مدخل إلى الأخلاقيات في العمل

ما هي الأخلاقيات؟

تشكّل الأخلاقيات أساساً لعمليات اتّخاذ القرار سواءاً في الحياة اليومية أو في الأعمال. فسيرة الإنسان تحددها مجموعة قراراته، الصغير منها والكبير. وتأخذ عملية اتخاذ القرار شكل السلسلة -كما في لعبة كانسة الألغام-، حيث يفتح كل قرار الباب لمجموعة أخرى من القرارات، وهذا يعني أن قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن ما هو صائب وما هو خاطئ هي الحد الفاصل بين حياة ناجحة وحياة أقل نجاحاً.

وتوفّر الأخلاق مجموعة من معايير السلوك التي تساعدنا على تحديد التصرّف المناسب للمواقف وأبعاد تصرّفاتنا على حيوات الآخرين. فالأخلاق على اختلاف مناهجها هي الأساس الذي نأخذ به في عملية صنع القرار، وهي التي توفّر لنا الأسباب والحجّة لاتّخاذ أحد القرارات دون غيره [1].

يتقاطع هدف الأخلاق مع هدف القانون، وأيضاً مع هدف الدين بشكل جزئي في أن الثلاثة يوفّرون إجابات عن أسئلة كيفية العيش مع الآخرين. لكن بالرغم من أن العديد من الأديان تشجّع اتخاذ القرارات الأخلاقية إلا أنها لا تعالج النطاق الكامل للخيارات الأخلاقية التي نواجهها. وقد يخيّل لنا أن القانون بدوره أيضاً يوفّر أرضية مرجعية للأخلاق إلا أن القانون يُبنى بمبادئ توجيهية عالمية، وغير قادر على الاستجابة للسياقات الفردية -جميع المواقف التي نجد أنفسنا إزائها في حياتنا الفردية-. فضلاً عن أن القانون بطيء في معالجة المشاكل. ويواجه صعوبة في تصميم وتطبيق المعايير الأخلاقية في بعض المجالات الهامة [1].

كما أن الإنسان في سياق حياته اليومية قد يقع في فخ اعتبار أن الأخلاق واحدة. فيخلط الأخلاق بعضها ببعض، كما قد يخلط بين الطرق والأساليب لتنفيذ القرارات الأخلاقية والقرارات الأخلاقية ذاتها. ويمكن أن يفيد الوعي بالمغالطات المنطقية في الحد من هذا الخلط. حيث يعتمد القرار الأخلاقي على قيم معينة تتعلق بالجدارة والثقة، والاحترام، والمسؤولية، والإنصاف، والرعاية والمواطنة الصالحة. وتولّد القرارات الأخلاقية سلوكيات أخلاقية بدورها، وتوفّر أساساً نظرياً للأخلاقيات في العمل [2].

أهمية أخلاقيات العمل

تأتي أهمية الأخلاق في العمل على أساس المسؤولية المشتركة للعاملين، وذلك في ثلاثة مواضيع [2]:

  • الحفاظ على ثقة الجمهور.
  • إنفاق واستخدام الموارد بالطريقة المُثلى.
  • المسؤولية أمام أصحاب المصلحة من مانحين ووكالات تمويل وطلاب وأولياء أمور.. الخ.

ومن الممكن توزيع القيم الأخلاقية الأساسية في عالم الأعمال إلى مجموعة القيم التالية [2]:

  1. الجدارة بالثقة: افعل ماستقول أنك ستفعله. تصرّف بنزاهة، واوف بالوعود، واجعل أفعالك تتسق مع أقوالك. كن مخلصاً لمن لم يكن حاضراً، وحافظ على السمعة الطيّبة.
  2. الاحترام: معاملة الآخرين بأفضل مما يعاملوك. كُن منفتحاً ومتسامحاً مع الخلافات، وراعِ الآخرين وهذّب تدخّلاتك، وتعامل بسلام، وعامل الآخرين بالطريقة التي يريدون أن يُعاملوا بها.
  3. المسؤولية والإنصاف: افعل ما هو متوقّع منك فعله وتحرّى العدالة في سلوكك وأحكامك. وحافظ على الانضباط الذاتي، وفكر مليّاً قبل الفعل، وتحمّل مسؤولية أفعالك، ولا تتحيّز، واسمع للآخرين.
  4. الرعاية: أظهر اهتمامك وعبّر عن امتنانك، واغفر للآخرين، وساعد من يحتاجك.
  5. المواطنة: لتكن عضواً فاعلاً، تعاون مع زملائك في العمل، وشارك معلوماتك، وابق على اطلاع، وأحسن للجوار. التزم بالقانون، واسعى للصالح العام.

وتقوم الكثير من المؤسسات والشركات بصناعة مدوّنة سلوك يوقّع عليها الموظف حال التحاقه بالوظيفة. ومدونة السلوك هي إحدى طرق التحدث بوضوح ومشاركة الأخلاقيات المهنية. تشمل أيضاً مشاركة العواقب التأديبية التي تلزم خرق مدوّنة السلوك هذه، غير أنه ثمة مدوّنات أخلاقية أخرى تتعلّق بحساسية وطبيعة مهن معيّنة مثل قسم أبقراط في المجال الطبّي. والمدوّنة الأخلاقية أو ما تسمّى بمدوّنة السلوك تهدف بشكل عام إلى منع الفساد، والحفاظ على أداء صحيح، ومشرّف، ولائق ويمنع تضارب المصالح [3].

بحث في أساس أخلاقيات العمل

إذا ما وضعنا الأخلاق تحت المجهر سنجد أنه لا وجود لنهج أخلاقي واحد مثالي وكافي. وإنما هناك مناهج أخلاقية متنوّعة قد تشترك في نواحي وتتباين من نواحي أخرى. وهي تعمل إلى جانب بعضها البعض بحسب إملاءات سياق اتخاذ القرار، وبحسب ميولات المشاركين في عملية صنع القرار. ومعرفتنا لهذه الأنواع الأخلاقية تزيد من قدرتنا -كصنّاع قرار- على الحوار مع الآخر، و تحسّن من القدرة على تفّهم منطلقاته النظرية. مما يجعلنا نهتدي إلى القرارات الصائبة دون إلحاق الضرر بعملية التواصل والحفاظ على بيئة عمل تعاونية.

أولاً) منهج الصالح العام وتاريخه

من الممكن أن يكون الكذب فعل أخلاقي عند التركيز على العواقب.

أصل هذه النهج الفيلسوف اليوناني أبيقور «270-347 D.C» مؤسس الفلسفة الأبيقورية. والتي ذهبت إلى أن المتعة هي القيمة الجوهرية للإنسان، أما باقي الأمور هي مجرد طرق لتأمين هذه المتعة.

خضعت هذه الأخلاق إلى تطوير على يد الفيلسوف البريطاني جيريمي بينثام «1748-1832». حيث صنّف في نظامه الأخلاقي الأفعال الجيدة تبعاً لمقدار ما تجلبه من متعة، وتحجبه من ألم، وذلك لمجموعات من الناس وليس للفرد الواحد نفسه. وذهب بعدها جون ستيورات ميل «1806-1873» إلى أن الأمر ليس حكراً على المتعة المادية فقط، بل بمقدار ما يجلب سلوكنا من سعادة للكم الأكبر من الناس. ومنهج “الصالح العام في الأخلاق” مستمد من هذا النوع، وتبلور بشكل خاص مع أفلاطون «347-427 ق.م» وأرسطو «322-384 ق.م». ودعمه فلسفة جان جاك روسو «1712-1778»، حيث يتحدد الفعل الجيد بحسب هؤلاء الفلاسفة بقدر ما يساهم في الحياة المجتمعية الأخلاقية، ويؤكد هذا النهج على الاحترام والتعاطف مع الآخرين ويأخذ ويسترشد بالإرادة العامة. [2]

ثانياً) منهج الواجب وتاريخه: التركيز على الواجبات والالتزامات

الكذب غير أخلاقي، بغض النظر عن العواقب.

يعود أصل المنهج الفعلي إلى كانط «1724-1804»، إلا أن بعض الفلسفات الدينية تعرّضت له بشكل غير مباشر، مثل أعمال القديس أوغسطين «350-430». ويشدد هذا النهج على أهمية الإرادة الشخصية والنية في اتخاذ القرار الأخلاقي. وعند كانط لا يتعلق فعل الصواب بعواقب أفعالنا، فهي أشياء لا سيطرة لنا عليها في النهاية. بل الصواب متعلق بالنوايا السليمة، والنابعة من حتمية الواجب الإنساني الذي يتلخّص بالتالي: “تصرف بطريقة تعامل الإنسانية، سواء في شخصك، أو في شخص آخر. ودائما كغاية لا كوسيلة حتى النهاية”.

ويندرج قانون حامورابي الذي ينص على وجوب معاملة الأحرار على حد سواء، والعبيد على حد سواء، وبدون الاهتمام بالعواقب ضمن هذا النهج. كما تندرج الأخلاقيات الدينية المستمدة من الأمر الإلهي ضمن هذا النهج أيضاً. فالمعيار الأخلاقي بحسب الأخلاقيات الدينية هو ما يقرّه الله في شرعه وما يلزم أتباعه به، دون أن يلزَم الله بمعيار معين للصواب والخطأ [2].

ثالثاً) منهج الفضيلة وتاريخه: التركيز على الشخصية التي يجب أن نكونها

من يكذب، يمكن أن يقوم بأي فعل آخر غير أخلاقي، وهذا الشخص ليس فاضلاً.

ليس لهذا المنهج أصل معيّن إلا أن له شعبية في حضارات شرق آسيا، ويظهر في تعاليم كونفوشيوس «551-479 ق.م». حيث يؤكد كونفوشيوس على أن الخلوق هو الذي يتصرف بذكاء وبطريقة مناسبة في مجموعة متنوعة من المواقف. والأخلاق حسب منهج الفضيلة لا ترتبط بسلوك معين يقوم به الشخص في موقف معين، بل هي سمت لهذا الشخص. ويجب أن تتجسّد الفضائل الإنسانية المُثلى في حياته ككل، ووفق هذا الإطار يعمل منهج الفضيلة. وحسب أفكار كونفوشيوس؛ فإن أخلاق الفضيلة تُعلّم بالقدوة، وعملية التدريب والتعليم الأخلاقي هي أمر جاد وملزَم [2].

ثلاثة أطر لأخلاقيات العمل

تتطلب عملية اتخاذ قرارات أخلاقية جيّدة حساسية مدرّبة، وطريقة في موازنة الاعتبارات التي يجب أن تؤثر على اختيارنا لمسار العمل. حيث تشكّل عملية اتخاذ القرار بطريقة أخلاقية منتظمة “حدساً أخلاقياً”. هذا الحدس سيمكّننا من التقرير الأخلاقي التلقائي. ويشبه هذا الأمر العزف على البيانو و قيادة السيّارة. وبما أنه لا يوجد نظرية أخلاقية مثالية تصح في كافة السياقات، فمن الضروري التفكير وفق ثلاثة أطر:

مصدر: https://www.brown.edu/academics/science-and-technology-studies/framework-making-ethical-decisions

والملاحظ أن الأسئلة الأخلاقية في كل إطار غير متعارضة، إلا أنه يمكن استخدام كل إطار بهدف تحقيق بعض التقدم في تقديم إجابات لأنفسنا وللآخرين. ففي كثير من الحالات، قد تؤدي الأطر الثلاثة إلى استنتاجات متشابهة حول ما يجب فعله. إلا أن الأطر المختلفة قد تعطي أسباب مختلفة للوصول إلى هذه الاستنتاجات.
ومن الخطوات التي تمر بها عملية التقرير هي [1]:

  • تحديد الجوانب الأخلاقية للمسألة المطروحة.
  • الأخذ بالاعتبار جميع مصالح الأطراف المعنية.
  • جمع كل المعلومات ذات الصلة.
  • صياغة الإجراءات والنظر في البدائل عن طريق الأسئلة التالية:
    • نفعي أوّلي: ما الإجراء الذي سينتج أكثر فائدة وأقل ضرراً؟
    • واجبي حقوقي: ما الإجراء الذي يحترم حقوق كل من له مصلحة؟
    • واجبي تحرّي العدالة: ما الإجراء الذي يعامل الناس على قدم المساواة؟
    • نفعي ثانوي: ما الإجراء الذي يخدم المجتمع ككل، لا بعض الأعضاء فقط؟
    • فضائلي: ما الإجراء الذي يقودني إلى التصرف كنوع الشخص الذي يجب أن أكونه؟
  • بعد صياغة الإجراءات يتم اتخاذ القرار.
  • معاينة النتائج وتقييمها والتفكّر فيما إذا كان من الممكن تغيير شيء ما لتحسين النتيجة.

الأخلاقيات الشخصية في مقابل الأدوار في العمل

ترتكز مرجعياتنا الأخلاقية على أحد المناهج الأخلاقية السابقة (منهج النفعية والصالح العام، أو منهج الواجب، أو منهج الفضيلة). إلا أننا قد نشهد تعارضاً بين أدوارنا في العمل وبين ما تمليه عليه أخلاقياتنا الشخصية. فكل مهنة تلعب دوراً في المجتمع وتتطلب ممارسات متخصصة للوصول إلى الأهداف المهنية. لكن في الوقت ذاته، قد نكون أمام مواقف مثيرة للجدل، وإليكم مثالاً عن هذه المواقف [3].

توصيف الحالة: لدى منظّمة خيريّة هدف الحصول على طعام لمنطقة تعاني من مجاعة، وتعيّن عليها اختيار أشخاص لتلبية أدوار مختلفة في توصيل الطعام. من هؤلاء المختارين موظّف لديه شاحنات لنقل الطعام من المخزن إلى الأشخاص المحتاجين. ويتّضح أن هذا الشخص منخرط في أنواع غير قانونية من الأنشطة مثل الابتزاز. وله سوابق في استخدام المال الذي يوفّره له صاحب المصلحة (المنظمة في حالتنا هذه)، وذلك في أغراض غير قانونية. وهذه الممارسات تتسبب في حصول تهديدات وأضرار فعلية لأشخاص آخرين. غير أن ثمة حاجة لهذه الشاحنات ولا توجد وسيلة نقل أخرى متاحة.

التعارض الأخلاقي: إعطاء الأعمال إلى مجرم هو دعم غير مباشر للأنشطة الإجرامية.
كيفية الحل: يمكن للموظف حل المأزق عن طريق استراتيجية لوبان المؤلفة من أربع خطوات [4]:

  1. أن يكون الفرد قادراً على تبرير المؤسسة الاجتماعية ذات الصلة بناء على الصالح الأخلاقي الذي تقوم به.
  2. تبرير دوره المهني بناءاً على هيكل المؤسسة.
  3. تبرير الالتزام بدور خاص -والذي يعتبر قيد البحث- من خلال توضيح أن السلوك المطلوب ضروري لذلك الدور.
  4. تبرير الفعل الذي يتطلّبه الدور من خلال توضيح أن الالتزامات بالدور تتطلّب هذا الفعل.

وإذ كان هناك ترابطاً في الإجابات؛ يكون من الواجب القيام بالفعل، وإن تعارض مع الأخلاقيات الشخصية. وهذه الخطوات عبارة عن إطار إرشادي فقط يوفر مساءلة نقدية لدورنا المهني. وعليه؛ قد يجد الموظّف المسؤول عن التعاقد مع موظف الشاحنات؛ أنه لا ينبغي أداء المتطلّب المهني هذا.

مثلاً: إذا توفّرت شاحنات أخرى لكن الحصول عليها يستلزم جهد إضافي، فلا يوجد حينها خطأ في اتباع الخطوتين 1و 3. لكن الخطوة 4 ستكون غير ممكنة حيث التزامات الدور تفترض هذه المهمة. وهنا نجد أن التعارض بين الأخلاقيات المهنية والشخصية تعارض وهمي.

مغالطات أخلاقية

تؤدي اللامبالاة بعملية اتخاذ القرار، أو عدم توافر الوعي الأخلاقي عند من يقوم باتخاذ القرار إلى مجموعة من المغالطات، نذكر منها [2]:

  1. هذا ضروري إذن هو أخلاقي: حيث ليس كل ما هو ضروري هو أخلاقي.
  2. فخ الضرورة الزائف: قد نبالغ في تقدير تكلفة القيام بالشيء الصحيح، ونصوّب تفكيرنا تجاه تنفيذ الأمر بأي وسيلة ممكنة. وعلينا أن نستحضر هنا أن الضرورة تفسير وليست حقيقة.
  3. إذا كان الأمر قانونياً وجائزاً، إذن هو مناسب: ليس كل ما هو قانوني أخلاقي بالضرورة. حيث أن ما هو متاح فعله حسب اللوائح القانونية، لا يعفينا من مهمة أن تكون لنا أخلاق شخصية.
  4. إنها مجرد جزء من الوظيفة: كون الفعل جزء من الوظيفة لا يعني أن الفعل أخلاقي بالضرورة أو يصح في كافة السياقات. فالأشخاص الواعون يشعرون أنهم مبررون للقيام بأشياء في العمل يعرفون أنها خاطئة في سياقات أخرى.
  5. كنت أفعل ذلك من أجلك فقط: هذا التبرير يضع قيمتي الصدق والاحترام مقابل قيمة الاهتمام. كما يبالغ في تقدير رغبة الآخرين في الحماية من الحقيقة، وهو التبرير الأساسي للكذبة البيضاء.
  6. الجميع يفعل ذلك: لا يمكن أن نأمن لأرقام الجموع التي تفعل أمر ما للتدليل على صحّته أخلاقيًا. وتنطوي هذه المغالطة على خلط بين السلوكيات، والعادات الثقافية، والتنظيمية، والمهنية والمعايير الأخلاقية.
  7. حان الوقت: حيث يشعر من هو مرهق أو يتقاضى راتب منخفض أن الوقت حان لبعض الامتيازات البسيطة. ويعتبرها تعويض عادل لقاء خدماته المقدّمة. ومنها قبول الإكراميات، واساءة استخدام الإجازة المرضية، والاستخدام الشخصي للوازم المكتبية، إلخ.
  8. أنا فقط أحارب النار بالنار: وهذا افتراض خاطئ. يُبنى على أساس ردة الفعل، فلا أخلاقية الشخص الآخر معي يعني أن سلوكي غير الأخلاقي معه مبرر بدوره. وهذا الأمر يعرّض نزاهتك للخطر.

في الوقت الذي نلعن به الظلام، لابد أن نشعل شمعة. وكما تعج أعمالنا اليومية بمواقف تتطلّب منا اتخاذ قرارات صائبة، من المفيد أن نشعل الشموع عوضاً عن تحطيم ما تبّقى منها. ومن المهم التفكير بإنسانية ومسؤولية حول مواقفنا وأفعالنا، وآثار هذه الأفعال ليس فقط على الآخرين، بل على أنفسنا أيضاًَ كأثر رجعي. لعلّ هذا التفكير يكون معدياً ويمكّننا من العيش السعيد.

المصادر

[1] Brown University
[2] UC SanDiego
[3] UNODC
[4] .Lawyers and Justice: An Ethical Study, Luban David

مبدأ عدم الضرر في التدخّلات الإنسانية

مبدأ «عدم الضرر – Do Not Harm»

اشتهر في الأوساط الطبية قَسَم سمّي «قسم أبقراط – Hippocratic Oath». ويعتمد هذا القسم على نص أصلي تم تكييفه بحسب الثقافات، إلا أنه حافظ على قوامه المعنوي وأصل فكرته. وتدور فكرة القَسَم حول القول الأشهر المنسوب إلى أبقراط بترجمة لاتينية ” primum non nocere”  ومعناها بالعربية “أولاً، لا تؤذي” وذلك كأساس للتدخّلات الطبّية [1].

وقد ورد في السياق نفسه لدى أبقراط في أعماله عن الأوبئة؛ عبارة يونانية ترجمت إلى التالي:

“في حالة المرض، يجب على المرء أن يضع في اعتباره شيئين، ليكون مفيدًا لا يسبب ضررًا” [1].

أبقراط

ولا تنحصر الإشارة إلى تجنب الضرر عند أبقراط، فالمفهوم بدوره تناوله التراث الإنساني العقائدي والديني. حيث عرّجت بعض الديانات والأيديولوجيات على أهمية عدم الضرر بالآخر كناموس أخلاقي. فنجد في الإسلام -نموذجاً- حديث نبوي مروي عن أبي سعيد الخدري: “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضارّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه” [3]. ومعنى هذا أن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه ولا بغيره، وفي هذا توسعة لمفهوم الضرر يشمل الضرر بالذات أيضاً.

تعريف الضرر

يرتبط مفهوم الضرر بالحرية وحدودها في القول المشهور الذي نُسب لأكثر من قائل: “ينتهي الحق في تأرجح ذراعي في أي اتجاه حيث يبدأ أنفك” [4]. ويشيع في الأوساط الشعبية قول مجهول المصدر “أنت حر ما لم تضر”. كما نجد فيما كتب «ستيورات ميل – John Stuart Mill» في كتابه “الحرية” عن دور السلطة في منع الضرر يقول:

“أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، هو منع إلحاق الأذى بالآخرين” [5]

جون ستيوارت ميل

ويشمل الضرر أي إصابة جسدية أو عقلية، وهو شيء يتسبب في إصابة شخص أو شيء ما أو كسره أو جعله أقل قيمة أو نجاحًا. كما يمكن إطلاقه على كل فعل يشوّه أمراً أو يسبّب له التدهور والنقصان. ” [6] [7].

قد يبدو للوهلة الأولى أن التفريق بين الممارسات المضرّة وغير المضرّة بالآخر سهل، إلا أنه إذا أمعنا النظر في السلوكيات التي تصب في مصالحنا بعمومها، نجد أنها قد تتعارض مع مصالح الآخرين [8]. لذلك من اللازم أن نقوم بتحديد معنى الضرر الذي يجب تجنّبه كي لا يختلط الأمر علينا، أو نقع في فخ الأسئلة الخاطئة في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها. مثلاً: إذا استفدنا من الفوز بترقية في العمل بينما يخسر المتقدمون الآخرون، فهل يعد ذلك ضاراً بهم؟

في الحقيقة سيناريوهات من هذا النوع قد تبدو مضللة، إلا أن الضرر الذي يجب تجنّبه هو ما يُعرف بوصفه؛ انتكاسة لمصالح مهمة تعود بالنفع على الآخرين. وفي السيناريو السابق ليس الترقي حكر على شخص معين، فالفوز هنا ما دام على أساس الجدارة فهو عادل. كما يروج في أحاديثنا اليومية إلقاء اللوم على الآخرين تحت تأثير من مغالطة السيناريو، كما في المثال التالي:

لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب، فقادها اللص. وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة، وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير؟ هل صاحب السيارة له دور في الضرر؟

الجواب هو لا. لأن السببية المباشرة هنا هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في حدوث الضرر.

أهمية مبدأ عدم الضرر في العمل الإنساني والإنمائي

العمل الإنساني والإنمائي هو عمل ممنهج، وله ضوابط وقواعد تهدف إلى حشد القدرات والمعارف وتوجييها بطريقة واعية. وهذا من أجل تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، وهذا النوع من الأعمال ينطوي على مخاطر مخفيّة يعايشها عاملو الميدان بشكل مباشر. حيث يوجد خيط رفيع بين إيذاء المجتمع وإفادته. وأساس التخطيط للتدخلات الناجحة المفيدة هي أن نسأل:

من؟ أين؟ ماذا؟ متى؟ لماذا؟ كيف؟ [9]

6 أسئلة رئيسية

ولهذا وجد نهج عدم الضرر DNH والذي يقوم على عدة خطوات [9]. وهي:

  1. تحليل السياق؛ وتحديد المنطقة، والسكان المعنيين، وأطراف النزاع (حكومة، ومجموعات عرقية، ومجموعات دينية). وتحديد الأسباب الجذرية للنزاع، والتدخلات المعمولة من قبل الفاعلين المجتمعيين الآخرين، وأيضاً من قبل الجهة نفسها.
  2. ما هي الأمور التي تساهم في تكريس النزاع وتعميقه (Dividers)؟ وما هو أكثرها تأثيراً؟ أيضاً ما هي الأمور التي تربط بين الناس (Connectors)، وما هو أكثرها تأثيراً؟ ومراعاة هذه العوامل أثناء العمل.
  3. قياس آثار التدخلات على عوامل الارتباط والانفصال (Dividers and connectors).
  4. كيف أثر تدّخلنا على المجتمع المضيف، وما هي خياراتنا الأخرى المتوافرة وكيف تؤثر على عوامل الارتباط والانفصال.

يشجع نهج عدم الضرر إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، والتفكير مليّاً قبل التصرف. والهدف هو تعزيز تصميم المشروع وإدارته. أيضاً يفيد في منهجة طريقة عمل تسمح بفهم أفضل للآثار السلبية على المشاريع أو البرامج المستقبلية. وتعتبر الرغبة في علاقات جيدة مع المستفيدين هي جزء لا يتجزأ من التفكير بنهج عدم الإضرار [10].

والعمل على مبدأ عدم الإضرار في العمل الإنساني أساسي للعاملين الإنسانيين في مناطق النزاع. حيث يساعد على تحديد الأثار السلبية غير المقصودة للتدخلات الإنسانية والإنمائية في مناطق الصراع. ويمكن اعتماد هذا النهج في عملية التخطيط والمراقبة والتقييم للتأكد أن التدخل المعمول لا يؤدي إلى تفاقم الصراع بل يحسّنه [11].

محاذير العمل الإنساني والإنمائي

تفيد المنظمة السويدية “Swedish mission council” بأن هناك عدة أخطاء تتكرر بشكل كبير داخل العمل الإنساني وجب الإنتباه إليها وإلى أضرارها. فمن غير المعقول أن نساعد أحداً من ناحية ونضرّه من ناحية أخرى. وهي [12]:

  1. التناقض بين الأسلوب والفعل.

2. الإضرار بمصالح الناس.

3. التحيز في استهداف التوزيع لمجموعة من المجموعات المتنازعة دون الأطراف الآخرين.

4. التدخّل القاصر، الذي يقدم خدمة تساهم في تدمير نظام الخدمات الأخرى في المنطقة، ويؤثر على ما يربط الناس ويزيد من حدة العنف.

5. إعطاء أهلية وإضفاء صبغة شرعية للزعماء الذين نعمل معهم لتسهيل تقديم الخدمات الإنسانية.

وتفيد نتائج الاستطلاعات بأن اتّباع نهج عدم الإضرار في الأعمال الإنسانية يحسّن المساءلة تجاه المستفيدين، والعلاقات مع المستفيدين. كما يعزز فهم سياقات وديناميكيات المجتمع التي تتم فيها المشاريع. ويزيد أيضًا من درجة الثقة بالتدخّل المعمول من قبل الجهة في منطقة التدخل [10].

المصادر
[1] BMJ
[2] الطب ورائداته المسلمات، عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد.
[3] كنز العمال، الملتقي الهندي.
[4] Quoteinvestigator
[5] Stanford Encyclopedia of Philosophy Archive
[6] Britannica
[7] Merriam-Webster
[8] Ethics
[9] Oxfam
[10] Jean Charancle, Elena Lucchi, Incorporating the principle of “Do No Harm” How to take action without causing harm reflection on a review oh Humanity & inclusion’s practices.
[11] INEE
[12] Swedish mission council

عدم الإنجاب الطوعي واللا إنجابية والفرق بينهما

عدم الإنجاب الطوعي واللا إنجابية والفرق بينهما

يعد عدم الإنجاب الطوعي (voluntary childlessness) من المواضيع المثيرة للجدل في علم النفس وعلم الاجتماع والدراسات المتعلقة بالأسرة. وتكمن حساسية هذا الموضوع من النظرة السائدة في كثير من المجتمعات حول فكرة إنجاب الأطفال، حيث يعتبر هذا الأمر تتويجاً للعلاقة بين الرجل والمرأة. كما يمثل رمزاً للحب غير المشروط والتضحية اللذين يقدمهما الوالدان لأبنائهما كما حصلا عليهما من والديهما سابقاً.

أهمية الإنجاب عبر الزمن والوصمة المرتبطة بالعقم

ترجع المواقف السلبية تجاه عدم إنجاب الأطفال إلى حضارات إنسانية قديمة كالإغريق والرومان وأهل ما بين النهرين وغيرهم. وعادة ما كان ينظر إلى المرأة العاقر على أنها مسحورة أو ممسوسة من الشياطين، أو حلت عليها لعنة من نوع ما حرمتها من نعمة الأطفال. بالمقابل، لا يعتبر الرجل الطرف الملام في حالة العقم، وكان من الشائع لدى الكثير من الشعوب أن تقدم المرأة العاقر لزوجها إحدى الجواري أو الخادمات كي ينجب منها أطفالاً [1].

ويعد وجود آلهة للخصوبة لدى الكثير من الشعوب – إن لم يكن لديها جميعها – دليلاً قاطعاً على مدى اهتمامهم بهذه الفكرة، وحرصهم على تقديم الصلوات والقرابين للآلهة كي تذهب عنهم “لعنة” العقم. مثلاً، يذكر التاريخ أنه عند شعب ليتوانيا القديم، كانت المرأة العاقر تقدم لإلهة الخصوبة دجاجة بيضاء كذبيحة في سبيل أن تحمل وتلد. وحتى بعد انتشار الديانة المسيحية، كانت النسوة يلجأن إلى تكريس القداديس والصلوات كي ينعم عليهن الله بنعمة الإنجاب [1].

كما أن بعض القوانين القديمة تدخلت في حل مشكلة العقم، ونجد هذا لدى الباليين والآشوريين والمصريين مثلاً. فقد نصت بعض من قوانين هذه الحضارات على حق الرجل في طلاق زوجته إذا كانت عاقراً. كما ورد في شريعة حمورابي (1750 ق.م.) أنه على المرأة العاقر أن تقدم لزوجها إحدى خادماتها كي ينجب منها أطفالاً. وعندما يتم ذلك، تقوم الزوجة على رعاية الأطفال وتربيتهم كأنها أمهم، في حين تُعتق الخادمة مقابل هذه الخدمة التي قدمتها لسيدها [1].

حتى في العصر الحديث، لا يزال عدم الإنجاب من المسائل الإشكالية التي قد تؤرق الزوجين وتهز صورتهما الاجتماعية. ونرى بدائل عديدة عن الإنجاب الطبيعي قد يلجأ لها الزوجان اللذان منعتهما مشاكل صحية من هذا. فهناك من يقوم بالتبني، أو استخدام رحم بديل، وهناك من يلجأ إلى التلقيح الاصطناعي الذي يكون إما من الزوجين نفسهما أو من متبرعين [1].

تطور مفهوم عدم الإنجاب والانتقال إلى حالة عدم الإنجاب الطوعي

قد يكون عدم الإنجاب حالة مرضية ناتجة عن مشاكل صحية لدى المرأة أو الرجل. وكما ذكرنا في الفقرة السابقة، كانت تقدم القرابين والأضاحي للتخلص من هذا المرض أو اللعنة. في هذه الحالة يكون عدم الإنجاب إجبارياً ومفروضاً نتيجة ظروف معينة. ولكن ماذا إن لم يكن ناتجاً عن العقم؟ ماذا إن لم يكن هنالك عقم أصلاً؟

في الواقع، توجد حالة سائدة بين بعض الأشخاص يكون فيها عدم الإنجاب طوعياً أو اختيارياً. ومع أن دراسة هذه الفئة الديموغرافية لا تزال محدودة بعض الشيء، بدأ الاهتمام بها يتزايد، خصوصاً مع اتساع المجال لظهورها والتعريف بها، بل وتقديم الدعم لها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعن طريق الإنترنت عموماً [2].

 وقد وجدت إحصائيات في عدد من الدول المتقدمة أن نسبة حالة عدم الإنجاب هي في تزايد، ولكن يصعب التمييز في هذه الفئة من السكان بين الحالات الطوعية وتلك الإجبارية. بالمجمل، ورد في دراسة نشرت في مجلة (دراسات في مجال الأمومة – Studies in the Maternal) أن نسبة هذه الفئة من السكان تتراوح بين 15 و25 بالمئة في عدد من الدول المتقدمة. ومع تزايد الميل في هذا التوجه، بات الاهتمام الأكاديمي يتسع لتحليل البيانات المتعلقة بعدم الإنجاب الطوعي من جوانب اجتماعية ونفسية وطبية وشخصية وتاريخية، وحتى نسوية. ويتركز البحث هنا في نسبة السكان عديمي الأطفال، والأسباب الكامنة وراء هذه الحالة، إضافة إلى النتائج المترتبة عليها على الأصعدة الاجتماعية والنفسية [2].

الأسباب الكامنة وراء عدم الإنجاب الطوعي

حاولت بعض الدراسات الاستقصائية البحث في دوافع البالغين الذين لا يودون الإنجاب. وقد تعددت النتائج التي انتهوا لها، ويمكن تلخيصها كما يلي.

تمثل الرغبة بالحرية من تحمل مسؤولية الأطفال أحد أكثر الأسباب شيوعاً ويشترك فيها كل من الرجال والنساء. فهناك من يولي كثيراً من الاهتمام للسفر والتنقل دون روابط أو قيود، ويرى في وجود الأطفال حائلاً دون التمتع بهذه الحرية [2، 3].

ويفسر البعض عدم رغبتهم بأن يصبحوا آباءً بأنهم لا يرتاحون في التعامل مع الأطفال. ومع أن أصحاب هذا التفكير من الرجال هم أكثر من النساء، صرحت بعض النساء بشكل واضح أنهن لا يحببن الأطفال. من جهة أخرى، تميل النسبة لصالح النساء عند الحديث عن الأسباب المتعلقة بالتقدم المهني والتطور الشخصي. إذ ترى العديد من الشابات أن إنجاب الأطفال قد يكون سبباً في توقف حياتهن المهنية وعائقاً أمام إنجازاتهن. لذا يفضلن عدم الإنجاب والمضي قدماً في مسيرة التطوير الذاتي [2، 3].

ولدى التفكير بحياة الشريكين معاً، يرى بعض الأزواج أن عدم إنجاب الأطفال يبشر بعلاقة أكثر سعادة وراحة. كما يمكن لهذا أن يؤمن لهما راحة مادية ويوفر الكثير من المصاريف، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على حياتهما المشتركة [2، 3].

ويعزو البعض هذا الخيار إلى مشاكل نفسية كانوا قد عانوا منها في صغرهم. ويتمثل ذلك في تجارب سلبية مع الأهل، مما أثر على صاحب العلاقة وجعله غير قادر على تربية الأطفال بالطريقة الصحيحة التي لم يكن قد حظي بها أصلاً. أو قد يكون نتيجة تجارب اجتماعية غير ناجحة، ولّدت لدى الأشخاص البالغين شكوكاً حول مقدرتهم على أن يصبحوا آباءً [2، 3].

ثم توجد أسبابٌ أكبر من الأفراد المعنيين قد تلعب دوراً في قرارهم بعدم الإنجاب. حيث وجدت بعض الاستقصاءات أن هنالك من الأزواج من يبدي قلقاً حول موضوع التضخم السكاني. وهذا يدفعهم إلى عدم المشاركة في تفاقم هذه المشكلة. أو قد يكون السبب هو القلق من الظروف السيئة على مستوى العالم عموماً، والخوف من توريط الأطفال في الحياة على كوكب يعج بالمشاكل [2، 3].

الفرق بين عدم الإنجاب الطوعي واللا إنجابية

إذاً، يمثل عدم الإنجاب الطوعي نمط حياة يتبناه المرء بكامل إرادته، بناءً على أسباب متعددة.

ولكن يوجد توجه فلسفي يشرح سبب هذا النمط، أو على وجه الدقة، ينادي به ويدعمه. يسمى هذا المنحى “اللا إنجابية – anti-natalism”، وهو موقف فلسفي يصنف عملية الإنجاب على أنها خاطئة أخلاقياً، وعليه لا ينبغي للبشر أن يتكاثروا. كما يعمم بعض أنصار اللا إنجابية نظرتهم السلبية للإنجاب حتى على الأجناس غير البشرية [4].

تتعدد الأسباب وراء هذا الموقف السلبي من التكاثر، لكن تتفق جميعها على نظرتها السوداوية حيال استمرار الجنس البشري على الأرض. فمثلاً، يرى معظم أنصار اللا إنجابية أن انقراض البشر هو أمر محتوم، وأنه من الأفضل للبشرية أن تنقرض بأسرع وقت ممكن. كما ينطلق هؤلاء من فكرة أن الموت هو أمر محزن ولا مفر منه، فالمرء يحزن لدى فقد محبيه. لكن الطريقة الأمثل لوقف موت البشر هي ببساطة عدم إنجابهم. إضافة لهذا، يرى اللا إنجابيون أن الحياة البشرية هي حياة معاناة وتعاسة، ومن أضمن الطرق للقضاء على العذاب في الحياة هي ألّا نعمل على استمرارها بمزيد من الأفراد البشريين [4].

كما توجد بعض التساؤلات حول أخلاقية فعل الإنجاب فيما يتعلق بموافقة الطرفين المعنيين؛ أي الأهل والأطفال. فعندما يختار البالغون إنجاب الأطفال، يقومون بالحكم على مصير شخص آخر لا يد له في هذا القرار؛ أي الطفل. ويطرح الكثير من الأطفال، أو حتى البالغين، هذا السؤال على والديهم: “لماذا أنجبتموني؟ أنا لم أطلب أن أولد!” وهذا أمر صحيح فعلاً، ويتمسك به مناصرو اللا إنجابية كذريعة لانتقاد عملية الإنجاب بالمبدأ [4].

ردود الفعل تجاه عدم الإنجاب الطوعي

الردود الإيجابية

وضحت إحدى الدراسات ردود أفعال مختلفة تجاه موقف بعض البالغين بعدم إنجاب الأطفال. وقد تباين ذلك بين مواقف داعمة للفكرة وأخرى رافضة لها. حيث كان أغلب الداعمين من فئة الشباب الذين يظهرون فهماً لهذا الموقف الذي قد يختاره أقرانهم. بالمقابل، أظهر بعض الكبار في السن، وخاصة من أفراد عائلة الأشخاص المعنيين، مشاعر حزن أو قلق حيال هذا الخيار. فهو لا يتناسب مع العقلية والمبادئ التي تربوا عليها [2، 3].

أما عن رأي الشريك، فقد أظهرت المقابلات التي أجرتها هذه الدراسة أن عدم الرغبة بالإنجاب كانت في بعض الحالات سبباً بارتباط الشريكين. وفي حالات أخرى، كانت هذه الرغبة شرطاً للارتباط ولم تكن لتنجح العلاقة لولا تحققه [2، 3].

كما وجد باحثون في دراسة أخرى ارتفاع نسبة الرضا في العلاقة التي لا إنجاب فيها، وانخفاض نسبة الطلاق بين الأزواج ممن لم ينجبوا مقابل الأزواج الذين لديهم أطفال دون سن الـ 16 عاماً. ولدى المقارنة بين أزواج كبار في السن، تبين أن التوتر الذي يعانيه الآباء هو أكبر من الموجود لدى غير الآباء. أي يتميز نمط الحياة الذي يكون فيه عدم الإنجاب اختيارياً بانعكاسات إيجابية على الحياة المشتركة للطرفين [3].

الردود السلبية

بالمقابل، لا تخلو النتائج وردود الفعل من مظاهر سلبية. فقد صرح بعض الأزواج أنه رغم تلقيهم للدعم من عائلاتهم وأصدقائهم، واجهوا تعليقات وانتقادات من أشخاص غرباء كلياً أو تربطهم علاقة سطحية. ويميل توجيه الانتقاد أو التساؤلات عن عدم الإنجاب إلى النساء أكثر من الرجال. بل على العكس، صرح بعض الرجال الذين لم ينجبوا أنهم يلقون مديحاً من أقرانهم. حيث ينظر إليهم أنهم يعيشون حياة تتسم بالحرية وعدم الالتزام. وهذا ما يثبت أن النظرة القديمة التي تربط كينونة المرأة بالإنجاب لا تزال موجودة ولو على بشكل أقل انتشاراً. وترى النساء في هذا ظلماً وانتهاكاً لخصوصيتهن [، 3].

أما على الصعيد الصحي، فقد وجدت بعض الدراسات ارتفاع نسبة الوفيات بسرطان الثدي لدى النساء اللواتي لم يسبق لهن الإنجاب. ومع الأسف، تؤكد أبحاث طبية ارتفاع احتمال الإصابة بسرطان الثدي بالتزامن حالة عدم الإنجاب أو التأخر بذلك لما بعد سن الثلاثين. وتستخدم هذه الحجة من قبل المجتمع في إقناع النساء بالإنجاب، إضافة إلى تسليط الضوء على أهمية وجود الأبناء لتقديم المساعدة لوالديهم في شيخوختهم. وهذا يؤكد وجود بقايا العقليات القديمة التي تصم عدم الإنجاب على أنه فعل سلبي، خاصة عندما يتعلق بالمرأة [3].

اقرأ أيضاً: هل سيتمكن الأطفال من النمو في الرحم الاصطناعي؟

المصادر

  1. Childlessness: Concept Analysis
  2. Research Gate
  3. Voluntary Childlessness
  4. Anti-natalism

ما هو التماسك الاجتماعي وكيف يقيس صحة المجتمع؟

تعريف التماسك الاجتماعي

يستخدم مصطلح «التماسك الاجتماعي – Social Cohesion» بطرق غير محددة إلا أنه غالباً يندرج في أحد إطارين. الأول متعلق بالسياسات العامة وإجراءاتها لشرح أهداف هذه السياسات وأسبابها المنطقية لتحسين حياة الأفراد. مثل تحسين الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية وضمان أن يكون للجميع صوت. والثانية لشرح التغييرات الاجتماعية والسياسية وأحياناً الاقتصادية الحاصلة في المجتمع [1].

وقد عرّفت «جوديث ماكسويل – Judith Maxwell»  عام 1996 المجتمع المتماسك -في ما يشير إليه الكثيرين على أنه أول ظهور رسمي للتعريف- بأنه يتضمّن وجود قيم مشتركة، وتفسيرات مشتركة للأشياء، وتقليل للتفاوت في الثروة والدخل وبشكل أعم تمكين الناس من الشعور بأنهم جزء من مشروع، وأنهم أعضاء في ذات المجتمع، ويواجهون تحديات مشتركة. ومن هنا يكون التماسك الاجتماعي؛ عملية مستمرة لتطوير مجتمع انطلاقاً من قيم مشتركة، وتحديات مشتركة، وفرص متكافئة على أساس الشعور بالأمل والثقة والعدالة [2].

ويعرّف «المجلس الأوروبي – European Council» التماسك الاجتماعي على أنه؛ قدرة المجتمع على ضمان رفاهية جميع أعضائه وتقليل التفاوتات وتجنب التهميش [3]. ويضيف «مجلس التعاون الاقتصادي – The Organization  for Economic Cooperation and Development» على هذا التعريف أن المجتمع المتماسك يتيح لأفراده فرصة الحراك الاجتماعي الصاعد. وهو غاية مرغوبة ووسيلة تنمية شاملة. فالحد من الفقر ليس كافياً بقدر ما هو مهم التركيز على برامج الحماية الاجتماعية وخلق سياسات إعادة توزيع جديدة فعّالة.

فيكون بهذا التماسك الاجتماعي الصمغ الذي يربط بين الناس، ويتعزز هذا الربط بالسعي إلى قدر أكبر من الشمولية. وزيادة مشاركة المواطنين وخلق فرص للترقي للجميع. وهذا أحد أهم الإجراءات العامة التي تعتبر الوثاق الذي يحمل المجتمع معاً في وحدة متماسكة [4]. ويرتبط الأفراد في ظل التماسك الاجتماعي على مستوى المواقف والقواعد والسلوكيات والمؤسسات بنهج يرتكز على تحقيق الإجماع ويبتعد عن الإكراه [5].

أهمية التماسك الاجتماعي؟

غالبًا ما يكون من الأسهل رؤية الخطأ في المجتمع أكثر من معرفة ما يجعله قويًا ومتماسكًا ومستقرًا. إلا أن هناك ثلاثة متطلبات لازمة لمجتمع متماسك. أولاً الثقة والاحترام. نحن بحاجة إلى روابط حقيقية بين الناس، وإلى رؤية الآخرين كبشر وليس كأدوات يمكن الاستفادة منها.

ثانياً، الوحدة في التنوع لأن كل مجتمع لديه تنوع ويجب قبول ذلك واحتضانه. ثالثاً، الهويات المرنة حتى لا نحتضن التنوع بشكل سطحي أو نتسامح فقط مع جيراننا، ولكن نبني روابط يمكن أن تقاوم توترات السرديات الحصرية والتي يسيطر عليها لون ثقافي واحد في ظل مجتمع متعدد الثقافة، مما يعزز احتماليات العنف [6].

هذه المتطلبات هي أشياء بسيطة وعملية، ولكن يجب تطويرها بطرق حساسة ثقافيًا في كل مجتمع.

وقد يفهم البعض التماسك الاجتماعي على أنه يعني الشعور بالتجانس كشكل من أشكال الوحدة الصارمة. إلا أن الروابط المشتركة لا تعنى بالضرورة وجود تشابه في اللغة أو العرق أو الدين أو نمط الحياة [3]. «وشعور التماسك – Sence of coherence» يعني قدرة الناس على التعامل مع الضغوطات اليومية وإدارة التوتر. بالإضافة إلى التفكير في الموارد الداخلية والخارجية وتحديدها وتعبئتها لخلق مواجهة فعّالة للتحدّيات المجتمعية. و «SOC – شعور التماسك» هو توجّه وطريقة في النظر تفترض أن العالم مفهوم، وقابل للإدارة وله معنى [7].

التضامن العضوي عند دوركايم

يشير عالم النفس «إيميل دوركايم – David Émile Durkheim» إلى أن الروابط في المجتمعات الحديثة المتمايزة باتت تتحول إلى نوع من “التضامن العضوي”. حيث يقوم هيكل الإنتاج الصناعي على اعتماد جميع من في هذا الهيكل على بعضهم البعض. حيث يعتمد العاملون في الصناعة والخدمات بالضرورة على المواد الخام التي يقدمها آخرون، والأغذية التي ينتجها الآخرون، ومثال الأسواق التي يتم فيها تبادل المنتجات، وهذه كلها أشكال من التضامن العضوي.

“وعي المواطنين أنهم يعتمدون على بعضهم البعض كأعضاء الجسم”

إيميل دوركايم

وفي هذا نقطة هامة على طريق تعزيز الوعي بالتماسك الاجتماعي وأهميته وذلك في ظل التباينات الشديدة بين الناس في الجماعة الواحدة، أيضاً في علاقة الجماعة الواحدة مع غيرها من الجماعات [4]. وعلى العكس من التجانس كمقوّم للتماسك الاجتماعي نجد أنه كلما كان التباين أشد بين الناس كانت الآفاق التي تزخر بها مخرجات التماسك الاجتماعي أكبر. فواقع المجتمعات اليوم معقّد ومليء بالمتغيّرات وتوافر المجتمع على أفراد و جماعات متعددة الثقافة استثمار كبير يزيد من قدرة المجتمع على الإبداع وابتكار الحلول.

التماسك الاجتماعي عند وينفريد لويس مابس

تقول الباحثة «وينفريد لويس مابس – Winnifred Louis Maps» أن التماسك الاجتماعي لا يعني التجانس. وإنما المجتمع المتماسك هو مجتمع يحترم بعضه البعض حتى لو كانوا مختلفين، حيث يوفر للناس الاختلاف دون الشعور بغياب الأمان أو فقدان الاحترام [8].

كما تضيف الباحثة أن الخلاف الآمن هو مهم بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالفئات المهمشة. حيث هناك درجة من الصراع الاجتماعي الإيجابي لازمة للتأكد من أن الفئات المحرومة يمكنها التعبير عن مظالمها [8].

ويرتبط كلام الباحثة هنا بشكل ملفت بأوضاع المجتمعات اليوم في ظل الهجرة الكثيفة والتنوع الثقافي الذي يزداد في أغلب المجتمعات. حيث مع ازدياد تباين الثقافات داخل المجتمع الواحد، تزداد الحاجة إلى فهم التماسك باعتباره توفير مساحة آمنة للآخر عوضاً عن إقصائه أو إلتهامه ضمن ثقافة أخرى. كما أن ماسبق ذكره يسلّط الضوء على ضرورة فتح باب للنقاش والحوار حول التحديات المجتمعية لإيجاد حلول مشتركة مبنية على الاحترام المتبادل والالتزام بالعدالة [8].

كيف يتحقق التماسك الاجتماعي؟

تتضمن عملية التماسك الاجتماعي مجموعة من التحركات الهامة على طول الطريق كالتحرّكات التالية [9]:

  1. التعاون مع الحكومة، ويتم عبر عدة محاور:
  • قياس التماسك ويكون هذا عن طريق وضع مقياس رصد لواقع التماسك الاجتماعي مثل مقياس Scanlon-Monash (SMI)، ويقيس واقع التماسك عبر خمس متغيرات: الانتماء، القيمة، العدالة الاجتماعية، المشاركة، والقبول [10].
  • الالتزام بالتماسك الاجتماعي كأولوية ضمن التخطيط الاستراتيجي.
  • تقييم الاستعداد وبناء القدرات.
  • تضمين أهداف التماسك الاجتماعي في السياسات والعمليات التنظيمية.

أمثلة عن تحرّكات حكومية: (1) خطة عمل توظيف السكان الأصليين والفئات الأقل اندماجاً. (2) لجنة استشارية للسلامة المجتمعية لتحسين السلامة في الأماكن العامة. (3) لجنة حي تقوم بتوثيق التحديات وتتشارك مع الناس المشاكل وتستقبل الحلول.

2. إشراك المجتمع، ويتم عبر عدة محاور:

  • تعرف على المجتمع: افهم خصائص الأشخاص الذي يعيشون ويعملون في المنطقة وما هي احتمالات التغير التي يمكن أن تطرأ عليهم مع الوقت.
  • إشراك المجتمع:  تحديد المجالات الحالية والمحتملة للتطوير والبناء انطلاقًا من نقاط القوة الحالية.
  • كن تمثيلياً وشاملاً: التأكد من سماع جميع الأصوات.
  • حصر التحديات: تحديد التوترات التي يمكن أن تقوض التماسك الاجتماعي في المنطقة واحتماليات حدوثها.

أمثلة عن إشراك المجتمع: (1) رسم خريطة تشمل التنوعات الديموغرافية في المنطقة وذلك لتكوين صورة عامة عن المجتمع المحلي الهدف، وللمساعدة في إدارة النقاشات مع الأفراد. (2) القيام بمجموعات تركيز ونقاش مع أفراد متنوّعين من المجتمع أو عبر استبيانات على الانترنت ومكالمات عبر الهاتف.

3. بناء شراكات طويلة الأمد، ويتم عبر عدة محاور:

  • تحديد الشركاء: فهم أي الشركاء يمكنهم المساعدة في بناء التماسك المجتمعي الآن أو مستقبلاً.
  • إشراك الشركاء: تطوير استراتيجية تضمن طريقة الاتصال معهم وطبيعة العلاقة التي ستكون.
  • العمل مع الشركاء لتحديد المشكلات واتخاذ القرارات عبر نموذج عمل تعاوني.
  • ضمان وجود شراكات على المدى الطويل وما يشمله من تتبع التغييرات الحاصلة في الموظفين ورعاية العلاقات بأشكالها الرسمية وغير الرسمية.

4. قم بعمل هادف يعتمد على المكان، ويتم عبر عدة محاور:

  • تمكين المجتمع وبناء قدراته للمشاركة في تخطيط وتنفيذ الأنشطة.
  • الاستعداد الدائم والعمل مع الشركاء لتطوير خطط يمكن تنفيذها سريعاً.
  • إشراك الشباب وتمكينهم من الشعور بالاتصال مع مجتمعهم وقضاياه وتوفير مساحة تفاعل آمنة.
  • تعلّم من الآخرين، لكن صمم برنامجك بشكل مناسب للاحتياج المحلي الخاص الذي لديك.
  • تطوير وسائل الاعلام والاتصال عن طريق استخدام وسائط الإعلام المتعددة للتواصل مع الناس ونشر حس التماسك الاجتماعي.

أمثلة عن الأعمال الهادفة المعتمدة على مكان: (1) أنشطة المنظمات الإنسانية المحلية والعالمية في المناطق المنكوبة في سوريا، والعراق، واليمن التي تستهدف بناء القدرات المحلية ومشاركتهم في رصد المشاكل وإبداع الحلول عن طريق ورشات العمل، جلسات التوعية، الاجتماعات، النوادي الفكرية، الأنشطة الرياضية، الأنطة الفنية والثقافية.

5. تقييم ومشاركة النتائج

  • تطوير عمل التقييم: العمل مع المجتمع على الأرض لتحديد كيفية قياس مدى ملاءمة وكفاءة إجراءات تعزيز التماسك الاجتماعي.
  • جمع بيانات التقييم: التفكير في المعلومات التي ينبغي جمعها لبناء التقييم.
  • مراجعة النتائج المحققة: هل هناك اختلاف أو أثر للأنشطة التي تمت على الأرض مع المجتمع الهدف وساهمت بتحسين التماسك الاجتماعي؟
  • تبادل الخبرات مع الآخرين.

التماسك الاجتماعي والصحة الجيدة

حددت إحدى الدراسات أن المناطق التي تتمتع بمزيد من الاستقرار السكني ومستويات أعلى من التماسك الاجتماعي لديها معدلات ضعف أقل لدى كبار السن. ووجدت دراسة أخرى علاقة مباشرة بين التماسك الاجتماعي وتحسين القدرة على أداء أنشطة الحياة اليومية، وارتفاع مستويات السعادة. كما أشارت تحقيقات أخرى لوجود روابط بين التماسك الاجتماعي والتحسن العام في الصحة النفسية، وزيادة معدلات المشي المنتظم، وارتفاع معدل استخدام الواقي الذكري، وانخفاض الاكتئاب، وتحكم أفضل في نسبة السكر في الدم، وخفض معدلات التدخين [11].

تشير النتائج المستخلصة من دراسات إضافية إلى فوائد التماسك الاجتماعي حيث تثبت علاقته بانخفاض معدلات زيادة الوزن والسمنة، ومعدلات أقل للوفيات لجميع الأسباب، وانخفاض حالات احتشاء عضلة القلب، ومعدلات أقل لإهمال الأطفال، وتحسن الحالة العامة عند أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة [11] .

وتتفق الدراسات المعمولة في التماسك الاجتماعي أن النظام الذي يدعو إلى سياسات رفاه أكثر مساواة والتي تشمل الخدمات الطبية العامة، من المرجّح أن يحافظ على صحة المجتمع ويحّسنها. كما أن عامل الثقة بين الفرد والخدمات المدنية له دور كبير في زيادة التماسك الاجتماعي. وتشير الدراسات إلى أن تبنّي بلد ما سياسة متسامحة مع المهاجرين يعني أنه يتمتع بتنوع أعلى في القيم، وجهود حكومية أفضل لضمان حصول الجميع على حقوقهم.

إن البلدان المتسامحة مع المهاجرين هي بلدان أكثر عرضة لنفقات صحية أكبر إلى جانب نفقات التعليم وتوفير الفرص المتساوية للجنسين [5]. وهذه البلدان بالذات تكون تحت ضغط لصياغة سياسات صحية تحترم الحريات الفردية والاختلافات. وتوفر بيئة ملائمة للأفراد لمتابعة صحّتهم، لأنها تعي وتفهم الظروف التي تساهم بزيادة السلوكيات المنحرفة خصوصاً العقلية والنفسية [5].

كما أن الأفراد الذي يتمتعون بحالة صحية أفضل هم أكثر قدرة على المشاركة في الأنشطة المدنية والشعور بالثقة والأمان وهو ما يعود على المجتمع بالفائدة [5].

المصادر

[1] Taylor & Francis 
[2] Jstor
[3] The Scanlon Foundation Research Institute
[4] UN
[5] International Journal for Equity in Health
[6] The S. Rajaratnam School of International Studies (RSIS) 
[7] SpringerLink
[8] sychlopaedia
[9] Australian Human Rights Commission
[10] .SMI: The Scanlon-Monash “Index of Social Cohesion” Prof. Andrew Markus
[11] National Library of Medicine

ما هي النفعية؟

هل يمكن أن يبرر هتلرالمحرقة؟ لأن النهاية أو الغاية كانت لتنقية الجنس البشري؟ أو يمكن أن يبرر ستالين ذبحه للملايين لأنه كان يحاول تحقيق يوتوبيا شيوعية؟ أيمكن للأميركيين في القرن الثامن عشر تبرير العبودية على أساس أنها قدمت نتيجة جيدة لغالبية الأمريكيين؟ من المؤكد أن الغالبية استفادت من عمل الرقيق الرخيص، على الرغم من أن حياة العبيد السود كانت غير إنسانية! هل يمكن أن تصبح عبدًا لمعبودًا أكبر يسمى ” الصالح العام”؟ من يحظى بالقيمة الأكبر؟ أنت (كوحدة بناء المجتمع) أم الصالح العام؟ وهل هناك من يمكن أن يستحق الإزدراء؟ هل الغاية تبرر الوسيلة؟ وما هي النفعية؟

تخيل أن هناك رجلاً يُدعى “مراد”، رجل فقير وعاطل عن العمل في إحدى أحياء القاهرة الكبرى. يعول أسرة مكونة من أربع أفراد أُخر. زوجته “سارة” ذات الصحة الهزيلة، فهي مريضة بمرض مزمن، تكلفها أدويته قرابة 300 جنيهُا مصريًا كل أسبوع. وأطفالهم الصغار س، ص، ع لم يستطيعوا الحصول على أدوات التعليم الكافية كأقرانهم لمحدودية دخل والدهم. فلا يستطيعون تلقي دروسًا خاصة لتحسين مستواهم الدراسي- انتظر، إن ظروفهم تلك تمنعم من الانتظام بالدراسة في المدرسة أساسًا.

لا يوجد مصدر دخل لمراد، ليس لديه أملاك أو حيازات يمكنه بيعها مقابل المال. بل ليس لديه أي أصدقاء يمكنهم مساعدته، فقد قطع صديقه الوحيد “عادل” كل السُبل بينهما لكونه كثير المشاكل والشكوى والاقتراض.

الآن يجب عليه التصرف لكونه مسئولاً عن تلك الأرواح -على الأقل-.

تحدثت إليه نفسه، قائلة: لا يوجد لديك سوى بديلين: إما أن يتركهم لتدركهم رحمات الله. أو أن يحصل على المال عن طريق السرقة، فيسرق من صديقه عادل ما يغطي احتياجات أسرته.

دعنا نضع هذا الموقف أمام معيارين. بالأحرى مبدأين.

الأول نعلم جميعًا أن السرقة خطأً أخلاقيًا. فإن فعل -من هذا المبدأ- سنقول أن ما فعله مُراد- السرقة من صديقه عادل- خطأ أخلاقيًا!

المبدأ الثاني، سيخبرك بأن ما فعله مراد جائز وصحيح أخلاقيًا!

ما رأيك أنت الآن، وإلى أي مبدأ ستنتمي؟

فكر، أليس فعل السرقة خطأ؟

ألا يلحق بالضرر على الآخر؟

أحاجة عادل للمال بنفس قدر حاجة مراد إليه؟

الفعل ورد الفعل

بالنسبة للمنتمي للمبدأ الثاني، فإن فعل السرقة في حد ذاته ليس سيئ أو جيد، فهو فعل عادي. فما يجعله سيئ أو جيد هو العواقب التي تنتج عنه.

ففي المثال السابق ذكره، سرق مراد من شخص واحد ( صديقه عادل)  لديه حاجة أقل للمال. ومن ثم، أنفقه على ثلاثة أشخاص لديهم حاجة أكبر إليه. إذًا فإن سرقة مراد من عادل هي وسيلة إن استُخدمت الأموال في علاج سارة والرسوم الدراسية لـ س وص وع. يستند هذا التبرير على أن فوائد السرقة تفوق الخسائر الناجمة عنها. ففعل مراد من السرقة هو حق أخلاقيًا لأن إيجابياته  أكثر من سلبياته. وبعبارة أخرى، أنتجت السرقة المزيد من المتعة أو السعادة من الألم أو التعاسة، هذه هي النفعية.

ما هو مبدأ النفعية؟

النفعية هي شكل من أشكال التبعية. من أجل التبعية، يعتمد الصواب الأخلاقي أو الخطأ في الفعل على العواقب التي ينتجها. وبناءً على ذلك، فإن الفعل الذي تفوق عواقبه السلبية النتائج الإيجابية يعتبر خطأً أخلاقيًا. في حين أن الفعل الذي تفوق عواقبه الإيجابية النتائج السلبية يعتبر صحيحًا أخلاقيًا. على أسس نفعية، فإن الأفعال التي تفيد قِلة من الناس وتضر بمزيد من الناس ستعتبر خاطئة أخلاقيًا. بينما تُعتبر الأفعال التي تضر بعدد أقل من الناس وتفيد عدد أكثر من الناس صحيحة أخلاقيًا.

يمكن وصف المنفعة والضرر بأكثر من طريقة؛ بالنسبة للنفعيين الكلاسيكيين مثل جيريمي بنثام– Jeremy Bentham وجون ستيوارت ميل-John Stuart Mill، تُعرف النفعية من حيث السعادة/التعاسة والمتعة/الألم. من هذا المنطلق، فإن السلوكيات التي تسبب ألمًا/ تعاسة أقل، ومتعة/سعادة أكثر يمكن اعتبارها  صحيحة أخلاقيا، والعكس صحيح.

على الرغم من أن المتعة والسعادة يمكن أن يكون لهما معانِ مختلفة، إلا أنه في هذا السياق سنعاملهما على أنهما مترادفان.

أين القلق إذًا؟

قلق النفعيين هو كيفية زيادة الفائدة. فتستند نظريتهم الأخلاقية على مبدأ المنفعة الذي ينص على أن “العمل الصحيح أخلاقيًا هو العمل الذي ينتج خيرًا أكثر”

العمل الخاطئ أخلاقيًا هو الذي يؤدي إلى الحد الأقصى من الخير. على سبيل المثال، قد يجادل النفعي أنه على الرغم من أن بعض اللصوص المسلحين سرقوا أحد البنوك في عملية سرقة، طالما أن هناك عددا أكبر من الأشخاص الذين يستفيدون من السرقة  أكثر من الأشخاص الذين يعانون من السرقة فإن السرقة ستكون صحيحة أخلاقيا وليست خطأ أخلاقي. وعلى هذه الفرضية النفعية, إذا كان المزيد من الناس يعانون من السرقة بينما يستفيد منها عدد أقل من الناس, ستكون السرقة خطأً أخلاقيًا!

ما الفرق بين القاعدة النفعية والقاعدة الأخلاقية؟

من الملاحظ أن النفعية تعارض علم الأخلاق، فالنظرية الأخلاقية تقول أنه كعوامل أخلاقية لدينا واجبات أو التزامات معينة، يتم إضفاء الطابع الرسمي على هذه الواجبات أو الالتزامات من حيث القواعد. الفرق بين القاعدة النفعية والقاعدة الأخلاقية هو أنه وفقا للقاعدة النفعية، فإن التصرف وفقا للقاعدة صحيح، فإن قبلت واتُبعت على نطاق واسع، ستنتج الأكثر فائدة. ووفقًا لعلم الأخلاق، ما إذا كانت عواقب أفعالنا إيجابية أو سلبية لا تحدد صوابهم الأخلاقي أو الخطأ الأخلاقي. ما يحدد صوابهم الأخلاقي أو خطأهم الأخلاقي هو ما إذا كنا نتصرف أو لا نتصرف وفقا لواجبنا (إذ يستند الواجب إلى قواعد لا تبررها في حد ذاتها عواقب قبولها واتباعها على نطاق واسع).

ما هي بعض أنواع النفعية؟

كل ما ذكر أعلاه هو وصف عام، وفي الواقع هناك عدة وجهات نظر من النفعية يمكن تمييزها كالآتي:

النفعية السلبية

هذا النوع من النفعية يتطلب تعزيز أقل قدر من المعاناة لأكبر عدد من الناس. هذا على النقيض من جميع أنواع النفعية الأخرى (النفعية العامة أو “الإيجابية”) التي تستند إلى القاعدة العكسية تقديم أكبر قدر من المتعة لأكبر عدد من الناس. ويأتي تبرير النفعية السلبية بأن أكبر الأضرار هي أكثر تبعية (الضرر هو نتيجة أكبر من المتعة) من أعظم المتعة، وبالتالي يجب أن يكون لها تأثير أكبر على صنع القرار.

إذًا تخيل أن تؤدي بنا النفعية السلبية إلى اتباع أقل الطرق إيلامًا لقتل جميع البشر، هذا لأنه بعد وفاة الجميع، لن يكون هناك المزيد من المعاناة على الإطلاق للبشرية، مما يضمن وجود أقل قدر من الألم في العالم، ذلك هو الانتقاد الموُجهة لتلك الرؤيةز أما الحجة المضادة لهذا هو أن للألم والمعاناة الأولوية على المتعة. ولكن يثير ذلك مسألة كم من الألم يستحق أو يعادل كم من المتعة وكيف يمكن تحديد ذلك؟

النفعية الواعية   

هذا هو النوع من النفعية الذي يعطي الاعتبار على قدم المساواة لجميع الكائنات الحية -ليس البشرفقط-. لذلك، يمكن أن تشمل هذه النظرة النفعية  الآخرين -عند النظر في نوع من النفعية، يجب أن تسأل عما إذا كانت تراعي الحيوانات الأخرى غير البشر أم لا، سواء كانت تلك “الواعية” أم لا. فالكائنات الحية جميعها (قرودًا، وكلابًا وقططًا… وسائر الحيوانات الأخرى) تعتبر واعية وتشعر بالألم. وبالتالي، يجب أن نوليها اعتبار متساو.

يجادل النقاد بأن احتياجات البشر أكثر أهمية من احتياجات الحيوانات الأخرى لأن البشر أكثر ذكاء ، وذكائهم هو الذي يجلب السعادة للجميع.

الحجة المضادة لذلك هي أن هذه الفكرة ستنطبق أيضا على البشر أنفسهم، فستصنف احتياجات البشر الأكثر ذكاء على أنها أكثرأهمية من تلك الأقل ذكاء!

فهل تلك هي فكرة مقبولة؟ وستتقدم النفع للجميع بشكل متكافئ؟

متوسط النفعية

دعنا نسأل مرة أخرى، إذا كانت تعتمد النفعية على تحقيق النفع والسعادة مقابل آلام ومعاناة أقل، فكيف نقرر مقدار أو متوسط “المنفعة” التي يجب يتمتع بها المجتمع حتى نتمكن من المقارنة وتحديد أفضل طريقة للتصرف؟

يشير متوسط النفعية إلى أننا نقيس الفائدة للأفراد عن طريق حساب متوسط المنفعة (معرفة فائدة جميع الناس ثم القسمة على عدد الأشخاص) من هؤلاء الأفراد.

مثلاً، حدد للأفراد متوسط فائدة/سعادة هو 90 (حيث الحد الأقصى للشخص هو100). معظم الناس هنا سعداء جدا، لذلك إذا قمت بإضافة شخص ما مع متوسط فائدة/سعادة فقط 80 (لا يزال سعيدًا جدًا)، متوسط النفعية ستقضي بأن ذلك عمل غير أخلاقي، لأن أقل 80 من شأنه أن يجلب متوسط فائدة (90) من الآخرين.

متوسط النفعية يدعو إلى إزالة جميع الأفراد الذين هم أقل من المتوسط في السعادة/النفع. وهذا من شأنه أن يخلق دوامة، فمن بعد إزالة المتوسط أدناه سيكون هناك متوسط جديد، وبالتالي بعض الناس الذين كانوا فوق المتوسط (قبل أن تصبح أقل من المتوسط) سيزالوا. سيستمر هذا حتى لا يكون هناك سوى عدد قليل من أسعد الأفراد على حد سواء!

حجة مضادة لهذا هو أنه من خلال إزالة الناس حزينة بعيدا عن الأفراد أكثر سعادة، فإن متوسط فائدة/السعادة للمجتمع تنخفض، فسيكون هناك شعور المجتمع من الخسارة والشفقة على تلك الفئة التي أزيلت.

النفعية الكلية

هذه وجهة نظر بديلة لمتوسط النفعية وتتحول من مجرد مفارقة الإضافة إلى القياس الأفضل للسعادة/المنفعة وذلك من خلال المنفعة/السعادة الكلية التي يمتلكها المجتمع.

ومع ذلك، فإن هذا النوع تشوبه بعض الشوائب، على سبيل المثال، المجتمع الذي يحتوي على 1 مليون شخص لديهم جميعا فائدة منخفضة، دعنا نقول فقط 1 من أصل 100، سيكون له فائدة إجمالية قدرها 1 مليون والتي ستكون أكثر تفضيلا لمجتمع من 1,000 شخص فقط سعداء جميعا بفائدة 100 لكل منهم.

الاستنتاج هنا هو أن المجتمع الأكبر سكانًا ولكن في المتوسط أقل سعادة هو أكثر تفضيلاً من مجتمع أكثر سعادة ولكنه أقل سكانًا.

النفعية الدافعة

يتضمن هذا النوع من النفعية دوافع الناس لأفعالهم ويعطي لها وزنا عند تحديد ما إذا كان الإجراء صحيحا أو خاطئًا أخلاقيًا. إذا كان من المعروف أن شخصا ما يقوم بعمل جيد على ما يبدو بدوافع غير أخلاقية، فقد يعتبر هذا الإجراء غير أخلاقي عند استخدام النفعية الدافعة. تشير النفعية الدافعة أيضا إلى غرس الدوافع التي ستكون ذات قيمة عملية في أنفسنا من خلال التدريس حتى نفعل الشيء الصحيح عندما يتعلق الأمر به.

باختصار، تعتبر النفعية الدافعة الحالة النفسية للبشرعند الرغبة في أو القيام بأفعال معينة.

القاعدة النفعية

القاعدة  النفعية تتعلق بالقواعد الأخلاقية العامة التي يجب عليك اتباعها عند اتخاذ القرارات. من المفترض أن تسهل هذه القواعد العمل الأخلاقي الذي يزيد من المتعة بغض النظر عن كيفية تطبيقها. فإذا كانت القاعدة العامة لا تقوم بالدور المطلوب، توضع قواعد فرعية أو قواعد استثنائية عامة بحيث تعمل لصالح تعظيم السعادة/المنفعة.

على سبيل المثال، قد تكون القاعدة العامة المتبعة هي عدم قتل إنسان مطلقا، وقد يكون الاستثناء من هذه القاعدة أن القتل مقبول عندما يتم دفاعا عن النفس. ألا ترى أن هذا يجعل النفعية أكثر عملية  وقابلية للاستخدام في حياتنا اليومية؟ إذ لا توجد حاجة إلى حسابات طويلة أو تحليل نقدي. ومع ذلك، فإن العديد من المواقف الصعبة  لن يكون لها قواعد. وربما لن نكون قادرين على وضع قواعد كافية لاستيعاب جميع الحالات إذا حاولنا. يجادل العديد من النقاد بأن تحليل القواعد العامة الأصلية من أجل إضافة المزيد من قواعد الاستثناء العامة الأخلاقية هو نفس عملية النفعية.

الفعل النفعي

من منظور الفعل النفعي، نحن مطالبون بتعزيز تلك الأعمال التي ستؤدي إلى أكبر قدر من الخير لأكبر عدد من الناس. فعواقب فعل إعطاء المال للجمعيات الخيرية ستعتبر صحيحة في النفعية، لأن المال يزيد من سعادة كثير من الناس، بدلا من نفسك فقط.

كما تتطلب هذه الرؤية من النفعية أخذ كل حالة على حدة وأن تجرى الحسابات المناسبة لكل منها. فتُحسب احتمالات العواقب لكل إجراء محتمل ومن ثم يجب اختيار الإجراء الذي من المحتمل أن يؤدي إلى أكبر قدر من السعادة.

النفعية ذات المستويين

النفعية على مستويين هي نظرية النفعية للأخلاق، فيجب أن تستند القرارات الأخلاقية للشخص إلى مجموعة من القواعد الأخلاقية. إلا في بعض الحالات النادرة التي يكون فيها من الأنسب الانخراط في مستوى “حَرِج” من التفكير الأخلاقي.

المستوى الأول يستخدم القاعدة النفعية (على أساس الحدس لدينا) لأنها فعالة (في كل من الوقت والتأثير) . ومع ذلك، يستخدم المستوى الثاني من النفعية عندما يتطلب الموقف المزيد من التفكير والتفكير الفعال.

هذا النظام من استخدام القواعد الأخلاقية العامة للقرارات البسيطة اليومية و التحليل الجاد والحساب للقرارات هو الأكثر أهمية إذ يحاول اتخاذ أفضل ما  في المستويين  من النفعية وجعلها أكثر عملية. المشكلة الواضحة لهذه النفعية تكمن في تحديد متى نستخدم القاعدة النفعية ومتى نستخدم الفعل النفعي.

انتقادات

إن إنتاج أكبر قدر من الخير لأكبر عدد أمر جيد طالما أنك لا تؤذي شخصا تحبه حقا في هذه العملية, فما هي بعض الانتقادات الموجهة لمثل هذا المبدأ؟ هناك بالفعل انتقادات فمثلاً، عندما تتقابل النفعية مع المشاعر تنتج المشاكل، إليك بعض تلك الانتقادات.

1-  كثير من الناس يعتقدون أنه من الصعب قياس السعادة. ومن الصعب جدًا مقارنة مستويات الناس مختلفة من السعادة.

الرأي المضاد لهذا: هو أن هناك تقديرات تقريبية في الحياة الحقيقية. فنحن نستطيع إدراك ما إن كان شخص ما حزين أو سعيد أو أكثر سعادة من خلال الطريقة التي يتصرف بها.

2- يعتبر البعض في بعض أشكال النفعية، أن متعة السادي تساوي متعة الإيثار.

الرأي المضاد: في الواقع، ينتج عن السادية متعة قصيرة المدى ولكن على المدى الطويل يؤدي إلى معاناة وألم. وبالتالي فإن السماح بأي نوع من المتعة السادية سيؤدي في الواقع إلى متعة أقل في المستقبل. من ناحية أخرى، تؤدي الأفعال الإيثارية إلى المتعة والرضا على المدى القصير والطويل، وبالتالي لا يجب أن يعطيا نفس الوزن.

3- يقول البعض أنه على الرغم من أهمية السعادة، إلا أن هناك أشياء أخرى يجب مراعاتها عند اتخاذ قرارات مثل المساواة والعدالة.

قد يجادل النفعيون بأن الغرض الرئيسي من السعي لتحقيق أي عواقب أخرى مثل المساواة والعدالة. سيكون في الأساس تحقيق أقصى قدر من السعادة، لأن معظم الناس يشعرون بالسعادة عندما يشعرون بأنهم متساوون ويلمسون وجود العدالة في حياتهم.

مقياس السعادة

عندما تواجه قرارا أخلاقيا، كيف يمكنك معرفة مسار الفعل الذي سيزيد من السعادة؟ نحن لا نرى ما في أذهان الآخرين (الجماعة)، لذلك لا يمكننا معرفة ما إذا كانوا سعداء حقًا أو ما إذا كانوا يقولون أنهم كذلك. وحتى لو استطعنا إدراك السعادة، كيف يمكننا التنبؤ بما قد يسببها؟ على سبيل المثال، يعتقد الكثير من الناس أن كسب الكثير من المال سيجعلهم سعداء. لذا فإن أفضل خيار نفعي هو التأكد من أن كل شخص لديه وظيفة جيدة ومناسبة. ومع ذلك، يمكن القول بأن المال يجلب السعادة فقط على المدى القصير، وأنه قد يكون الخيارالأفضل لبعض الناس الآخرين. في الحقيقة نحن كبشر، لا نعرف كيف نجعل أنفسنا سعداء. فكيف يمكننا أن نثق بأنفسنا لاتخاذ قرارات أخلاقية على هذا الأساس.

هل الغاية تبرر الوسيلة؟

نود أن نختتم تلك المقالة بإعادة طرح وإعادة النظر في السؤال الذي بدأنا به: هل الغاية تبرر الوسيلة؟

لقد تناولنا النفعية لمحاولة الإجابة من وجهة نظرها، فيمكن الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب. في حين أن الجواب معقول وصحيح للنفعيين، إلا أنه غير قابل للتصديق من قِبل آخرين، ولا سيما بالنسبة لعلماء الأخلاق.

المصادر

utilitarianism
utilitarian
journals
stanford
lumenlearning
corporatefinanceinstitute
tamu
stanford

Exit mobile version