مبدأ عدم الضرر في التدخّلات الإنسانية

مبدأ «عدم الضرر – Do Not Harm»

اشتهر في الأوساط الطبية قَسَم سمّي «قسم أبقراط – Hippocratic Oath». ويعتمد هذا القسم على نص أصلي تم تكييفه بحسب الثقافات، إلا أنه حافظ على قوامه المعنوي وأصل فكرته. وتدور فكرة القَسَم حول القول الأشهر المنسوب إلى أبقراط بترجمة لاتينية ” primum non nocere”  ومعناها بالعربية “أولاً، لا تؤذي” وذلك كأساس للتدخّلات الطبّية [1].

وقد ورد في السياق نفسه لدى أبقراط في أعماله عن الأوبئة؛ عبارة يونانية ترجمت إلى التالي:

“في حالة المرض، يجب على المرء أن يضع في اعتباره شيئين، ليكون مفيدًا لا يسبب ضررًا” [1].

أبقراط

ولا تنحصر الإشارة إلى تجنب الضرر عند أبقراط، فالمفهوم بدوره تناوله التراث الإنساني العقائدي والديني. حيث عرّجت بعض الديانات والأيديولوجيات على أهمية عدم الضرر بالآخر كناموس أخلاقي. فنجد في الإسلام -نموذجاً- حديث نبوي مروي عن أبي سعيد الخدري: “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضارّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه” [3]. ومعنى هذا أن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه ولا بغيره، وفي هذا توسعة لمفهوم الضرر يشمل الضرر بالذات أيضاً.

تعريف الضرر

يرتبط مفهوم الضرر بالحرية وحدودها في القول المشهور الذي نُسب لأكثر من قائل: “ينتهي الحق في تأرجح ذراعي في أي اتجاه حيث يبدأ أنفك” [4]. ويشيع في الأوساط الشعبية قول مجهول المصدر “أنت حر ما لم تضر”. كما نجد فيما كتب «ستيورات ميل – John Stuart Mill» في كتابه “الحرية” عن دور السلطة في منع الضرر يقول:

“أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، هو منع إلحاق الأذى بالآخرين” [5]

جون ستيوارت ميل

ويشمل الضرر أي إصابة جسدية أو عقلية، وهو شيء يتسبب في إصابة شخص أو شيء ما أو كسره أو جعله أقل قيمة أو نجاحًا. كما يمكن إطلاقه على كل فعل يشوّه أمراً أو يسبّب له التدهور والنقصان. ” [6] [7].

قد يبدو للوهلة الأولى أن التفريق بين الممارسات المضرّة وغير المضرّة بالآخر سهل، إلا أنه إذا أمعنا النظر في السلوكيات التي تصب في مصالحنا بعمومها، نجد أنها قد تتعارض مع مصالح الآخرين [8]. لذلك من اللازم أن نقوم بتحديد معنى الضرر الذي يجب تجنّبه كي لا يختلط الأمر علينا، أو نقع في فخ الأسئلة الخاطئة في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها. مثلاً: إذا استفدنا من الفوز بترقية في العمل بينما يخسر المتقدمون الآخرون، فهل يعد ذلك ضاراً بهم؟

في الحقيقة سيناريوهات من هذا النوع قد تبدو مضللة، إلا أن الضرر الذي يجب تجنّبه هو ما يُعرف بوصفه؛ انتكاسة لمصالح مهمة تعود بالنفع على الآخرين. وفي السيناريو السابق ليس الترقي حكر على شخص معين، فالفوز هنا ما دام على أساس الجدارة فهو عادل. كما يروج في أحاديثنا اليومية إلقاء اللوم على الآخرين تحت تأثير من مغالطة السيناريو، كما في المثال التالي:

لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب، فقادها اللص. وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة، وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير؟ هل صاحب السيارة له دور في الضرر؟

الجواب هو لا. لأن السببية المباشرة هنا هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في حدوث الضرر.

أهمية مبدأ عدم الضرر في العمل الإنساني والإنمائي

العمل الإنساني والإنمائي هو عمل ممنهج، وله ضوابط وقواعد تهدف إلى حشد القدرات والمعارف وتوجييها بطريقة واعية. وهذا من أجل تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، وهذا النوع من الأعمال ينطوي على مخاطر مخفيّة يعايشها عاملو الميدان بشكل مباشر. حيث يوجد خيط رفيع بين إيذاء المجتمع وإفادته. وأساس التخطيط للتدخلات الناجحة المفيدة هي أن نسأل:

من؟ أين؟ ماذا؟ متى؟ لماذا؟ كيف؟ [9]

6 أسئلة رئيسية

ولهذا وجد نهج عدم الضرر DNH والذي يقوم على عدة خطوات [9]. وهي:

  1. تحليل السياق؛ وتحديد المنطقة، والسكان المعنيين، وأطراف النزاع (حكومة، ومجموعات عرقية، ومجموعات دينية). وتحديد الأسباب الجذرية للنزاع، والتدخلات المعمولة من قبل الفاعلين المجتمعيين الآخرين، وأيضاً من قبل الجهة نفسها.
  2. ما هي الأمور التي تساهم في تكريس النزاع وتعميقه (Dividers)؟ وما هو أكثرها تأثيراً؟ أيضاً ما هي الأمور التي تربط بين الناس (Connectors)، وما هو أكثرها تأثيراً؟ ومراعاة هذه العوامل أثناء العمل.
  3. قياس آثار التدخلات على عوامل الارتباط والانفصال (Dividers and connectors).
  4. كيف أثر تدّخلنا على المجتمع المضيف، وما هي خياراتنا الأخرى المتوافرة وكيف تؤثر على عوامل الارتباط والانفصال.

يشجع نهج عدم الضرر إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، والتفكير مليّاً قبل التصرف. والهدف هو تعزيز تصميم المشروع وإدارته. أيضاً يفيد في منهجة طريقة عمل تسمح بفهم أفضل للآثار السلبية على المشاريع أو البرامج المستقبلية. وتعتبر الرغبة في علاقات جيدة مع المستفيدين هي جزء لا يتجزأ من التفكير بنهج عدم الإضرار [10].

والعمل على مبدأ عدم الإضرار في العمل الإنساني أساسي للعاملين الإنسانيين في مناطق النزاع. حيث يساعد على تحديد الأثار السلبية غير المقصودة للتدخلات الإنسانية والإنمائية في مناطق الصراع. ويمكن اعتماد هذا النهج في عملية التخطيط والمراقبة والتقييم للتأكد أن التدخل المعمول لا يؤدي إلى تفاقم الصراع بل يحسّنه [11].

محاذير العمل الإنساني والإنمائي

تفيد المنظمة السويدية “Swedish mission council” بأن هناك عدة أخطاء تتكرر بشكل كبير داخل العمل الإنساني وجب الإنتباه إليها وإلى أضرارها. فمن غير المعقول أن نساعد أحداً من ناحية ونضرّه من ناحية أخرى. وهي [12]:

  1. التناقض بين الأسلوب والفعل.

2. الإضرار بمصالح الناس.

3. التحيز في استهداف التوزيع لمجموعة من المجموعات المتنازعة دون الأطراف الآخرين.

4. التدخّل القاصر، الذي يقدم خدمة تساهم في تدمير نظام الخدمات الأخرى في المنطقة، ويؤثر على ما يربط الناس ويزيد من حدة العنف.

5. إعطاء أهلية وإضفاء صبغة شرعية للزعماء الذين نعمل معهم لتسهيل تقديم الخدمات الإنسانية.

وتفيد نتائج الاستطلاعات بأن اتّباع نهج عدم الإضرار في الأعمال الإنسانية يحسّن المساءلة تجاه المستفيدين، والعلاقات مع المستفيدين. كما يعزز فهم سياقات وديناميكيات المجتمع التي تتم فيها المشاريع. ويزيد أيضًا من درجة الثقة بالتدخّل المعمول من قبل الجهة في منطقة التدخل [10].

المصادر
[1] BMJ
[2] الطب ورائداته المسلمات، عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد.
[3] كنز العمال، الملتقي الهندي.
[4] Quoteinvestigator
[5] Stanford Encyclopedia of Philosophy Archive
[6] Britannica
[7] Merriam-Webster
[8] Ethics
[9] Oxfam
[10] Jean Charancle, Elena Lucchi, Incorporating the principle of “Do No Harm” How to take action without causing harm reflection on a review oh Humanity & inclusion’s practices.
[11] INEE
[12] Swedish mission council

ما هي الأنثروبولوجيا الاجتماعية؟

الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من فروع علم الإنسان، يدرس هذا العلم السلوك الاجتماعي من وجهة نظر مقارنة أنثروبولوجية. ويعد هذا الفرع من الفروع المهمة في علم الإنسان، لما له من أثر في تحليل أنماط البنى الاجتماعية في الثقافات المختلفة. كما يعمل هذا الفرع على باستخدام أساليب عملية وأمبريقية للتحقيق في الظواهر الاجتماعية المختلفة. [2]

تعريف الأنثروبولوجيا الاجتماعية

تعرف الأنثروبولوجيا الاجتماعية بأنها العلم الذي يدرس تنوع المجتمعات البشرية في مختلف الأزمنة، والأماكن. وتبحث في دراستها هذه؛ عن القواسم المشتركة. وتتبع منهجًا ذو استراتيجية شاملة، تربط الظواهر المحلية بالعالمية، كما تربط بين الماضي والحاضر بهدف تقديم صورة واضحة عن المجتمعات البشرية. [5]
تتبع الأنثروبولوجيا الاجتماعية منهج المقارنة لوصف العادات المجتمعية، ويتم فحص البيئات الاجتماعية حول العالم من خلال الملاحظة والمشاركة في الحياة الاجتماعية. يبحث علم الإنسان الثقافي بالدرجة الأولى في تساؤلات مثل: كيف تختلف المجتمعات وتتشابه؟ وهذا من أهم الأسئلة التي يطرحها علماء الإنسان، ويتم النظر في بنية كل مجتمع وتوازن هيكله،من أجل فحص قواعد الرعاية الأخلاقية وأنماط التعاون في هذا المجتمع، وهذه الأخيرة توفر معنى لما قد يعتبره المراقب الخارجي أمرًا غريبًا عليه. [4]

أوجه التشابه والاختلاف بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع

إن جميع العلوم الاجتماعية تمتلك روابطًا مشتركة فيما بينها، وعلم الإنسان “الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع “السوسيولوجيا” يجتمعان في نقاط عدة وموضوعات بحث متقاربة إلى حد ما. صحيح أن كلا الاختصاصين يركزان على المجتمعات البشرية، وتركيبتها، وبنيتها. لكن عند التدقيق في هذين المجالين، نلاحظ أن هنالك اختلافًا واضحًا بين الفرعين، أبرز هذه الاختلافات طريقة النظر إلى الظاهرة الاجتماعية، والمنهجية المتبعة في دراسة الظاهرة. ومن أبرز التشابهات والاختلافات نذكر ما يلي:
1- إن اختلاف موضوع الدراسة يعد أمرًا جوهريًا، بالرغم من أن كلا العلمين متقاربين فهما يدرسان الإنسان وحياته الاجتماعية. إلا أن علم الاجتماع “السوسيولوجيا” يدرس المجتمعات، بينما يدرس علم الإنسان “الأنثروبولوجيا” الثقافات في المجتمعات.
2- يميل علم الاجتماع إلى الاهتمام بدراسة ظواهر اجتماعية ذات عمر كبير. بينما يدرس علم الإنسان ما يحدث الآن في الثقافة.
3- نوعية البيانات المستخدمة وطرق الحصول عليها، يحاول علم الإنسان تكريس وقت وجهد الباحث في الاندماج في المجتمع المدروس لفهمه. ويحصل على البيانات من الحياة اليومية مع الأفراد في المجتمع المدروس. [6]

أهم النظريات علم الإنسان الاجتماعي

تمتلك الأنثروبولوجيا الاجتماعية العديد من النظريات قال بها منظرين مختلفين، نذكر أهم هذه المدارس الفكرية في علم الإنسان الاجتماعي.

النظرية التطورية

إن المذهب التطوري من المدارس الفكرية شديدة الانتشار، ويعتمد على النظرية التطورية الداروينية. سيطرت المدرسة التطورية على الأفكار الأنثروبولوجية خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر. وقد  جادل البعض بأن نمو علم الإنسان كعلم مرتبط بتطور نظرية التطور. أي لا يمكن أن يتطور أي منهما بدون الآخر. كما يعد الباحثان إدوارد ب. تايلور ولويس هنري مورغان من أبرز مؤيدي هذه النظرية. [3]

نظرية الانتشار

وتعود هذه النظرية لبدايات القرن العشرين، واهتم أنصار هذه النظرية بتوضيح موضوع التطور المجتمعي وكون هذا التطور متفاوت حول العالم. أشار منظرو هذه المدرسة الفكرية بأن التغير الاجتماعي يحدث عندما تقوم المجتمعات باستعارة سمات ثقافية بين بعضها البعض، التي تنتشر بدورها من مكان لآخر. جادل منظرو الانتشار البريطاني المتطرفون نسبيًا، بأن جميع الحضارات قد نشأت في مصر وانتشرت لمجتمعات ثانية بالتدريج. ساعدت نظرية الانتشر في فهم الحضارات الكلاسيكية القديمة، إلا أن هنالك العديد من المآخذ على هذه النظرية عند تطبيقها في عصرنا هذا. [3]

الخصوصية التاريخية

تطورت هذه النظرية كرد فعل على نظرية التطور أحادي الخط، وذلك في أوائل القرن العشرين. من رواد هذه النظرية العالم فرانز بوا، وقدمت هذه المدرسة الفكرية أجوبة لمواضيع مثل وجود التشابه والاختلافات بين المجتمعات، وقد أثر هذا الأمر على تطور الأنثروبولوجيا في هذه الفترة. كما عارض بوا نظرية التطور أحادي الخط بشكل شديد، وطرح حاجة البحث الإثنروغرافي الميداني التجريبي لفهم ثقافة كل مجتمع، وتؤكد هذه النظرية أن لكل مجتمع تطوره التاريخي الخاص. [3]

إن موضوع الأنثروبولوجيا الاجتماعية من المواضيع التي تلقى اهتمامًا كبيرًا ومتزايدًا في عصرنا الحالي، فكلما زادت حدة الأحداث والظواهر الاجتماعية العالمية كلما زادت الحاجة لمعرفة وفهم وتفسير هذه الظواهر الثقافية والاجتماعية.

ما هو الانتشار الثقافي في علم الإنسان؟

الانتشار الثقافي في علم الإنسان، مصطلح برز في أربعينيات القرن الماضي، وقد صاغه عالم الأنثروبولوجيا ألفريد كروبر. ويصف هذا المصطلح انتشار عناصر الثقافة من حضارة إلى أخرى، ويستخدم هذا المفهوم بكثرة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية، بالإضافة لاستخدامه في مجال الجغرافيا الثقافية. [2]

تعريف الانتشار الثقافي في علم الإنسان

يعرف الانتشار الثقافي Trans-cultural Diffusion بأنه: “العملية التي يتم من خلالها نشر فكرة أو أفكار، خاصة بثقافة معينة؛وانتشارها إلى مناطق أخرى خارج نطاق الثقافة التي نشأت فيها”. [3]
وصف ألفريد كروبر، عالم الأنثروبولوجيا الذي صاغ هذا المفهوم، بأن الانتشار عبر الثقافات يمر بعمليات إعادة صياغة لاحقة. ويصف هذا المفهوم العملية التي من خلالها يتم نقل ونشر العناصر الثقافية، والتي تتمثل بالأفكار، والأديان، والتقنيات، والعادات، بين مجموعة من الأفراد وذلك ضمن ثقافة واحدة، أو ثقافتين مختلفتين. ومصطلح الانتشار الثقافي يستخدم لشرح الطرائق التي تنتشر فيها هذه الأفكار، وتندمج من خلالها الأفكار في ثقافات مختلفة. [1]
والانتشار عبر الثقافات يعد ظاهرة موثقة، وطبيعية تمامًا؛ ويذكر علماء الأنثروبولوجيا أمثلة على هذا، الانتشار الكبير للوجبات السريعة أميريكية الأصل في دول شرق آسيا، بالإضافة لذلك قد انتشرت الوجبات الآسيوية على سبيل المثال في أمريكا بشكل كبير. علاوةً على ذلك، طرح العديد من العلماء فكرة أن الزراعة قد انتشرت من مكان ما في الشرق الأوسط إلى كامل أوراسيا “أي أوروبا وآسيا” وذلك قبل 10000 عام. هناك أمثلة أخرى على ذلك منها انتشار اللباس الغربي في مختلف أنحاء العالم كلباس رسمي عوضًا عن الزي التقليدي للمنطقة. [1]

آليات الانتشار بين الثقافات

يحدث الانتشار بين ثقافات مختلفة عن طريق ثلاثة طرق وهي:

الانتشار المباشر Direct Diffusion

وتحدث هذه الطريقة عند اختلاط ثقافتين تؤثران ببعضهما، وذلك بكامل إرادة كل ثقافة ودون أي فرض. مثال على ذلك التشابه الثقافي بين البلدان المتجاورة، مثل شيوع لعبة الهوكي والبيسبول في الولايات المتحدة الأميريكية وكندا. مثال فردي على هذه الطريقة هو تعرف شخصين من ثقافتين مختلفتين وزواجهما الذي يُحدِث نوعًا من الإندماج الثقافي. [2]

الانتشار القسري Forced Diffusion

هذا النوع من الانتشار يفرض قسرًا من قبل ثقافة على ثقافة ثانية، مثال عن هذه الطريقة هي فرض أي ثقافة من بلد استعماري لبلد آخر محكوم من قبله. [2]

الانتشار غير المباشر Indirect Diffucion

يحدث هذا النوع من الانتشار من خلال جهة ثالثة أو “وسيط”، بحيث يكون هناك ثقافة مؤثرة، وثقافة متأثرة، وبينهما وسيط ينقل العناصر الثقافية. ولا تكون الثقافتين مرتبطتان بأي شكل من الأشكال غير الوسيط. مثال ذلك هو انتشار الطعام المكسيكي في كندا، بالرغم من وجود حاجز هائل بين الثقافتين هو الولايات المتحدة. لكنها هنا تلعب دور الوسيط بين الثقافتين الثانيتين. [2]

أنواع حالات الانتشار الثقافي في علم الإنسان

هناك 6 حالات للإنتشار الثقافي، وهي: [3]

الانتشار الثقافي عبر التنقل

وهذا النوع يتم فيه الانتشار من خلال انتقال الأفراد من نقطة إلى أخرى، والاستوطان في مكان جديد. والذي يؤدي إلى دمج الثقافات عند هجرة مجموعة من السكان إلى نقطة غير مكان توطنهم.

الانتشار الثقافي في علم الإنسان عبر التوسع

هنا يتم انتشار فكرة ثقافية معينة، من حيث نشأت وتمتد إلى مناطق أخرى. وتبقى هذه الفكرة قوية في مكان منشأها، ويتوسع انتشار الفكرة المطروحة بالتدريج.

الانتشار الثقافي المعدي

وهو نوع من أنواع الانتشار التوسعي، يشير إلى انتشار العناصر الثقافية من خلال تفاعل الأفراد مع بعضهم. فعندما يتفاعل الأفراد يتأثرون بثقافة الشخص الآخر، ويؤثرون به بدورهم. وهذا مشابه لفكرة العدوى بأي فيروس، أشهر أمثلة على هذا هي انتشار مقاطع فيديو معينة على الانترنت وتحولها ل”تريند”.

الانتشار الهرمي

وفي هذا النوع يتم الانتشار من خلال أشخاص مشهورين يشاركون فكرة ما، وتنتشر هذه الفكرة مع عامة الشعب. وفي يومنا هذا يتم توظيف المشاهير أو المؤثرين “انفلونسرز” للقيام بنشر اسم علامة تجارية، ومن خلال هذا يتبنى باقي الأفراد رأي الشخص المؤثر ويتم نشر الفكرة المطلوبة.

الانتشار بالتحفيز

يتم هذا الانتشار عندما تتغير الثقافة خلال عملية الانتشار، قد يبقى العنصر الثقافي المنشور في المنطقة التي برز منها نفسه أو قد يتغير. لكن سوف يتغير بالتأكيد كلما زادت شهرته وانتشاره في الأماكن الأخرى. كما يدعي بعض المنظرين بأن للعالم ثقافة واحدة انتشرت، وخلال عملية انتشارها طرأت عليها تغيرات كثيرة أدت لظهور الثقافات الحالية، لكنه رأي غير مؤكد تمامًا.

انتشار مع انعدام القدرة على التكيف

يحدث هذا النوع عند انتشار ثقافة معينة إلى أماكن جديدة، ولا تكون هذه العناصر الثقافية ذات معنى في المناطق التي وصلت لها، بالرغم من ذلك فهي لا تتغير لتتكيف مع البيئة الجديدة. [3]

أهم النظريات في الانتشار الثقافي في علم الإنسان

هناك عدد من النظريات التي تشرح عملية الانتشار الثقافي، نذكر أهمها: [1]

الانتشار شمسيّ المركز Heliocentric diffusionism

تقول هذه النظرية بأن جميع الحضارات قد نشأت من ثقافة معينة، ثم تم تحويرها وتبديلها.

الانتشار بالدوائر الثقافية Kulturkreise

هذه النظرية تقول بأن الثقافات المتعددة في العالم، يعود أصلها لعدد صغير من الثقافات.

الانتشار التطوري Evolutionary diffusionism

تقول النظرية التطورية بأن كل المجتمعات تتأثر ببعضها، والبشر جميعًا يشتركون في سمات نفسية تجعلهم متساويون في احتمالية الابتكار. هذا ما يؤدي إلى حدوث ابتكارات مختلفة في كل منطقة بشكل معزول عن الثقافات الأخرى.

نقد نظرية الانتشار الثقافي في علم الإنسان

يؤخذ على هذه النظرية ما يلي:

  • أولًا، توجه لهذه النظرية انتقاد حاد لأنها تتمحور بشكل أساسي على العرق، وتحاول شرح أنماط الانتشارات من خلال هذا. وهذه العرقية تم التصريح عنها من قبل العديد من المنظرين للانتشار الثقافي، وطرحت فكرة أن الثقافات المستقبلة لن تكون قادرة على الابتكار، إنما تتلقى كل شيء من الثقافة المؤثرة.[4]
  • ثانيًا، من عيوب نظريات الانتشار الثقافي كونها تخمينية، ويصعب إثباتها بشكل تام أو دحضها. ولا يمكن استنتاج بعض الأفكار فيها إلا عندما تتضمن أوجه تشابه بين الثقافات، حتى أن العناصر تكون معقدة نسبيًا ولا يمكن الجزم بصحتها. [2]
  • ثالثًا، يؤخذ على هذه النظرية فشلها في تفسير سبب عدم نقل عناصر ثقافية معينة. [2]

بالرغم من المآخذ والانتقادات التي توجهت لنظرية الانتشار الثقافي في علم الإنسان، إلا أنها بدون أي شك من الأفكار المؤثرة جدًا في هذا العلم. ويجب أخذها بعين الاعتبار عند المقارنة بين مجتمعين أو عدة مجتمعات مدروسة.

المصادر:
1- artandpopularculture
2- helpfulprofessor
3- academia
4- aranthropos

النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا من المدارس المهمة التي برزت في ستينات القرن الماضي، على يد العالم مارفن هاريس الذي أرسى الدعائم الأولية لأفكار هذه النظرية في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية كنموذج نظري وبحثي في عام 1968. وقد وضح في كتابه عملية تطور وتغير المجتمعات متأثرًا بكتابات كارل ماركس. بالإضافة لتأثره من منظري النظريات التطورية في العلوم الإنسانية مثل هيربرت سبينسر.

نشأة النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

نشـأت المادية الثقافية كمدرسة فكرية على يد العالم مارفن هاريس، وذلك في عام 1968. ولكن جذور المادية الثقافية تمتد إلى الأفكار الماركسية، فهي تعد امتدادًا للأفكار المادية الماركسية. وقد نشأت هذه المدرسة كرد فعل على الأفكار البنيوية، والنسبية الثقافية، بالإضافة للأفكار المثالية. تؤكد هذه المدرسة أن العالم المادي يؤثر على سلوك البشر في مجتمعهم. والسلوك البشري جزء من الطبيعة بالتالي يمكن فهم السلوك البشري بنفس منهجية فهم الظواهر الطبيعية؛ أي باستخدام مناهج العلوم الطبيعية. [2]
يعطي أنصار المدرسة المادية الأولوية للعالم المادي على الفكر والإيديولوجيا المحيطة، أي برأيهم الواقع المادي هو ما يحدد الإيديولوجيا المنتشرة وليس العكس. وهذه الأفكار مستمدة من أفكار كارل ماركس وفريدريك إنجلز التي انتشرت في أواخر القرن التاسع عشر، التي قدما فيها نمذجًا تطوريًا للمجتمعات. لكن قلة من علماء الأنثروبولوجيا قد التفتوا لهذه الآراء حينها ولم تحصل على القبول، لكن هذه الأفكار زاد انتشارها بين علماء الأنثروبولوجيا في عشرينات القرن الماضي وزاد الاعتماد على تفسير العالم المادي لتحليل المجتمع والتطور المجتمعي. [1]

افتراضات المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

يحدد الماديون الثقافيون ثلاثة مستويات من النظم الاجتماعية التي تشكل نموذجًا عالميًا وهذه النظم هي: البنية التحتية infrastructure، البنية structure، والبنية الفوقية superstructure. وجميع هذه البنى مترابطة ببعضها حيث تؤثر كل بنية بالأخرى وتتأثر بها، وتؤدي التغيرات في بنية إلى حدوث تغيرات في البنية الأخرى. كما أن هذه التغيرات لا تكون بالضرورة فورية، ولكنها تظهر على البنية لاحقًا. [3]

البنية التحتية Infrastructure

يحدد أنصار هذه المدرسة البنية التحتية كأساس لجميع المستويات الأخرى، وتضم هذه البنية كيفية تلبية الاحتياجات الأساسية وتفاعلها مع البيئة المحيطة وتتضمن الوضع الاقتصادي والتكنولوجي والعوامل الديموغرافية التي تؤثر في المجتمع.

االهيكل أو البنية Structure

وهي الطبقة الوسطى بين البنية الفوقية والتحتية، تتضمن التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، والمؤسسات والمنظمات الموجودة في المجتمع

البنية الفوقية Superstructure

وهي البنية المرتبطة بشكل رئيسي بالإيديولوجيا السائدة والرمزية والدين. وقد أكد مارفن هاريس على أن البنية التحتية هي الأكثر أهمية. فهنا يحدث التفاعل الأساسي بين الثقافة والبيئة وهي التي تؤثر حكمًا بالطبقات التي تليها. [5]

المنهجية المتبعة في المدرسة المادية الثقافية

تركز المادية الثقافية على الأحداث القابلة للملاحظة والقياس الكمي، وتماشيًا مع الطريقة العلمية تدرس هذه الأحداث باستخدام الأساليب التجريبية الإمبريقية. يعتمد النهج الذي أسسه هاريس على دراسة الثقافة لإبراز كونها ناتجة عن الوضع المادي المحيط، ويركز على الممارسات المجتمعية التي تساهم في بقاء واستمرار المجتمع، بالإضافة إلى أن التحليل يتضمن عمليات قياس ومقارنة للظواهر في المجتمع المدروس. [1]

أبرز العلماء المؤسسين لهذه المدرسة

ساهم العديد من العلماء في الأنثروبولوجيا في تطوير مدرسة المادية الثقافية، نذكر أهم هؤلاء العلماء:

مارفن هاريس

وهو المؤسس لهذه المدرسة، خريج جامعة كولومبيا وحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الإنسان في عام 1953. في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية حدد المعالم الأساسية لهذه المدرسة الفكرية. درس هاريس التطور الثقافي باستخدام منهجية بحث المادية الثقافية، ومن أهم التحليلات التي قام بها تحليل سبب تحريم أكل لحم البقر وتقديسه عند الهندوس. حيث حاول في عمله توضيح سبب تركيزه على الظروف المادية في تحليله للظاهرة. بالرغم من تعرض هاريس لنقد شديد إلا أنه قد خلف إرثًا هائلًا في الأنثروبولوجيا. [1]

جوليان ستيوارد

طور ستيوارد مبدأ البيئة الثقافية، التي تطرح فكرة أن البيئة هي عامل إضافي مساهم في تشكيل الثقافات. كما حدد مفهوم التطور متعدد الطبقات باعتباره منهجية تهتم بالانتظام في التغيير الاجتماعي، وهدفه تطوير القوانين الثقافية تجريبيًا. كما وضع فكرة أنواع الثقافة التي تمتلك صلاحية إظهار عناصر ثقافية مختارة من أساس مرجعي وتمتلك نفس العناصر الثقافية. [1]

الانتقادات التي وجهت للنظرية

طالت المادية الثقافية العديد من الانتقادات من العديد من المدارس الفكرية في الأنثروبولوجيا، لعل أبرزها كان من الماركسيين المعارضين للمادية الثقافية، والمثاليين البنيويين، وأنصار مدرسة ما بعد الحداثة.

انتقادات الماركسيين

قام الماركسي ج. فريدمان بتسمية المادية الثقافية بالمادية المبتذلة، وذلك لاعتقاده بأن النهج التجريبي الإمبرييقي الخاص بهذه المدرسة ساذج وبسيط للغاية. كما انتقد الماركسيون فكرة الاعتماد الشديد على البنية التحتية وأنها هي الأكثر تأثيرًا في باقي البنى. مشيرين لأهمية النظر للبنية الفوقية بجدلية ديالكتيكية لفهم أهميتها. ويجادلون أن أنصار المادية الثقافية قد اهتموا بالجانب التحتي من المجتمع إلى مرحلة قد أدت بهم لإهمال البنية الفوقية بشكل كامل. [4]

انتقادات منظري المدارس المثالية

جادل المثاليون ومنهم أنصار المدرسة البنيوية مثل ايميل دوركهايم، بأن الثقافة هي نفسها العامل المسيطر في عملية التغير الثقافي في المجتمع. وهذه الثقافة تستند إلى هيكل موجود في دماغ الإنسان. وانتقدوا التركيز المادي على البيئة المحيطة من قبل الماديين الثقافيين بأنه قد يخلق استنتاجات متحيزة. [4]

انتقادات أنصار مدرسة ما بعد الحداثة

انتقد أنصار ما بعد الحداثة المنهج العلمي الصارم الذي استخدمه الماديون التاريخيون، مؤكدين أن العلم في حد ذاته ظاهرة مصممة ثقافيًا تتأثر بالطبقة، والعرق، وعوامل بنيوية أخرى من البنية التحتية. حتى أن بعض أنصار ما بعد الحداثة يقترحون بأن العلم هو أداة تستخدمها الطبقات العليا في المجتمع لقمع والسيطرة على الطبقات الأضعف منها. وهذا يعد هجوم مباشر على المادية الثقافية بدراساتها الموضوعية والمقارنات متعددة الثقافات. [4]

الصدفة تقود الأطباء لتسجيل نشاط مخ مريض لحظات وفاته

الصدفة تقود الأطباء لتسجيل نشاط مخ مريض لحظات وفاته

غالبًا ما يصف الأشخاص الذين اقتربوا من الموت هذه التجربة بعبارات متشابهة بشكل مدهش – تذكر حي للذكريات، أو الشعور بالوقوف خارج أجسادهم، أو مشاهدة الأضواء الساطعة، أو الشعور بالهدوء. ذلك الوصف جعلنا نطلق على هذه التجربة وصف استدعاء الحياة. في حين أن هناك الكثير من الأدلة القصصية من الأشخاص الذين مروا بتجارب الاقتراب من الموت (NDEs) إلا أن العلماء لم يرصدوا تغيرات موجات الدماغ عند انتقال الناس إلى الموت حتى يوم الثلاثاء الماضي حيث قادت الصدفة مجموعة من العلماء لرصد موجات الدماغ لمريض بالصرع ثواني قبل موته، وخلاله وبعدها. هذه الصدفة الفريدة ربما تدعم فكرة استدعاء الحياة، وأن حياتنا تضيء حقًا أمام أعيننا في لحظاتنا الأخيرة.

الصدفة تقود الأطباء لتسجيل نشاط مخ مريض لحظات وفاته

سجل علماء الأعصاب عن غير قصد دماغًا يحتضر أثناء استخدامهم لتخطيط كهربية الدماغ (EEG) لاكتشاف وعلاج نوبات الصرع لدى رجل يبلغ من العمر 87 عامًا، وقد أصيب بنوبة قلبية فجأة خلال إجراء التخطيط.

تم نقل المريض الذي لم يذكر اسمه إلى مستشفى فانكوفر العام في كولومبيا، وأخذ الباحثون تسجيلات EEG من دماغه قبل أن يتعرض في النهاية لسكتة قلبية قاتلة _تخطيط كهربية الدماغ-EEG هو طريقة لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ يتضمن أقطابًا كهربائية موضوعة على طول فروة الرأس.

قام الباحثون بقياس 900 ثانية من نشاط الدماغ في وقت قريب من الوفاة، ووضعوا تركيزًا محددًا للتحقيق في ما حدث في 30 ثانية قبل وبعد توقف القلب عن النبض. نشر الباحثون نتائج هذه القراءات في مجلة Frontiers in aging neuroscience في يوم الثلاثاء الماضي، ولفهم نتائج هذه الدراسة دعونا أولًا نفهم ما هي موجات الدماغ؟

ما هي موجات دماغ الإنسان؟

يتكون دماغ الإنسان من أعداد هائلة من العصبونات، وبينما أنت جالس أو نائم أو حزين أو جائع، وحتى عند قراءتك لهذا المقال تتواصل العصبونات مع بعضها البعض عن طريق إرسال الرسائل في شكل نبضات كهربائية، ويتم إنتاج الموجات الدماغية بواسطة هذه النبضات الكهربائية المتزامنة، وبالتالي يؤدي الدماغ وظائفه.

يتم الكشف عن الموجات الدماغية باستخدام أجهزة استشعار موضوعة على فروة الرأس تعرف ب EEG.

إنه تشبيه مفيد للتفكير في الموجات الدماغية على أنها نغمات موسيقية، فالموجات منخفضة التردد تشبه إيقاع الطبول عميقة الاختراق. في حين أن الموجات الدماغية ذات التردد العالي تشبه إلى حد كبير الفلوت عالي النبرة. ومثل السمفونية ترتبط الترددات الأعلى والأدنى وتتماسك مع بعضها البعض في تناغم وتوافق.


تتغير موجات دماغنا وفقًا لما نقوم به وما نشعر به. عندما تكون الموجات الدماغية الأبطأ هي السائدة يمكن أن نشعر بالتعب، أو البطء، أو الكسل، أو الحلم، وتكون الترددات الأعلى هي السائدة عندما نشعر بالنشاط و باليقظة المفرطة.

هذه الأوصاف ليست سوى أوصاف عامة، فالأشياء أكثر تعقيدًا من الناحية العملية. وتعكس الموجات الدماغية جوانب مختلفة عندما تحدث في مواقع مختلفة في الدماغ.

تقاس سرعة الموجات الدماغية بالهرتز، وهي مقسمة إلى نطاقات تحدد الموجات البطيئة والمعتدلة والسريعة.

بالإضافة إلى الموجات الدماغية تحت المنخفضة والتي لا زالت غير مفهومة هناك مجموعة موجات دماغية معروفة مثل:


1. موجات دلتا

الموجات الدماغية من دلتا هي موجات دماغية بطيئة وصاخبة (تردد منخفض ومخترق بعمق مثل إيقاع الطبلة). تتولد في التأمل العميق، والنوم بلا أحلام. موجات دلتا توقف الوعي الخارجي، وتعتبر مصدرًا للتعاطف.

2. موجات ثيتا

تحدث موجات ثيتا الدماغية غالبًا أثناء النوم، ولكنها أيضًا مهيمنة في التأمل العميق. ثيتا هي بوابتنا للتعلم والذاكرة والحدس. في ثيتا تُسحب حواسنا من العالم الخارجي، وتركز على الإشارات الصادرة من الداخل. إنها الحالة التي عادة ما نختبرها بشكل عابر فقط عندما نستيقظ أو ننجرف إلى النوم.

3. موجات ألفا

تسود موجات ألفا الدماغية أثناء تدفق الأفكار بهدوء، وفي بعض حالات التأمل. ألفا هي “قوة الآن” ومسؤولة عن كونك هنا في الوقت الحاضر. وهي حالة الراحة للدماغ، وتساعد على التنسيق العقلي الشامل، والهدوء، واليقظة، والتعلم.

4. موجات بيتا
تهيمن موجات بيتا الدماغية على حالة اليقظة الطبيعية من الوعي عندما يتم توجيه الانتباه نحو المهام المعرفية والعالم الخارجي.

بيتا هو نشاط سريع موجود عندما نكون في حالة تأهب، أو يقظين، أو منخرطين في حل المشكلات، أو إصدار الأحكام، أو اتخاذ القرار، أو النشاط العقلي المركّز.

5. موجات جاما

موجات جاما الدماغية هي أسرع موجات الدماغ (عالية التردد مثل الفلوت)، وتتعلق بالمعالجة المتزامنة للمعلومات من مناطق الدماغ المختلفة. تمرر الموجات الدماغية غاما المعلومات بسرعة وبهدوء.

من أكثر ترددات الموجات الدماغية دقة، ويجب أن يكون العقل هادئًا للوصول إليها. تم رفض فكرة أن جاما مجرد ضوضاء دماغية احتياطية عندما اكتشف الباحثون أنها نشطة للغاية في حالات الحب العالمي، والإيثار، و الفضائل العليا، وخلال استرجاع الذكريات.

صورة توضح أشكال الموجات الدماغية

ماوجده الباحثون خلال أول تسجيل موجات الدماغ خلال الاحتضار

البصمة العصبية الفسيولوجية لنشاط الدماغ بعد السكتة القلبية وأثناء تجربة الاقتراب من الموت (NDE) ليست مفهومة جيدًا. على الرغم من الافتراض بأن حالة نشاط الدماغ ستكون منخفضة عندها إلا أن الدراسات التجريبية على الحيوانات أظهرت زيادة النشاط بعد السكتة القلبية خاصة في موجات جاما الناتج عن زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون قبل توقف تدفق الدم الدماغي بعد السكتة القلبية.

مثلما قلنا سابقًا إن هذه الدراسة الجديدة تقدم أول تسجيل تخطيط كهربية الدماغ المستمر (EEG) من دماغ بشري يحتضر. حيث استدعى فيها الفريق متعاونين دوليين لتحليل تسجيلات دماغ المريض قبل 30 ثانية من توقف قلبه عن النبض وبعده. ووجدوا أن موجات الدماغ تظل نشطة ومنسقة أثناء الانتقال إلى الموت وحتى بعده. كان هناك نوعان من الموجات الدماغية الأكثر نشاطًا: موجات جاما، والتي ترتبط بشكل خاص بالحلم واسترجاع الذاكرة. وموجات ألفا التي ترتبط بمعالجة المعلومات في القشرة البصرية – يعتقد الفريق أن هذا قد يشير إلى “وميض الحياة أمام عينيك” في اللحظات التي تسبق الموت.

يقول مؤلفو الدراسة إن هذه البيانات قد تظهر دماغًا يحتضر يستعيد ويتخيل الذكريات، وأنه ربما يكون الدماغ يسترجع أخيرًا أحداث الحياة المهمة قبل موتنا مباشرة على غرار تلك التي تم الإبلاغ عنها في تجارب الاقتراب من الموت.

على الرغم من تأثير إصابة الخلايا العصبية وتورمها على نتائج الدراسة، فإن بيانات هذه الدراسة تقدم الدليل الأول من دماغ الإنسان المحتضر في بيئة إكلينيكية غير تجريبية. وتدعو إلى أن الدماغ البشري قد يمتلك القدرة على توليد نشاط منسق خلال الفترة القريبة للوفاة وبعدها، وربما تتحدى فهمنا لماهية الموت تمامًا وهل يحدث بتوقف القلب، أو توقف نشاط الدماغ؟

ما يمكن استنتاجه من خلال هذه الدراسة؟

على الرغم من إنها المرة الأولى التي يتم فيها تسجيل موجات الدماغ عند الاحتضار، وإن تحليل نتائجها توافق مع الدراسات على القوارض، وكانت متوافقة كذلك مع الأدلة القصصية للتجارب القريبة من الموت؛ إلا أنه لا يمكن تعميم هذه النتائج لفهم الأنماط النموذجية لنشاط الدماغ أثناء الموت، هناك العديد من المحاذير التي يجب أخذها في الاعتبار.

أولاً: أحد الاعتبارات المهمة هو أن دماغ المريض بعد الصدمة كان يعاني من نزيف وتورم ونوبات صرع. يمكن أن تؤثر إصابات الدماغ الرضية (TBI) وتلف المادة البيضاء على نشاط الدماغ الإيقاعي. ثانيًا: كان هذا المريض تحت التخذير، ومن الممكن أن يؤدي فقدان الوعي الناجم عن التخدير إلى تغيير التذبذبات العصبية بما في ذلك موجات ألفا، وزيادة تزامن تذبذبات جاما. ثالثًا: ترتبط الأدوية الانفصالية التي أخذها المريض بزيادة في تزامن جاما. رابعًا: تم وضع المريض على جرعات كبيرة من الأدوية المضادة للاختلاج المستخدمة لعلاج نوبات الصرع، والتي يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على نشاط الشبكة العصبية. خامسًا: لم يسجل من قبل أي نشاط طبيعي باستخدام مخطط كهربية الدماغ خلال الاحتضار. وبالتالي لا يوجد أساس حقيقي للمقارنة وكذلك لا نستطيع تعميم النتائج من خلال دراسة واحدة على شخص واحد.

في الخلاصة ربما تكون رحلة الموت فعلًا عبارة عن استدعاءً للحياة، ويواجه دماغنا هذا الحدث عن طريق استرجاع ذكرياتنا وتفاصيل حياتنا من قبل، ولكن لا يمكن لهذه الدراسة أن تؤكد ذلك وإن كانت قربتنا من هذه الاحتمالية أكثر، أما ما يجعل هذه الدراسة فريدة فهو صعوبة تكرارها.

بالإضافة إلى الصدفة تقود الأطباء لتسجيل نشاط مخ مريض لحظات وفاته اقرأ ايضًا: كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا؟

مصادر الصدفة تقود الأطباء لتسجيل نشاط مخ مريض لحظات وفاته:
1. frontiersin.org
2. popsci.com
3. brainworksneurotherapy.com

تأثير المرجعية الذاتية، كيف يشكل الدماغ تصوراتنا الذاتية؟

يسجل الدماغ كل التجارب التي نتعرض لها خلال حياتنا ويكوّن من خلالها معرفتنا لأنفسنا؛ وذلك من خلال ربط آلاف الخلايا العصبية مع بعضها. يبدو الأمر داخل أدمغتنا مثل حاسوب دائم التحديث للمعلومات، حيث أنه يحتفظ بصور ذهنية عن ذواتنا في الحاضر. وللذاكرة دور كبير في ثبات هويتنا الأساسية.

لا سيما أننا نستطيع الرجوع للماضي في أدمغتنا من خلال الذكريات، ونسافر إلى المستقبل من خلال تخيلاتنا للغد. كيف يشكل الدماغ تصوراتنا الذاتية؟

ما هي المناطق المسؤولة في الدماغ عن معرفتنا لأنفسنا؟

نشرت مجلة (SCAN) دراسة كشف فيها الباحثون قدرة إحدى المناطق الموجودة في الدماغ على تربيط معرفتنا لأنفسنا في الحاضر والمستقبل. وأن الإصابات في تلك المنطقة تتسبب قصور في تصورنا عن ذواتنا. وتسمى هذه المنطقة قشرة الفص الجبهي البطني (VMPFc). تعد هذه المنطقة هي المسؤولة عن تصوراتنا لأنفسنا وتثبيت الزمن المتعلق بهذه الصورة في دماغنا.

لاحظ اختصاصيو علم النفس أن عقولنا تعالج المعلومات المتعلقة بذواتنا على نحوٍ مختلف عن معالجتها للتفاصيل الأخرى. كما يتم استدعاء الذكريات التي تشير إلى الذات غالبًا بطريقة أسهل من أشكال التذكّر الأخرى في أدمغتنا. حيث تعتمد هذه الذكريات على «تأثير المرجعية الذاتية_SRE» الذي يمنح المعلومات المتعلقة بذواتنا امتيازًا خاصًّا.

كما وجد المختصون أن الذكريات المرتبطة بذواتنا تتميز عن الذكريات المتعلقة بأحداث محددة والذاكرة الدلالية التي ترتبط بمعرفتنا العامة.

وهكذا يصبح تأثير المرجعية الذاتية وسيلة لفهم الدور الذي تؤديه العمليات في الدماغ في صياغة معرفتنا لأنفسنا. حيث استعانت بعض الأبحاث بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). حيث يمكن للباحثين قياس تدفق الدم بوصفه مقياسًا لنشاط الدماغ؛ وذلك لتحديد مناطق الدماغ التي تتنشط بسبب تأثير المرجعية الذاتية. وقد وجدت هذه الدراسات أن قشرة الفص الجبهي البطني مرتبطة بعملية التفكير في الذات.

تنقسم قشرة الفص الجبهي البطني إلى قسم علوي يسمى المنطقة الخارجية، وقسم سفلي يسمى المنطقة البطنية. تساهم المنطقتين في صياغة كافة أشكال التفكير المتعلقة بمعرفتنا بأنفسنا. يساهم كلاهما في صياغة أشكال التفكير المرتبطة بذواتنا؛ تقوم المنطقة الخارجية بوظيفة التمييز بين الذات والآخرين. كما أنها مرتبطة بأداء المهمات المختلفة؛ في حين يساهم القسم البطني في التعامل مع العواطف.

ماذا يحدث لتصوراتنا عن ذواتنا عند إصابة (VMPFc)؟

درس الباحثون في الدراسة السابقة حالات سبعة أشخاص ممن تعرضوا لإصابات في قشرة الفص الجبهي البطني. ومجموعة أخرى من ثمانية أشخاص لديهم إصابات في أجزاء أخرى من الدماغ، بالإضافة إلى 23 شخصًا سليمًا لا يعانون من أي إصابات في الدماغ. كان الهدف من الدراسة معرفة إن كانت المرجعية الذاتية تتأثر بشكل أكبر بإصابة الدماغ بشكل عام أم بإصابة قشرة الفص الجبهي البطني.

وقد خضع جميع المشاركين في الدراسة لاختبار عصبي نفسي شامل لمعرفة مدى قدرتهم على الخضوع لمجموعة من الاختبارات المعرفية. وتتضمن الطلاقة اللغوية والذاكرة المكانية قصيرة المدى. طلب الباحثون من المشاركين تحديد مجموعة من الصفات يرونها في أنفسهم وكذلك مجموعة من الصفات يرون بها أحد المشاهير في كلٍ من الوقت الحاضر وبعد مرور عشرة أعوام. وكان على المشاركين في وقت لاحق استدعاء هذه الصفات كاملة.

اكتشف الباحثون أن الأشخاص المصابين بإصابات أخرى في الدماغ تمكنوا من استدعاء عدد من الصفات المرتبطة بذواتهم في الحاضر والمستقبل أكبر من عدد الصفات المرتبطة بالمشاهير؛ وأن تأثير المرجعية الذاتية يشمل الذات المستقبلية والذات الحالية. إذ كان الأشخاص الذين لديهم إصابات في الدماغ أقل قدرةً من المشاركين الأصحاء على استدعاء التفاصيل المتعلقة بذواتهم المستقبلية.

جاءت نتائج الاختبارات التي أجراها الباحثون على الأشخاص الذين لديهم إصابة في قشرة الفص الجبهي البطني مختلفةً اختلافًا واضحًا. إذ أظهرمن لديهم إصابات في هذه المنطقة قدرة ضئيلة أو معدومة على تذكر صفاتهم وصفات المشاهير في الحاضر والمستقبل بالمقارنة ببقية المشاركين. كما كان هؤلاء الأشخاص أقل إيمانًا بقدرة الفرد على امتلاك سمات معينة بالمقارنة بالمشاركين الآخرين في الدراسة.

يمكن أن تساعدنا إصابات الدماغ على فهم وظيفة تلك المنطقة من الدماغ. كما توضح هذه الدراسة العلاقة بين إصابة قشرة الفص الجبهي البطني وتغير الشخصية وتبلد العواطف والكثير من التحولات في الوظائف العاطفية؛ كما توضح الدراسة أيضًا أن إصابة هذه المنطقة تؤدي إلى حدوث ذكريات كاذبة يسردها الأشخاص على أنها حدثت بالفعل بسبب خلل في آليات استعادة الذكريات وتتبعها. 

كيف تؤثر إصابة الدماغ على حاضرنا ومستقبلنا؟

طلب الباحثون من المشاركين التفكير في ذواتهم في الماضي؛ لكن قشرة أمام الفص الجبهي البطني لم تسجل أي نشاط أكثر من الذي سجلته عند التفكير في شخص آخر. وهكذا، يبدو أن ذواتنا الماضية غريبة على أنفسنا، كما لو كانت تخص أحد آخر. وقد قدم الباحثون تفسيرًا لهذه الحالة حيث أننا عند إدراك أي عيب في سلوكنا أو ذواتنا القديمة يجعلنا نميل إلى وضع مسافة بين الحاضر والماضي.

تضم القشرة الأمامية الجبهية شبكة تساهم في عملية التخطيط للمستقبل. وتتألف هذه الشبكة من الحُصين الذي يؤدي دور مهم في تشكيل الذاكرة العرضية التي تجعلنا نتكر أحداث حياتنا بتتابع زمني صحيح. والتأثير على نشاط الحُصين يؤدي إلى تغيير التخيلات الإبداعية والمستقبلية.

من الواضح أن التفكير المستقبلي قد أدى دورًا مهمًّا في تطور البشر؛ إذ من المحتمل أن تكون تلك القدرة قد أسهمت في تطور اللغة. كما أن لها دورًا رئيسيًّا في تحقيق التواصل بين البشر.

وبفضل هذه الأبحاث الجديدة أصبح لدينا الآن فكرة أفضل من أي وقت مضى عن المكان الذي تتشكل فيه هذه القدرة المحورية داخل الدماغ.

المصادر:

  1. scientific american

مدخل إلى الأنثروبولوجيا: النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا من النظريات التي برزت في خمسينات القرن العشرين، وتعد من المدارس الهامة في مجال الأنثروبولوجيا. بُنيت هذه النظرية على آراء المفكر كلود ليفي شتراوس، التي تقول بأن للمجتمعات بنى أصغر حجمًا تشكل مجتمعة المجتمع بكليته وعناصره.

نشأة النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

نشأت النظرية البنيوية على يد كلود ليفي شتراوس في خمسينيات القرن العشرين، متأثرًا بالعديد من المفكرين والفلاسفة منهم هيغل. وأخذ العديد من الأفكار من علم اللغة البنيوي، ومنها أفكار فرديناند دي سوسور الذي جادل بأن علماء اللغة بحاجة إلى تجاوز أفعال الكلام الفردية والتوصل إلى فهم أوسع للغة. طبق ليفي شتراوس هذه النظرية في بحثه عن البنى العقلية الكامنة وراء أفعال السلوك البشري. فكما المتحدثين بلغة يتحدثونها بالرغم من جهلهم بالقوعد، فإن البشر يعيشون حياتهم دون إدراك طريقة عمل البنى الاجتماعية في حياتهم اليومية. [1]
ركزت البنيوية على كيفية تحديد السلوك البشري من خلال البنى الثقافية والاجتماعية والنفسية. أي أن الأشياء لا يمكن فهمها بمعزل عن غيرها، بل يجب رؤيتها في سياق الهيكل الأكبر أو البنية الكاملة للمجتمع. ولا توجد هذه الهياكل الكبرى في المجتمع من تلقاء نفسها إنما تتكون من خلال إدراكنا للعالم. [5]

افتراضات النظرية البنيوية

تأثرت النظرية البنيوية بمدارس الظواهر والجشتالت في علم النفس. اقترح ليفي شتراوس أن التركيز للدراسات الأنثروبولوجية يجب أن يكون على الأنماط الأساسية للفكر البشري التي تنتج الثقافات التي تنظم بدورها وجهات النظر العالمية. واعتقد أن هذه العمليات لا تحدد الثقافة وإنما تعمل بداخل هذه الثقافة. وأكد المنهج البنيوي أن عناصر الثقافة يجب أن تفهم من حيث علاقتها بالنظام بأكمله. أي أن الكل أكبر من الأجزاء، وعناصر الثقافة ليست تفسيرية في حد ذاتها، لكنها تشكل جزءًا من نظام ذو معنى. [2]

مفهوم البنية في المجتمع

المفهوم الأساسي للبنية هو أن جميع أنشطة البشر في المجتمع مبنية وليست طبيعية أو تلقائية. تميل البنيوية إلى التصنيف العلمي، وتقترح في ذلك علاقة متبادلة بين الوحدات أو ظواهر السطح وبين القواعد أو الطرق التي عن طريقها يتم تجميع الوحدات. يعتقد أنصار هذه النظرية أن البنى الأساسية التي تنظم القواعد والوحدات في أنساق ذات معنى يتم إنشاؤها عن طريق العقل البشري وليست عن طريق الإدراك الحسي. وتحاول البنيوية تقليل تعقيد التجارب البشرية وإرجاعها إلى بنى أساسية معينة تعمم على كافة المجتمعات. [3]
يكمن تعريف البنية على أنها أي نظام مفاهيمي له ثلاث خصائص وهي:
1- الكمال، أي أن النظام يعمل ككل.
2- التحويل، النظام ليس ثابتًا.
3- التنظيم الذاتي، أي أن الهيكل الأساسي يكون ثابت.

نظام القرابة

تتمحور نظرية ليفي شتراوس عن موضوع القرابة أن مجموعات القرابة القبلية عادة ما توجد في أزواج، أو في مجموعات ثنائية تعارض بعضها بعضًا، ولكنها بحاجة لبعضها في نفس الوقت، كما أضاف أن الطرق التي صنف بها الناس في البداية الحيوانات والأشجار كانت مبنية على سلسلة من التناقضات. [4]
وصف الحكايات الشعبية لأمريكا الجنوبية القبلية بأنها مترابطة من خلال سلسلة من التحولات، حيث يكون هنام تحول معاكس في الحكايات إلى نقيضها في حكايات أخرى. ويرى أن هذه الأضداد هي رمز للثقافة الإنسانية والتي عن طريق الفكر والعمل تتحول إلى أدوات مادية للقبيلة. [2] [4]
تعكس الهياكل الاجتماعية المعرفية التعامل مع الأنماط في التفاعل الاجتماعي وتكون مظهر لها، وتسعى البنيوية إلى تحديد روابط بين بنى الفكر والبنى الاجتماعية. طرح موس الهدية كمثال وجادل بأن الهدايا ليست مجانية، بل تلزم المتلقي بأن يردها بالمثل. وأشار إلى أن الهدايا ليست أشياء مادية فقط، وإنما لديها خصائص ثقافية وروحية. ومن هذا انطلق شتراوس بأن التبادل هو الأساس العالمي لأنظمة القرابة، التي تعتمد بنيتها على نوع قواعد زواج معينة، وسمي النموذج الخاص بليفي شتراوس لأنظمة القرابة باسم نظرية التحالف. [4]

نظام الزواج

وضح ليفي شتراوس في نموذجه أنظمة الزواج بين أبناء العم، وتبادل الأخت، وقواعد الزواج الخارجي. أشار إلى أنه مع الوقت تشكل قواعد الزواج بنى اجتماعية، أي أن كل نظام زواج يخلق علاقة مدين ودائن يجب موازنتها من خلال التزويج على الفور أو في الجيل التالي. وناقش فكرة تبادل النساء بين القبائل بأن محركها الأساسي كان أن فكرة سفاح القربى محرمة شمن الأسرة أو القبيلة بالتالي لجأت القبائل لتبادل النساء. واكتشف أن مجموعة كبيرة من الثقافات غير المرتبطة ببعضها لها قانون يقتضي بتزويج أبناء العم أي أطفال الأشقاء من الجنس الآخر. وقام وفقًا لذلك بتجميع أنظمة القرابة في مخطط يحتوي على ثلاثة هياكل قرابة أساسية تم إنشاؤها من نوعين من التبادل. أطلق على تراكيب القرابة أولية، شبه معقدة، ومعقدة. [4]

العلماء المؤسسون للنظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

من رواد البنيوية كلود ليفي شتراوس الذي أسسها، والعلماء الذين شاركوا في تطويرها تيرينس هوكز وروبرت سكولز. وفي ستينات القرن الماضي نذكر من العلماء تشارلز موريس ونعوم تشومسكي.

كلود ليفي شتروس

عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي ومؤسس هذه النظرية والعالم الرئيسي الذي ساهم فيها، طبق النظرة البنيوية على الظوهر الثقافية مثل الأساطير وعلاقات القرابة، كما طبق مبادئ اللغة في بحثه عن البنى العقلية الأساسية للعقل البشري. قام بتقسيم الأساطير إلى إلى وحدات صغيرة ذات معنى أطلق عليها اسم mythemes. وبرأيه، يمكن فهم كل ثقافة من حيث التعارضات الثنائية الموجودة فيها وهي فكرة استمدها من فلسفة هيجل. وأظهر أن التناقضات ستتصارع فيما بينها، وسوف يتم حلها في قواعد الزواج والأساطير والطقوس الخاصة بالمجتمع. [2]

فرديناند دي ساسور

عالم لغويات سويسري، أثر عمله في علم اللغويات وعلم الأحياء بشكل كبير على ليفي شتراوس، ويعتبر أنه من الأباء المؤسسين لعلم اللغويات في القرن العشرين. [3]

مارسيل موس

عالم الاجتماع الفرنسي، قام بتدريس ليفي شتراوس وأثر في تفكيره حول طبيعة المعاملة بالمثل والعلاقات البنيوية في الثقافة. [3]

ميشيل فوكو

فيلسوف اجتماعي فرنسي، ارتبطت أعماله بالفكر البنيوي وما بعد البنيوي، كتب إلى حد كبير عن قضايا السلطة والهيمنة في أعماله، تأثر بالفكر البنيوي لكنه لم يعد نفسه عالمًا بنيويًا تمامًا ورفض هذه التصنيفات. [3]

الانتقادات التي وجهت للنظرية

مع ظهور الفكر التفسيري لما بعد الحداثة تراجعت النظريات البنيوية والوظيفية. وذلك بسبب عدم اتساقها الداخلي ومجموعة من القيود أضعفت هذه النظرية. ومن المآخذ على هذه النظرية تركيزها المفرط على العلاقات القبلية وعلاقات القرابة. وأشار نقاد هذه النظرية إلى أن هناك نقاط ضعف في أساليب ليفي شتراوس.وذلك بسبب بحثه عن بنى مثالية الذي دفع به إلى إهمال واقع وتعقيدات الممارسات الفعلية، فليست جميع القبائل معتمدة على نظام مبادل الزواجات. كما أن التماسك الاجتماعي لا يتم بشكل رئيسي في تبادل النساء كزوجات. إن ليفي شتراوس طور مفهومًا للبنى الفكرية ولكنه ببساطة افترض وجودها افتراضًا. [2]

الأبوة والأمومة والعلم

توقع طفل جديد هو حالة من الفرح والإثارة العظيمة، لكنها تُمثل بعض القلق للآباء والأمهات. فتحمل الشهور التسع للحمل الكثير من مشاعر القلق والرهبة والخوف من فكرة تحمل مسئولية رعاية وتربية و تنشئة فرد جديد. لنعتبر أن تلك الفترة فرصة لنمو طفلك الأول، وفرصة لتمنحك وقتًا لإعداد نفسك وحياتك لواحد من أكبر التغيرات و الاضطرابات التى قد تواجهها على الإطلاق. فلنبدأ بوضع الأبوة والأمومة في ميزان العلم حتى نُلم بأهم المؤثرات التي تؤثر على عملية التنشئة من حيث كونها بيئية أم جينية؟

العلوم والأبوة والأمومة

يمكن أن يبدو العلم والأبوة والأمومة وكأنهما عالمان منفصلان، ولكن من خلال بعض الملاحظات الدقيقة، يمكن للمرء أن يكتشف أن هناك الكثير من أوجه التشابه.  فكر في الأمر، العلم يدورحول الاستجواب و الإثبات والتحليل وحل الشكوك والمجهول في الحياة. ولا يوجد هناك تجربة تمتلىء بالشكوك والأمور المجهولة كما الأبوة والأمومة. فيمكن للعلم أن يساعد في إعداد الآباء لهذا التغيير الكبير في الحياة، حتى يتمكنوا من تجربة المزيد من المتعة في تلك العملية وتقليل الضغط، كما يمكنه المساعدة في كيفية الاستعداد عاطفيًا لطفل جديد، وكيفية مساعدة الأشقاء الأكبر سنًا على التكيف مع أخ أو أخت جديدة، وأكثر من ذلك.

التنشئة مقابل الطبيعة

عبر مجموعة واسعة من الدراسات، غالبًا ما يستنتج الباحثون أن البيئة المنزلية وتربية الأطفال مرتبطة ارتباطا سببيًا. في المقابل، تظهر الدراسات الجينية السلوكية أن الآباء يؤثرون على أطفالهم من خلال تزويدهم بالبيئة والجينات، مما يعني أن البيئة التي يوفرها الآباء لا ينبغي اعتبارها في غياب التأثيرات الوراثية، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات خاطئة حول السببية.

فمعظم الآباء يقضون ساعات متباينة في اتخاذ القرارات بشأن البيئة التي يوفرونها لأطفالهم. الأدب العلمي يعكس هذه الفكرة. عبر مجموعة واسعة من الدراسات من العديد من المجالات النفسية، كثيرًا ما يستنتج الباحثون أن الآباء والأمهات في البيئة يقدمون نتائج الأطفال مرتبطة سببيًا، من خلال الانتقال البيئي. فعلى سبيل المثال، لفت انتباهنا في دراسة أجريت لفحص ارتباط وجود مكتبة منزلية كمراهقة ولاحقا للبالغين في مجال الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والمهارات التكنولوجية.

واستخدمت هذه الدراسة مجموعة بيانات غنية للغاية ومزودة بالطاقة، ووجدت ارتباطاً بين عدد الكتب في بيوت المراهقين وأداء محو الأمية في مرحلة البلوغ. وخلصوا إلى أن “النمو مع المكتبات المنزلية يعزز مهارات الكبار”، مما يستنتج وجود صلة سببية. وهنا نناقش كيف أن العلاقة المتبادلة بين البيئات التي يوفرها الآباء، و “بيئة التنشئة” ونتائج أطفالهم قد تكون ناجمة تمامًا عن ارتباط سببي، أو أكثر أهمية، قد تكون ناجمة جزئيًا أو كليًا أيضًا عن خلط وراثي، وبعد تسليط الضوء على المشكلة، يقترح العلم سبلاً تُمكن علماء علم النفس من دراسة المسائل البحثية المتصلة ببيئة تربية الأطفال ونتائج الأطفال بطرق تفسرأو على الأقل تعترف  بالخلط الجيني.

السيطرة الجينية والتعرض للبيئة

علم الوراثة السلوكي

علم الوراثة السلوكي هو دراسة الاختلافات النفسية بين الأفراد وكيفية خلق العوامل الوراثية وغير الوراثية لتلك الاختلافات.  سعى الباحثون في علم الوراثة السلوكي إلى تحديد مدى إمكانية تفسير مختلف الاختلافات المحددة في سلوكيات الناس وصفاتهم بالاختلافات في شفرتهم الوراثية. فيرسم المسار من جينات المرء إلى الشخص في الواقع.  فالمزيد من العلم حول قوة الجينات له تأثيرات على فهم الأمراض العقلية والاختلافات النفسية بين الأفراد، فضلاً عن الآثار النفسية للعوامل غير الجينية.

تظهر عقود من العمل من علم الوراثة السلوكي أن سمات الأطفال تتأثر بالتأثيرات الوراثية والبيئية، والأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لمعظمها هو أن التأثيرات الجينية كثيرًا ما ينظر إليها على أنها مقاييس البيئة، مما يشير إلى أن السياقات المحيطة بالأطفال تقع جزئيا تحت السيطرة الجينية. فعلى سبيل المثال ، وجد التحليل الفوقي وجود دعم تراكمي للتأثيرات الجينية على الأطفال الذين تلقوا تعليمهم، بمعنى أن هناك تأثير وراثي على التعرض للبيئات  تسمى العلاقة بين الجينات والبيئة. ويصف الترابط بين الجينات والبيئة  بالعملية التي يؤثر بها النموذج الجيني للشخص على تعرضه للبيئة.

ليست الحالة أن الجينات تفعل ذلك مباشرة، ولكن بدلًا من ذلك تصبح النماذج الجينية مهمة لجوانب من شخصيتنا، سلوكنا وإدراكنا، والتي بعد ذلك تؤثر على كيفية تفاعلنا مع بيئتنا وكيفية تفاعل الآخرين معنا. ولا يقتصر مفهوم تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به عن قصد وديناميكية على علم الوراثة السلوكي.

علم الوراثة والسلوك

قد يبدو واضحًا أن الجينات التي يرثها الناس من والديهم ويشاركونها مع أشقائهم لها تأثير على السلوك والمزاج. وكثيرًا ما يكون الأفراد أكثر تشابهًا في طائفة متنوعة من الطرق لأفراد الأسرة المباشرين من الأفراد الأبعد منهم، أو غير الأقارب. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من الاختلافات الملحوظة داخل الأسرأيضًا. وقد استخدم العلماء مجموعة من الأساليب للتدقيق في كيفية ومدى تفسير الاختلافات الوراثية للاختلافات النفسية.

الجينات والسلوك

يستخدم العلماء أساليب متخصصة لاستكشاف الروابط بين الجينات  والفروق الفردية. الدراسات التي أجريت على التوائم الذين إما لديهم جينومات متطابقة أو لا لديهم تسمح بتقديرات درجة تحريك الجينات للتباين في الصفات النفسية. كما استخدمت أساليب أخرى مثل دراسة الأطفال المتبنين وآبائهم بالتبني أو بيولوجيًا. برزت دراسات الارتباط على نطاق الجينوم كنهج رئيسي في علم الوراثة السلوكي. يستخدم نظام المعلومات الجغرافية الاختبارات الجينية لتحديد العديد من الاختلافات الجينية بين العديد من الأفراد. ثم تحليل الارتباط بين هذه الاختلافات وسمات الشخصية أو النتائج الأخرى.

العلاقة بين الجينات والبيئة

على وجه التحديد، هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين الجينات والبيئة التي يمكن أن تؤدي إلى التشابك الجيني:\

أولا- الارتباط الجيني – البيئي السلبي

يصف هذا الارتباط بين النمط الجيني الذي يرثه الطفل من والديه والبيئة التي يربي فيها الطفل. وهناك طريقة أخرى للتفكير في ذلك، وهي أن الجينات هي متغير ثالث يؤثر على كل من بيئة التنشئة التي يتلقاها الطفل فضلًا عن صفاته الخاصة، عن طريق انتقال الجينات من الآباء إلى الأطفال. وهذا يعني أنه لا يمكن استخلاص استنتاجات سببية بين بيئة التربية وسمات الأطفال.

ثانياً-  الترابط الجيني – البيئي

وهو عندما تقوم سمة الشخص المؤثر وراثيًا بتحفيز أو إثارة استجابة محددة من الآخرين في البيئة. على سبيل المثال، وُجد أن جينات الشخص ترتبط بتقييمها على أنها -أكثر حبًا- من قبل الآخرين، مما يعني أن كيف يُنظر إليك الآخرون كشريك اجتماعي، ومن ثم التفاعل المحتمل معك، تتأثر بجيناتك!

ثالثا- الارتباط النشط بين الجينات والبيئة

وهو ارتباط صفات الشخص المؤثرة وراثيًا والبيئات التي تختارها، فعلى سبيل المثال، ترتبط سمة الشخصية المؤثرة وراثيًا في التنشئة الاجتماعية، التي تقاس في مرحلة الطفولة بالتعرض لبيئات محفوفة بالمخاطر. قد تصل إلى تعاطي المواد المخدرة في مرحلة المراهقة، إذ أن الأطفال ذوي التنشئة الاجتماعية المنخفضة يتعرضون لبيئات أكثر خطورة.

إن الثلاث أنواع لديهم القدرة على سحب المزيج الحقيقي من التأثيرات الجينية والبيئية التي تنتقل بين الآباء والأطفال (أي التشابك الجيني) ولكن من المفهوم أن الترابط بين الجينات والبيئة السلبية له تأثير أكبر في الطفولة.

اللغة مثالًا

فلنأخذ اللغة مثالًا، لتعلم لغة، يحتاج الرضيع إلى جينوم بشري واضح يجعلهم قادرين على لتعلم لغة بشرية، ولكنها تحتاج أيضا إلى التعرض لها. إلى الكلمات والجمل في بيئتهم .الحيوانات غير البشرية مثل الخنازير أو السناجب لن تتعلم اللغة أبدًا مهما تحدثنا معهم. وعلى نفس المنوال، الأطفال البشر الذين لا يتعرضون إلى اللغة في وقت مبكر من الحياة ينتهي بإعاقة عميقة. حتى العمليات البيولوجية الأساسية جدًا، مثل كيف تتطور العين في مرحلة الطفولة؟ تنطوي على تفاعلات معقدة بين الجينات والبيئة.

حتى وإن جادل بعض العلماء بأن اللغة قد تنشأ بالكامل بدون جينات أو بالكامل بدون مدخلات بيئية. فإننا قد نطرح سؤالًا أكثر حدة وتحديدًا، ما السبب في اختلافنا؟ نحن نختلف في الطول، نحن أيضًا نختلف في مقدار حديثنا، نختلف في شخصيتنا، نختلف في سرعة تعلمنا  وسرعة تأثرنا.

والسؤال  هنا هو ما هو السبب في هذا التباين؟ لماذا يميل البعض إلى التحدث كثيرًا والبعض الآخر لا يتحدث بنفس القدر؟

لماذا بعض الناس أكثر عنفًا وأكثر عرضة للغضب ؟ لماذا بعضنا أفضل في الرياضيات أو العلوم أو العزف على الجيتار؟

الإجابة بكل وضوح هي أن في كل شخص، تلعب كل من الجينات والبيئة دورًا في تطوير سماته.

وحتى عند الوصول إلى تلك الأرضية من الحقيقة، لا يزال بوسعنا أن نتساءل عما إذا كانت هناك اختلافات بين الناس بسبب الاختلافات الوراثية بينهم أو بسبب تجارب مختلفة كان لديهم. وكذلك الاختلافات بين الناس  فيما يتعلق ببعض السمات،

يعزى ذلك أساسًا إلى الاختلافات في علم الوراثة، أو أنها ترجع في المقام الأول إلى تجاربنا  المختلفة في الحياة؟

هذا السؤال هو الأكثر منطقية، فعلى سبيل المثال، سواء كنا نتكلم الفرنسية أو الإنجليزية نسبة 100 في المائة تحددها الاختلافات هي الخبرة و0 في المائة حسب الاختلافات في الجينات. ومن ناحية أخرى نعرف أن سمات مثل الذكاء أو العدوانية أو العصبية غير ممكنة بدون الجينات والتعرض لخبرات في العالم الخارجي. فاتضح أنه يمكننا دراسة ما يسبب الاختلافات بين الناس ولماذا بعض الناس أكثر عصبية أو عدوانية من الآخرين. عن طريق أساليب قوية طُورت من قِبل علماء الوراثة السلوكية.

وأخيرًا، هل يمكن للجينات أن تتنبأ بسلوك الشخص المستقبلي؟

ونظراً لأن علم الوراثة لا يشكل سوى جزء من الفروق النفسية بين الناس، فإن الاختبار الجيني لن يكون قادراً أبدًا على التنبؤ بسلوك الفرد. لكن يأمل بعض الباحثين في أن تعمل درجات المخاطر الجينية-PRS والتي توفر معلومات عن احتمالات حدوث نتائج معينة (مثل تطوير اضطراب عقلي) استنادًا إلى العديد من الاختلافات الجينية الصغيرة،  كأداة مفيدة لتقييم المخاطر في المجالات النفسية. إلا أن القدرة التنبؤية لهذه الدرجات محدودة حاليًا. وهناك قيود أخرى تدفع باحثين آخرين إلى التساؤل عن مدى فعاليتها في نهاية المطاف في التنبؤ بالنتائج النفسية.

المصادر

theguardian

cdc

nature

psychologytoday

مدخل إلى الأنثروبولوجيا: النظرية الوظيفية في الأنثروبولوجيا

الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان؛ هي الدراسة المنهجية لحياة الإنسان. ترجع أصولها إلى مراحل تاريخية قديمة لكنها لم تتبلور وتصبح علمًأ ممنهجًا إلا في القرن الماضي. تتعدد المدارس الفكرية في الأنثروبولوجيا ولعل أكثرها تأثيرًا هي المدرسة الوظيفية.

النظرية الوظيفية

تعد من أبرز المدارس التي أثرت في علم الإنسان والاجتماع، وحاولت فهم المجتمع من خلال ملاحظة وظيفة كل مكون في هذا المجتمع. وتبحث عن الوظيفة أو الجزء الذي تلعبه المؤسسة أو الفرد في النسق الاجتماعي لتحافظ على هذا النسق. بالتالي هي تعتبر المجتمع كنظام أو نسق تعمل كل أجزاءه معًا لتعزز تضامنه واستقراره. [1]

نشأة الوظيفية في الأنثروبولوجيا

نشأت النظرية الوظيفية كرد فعل على النظريات التطورية والانتشارية، وتعود جذورها إلى أعمال علماء الاجتماع مثل سبنسر ودوركهايم وكونت. وتبلورت في علم الإنسان في عشرينات القرن الماضي ولكنها تراجعت في الحرب العالمية الثانية بسبب التغيرات الثقافية التي سببتها الحرب. ولأنها لم توضح مفهوم التغيرات الاجتماعية استبدلت بنظريات تتعلق بالتغيرات الثقافية. [2]

مفهوم الوظيفة في المجتمع

تعد الوظيفية الثقافة كوحدة مترابطة وليست مجموعة من السمات المعزولة. وشبهت المجتمع بالإنسان، فكما لدى الإنسان أعضاء مختلفة تعمل بترابط لتحافظ على سلامته، كذلك المجتمع.
يدرس الوظيفيون كييف ترتبط مرحلة ثقافية معينة بجوانب أخرى من الثقافة. وكيف تؤثر على جوانب أخرى في الثقافة، أي تدرس السبب والنتيجة. كما يأخذ علماء الأنثروبولوجيا الترابط بين المجالات الثقافية المختلفة بعين الاعتبار عند تحليلهم للثقافات، مثلًا عند تحليل الروابط بين استراتيجيات المعيشة وتنظيم الأسرة والدين. [3]

المنهج المتبع في الوظيفية

يستند أسلوب الدراسة في الوظيفية على العمل الميداني والملاحظات المباشرة للمجتمع المدروس. يصف علماء الأنثروبولوجيا المؤسسات الثقافية المختلفة التي تشكل المجتمع، ويشرحون وظيفتها الاجتماعية، ومساهمتها في الاستقرار العام للنسق الاجتماعي . [3]

العلماء المؤسسون للوظيفية

بما أن الوظيفية نشأت في علم الاجتماع قبل علم الإنسان. فإن أهم منظريّ هذه المدرسة ومؤؤسيها هم من كبار علماء الاجتماع.

أوغست كونت

في محاولته لضبط منهجية علم الاجتماع حاول كونت إحياء بعض المقارنات التي أجراها الإغريق. وفلاسفة آخرون من عصره مثل هوبز وروسو، وذلك بتشبيه المجتمع بالكائن الحي. وبذلك ربط كونت بين علم الاجتماع والبيولوجيا. وبرأيه فإن المجتمع يشبه الكائن الحي الذي ينمو، ونتيجة لذلك يمكن فحص أجزائه ودراستها للحفاظ على النسق الاجتماعي. كما يؤكد كونت على وجود تطابق حقيقي بين التحليل الإحصائي للكائن الحي في علم الاجتماع، والكائن الحي في علم الأحياء. وذهب أبعد من ذلك في تحليله البنية الاجتماعية تشريحيًا لعناصر وأنسجة وأعضاء. وتعامل مع المنظومة الاجتماعية على أنها مؤلفة من العائلات التي هي عناصر أو خلايا، تليها طبقات اجتماعية التي عدها بمثابة الأنسجة. وأخيرًا المدن والتجمعات التي هي الإعضاء الكبيرة الحقيقية. [4]

هربرت سبنسر

استخدم سبنسر المماثلة العضوية لإنشاء شكل واضح من التحليل الوظيفي، ويرى أن المجتمع متشابه مع الكائنات الحية وكذلك العمليات البيئية مثل المنافسة والاختلاف والتطور المجتمعي. صور مفهوم الأنظمة العضوية الفائقة على أنها تكشف التشابه في مبادئ الترتيب مع الكائنات الحية. وقدم من خلال ذلك مفهوم المتطلبات الوظيفية أو الاحتياجات. ورأى أن هناك ثلاث متطلبات أساسية للأنظمة فائقة العضوية وهي: 1- الحاجة لتأمين الموارد وتعميمها.
2- الحاجة لإنتاج مواد قابلة للاستخدام. 3- الحاجة إلى تنظيم ومراقبة وإدارة أنشطة النظام. بالتالي فإن أي نظام اجتماعي يمتلك هذه الفئات الثلاثة، والهدف من التحليل الاجتماعي هو معرفة كيفية تلبية هذه الاحتياجات في الأنظمة الاجتماعية التجريبية. [4]

إيميل دوركهايم

يرى دوركهايم بأن التفسيرات الاجتماعية يجب أن تبحث بشكل منفصل عن السبب الفعال للظاهرة الاجتماعية والوظيفة التي تؤديها. لكنه عكس سبنسر، افترض شرطًا وظيفيًا واحدًا فقط وهو الحاجة للاندماج الاجتماعي، إذًا يتضمن التحليل الاجتماعي لدى دوركهايم تقييم أسباب الظواهر ونتائجها أو وظائفها لتلبية احتياجات الهيكل الاجتماعي. [4]

أهم العلماء المساهمين في تطوير الوظيفية في الأنثروبولوجيا

برانيسلاف مالينوفيسكي

اقترح أن الأفراد لديهم احتياجات فيزيولوجية والمؤسسات الاجتماعية تتطور لتلبية هذه الاحتياجات. كما هناك أربع احتياجات مشتقة ثقافيًا أساسية وهي الاقتصاد والرقابة الاجتماعية والتعليم والنظام السياسي. وهذه تتطلب أجهزة مؤسسية لكل منها موظفين وميثاق وأجهزة المادية. يعتقد أن الاستجابات النفسية الموحدة ترتبط بالاحتياجات الفيزيولوجية. وتلبية هذه الاحتياجات حولت النشاط المادي الثقافي إلى دافع مكتسب من خلال التعزيز النفسي. [4]
أحد الموضوعات التي درسها هي التمييز بين السحر والدين والعلم في المجتمع. وبرأيه كان العلم معرفة تجريبية وعقلانية، بينما السحر كان منطقيًا بمقدمات خاطئة بالرغم من أن الاثنان يستخدمان كأدوات لفهم الطبيعة. وشدد على أهمية السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية في سياقاتها الثقافية الملموسة من خلال الملاحظة المشاركة. واعتبر أنه من الأهمية النظر في الاختلافات الملحوظة بين القواعد والإجراءات؛ أي بين ما يقوله الناس وما يفعلونه في الحقيقة. ومن أهم مساهمات مالينوفسكي المفاهيمية كانت في مجالات القرابة والزواج مثل مفهوم الأبوة الاجتماعية. وفي السحر ولغة الطقوس والأساطير في دراسته للأسطورة كميثاق اجتماعي. [2]

ألفريد رادكليف براون

من الأباء المؤسسين للوظيفية المرتبطة بالبنيوية الوظيفية. ركز على دراسة مساهمة الظواهر في الحفاظ على البنية الاجتماعية، وركز بشكل خاص على أنظمة القرابة والنسب، واقترح أنها على الأقل في المجتمعات القبلية، تحدد طبيعة تنظيم الأسرة والسياسة والاقتصاد والعلاقات بين المجموعات. [2]

إدوارد إيفانز بريتشارد

تشمل أبحاثه العديد من المجموعات العرقية ودراسته لعدة قبائل مثل قبائل النوير، بالإضافة لعمله في التنظيم السياسي، حيث ساعد عمله على القرابة في تشكيل النظرية السياسية. أكد على ضرورة إدخال التاريخ في الدراسات الأنثروبولوجية الاجتماعية، ولكنه رفض فكرة الأنثروبولوجيا الاجتماعية كعلم واعتيرها تاريخًا مقارنًا. بالرغم من مساهمته في بشكل كبير في دراسته للمجتمعات الإفريقية، إلا أنه أهمل معاملة النساء كجزء من المجتمع ككل. على الرغم من أنه اتخذ منهجًا وظيفيًا إلا أنه تحول لاحقًا لنهج إنسانيّ. [2]

الانتقادات التي وجهت إلى الوظيفية

من أهم الانتقادات التي وجهت للوظيفية هي عجزها عن تفسير التغيير الاجتماعي. ولم تتمكن من تفسير عملية الصراع الاجتماعي، وأنها ذات طابع محافظ يحافظ على الوضع الراهن والقوة المهيمنة لطبقة النخبة، وأنها كانت تجريدية وغامضة في تفسيرها للعالم الحقيقي. من الطبيعي رؤية أن للمجتمع هياكل ووظائف حيوية ولكن ما هو غير منطقي افتراض أن الأنساق والأجزءا في هذا المجتمع هي الوحيدة التي يمكن إنشاؤها لتحقيق الأهداف التي تبتغي المحافظة على المنظومة الاجتماعية. [4]

أوبول شارون: ثمن الدخول لعالم الموتى

هذه المقالة هي الجزء 7 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

طالما أذهلت البشر فكرة ما بعد الموت، أين ستذهب أرواحنا؟ لقد حاول قدماء الإغريقيين تقديم وصفًا مميزًا لتصورهم عن رحلة ما بعد الموت، لكن الميت عليه أن يدفع رشوة لعبور النهر الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات. النهر الذي يحرسه شارون، فما هي رشوته؟

الموت في الميثولوجيا اليونانية

شارون وسايكه، لوحة للفنان جون رودام سبينسر
المصدر

المفهوم الإغريقي عن الحياة الآخرة ومراسم الدفن كان مبنيًا بشكل كبير على كتابات هوميروس، الذي وصف العالم السفلي في الإلياذة. اعتقد الإغريقيون بأن الروح “سايكه” تغادر الجسد بلفظ الشخص لآخر أنفاسه. لطالما اعتقدوا أن راحة الميت تعتمد على تذكر أقربائه له، وإحياء ذكره وإقامة طقوس دفن تليق به.
كانت قضية نسيان الأحياء للميت أمرًا شديد السوء في المجتمع الإغريقي، فالذكرى هي ما تجعل الميت ينعم بالسكينة في الحياة الآخرة. كما جسدت معظم شواهد القبور اليونانية افي الأكروبوليس، أو المتاحف، مشاهدًا طبيعية من حياة المتوفي، مثل رجل تقدم له زوجته الطعام، امرأة ترعى طفلها الرضيع، وذلك ليس إلا تذكيرًا للأحياء بأن الأموات لم يفنوا بعد، وإنما هم مستمرين في حياة ضبابية أخرى، وبهذا رأى الإغريق أنهم هزموا الموت بإبقاء الذكرى حيّة. [1]

مملكة هيديس، عالم الأموات

العالم السفلي في الأسطورة اليونانية مكان ضبابي، مظلم، ومخيف. مخبأ في أعماق الأرض، وخفيّ على الأحياء. تدخله الأرواح بعد خروجها من الجسد لتأخذ شكلًا يشبه الشخص الميت، ويرحل لعالم الأموات. تعد مملكة هيديس النقيض التام لجبل أوليمبوس، جبل الآلهة العظمى التي يحكمها زيوس وتمثل النور، بينما هيديس الظلام.
يحكمها سيد الأموات، الإله “هيديس” وهو شقيق الإله الأعظم في الميثولوجيا اليونانية “زيوس”، الذي نُفي إلى العالم المظلم وأصبح سيدًا للظلال والموتى. سُميت مملكته باسمه، ويُشار لهيديس كأنها الجحيم. حكمها هيديس وزوجته بيرسفوني. [2]

مملكة هيديس أو العالم السفلي في الميثولوجيا الإغريقية، اللوحة للفنان جان بريغيل الأكبر
المصدر

التقسيم الجغرافي للعالم السفلي

مدخل العالم السفلي

على أبواب الجحيم يتجسد القلق، الحزن، الأمراض، الشيخوخة،الخوف، الجوع، الحاجة، العذاب، الموت، والملذات المحرمة. في الجهة المقابلة لهؤلاء تتجسد الحرب، الانتقام، الشقاق. تحرس الأبواب العديد من الوحوش المريعة منها السينتور “نصف إنسان ونصف ثور”، السكيلا؛ وهي نصف امرأة ونصف أفعى ذات أسنان مرعبة، الهايدرا وهي ثعبان عملاق بثلاث رؤوس، والعديد من الوحوش الأخرى. في منتصف هؤلاء توجد شجرة دردار، تتمثل فيها الأحلام الزائفة والأوهام تحت كل ورقة منها. يوجد بعدها نهر “ستيكس” الذي يحمل خلاله شارون الأرواح لبوابة الجحيم التي يحرسها سيربيروس الكلب ذو الرؤوس الثلاثة. بعد اجتياز البوابة يقف قضاة العالم السفلي ليقرروا مصير أرواح الموتى، إلى الجزر المباركة “إليزيوم” أو إلى “تارتاروس”. [3]

تارتاروس

بالرغم من أنها ليست جزءًا بشكل مباشر من الجحيم، بل هي أبعد من ذلك، فتتوضع تحت الجحيم، كتب هوميروس عنها بأن الظلام فيها شديد لدرجة أن الليل ينسكب حولها في ثلاثة صفوف والأشجار تنمو فيها بشكل مرعب. وهو المكان الأكثر ظلامًا في هيديس ويوجد فيها أسوأ الأشخاص عقابًا على خطاياهم، وكت أيضًا أن الإله كرونوس حكمها لاحقًا [3]

المروج الزنبقية

وهي الأماكن التي يذهب إليها الناس العاديون، الذين لم يرتكبوا خطايا كبرى، ولكنهم لم يحققوا أي عظمة في حياتهم ليستحقوا الدخول للحقول الإليزية، وهذه المروج هي التي يرسل إليها الناس الذين ليس لديهم مكان آخر في الجحيم. [3]

حقول الحداد

المكان المخصص من الجحيم للعاشقين الذين ضيعوا حبهم دون مقابل.

الإيليزيوم

وهو أفضل الأماكن في الجحيم، يذهب إليها أنصاف الآلهة، الأبطال، الفلاسفة، كل من قام بعمل عظيم ومشرف، والأشخاص الذين كانوا على مقربة من الآلهة ومستقيمين في حياتهم تنعموا بوجودهم في الإيليزيوم.

الأنهار في الجحيم

يعتبر نهر ستيكس أهم هذه الأنهار وأشهرها، وهو نهر الكراهية، سُمي تيمنًا بالإلهة ستيكس ويدور حول الجحيم سبع مرات. أما النهر الثاني نهر أشيرون، نهر الألم. وهناك “ليثه” نهر النسيان، ونهر فليجيثون الناري الذي يقود لأعماق تارتاروس، وكوكيتوس نهر النحيب. ,وأخيرًا أوشينوس وهو المحيط بالعالم بأكمله. [3]

مهمة شارون في العالم السفلي

شارون هو إله ابن الإلهين اربوس، ونيكس “ربة الليل”، كانت مهمته نقل أرواح الموتى الذين تم دفنهم بشكل لائق فقط عبر نهري ستيكس وأشيرون خلال عبارة كان يقودها هو. ولكن ذلك لم يكن مجانيًا؛ فكان يتوجب على الروح دفع عملة معدنية “الأوبول” كانت توضع في فم المتوفي خلال طقوس الدفن.
يمثل شارون كرجل متجهم، مروع، ومهيب. هكذا صوره معظم أدباء الإغريق مثل فيرجل في كتابه الإنيادة. في الأساطير الأتروية كان يعرف باسم تشارون وظهر بهيئة شيطان الموت ومسلح بمطرقة. في الفلكلور اليوناني الحديث أصبح يمثل ملاك الموت، أو الموت بحد ذاته. [4]

شارون يوصل أرواح الموتى عبر نهر ستيكس للدخول للعالم السفلي، اللوحة للفنان أليكسندر ليتوفتشينكو
المصدر

طقوس الدفن عند قدماء الأغريق

تحضير الجسد

يتم وضع الجسد وعرضه أولًا وغلق أقرب الأقرباء عيني الميت وفمه، ثم توضع عملة معدنية في الفم بين الأسنان لتكون دفعة لشارون ليوصله عبر نهر ستيكس. بعد ذلك تُغسل الجثة من القريبات غالبًا ويلبس الميت ما يليق بمكانته في الحياة، وبعدها توضع الجثة على سرير ليتمكن الأقرباء من تقديم وداعهم النهائي. [6]

الحداد الرسمي

تبدأ بعدها فورًا مرحلة الحداد الرسمي، وبشكل عام كان المفروض من الرجال ألا يظهروا مشاعرًا وحزنًا على الميت ويتصفون بشكل رسمي. غالبًا ما يكون رب الأسرة واقفًا بقرب الجثة لتحية الضيوف. في المقابل كانت النساء ينتحبن ويعلى صراخهم حزنًا على الميت. وتكون رئيسة المعزين والدة أو زوجة المتوفى، تقف بجانب الجثة وتمسك الرأس بيديها حزنًأ. [6]

الإكفورا

بعد عرض الجثة وبداية الحداد الرسمي تنقل الجثة إلى المدفن في موكب جنائزي يسمى إكفورا، يجري الموكب ليلًا ويشمل توقفات متعددة خلاله حتى يجذب الموكب الانتباه وذلك تكريمًا للمتوفى. في البداية كان المشيعون من أفراد الأسرة فقط، لكنهم استبدلوا لاحقًا بأشخاص مختصين وفناني أداء محترفين، واشتمل على الغناء والموسيقى.
عند الوصول للقبر يتم ممارسة الحرق أو الدفن، وهنالك معلومات قليلة عن طرق الدفن لأنها لم تمثل في الأدبيات الإغريقية، ولكنها تفاوتت بين الحرق والدفن وذلك تبعًا للموقع الجغرافي والفترة الزمنية. [6]

طقوس ما بعد الحداد

يعقب الدفن مأدبة جنائزية تسمى بريديبينيون، تتم في منزل المتوفى. كان اليونانيون لا يعتقدوا بأن الموتى سيشاركونهم في أعيادهم أي أنهم رحلوا بشكل تام، والمأدبة لمجرد الذكرى. تقدم القرابين في القبر في اليوم الثالث والتاسع والثلاثين بعد الوفاة، وفي الذكرى السنوية للوفاة. وكانت هذه القرابين منظمة للغاية. وتضمنت التضحية بالحيوانات، والتبرع بالثياب والأشياء الثمينة. [6]

رشوة شارون للعبور

إحدى العملات المستخدمة ك “أوبول” لدخول العالم السفلي، يظهر فيها الملك ديمتريوس
المصدر

ثمن العبور، أو ما يشار له باسم أوبول هو عبارة عن عملة معدنية صغيرة فضية توضع في فم المتوفي. لاحقًا تم إطلاق اسم أوبول على أي عملة معدنية. كانت هذه العملات أخف وزنًا بشكل عام. يجادل علماء الأثار في رمزية العملة في فم الميت، هل هي أجرة العبور في نظر الإغريقيين القدماء، أم هي سداد لجسد الميت بعملة من نحاس، لمنع عودة الأموات إلى أجسادهم؛ كونهم يؤمنون أن الروح تلفظ من الفم مع الأنفاس الأخيرة. [5]

المصادر:

1- worldhistory
2- greekmythology
4- britannica
5- coinweek
6- classroom.synonym

أعمدة هايدا الطوطمية، مقابر العظماء

هذه المقالة هي الجزء 6 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

تكريم موتى شعب الهايدا كان متميزًا عن غيره. فالأعمدة تشكل تحفًا معمارية وتبرز مهارات الشعب في النحت، غير أنها خدمت عدة غايات مجتمعية، أهمها كونها ضريحًا لكبار القوم.

شعب الهايدا

تعد قبائل الهايدا من السكان الأصلية للساحل الغربي لأمريكا الشمالية، وهي من القبائل الأصلية التي عاشت في كندا. وتعد لغتهم الأصلية من اللغات المهددة بالانقراض. تمركزوا أساسًا في الخلجان الساحلية ومداخل “هايدا غواي” في كولومبيا البريطانية. عددهم الحالي يقارب 500 نسمة.
الهايدا حرفيون ومشهورون في صناعات الخشب والنحاس، وتعتبر أعمدة الطوطم التي تصور كائنات أسطورية مقدسة رموزًا شائعة بتراثهم وأبرزها النسر والغراب. لدى هذه القبائل معتقدات راسخة في كونهم أوصياء على أرضهم وأنها نعمة من الخالق ويتوجب عليهم صونها ورعايتها، وتركز الثقافة الشعبية والميثولوجيا حول هذه العلاقة بين الشعب والأرض؛ فالعديد من أغانيهم وقصصهم الشعبية ورقصاتهم تعبر عن انتمائهم للأرض. وتتنوع أعمالهم ما بين الحرف الخشبية والنحاسية والصيد والتجارة. [1]

التركيب الاجتماعي للقبيلة:

تنقسم بنيبته الاجتماعية إلى قسمين، وتبنى نظرية التركيب الاجتماعي لهذه القبيلة على أساس انشطارهم. ويسمى الشق الأول “الغراب” أما الشق الثاني من القبيلة يدعى “النسر”. وهناك تشكيلة من المجموعات الفرعية subgroups التي توجد في كلا القسمين من القبيلة، وكل من القسمين لديه مجموعته القريدة من الرموز والمعتقدات الفكرية المختلفة مثل الأغاني والأساطير الشعبية. ويحظ أن يتزوج الفرد من مجموعته نفسها. [2]

العادات والتقاليد:

تقوم هذه القبائل باحتفالات القدر ، وهذه الاحتفالات هي أساسًا لإظهار القوة والنفوذ أو لكسب مكانة في المجتمع، وهي مرتبطة بشكل رئيسي بفرع قبيلة الرجل. يسمى هذا الاحتفال “بوتلاتش” ويستضيفه عضو من أثرياء القبيلة ويدعدو عددًا كبيرًا من الناس الذين يأتون في أفضل حللهم احتفالًا. ويكون الاحتفال على مدى عشرة أيام توزع فيها الولائم، وفي نهايته توزع ممتلكات المضيف على الزوار، وبالرغم من هذا فإن هذا التوزيع لن يفلس صاحب الاحتفال فغالبًا ما يمد له الجيران العون. [2]

الدين والمعتقدات السائدة

تتركز معتقداتهم حول قدسية الأرض والطبيعة ومهمتم في الحفاظ عليها، كما يؤمنون بدور الأسرة القوي وأهميته ومكانته العالية. ويؤمنون بفكرة التقمص والانتقال من جسد إلى آخر بشدة. [3]

المعتقدات الدينية

يتم تصنيف الحيوانات ككائنات مقدسة وعلى أنها أنواع متميزة كالبشر. وتمتلك القدرة لتحول نفسها على هيئة الإنسان، واعتقدوا أن الحيوانات تعيش على الأرض وفي البحر والسماء ولديها نظام اجتماعي يعكس نظام الهايدا. تم استبدال العديد من معتقدات الهايدا وتحويرها مع الزمن خصوصًا بعد استعمار مناطقهم وانتشار الدين المسيحي، فتأثرت هذه المعتقدات كثيرًا بها. بلارغم من ذلك، فإن العديد من أفراد قبائل الهايدا ما زالوا يؤمنون بفكرة التقمص، أي الولادة في جسد جديد بعد الموت. [3]

النظرة للموت عند شعوب الهايدا

تختلف الطقوس للموتى بحسب المكانة الاجتماعية للمتوفي، نبلاء الشعب كانت تقام لهم أعمدة طوطمية تكريمًا لذكراهم واحترامًا لهم. أما عامة الشعب فكانوا يدفنون بعيدً عن النبلاء ولم ينصب لهم أعمدة أبدًا، والعبيد كانوا يلقون في البحر بعد وفاتهم. يؤمنون بفكرة التقمص، وأحيانًا قبل الموت يختار الإنسان الوالدين الذين سيولد عندهم من جديد، حتى تنتقل الروح بوساطة زورق إلى أرض الأرواح لتنتظر التناسخ وانبعاثها في جسد جديد. [3]

أعمدة الرسم الطوطمي

يشير مصطلح أعمدة الرسم الطوطمي إلى الأعمدة الخشبية الطويلة ذات الأشكال المختلفة التي قم بصنعها شعوب الهايدا. منحوتة غالبًا من خشب الأرز الأحمر، وتملك رموزًا وأشكالًا تحدد أصحاب العمود وتاريخ أسرتهم.وهناك عدة أنواع من هذه الأعمدة منها:
أعمدة جنائزية صنعت في القرن التاسع عشر تحتوي توابيتًا لأشخاصٍ ذوي مكانة عالية في القبيلة في أعلى العمود.أو أعمدة تذكارية قائمة بذاتها، توضع مقابل واجهة المنزل تمامًا، تكون بمثابة مدخل للمنزل، وأعمدة منزلية داخلية، تخدم كدعامة لسقف المنزل. [4]


ما هو الطوطم

الطوطم كائن روحي أو كائن مقدس أو رمز، غالبًا ما يكون رمزًا لمجموعة من الناس، مثل عائلة أوعشيرة أو سلالة أو قبيلة.

اسم الطوطم مشتق من لغة أمريكا الشمالية الأصلية “Ojibwe doodem” لكن مصطلح الطوطم لا يقتصر عليهم فقط فالإيمان بالأرواح الوصية على البشر شائع في كافة أنحاء العالم.
درس عالم الاجتماع إيميل دوركهايم الطوطمية من وجهة نظر اجتماعية ولاهوتية، وحاول اكتشاف دين نقي في أشكال قديمة جدًا وأدعى أنه يرى الطوطمي أصل لمفهوم الدين. من جهة أخرى فإن عالم الأنثروبولوجيا رادكليف براون أتخذ وجهة نظر مختلفة شكك في إمكانية وصف الطوطمية بطريقة موحدة. فرأى الطوطمية مكونة من عناصر مأخوذة من مناطق ومؤسسات مختلفة، وما تشترك فيها ميلها العام لتمييز شرائح المجتمع من خلال الارتباط بجزء من الطبيعة. عارض نظرية دوركهايم في التقديس هذا ورأى أن الطبيعة تدخل في النظام الاجتماعي بدلًا من كونها ثانوية. [5]

مراسم الدفن وإعداد العمود الطوطمي

تنحت أعمدة الطوطم من خشب الأرز على شكل كائنات تشير لنسب كل عائلة والامتيازات القوية التي تملكها. وتوثق التاريخ المألوف لهذه العائلة أو العشيرة. يتميز عمود الطوطم بأشكال رمزية بشرية وحيوانية وخارقة للطبيعة أيضًا. كما تعد في الأساس تمثيلات مرئية للقرابة، وتصور رموز العائلة وعضوية العشيرة. وتحمل كل عشيرة حيوانًا أو كائنًا مقدسًا يكون طوطمها مثل النسر والغراب والذئب والحوت القاتل والضفادع والدب الأشيب.
والطوطم ليس جنائزيًا بالضرورة قد يكون تكريمًا لحدث مهم أو شخص ذو قيمة عالية. يبلغ طول كل طوطم بين 3 إلى 18 ممتر، وبعضها قد يصل ارتفاعه إلى 20 متر. تنشأ هذه لخدمة الأغراض الاحتفالية والمعمارية المختلفة. حيث تحوي معظم البيوت الطويلة على أعمدة طوطمية منحوتة بأشكال بشرية وحيوانية لتعد العوارض الأساسية للمبنى.
تُطحن الجثة باستخدام المطارق ويتم وضعها في صناديق محفور عليها رموز العائلة أو العشيرة، ويتم بعدها دفنها أمام المنزل. ثم ينصب العمود الطوطمي فوقها تمامًا.
الأعمدة الجنائزية التي احتوت على رفات الموتى في صناديق القبور هي بمثابة ضريح، ويتم إنشاء نصب تذكاري أو عمود تذكاري لتكريم شخص متوفي مهم. تم ذلك من قبل خليفته وغالبًا ما تكون هذه الأعمدة أكثر طولاً. [5]

هل ستصل الإعلانات إلى أحلامنا؟

هل تتوقع يومًا أن يصل الإعلان الذي تشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي أو على شاشات التلفزيون أو في الشارع إلى أحلامك وعن قصدٍ متعمدٍ؟ هذا ما حاولت فيه بعض الشركات المشهورة في العالم. وأصبح هناك بصيصًا من الأمل من قِبل هذه الشركات. على سبيل المثال شركة إكس بوكس الشهيرة وشركة كورز المختصة بتسويق منتجات المشروبات الكحولية. بالإضافة إلى برجر كينج التي حاولت بالفعل التواصل مع عدد من العلماء للوصول إلى أحلام الزبائن من خلال مقاطع الفيديو أو الصوت. ولكن أعلنت مجموعة من ٤٠ عالم أحلام اعتراضهم على مثل هذا الأمر، وأكدوا على عدم التلاعب بالأحلام التجارية. فهل ستصل الإعلانات إلى أحلامنا؟ [3]

الدخول إلى عالم الأحلام قديمًا

درس العلماء طويلًا عن «Dream Incubation – حضانة الحلم». وهي تقنية فكرية تهدف إلى حدوث موضوع أحلام معين، إما للترفيه أو لمحاولة حل مشكلة. فهي تركز الاهتمام ببساطة على قضية محددة عند النوم. يستخدم فيها الأشخاص الصور والأصوات والمنبهات الحسية الأخرى لتغيير مكونات الحلم. 

ابتكر العلماء قديمًا طرقًا عديدة لذلك من خلال التأمل والرسم والصلاة وحتى استخدام العقاقير. وكان يذهب المرضى من اليونانيين القدماء في القرن الرابع قبل الميلاد ليناموا على سرير ترابي في معابد الإله اسكليبيوس على أمل الدخول في حالة من النوم المليء بالهلوسة والتغير في المشاعر بغرض العلاج والراحة النفسية.

عالم الأحلام حديثًا

فتح العلم الحديث إمكانيات كاملة يتعرف من خلالها العلماء على أشهر أوقات للحلم عند البشر، وهي المرحلة الأولى للنوم بين الوعي واللا وعي، ومرحلة حركة العين السريعة عن طريق فحص موجات الدماغ وحركات العين وحتى الشخير. واتضح أن المؤثرات الخارجية مثل الأصوات والروائح وحتى الكلام من الممكن أن تغير من تفاصيل محتوى الحلم. وتواصل الباحثون مع «Lucid dreamers» وهم الأشخاص الذين يستطيعون التحكم في أحلامهم ومعرفة وقت الحلم أن هذا حلم وليس حقيقة، ولهم القدرة أيضًا على تغيير بعض محتوياته. وقد حاول معهم العلماء لإجابة بعض الأسئلة وحل مشاكل الرياضيات أثناء النوم. [2]

قفاز تتبع أنماط النوم

يستجيب الأشخاص بشكل أكبر أثناء النوم. كما يقول عالم الإدراك في (MIT) معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «Adam Harr – آدم هار» الذي اخترع قفازًا يتتبع أنماط النوم ويرشد مرتديه للحلم عن موضوع معين عن طريق الأصوات عندما يصل إلى مرحلة النوم التي تزداد فيها الأحلام. وقال أنه تواصلت معه ٣ شركات منهم شركة مايكروسوفت وشركتان أخرتان للطيران لمساعدتهم في هذه المشاريع. ولقد ساعد في مشروع مرتبط بذلك ولكنه لا يشعر بالراحة في المشاركة في مثل هذه الحملات الإعلانية. [1]

أبحاث حديثة أكدت على إمكانية دخول الإعلانات إلى عالم الأحلام

جذبت عالمة الأحلام الشهيرة الأمريكية «Deirdre Barrett – ديردري باريت » الانتباه في دراسة سنة ١٩٩٣م  حيث طلبت من ٦٦ طالبًا معها يدرسون الأحلام تحديد مشكلة شخصية أو أكاديمية وكتابتها والتفكير فيها قبل النوم على الأقل لمدة أسبوع، والنتيجة أن تقريبًا نصف المشاركين أبلغوها أنهم حلموا بهذه المشكلة. 

وتم إنجاز عمل مشابه لعمل ديردري باريت ونُشر سنة ٢٠٠٠م في مجلة ساينس المشهورة. حيث طلب علماء الأعصاب في جامعة هارفارد من مجموعة من الأشخاص ممارسة ساعات طويلة من ألعاب الكمبيوتر مثل لعبة «Tetris» لمدة ٣ أيام. فوجدوا أن أكثر من ٦٠٪ من المشاركين حلموا بهذه اللعبة.

مشروع شركة كورز للدخول إلى أحلام الزبائن

وفي مطلع هذا العام  شاركت ديردري باريت مع شركة كورز في العمل على هذا المشروع، حيث  أحضروا ١٨ شخصًا لمشاهدة فيديو ٩٠ ثانيه قبل النوم، والنتيجة أن ٥ منهم أبلغوا القائمين على التجربة أنهم حلموا بالمشروب الكحولي لكورز. ولكن باريت تعتقد أن هذا النوع من الإعلانات سيكون تأثيره ضعيف. وحتى الآن لم يبشر بالتأثير القوي مثل أنواع الإعلانات الأخرى.

https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=tU_0jU0mMLw

أليكسا مستقبل الدخول إلى عالم الأحلام

ومن الممكن أن تستخدم بعض الشركات المتحدث الذكي لأمازون (أليكسا) لتوقع مراحل النوم مثل حركة العين السريعة أو المرحلة الأولى من النوم وتشغيل أصوات تؤثر على الحلم والسلوكيات. وهذا يعتبر سهلًا؛ حيث يمتلك ٤٠ مليون أمريكي تقريبًا أليكسا في غرفة نومهم، ومن المتوقع انتشاره أكثر في باقي البلدان. [1]

فوائد لهذا العمل قد يستفيد منها البشرية بعيدًا عن الإعلانات

عند عمل تجربة على عدد من المدخنين بخلط رائحة السجائر مع رائحة البيض الفاسد عند النوم وتقديمه في مرحلة حركة العين السريعة. أصبح يشتري المدخنون السجائر أقل بنسبة ٣٠٪. بالإضافة إلى ذلك أنه من الممكن أن يعالج بعض الأمراض ويعالج أيضًا اضطرابات ما بعد الصدمات. [2]

مصادر

[1] science
[2] popular mechanics
[3] news san diego
[4] science alert

جنوح الأحداث ودور الوالدين .. نظرة عامة

ينطبق مصطلح جنوح الأحداث على انتهاك القانون الجنائي وأنماط معينة من السلوك غير المعتمدة للأطفال والمراهقين الصغار. جنوح الأحداث ينطوي على فعل خاطئ من قبل طفل أو شاب دون سن يحددها القانون. الجانح الأحداث هو الشخص الذي هو أقل من 16 عاما في حالة الأولاد و 18 عاما في حالة الفتيات الذين يغمسون أنفسهم في الأنشطة المعادية للمجتمع. فما هو جنوح الأحداث و ما هو دور الوالدين إليك نظرة عامة.

يمكن أن تصنف السلوكيات على أنها جنوح فردي. إذ يشارك فيه فرد واحد فقط ويتتبع سبب الفعل الجانح إلى الجانح الفردي. كما يمكن أن يكون الانحراف مدعومًا من مجموعة، فهو فعل  يرتكب في الرفقة ولا يعزى السبب إلى شخصية الأفراد بل إلى ثقافة منزل الفرد وجواره.

العوامل المؤثرة على تطوير السلوك الجانح

يصل العديد من الأطفال إلى مرحلة البلوغ دون تورطهم في سلوك جنوح خطير، حتى في مواجهة مخاطر متعددة. وعلى الرغم من أن عوامل الخطر قد تساعد في تحديد الأطفال الأكثر احتياجا إلى التدخلات الوقائية. فإنها لا تستطيع تحديد الأطفال المعينين الذين سيصبحون مجرمين خطرين أو مزمنين. من المعروف منذ فترة طويلة أن معظم المجرمين البالغين كانوا متورطين في السلوك الجانح كأطفال ومراهقين.

تركز النظريات الاجتماعية لجنوح الأحداث على البيئة والهياكل الاجتماعية وعملية التعلم. ومع ذلك، من المتفق عليه عمومًا أن عددًا من العوامل التي تلعب دورًا مهما في سلوك الشاب الجانح، يمكن تقسيمها إلى مجموعتين، العوامل الفردية والعوامل الظرفية.

وقد ارتبط عدد كبير من العوامل والخصائص الفردية بتطور جنوح الأحداث. وتشمل هذه العوامل الفردية العمر والجنس والمضاعفات أثناء الحمل والولادة والاندفاع والعدوانية وتعاطي المخدرات. بعض العوامل تعمل قبل الولادة (قبل الولادة) أو قريبة من وأثناء وبعد فترة وجيزة من الولادة (الفترة المحيطة بالولادة). يمكن تحديد بعضها في مرحلة الطفولة المبكرة؛ وعوامل أخرى قد لا تكون واضحة حتى مرحلة الطفولة المتأخرة أو خلال فترة المراهقة. ولكي نقدر تماما تطور هذه الخصائص الفردية وعلاقاتها بالجنوح، يحتاج المرء إلى دراسة تطور الفرد في التفاعل مع البيئة. من أجل تبسيط عرض البحث، ومع ذلك، فإن هذا القسم يتعامل فقط مع العوامل الفردية.

كما أن العوامل السببية للجنوح متنوعة وعديدة، وكذلك التعريفات. يعرف علماء الاجتماع الانحراف على أنه أي سلوك يعرفه أعضاء المجموعة الاجتماعية على أنه ينتهك معاييرهم. ينطبق هذا المفهوم على كل من الأعمال الإجرامية للانحراف. وكذلك على الأعمال غير الإجرامية التي ينظر إليها أعضاء المجموعة على أنها غير أخلاقية أو غريبة أو مريضة أو غير ذلك خارج حدود الاحترام.

مفهوم السلوك الجانح

يقتصر مفهوم السلوك الجانح على انتهاك قوانين العقوبات العادية للبلد التي يقوم بها الأولاد أو الفتيات حتى سن الثامنة عشرة.

فتحظر قوانين الدولة نوعين من السلوك للأحداث: الأول يشمل السلوك الإجرامي للبالغين. على سبيل المثال، القتل والاغتصاب والاحتيال والسطو والسرقة، إلخ.. والثاني يشمل جرائم الوضع مثل الهروب من المنزل, التغيب عن المدرسة الجامحة أو غير الخاضعة للحكم, إلخ.

ويميل الدور المميز للأطفال والمراهقين في الأسر وترابطهم مع أفراد الأسرة إلى أن يستمر لفترة أطول. يلعب الآباء الدور الرئيسي في التنشئة الاجتماعية لأطفالهم. أيضًا يواجه المراهقون مشاكل مختلفة مثل جنوح الأحداث، وتعاطي الكحول والمخدرات، والأمية، والهروب من المدارس، والعنف الأسري. بين المراهقين، ارتبطت المراهقة المبكرة (الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 15 عاما) بمستويات أعلى من الصراع مع الوالدين.

فترة المراهقة والسلوك الجانح

وقد تتحول العلاقات بين المراهقين والوالدين بشكل كبير خلال هذه الفترة، وجدت الأبحاث أن تضارب جودة العلاقات بين الوالدين والمراهقين يؤدي إلى سوء تعديل المراهقين. يرتبط سلوك المراهقين المنحرف عن المعايير الاجتماعية أيضا بعلاقة الوالدين

 بالمراهقين. فأشارت دراسة إلى أهمية دور الأسرة في مثل هذا الموضوع. فهي تلعب الأسرة والعلاقات بين أفرادها دورًا كبيرًا ومؤثرًا على سلوك الجانح من خلال ثلاثة عوامل رئيسية هي:

  • التوجيه الأبوي
  • مشاركة الوالدين
  • التعلق الأبوي

تلك هي ثلاثة عوامل لها آثارها على سلوك الجانح. في هذه الدراسة، أجريت محاولة استكشاف علاقات الوالدين للمراهقين من منظور المراهقة. ومدى ارتباط الوالدين بالمراهقين؛ وجهات نظر المراهقين نحو التوجيه الأبوي؛ تصور المراهقين حول الرقابة الأبوية؛ ونوع التواصل بين المراهق والوالد من منظور العلاقة.

جنوح الأحداث ودور الوالدين

الجنوح مشكلة عالمية وينظر إليها في جميع أنحاء العالم دون استثناءات لأي ثقافات أو ديانات محددة. عمومًا، يشير الجنوح إلى الأعمال غير القانونية، سواء كانت إجرامية أم لا، التي يرتكبها الشباب دون سن 18 عاما. طور مصطلح جنوح الأحداث رسميًا في الولايات المتحدة في عام 1899. عندما سن أول قانون لجنوح الأحداث في شيكاغو، إلينوى قد تؤثر العائلة على سلوك الشخص إما سلبًا أو إيجابًا سواء في مرحلة الطفولة والبلوغ. يمكن القول أن الأسرة السليمة هي اتحاد فعال بين الأم والأب. لذلك عندما يكون هناك انفصال, قد يؤثر الاضطراب على الطفل إلى حد كبير. الأسرة العاملة مفيدة للطفل أكثر من الأسرة المغايرة. ففصل الأسرة يعد مساهمًا كبيرًا في إهمال الأطفال مما يؤدي بشكل عام إلى سلوك الطفل المنحرف. على سبيل المثال ، ترك المنازل والمدمنين على الرذائل وما شابه ذلك من إهمال الوالدين والأسرة، وعدم الإشراف والتوجيه.

إذا نظرنا إلى السلوك الجانح من منظور اضطراب السلوك، فإنه يشمل بُعدين واسعين: الاستيعاب الداخلي والخارجي. فتوجه الاضطرابات الداخلية إلى الداخل وتتضمن عجزا سلوكيا، مثل الانسحاب والعزلة والاكتئاب. من ناحية أخرى، يتم توجيه الاضطرابات الخارجية إلى الخارج وتنطوي على تجاوزات سلوكية، مثل إزعاج الآخرين العدوان اللفظي والجسدي، وأعمال العنف.

بالنسبة للعديد من الشباب اليوم، يتم تحدي الأنماط التقليدية التي توجه العلاقات والتحولات بين الأسرة والمدرسة والعمل. العلاقات الاجتماعية التي تضمن عملية سلسة للتنشئة الاجتماعية تنهار؛ أصبحت مسارات نمط الحياة أكثر تنوعًا وأقل قابلية للتنبؤ.

 إن إعادة هيكلة سوق العمل، وتوسيع فجوة النضج (فترة اعتماد الشباب على الأسرة). ويمكن القول إن الفرص محدودة لتصبح راشدًا مستقلاً هي تغييرات تؤثر على العلاقات مع العائلة والأصدقاء، والفرص والخيارات التعليمية، والمشاركة في سوق العمل، والأنشطة الترفيهية وأنماط الحياة.

 في العديد من الثقافات، كان ينظر إلى الأسرة على أنها المؤسسة الاجتماعية المركزية المسؤولة عن غرس مجموعة من المعايير والقيم والمعتقدات والمثل العليا في الشباب. قد يؤدي فشل الأسر في إنجاز هذه المهمة إلى عواقب وخيمة على الفرد وكذلك على المجتمع ككل.

العلاقة بين الأسر والجنوح

درس الباحثون العلاقة بين الأسر و الجنوح. فيما يتعلق بمشاركة الوالدين، تظهر بعض الدراسات أن المزيد من الوقت الذي يقضيه مع الوالدين يؤدي إلى مشاركة أقل في الجريمة والانحراف.

كلما زاد وقت الفراغ الذي يقضيه المراهق مع والديه، قل احتمال انحراف المراهق. قد لا يكون العديد من الأطفال الذين يعانون من الطلاق أو غير ذلك في أسر غير تقليدية أقرب إلى والديهم مثل الأطفال في عائلتين من الوالدين.

قد يعانون من ضعف الروابط مع والديهم وغيرهم، مما يزيد من احتمال مشاركتهم في الجريمة والانحراف.

إذا كان الطفل يعيش في بنية أسرية غير تقليدية، فقد يؤثر ذلك على العناصرالأربعة السابق ذكرها

الأسر غير الواعية، غير المقتدرة تفشل في توفير المرفقات التي يمكن أن تعزز الأطفال في أنماط الحياة الاجتماعية. إذا نشأ الطفل في منزل مفكك مليء بالاحتياجات غير المستجابة. سيواجه الطفل به وقتًا عصيبًا اجتماعيًا وقد يتسبب ذلك في تحول وانغماس الطفل في أعمال منحرفة.

من ناحية أخرى، اجتمع غالبية الباحثون على أنه يجب أن تكون هناك علاقة جيدة بين الأم والطفل حتى تتطور ثقته بنفسه ويبتعد عن عادات وسلوكيات الغضب والانحراف. إذا طور الطفل الغضب وعدم الثقة دون وعي وتوجيه، يصبح الطفل دون ضمير ويتصرف في اي اتجاه معادي لقيم المجتمع وقوانينه.

الجنوح بين الأسرة والمراهق

هناك فرضيتين متطرفين تحددان الأدوار المختلفة للأقران في تطوير السلوك العدواني والمعادي للمجتمع للطفل الجانح، وهناك بعض الخصائص الفردية التي تؤدي إلى الجنوح. العائلة مهمة طوال فترة المراهقة المبكرة. خلال مرحلة المراهقة المبكرة، من المرجح أن تؤدي التحولات التنموية إلى تغييرات في احتياجات المراهقين داخل الأسرة.

عند النظر في تطور المراهق، فإن نوعية العلاقات بين الوالدين والمراهقين أمر حيوي، أوضح تقارب العلاقات بين الوالدين والمراهقين التأثير المفيد للسيطرة الموثوقة. كما أن جودة العلاقات بين الوالدين والمراهقين تفسر السلوك المعادي للمجتمع للمراهقين.

اختلاف التأثير على الذكور والإناث

ويُنظر إلى جودة العلاقات على أنها مجموعة من المواقف تجاه الطفل التي يتم توصيلها للطفل في التاريخ الطويل للعلاقات. وأن الجودة السلبية للعلاقات بين المراهقين وأولياء أمورهم مرتبطة بمستويات أعلى من المشاكل الخارجية، مثل إزعاج الآخرين، والعدوان اللفظي والجسدي، وأعمال العنف،..

وقد وجدت الأبحاث أن العلاقات بين المراهقين الذين يعانون من السلوك المعادي للمجتمع وأولياء أمورهم، تتميز بعدم وجود روابط عاطفية بين الآباء والمراهقين.

عدم الاستقرار الأسري، ونقص التماسك الأسري، ونقص العلاقات الجيدة بين الوالدين والأطفال على سبيل المثال، كلها أسباب تؤدى إلى تعاطي المخدرات للمراهقين. غالبية الجرائم الجنائية للمراهقين يرتكبها الذكور.

هذا التمثيل المفرط للذكور في جنوح الأحداث هو واحد من أكثر النتائج قوة واستقرارًا في الأدبيات. بدءا من مرحلة الطفولة اللاحقة، يظهر الأولاد معدلات أعلى من مشاكل السلوك مقارنة بالفتيات.

قد تشارك الفتيات في أنشطة إجرامية، لكن الأولاد يرتكبون جرائم أكثر خطورة مثل الاعتداء المشدد والسرقة والقتل.

ومع ذلك، تظهر الفتيات ميلا نحو العدوان غير المباشر واللفظي. تقيد بعض البيئات بعض الاستجابات السلوكية للمراهقين، بينما تميل البيئات الأخرى إلى تعزيز مجموعة واسعة من التكيفات السلوكية.

يمكن القول بأن هناك انتقال من بيئات مقيدة (مثل المدرسة والأسرة) إلى البيئات غير المقيدة (مثل الأقران والعصابات) في مرحلة المراهقة. خلال هذه الفترة، يبدأ المراهقون في ممارسة الخيارات بشكل مستقل ومحاولة الانفصال عن البيئة المقيدة. لفهم العلاقة المتبادلة بين الوالدين والطفل المراهق. المراهقة هو فترة انتقالية من الطفولة إلى مرحلة البلوغ والعلاقة بين المراهقين وأولياء أمورهم حيوية. عدم وجود العلاقة القوية، وعدم مشاركة الوالدين، واللوم والغضب يمكن أن يؤدي إلى السلوك الجانح بين المراهقين.

في دراسة حول القبول أو الرفض المتوقع، أجريت على المراهقين الذكور والإناث في المنزل والمدرسة وارتباطهم بالحالات النفسية التي يعانون منها. ملأت عينة من 350 طالبة و 220 من طلاب نفس الصف

وقياس القبول والرفض من قبل الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والمعلمين الذكور والمعلمات وزملاء الدراسة. ومقياس الحالة النفسية، وقياس القلق والاكتئاب والأعراض النفسية الجسدية واضطرابات السلوك،

تظهر النتائج أن جميع دوائر رفض القبول المتصورة مرتبطة ودمجها في ثلاثة عوامل رئيسية للرفض: الأسرة والمعلمين وزملاء الدراسة. ارتبطت جميع العوامل بالحالات النفسية التي يعاني منها المراهقون. وارتبطت الحالات النفسية التي يعاني منها المراهقون الذكور بدوائر القبول والرفض المتصورة في المنزل وفي المدرسة. ولا سيما عندما يتعلق الأمر بشخصيات نسائية، في حين ارتبطت الحالات النفسية للمراهقات بشخصيات من الذكور والإناث في المنزل.

الخلاصة

وعلى الرغم من دور الأسرة الكبير، إلا أن الآباء والأمهات لا يشرفون على الأطفال تماما. في الغالب ، لا يعرف الوالدان مكان وجود دائرة الأقران لأطفالهما. لا يشارك الأطفال ما يكفي من المعلومات مع والديهم كما يشاركونها مع أصدقائهم مما قد يؤدي إلى أن يصبح الطفل جانحًاا. شوهد الأطفال في النتائج أن تشارك دائما في كل مرة في مشاجرات مختلفة مع والديهم. في الغالب ، شوهدت الفتيات المراهقات ينخرطن في حجج أكثر من الأولاد المراهقين.

ملخص

يجب على الآباء قضاء المزيد من وقت الفراغ مع أطفالهم ومحاولة أن يكونوا أفضل صديق لهم. يجب على الآباء أيضا التركيز بشكل أكبر في معرفة أقرانهم من أطفالهم. لأن التأثيرات غير الضرورية لمجموعات الأقران يمكن أن تؤدي إلى أن يكون الطفل جنوحًا. حتى نتمكن من التوصل إلى عام مفاده أن العلاقة المتبادلة بين الوالدين وأطفالهما يجب أن يكون لها ارتباط ودي لمنع الطفل من الانخراط في مزيد من السلوك أو الأنشطة الجانحة. يجب على الآباء ليس فقط الجلوس مع أطفالهم لمراجعة واستذكار دروسهم الطفل، أو لقاء طفلهم في وقت العشاء ولكن أيضا يجب أن يكون محادثة عارضة الأسرة التي يمكن أن تكون مفيدة جدًا في بناء القيم الأخلاقية للطفل.

مصادر

jstor

scirp

jstor

psycnet

sciencedirect

pubmed

jstor

ncbi

ncbi

jstor

psycnet

journals

nap

لماذا تنمو أجسادنا على محور طولي؟

عملية التطور من خلية جنينية إلى تكوين رأس وذيل (عظام الذيل) لدى الجنين هي أكثر المراحل الحساسة في نمو الجنين. كما أن إعادة تنظيم شكل خلايا الجنين من شكل كروي في المراحل الأولى إلى شكل طولى يبدأ برأس وينتهي بذيل (عظام الذيل) هو أمر يصعب دراسته نظرًا لأنها تحدث في المراحل الأولى كما أنها تكون في محجَم داخل حيز رحم الثدييات مما لا يعطي حرية كبيرة لدراسته. لذا خلال هذا المقال سنتعرف لماذا تنمو أجسادنا وأجساد الثدييات على محور طولي؟

الاستطالة المحورية

استطاع العلماء في معهد جلادستون تكوين خلايا عضّية تحاكي المراحل الأولى في نمو الجهاز العصبي لدى الجنين. استطاع العلماء عن طريق هذه المحاكاة فهم كيفية تموضع خلايا الحبل الشوكي في جنين الإنسان.
بعد عدة أسابيع من التخصيب يبدأ جنين الإنسان بتكوين خلايا الظهر وتنمو خلايا الحبل الشوكي. يبدأ ذلك النمو بداية من أسفل المخ ممتدًا ليكوّن عظام الذيل وتُعرف تلك العملية ب “الاستطالة المحورية- axial elongation”. وهذا ما يضعنا أمام تساؤل، لماذا تنمو أجسادنا على محور طولي؟[1]

آلية اكتشاف الجينات

بينما كان العلماء من معهد جلادستون يعملون على تطوير عضيات من خلايا المخ، لاحظوا عند تعريض تلك العضية لبعض العوامل والظروف المعينة أنها تقوم بالاستطالة تلقائيًا. وكان النمو في تلك العضّية يشبه نمو الحبل الشوكي في الجنين الذي يبدأ على شكل كورة من الخلايا التي تستطيل لتكوّن الحبل الشوكي بداية من الرأس إلى الذيل.
بداية من تلك النقطة كثف الباحثون جهودهم لتحديد الإشارات المتسببة في استطالة تلك العضّية. قام الباحثون بدراسة أي جينات تنشط أو تخمل أثناء استطالة تلك العضّية على مدار أسبوعين. ووجدوا أن النمط الخلوي والجزيئي لتلك العضيّة مشابه للمراحل الأولى لتطور أجنة الفئران.
وعلى الفور قام الباحثون باستخدام تقنية “كريسبر- كاس9 – CRISPR-Cas9” لقطع الجين الذي يُعتقد أنه مهم في عملية تكون الحبل الشوكي، ومن ثم تكوين عضية جديدة من هذه الخلايا المعدلة. وبتكرار تلك العملية مرات عدة إلى أن وجدوا العضية التي لم تستطيل ومنها استطاع الباحثون تحديد هوية الجين المسؤول عن الاستطالة المحورية.[2][1]

استفادة مستقبلية

أوضح الباحثون أنه يمكن استخدام تلك العضيات لدراسة تأثير الأدوية والسموم و التعرضّات البيئية المختلفة على الجهاز العصبي للجنين. حيث تضمن تلك العضيات الإجابة عن الأسئلة الغير واضحة بخصوص التأثيرات المختلفة على اَلْأَجِنَّة دون توريطها.[1]

نمو الجنين على محور طولي

في دراسة أخرى في جامعة كامبريدج استطاع العلماء استزراع جنين بشري في المعمل ودراسته لمدة 14 يوم. بعد دراسات عميقة وكثيرة على المستوى الجزيئي خلال مراحل تكون الجنين. اكتشف العلماء مجموعة من الخلايا معروفة باسم “hypoblast” هي المسؤولة عن نمو الجنين على محور طولي من الرأس إلى الذيل.[3][4]

مصادر

  1. phys
  2. biologists
  3. phys
  4. nature

الضريح العائم، كيف دفن الجرمانيون موتاهم في عصر الفايكنج؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ
حقوق الصورة https://www.google.com/url?sa=i&url=https%3A%2F%2Fchaosgatebook.wordpress.com%2F2015%2F02%2F16%2F630%2F&psig=AOvVaw2mRa5e5QzjbRdV1FED04_n&ust=1624855002020000&source=images&cd=vfe&ved=0CAoQjRxqFwoTCIj2tJvIuPECFQAAAAAdAAAAABAJ

من هم الجرمانيون؟

الجرمانيون هم مجموعة إثنية تضم قبائل عدة. تم التعرف عليهم من خلال استخدامهم اللغات الجرمانية غالبًا، ويطلع عليهم اسم القبائل القوطية أحيانًا. نشأ مصطلح “جرماني في العصور الكلاسيكية فكان الرومان أول من وصفهم. تمركز أغلب الجرمانيون في شمال أوروبا في شبه الجزيرة الاسكندنافية، وفي بلاد الغال وفي ألمانيا عمومًا. واعتمدوا بشكل رئيسي على الزراعة وتدجين الحيوانات في حياتهم. توجد العديد من الأدلة الأركيولوجية على أن هذه القبائل كانت تتنقل بسبب نقص الموارد ولكن الجرمانيون الغربيون كانوا أكثر استقرارًا. [1]

الفايكنج، مجموعة قبائل أم حقبة زمنية؟

على عكس المفهوم الشائع بأن الفايكنج شعب أو مجموعة إثنية واحدة، إلا أن هذا غير صحيح. فالفايكنج لا يشكلون شعبًا واحدًا وإنما انحدروا من القبائل الجرمانية وكانوا حقبة زمنية امتدت ما بين القرن التاسع ميلادي والقرن الحادي عشر ميلادي. حيث غادر العديد من الإسكندنافيين بلدانهم الأصلية والتي تعرف الآن بالسويد والدنمارك والنرويج بحثًا عن الثروات في أماكن أخرى. وكانوا بحارين مهرة ومحاربون أشداء لا يهابون الموت. غزوا الجزر البريطانية وسيطروا على أجزاء منها وعرفوا كقراصنة وغزاة وتجار ومستوطنين.
ما يعطي الفايكنج وحدتهم هو أنهم كانوا غزاة من أرض أجنبية، وأنهم كانوا ما زالوا وثنيين، أو غير متحضرين بنظر البلدان التي غزوها. وكلمة “فايكنج” أصلها من كلمة vikingur في اللغات الاسكندنافية القديمة التي تعني قرصان.
لا يوجد سبب واضح لمغادرتهم لبلدانهم الأصلية، لكن الأغلب هو البحث عن الثروات الجديدة، وكان لاحتكاكهم مع العناصر الأوروبية الأخرى دور كبير في ازدهار تجارتهم وثقافتهم وتأثرهم بهذه البلدان. [2]

المعتقدات والنظرة للموت:

الديانة الجرمانية الوثنية “ديانة الفايكنج” أكثر تعقيدًا مما نتصور، فالمعروف أن لدى الجرمانيون أن المحاربون العظماء يذهبون إلى “فالهالا” أو نعيم المحاربين ليقضوا حياتهم مع أودين كبير الآلهة الاسكندنافية. المكان الثاني هو فولكفاغنر وهو مملكة الإلهة فريا زوجة أودين التي يذهب إليها المحاربون الذين لم يكن من نصيبهم الدخول لفالهالا.
وهناك مملكة هيل أو هيلهايم، الإلهة ابنة لوكي وأخت فينرير الذئب، وهي مملكة مظلمة ومرعبة وهي أقرب ما تكون للعالم السفلي. بالإضافة لمملكة ران التي تأخذ البحارين القتلى، والأموات الذين تبقى أرواحهم ملازمة لقبورهم ولا تصل للعالم الآخر وهي الأرواح التي تتحول لأشباح في القصص النوردية أو الموتى الأحياء أو ما يدعى بالدراوغر draugr الموتى السائرين الذين يهاجمون الأحياء. [3]

طرق الدفن الشائعة:

أهم المصادر التي وثقت حياة القبائل الجرمانية يعود الفضل فيها للرحالة المسلم أحمد بن فضلان الذي أُرسل كسفير للدولة العباسية التي حكمها أنذاك الخليفة العباسي المقتدر بالله وذلك عام 921 بعد الميلاد، وساهم ابن فضلان في توثيق حياة القبائل الجرمانية بالتفصيل بالإضافة إلى توثيق عادات الدفن عندهم ويعد هذا أول احتكاك بين الشعوب العربية الاسلامية والقبائل الجرمانية. [4]

الحرق:

كان الحرق من أكثر الطرق شيوعًا خصوصًا لدى الجرمانييين القدماء. ولكن اختلفت طرق الدفن حسب الطبقة والمكانة الاجتماعية للمتوفي. كان يتم الحرق في محارق كبيرة وساد الاعتقاد بأن النار الكبيرة ستساعد الروح للوصول للفالهالا التي تساعدها ال”فالكيري” المخلوقات الميثولوجية التي تشبه بمفهومها مفهوم الملائكة، وهن كائنات تساعدن الأرواح للوصول إلى الحياة الأخرة.
بعد الحرق كانت تجمع رفاة الميت وتحفظ في جرار أو تدفن في مقابر كبيرة. [5]

دفن السارقين والخونة:

حقوق الصورة https://www.google.com/url?sa=i&url=https%3A%2F%2Ftheheart756621753.wordpress.com%2F2019%2F06%2F12%2Fblood-eagle%2F&psig=AOvVaw2ljp9SAlj42pbjs7RgkMV1&ust=1624855311527000&source=images&cd=vfe&ved=0CAoQjRxqFwoTCKi52LLJuPECFQAAAAAdAAAAABAD

كان نصيب السارقين الشنق، وتركوا معلقين دون الالتفات لجثثهم. أما الخونة فكان نصيبهم أشد صعوبة، فلم تكن القبائل الجرمانية رحيمة في عقابها. أشهر طرق الإعدام وأكثرها دموية هي “النسر الدموي”. وهي طريقة تعذيب تتمثل في إبقاء الضحية على الحياة قدر المستطاع، تُربط يدا المحكوم بالإعدام إلى الأعلى في وضعية تشبه وضعية الصلب ثم يتم سلخ جلد الظهر وفرده فوق اليدين مشكلًا مظهرًا أشبه بجناحي النسر. تُكسر الأضلاع وذلك مع المحافظة على حياة الضحية لضمان عذابها. في النهاية تفرد الرئتين فوق الجلد المسلوخ ويترك المحكوم معلقًا حتى يموت. ويكون ذلك طقس يشاهده الجميع للتأكيد على أن مصير الخونة مرعب ومؤلم. [6]

الضريح العائم:

بنى الأثرياء محارقهم بشكل سفن غالبًا ولكن تم حرقها بالشكل التقليدي ودفنهم مع ممتلكاتهم. ولكن الحكام والأثرياء جدًا هم الوحيدون الذين حصلوا على ضريح عائم فعليًا وليس مجرد قبر على شكل سفينة. بنيت سفن صغيرة كقارب شخصي، معد لشخص واحد بالإضافة لممتلكاته وثروته معه. [5]

مراسم الدفن:

قام الرحالة ابن فضلان بتوثيق مراسم دفن أحد الملوك خلال بعثته، ووصف فيها بدقة مراسم الدفن. هناك بعض التشكيك بمصداقية الوصف، ولكن اجمع معظم المؤرخين أن هذا الوصف صحيح.
وفقًا لابن فضلان فإن الحاكم المتوفي يوضع في قبر مؤقت مع عصير العنب ليختمر. ريثما تتم حياكة جديدة له وذلك لمدة عشرة أيام، ويتم اختيار فتاة من العبيد لترافق سيدها إلى العالم الآخر.
عندما يحين وقت الدفن يوضع الزعيم في القارب بثيابه الجديدة مع ممتلكاته والطعام والشراب. ويضحى ببقرتين وحصانين وكلب ودجاجة وديك، تقطع أجسادهم وتنثر ضمن القارب لترافق الزعيم في رحلته للعالم الآخر.
في هذه الأثناء تكون الفتاة المختارة تشرب السم ليخفف عليها ألمها، وتذهب من خيمة لأخرى لتجامع الأسياد الآخرين. وفي النهاية يتم مجامعتها بشكل جماعي قبل خنقها وطعنها حتى الموت. بينما كان باقي الرجال يطرقون على سيوفهم ودروعهم في الخارج، لتغطي على صوت صراخ الفتاة كي لا تخاف بقية الفتيات من الطقس لاحقًا، ثم تمدد بجانب سيدها ويطلق القارب ويحرق. [5]

رمزية المراسم:

القارب كان يمثل رحلة الشخص للعالم الآخر، وبني الضريح بشكل قارب ولو لم يكن قاربًا فعليًا، فهو سيوصل الميت إلى العالم الآخر سواء كان فالهالا أو غيره.
أما الجنس الجماعي مع الفتاة فيتمثل في أن الفتاة هي الوعاء الذي سينقل جوهر الحياة. وفي كل مرة يجامعها أحد الأسياد يردد جملة “قولي لسيدك إنني فعلت هذا تقديرًا له” وساد الاعتقاد بأن السائل المنوي يمثل جوهر الحياة.
أما موضوع القتل العنيف للفتاة فذلك للاعتقاد بأن القتل العنيف والدموي هو ما يساعد الشخص إلى دخول فالهالا. [5]

هذه الشعائر جميعها اندثرت مع اندثار الوثنية في شبه الجزيرة الاسكندنافية، فمع الزمن والاحتكاك مع البلدان الأوروبية الأخرى شاعت المسيحية وبدأ من كانوا يدعون بالفايكنج باعتناق المسيحية، وبذلك انتهى عصر الفايكنج.
بالرغم من اعتناقهم المسيحية والتنكيل الذي صار بمن بقوا على دينهم الأصلي بعد أن أصبحت الديانة المسيحية سائدة والوثنية مرفوضة، فإن العديد من الناس في عصرنا الحالي ما زالوا بعتنقون دين أجدادهم القديم ويقدسون أودن، ولكن مع مراسم وشعائر أقل دموية.

المصادر:

1- lumenlearning
2- history
3- choicemutual
4- muslimheritage
5- lifeinnorway
6- allthatsinteresting

Exit mobile version