث لا زال الموت موجودًا لتنال روحه الراحة، انصاعت الأسرة لأمر الجد وقاموا بنقله في الخفاء إلى خارج حدود البلدة وفاضت روحه إلى السماء ثم دفنوه أسفل شجرة وعادوا إلى بيتهم يلتهم الحزن قلبهم، وبرغم تكتمهم الشديد حول تلك العملية إلا أن جارهم قد علم بالأمر وسرعان ما انتشر الخبر في أرجاء البلاد كالنار في الهشيم، ولقت الأسرة أبشع الأوصاف والمسبات ونددت بهم كل الصحف ووصفوا تلك الحادثة بأنها انحطاط للقيم الأسرية.

بعد ثمان وأربعين ساعة من هذه الحادثة جرت ممارسات مماثلة على كل المناطق الحدودية للبلاد، فتزاحمت العربات والبغال وسيارات الإسعاف المزيفة تحمل الأجساد الهامدة لخارج حدود البلاد، مما أثار امتعاض البلدان المجاورة وأعلنوا المعارضة لانتهاك أراضيهم بهذا الشكل، واستجابت الحكومة لأوامر تلك البلدان بالرغم من أنها لم تكن تنظر بعين السوء لما يحدث، فذلك يخفف العبء عن عاتقها قليلًا.

انتشرت القوات على الحدود لتمنع مرور الجثث للبلدان المجاورة فلم تكن البلاد في حالة تسمح لها بدخول حرب مع أيا من تلك البلدان، وبعد مرور أيام من وجود القوات تلقت الحكومة تهديدًا من مؤسسة إجرامية تريد أن تنقل الراغبين في الموت لينالوا حقهم الطبيعي وهذا بالتأكيد يتم بمقابل مادي مغري جدًا، استجابت الحكومة لمطالب تلك المؤسسة بشرط عندما يحصد الموت الأرواح تعود الجثث وتدفن في البلاد وأن يظل الجنود في أماكنهم حتى لا يُثار غضب البلدان المجاورة، وكانت الحكومة متعاونة مع المؤسسة الإجرامية لدرجة أنها أرسلت بموظفين للعمل بدوام كامل لمصلحة تلك المؤسسة.

وفي تلك الفترة المشؤومة توالت عمليات الاستغلال والنهب، لم يكن كل شيء على هذا القدر من القذارة في تلك البلدة عندما كان هناك موت، أصبحت البلاد مقسمة بين الأمل في الحياة الدائمة والخوف من عدم الموت ففسدت الأرواح وتلطخ القليل المتبقي من مبادئ الزمن الغابر الحميدة.

وفي الجزء الأخير من الرواية يرمز الكاتب للموت بأنه كائن حي يستطيع أن يتواصل مع البشر ويراهم ويصدر أوامره لهم، ففي يوم كان هو نهاية تلك الأيام الغريبة التي مرت بها البلاد لسبعة أشهر وجد المدير العام للتلفزيون ذلك المغلف بنفسجي اللون على مكتبه، وعندما فتحه كاد قلبه يتوقف من الصدمة وأسرع بالتواصل مع الوزير الأول للبلاد وأطلعه على محتوى المغلف والذي هو رسالة من الموت تؤكد رجوعه من جديد.

أمر الوزير بإذاعة الخبر وأعلن حالة الطوارئ، ومع بداية اليوم الجديد كانت أكثر من مجزرة فخلال السبعة أشهر تراكم أكثر من ستين ألف محتضر فارقوا الحياة جميعًا في آن واحد تولى أمرهم مؤسسات التجارة الجنائزية التي كانت أسعد من استقبل خبر رجوع الموت، أما من رحبوا بالخلود في السابق فقد كانت صدمة عنيفة بالنسبة لهم لاع قلبهم بسببها، أما الصحف فكانت جميعها تحمل رسالة الموت مطبوعة وموقعة باسمه يعلن عن عودته ورجوع ميزان الحياة كما كان.

رجع الموت ولكن باستراتيجية عمل مختلفة فكان يبعث ذلك المغلف بنفسجي اللون إلى كل من انتهى دوره في هذه الحياة، بمجرد وصول المغلف إليه يكون أمامه أسبوعًا كاملًا حتى تقبض روحه، كانت هذه الاستراتيجية وبالا على الناس فأصبح الجميع في حالة من الخوف والقلق وأصبح اللون البنفسجي لونًا شيطانيًا بالنسبة لهم، وظنوا أن الموت ينتقم منهم بهذه الطريقة المخيفة لإنهاء حياتهم.

وفي إحدى المرات واجهت المنية صعوبة في إرسال المغلف لأحد البشر فكلما أرسلته عاد إليها مرة أخرى، فقررت أن تتحقق بنفسها أمر هذا البشري العنيد وعندما ذهبت إليه وجدته عازف بسيط، بل هو بسيط في كل شيء، شكله وملابسه وحتى بيته، وقعت المنية أسيرة عزفه وموسيقاه وفي كل مرة تجد نفسها عاجزة عن ممارسة سطوتها وقوتها أمامه، وكأن حدود الموت تنتهي أمام الفن.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص رواية العمى لجوزيه ساراماغو

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

هذه المقالة هي الجزء 12 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

يقول أحد العلماء أن الابتسامة هي الوسط الأمثل للغموض. نحن نبتسم ونرى الابتسامات طوال الوقت حينما نكون سعداء، أو نتعامل مع الناس، أو نلتقط الصور. لكن هل يُمكن أن تخفي هذه البادرة الإنسانية البسيطة مزيدًا من التعقيد؟ دعونا نسكتشف ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

ما الابتسامة؟

هناك عدد من الحقائق حول الابتسامة يتفق عليها العلماء وهي:

  • الابتسامة لغة عالمية مشتركة بين جميع البشر.

طرح داروين هذا السؤال وليتوصل إلى إجابته، عرض مجموعة من إحدى عشر صورة على ضيوفه وسألهم عن انطباعهم عنها. واتفقت إجاباتهم أن الصور تعبر عن السعادة والحزن والمفاجأة والخوف مع بعض المشاعر الأخرى، ومن هنا استنتج داروين أن هذه المشاعر عالمية يتعرف عليها جميع البشر.

  • الابتسامة فعل غريزي

هناك عدد من الدراسات تثبت أن الأطفال يبتسمون وعمرهم عدة أيام فقط، بل وتثبت دراسات أخرى أنهم يبتسمون داخل الرحم. بالطبع لم يتلق هؤلاء الأطفال أي تعليم للابتسامة مما يدل أنها فعل غريزي.

  • تستخدم الابتسامة كإشارات اجتماعية.

لا يبتسم البشر حينما يكونوا سعداء فقط، وإنما حينما يريدون نقل الشعور بالسعادة. أجريت أحد التجارب في صالات البولينج، حيث تم تصوير اللاعبين أثناء رمي الكرة وبعد إصابتهم جميع القطع. وجد العلماء أن هؤلاء الأشخاص لا يبتسمون عند نجاحهم في ذلك، وإنما تظهر الابتسامة حينما يلتفتون إلى أصدقائهم لينقلوا لهم الخبر السار.

  • لا تقتصر الابتسامة على البشر فقط، وإنما تظهر الرئيسيات أنواعًا من الابتسامات أيضًا.

هل تعبر الابتسامة دومًا عن السعادة؟

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

هذا هو الجزء الأكثر تشويقًا والذي يبحث فيه عدد من العلماء، على رأسهم «ماريان لافرانس-marianne lafrance» التي تعد خبيرة العالم الأولى في الابتسامة. يظهر البشر أنواعًا مختلفة من الابتسامات، وليس من الضروري أن تعبر جميعها عن السعادة.

قام أحد الطلاب في جامعة مينيسوتا عام 1924 بتجربة غريبة، جمع عددًا من الطلاب والأساتذة وعلماء النفس وأجلسهم في كراسي مريحة في غرفة واحدة وعرضهم لعدد من المؤثرات الغريية والخطيرة. بداية من وضع ألعابًا نارية تحت كراسيهم، وخداعهم بصعقهم كهربائيًا، وانتهاءًا بجلب فأر أبيض وسؤالهم قطع رأسه. تم تصوير وجوه المشاركين خلال جميع خطوات التجربة، وأمدتنا هذه الصور -رغم بشاعة التجربة وعدم أخلاقيتها- بنتائج مثيرة.

جاءت النتائج أن المشاركين لم يظهروا تعابير مثل الخوف أو الغضب بل أظهروا تعبير مشترك وهو الابتسامة!

فسر العلماء ذلك لاحقًا أن الابتسامة لا تعبر بالضرورة عن السعادة، وإنما يحتمل أن تعبر عن مشاعر مناقضة تمامًا، وفيما يلي سنتعرض للأنواع المختلفة للابتسامة.

أنواع الابتسامة

«ابتسامة دوشين-Duchenne smile»

سميت بهذا الاسم نسبة لعالم الأعصاب الفرنسي دوشين دي بولون الذي اكتشفها. اهتم دوشين بتعابير الوجوه، وكذلك بصعق الأشخاص كهربيًا، فكان يسرع إلى رؤوس الثوار الذين تم قطع رأسهم حديثًا ليصعقهم ويختبر ردود أفعالهم. حتى حالفه الحظ ووجد مريضًا مصابًا بانعدام الحس في وجهه وأجرى عليه جميع تجاربه.

اكتشف دوشين أكثر من 60 تعبيرًا للوجه، من بينهم الابتسامة. التي تتضمن رفع الخدين ووجود خطوط -تعرف باسم قدم الغراب- حول العينين. وتعد الابتسامة صادقة تعبر عن السعادة عندما يتوفر بها هذان المكونين.

ابتسامة الخوف

وتظهر الأدلة على وجود هذه الابتسامة في الرئيسيات. فيشير العلماء إلى إظهار حيوانات الشمبانزي نوعًا من الابتسامة حيث تفتح فمها وتضم أسنانها وتظهر لثتها. وتستخدم هذه الابتسامة عند وقت التوتر أو الخوف، لإظهار الخضوع للأفراد الأكثر هيمنة وقوة.

وبالرغم من أن الشعور بالخوف والابتسام لا يجتمعان عادة عند البشر، إلا أنه ثبت وجودهما عند الاطفال الصغار، الذين يظهرون ابتسامة حقيقية/دوشين عند رؤية أمهاتهم، وابتسامة الخوف أو التوتر عند اقتراب غريب.

فسر داروين هذه التصرفات بأنها يجب أن تخدم وظيفة تطورية ما، فكما فسر رفع البشر حاجبهم وقت الدهشة لزيادة مدى نظرهم وبالتالي سهولة الهروب من الخطر. فسر ابتسامة الشمبانزي أنها تظهر أسنانها مضمومة معًا لتعطي الإيحاء أنها مسالمة لا تنوي للخطر.

ابتسامة بان آم أو الابتسامة الزائفة

تختلف هذه الابتسامة عن ابتسامة دوشين في فقدانها لعنصر حركة العينين. وسُميت باسم «Panam- بان آم» نسبة إلى شركة الطيران الشهيرة، ونوع الابتسامة التي تظهرها مضيفات الطيران. فهي نوع من الابتسامة المهذبة التي تظهر وقت التحية ولا تعكس بالضرورة شعورًا بالسعادة.

ووجد العلماء أن حوالي 71% من الأشخاص يمكنهم التحكم في حركة العين بشكل إرادي، وبالتالي إظهار ابتسامة زائفة على أنها ابتسامة حقيقية.

ابتسامة الازدراء

وهي نوع آخر من الابتسامة التي لا تعكس بالضرورة شعورًا بالسعادة، رغم أنها تشبه إلى حد كبير ابتسامة دوشين. الفرق بينهما هو زم جانبي الفم في حالة ابتسامة الازدراء.

تعكس هذه الابتسامة مزيجًا من شعور الازدراء والاحتقار، وتظهر بشكل واضح في مجتمعات شرق آسيا التي تحرص على استمرار التناغم المجتمعي وعدم خوض صراعات. فنجد أن الأفراد هناك لا يظهرون غضبهم، وإنما يخفونه تحت ستار ابتسامة الازدراء.

ابتسامة الخجل

تظهر هذه الابتسامة في المواقف عالية التوتر التي تتضمن مخاطرة، وتريد عندها ترك انطباع إيجابي. تشبه هذه الابتسامة ابتسامة دوشين إلا أنها تتضمن حركة الرأس إلى الأسفل والجانب مع تجنب التواصل بالعينين.

فوائد الابتسامة

الابتسام فعل رائع، يجعلنا نشعر بشعور جيد حيال أنفسنا وحيال الآخرين أحيانًا. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، يكاد يكون للابتسامة قوى خارقة لا ندرى عنها شيئًا. فما هي؟

  • يحسن الابتسام المزاج العام ويرفع من شعورك بالسعادة.

يشير أحد علماء النفس أن الابتسام يشبه إقامة حفل رفع معنويات لعقلك، فيزيد من معدل إفراز الدوبامين والسيروتونين والإندورفين. فيعمل الإندورفين كمسكن طبيعي للألم.

  • يزيد الابتسام من شعورك بالسعادة أكثر مما تفعل الشوكولاتة.

يشير عالم النفس الشهير رون جوتمان أن ابتسامة واحدة يمكنها أن تولد إثارة مخية بكمية تعادل تلك التي تولد عند أكل ألفي لوح شوكولاتة.

  • يتوقع الابتسام مدى نجاح علاقاتك على المدى الطويل.

قام جوتمان بتحليل العلاقات بين الأزواج، وتوقع ما إذا كان سيدوم زواجهم أم لا عن طريق أنواع الابتسامات التي يظهرونها لبعضهم.

  • يحسن الابتسام مظهرك أمام الآخرين.

عندما تبتسم، يزداد تقدير الآخرين لك، بمعنى أنهم يرونك مهذبًا ولطيفًا وأكثر كفاءة. ومن البديهي فهم كيف يجعلك الابتسام مهذبًا ومحببًا. لكن كيف يجعلك كفؤًا؟ تكمن الإجابة أن البشر يميلون إلى تفسير الحزن أو القلق أنه نقص خبرة أو كفاءة. لذا ربما الابتسام هو طريقك للنجاح في عملك!

  • تتنبأ ابتسامتك الآن بمدى سعادتك في المستقبل.

درست أحد التجارب العلاقة بين صور الطلاب في المرحلة الثانوية في فترة الخمسينات وشكل ابتسامتهم، وبين مدى سعادتهم في الوقت الحالي. وجد العلماء أن الطلاب الذين ابتسموا في صورهم أكثر سعادة وقدرة على تخطى العقبات من الطلاب الذين لم يبتسموا.

كذلك أظهرت الدراسات بعض الأدلة عن وجود علاقة بين الابتسامة وأعمار الأشخاص. الأشخاص ذوي الابتسامات في شبابهم يعيشون عمرًا أطول من هؤلاء قليلي الابتسام.

  • يجعلك الابتسام أكثر جمالًا.

أجريت أحد الدراسات على طلبة جامعيين طُلب منهم تقدير أعمار الأشخاص في الصور، وجاءت النتائج أنهم يتوقعون أن المبتسمين في الصور أصغر سنًا مما هم عليه في الواقع. كذلك ينطبق الأمر على الوزن، فيجعلك الحزن تبدو أكثر وزنًا وأكبر سنًا.

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

والآن بعد أن تعرفنا على واحدة من الأمور المشتركة التي تجمعنا كبشر وغير بشر معًا وهي الابتسامة، كذلك تعرفنا على أنواعها ودلالاتها المختلفة، وقواها الخارقة التي تعينك في كثير من جوانب حياتك. فلا تنس أن تبتسم، الابتسامة حقًا قد تنير لك الطريق!

اقرأ أيضًا: نظرة في تطور المشاعر

المصادر

Natgeo
BBC
psychologytoday

لماذا يصعب علينا الانقطاع عن قراءة “هاري بوتر”؟

لماذا يصعب علينا الانقطاع عن قراءة “هاري بوتر”؟

لقد مررنا جميعًا بشعور الانغماس الكامل عند قراءة قصة خيالية رائعة. غالبًا ما يوصف الشعور بأنه “ضياع في كتاب”، فهو شائع وقوي جدًا، ومع ذلك لم يُدرس العلم الكامن وراءه حتى الآن إلا قليلاً.

لذلك قرر فريق بحثي من جامعة برلين الحرة في ألمانيا دراسة هذا الأمر من خلال مشاهدة ما يحدث داخل أدمغة القراء عندما ينغمسون في قراءة بعض قصص هاري بوتر الرائعة.

قرر الفريق، بقيادة عالم النفس تشون تينغ هسو (Chun-Ting Hsu)، اختبار صحة ما يشيرون إليه على أنه «’فرضية الشعور بالخيال’-‘fiction feeling hypothesis’».

تنص هذه الفرضية على أن الروايات ذات المحتوى العاطفي تدفع القراء إلى الشعور بالتعاطف مع أبطال الرواية – وهو شعور يتم تنشيطه بواسطة شبكة عصبية خاصة تقع في الجزء الأمامي ومناطق القشرة الحزامية الوسطى في الدماغ. وبالطبع، من خلال تعزيز مشاعر التعاطف في الدماغ، ستكون الروايات المشحونة عاطفياً دائمًا أكثر غامرة من القصص ذات المحتوى الأكثر حيادية أو حبكة.

لاختبار هذه الفرضية، جمع الفريق مجموعتين من المشاركين وأعطاهم عدة مقاطع من سلسلة هاري بوتر، من تأليف الكاتبة ج.ك.رولينج، لقراءتها.

طُلب من المجموعة الأولى قراءة مقاطعهم داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، مما سمح للباحثين بالتقاط صور لنشاط أدمغتهم أثناء قراءتهم. طُلب من المجموعة الثانية قراءة نفس المقاطع دون أن يتم مسحها ضوئيًا، ولكن بعد ذلك كان عليهم تقييم كل مقطع بناءًا على مدى شعورهم بالانغمار في القراءة.

وفقًا لإريك جافي من شركة فاست كومباني، كان طول كل مقطع أربعة أسطر، وتراوحت بين إثارة التشويق والخوف (مثل عندما يرى هاري ساحرًا هجين يُدعى كورينيوس كويريل يشرب دم وحيد القرن في هاري بوتر وحجر الفيلسوف)، إلى السيناريوهات المحايدة عاطفيًا (مثل عندما يراقب هاري بومته جالسًا هناك دون فعل أي شئ قبل النوم في هاري بوتر ومقدسات الموت).

وكما كان متوقعًا، تلقت المقاطع المخيفة تقيمًا أعلى بكثير من ناحية الانغمار في القراءة من المقاطع المحايدة. هذا بالطبع ليس مفاجئًا، لكن المثير للاهتمام هو ما كان يحدث في أدمغة المشاركين.

كانت المقاطع المثيرة للخوف في الواقع تدفع مسارات عصبية مختلفة في منطقة «التلفيف الحزامي الأوسط-middle cingulate gyrus» في الدماغ إلى العمل، مما لم تنتج عنه المقاطع الخالية من المشاعر والمحايدة.

يُعتبر التلفيف الحزامي الأوسط جزءًا من «شبكة التعاطف-empathy network» في الدماغ، وترتبط بشكل خاص بالتعاطف مع الألم. نشر الفريق النتائج في مجلة Neuro Report.

إذن تقدم النتائج دليلًا يشير إلى أن دماغ القارئ يتصرف بشكل مختلف وفقًا لمدى عاطفية النص الموجود أمامه. لكن الانغماس في قراءة مقطع من أربعة أسطر يعد تجربة مختلفة اختلافًا جوهريًا عن الانغماس في قراءة كتاب لساعات.

لذا فإن هذه الدراسة بالتأكيد ليست نظرة علم الأعصاب النهائية لـ «رواية القصص-storytelling». إنه لأمر رائع أن يبدأ العلماء أخيرًا في الانتباه إلى الأنشطة الدماغية التي تمكننا من فصل الكتب الجيدة عن الكتب العظيمة.

المصدر: ScienceAlert, PubMed, Fast Company

اقرأ أيضًا: كيف تختار كتاباً جديداً مناسب لك؟

زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري

ميزتنا أدمغتنا الكبيرة عن بني عمومتنا من الرئيسيات، والقردة العليا، فحجم الدماغ البشري يعادل ثلاثة أضعاف حجم دماغ الشيمبانزي تقريبًا، ولذا فلا عجب في قول أن دماغنا كبير عن سواه، ويعتقد بعض العلماء أن الفضل في قوانا العقلية، ومستويات ذكائنا، يرجع إلى حجم دماغنا الكبير نسبيًا. ولكن تمكن العلماء من زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري في تجربة مثيرة سنناقشها اليوم.

التجربة

قام بعض الباحثين من اليابان، وألمانيا بزرع جين بشري في خلايا قرد جنين، وكانت النتائج مذهلة، حيث أن الجين المسئول عن حجم الدماغ البشري الكبير، قد أدى إلى نفس النتائج لدى وضعه في ذاك الجنين الغير بشري، إذ زاد معدل نمو الدماغ لدى جنين القرد عن المعتاد.

يقول رئيس الدراسة «ويلاند ب.هاتنر-Wieland B.Huttner»:

” كانت لدينا بعض الآمال بخصوص ما يستطيع الجسم فعله، وما ينبغي عليه أن يفعل، إن كان يمتلك الوظيفة التي افترضناها له “

وبالفعل فقد أسفرت التجربة عن النتائج التالية:

• نمو حجم القشرة الدماغية لدى القرد الجنين.
• زيادة ثنايات دماغه (كما ثنايات دماغنا).
• نمو الخلايا المسئولة عن تكوين الأعصاب.
• زيادة الأعصاب تحديدًا في الطبقة العليا من الدماغ (وهذا ما حدث أثناء تطورنا نحن البشر).

ولكن أُجهض جنين القرد بعد 101 يوم (أي قبل 50 يومًا من موعد الولادة الطبيعي)، لأسباب أخلاقية، فلدى كل من اليابان وألمانيا الكثير من الضوابط، والشروط الأخلاقية، المتعلقة بشأن التجارب على الحيوانات عامًة، وعلى الرئيسيات خاصًة.

ما استفدناه من التجربة

في الماضي، كانت تُجرى أمثال هذه التجربة على الفئران، ونتج عنها زيادة في أحجام أدمغة تلك الفئران بالفعل، إلا أن الفئران ليست من الرئيسيات، كما أن الجين المستخدم في تلك التجارب كان نسخة معدلة لتعطي تأثيرًا مضاعفًا، لكن الأمر اختلف في تجربتنا هذه، فقد استخدم الباحثون الجين البشري ARHGAPH11B كما هو، كما أن التجربة كانت على أقرب الحيوانات لنا (القرود)، فزيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري قد يساعدنا على فهم تطور أسلافنا، مما نتج عنه حجم دماغنا الكبير.

هل يزيد هذا من ذكاء القرود؟

أُجريت تجربة مشابهة منذ عام في الصين، على ستة قرود، إلا أن الجين المستخدم في تلك التجربة لم يكن مسئولًا عن زيادة حجم الدماغ بشكل مباشر، وكانت النتائج مذهلة بحق، فقد كان الفريق الصيني متأهبًا لرؤية زيادة في أحجام أدمغة القرود، ومعدلات ذكائها كذلك، ولذا فقد وضعوهم تحت أجهزة الرنين المغناطيسي، لقياس كمية «المادة البيضاء-White matter» في أدمغتهم، كما أعطوهم اختبارات لقياس الذاكرة قصيرة المدى، لم تحدث زيادة في أحجام أدمغة القرود، لكنها أبلت بلاءً حسنًا في اختبارات الذاكرة، مما قد يكون مؤشرًا على زيادة ذكاء تلك القرود، وهذا ما اعتبره الفريق نتائج مدهشة.

الخلاصة

يخبرنا العلم بعدم وجود شيء سحري بخصوص الذكاء البشري، فلا شيء يفصلنا عن الحيوانات سوى تلك الجينات، والتي إن امتلكتها الحيوانات تشابهت صفاتها مع صفاتنا، فعلينا أن نتواضع قليلًا، وأن نكون ممتنين لتلك الكفرات التي أعطتنا أدمغتنا.

المصادر

intelligentliving

sciencedaily

inverse

technologyreview

اقرأ أيضًا طفرة جديدة تمكن فيروس كورونا من اصابة الدماغ

أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية

كانت فترة رئاسة «دونالد ترامب» فترة عصيبة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب قراراته وتوجيهاته الانعزالية التي أدت إلى تآكل مكانة بلاده كرائدة عالمية في مجال البحث العلمي والتعاون الدولي وتهميش الحقائق.

الآن وبعد إعلان فوز «جو بايدن» في انتخابات رئاسية محتدمة، ما هي أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية؟ وهل سيستطيع «بايدن» إعادة مكانة بلاده كقِبلة للعلماء والباحثين؟ وما هي أهم الأولويات العلمية والبحثية في أجندته الرئاسية؟ وكيف سيقوم بتنفيذها في دولةٍ انقسم فيها الرأي العام بشدة؟

فلا شك أن مجرد تولي «جو بايدن» منصبه في 20 يناير المقبل، ستُتاح له فرصة تغيير العديد من السياسات التي تبنتها إدارة ترامب. تلك التي أسفرت عن تأخر الولايات المتحدة عن ملاحقة تسارع أبحاث العلوم والصحة العامة والتخاذل عن المشاركة في حل المشكلات العالمية.

إدراة ترامب في مواجهة الأزمات العالمية

إن أسلوب تعامل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مع الأزمات العالمية مثل: جائحة كوفيد-19، أزمة تغير المناخ، وتهميش الحقائق واعتماد الاخبار المضللة، تجاهل دور العلماء والعاملين في وكالات الصحة العامة مثل (مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، كذلك إدارة الغذاء والدواء). وعدم الالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية. كل ذلك كان مرعبًا للغاية، عبر عنها الباحثون بأنها أزمة وطنية على عكس أي أزمة شوهدت من قبل.

أزمة جائحة كوفيد-19 في أجندة جو بايدن العلمية

سعى «ترامب» مرارًا إلى التقليل من شأن هجوم الفيروس التاجي. كما سعى إلى التقليل من شأن معارضة الجهود الحكومية والمحلية لإحتواء الأزمة. فقد أغلق الطريق أمام التواصل مع الدول والمنظمات العالمية خلال حربها ضد الفيروس. لا سيما حينما قرر سحب الثقة من منظمة الصحة العالمية-WHO -منتقدًا المنظمة لدعمها الصين حيث بدأ تفشي المرض- وإيقاف التمويل الذي تشتد الحاجة إليه من قِبل منظمة الصحة لمكافحة الفيروسات مثل فيروس كورونا وفيروس شلل الأطفال، والأمراض الأخرى على مستوى العالم. كما زعم «ترامب» أن التوجيهات والتقارير الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض، تعمد إلى إبطاء اختبار اللقاح بهدف الإضرار بفرص إعادة انتخابه.

في هذا الصدد، نجد أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية هو إعادة الولايات المتحدة للمشاركة في مواجهة الوباء من جديد، والتي بدأ تنفيذها في شهر مارس هذا العام. فقد كوَّن «بايدن» فريقًا خاصًا للتعامل مع تبعيات فيروس كورونا المستجد، الفريق الذي يضم العديد من الشخصيات البارزة في مجال الطب والصحة العامة. ويعمل الفريق على تكثيف برامج الاختبار وتتبع العمل مع المسئولين لتنفيذ إجراءات السلامة وتعزيز مرافق الصحة العامة، ذلك للمساعدة في السيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد وإعادة بناء برامج التأهب للأوبئة التي أوقفتها إدارة ترامب.

كما وعد الفريق بالاستماع إلى العلم. وأشاد العلماء بتلك الخطوات، لأنها ستعطي الفرصة للوكالات الحكومية للقيام بعملها بشكل صحيح. هذا بالإضافة إلى إعادة فتح طرق التواصل مع الدول الأخرى بشأن أبحاث الحرب ضد فيروس كورونا المستجد. كم االتزم بإعادة دعم منظمة الصحة العالمية مرة أخرى.

أزمة تغير المناخ

فيروس كورونا المستجد ليس هو القضية الخلافية الوحيدة التي سيواجهها الرئيس «بايدن»ز فبعد أن تحرك «ترامب» لسحب الولايات المتحدة رسميًا من اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وتراجعه عن تنفيذ بعض اللوائح التي تهدف إلى الحد من الغازات الدفيئة ووصفة للإحترار العالمي بأنه “خُدعة”! أصبحت مشكلة المناخ أيضَا من المشكلات التي تترأس جدول أعمال «بايدن».

فقد وضع خطة لحملة بتكلفة 2 تريليون دولارًا أمريكيًا، هي أساس برنامج أطلق عليه برنامج المناخ الأكثر عدوانية على الإطلاق. سيقوم البرنامج على استثمارات الطاقة النظيفة واعتماد البنية التحتية منخفضة الكربون. كما تهدف خطة بايدن إلى توليد كهرباء نظيفة بنسبة 100٪ بحلول 2035، بصافي انبعاثات “صفر” بحلول 2050. والسؤال الأهم هنا، ماهي الخطوات التي ستسير بها تلك البرامج الضخمة؟

أوضح «بايدن» أن الولايات المتحدة ستنضم مجددّا  إلى اتفاقية باريس للمناخ، سعيًا منه لأن تصبح بلاده شريكًا نشطًا مع أكثر من 190 دولة التزمت بالحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. بالإضافة لتعيين لجنة صديقة للمناخ في وكالة حماية البيئة، والتحرك سريعًا لاستعادة وتعزيز اللوائح المناخية والبيئية التي تراجعت في عهد «ترامب».

ميادين بحثية أخرى تشغل أجندة جو بايدن العلمية

أبحاث علوم السرطان

بالإضافة إلى تعزيز أساليب التعامل مع الوباء وتغير المناخ، سيكون لدى الرئيس بايدن الحماس لإعطاء الأبحاث العلمية دورها المستحق من جديد. فسيستعين «بايدن» بالخبراء لتنسيق السياسة العلمية وإنشاء محاور بحثية في البيت الأبيض. وتعتبر علوم السرطان هي المجال البحثي الأكثر وضوحًا «لبايدن». لاسيما بعد وفاة ابنه عن عمر 46 عامًا في عام 2015 بسبب سرطان الدماغ. فقد ترأس «بايدن» مبادرة حكومية انطلقت عام 2016 تحت إسم “Cancer moonshot”  التي تهدف إلى تسريع وتيرة التقدم والبحث العلمي حول مرض السرطان من خلال التنسيق مع المؤسسات والباحثين لتبادل البيانات والنتائج.

مجال الفضاء

يعد مجال استكشاف الفضاء أحد المجالات القليلة التي بذلت فيها إدارة «ترامب» جهودًا كبيرة. فما هي خطة «بايدن» في هذا المجال؟ وهل سيستطيع تغيير المسار الذي حدده «ترامب» للتقدم في مجال الفضاء؟

إنه لأمر غير معروف، خاصةً أن «بايدن» لم يكن منخرطًا بعمق في قضايا السياسة الفضائية. ومع ذلك أعرب عن حماسه للإهتمام بمجال الفضاء. من ناحية أخرى، يشير الخبراء إلى أن وكالة ناسا قد لا تغير مسارها بشكل كبير في عهد الرئيس «بايدن»، فهي ملتزمة بمواصلة استكشاف الفضاء. لكن لا أحد يعلم ما هي توجيهات إدارة «بايدن» إزاء ما يجب تنفيذه في برنامج الانتقال البشري للفضاء التابع لوكالة ناسا. إذ وجه «ترامب» الوكالة سابقَا للتركيز على هبوط البشر على القمر بحلول عام 2024. فهل مازال سطح القمر على الموعد الذي حدده ترامب؟ أم سيكون لـ «بايدن» موعدًا آخر؟

حظر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية

لم يهمل «بايدن» أيضًا القرارات الخاصة بإدارة ترامب المتعلقة بالهجرة وحظر السفر، طالت بعضًا من الدول المسلمة. التي قللت من جاذبية الولايات المتحدة كوجهة للطلاب والباحثين الأجانب.

فقد تعهد «بايدن» بإلغاء حظر السفر وتسهيل الأمر على العلماء والمهندسين الأجانب، الحاصلين على درجة الدكتوراه. للبقاء بشكل دائم في الولايات المتحدة. كما اقترح زيادة عدد التأشيرات المتاحة للعمال ذوي المهارات العالية.

هكذا تبدو الملامح الأولى لأجندة جو بايدن العلمية. التركيز على البحث العلمي والأمن القومي والسيطرة على ما خلفته فترة إدارة «ترامب» للبلاد. وتغيير رسائل الصحة العامة ومعالجة حالة انعدام الثقة العامة التي طالت المجتمع الدولي تجاه بلاده. من أجل إعادتها إلى مكانتها الريادية في البحث العلمي.

لكن، أيمكن لفترة رئاسية واحدة مدتها 4 سنوات أن تضع الولايات المتحدة على طريق التعافي؟

المصادر:

nbcnews

ncbi

washingtonpost

nature

nature

newscientist

the conversation

العلاج النفسي الوجودي والبحث عن جذور مشاكلنا

العلاج النفسي الوجودي والبحث عن جذور مشاكلنا

لم تعد تكتفي ذات الإنسان الفرد بمواجهة مجتمعها وقضاياه، فهي صارت ذات عالمية. كما أن العالم لم يعد مجرد مجموعة من الدول والثقافات المغلقة على نفسها، فهو عالم واحد في مشكلاته بالنسبة لكل فرد منا. شهد العالم حربين عالميتين حصدتا أرواح ملايين البشر، غير أن من لم يشهدوا المعارك لم يفكروا في تلك الحربين، والكثيرين منهم لم يسمعوا بهما حتى. لكن الآن، تغريدة واحدة قادرة على هز كيان ملايين البشر، كل صغيرة وكبيرة في العالم باتت تخصنا حيثما كنا. هذا وفضلا عن الأزمات الاقتصادية ومشاكل التفاوت الطبقي وخطابات الكراهية وبروز قيم جديدة تناقض موروثنا الثقافي والأخلاقي. في عالم كهذا، غالبا ما نشعر باللا جدوى من محاولاتنا في تغيير يومنا للأفضل، نواجه صعوبة في تغطية مصاريفنا اليومية، نشعر بأن اللا معنى يكتسح العالم. نستطيع القول بأننا نعاني من مشاكل وجودية بحتة؛ لذا، فإن العلاج الوجودي قد يستطيع مساعدتنا في إضفاء معنى لحياتنا وتفعيل إمكاناتنا لمواجهة المعاناة المستمرة.

العلاج النفسي الوجودي:

حسب فيلسوف القرن العشرين باول تيليش، يواجه العلاج النفسي الوجودي هواجس الحياة المطلقة المتمثلة بالوحدة والمعاناة وانعدام المعنى ضمن قالب من العدل والصدق والتي يمكن تشخيصها في كل فرد منا وذلك لكونها متجذرة في تجاربنا الشخصية(1). فهذا النوع من العلاج لا يبحث في ماضي الفرد والتاريخ المرضي في العائلة. وبدلًا من إلقاء اللوم على أحداث من الماضي فالعلاج الوجودي يرى فيه بصيرة لتصبح أداة لتعزيز الحرية والإصرار(2). وأغلب الأساليب المستخدمة في العلاج الوجودي تركز على المسؤولية وحرية الاختيار وذلك لأن الكينونة التي تعاني من المشاكل اختيرت لأن تكون ذلك، بمعنى أن الفرد قد اختار هذه المعاناة أو الطريقة المؤدية إليها، لذا، فالمعالج النفسي كما يقول إرفين يالوم هو رفيق درب المريض، يساعده من خلال التعاطف والدعم لاستنباط البصيرة وتحديد الاختيارات وتهيئة أفق مناسب لملاقاة الذات.
يعتمد العلاج الوجودي على بعض الأفكار الرئيسة الكامنة وراء الوجودية كفلسفة، وهي:

  • نحن مسؤولون عن اختياراتنا الشخصية.
  • الاختيارات التي نتخذها تجعلنا أفرادًا مميزين، ونحن نعيد تشكيل أنفسنا باستمرار من خلال تلك الخيارات.
  • نحن من نصنع لنا معنى في الحياة.
  • القلق خاصية طبيعية في حياة الإنسان.
  • يجب أن نتصالح مع القلق لنعيش بشكل أصيل(3).

رواد العلاج الوجودي:

كان أوتو رانك من بين المعالجين الوجوديين الأوائل الذين سعوا بنشاط نحو هذا التخصص، وبحلول منتصف القرن العشرين رفع كل من باول تيليش ورولو ماي وإرفين يالوم أفق النظرية الوجودية في العلاج النفسي من خلال كتابات تأسيسية لها، كما أثرت الوجودية في المدارس والنظريات الأخرى مثل العلاج المنطقي الذي طوره فيكتور فرانكل وعلم النفس الإنساني، وهناك جمعية باسم التحليل الوجودي تأسست في عام 1998، وتم إنشاء المجتمع الدولي للمستشارين الوجوديين في عام 2006(4).

الفرضيات الوجودية المتعلقة بالشخص:

التعامل مع المريض أو العميل تحدده الاعتبارات التي نعطيها له وذلك من أجل بناء ثقة قوية والتي هي أساس كل علاج نفسي. لذا فالعلاج الوجودي ينطلق من تصورات أو فرضيات أساسية لنبني عليها علاقتنا مع المريض، والتي هي:
1- كل الكائنات الحية تتمركز حول ذاتها وتسعى جاهدة للمحافظة على التمحور أو التمركز، وهذه هي المشكلة التي يقع فيها المريض أثناء المعالجة.
2- الكائنات البشرية لديها النزعة وإمكانية مشاركة الآخرين والخروج من دائرة التمحور الذاتي.
3- المرض أو الاضطراب طريقة يسعى الفرد من خلالها إلى الحفاظ على كينونته.
4- الكائنات البشرية يمكن أن تشترك في مستوى معين من الوعي الذاتي الذي يتيح لها تجاوز الوضع الآني أو الموقف الفوري والنظر إلى مجالات أرحب تسمح بكم هائل من الاحتمالات(5).

مراحل الوعي الذاتي:

كل فرد منا يمر في مراحل مختلفة، ولكل منها مشاكلها وتحدياتها وخصائصها الحيوية والمعرفية، السابقة تؤثر في اللاحقة، وهكذا فإن شخصيتنا في مرحلة الشباب غير مستقلة تمامًا عن التجارب التي عشناها في الطفولة والمراهقة. والوعي الذاتي من الأسس الرئيسة في علم النفس الوجودي، وهذا الوعي يمر بأربع مراحل:
1- البراءة والطهارة: تظهر قبل ولادة الوعي بالذات وهي تمثيل واقعي وخاصية للرضيع.
2- العصيان: تشمل هذه المرحلة الطفولة والمراهقة حيث يسعى الفرد إلى تكوين قوة داخلية تكفل له تأمين حقوقه الخاصة، ومن علامات هذه المرحلة العدوانية والانحراف.
3- الوعي الطبيعي بالذات: وهي المرحلة التي نعني عندما نتحدث عن الشخصية السوية، حيث ان الشخص قادر على التعليم والاستفادة من أخطائه والعيش كفرد مسؤول.
4- مرحلة الوعي الإبداعي: تتضمن القدرة على رؤية شيء ما خارج نطاق التصورات والقيود العادية وذلك باكتساب واكتشاف شيء خاطف ولماح من الحقيقة الموضوعية كما تظهر في الواقع(5).

القضايا الأربع في التشخيص:

عكس المدارس التقليدية ومنها التحليلية والسلوكية، لا يعول العلاج الوجودي على الجانب الحيوي للفرد أو البيئة التي تحيطه، فالفرد أكثر من مجرد كائن يخضع لشروط البيئة، كما يتعدى كيانه الحيوي؛ فهو في مواجهة مستمرة وحوار لا ينقطع مع الوجود في كليته. لذا فالمعالج النفسي الوجودي بدلًا من أن يعود إلى ماضي الفرد أو يحلل البيئة الثقافية والفيزيائية المحيطة به، يمضي قدمًا نحو المخاوف الكامنة في الإنسان والتي تحول بينه وبين حياة مستقرة. وهذه القضايا أو المخاوف التي تقف وراء الاضطرابات النفسية هي:

  • الحرية والمسؤولية.
  • الموت.
  • العزلة.
  • اللا معنى(6).

ما هي الاضطرابات التي يمكن معالجتها وجوديًا؟


طالما أن الناس عادة ما يقعون في إشكالية عدم التمييز بين المشكلة النفسية والاضطراب النفسي؛ يقتضي الأمر توضيح الفرق بينهما. فعندما نفقد شخصًا عزيزًا علينا مثلاً، نجد بأننا لا نرغب في الأكل، نواجه صعوبة في النوم أو ننام لساعات طويلة، نفقد شغفنا بممارسة النشاطات التي كنا نستمتع بها، لا نؤدي واجباتنا المدرسية أو المهنية بصورة جيدة، نعيش حالة حزن شديد وحتى الرغبة في الموت. ففي هذه الحالة لدينا مشكلة نفسية، وهي ستزول مع الوقت، ويمكننا أيضا حلها عن طريق تقنية حل المشكلات أو الدعم النفسي، وإذا ما أردنا أن نزور معالجًا نفسيًا فجلسات نفسية قليلة كافية لنستعيد حيويتنا وشغفنا.
لكن، حينما نجد فجأة بأن صحتنا النفسية بدأت تتدهور وتستمر معنا أعراض الاكتئاب: فقدان الشهية، فقدان أو زيادة الوزن، الأرق أو النوم لساعات كثيرة، الأفكار الانتحارية، الحزن الشديد والتشاؤم، نوبات من البكاء، صعوبة في التركيز، لأسابيع ودون وجود سبب واضح؛ فهذا يعني لدينا اضطراب نفسي (الاكتئاب) ويجب أن نزور معالجًا نفسيًا. ومعالجة الاضطراب تستغرق شهورًا من الجلسات النفسية. والعلاج النفسي الوجودي من بين الأساليب العلاجية الكثيرة التي يمكن أن يلجأ إلى استخدامها المعالج النفسي. والاضطرابات التي يمكن للعلاج الوجودي التعامل معها، هي كالتالي:

  • القلق.
  • اضطراب الشخصية الاعتمادية.
  • الاكتئاب.
  • «اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية – PTSD»
  • «اللامبالاة – Apathy»
  • الخجل.
  • الاستياء.
  • الغضب والعدوانية.
  • اليأس والشعور باللا معنى.
  • الذهان(6).

ملخص:

ليس العلاج النفسي الوجودي هو الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه مع الاضطرابات المذكورة؛ مستوى تعليم المريض، عمره وطبيعة الاضطراب تحدد الاساليب والتقنيات التي يلجأ إليها المعالج النفسي، كما أنه يمكن استخدام أكثر من اسلوب وتقنية في الخطة العلاجية. غير أن هذا العلاج فعال مع الاضطرابات التي يكون سببها الشعور بلا معنى الحياة وعدم الجدوى من العيش مع الظروف والاستسلام لها، وبما أن السوداوية من الاعراض البارزة للكثير من الاضطرابات النفسية فالعلاج الوجودي بإمكانه مساعدة المريض في تصحيح تصوراته ومفاهيمه حول الحياة وعلاقاته مع الآخرين.

مصادر:


1- psychology today

2_ Counselling Directory
3_ positive psychology
4- good therapy
5- باربرا انجلر، مدخل إلى نظريات الشخصية، ترجمة فهد بن عبدالله، ص420-421.
6- healthline

لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟ نظرة في تطور المشاعر

هذه المقالة هي الجزء 11 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟ “ليتني أستطيع التحكم بمشاعري، ليتني أنحيها جانبًا واعتمد على عقلانيتي فقط في الحكم على الأمور”.هل سمعت هذا الكلام من قبل؟ ربما حدثك به صديق أو قلته لنفسك؟ يمكننا الجزم أن أغلبنا بالفعل سمع أو تحدث به. لكن هل التخلص من المشاعر نافع حقًا؟ لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟

لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟

النظرية الخاطئة للمشاعر

لمعرفة الإجابة سأقص عليك أولًا قصة صغيرة:
في الرابع والعشرين من سبتمبر عام 1848، تعرض الشاب «فينياس جايدج-phineas gage» صاحب الخمسة وعشرين عامًا لحادث مروع. عمل جايدج رئيسًا للعمال في منجم، وأثناء تأديته عمله حدث انفجار مفاجئ، أُصيب جايدج على إثره بأنبوب طوله متر تقريبًا دخل من خده الأيسر ليخرج من مؤخرة رأسه “ملطخًا بقطع من مخه” كما أدلى الطبيب المُستدعى إلى مكان الحادث.

المدهش أن جايدج لم يمت بعد هذا الحادث، ولم يفقد حتى الوعي، بل ركب على ظهر دابة حتى وصل إلى المشفى، وهناك تولى الطبيب علاجه حتى استقرت حالته بعد مدة. لو انتهت القصة هنا لقلنا هذا مثال رائع لحسن حظ جايدج وخبرة الطبيب المعالج. لكن لسوء الحظ، لم يحدث هذا.

لاحظ الطبيب تغير سلوك جايدج ووصفه بالطفولي المتقلب. لم يستطع جايدج التحكم في رغباته، وأهمل عمله حتى خسره، وانتهى به الأمر بترك عائلته والالتحاق بسيرك متنقل مع الأنبوب الذي أصابه!
تقدم لنا هذه القصة مثالًا رائعًا عن الفكرة الخاطئة عن المشاعر. التخلص من المشاعر ليس أمرًا جيدًا، والفصل بين العقلانية والمشاعر ليس منطقيًا. فنجد جايدج فقد جزءًا من قدرته الشعورية بسبب الحادث، وترتب على ذلك تأثر نشاطه العقلي بشكل كبير.

حالة فريدة

لفهم ذلك بشكل أوضح، سأقص عليك قصة أخرى.
بطل هذه القصة مريض لعالم الأعصاب «أنطونيو داماسيو-Antonio damasio» يُدعى إليوت. عمل إليوت في شركة تجارية، كان موظفًا ممتازًا وزوجًا مسئولًا. إلى أن أتته بعض نوبات الصداع اكتشف بعدها إصابته بورم في المخ. تم استئصال هذا الورم مع جزء كبير من الفص الأمامي من المخ ومن هنا بدأت المشكلة.

لم تتأثر ذاكرة إليوت بعد العملية، أو إدراكه، أو حتى معدل ذكائه، لكنه فقد القدرة على اتخاذ قرارته. كان إليوت يقضي الظهيرة بأكملها محاولًا إيجاد طريقة لتصنيف ملفات عمله، هل يصنفها حسب التاريخ أو الحجم أو النوع؟ ونتيجة لتأثر أدائه فقد إليوت عمله، كذلك انتهى زواجه سريًعا ولم تتحسن حالته مجددًا.
فقد إليوت جزءًا من مشاعره، لم يستطع التواصل مع ما يجلب له السعادة أو الحزن أو الغضب أو الخوف. عندما عرض عليه طبيبه صورًا تنقل هذه المشاعر، قال إنه يتذكر هذه المشاعر لكنه فقط لم يعد يختبرها. وهو ما وصفه الطبيب “أن تعرف لكن لا تشعر”
نتيجة لهذا الخلل تأثرت قدرات إليوت على اتخاذ القرارات، وهذا مثال آخر على عدم التعارض بين العقلانية والمشاعر. فبدون المشاعر لن نتمكن من فعل أي شيء.
لذا عندما يشكو لك صديقك مشكلته المرة القادمة، صرت تعرف ماذا عليك إخباره!

السؤال الأهم: لماذا؟

والآن بعد أن تعرضنا للنظرة الخاطئة عن المشاعر، دعنا نسرد الرواية الصحيحة لها.
يقول الفيلسوف ويليام جيمس

هناك عدد من الأسئلة تخطر في ذهن عالم النفس فقط. مثل: لماذا نبتسم عندما نشعر بالسعادة؟ لماذا لا نتجهم؟ لماذا لا نستطيع التحدث إلى جمهور كبير كما نتحدث مع صديق؟ ولماذا تثير فتاة معينة مشاعرنا بالكامل؟

وهنا يثير جيمس نقطة هامة، أننا نتعامل مع المشاعر كأنها حقائق مطلقة عن العالم، تحدث لأنها تحدث ولا بديل لذلك. أما التفسير فيكمن في علم النفس التطوري.
يجبرنا علم النفس التطوري على رؤية الأحداث بشكل علمي، أن نبتعد عن كونها طبيعية وغريزية ونتحرك خطوة للوراء لنسأل السؤال الأهم: لماذا؟
لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ ولماذا نكره الخيانة؟
تلك هي التساؤلات الثلاثة الكبري التي سنتعرض لها ونفسرها في مقال اليوم. نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

لماذا نخاف؟

تنقسم المشاعر إلى مشاعر غير اجتماعية مثل الخوف ومشاعر اجتماعية مثل المشاعر تجاه الأقارب، وغير الأقارب.
الخوف شعور أساسي، وعالمي (يشعر به جميع البشر)، وله تعبير وجهي مميز يمكن لكل البشر التعرف عليه، كذلك تمتلكه معظم الفصائل غير البشرية. والسبب وراء تصنيف الخوف تحت بند المشاعر غير الاجتماعية هو أنك يمكنك أن تخاف شخصًا، كذلك يمكنك أن تخاف شيئًا مثل الأماكن المغلقة. وذلك على عكس المشاعر الاجتماعية التي تختص بالبشر فقط.
هناك مثيرات عالمية للخوف مثل: الثعابين والعناكب والعواصف والمرتفعات والظلام والمياه العميقة والحيوانات الضخمة. لكن ما الأمر المشترك بينهم جميعًا؟
الإجابة أن هذه المثيرات كانت مخيفة ومهددة للحياة في بيئة أجدادنا. فشكلت خطرًا على مدار التاريخ التطوري لنا، وانتقلت هذه المعلومات على مر الأجيال. لذا بالمقارنة بالسيارات والأسلحة ومفاتيح الكهرباء -رغم زيادة معدل خطرهم علينا في البيئة الحالية- نجد أننا لا نخافها مثل الثعابين مثلاً، لأنها اختراعات مستحدثة لم تؤثر في تاريخنا التطوري.
هناك دراسة تمت على أطفال نشأوا في ضواحي شيكاغو، سُئلوا عن أكبر مخاوفهم. وجاءت الثعابين والعناكب في المركز الأول، ليس القتل أو الأسلحة أو التعرض لحادث سيارة.
دراسة أخرى تمت على نوع من القردة، نشأت هذه القردة في المعمل فلم تتعرض لهذه المؤثرات قبلًا في الطبيعة. عُرضت عدة مقاطع لمجموعة من القردة ترى ثعبانًا فيظهر عليها الخوف وتبتعد عنه. ثم عُرضت قردة المعمل على ثعبان فأظهرت خوفًا كبيرًا. لكن هذا لم يثبت شيئًا، ربما خوف القردة من الثعابين فطري وريما اكتسبته من رؤية المقاطع، لذا قام العلماء بخطوة إضافية. نجحوا باستخدام تقنيات تعديل الصور والفيديو في عرض عدة مقاطع لقردة تخاف الزهور وتبتعد عنها. وعند تعريض قردة المعمل لنفس المؤثر. لم يظهروا أي خوف.
لذا توصل العلماء أن البشر والرئيسيات على حد سواء لديها النزعة للخوف من الثعابين أو العناكب، لأن تلك الكائنات شكلت خطرًا على أجدادنا، والأفراد الذين خافوها وتجنبوها استطاعوا النجاة والبقاء والتكاثر، وهذا هو الهدف التطوري الذي نسعى له جميعًا. نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

لماذا نحب أطفالنا؟

ذكرنا سابقًا أن المشاعر الاجتماعية تشمل مشاعرك تجاه اقاربك، وغير أقاربك. جميعنا نحب أبنائنا وأخوتنا وآبائنا، لكننا أسلفنا أن علم النفس التطوري يسأل دومًا السؤال: لماذا؟
لماذا تطور البشر ليصبحوا طيبين وعطوفين؟ ما تفسير هذا السلوك الإيثاري؟
يكمن السر هنا في التكاثر وليس البقاء، لا تساعد الطيبة والإيثار والعطف على بقاء الإنسان، فمن المحتمل أن يدفعك الحب إلى التضحية بروحك من أجل ابنك مثلاً. لكنها تساعد على التكاثر وتكرار الجينات، وهذا هو الهدف الأكبر.
تخيل معي اثنين من الحيوانات يحملان جينين مختلفين، أحدهما يجعل الحيوان يهتم بذريته والآخر يجعله يهتم بنفسه فقط. ماذا سيحدث في الجيل التالي؟
سيتفوق الحيوان الذي تطور ليهتم بذريته -من وجهة نظر الانتقاء الطبيعي- على الحيوان الذي يهتم بنفسه فقط، لأن جيناته ستنتقل وتتكرر عبر الأجيال.
وتعرف هذه النظرية باسم نظرية «الجين الأناني-Selfish gene theory» لصاحبها العالم ريتشارد دوكينز. وتعد واحدة من أشهر النظريات وأكثرها جدلًا في علم بيولوجيا التطور التي شهدها القرن الماضي.

نظرية الجين الأناني

دعنا نتعمق قليلًا في نظرية دوكينز، ولفعل ذلك علينا تبني منظورًا مختلفًا. وهو منظور فيروس نزلة البرد. لماذا نعطس عندما نصاب بالبرد؟
أحد الإجابات أن الجسد يود التخلص من الجراثيم بداخله. لكنها ليست صحيحة تمامًا. تأتي الإجابة الأكثر تشويقًا عند التخلي عن المنظور الأناني (أنا مصاب بنزلة برد)، وتبني منظور فيروس نزلة البرد: تطورت الفيروسات عبر السنين مثل باقي الحيوانات، وجاء تطورها عن طريق البقاء والتكاثر. ووسيلة الفيروس للتكاثر هو جسمك، والتحكم به كي تعطس وتطرده خارجًا لينتشر ويتكاثر.
يستخدم الفيروس جسمك كأداة للتكاثر!
مثال آخر: أحد تأثيرات الأمراض المنتقلة جنسيًا مثل الزهري أنه يزيد الرغبة الجنسية ويدفع الناس إلى الانخراط في المزيد من العمليات الجنسية. هذه هي وسيلة الفيروس في الانتشار.
يوجد الجين الأناني أيضًا في الحيوانات. مثل طفيل «المقوسات-Toxoplasmosis» الذي يعيش في أجساد الفئران، ثم ينتقل إلى أجساد القطط التي تتغذى عليها، ومنه إلى فضلات القطط ثم أجساد الفئران مرة أخرى. الفأر المصاب بداء المقوسات معافٍ تمامًا، باستثناء أمر واحد فقط: يعدل الطفيل مخ الفأر ويجعله أقل خوفًا من القطط، وهذه هي آلية الطفيل لاستخدام جسد الفأر للتكاثر.
إذًا يرى دوكينز أن جسد الحيوان هو وسيلة الجين لصنع جين آخر/التكاثر. لكن ما أهمية هذا في علم النفس؟ وكيف يجيب عن سؤال الطيبة والإيثار؟

تطبيق نظرية الجين الأناني في علم النفس

قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نوضح اثنين من المفاهيم الهامة في علم النفس: «السببية القصوي والمباشرة-Ultimate and proximate causation»
السببية المباشرة: هي تفسير سلوك الحيوان وفقًا لآلياته الداخلية وعوامل الإثارة.
السببية القصوى: هي تفسير سلوك الحيوان وفقًا للتطور، كيف يساهم هذا السلوك في الانتقاء الطبيعي؟
لذا عندما سُئل أحد المفكرين: هل تضحي بحياتك من أجل أخيك؟
أجاب: لا، لكني سأمنحها بكل سرور لثلاثة أخوة، وخمسة من أبناء الأخ، وتسعة من أقارب الدرجة الأولى.
وهو بالطبع يمزح، لا يوجد شخص سوي يحسب هذه الحسابات عند التعامل مع أبنائه أو إخوته. إننا نحبهم لأننا فقط نفعل، نشعر بالسعادة في وجودهم، ونلجأ إليهم وقت الحاجة، نحب منحهم وقتنا ومالنا وربما أرواحنا، دون أن نسأل لماذا. وهذا بالتحديد السبب المباشر للإيثار.
أما الإجابة الأكثر علمية والتي تفسرها نظرية الجين الأناني: هي إجابة المفكر السابقة. نحن نحب أبنائنا وإخواننا وأقاربنا لأننا نتشارك معهم نفس الجينات. وإذا خُير الجين الأناني بين التضحية بالجسد الذي يسكنه، أو موت عدد من إخوته، سيختار التضحية. لأنها صفقة مثالية، حيث يحمل إخوته نفس جيناته، ويضمن بقائهم التكاثر وتكوين عدد أكبر من النسخ. وهذه هي السببية القصوى التي تفسر الإيثار من وجهة نظر الانتقاء الطبيعي. نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

لماذا نكره الخيانة؟

لم يواجه التطور صعوبة كبيرة في تفسير المشاعر تجاه الأقارب، بما أن التطور مدفوع بقوى تهدف إلى تكرار الجين وتكاثره، فمن المنطقي أن تحب الحيوانات ذريتها وتعتني بها، لأنها حاملة جيناتها. لكن الأمر المحير حقًا هو علاقات البشر والحيوانات بغير أقاربها، كيف تعود هذه العلاقات المعقدة بالفائدة من وجهة نظر الانتقاء الطبيعي؟

تظهر أمثلة كثيرة لهذا النوع من العلاقات في الطبيعة. منها:

  • اعتناء الحيوانات بنظافة بعضها البعض، كما يحدث في القردة فتجدها تزيل الحشرات من أجساد رفاقها.
  • إطلاق صرخات تحذيرية عند اقتراب الخطر، رغم تهديد هذا الفعل لحياة صاحبه.
  • ترعى الحيوانات أطفال أحدها الآخر. ومن وجهة نظر تطورية بحتة، من الأفضل أن تلتهم هذه الحيوانات الأطفال، فهي مصدر البروتين كذلك لا تحمل جيناتها. لكن ما يحدث عكس ذلك.
  • تتشارك الحيوانات الطعام كما يحدث في الخفافيش.

الإيثار المتبادل

تعمل الخفافيش معًا في نظام دقيق، حيث تذهب مجموعة للصيد وجمع الدماء وتعود لتوزيعه على باقي الأفراد. وبهذا تتبع الخفافيش مبدأ «الإيثار المتبادل-Reciprocal alturistim»
بمعنى أن العمل معًا يعود بفائدة أكبر من العمل وحيدًا، أي تفوق المنفعة التكلفة.
فعندما يبدأ أحد الخفافيش بالإيثار يعود الأمر بالفائدة عليه، لأنه سيلتقي مساعدة في المقابل.
لو توقف الأمر عند هذا الحد، لصار التفسير سهلًا. نحن نعطي ونتوقع أن نأخذ في المقابل، أي تفوق المنفعة التكلفة، هذا ليس هدفًا تطوريًا سيئًا، أليس كذلك؟
لكن اللغز لا يتوقف هنا، حيث تظهر مجموعة من الغشاشين أو ما يطلق عليهم علماء الاقتصاد: المنتفعين بالمجان.
تخيل معي اثنين من الجينات، الجين الأول لخفاش يخرج للصيد ويشارك ما يحصل عليه مع باقي الأفراد. والجين الثاني لخفاش لا يخرج للصيد لكنه ينتفع مما يجلبه الآخرون. أيهما أكثر تفوقًا تطوريًا؟
الجين الثاني يحصل على كميات طعام أكبر وعمل أقل، وبالتالي يتفوق بلا شك على الجين الأول.
لكن أين التفسير؟ إذا كانت آليات الغش والانتفاع بالمجان أكثر تفوقًا، فكيف تطورت آليات التعاون وترسخت هكذا؟
تكمن الإجابة في «اكتشاف الغشاشين-Cheaters Detection»
لا يمكن للايثار المتبادل العمل إلا إذا كانت الحيوانات مهيئة مسبقًا لاكتشاف الغشاشين.
لفهم ذلك أكثر، دعني أسرد لك هذه التجربة.
تابع العلماء عشًا للخفافيش، وراقبوا نشاط خفاش معين خرج للصيد ثم عاد بعد فترة حاملًا الدم ليوزعه على رفاقه. لكن العلماء قاموا بطريقة ما بمنع هذا الخفاش من مشاركة الدم مع رفاقه. فماذا حدث؟
عندما خرج أفراد آخرون للصيد وعادوا بالدماء، لم يشاركوه الطعام وتركوه يتضور جوعًا.
ومن هنا نستنتج أن الاختيار الأفضل دائمًا هو التعاون، تعلمت الحيوانات هذا النظام، ونشأ من إيثارها المتبادل علاقات معقدة ومدهشة.
وبالطبع يظهر الإيثار المتبادل في البشر أيضًا، بل ويجادل بعض علماء النفس أن هذه الحساسية تجاه الغشاشين والتركيز على عملية الايثار التبادلي لها دور هام في تطور السلوك الاجتماعي عند البشر.

معضلة السجين

التفسير الكلاسيكي لهذا الرأي يأتي باستخدام «معضلة السجين-Prisoner’s dilemma»
معضلة السجين هي لعبة يستخدمها الباحثون في علم النفس لمعرفة متى يختار البشر التعاون أو الخيانة. لهذه اللعبة صور كثيرة، لكن الشكل الكلاسيكي لها كالتالي:
أنت وصديقك قررتما السطو على بنك لكن قُبض عليكما، فيأتي إليك الضابط ليعرض عليك مجموعة من الخيارات.

  • تخون وتعترف على السجين الثاني، فيُطلق سراحك ويقضي هو مدته في السجن.
معضلة السجين (حقوق الصورة: University of Michigan Heritage Project)
  • تتعاون ولا تشي بالسجين الثاني، بينما هو يشي بك، فيطلق سراحه، وتقضي أنت مدتك في السجن.
  • تتعاونا معًا ولا يشي أحدكما بالآخر، فيطلق سراحكما.
  • تشيا بأحدكما الآخر، فتذهبا كلاكما إلى السجن.


عند تحليل هذه الاختيارات، نجد أن أحسنها هو أن يتعاون كلاكما معًا فلا يُسجن أحد. وأسوأها أن تشيا ببعضكما فيذهب كلاكما إلى السجن.
لكن الاختيار الأسلم في كل مرة هو الخيانة، فأنت لا تضمن تعاون صديقك معك. لذا إذا اخترت الخيانة واختار صديقك التعاون فستخرج حرًا، وإذا اخترت الخيانة وكذلك صديقك فلن ينتهي بك الأمر وحيدًا في السجن.
وبتحليل الاختيارات المختلفة لمعضلة السجين، وجد العلماء أن مشاعرنا تتناظر مع كل اختيار منها:

  • نحب الأشخاص الذين يتعاونون معنا، ونتشجع أن نكون أكثر لطفًا معهم في المستقبل.
  • لا نحب أن يخدعنا أحد، يجعلنا هذا نشعر بالغضب والخيانة، ويحفزنا لتجنبهم في المستقبل.
  • نشعر بالسوء حينما نخون شخص تعاون معنا، ويحفزنا ذلك للتعامل بشكل أفضل في المستقبل.

نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

والآن بعد أن تعرضنا لسؤال المشاعر وتفاصيله الدقيقة، وتعرفنا على الحالات المؤسفة لاختلال العقل نتيجة فقدان جزء من المشاعر، وفسرنا الرؤية الصحيحة لها، وأجبنا عن الأسئلة الثلاث الأكبر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟
في المرة القادمة التي تبتسم فيها، أو تتجهم، أو تستمتع بصوت ما، ويزعجك آخر، تذكر ألا تنظر إلى هذه الأمور كأنها حقائق كونية، واسأل نفسك دومًا السؤال الأهم: لماذا؟

اقرأ أيضًا: نظرية مثلث الحب

المصادر

Exit mobile version