ما التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 15 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تتحول المدن الذكية بسرعة إلى حقيقة واقعة في العديد من أجزاء العالم. وتتبنّى الحكومات والبلديات الفوائد المحتملة المترتّبة على التقنيات المتقدّمة، والبيانات، بهدف تحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق التنمية الشاملة. بيد أن تطوير وإدارة المدن الذكية ليس بالأمر السهل، ولا يخلو من التحديات. فما هي التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

إدارة المدن الذكية

لا يوجد تعريف محدّد وموحّد حتى الآن للمدينة الذكية، لأنها مفهوم جديد نسبيًا. فتقترح الجهات الفاعلة تعريفاتها الخاصة التي تتناسب مع آلية عملها، بالرغم من ذلك يوجد بعض المبادئ العامة التي تتبعها الحكومات لإدارة المدن الذكية. ومن المهم ملاحظة أن إدارة المدن الذكية هي عملية مستمرّة تتطلّب تكيُّفًا وإبداعًا، وتختلف الاستراتيجيات والنهج المتّبعة من حكومة إلى أخرى. [1]

عمومًا تتبع الحكومات نهجًا لإدارة دورة الحياة الحضرية. يتضمّن تصميم، وصيانة التفاعلات بين الأنظمة الفرعية وذلك لإنشاء نظام بيئي شامل ومستدام داخل المدينة. كما تلعب دورًا حاسمًا كعامل تكامل بين الوظائف المختلفة المكونة للمدينة. فهي تنسّق، وتشرف على تنفيذ مختلف مبادرات المدن الذكية، وتضمن الأداء السلس للأنظمة.[1]

تشارك الحكومات مختلف أصحاب المصلحة في إدارة المدن الذكية بما في ذلك المواطنين، والشركات، والأوساط الأكاديمية. من أجل ضمان مشاركتهم النشطة في تنمية المدينة وقيادتها. وتدخل التقنيات الذكية في أنظمتها مثل الذكاء الاصطناعي AI، وأجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء IoT. كما تعتمد على تحليل البيانات في صنع القرار، إذ يتمكّن أصحاب القرار بفضل الرؤى المستنيرة للبيانات من تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. من ثم تخصيص الموارد على النحو الأمثل، وتقديم الخدمات المطلوبة.[2]

لكن تواجه الحكومات تحديات صعبةً في إدارة المدن الذكية، بسبب العديد من المشكلات التقنية وغير التقنية. نتيجةً لذلك يتعيّن على صنّاع القرار دراسة هذه التحديات من أجل وضع الخطط اللازمة للتغلّب عليها.

تحديات البنية التحتية

يتطلّب التطبيق الفعّال للتقنيات الذكية بنيةً تحتيةً قويةً وموثوقةً، غير أن العديد من المدن تفتقر إلى البنية التحتية المطلوبة. وقد تفتقر إلى الهياكل الأساسية المادية (مثل أجهزة الاستشعار، وشبكات الاتصالات)، أو الهياكل الأساسية المؤسسية (مثل السياسات، واللوائح التنظيمية الداعمة). ويشكّل نقص البنية التحتية تحديًا حقيقيًا للحكومات في إدارة المدن الذكية، إذ تعوق تكامل البيانات الضخمة التي تسهم في تنمية المدينة.[3]

تعتبر المدينة موطنًا لسكان متنوعين ذوي احتياجات وتوقعات مختلفة. مما يجعل من الصعب تصميم وتنفيذ بنية تحتية تلبي احتياجات الجميع، وتوفر فرصًا متكافئةً للحصول على الخدمات الذكية. لذلك تحتاج الحكومات تخطيطًا وتنسيقًا دقيقًا لضمان استفادة الجميع من التقنيات الحديثة بمن فيهم كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة.[3]

تحديات خصوصية البيانات والأمن

تتعرض إدارة المدن الذكية للعديد من التحديات المتعلّقة بخصوصية البيانات والأمن، لأنها تنطوي على جمع البيانات الحسّاسة، وتخزينها، ومعالجتها. وتولّد المدن الذكية كميةً هائلةً من البيانات من أجهزة مختلفة كالكاميرات، والمستشعرات. وإذا استخدمت هذه البيانات بشكل غير مسؤول، أو مدروس، أو بسوء نيّة فقد تؤدي إلى آثار سلبية مثل انتهاك حقوق الإنسان، والمبادئ الأخلاقية. على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي خرق البيانات إلى نشر معلومات حساسة كالبيانات الشخصية، والمعلومات المالية، والبيانات التجارية السرية. مما يؤدي إلى سرقة الهوية، أو الاحتيال، وغيرها من الأنشطة الخبيثة. كما يؤدي انتهاك البيانات إلى انتهاك الخصوصية حين تعرض المعلومات الشخصية لأطراف غير مصرح لها. الأمر الذي يسبب فقدان الثقة بنظام المدينة، ويخفض مشاركة المواطنين.[4][5]

يكثر التهديد السيبراني مع زيادة رقمنة المدن مما يخلق مخاوف أمنيةً مختلفةً. حيث يمكن للمخترقين استغلال نقاط الضعف في نظام المدينة لشنّ هجمات إلكترونية على الأجهزة والأنظمة. [4]

تحديات سياسية في إدارة المدن الذكية

تنطوي مشاريع المدن الذكية على نقل الوظائف العامة الحاسمة إلى أنظمة الحاسوب. نتيجةً لذلك من المهم ضمان أن يكون للجمهور رأي في اقتناء البنية التحتية الرقمية، والتحكم بها. بالرغم من ذلك غالبًا ما تُستبعد المنظمات المجتمعية من عمليات اتّخاذ القرار بشأن تنفيذ المدينة الذكية. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث توترات سياسية.[6]

إضافةً إلى ذلك، قد تخلق المدينة الذكية تحديًا للأشخاص المستبعدين، بسبب ذلك تتشكّل مشكلة الإدماج الاجتماعي. يعني ذلك أن مشاريع المدن الذكية قد لا تكون متاحةً أو مفيدةً لجميع أفراد المجتمع، ولاسيما أولئك المهمشون، أو المستبعدون. يزيد التوتر بين مختلف الفئات، وتتعقد المشكلات المرتبطة بالإدماج الاجتماعي بسبب الأبعاد الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية للبلدان. لذلك يحتاج الخبراء إيجاد حلول مصممة خصيصًا لكل نظام ذكي.[7]

تواجه الحكومات كذلك مشكلة الإنصاف الرقمي. ويشير المصطلح إلى أن جميع الأفراد والمجتمعات لديهم إمكانية متساوية للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات المطلوبة للمشاركة في الحياة الرقمية. وأبرزت الأبحاث التي أجريت مؤخرًا أن كوفيد-19 يزيد أوجه عدم المساواة القائمة، ويزيد تفاقم الفجوة الاجتماعية ذات الصلّة بالتكنولوجيا. ولا سيما بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من العنصرية بما في ذلك المهاجرين الجدد، واللاجئين، والأقليات العرقية. ويعني ذلك أن بعض الناس قد لا يحصلون على التقانة اللازمة للمشاركة في المشاريع الذكية. فيؤدي ذلك إلى حدوث صراع بين أفراد المجتمع. [8]

صعوبة تقبل المواطنين لمبادرات المدن الذكية

تواجه إدارة المدن الذكية عدّة تحديات متعلّقة بتقبل المواطنين، ومشاركتهم بمبادرات المدن الذكية ومنها:

قلّة الفهم

تتمثل إحدى المشكلات في عدم فهم البلديات والقطاعات العامة لمفهوم المدن الذكية بشكل كامل. فينعكس ذلك بدوره على جودة تنفيذ الحلول الذكية. ويرجّح سبب المشكلة لنقص الخبراء القادرين على تقديم حلول شاملة للبلديات. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة أجريت في سلوفاكيا، وإيطاليا، ولتوانيا، والدنمارك أن فهم البلديات لفكرة المدينة الذكية كان منخفضًا. ويؤثر ذلك على تقبُّل المواطنين للمدينة الذكية، لأن صانعي القرار لا يفهمون تمامًا آثار تنفيذ الحلول الذكية على بيئتهم. [9]

عدم مشاركة المواطنين

غالبًا ما تحدث مشاركة المواطنين في المدن الذكية من خلال منصات مشاركة مخصصة. حيث يمكن للمواطن عن طريقها التصويت، والمناقشة، وتقديم الأفكار. بالرغم من ذلك ، قد لا تكون المنصات الحالية فعّالةً في إشراك المواطنين إذ قد لا يدركون وجودها، أو قد لا يشعرون بأن مشاركتهم ستحدث فرقًا. وهذا النقص في المشاركة يمكن أن يُصعب على الحكومات إدراك ما يريده المواطن، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة. [10]

الإحجام عن خلق القيمة بشكل مشترك

غالبًا ما ينظر المواطنون إلى المراقبة من قبل السلطات على أنها قمعية. بالتالي يظهرون تردّدًا في المشاركة في خلق القيمة من الخدمات الذكية، إذ تحتاج عملية صنع القيمة تعاونًا بين السكان والحكومة معًا. مع ذلك قد لا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في هذه العملية إذا شعروا بأن خصوصياتهم تنتهك. على سبيل المثال؛ إذا استخدمت الحكومة كاميرات لمراقبة الأماكن العامة، ربما يشعر السكان بعدم ارتياح، ولا يكونون على استعداد للمشاركة في المبادرات التي تتطلّب منهم مشاركة معلوماتهم الشخصية.[11]

استياء السكان

يشير ذلك إلى عدم رضى المواطن عن التقنيات الذكية، والعملية الديموقراطية، والتأثير المجتمعي للمدينة الذكية. مثلًا قد يشعر السكان بأن التقانة لا تخدم احتياجاتهم، وأنه لا يجري استشارتهم على النحو الملائم في عملية صنع القرار، وقد يساورهم القلق أيضًا بشأن قضايا الخصوصية. ويمكن أن يؤدي هذا السخط، والاستياء إلى مقاومة تنفيذ مبادرات المدن الذكية.[12] على سبيل المثال؛ خطّطت شركة Sidewalk labs وهي تابعة لشركة Alphabet inc -الشركة الأم لGoogle- مع مؤسسة تنشيط واجهة تورونتو البحرية لإنشاء حي ذكي على الواجهة البحرية للمدينة ويدعى المشروع Sidewalk Toronto. لكن واجه المشروع مشاكل بسبب المخاوف بشأن الخصوصية، وجمع البيانات، والشفافية. وألغي في نهاية المطاف عام 2020. [13]

الاختلافات الثقافية

تؤثر الاختلافات الثقافية على قبول، واعتماد التقانة الذكية في المجتمع ومن المهم النظر في هذه العوامل قبل تنفيذ مبادرات المدن الذكية. على سبيل المثال؛ قد يعزى سبب نجاح الأنظمة الذكية لإدارة النفايات SWMS إلى العديد من العوامل، بما في ذلك الدور الثقافي للمجتمع. حيث ينظر في بعض الثقافات إلى إدارة النفايات على أنها مسؤولية جماعية، ويرجح مشاركة السكان في الأنشطة التي تعزّز النظافة كاليابان. لكن في نفس الوقت، ينظر إلى إدارة النفايات في ثقافة أخرى على أنها مسؤولية فردية، وقد ولا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في الأنشطة التي تتطلّب منهم تغيير سلوكهم. [14]

تحديات التمويل

تعد إدارة المدن الذكية مهمةً مكلفةً للغاية، حيث يلزم تنفيذ بنية تحتية جديدة تعهدًا ماليًا كبيرًا، بالتالي يشكل عقبةً وخصوصًا بالنسبة للبلدان النامية. ويرى الكثيرون أن الاعتماد على الهياكل، والبنى الأساسية القائمة هو المفتاح لمعالجة مشكلة التكلفة، إلا أنها لا تخلو كذلك من صيانة، وتشغيل، ومعالجة مما يجعلها مكلفةً أيضًا.[15]

يعتبر تأمين التمويل مهمةً شاقةً تتطلب حلولًا إبداعيةً لسدّ الفجوة بين رأس المال الأولي الذي تقدّمه الحكومة، والأموال اللازمة لإتمام المشاريع. مثلًا قدّمت بعثة المدن الذكية في الهند تمويلًا لمدن مختلفة على أساس مقترحات مشاريعها. فحصلت كل مدينة على رأس مال أولي من الحكومة لتحويل حوالي 22 مليون يورو إلى المقترحات الواعدة. مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى حوالي 88 مليار يورو على مدى السنوات العشرين المقبلة، أي حوالي 4.5 مليار يورو سنويًا. وبذلك سيشكل تمويل جميع المشاريع تحديًا أمام الحكومة في المقام الأول لأنها تعتمد على الاستثمار الخاص، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.[16]

تحديات لا تنتهي

تواجه إدارة المدن الذكية تحديات أخرى كثيرة مثل التنسيق بين القطاع العام والخاص، ونقص القدرة على تنفيذ مبادرات المدن الذكية، وتحديات الخدمات العامة كتقديم خدمات مبتكرة تعالج المشاكل الحضرية الملحّة، وغيرها الكثير أيضًا.

عمومًا لن يتحقّق تعظيم إمكانات المدن الذكية إلا من خلال ثقة المواطنين، جنبًا إلى جنب مع تعاون أصحاب المصلحة الرئيسيين في البلديات والقطاع الخاص. إذ ينبغي على الجهات الفاعلة النظر إلى هذا المشروع باعتباره مشروعًا طويل الأجل بدلًا من التعامل مع الحاجات الملحة، والحلول قصيرة الأمد.

المصادر

  1. SSRN
  2. Semantic scholar
  3. Emerald insight
  4. Semantic scholar
  5. Semantic scholar
  6. ACM digital library
  7. AIS eLibrary
  8. National library of medicine
  9. MDPI
  10. Science direct
  11. Emerald insight
  12. Science direct
  13. Frontiers
  14. international journals of industry & sustainable development
  15. Semantic scholar

مقدمة في إدارة العمليات التشغيلية

مع كل يوم نمارس فيه حياتنا، نتعامل مع العديد من المنتجات والخدمات التي تقدمها شركات الأعمال. سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وسواء كانت هذه الخدمات أو المنتجات محلية الصنع أو مستوردة من الخارج. فكيف تصل إلينا هذه المنتجات وما الذي يتم في الداخل لا تراه أعيننا؛ ما يمسيه أصحاب الصناعات بالصندوق الأسود؟ وكيف تصل إلينا منتجات تعمل بشكل جيد وأخرى رديئة التصنيع ولا تقوم بعملها الأساسي الذي اشتريناها من أجله؟ مقدمة في إدارة العمليات التشغيلية.

إدارة العمليات التشغيلية هي إدارة الأنظمة والعمليات التي من خلالها نستطيع تصنيع منتج أو تطوير وتقديم خدمة للمستهلكين. بمعنى كل الأنشطة التي تتضمن إدارة الأشخاص والآلات من أجل تحويل المواد والمصادر إلى قيمة يستفيد منها العميل سواء كانت منتج أو خدمة.

كيف تسير عملية التصنيع؟

يجب أن تتوافر 3 محاور رئيسية لبداية تقديم أي خدمة أو صناعة ويجب أن نتذكرهم دائمًا. أولهم المدخلات وهي كل ما يتوافر لديك لتقديم المنتج وهم:

المكان الذي تتم فيه عملية التصنيع مثل المصنع.

العمالة الماهرة التي تعمل على التصنيع وتنفيذ المنتج.

رأس المال المتوافر من أجل العمل للحصول على الموارد ودفع الأموال اللازمة للعمل.

المعلومات والخبرات المتوافرة لديك من أجل تنفيذ المنتج أو الخدمة.

ثاني هذه المحاور هي عملية التصنيع نفسها وكيفية تحويل المواد الخام إلى منتج. أما المحور الثالث فهو الناتج النهائي والحصول على المنتج أو الخدمة بشكل جيد يستطيع المستهلك استخدامها.

في كل عملية من هذه العمليات السابقة يجب أن يتوافر تحكم في كل عملية والقدرة على القياس ومعرفة ردود الأفعال. وردود الأفعال هنا غير متوقفة فقط على العملاء ولكن أيضا رد فعل العمال تجاه المواد الخام. وردود أفعال مديري العمليات تجاه نشاط العمال والكيفية التي يقومون بها بالعمل.

مثال مبسط عن إدارة العمليات

إذا دخلت إلى مستشفى ستجد أن لديها عدد من المدخلات الأساسية أو المصادر الهامة للعمل وهم مبنى المستشفى والأشخاص الذين يعملون بها مثل الأطباء والممرضات والأخصائيين، وأيضا الموارد اللازمة للعمل مثل أدوات الجراحة والخياطة والمعدات والأجهزة الطبية ويتوافر أيضا الأموال التي تساعد على شراء كل تلك الأدوات وإعطاء المرتبات للعمالة التي تتوافر لديها المعلومات والخبرات للقيام بالمهام المطلوبة. والعمليات التي تحدث داخل المستشفى من فحص المرضى والعمليات الجراحية والتشخيص وتقديم الأدوية المناسبة لكل حالة. ثم في النهاية المنتج النهائي هو أشخاص أصحاء أو شفاء أمراض المترددين على المستشفى من المرضى.

مثال أخر هو مصنع لتصنيع الأغذية المحفوظة أو المعلبة، حيث يكون لدى المصنع عدد من المدخلات كالمواد الخام والعمالة والمكان والمعدات ورأس المال، وتتضمن العملية نفسها تحويل المواد الخام إلى أغذية نظيفة ومعلبة وتتضمن العديد من العمليات داخلها، ثم في النهاية نحصل على منتج نهائي للاستخدام وهو أغذية معلبة.

ويتضح من هذه الأمثلة أنه بمقدورنا استخدام إدارة العمليات في العديد من المجالات مثل أنظمة العمل في البنوك والمصانع في عملياته الداخلية لتصنيع المنتجات، والمتاجر الخاصة بتوفير المنتجات للعملاء وأيضًا داخل المطاعم. إلى أبعد مدى مهما كان مجال عملك تدخل إدارة العمليات التشغيلية بقدر كبير.

الهدف من إدارة العمليات التشغيلية

تُنفذ العمليات التشغيلية بمجهود كبير لما لها من أهمية كبيرة في عالم الأعمال، حيث من خلالها يتم التأكد من الحصول على الجودة الأفضل التي يستحقها العميل، والكمية الصحيحة التي يحتاجها السوق في الوقت المناسب، وبالتكلفة التي يستطيع أن يتحملها العملاء وتعود بمردود على الشركة.

المنتج والخدمة

تعتبر السيارات والأطعمة والتليفونات منتجا، لأنها ملموسة يستطيع المستهلك أن يلمسها ويستخدمها. وأيضًا تُنتج قبل وقت بيعها واستخدامها من قبل العميل على عكس الخدمة التي لا تكون ملموسة مثل تقديم الخدمات الطبية وخدمات النقل والاستمتاع وتكون في نفس وقت استخدامها.

تتميز الخدمة بمستوى عالي جدًا من التواصل مع العملاء ويجب أن تكون مميزة بالصدق والحقيقة حيث سيتم الحكم عليها مرارا وتكرار بواسطة العميل.

دائما ما يكون التأكد من الجودة مهم جدًا في حالة الخدمة حيث التوصيل والاستخدام يكونان في نفس الوقت، أما المنتج فيكون التصنيع في وقت والاستلام في وقت أخر فمن الممكن تعديل الأخطاء.

أما عن قياس الإنتاجية فمن الممكن أن تكون صعبة للوظائف الخدمية بسبب تباين المدخلات، أي وحدة قياس إنتاجية طبيب عام لن تكون مثل قياس إنتاجية طبيب فحوصات دقيقة. أما المنتجات فتكون مدخلاتها تقريبا ثابتة فنستطيع التحكم في التباين. بالانتقال إلى التخزين فالمنتجات هي التي تحتاج إليها لكن الخدمات لا تحتاج بل تكون عند الطلب.

نستطيع بكل سهولة عمل براءة اختراع للمنتجات لكن سابقًا كنا لا نستطيع عمل براءة اختراع للخدمات، لكن الأن أصبح ذلك سهلًا حيث من الممكن تسجيل بحث أو عملية جراحية خاصة بطبيب.

تحتاج الخدمات إلى مستوى رضا عالي من العمالة أكثر من التصنيع وذلك بسبب زيادة الخدمات المقدمة للعملاء كالبنوك والمستشفيات وغيرها، وأيضا المنتجات قابلة للإدارة والتطور أكثر من الخدمات.

ومن الممكن أن تحدث المنتجات والخدمات في نفس الوقت وألا تكونان منفصلتان، ومن الممكن أن يكون المنتج ملموس بنسبة كبيرة وغير ملموس بنسبة صغيرة. وأيضًا الخدمة تكون غير ملموسة بنسبة كبيرة وملموسة بنسبة صغيرة، ومثال على ذلك هو الذهاب إلى محطة البنزين، تحصل على خدمة تغيير الزيت أو ما شابه وفي نفس الوقت تحصل على الزيت نفسه كمنتج، وأيضًا في دهانات المنزل تحصل على خدمة تغيير اللون وفي نفس الوقت المنتج نفسه الذي تغير به اللون.

مصادر

investopedia

CFI

WRIKE

STUDOCU

مبدأ عدم الضرر في التدخّلات الإنسانية

مبدأ «عدم الضرر – Do Not Harm»

اشتهر في الأوساط الطبية قَسَم سمّي «قسم أبقراط – Hippocratic Oath». ويعتمد هذا القسم على نص أصلي تم تكييفه بحسب الثقافات، إلا أنه حافظ على قوامه المعنوي وأصل فكرته. وتدور فكرة القَسَم حول القول الأشهر المنسوب إلى أبقراط بترجمة لاتينية ” primum non nocere”  ومعناها بالعربية “أولاً، لا تؤذي” وذلك كأساس للتدخّلات الطبّية [1].

وقد ورد في السياق نفسه لدى أبقراط في أعماله عن الأوبئة؛ عبارة يونانية ترجمت إلى التالي:

“في حالة المرض، يجب على المرء أن يضع في اعتباره شيئين، ليكون مفيدًا لا يسبب ضررًا” [1].

أبقراط

ولا تنحصر الإشارة إلى تجنب الضرر عند أبقراط، فالمفهوم بدوره تناوله التراث الإنساني العقائدي والديني. حيث عرّجت بعض الديانات والأيديولوجيات على أهمية عدم الضرر بالآخر كناموس أخلاقي. فنجد في الإسلام -نموذجاً- حديث نبوي مروي عن أبي سعيد الخدري: “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضارّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه” [3]. ومعنى هذا أن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه ولا بغيره، وفي هذا توسعة لمفهوم الضرر يشمل الضرر بالذات أيضاً.

تعريف الضرر

يرتبط مفهوم الضرر بالحرية وحدودها في القول المشهور الذي نُسب لأكثر من قائل: “ينتهي الحق في تأرجح ذراعي في أي اتجاه حيث يبدأ أنفك” [4]. ويشيع في الأوساط الشعبية قول مجهول المصدر “أنت حر ما لم تضر”. كما نجد فيما كتب «ستيورات ميل – John Stuart Mill» في كتابه “الحرية” عن دور السلطة في منع الضرر يقول:

“أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، هو منع إلحاق الأذى بالآخرين” [5]

جون ستيوارت ميل

ويشمل الضرر أي إصابة جسدية أو عقلية، وهو شيء يتسبب في إصابة شخص أو شيء ما أو كسره أو جعله أقل قيمة أو نجاحًا. كما يمكن إطلاقه على كل فعل يشوّه أمراً أو يسبّب له التدهور والنقصان. ” [6] [7].

قد يبدو للوهلة الأولى أن التفريق بين الممارسات المضرّة وغير المضرّة بالآخر سهل، إلا أنه إذا أمعنا النظر في السلوكيات التي تصب في مصالحنا بعمومها، نجد أنها قد تتعارض مع مصالح الآخرين [8]. لذلك من اللازم أن نقوم بتحديد معنى الضرر الذي يجب تجنّبه كي لا يختلط الأمر علينا، أو نقع في فخ الأسئلة الخاطئة في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها. مثلاً: إذا استفدنا من الفوز بترقية في العمل بينما يخسر المتقدمون الآخرون، فهل يعد ذلك ضاراً بهم؟

في الحقيقة سيناريوهات من هذا النوع قد تبدو مضللة، إلا أن الضرر الذي يجب تجنّبه هو ما يُعرف بوصفه؛ انتكاسة لمصالح مهمة تعود بالنفع على الآخرين. وفي السيناريو السابق ليس الترقي حكر على شخص معين، فالفوز هنا ما دام على أساس الجدارة فهو عادل. كما يروج في أحاديثنا اليومية إلقاء اللوم على الآخرين تحت تأثير من مغالطة السيناريو، كما في المثال التالي:

لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب، فقادها اللص. وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة، وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير؟ هل صاحب السيارة له دور في الضرر؟

الجواب هو لا. لأن السببية المباشرة هنا هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في حدوث الضرر.

أهمية مبدأ عدم الضرر في العمل الإنساني والإنمائي

العمل الإنساني والإنمائي هو عمل ممنهج، وله ضوابط وقواعد تهدف إلى حشد القدرات والمعارف وتوجييها بطريقة واعية. وهذا من أجل تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، وهذا النوع من الأعمال ينطوي على مخاطر مخفيّة يعايشها عاملو الميدان بشكل مباشر. حيث يوجد خيط رفيع بين إيذاء المجتمع وإفادته. وأساس التخطيط للتدخلات الناجحة المفيدة هي أن نسأل:

من؟ أين؟ ماذا؟ متى؟ لماذا؟ كيف؟ [9]

6 أسئلة رئيسية

ولهذا وجد نهج عدم الضرر DNH والذي يقوم على عدة خطوات [9]. وهي:

  1. تحليل السياق؛ وتحديد المنطقة، والسكان المعنيين، وأطراف النزاع (حكومة، ومجموعات عرقية، ومجموعات دينية). وتحديد الأسباب الجذرية للنزاع، والتدخلات المعمولة من قبل الفاعلين المجتمعيين الآخرين، وأيضاً من قبل الجهة نفسها.
  2. ما هي الأمور التي تساهم في تكريس النزاع وتعميقه (Dividers)؟ وما هو أكثرها تأثيراً؟ أيضاً ما هي الأمور التي تربط بين الناس (Connectors)، وما هو أكثرها تأثيراً؟ ومراعاة هذه العوامل أثناء العمل.
  3. قياس آثار التدخلات على عوامل الارتباط والانفصال (Dividers and connectors).
  4. كيف أثر تدّخلنا على المجتمع المضيف، وما هي خياراتنا الأخرى المتوافرة وكيف تؤثر على عوامل الارتباط والانفصال.

يشجع نهج عدم الضرر إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، والتفكير مليّاً قبل التصرف. والهدف هو تعزيز تصميم المشروع وإدارته. أيضاً يفيد في منهجة طريقة عمل تسمح بفهم أفضل للآثار السلبية على المشاريع أو البرامج المستقبلية. وتعتبر الرغبة في علاقات جيدة مع المستفيدين هي جزء لا يتجزأ من التفكير بنهج عدم الإضرار [10].

والعمل على مبدأ عدم الإضرار في العمل الإنساني أساسي للعاملين الإنسانيين في مناطق النزاع. حيث يساعد على تحديد الأثار السلبية غير المقصودة للتدخلات الإنسانية والإنمائية في مناطق الصراع. ويمكن اعتماد هذا النهج في عملية التخطيط والمراقبة والتقييم للتأكد أن التدخل المعمول لا يؤدي إلى تفاقم الصراع بل يحسّنه [11].

محاذير العمل الإنساني والإنمائي

تفيد المنظمة السويدية “Swedish mission council” بأن هناك عدة أخطاء تتكرر بشكل كبير داخل العمل الإنساني وجب الإنتباه إليها وإلى أضرارها. فمن غير المعقول أن نساعد أحداً من ناحية ونضرّه من ناحية أخرى. وهي [12]:

  1. التناقض بين الأسلوب والفعل.

2. الإضرار بمصالح الناس.

3. التحيز في استهداف التوزيع لمجموعة من المجموعات المتنازعة دون الأطراف الآخرين.

4. التدخّل القاصر، الذي يقدم خدمة تساهم في تدمير نظام الخدمات الأخرى في المنطقة، ويؤثر على ما يربط الناس ويزيد من حدة العنف.

5. إعطاء أهلية وإضفاء صبغة شرعية للزعماء الذين نعمل معهم لتسهيل تقديم الخدمات الإنسانية.

وتفيد نتائج الاستطلاعات بأن اتّباع نهج عدم الإضرار في الأعمال الإنسانية يحسّن المساءلة تجاه المستفيدين، والعلاقات مع المستفيدين. كما يعزز فهم سياقات وديناميكيات المجتمع التي تتم فيها المشاريع. ويزيد أيضًا من درجة الثقة بالتدخّل المعمول من قبل الجهة في منطقة التدخل [10].

المصادر
[1] BMJ
[2] الطب ورائداته المسلمات، عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد.
[3] كنز العمال، الملتقي الهندي.
[4] Quoteinvestigator
[5] Stanford Encyclopedia of Philosophy Archive
[6] Britannica
[7] Merriam-Webster
[8] Ethics
[9] Oxfam
[10] Jean Charancle, Elena Lucchi, Incorporating the principle of “Do No Harm” How to take action without causing harm reflection on a review oh Humanity & inclusion’s practices.
[11] INEE
[12] Swedish mission council

Exit mobile version