ما هي القوة المغناطيسية وكيف تم اكتشافها؟

تأثير القوة المغناطيسية في قصة أعظم معادلات في التاريخ

تعد القوة المغناطيسية من أقدم الظواهر التي اكتشفها الإنسان. والتي كان لها دور كبير في تغيير نظرته للكثير من الظواهر الأخرى. كما أن اكتشافها كان نقطة انطلاق للكثير من الاختراعات المذهلة. فما هي القوة المغناطيسية وكيف تم اكتشافها؟

سحر القوة المغناطيسية

 في رواية مئة عام من العزلة، عرفنا من الكاتب الشهير “غابرييل غارسيا ماركيز” أن ذاك الغجري المربوع كث اللحية المدعو “ملكياديس”، مضى من بيت إلى بيت يجر سبيكتين معدنيتين. فاستولى الرعب على سكان قرية “ماكوندو” وهم يرون القدور والطسوت والمواقد تتساقط من أماكنها، والمسامير تتطاير من الأخشاب، وراحت جميعًا تنجر وراء سبيكتي ملكياديس السحريتين.

فكر “خوسيه أركاديو بوينديا”، وهو أحد أبطال الرواية، بأنه يستطيع استخدام هذا الاختراع في استخراج الذهب المدفون في الأرض. حذّره ملكياديس قائلًا “الاختراع لا ينفع لهذا”. ولكن خوسيه قايض ثروة الأسرة كاملة بهذا الاختراع، والشيء الوحيد الذي استخرجه من الأرض -بعد أشهر من التنقيب- درعًا حديدية من القرن الخامس عشر.

قبل ذلك بأربعة آلاف سنة، كان راعٍ كْريتيّ -ليكن اسمه ماغنس- يتجول في بلدة شمال اليونان -ليكن اسمها ماغنيسيا- حيث علقت مسامير نعله والطرف المعدني من عكازه بصخرة سوداء كبيرة مكونة من معدن (الماجنتيت-Magnetite). نعرف الآن أن الماجنتيت مادة مغناطيسية طبيعية تركيبها الكيميائي (Fe3O4). وحين تصنع إبرة من هذا الماجنتيت وتوضع على سطح الماء، فإنها تشير دومًا إلى الاتجاه ذاته. حيث يشير الاتجاه الشمالي للإبرة تقريبًا نحو القطب الشمالي للأرض. (وكان هذا مبدأ البوصلة التي طورها الصينيون).

من يدري؟ فقد يكون أرخميدس قد نجح فعلًا في إغراق سفن الأعداء باستخدامه مغناطيسًا كبيرًا استطاع انتزاع المسامير من أخشابها.

مرت قرون من امتزاج السحر بالخرافة بالحقائق، حتى توصل الإنجليزي “وليم جلبرت” عام 1600م إلى ما يمكن عده أول بحث علمي في هذا الموضوع. وقال فيه إنه يمكن تصور الأرض بوصفها مغناطيسًا كبيرًا، وهذا يفسر حركة إبرة البوصلة. إذ يمكنك تحويل مسمار عادي من الحديد إلى مغناطيس بحكه عدة مرات بمغناطيس دائم (هذا ما نسميه بالمَغْنطة). وأن هذه المغناطيسية المُحدَثة يمكن إزالتها بتسخين المسمار أو طرقه مرارًا.

عودة إلى الطفولة

بوسعنا تفهم ذهول وانسحار سكان ماكوندو بالمغناطيس، فقد عاش أكثرنا تجربة أول لقاء له مع مغناطيس. ضع مغناطيسًا على طاولة، ومسمارًا على مسافة منه. ابدأ بتحريك المغناطيس ببطء نحو المسمار. فجأة عند نقطة معينة يقفز المسمار من مكانه ويلتصق بالمغناطيس!

هذا ما نعنيه بأن للمغانط حقلًا مغناطيسيًا يمتد حولها (أو أنها تؤثر عن بعد-At a distance). ومن الواضح أن حقلها هذا يستطيع النفاذ عبر الهواء ليصل إلى المسمار. بل هو ينفذ عبر الورق مثلًا، الأمر الذي يتيح لك إلصاق الملاحظات على البراد.

وللمغناطيس قطبان شمالي وجنوبي. وإن كان عندك مغناطيسان ستجد كيف تتجاذب الأقطاب المختلفة وتتنافر المتماثلة. وإن قطعت مغناطيسًا إلى نصفين، ستحصل على مغناطيسين، لكل واحد منهما قطبيه الشمالي والجنوبي الخاصين به. ويمكننا تصوير الحقل المغناطيسي على شكل خطوط تخرج من قطبه الشمالي وتدخل في الجنوبي.

تعتمد قوة أو شدة الحقل على المسافة، وكلما اقتربتَ من المغناطيس زادت الشدة. ونقيس هذه الشدة بوحدة تسمى تسلا (نسبة إلى الفيزيائي الفريد: نيكولاي تسلا). ولكن إياك أن تغترّ بالأحجام! فالحقل المغناطيسي للأرض أضعف بألف مرة من الحقل الخاص بالمغناطيس الذي على برادك. ولكن يجب عليك أن تعرف أيضًا أن الثِقالة (الجاذبية) هي ما تبقي قدميك على الأرض، لا المغناطيسية.

ميول مغناطيسية

كنا قد تعلمنا أنه حين يُذكر المغناطيس فنفكر فورًا بمعدن الحديد. أما سائر المعادن (كالنحاس والذهب والفضة والألمنيوم) وغير المعادن (كالورق والخشب والزجاج والبلاستيك) فتبدو لنا غير مغناطيسية (غير قابلة للمغنطة أي لا تتأثر بالحقل المغناطيسي). لكن الحديد ليس وحده من يملك هذه الخاصية. فالنيكل والكوبلت وبعض عناصر الجدول الدوري (المعروفة بالعناصر الأرضية النادرة) تمتلك خصائص مغناطيسية قوية أيضًا. ويمكن صنع مغانط خارقة منها ومن خلائطها. يمتلك الألومنيوم أيضًا خصائص مغناطيسية، ولكنها ضعيفة جدًا بحيث تصعب ملاحظتها.

هناك مغانط دائمة كالمغناطيس الذي عثر عليه راعينا ماجنس (معدن الماجنيتيت). ومغانط مؤقتة كمسمار الحديد الذي يلفه سلك يمر به تيار كهربائي. ولكن التقسيم العلمي الأساسي للمواد من حيث الخاصية المغناطيسية هو:

1- مواد بارامغناطيسية (ذات المغنطة المسايرة Paramagnetism)

وهي المواد التي تتفاعل بشكل إيجابي، أي تكتسب خاصية مغناطيسية في وجود حقل مغناطيسي (أي مغناطيس مجاور لها مثلًا) ويعتبر معدن الحديد أشهرها. لكن الألمنيوم بل وأكثر اللا معادن التي قد تحسبها غير مغناطيسية تندرج في الواقع تحت هذا القسم. فهي بارامغناطيسية ولكن بشكل ضعيف جدًا. وتعتمد هذه الخاصية على درجة حرارة المعدن، فكلما زادت درجة حرارته قلت خصائصه البارامغناطيسية.

وكما أسلفنا فالحديد وبعض العناصر الأرضية النادرة هي  عناصر بارا مغناطيسية  قوية. حيث أنها تحتفظ بخصائصها المغناطيسية حتى بعد زوال الحقل المحرض. ولكنها تفقد مغنطتها إن تم تسخينها فوق درجة حرارة معينة (تسمى حرارة كوري نسبة إلى العالم الفرنسي بيير كوري). حرارة كوري الخاصة بالحديد هي 770 مئوية. فإن أنت سخنت مغناطيسًا حديديًا إلى درجة حرارة 800  مئوية فلن يعود مغناطيسًا. أما حرارة كوري الخاصة بالنيكل فهي 355 مئوية.

2- المواد الدايامغناطيسية (ذات المغنطة المغايرة  Diamagnetism)

وهذه الخاصية تعتبر عكس البارامغناطيسية. يمكنك محلاظتها عندما تقترب بمغناطيس من كرة جرافيت وستلاحظ كيف تبتعد الكره عنه. لا يهمّ هنا إن كنت تدنو بالقطب الشمالي أو الجنوبي. فهذه المواد (الماء من بينها! ومعظم المواد العضوية كالبنزين مثلًا) تكره  المغانط. وتحول نفسها إلى مغانط مؤقتة لتقاوم التمغنط وتدفع الحقول المغناطيسية بعيدًا عنها.

وقد استعان الفيزيائي الشهير “جيمس ماكسويل” بما تم اكتشافه حول القوة المغناطيسية في صياغة معادلاته الشهيرة. والتي اشتهرت بأنها أعظم معادلات في التاريخ.


ما هي الاضطرابات النفسية؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

ما هي الاضطرابات النفسية؟

ستأخذنا هذه السلسلة في رحلة نتعرف فيها على أشهر الاضطرابات النفسية، وكيف تؤثر هذه الاضطرابات على جودة حياة الإنسان، ولكن قبل البدء يجب التعرف على ما معنى اضطراب نفسي؟ ومتى يعتبر الخلل مرضًا؟ كذلك سنتحدث على تأثير الحرب العالمية الثانية في تصنيف هذه الأمراض.

ما هي الاضطرابات النفسية؟

أصبحت الاضطرابات النفسية ولا سيما عواقبها وعلاجها مصدر قلق أكبر، وتحظى باهتمام أكبر مما كانت عليه في الماضي.

إن الاضطرابات النفسية موضوع اهتمام بارز لعدة أسباب. على الرغم من كونها دائمًا دائمًا شائعة، ولكن القضاء على العديد من الأمراض الجسدية الخطيرة التي أصابت البشر سابقًا، أو العلاج الناجح لها جعل الأمراض العقلية سببًا أكثر وضوحًا للمعاناة، وتمثل نسبة أعلى من الأشخاص المعوقين بسبب المرض.

علاوة على ذلك، بدأ الجمهور يتوقع أنه يمكن لمهن الطب والصحة العقلية أن تساعد في تحسين نوعية الحياة عن طريق تحسين الأداء العقلي والبدني على حد سواء. وبالفعل أصبح هناك انتشار واضح لكل من العلاجات الدوائية والنفسية. كما أدى انتقال العديد من المرضى النفسيين الذين لا تزال تظهر عليهم أعراض واضحة من المستشفيات العقلية إلى المجتمع المحلي إلى زيادة وعي الجمهور بأهمية وانتشار المرض النفسي.

على الرغم من زيادة الاهتمام بالاضطرابات العقلية إلا أنه لا يوجد تعريف بسيط ومحدد للاضطراب النفسي عالميًا. وَيرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحالات العقلية، أو السلوك الذي يُنظر إليه على أنه غير طبيعي في ثقافة ما قد يُنظر إليه على أنه طبيعي أو مقبول في ثقافة أخرى، وفي أي حال من الصعب رسم خط يفصل بوضوح بين الأداء العقلي غير الطبيعي والصحي.

تعريف المرض النفسي أو تعريف المرض العقلي

إن التعريف الضيق للمرض العقلي سيصر على وجود مرض عضوي للدماغ سواء بنيوي أو كيميائي حيوي. أما التعريف الواسع بشكل مفرط من شأنه أن يعرّف المرض العقلي بأنه ببساطة نقص أو غياب للصحة العقلية – أي حالة من الرفاه العقلي والتوازن والمرونة حيث يمكن للفرد أن يعمل بنجاح، ويكون قادر على أن يتحمل ويتعلم كيف يتعامل مع الصراعات والضغوط التي تواجهه في الحياة.

هناك تعريف مفيد أكثر ينسب الاضطراب العقلي إلى الاختلالات أو الاضطرابات النفسية، أو الاجتماعية، أو البيوكيميائية، أو الجينية في الفرد.

يمكن أن يكون للمرض العقلي تأثير على كل جانب من جوانب حياة الشخص بما في ذلك التفكير، والشعور والمزاج، والنظرة العامة، ومجالات النشاط الخارجي مثل الأسرة، والحياة الزوجية، والنشاط الجنسي، والعمل والترفيه، وإدارة الشؤون المادية، ويهتم علم النفس المرضي بدراسة هذه العمليات.

تؤثر معظم الاضطرابات النفسية سلبًا على شعور الأفراد تجاه أنفسهم وتضعف قدرتهم على المشاركة في علاقات مفيدة للطرفين.

يدرس “علم النفس المرضي-psychopathology” بطريقة منهجية الأسباب والعمليات والمظاهر العرضية للاضطرابات النفسية. إن الدراسة الدقيقة والملاحظة والاستفسار التي تميز تخصص علم النفس المرضي هي بدورها أساس ممارسة الطب النفسي (أي علم تشخيص الاضطرابات النفسية وعلاجها وكذلك التعامل معها و الوقاية منها).
يشمل الطب النفسي وعلم النفس والتخصصات ذات الصلة مثل علم النفس الإكلينيكي والاستشارات مجموعة واسعة من التقنيات والأساليب لعلاج الأمراض العقلية، وتشمل هذه استخدام العقاقير ذات التأثير النفساني لتصحيح الاختلالات الكيميائية الحيوية في الدماغ، أو غير ذلك لتخفيف الاكتئاب والقلق والحالات العاطفية المؤلمة الأخرى.

وهناك مجموعة أخرى من العلاجات المهمة وهي العلاجات النفسية، والتي تَسعى إلى علاج الاضطرابات النفسية بالوسائل النفسية والتي تنطوي على العلاج بالكلام، والتواصل بين المريض وشخص مدرب في سياق علاقة شخصية علاجية بينهما. تركز الأنماط المختلفة للعلاج النفسي بشكل متنوع على التجربة العاطفية والمعالجة المعرفية والسلوك العلني.

كيف يتم تشخيص الاضطراب النفسي؟

لا توجد عمومًا اختبارات دم أو فحوصات دماغية يمكن أن تؤكد وجود مرض عقلي ولكن يمكن أن تكون هذه الاختبارات مفيدة في استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى للأعراض.

يتم تعريف كلمة “التشخيص” بطريقتين مختلفتين، وهما: ” فحص شخص ما لتحديد مرض أو مشكلة ما”، ويشير أيضًا إلى “بيان أو استنتاج يصف مرضًا”.
تعكس عملية تشخيص المرض العقلي كلا التعريفين ويمكن تلخيصها في ثلاث خطوات رئيسية:


1. جمع المعلومات
سيقوم أخصائي الصحة العقلية أولاً بجمع المعلومات من الشخص من خلال مقابلة مفصلة تتضمن اكتشاف اهتمامات الشخص الرئيسية، وأعراضه، وتاريخ حياته. يتم أحيانًا الحصول على معلومات إضافية من أسرة الشخص أو مقدمي الرعاية، ومن سجلات العلاج السابقة. قد يتم تضمين الفحص البدني والاختبارات المعملية والاستبيانات النفسية غالبًا لاستبعاد الأمراض الأخرى.

2. تضييق الخيارات
بعد ما يتم الحصول على كل هذه المعلومات ودمجها؛ سيبدأ الأخصائي في تحديد ما إذا كانت أعراض الشخص تتطابق مع تشخيص رسمي واحد أو أكثر. يتكون كل تشخيص من قائمة بالعلامات أو الأعراض الشائعة. سيقارن الأخصائي الأعراض التي يعاني منها الشخص بقائمة الأعراض التي تتضمن تشخيصًا محددًا. إذا كانت أعراض الشخص مطابقة تمامًا لتلك الموجودة في القائمة الرسمية لاضطراب معين، فيمكن عندئذٍ إجراء التشخيص.
تم وصف أعراض الأمراض العقلية المختلفة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي. يستخدم الأطباء هذا الدليل لتحديد المرض العقلي.

3. تكوين انطباع تشخيصي
بعد مراجعة جميع المعلومات سيشكل المحترف انطباعًا أوليًا أو مؤقتًا باستخدام مصطلحات التشخيص المعمول بها.
يوجد أكثر من مائتي تشخيص مختلف للاضطرابات النفسية. على سبيل المثال إن الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، ورهاب الخلاء، واضطراب تعاطي الكحول أمثلة على التشخيص.

تصنيف الاضطرابات النفسية

كانت الحاجة إلى تصنيف الاضطرابات النفسية واضحة طوال تاريخ الطب، ولكن حتى وقت قريب لم يكن هناك اتفاق يذكر بشأن الاضطرابات التي يجب تضمينها والطريقة المثلى لتنظيمها. اختلفت أنظمة التصنيف العديدة التي تم تطويرها على مدار السنوات الماضية في تركيزها النسبي على الظواهر والمسببات والدورة كميزات محددة.

تضمنت بعض الأنظمة عددًا قليلاً فقط من فئات التشخيص، وشملت الأخرى الآلاف. علاوة على ذلك، اختلفت الأنظمة المختلفة لتصنيف الاضطرابات النفسية فيما يتعلق بما إذا كان هدفها الرئيسي هو الاستخدام في الإعدادات السريرية، أو البحثية، أو الإدارية.

نظرًا لأن تاريخ التصنيف واسع جدًا بحيث لا يمكن تلخيصه هنا فإن هذا المقال يركز فقط على أشهر نظامين للتقسيم، وهما الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، والتصنيف الدولي للأمراض (ICD).

تصنيف الجمعية الأمريكية للطب النفسي

نشرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية في عام 1952، وكان يعتمد على نظام ICD-6 والنظام العسكري. احتوى الدليل الأول-1 DSM على حوالي 60 اضطرابًا واستند إلى نظريات علم النفس غير الطبيعي وعلم النفس المرضي، وكان للحرب العالمية تأثيرًا واضحًا في إصداره، واستمر تحديث DSM من الإصدار الأول للخامس الّذي صدر في عام 2013.

التصنيف الدولي للأمراض النفسية

أما التصنيف الدولي للأمراض-ICD فهو وظيفة أساسية لمنظمة الصحة العالمية منصوص عليها في دستورها، وصدقت عليها جميع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية البالغ عددها 193 دولة.

إن التصنيف الدولي للأمراض موجود منذ أكثر من قرن وأصبح مسئولية منظمة الصحة العالمية عندما تأسست في عام 1948 كوكالة من وكالات الأمم المتحدة. قبل عام 1980 عكست أنظمة التشخيص النفسي أفكار التحليل النفسي السائدة في ذلك الوقت مؤكدة على دور الخبرة، والتقليل من أهمية علم الأحياء.

كان نظام DSM و ICD مختلفين في الماضي ولكن الآن أصبح النظامين متشابهين جدًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاتفاقات التعاونية بين المنظمتين، وكذلك لأنه ليس من المفيد للمجال أن يكون هناك نظامان منفصلان لتصنيف الاضطرابات النفسية.

يتم تصنيف الاضطرابات النفسية في DSM في آخر إصداراته إلى 20 صنف تشمل:
1. اضطرابات النمو العصبي
2. الاضطرابات العصبية
3. اضطرابات النوم واليقظة
4. اضطرابات القلق
5. اضطرابات الاكتئاب
6. الاضطراب ثنائي القطب والاضطرابات ذات الصلة

7. طيف الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى
8. الصدمات والاضطرابات المرتبطة بالتوتر
9. الاضطرابات المرتبطة بالمخدرات والإدمان
10. اضطرابات الشخصية
11. الاضطرابات التخريبية والسيطرة على الانفعالات والسلوك
12. الوسواس القهري والاضطرابات ذات الصلة
13. اضطرابات الأعراض الجسدية
14. اضطرابات التغذية والأكل
15. اضطرابات الإقصاء
16. اضطراب تعدد الشخصيات
17. الاختلالات الجنسية
18. اضطراب الهوية الجندرية
19. الانحراف الجنسي
20. اضطرابات أخرى

سنتحدث في هذه السلسلة على أشهر الاضطرابات التي يشملها هذا التصنيف.

تأثير الحرب العالمية الثانية على تصنيف الاضطرابات النفسية

ما قبل الحرب العالمية الثانية:

في الولايات المتحدة كان الحافز الأولي لتطوير تصنيف للاضطرابات النفسية هو الحاجة إلى جمع المعلومات الإحصائية. ما يمكن اعتباره المحاولة الرسمية الأولى لجمع معلومات حول الصحة العقلية في الولايات المتحدة هو تسجيل تكرار حالات “الجنون” كما تعرف سابقًا في تعداد عام 1840، وفي تعداد عام 1880 تم تمييز سبع فئات من الاضطرابات النفسية: الهوس، والكآبة، والهوس الوحشي، والشلل الجزئي، والخرف، وهوس الاكتئاب، والصرع.

في عام 1917 طورت الجمعية الأمريكية للطب النفسي جنبًا إلى جنب مع اللجنة الوطنية للصحة العقلية خطة اعتمدها مكتب الإحصاء لجمع إحصاءات صحية موحدة عبر المستشفيات العقلية.

على الرغم من أن هذا النظام كرس مزيدًا من الاهتمام للفائدة السريرية أكثر من الأنظمة السابقة إلا أنه كان لا يزال تصنيفًا إداريًا في المقام الأول.
في عام 1921 غيرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي- APS اسمها، وتعاونت لاحقًا مع أكاديمية نيويورك للطب لتطوير تصنيف مقبول على المستوى الوطني للأمراض النفسية، والذي سيتم دمجه في الطبعة الأولى من التسمية الموحدة للأمراض الصادرة عن الجمعية الطبية الأمريكية. تم تصميم هذا النظام في المقام الأول لتشخيص المرضى الداخليين الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية شديدة.

ما بعد الحرب العالمية الثانية:

تم تطوير نظام تصنيف أوسع بكثير في وقت لاحق من قبل الجيش الأمريكي (وتم تعديله من قبل إدارة المحاربين القدامى) لدمج عروض العيادات الخارجية لجنود الحرب العالمية الثانية، وقدامى المحاربين على سبيل المثال الاضطرابات النفسية والفسيولوجية والشخصية والاضطرابات الحادة.
في الوقت نفسه نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) الطبعة السادسة من التصنيف الدولي للأمراض، والتي تضمنت لأول مرة قسمًا للاضطرابات النفسية.

تأثر التصنيف الدولي للأمراض السادس بشدة بتصنيف إدارة المحاربين القدامى وشمل 10 فئات للذهان والاضطرابات النفسية وسبع فئات لاضطرابات الشخصية والسلوك والذكاء.

قامت لجنة APA المعنية بالتسميات والإحصاءات بتطوير متغير من التصنيف الدولي للأمراض تم نشره في عام 1952 كإصدار أول من DSM. احتوى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية على مسرد لأوصاف فئات التشخيص وكان أول دليل رسمي للاضطرابات النفسية يركز على الاستخدام السريري.

وبالتالي نلاحظ أن الحرب العالمية الثانية كانت حجر الأساس لوضع تصنيف معتمد يصنف الاضطرابات النفسية ويمثل قاعدة رئيسية لتشخيصها.

في الحقيقة إن الحروب بصفة عامة شكلت نقلة في فهمنا للاضطرابات النفسية كذلك، فبعد وقت طويل من الاعتقاد بأن الاضطرابات النفسية خلل جسدي في الدماغ يولد به الإنسان أتت عدة حروب لتبرهن على أن المرض النفسي يحدث لعدة أسباب متداخلة تشكل البيئة والظروف سببًا مهمًا ضمنها.

بالإضافة إلى ما هي الاضطرابات النفسية؟ اقرأ أيضًا: أشهر 10 اضطرابات نفسية: مقدمة حول اضطرابات الشخصية

مصادر ما هي الاضطرابات النفسية؟ :

1. britannica.com
2. healthdirect.gov
3. psychologytoday.com
4. psychiatry.org
5. apa.org

هل تيأس الحيوانات؟

يناقش الكاتب البرتغالي الكبير الحائز على جائزة نوبل للأدب – جوزيه ساراماجو – فكرة العجز واليأس في العديد من رواياته. ويفتتح أحد فقرات رواية الطوف الحجري معقبًا على شعور أحد شخصيات الرواية باليأس، فيقول

“اليأس كما نعرف جميعًا، سلوك بشري، لا نعرف خلال التاريخ الطبيعي أن الحيوانات تيأس. لكن الإنسان نفسه لا ينفصم عن اليأس، اعتاد على الحياة فيه، ويحتمله حتى آخر الحدود”.

الطوف الحجري – جوزيه ساراماجو

ورغم كون هذه الافتتاحية جميلة على المستوى الأدبي فإنها عندما توضع تحت عدسة العلم فهي ليست بالدقيقة وتحتاج إلى تصحيح.

فتابع معنا المقال التالي لتتعرف كيف يؤثر اليأس على الحيوانات بشكل عام وما هو تأثيره على البشر؟

تجربة سيليغمان وماير

شرح التجربة

في ستينيات القرن الماضي، قام عالما علم النفس «مارتن سيليغمان – Martin Seligman» و «ستيفن ماير – Steven F. Maier» بإجراء تجربة تتضمن تعليم ثلاث مجموعات مختلفة من الكلاب القفز فوق عقبة صغيرة من جانب واحد من الصندوق إلى الجانب الآخر للهروب من صدمات كهربائية. كانت المجموعة الأولى تتعرض للصدمات لأول مرة في حياتها. أما المجموعة الثانية فقد تعلمت الهروب من صدمات كهربائية ولكن في ظروف مختلفة عن ظروف التجربة. وبالنسبة للمجموعة الثالثة، فقد تعرضت للصدمات الكهربائية من قبل أيضًا. ولكن تلك الصدمات كانت مستمرة ولا يمكن الهروب منها بأي شكل.

نتائج التجربة

توقع سيليغمان وماير أن المجموعة الثانية ستكون أسرع مجموعة تتعلم الهروب من الصدمة الكهربائية ثم تليها المجموعة الأولى ثم المجموعة الثالثة. وبالفعل تعلمت المجموعة الثانية أسرع من المجموعة الأولى. ولكن ما لم يكن متوقع هو أن المجموعة الثالثة لم تحاول الهرب من الصعقات الكهربائية على الإطلاق. لقد أصبحت المجموعة الثالثة سلبية تمامًا. أصبحت الكلاب في المجموعة الثالثة تتلقى الصدمات الكهربائية ولا تقوم بأي رد فعل، حتى قام العلماء بإنهاء التجربة بدافع الرحمة.

اكتشاف العجز المتعلم

اقترح سيليغمان وزملاؤه أن الكلاب في المجموعة الثالثة تعلمت من التعرض لصدمات لا مفر منها أن لا شيء يمكن أن يفعلوه يمكن أن يحدث فرقًا. لقد كانت المجموعة الثالثة «عاجزة – helpless» عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على مصيرهم. فقد نقلت المجموعة الثالثة ما تعلموه من تجاربهم السابقة إلى هذه التجربة مثل المجموعة الثانية، ولكن في حالتهم فقد نقلوا «العجز المتعلم – learned helplessness» أو اليأس المتعلم. لقد كانت الكلاب تفتقر إلى إحساس التحكم في مصيرها. ولعل ذلك الافتقار إلى التحكم هو ما جعل هذه الكلاب تظهر مؤشرات الحزن والإكتئاب.

علاج العجز المتعلم

حاول سيليغمان فيما بعد علاج الكلاب التي أصبحت عاجزة ولا تحاول الهروب من الصعقات الكهربائية. وقد قال سيليغمان فيما بعد أنه يبدو أن علاجًا واحدًا فقط يعالج العجز في الكلاب. فقد أفترض أن الكلب لا يحاول الهروب لأنه يتوقع أن محاولة الهروب ستكون بلا جدوى. ولكن عندما تم إجبار الكلاب على معرفة أن هناك تغيير يمكن أن يحدث فرقًا عندها بدأت الكلاب القفز من تلقاء نفسها لإنهاء الصعقات الكهربائية. فقد قام سيليغمان بربط الكلاب بحبل وإجبارها على عبور العقبة حتى تتوقف الصعقات الكهربائية. وقد لاحظ سيليغمان أن القوة المطلوبة لتحريك الكلاب كانت تقل مع الوقت. فقد كانت الكلاب في البداية تقاوم الحركة بشكل كبير ولكن مع مرور الوقت كانت مقاومتها تقل، حتى أنها في النهاية كانت تكفي مجرد وخزة لجسم الكلب حتى يبدأ في عبور العقبة وإيقاف الصعقات.

ما بعد تجربة سيليغمان وماير

أعيد إجراء تجربة سيليغمان وماير على حيوانات عديدة وعلى البشر بطرق مختلفة وأعطت نفس النتائج. فقد أعيدت التجربة على الفئران والقطط والأسماك وأظهرت هذه المجموعات دائمًا عجزًا متعلمًا.

ولعل أشهر التجارب المشابهة المتعلقة بالعجز المتعلم أجريت على الفئران. ففي العادة عندما يتم الإمساك بفأر وإلقاءه مباشرة في خزان مياه فإنه يستطيع السباحة لمدة ستين ساعة قبل أن يغرق. ولكن عندما قام العلماء بالإمساك بالفئران حتى تتوقف عن المقاومة تمامًا فإنها تقاوم الغرق لمدة ثلاثين دقيقة فقط قبل أن تغرق. ولعلاج هذه الفئران من العجز المتعلم فإن العلماء قاموا بإخراج الفئران العاجزة من الماء لمدة بسيطة ثم معاودة إلقاءها في الماء مرة أخرى عدة مرات. وقد قاومت تلك الفئران التي تم إخراجها من الماء وإلقاءها فيه مرة أخرى الغرق لمدة ستين ساعة كما الفأر العادي تمامًا. لقد كانت عملية إخراج الفأر من الماء وإلقاءه فيه مرة أخرى تعطي الفأر إحساسًا بالتحكم بمصيره. ورغم كون إحساس الفأر بالتحكم بمصيره مزيفًا، إلا أنه جعله يقاوم الغرق لفترات أطول.

العلاقة بين العجز المتعلم والاكتئاب

على ما يبدو فهناك علاقة بين العجز المتعلم الذي تم وصفه أول مرة في تجارب سيليغمان وماير وبين السلوك البشري الناتج عن سوء التكيف. فعلى سبيل المثال، يعد «اضطراب الاكتئاب الشديد – Major Depressive Disorder» -الذي ينتج في الغالب نتيجة العيش في ظروف مرهقة وصعبة – مرتبط بشكل ما بالعجز المتعلم. فعلى سبيل المثال، تتشابه أعراض اضطراب الاكتئاب الشديد وأعراض العجز المتعلم في أن المصاب بأي منهما يظهر تأخر في الاستجابة للمحفزات الخارجية. كما يتشابها أيضا في أن المصاب بأي منهما يجد صعوبة في تصديق في أن محاولاته سوف تنجح.

في إحدى الدراسات المتعلقة بأعراض الاكتئاب، فقد تم تصنيف الشعور باليأس والعجز وانعدام القيمة كأعراض أساسية لمرضى الاكتئاب. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن نضوب «النورإبينفرين – norepinephrine» الناتج عن الصعقات التي لا يمكن التحكم بها يطابق الفرضية القائلة بأن نضوب النورإيينفرين أحد مسببات الإكتئاب لدى البشر.

المصادر

[1] Annual review of medicine

[2] Journal of experimental psychology

[3] Medical News Today

[4] psychiatry online

عائلة اللغات الأفريقية الآسيوية

هذه المقالة هي الجزء 5 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

عائلة اللغات الأفريقية الآسيوية

تعد عائلة اللغات الأفريقية الآسيوية (Afroasiatic Languages) من العائلات اللغوية الأساسية. وتقع هذه العائلة في الترتيب الرابع بين العائلات الأساسية من ناحية عدد المتحدثين. إذ ينطق بلغاتها ما يقارب 583 مليون شخصاً حول العالم. ويتجاوز عدد لغاتها 370 لغةً [1].

عائلة اللغات الأفريقية الآسيوية

تصنيف اللغات ضمن العائلة

تنتشر اللغات الأفريقية الآسيوية في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط. ومما يساعد في انتشار هذه العائلة أنها تضم كلاً من اللغة العربية وهي لغة الدين الإسلامي، واللغة العبرية وهي لغة الدين اليهودي، واللغتين القبطية والسريانية وهما لغتا طائفتي الأقباط والسريان المسيحيتين [2].

في عام 1844، وجد العالم اللغوي الألماني ثيودور بنفي (Theodor Benfy) تشابهاً بين اللغات السامية والمصرية. وعليه، صنفها ضمن مجموعة أسماها عائلة اللغات السامية الحامية (Semito-Hamitic). والحامية هي نسبة إلى حام، ابن النبي نوح عليه السلام. كما يرجح أن تكون السامية أيضاً منسوبة لأخيه سام، ولكن لا يوجد دليل كافٍ على أصل هذا الاسم. لاحقاً، أطلق على هذه العائلة اسم العائلة الأفريقية الآسيوية تفادياً للحساسيات الثقافية من الاسم السابق [3].

أصل اللغات الأفريقية الآسيوية

لا يوجد إجماع على المكان الذي نشأت منه اللغة البدائية لهذه العائلة. ولكن يتفق أغلب الباحثين على أن الناطقين بها كانوا يعيشون في شمال شرق أفريقيا. فيقترح البعض أن أثيوبيا كانت موطن هذه اللغة السلف، في حين يرى آخرون أنها نشأت في السواحل الغربية للبحر الأحمر. أما عن تاريخها، فوجدت بعض الدراسات أن هذه اللغة الأصلية تعود إلى الألفية السادسة حتى الثامنة قبل الميلاد [2].

تتعقب أبحاث أخرى اللغة الأفريقية الآسيوية البدائية، وتقترح أنها كانت موجودة قبل 18,000 سنة، تحديداً في منطقة القرن الأفريقي. ومنها نشأت ثلاث لهجات مختلفة، والتي شكلت بدورها أصل اللغات البربرية والمصرية والسامية. مع الهجرة شمالاً وانتشار مختلف الناطقين، انتشرت هذه اللغات وتشعبت بمرور الوقت [3].

تشير الدراسات إلى وجود تشابه في تشكيل الكلمات والأصوات بين أفراد هذه العائلة. ومن أبرز التشابهات التشكيلية استخدام لواحق مع الكلمات للدلالة على الملكية، وهي سمة مشتركة بين كافة لغات العائلة [4].

المجموعات الفرعية للعائلة الأفريقية الآسيوية

تضم عائلة اللغات الأفريقية الآسيوية ست مجموعات فرعية أساسية. بدايةً مع المصرية (Egyptian)، وتتميز هذه المجموعة بأن جميع لغاتها قد انقرضت باستثناء اللغة القبطية. وحتى القبطية لم تعد تستخدم إلا في الصلوات لدى طائفة الأقباط المسيحية. ثم تأتي المجموعة بالسامية (Semitic)، وهي المجموعة الفرعية الوحيدة التي تنتشر خارج القارة الأفريقية. ومن بين لغات هذه المجموعة اللغة العربية واسعة الانتشار، واللغة العبرية، ولغات أخرى مهددة بالانقراض كاللغة الآرامية التي يتحدث بها عدد من سكان بلدة معلولا في سوريا. ثالثاً، توجد المجموعة الأمازيغية أو البربرية (Berber) والتي تنتشر في شمال وغرب أفريقيا. بعض من لغاتها اندثر مع الزمن، وبعضها لا يزال محكياً. أما المجموعة الرابعة فهي التشادية (Chadic)، ويتوزع ناطقوها في شمال نيجيريا وشمال الكاميرون والنيجر والتشاد. في أفريقيا أيضاً نجد المجموعتين الفرعيتين الخامسة والسادسة، وهما الكوشية (Cushitic) والأوموتية (Omotic). ويميل بعض الباحثين إلى تصنيفهما ضمن مجموعة واحدة [4] [5].

المجموعات الفرعية ضمن العائلة الأفريقية الآسيوية

المصادر

Ethnologue

Must Go

The Afro-Asiatic Language Family

Afroasiatic Languages

Sorosoro

ما هو تأثير البيئة على المشاعر؟

يختبر كل شخص على هذا الكوكب العواطف، حيث تمثل العواطف كل المشاعر أو الأفكار التي تنشأ بشكل تلقائي على العكس من التفكير الواعي المنظم، عندما ننظر إلى هذا الأمر من منظور عالمي؛ هناك العديد من الاختلافات في كيفية تفسيرنا للتعبير عن المشاعر عندما تختلف البيئة والثقافة المجتمعية.

قد يعتقد المرء أنه إذا كان الشخص سعيدًا في الصين، فسوف تظهر هذه السعادة على الأمريكي بنفس الطريقة. حيث أنه من منظور عالمي للسلوك التنظيمي تبيّن في الحقيقة الثقافات المختلفة تفسر المشاعر وتعبر عنها وتختبرها بشكل مختلف.
هل هناك علاقة بين المشاعر واللغة؟ وكيف يتصرف البشر بشكل فردي أو اجتماعي؟

ما هي فكرة ريتشارد نيسبت عن المشاعر؟

ورد في كتاب «جغرافية الفكر لريتشارد نيسبت_the geography of thought Richard Nisbett» أنه من المهم فهم كيفية قراءة الفروق الدقيقة بين مشاعر الأشخاص الذين يأتون من بيئات مختلفة؛ لا سيما أنه من المستحيل تقريبًا بناء فريق دولي ناجح من العمال إذا لم يتمكن الأفراد التقاط أو فهم مشاعر أعضاء فريقهم.

حيث أنه مثلًا قد يكون شعور شخص من البرازيل بالعواطف يؤثر على كيفية تفسير أو تلقي شخص آخر من تايوان لمشاعر هذا الشخص. ويأتي هذا التفسير من الإشارات التي قد يرسلها كتعابير الوجه ولغة الجسد التي يلتقطها الآخرون ثم يفسرونها.

قد لا يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين ما يشعر به شخص ما في بلد ما وكيف يفسر هذا الشعور الآخر لكن افي الواقع هناك فرق؛ حيث قرر الباحثون في إحدى الدراسات أن يعرضوا صورًا لمجموعة من الأفراد من دول مختلفة لأشخاص أظهروا مشاعر مختلفة، مثل السعادة أو الحزن أو القلق أو المفاجأة.

قام الباحثون ببعض الدراسات على أشخاص من أمريكا وتشيلي والبرازيل والأرجنتين واليابان. المدهش أن الجزء الأكبر منهم خمّنوا المشاعر التي كانوا يشاهدونها بشكل صحيح.

لكن كانت هناك نسبة كبيرة من الأفراد الذين أخطئوا في التعرف على بعض المشاعر. على سبيل المثال، خمن 32٪ من الأرجنتينيين مشاعر الخوف بشكل خاطىء. كما أخطأ 37٪ من المشاركين اليابانيين في تخمين شعور الغضب.

تثبت هذه التجربة البسيطة أنه لا يمكننا تفسير المشاعر عالميًا بنفس الطريقة،إذ يمكن للأشخاص من البلدان الأخرى إساءة تفسير المشاعر التي يمرون بها؛ مما قد يؤدي بهم إلى التفاعل مع المحيط بطريقة خاطئة.

كما أنه من الشائع مثلًا أن يحضر الأفراد جنازة ويظهروا حزنهم. بينما يجب في بعض البلدان أن يكون الشخص رزينًا وألا يُظهر الحزن في الجنازات.[1]

 كيف تؤثر اللغة على فهمنا للمشاعر؟

تبقى اللغة هي أساس الوجود، حيث أنها ليست مجرد تجربة فاللغة تلخص كامل معرفتنا وخبراتنا. كما أنها تشكل كل ما نشعر به وأيًا كان ما نقوم بمعالجته. وفي نفس الوقت، تقوم بوضع علامات على تلك المعلومات وتصنفها عاطفياً. الفكرة هي أن اللغة تشكل المشاعر وفي نفس الوقت تشكل الإدراك.

في القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام الحقيقي بكيفية وصف اللغة لثقافة المجتمعات. وفي القرن العشرين، تم إنشاء فرضية «سابير وورف_sapir-whorf» لوصف كيفة تأثير بنية اللغة على الطريقة التي يرى بها متحدثو هذه اللغة العالم؛ لذلك يمكننا أن نرى ونستطيع فهم تلك اللغة أو إنتاج طرق محددة لمعالجة المشاعر وتنظيم هذه المشاعر والتعبيرات اللغوية بطريقة نحوية.

الحقيقة هي أنه وفقًا لكل الطرق المختلفة للدراسات في الأنثروبولوجيا؛ فإن المشاعر هي دراسات اجتماعية ولغوية وتطورية. تثبت جميع الدراسات الاثنوجرافية أن العواطف هي مجرد تعبير ثقافي واحد للتعامل مع المشاكل المستمرة للعلاقة الاجتماعية. لذا فإن العواطف أيديولوجية، على الرغم من العواطف الجسدية أو الطبيعية الواضحة جدًا قبل الثقافة.

كيف تختلف مشاعر العار والذنب في الثقافات المختلفة؟

تفرض بعض الثقافات على أفرادها أن يشعروا بطريقة معينة خلال حدث ما. على سبيل المثال، تعتبر مشاعر الذنب في الدول الغربية فردية على الرغم من أنواع من العلاقات الاجتماعية والعائلات؛ والحقيقة هي أن الترابط العائلي ومن ثم الترابط الاجتماعي أضعف بكثير من ذلك الموجود بالفعل في المجتمعات الشرقية التي يعتبرونها أكثر ترابطًا. لذلك، في المجتمعات الغربية الناس أكثر عرضة للشعور بالذنب

على العكس من ذلك؛ يميل البشر في البلدان الشرقية إلى الشعور بالعار أكثر نتيجة أفعالهم، وذلك لأنهم أكثر وعيًا بالتفاعل الاجتماعي الذي يتم فيه تقييم أفعالهم. لذا نستطيع القول أن اللغة تشكل الطرق التي نشعر بها وتحدد الاستراتيجيات الاجتماعية والعاطفية.[2]

المصادر

  1. the geography of thought Richard Nisbett
  2. COURSERA

أساطير الحياة الآخرة، سماتها واختلافاتها

الموت حتمي

تدرك الثقافات في جميع أنحاء العالم أن كل حياة ستنتهي بالموت. ومع ذلك، يؤمن الكثيرون أن جزءًا غير مرئي ولكنه حيوي من الكائن البشري، الروح، يستمر في الوجود بعد الموت. في بعض التقاليد، يمتلك الفرد أكثر من روح واحدة، وقد يكون لكل منها مصير منفصل. في هذا المقال سنتحدث عن أساطير الحياة الآخرة، سماتها واختلافاتها

تضمنت الأديان على مر العصور الإيمان بالحياة الآخرة، وهي حالة من الوجود يدخلها الناس عندما يموتون أو مكان يذهبون إليه هم أو أرواحهم. تقدم الأساطير والنصوص الدينية رؤى مختلفة عن الحياة الآخرة. تكشف هذه الصور الكثير عن آمال ومخاوف كل ثقافة بشأن الحياة الآخرة وغالبًا ما تحتوي على دروس حول الكيفية التي يجب أن يعيش بها الناس حياتهم.

السمات المختلفة للأساطير

الظروف الجغرافية

ترتبط التمثيلات المختلفة للحياة بعد الموت التي نجدها في الأديان المختلفة بمفاهيم كل منها عن بنية الكون والحياة على الأرض، ومعتقداتها المختلفة حول التكوين الجسدي والروحي للإنسان. حيث كان هنود سهول أمريكا الشمالية، الذين كانوا صيادين، يتطلعون إلى “مناطق الصيد الأبدية” التي سيعيشون فيها بعد موتهم. في كل حالة، تلعب الظروف الاقتصادية الفعلية للحياة دورًا مهمًا في تحديد كيفية تصور المرء للحياة الآخرة. وبالمثل، فإن موقع وجغرافيا مسكن الموتى يتم تحديدهما في معظم الثقافات من خلال الظروف الجغرافية الفعلية لعالمهم الحالي. في بعض الأحيان فقط يتم تحديدها بشكل أساسي من خلال العوامل الثقافية، على سبيل المثال من خلال تقاليد الهجرة بين عدد من الديانات البولينيزية.

الروح

إن تصور الروح هو أيضًا عامل مهم. الروح التي يتم تصورها لتكون أبدية تقود نوعًا مختلفًا من الحياة الآخرة عن تلك التي يتم تصورها على أنها ضِعف الجسد الأرضي، أو كشيء يتضاءل تدريجياً إلى العدم بعد الموت، كما نجد بين بعض الديانات الأوراسية الشمالية. إن الإيمان بتعدد الأرواح داخل فرد واحد يجعل من الممكن الإيمان بالوجهات المتعددة لهذه الأرواح.

الاهتمام بالحياة الآخرة

هناك أيضًا اختلافات ملحوظة في درجة الاهتمام الذي تظهره ديانات معينة في الحياة الآخرة. في حين أنها مركزية في دين ما، فقد تكون هامشية في دين آخر. على سبيل المثال، جعلت المسيحية، إلى جانب عدد صغير من الديانات الأخرى، خلود الفرد مركزيًا في نظام معتقداته. لكن مركزية الفرد هذه غير معترف بها عالميًا بأي حال من الأحوال. في العديد من الأديان الأخرى، يكون الاهتمام باستمرار الحياة بعد موت الفرد طفيف، لأن الاهتمام يقع بقوة على الحياة على الأرض.

قد لا يتم إنكار استمرار وجود الإنسان بعد الموت تمامًا، ولكن لا يعتبر أيضًا ذا أهمية. تظل الأفكار حول ظروف الآخرة غامضة. وفقًا لقلة الاهتمام، نجد ثقافات لا تسمح فقط بظروف الوجود في أرض الموتى أن تظل غامضة، بل تترك مسألة موقعها دون إجابة. على النقيض من ذلك، طورت بعض الثقافات أوصافًا مفصلة للغاية لمملكة الموتى. هنا يفكر المرء بشكل خاص في المسيحية في العصور الوسطى.

الموت الثاني

على الرغم من أننا نميل اليوم إلى أن نتكيف لرؤية الحياة بعد الموت كحالة أبدية تليق بالروح الخالدة، إلا أنه من المهم أن نوضح أن هناك أيضًا ثقافات تعتبر فيها الحياة الآخرة امتدادًا مؤقتًا للحياة الحالية، إلى نهايته بموت ثانٍ ونهائي. يعتقد شعب بانجوي (جنوب الكاميرون) أنه بعد الموت يعيش الإنسان لفترة طويلة في الجنة، لكنه يموت في النهاية ويتم التخلص من جثته دون أمل في أي وجود آخر. كما عرف المصريون الخوف من الموت للمرة الثانية في الآخرة.

الثواب والعقاب

عندما يحدث مفهوم الثواب أو العقوبة وفقًا للمبادئ الأخلاقية، فمن الضروري تقسيم مسكن الموتى إلى قسمين أو أكثر متمركزة في أماكن مختلفة: الجنة والجحيم، وفي بعض الحالات يوجد مكان بينهما تتطهر فيه الأرواح قبل أن يُسمح لها بدخول الجنة يسمى «المطهر-purgatory». قد يتم دمج هذا مع الإيمان «بالتناسخ-reincarnation» ، كما هو الحال في البوذية. في الثقافات التي يُقبل فيها الاعتقاد في التناسخ، فإن مسألة مكان ولادة الروح من جديد ليس لها أهمية كبيرة بشكل مفهوم وغالبًا ما تظل الأفكار المتعلقة بها غامضة أو متناقضة.

رحلة إلى العالم الآخر

قد تؤدي المسافة بين عالم الأحياء ومسكن الموتى إلى مفهوم رحلة من عالم إلى آخر. كما يمكن فصل عالم المغادرين عن عالم الأحياء مثلا بواسطة نهر (مثل ستيكس في الأساطير اليونانية)، والذي يجب اجتيازه بالقارب.

لا مكان للموتى

عندما يُعتقد أن الموتى يظلون حاضرين في المكان الذي دُفنوا فيه (مفهوم “الجثة الحية”)، قد يكون مفهوم وجود مكان أو مسكن خاص للموتى غائب، أو على الأقل غير مهم. وينطبق الشيء نفسه عندما يُعتقد أن الموتى يتحولون إلى حيوانات تعيش في بيئتها الطبيعية. ومع ذلك، يظل الموتى دائمًا منفصلين عن الأحياء، على الأقل من خلال نمطهم المختلف في الوجود، سواء تم فصلهم عن طريق موقع العالم الذي أصبحوا ساكنين فيه أم لا. عندما نجد الاعتقاد بأن البشر بعد الموت سوف يجتمعون مرة أخرى مع الكون، غالبًا ما يُنظر إليه على أنه إلهي، هناك تحول في نمط الوجود، لكن مسألة وجود مكان يسكن فيه الموتى لا تظهر بشكل صحيح.

أين يوجد عالم الموتى؟

في تلك الحالات التي يتم فيها وضع مكان مميز يذهب الأموات، يبدو أن هناك ثلاثة احتمالات رئيسية، لكل منها اختلافات طفيفة. قد يكون عالم الموتى على الأرض أو تحت الأرض أو في السماء. يمكن إعطاء أمثلة عديدة لكل منها.

عالم الموتى على الأرض

في الحالة الأولى، يقع عالم الموتى على الأرض، ولكن على مسافة أقل أو أكبر من مساكن الأحياء. كثيرًا ما نجد أيضًا أشخاصًا لديهم تقاليد الهجرة، وهنا في كثير من الحالات يتم تحديد مكان إقامة الميت مع موطن الأشخاص الأصلي.

عالم الموتى تحت الأرض

في الحالة الثانية، يقع عالم الموتى تحت الأرض أو تحت الماء. ربما تكون فكرة العالم السفلي كمسكن للموتى هي الأكثر شيوعًا بين جميع المفاهيم في الأساطير. فكرة الدخول إلى هذه المنطقة من خلال حفرة عميقة في الأرض أو كهف منتشرة أيضًا. عندما يقع تحت الأرض، عادة ما يُنظر إلى عالم الموتى على أنه إما عالم من الأشكال أو الظلال الغامضة، كما في حالة الشيول الإسرائيلي وعالم هاديس السفلي، أو كمكان للعقاب.

اختلاف الأقدار بعد الموت

يرتبط تحديد العالم السفلي كمكان للعقاب ارتباطًا وثيقًا بالظاهرة الأكثر عمومية المتمثلة في التفريق بين الأقدار بعد الموت. كما لوحظ بإيجاز أعلاه، تؤمن عدد من الثقافات بمثل هذا التمايز. قد نميز بين نوعين رئيسيين: أحدهما يقوم على مبدأ الحالة الاجتماعية أو الطقسية، والآخر على أساس المبادئ الأخلاقية.

إن النوع الأكثر شيوعًا من المفاضلة يعتمد على المبادئ الأخلاقية، والتي يتم توظيفها للفصل بين أولئك الذين سيكافأون بعد الموت والذين سيعاقبون. جنبًا إلى جنب مع فكرة عقوبة ما بعد الوفاة، يأتي مفهوم الجحيم والعذاب كأماكن تحدث فيها مثل هذه العقوبات. في حين أنه من الصحيح أنه ليست كل مساكن الموتى تحت الأرض هي جحيم، يبدو أنه من الشائع أن جميع أنواع الجحيم تحت الأرض. عوالم الظلام تحت الأرض بعيدًا عن متناول الشمس والقمر، تضاء فقط بالنيران التي تعاقب الملعونين.

عالم الموتى في السماء

في الحالة الأخيرة، قد يقع عالم الموتى في السماء. هذا المفهوم هو أيضًا مفهوم شائع جدًا. إن الاعتقاد بأن هذا المكان يجب البحث عنه في مكان ما في أعالي الجبال هو مجرد اختلاف، لأنه في العديد من الأديان، ترمز قمم الجبال إلى الجنة ومكان سكن الآلهة، مثل الأوليمبوس في اليونان على سبيل المثال. الاختلاف الآخر هو الاعتقاد بأن الموتى يواصلون وجودهم على النجوم أو بينها.

بعض أساطير الحياة الاخرى

حضارة  بلاد ما بين النهرين القديمة

بالنسبة لهم، كان الموت أمرًا يخافون منه. في تقاليد بلاد ما بين النهرين، خلق البشر من الطين الممزوج بدم الإله الذي تمت التضحية به. وهكذا، لكون الروح خالدة جزئيًا، فإنها لم تموت بعد الموت، لكنها باقية لتعيش حياة كئيبة بعد الموت. مع الاحتفاظ بجميع احتياجات وعواطف الأحياء، تعيش الروح بعد الموت حياة مظلمة وجوفية لا تأكل سوى الغبار والطين في مكان محروم من الماء الصالح للشرب. كانت الراحة الوحيدة من هذا الوجود هي طعام وقرابين أحفادهم. وهذا يعني أن مصادرة جسد العدو من رعاية الأسرة كان بمثابة عقوبة مروعة.

كان الناس يخشون الموتى إلى حد كبير في بلاد ما بين النهرين القديمة. كان يعتقد أن الأرواح المنكوبة والمقتولة والشريرة يمكن أن تهرب من أرض الموت لتسبب الخراب بين الأحياء من خلال دخول أجساد الأحياء من خلال آذانهم. وبالمثل، يمكن للموتى أن يقوموا ويعذبوا الأحياء إذا لم يتم دفنهم بشكل لائق، لذلك تم دفن حتى جثث الأعداء بطريقة تمنع حدوث ذلك. ودُفن معظمهم في مقابر، لكن تم العثور على جثث أطفال تحت أرضيات المنازل، وغالبًا ما دفنوا في أواني الطهي بشكل مثير للفضول.

اليونان القديمة وروما

كانت تفسير الحياة الأخرى في اليونان القديمة وروما متشابهة إلى حد ما، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاقتراض المكثف للثقافة اليونانية من قبل الرومان الأوائل الذين فسروا آلهتهم من خلال الأساطير اليونانية الحالية. هذا يعني أن مفاهيمهم عن الحياة الآخرة تشترك في العديد من العناصر. كلاهما يؤمن بإله مشابه للعالم السفلي، هاديس باليونانية وبلوتو بالرومانية، الذي حكم العالم السفلي مع زوجته بيرسيفوني أو بروسيربينا.

بعد الموت، ستقدم الأرواح سرداً لحياتها لثلاثة قضاة وتُرسل إما إلى «حقول أسفوديل-Fields of Asphodel» أو «حفرة تارتاروس- Pit of Tartarus». في بعض الأدبيات، إذا كانت الروح جيدة بشكل استثنائي، فقد تذهب إلى «إليسيوم- Elysium »، أو جزر المباركين، وهي مكان مخصص عادةً للأبطال والآلهة. في الطريق إلى هاديس، كان على المرء أن ينقل عبر نهر ستيكس الجهنمي بواسطة الملاح الشيطاني «خارون- Charon». غالبًا ما كان يتم وضع عملة معدنية في فم الجسد كدفعة له، حيث يعتقد البعض أنه كلما زادت قيمة العرض، كان المرور أكثر سلاسة إلى الجحيم. حتى أن بعض الأرواح تم تزويدها بكعكات العسل لإعطاء الكلب الشيطاني ذو الرؤوس الثلاثة «سيربيروس- Cerberus» الذي يحرس بوابات العالم السفلي.

طرق الدفن

كان الدفن اللائق مهمًا لكل من الإغريق والرومان، الذين اعتقدوا أن الموتى يمكن أن يظلوا كأشباح إذا فشل الأحياء في تنفيذ طقوس الجنازة المناسبة. في اليونان، لا يمكن تحقيق الخلود إلا من خلال التذكر من قبل الأحياء. ولهذه الغاية، أقيمت تلال ترابية ضخمة ومقابر مستطيلة ونصب رخامية وتماثيل متقنة. أخذ الرومان الموت على محمل الجد، حيث شيد البعض قبورهم في حياتهم لضمان إرسال مناسب.

على الرغم من دفن معظم الناس في روما القديمة، إلا أن حرق الجثث في القرون اللاحقة أصبح شائعًا، حيث دفنت الجرار تحت الآثار التذكارية الكبرى. على الرغم من الشعبية المتزايدة لحرق الجثث، تمسك الرومان بالممارسة الغريبة تسمى « os resectum »حيث تم دفن مفصل إصبع مقطوع حيث تم حرق باقي الجسد. وقد قيل أن هذا كان لتطهير أسرة المتوفى أثناء حدادهم ، أو يمكن اعتباره دفنًا رمزيًا بعد حرق الجثة.

الحضارة الصينية القديمة

كان يعتقد في الصين القديمة أن الموت مجرد إطالة للحياة. بدلاً من الإيمان بالخلاص الفردي بحد ذاته، اعتقد الصينيون القدماء أن الموتى سيستمرون في الحياة الروحية كما فعلوا في هذه الحياة. وهكذا تم وضع مؤن لأولئك الذين ماتوا لاستخدامها في الآخرة.

كان يعتقد أن الأطفال لديهم التزامات تجاه أسلافهم للتضحية التي قدموها في إنجاب الأطفال وأن هذه الواجبات تستمر في الحياة حتى بعد الموت. كان للأرواح في الصين القديمة القدرة على التأثير في حياة الناس على الأرض، وإذا لم يتم رعايتهم من قبل الأحياء، فقد يعودون مما يتسبب في أضرار لا توصف. وهكذا ظهرت عبادة الأسلاف، حيث كان الناس يقدمون القرابين ويقيمون الاحتفالات لسلالة أحفادهم.

حتى الموتى تم دفنهم مع مجموعات من الأواني البرونزية، يُعتقد أنها كانت حتى يتمكنوا من الاستمرار في تقديم القرابين لأسلافهم. تطور هذا بشكل أكبر مع التأثير الكونفوشيوسي، الذي حرض على وضع “ألواح الروح” في ضريح الأسرة وتبجيلها، مع تقديم القرابين للأسلاف البعيدين على فترات أطول من أولئك الذين ماتوا للتو.

الميثولوجيا النوردية للفايكينج

وفقًا لأساطير الفايكنج، عندما يسقط محارب في ساحة المعركة، تستقبله الفالكيري، شخصية أنثى خارقة للطبيعة. تقوم الفالكيري بحماية بعض المحاربين لكنها توجه رمحًا وسهامًا في أجساد الآخرين. في عقل الفايكنج، لم يتم تحديد المعارك من خلال البراعة العسكرية ولكن من خلال وكالة وقوة هؤلاء النساء المصيريات.

قاد الفالكيري الأبطال المقتولين (أينهيرجار) من ساحة المعركة إلى قاعة أودين الرائعة. بنيت من الأسلحة والدروع، فالهالا كانت الأرض الموعودة لمحارب الفايكنج. تصوّر أشعار الإيدا، وهي مجموعة من الأساطير والقصص البطولية المكتوبة في أيسلندا في القرن الثالث عشر، البناء الدرامي لفالهالا.

المصادر

  1. encyclopedia
  2. history
  3. history

مدخل إلى الأنثروبولوجيا: النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا من النظريات التي برزت في خمسينات القرن العشرين، وتعد من المدارس الهامة في مجال الأنثروبولوجيا. بُنيت هذه النظرية على آراء المفكر كلود ليفي شتراوس، التي تقول بأن للمجتمعات بنى أصغر حجمًا تشكل مجتمعة المجتمع بكليته وعناصره.

نشأة النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

نشأت النظرية البنيوية على يد كلود ليفي شتراوس في خمسينيات القرن العشرين، متأثرًا بالعديد من المفكرين والفلاسفة منهم هيغل. وأخذ العديد من الأفكار من علم اللغة البنيوي، ومنها أفكار فرديناند دي سوسور الذي جادل بأن علماء اللغة بحاجة إلى تجاوز أفعال الكلام الفردية والتوصل إلى فهم أوسع للغة. طبق ليفي شتراوس هذه النظرية في بحثه عن البنى العقلية الكامنة وراء أفعال السلوك البشري. فكما المتحدثين بلغة يتحدثونها بالرغم من جهلهم بالقوعد، فإن البشر يعيشون حياتهم دون إدراك طريقة عمل البنى الاجتماعية في حياتهم اليومية. [1]
ركزت البنيوية على كيفية تحديد السلوك البشري من خلال البنى الثقافية والاجتماعية والنفسية. أي أن الأشياء لا يمكن فهمها بمعزل عن غيرها، بل يجب رؤيتها في سياق الهيكل الأكبر أو البنية الكاملة للمجتمع. ولا توجد هذه الهياكل الكبرى في المجتمع من تلقاء نفسها إنما تتكون من خلال إدراكنا للعالم. [5]

افتراضات النظرية البنيوية

تأثرت النظرية البنيوية بمدارس الظواهر والجشتالت في علم النفس. اقترح ليفي شتراوس أن التركيز للدراسات الأنثروبولوجية يجب أن يكون على الأنماط الأساسية للفكر البشري التي تنتج الثقافات التي تنظم بدورها وجهات النظر العالمية. واعتقد أن هذه العمليات لا تحدد الثقافة وإنما تعمل بداخل هذه الثقافة. وأكد المنهج البنيوي أن عناصر الثقافة يجب أن تفهم من حيث علاقتها بالنظام بأكمله. أي أن الكل أكبر من الأجزاء، وعناصر الثقافة ليست تفسيرية في حد ذاتها، لكنها تشكل جزءًا من نظام ذو معنى. [2]

مفهوم البنية في المجتمع

المفهوم الأساسي للبنية هو أن جميع أنشطة البشر في المجتمع مبنية وليست طبيعية أو تلقائية. تميل البنيوية إلى التصنيف العلمي، وتقترح في ذلك علاقة متبادلة بين الوحدات أو ظواهر السطح وبين القواعد أو الطرق التي عن طريقها يتم تجميع الوحدات. يعتقد أنصار هذه النظرية أن البنى الأساسية التي تنظم القواعد والوحدات في أنساق ذات معنى يتم إنشاؤها عن طريق العقل البشري وليست عن طريق الإدراك الحسي. وتحاول البنيوية تقليل تعقيد التجارب البشرية وإرجاعها إلى بنى أساسية معينة تعمم على كافة المجتمعات. [3]
يكمن تعريف البنية على أنها أي نظام مفاهيمي له ثلاث خصائص وهي:
1- الكمال، أي أن النظام يعمل ككل.
2- التحويل، النظام ليس ثابتًا.
3- التنظيم الذاتي، أي أن الهيكل الأساسي يكون ثابت.

نظام القرابة

تتمحور نظرية ليفي شتراوس عن موضوع القرابة أن مجموعات القرابة القبلية عادة ما توجد في أزواج، أو في مجموعات ثنائية تعارض بعضها بعضًا، ولكنها بحاجة لبعضها في نفس الوقت، كما أضاف أن الطرق التي صنف بها الناس في البداية الحيوانات والأشجار كانت مبنية على سلسلة من التناقضات. [4]
وصف الحكايات الشعبية لأمريكا الجنوبية القبلية بأنها مترابطة من خلال سلسلة من التحولات، حيث يكون هنام تحول معاكس في الحكايات إلى نقيضها في حكايات أخرى. ويرى أن هذه الأضداد هي رمز للثقافة الإنسانية والتي عن طريق الفكر والعمل تتحول إلى أدوات مادية للقبيلة. [2] [4]
تعكس الهياكل الاجتماعية المعرفية التعامل مع الأنماط في التفاعل الاجتماعي وتكون مظهر لها، وتسعى البنيوية إلى تحديد روابط بين بنى الفكر والبنى الاجتماعية. طرح موس الهدية كمثال وجادل بأن الهدايا ليست مجانية، بل تلزم المتلقي بأن يردها بالمثل. وأشار إلى أن الهدايا ليست أشياء مادية فقط، وإنما لديها خصائص ثقافية وروحية. ومن هذا انطلق شتراوس بأن التبادل هو الأساس العالمي لأنظمة القرابة، التي تعتمد بنيتها على نوع قواعد زواج معينة، وسمي النموذج الخاص بليفي شتراوس لأنظمة القرابة باسم نظرية التحالف. [4]

نظام الزواج

وضح ليفي شتراوس في نموذجه أنظمة الزواج بين أبناء العم، وتبادل الأخت، وقواعد الزواج الخارجي. أشار إلى أنه مع الوقت تشكل قواعد الزواج بنى اجتماعية، أي أن كل نظام زواج يخلق علاقة مدين ودائن يجب موازنتها من خلال التزويج على الفور أو في الجيل التالي. وناقش فكرة تبادل النساء بين القبائل بأن محركها الأساسي كان أن فكرة سفاح القربى محرمة شمن الأسرة أو القبيلة بالتالي لجأت القبائل لتبادل النساء. واكتشف أن مجموعة كبيرة من الثقافات غير المرتبطة ببعضها لها قانون يقتضي بتزويج أبناء العم أي أطفال الأشقاء من الجنس الآخر. وقام وفقًا لذلك بتجميع أنظمة القرابة في مخطط يحتوي على ثلاثة هياكل قرابة أساسية تم إنشاؤها من نوعين من التبادل. أطلق على تراكيب القرابة أولية، شبه معقدة، ومعقدة. [4]

العلماء المؤسسون للنظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

من رواد البنيوية كلود ليفي شتراوس الذي أسسها، والعلماء الذين شاركوا في تطويرها تيرينس هوكز وروبرت سكولز. وفي ستينات القرن الماضي نذكر من العلماء تشارلز موريس ونعوم تشومسكي.

كلود ليفي شتروس

عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي ومؤسس هذه النظرية والعالم الرئيسي الذي ساهم فيها، طبق النظرة البنيوية على الظوهر الثقافية مثل الأساطير وعلاقات القرابة، كما طبق مبادئ اللغة في بحثه عن البنى العقلية الأساسية للعقل البشري. قام بتقسيم الأساطير إلى إلى وحدات صغيرة ذات معنى أطلق عليها اسم mythemes. وبرأيه، يمكن فهم كل ثقافة من حيث التعارضات الثنائية الموجودة فيها وهي فكرة استمدها من فلسفة هيجل. وأظهر أن التناقضات ستتصارع فيما بينها، وسوف يتم حلها في قواعد الزواج والأساطير والطقوس الخاصة بالمجتمع. [2]

فرديناند دي ساسور

عالم لغويات سويسري، أثر عمله في علم اللغويات وعلم الأحياء بشكل كبير على ليفي شتراوس، ويعتبر أنه من الأباء المؤسسين لعلم اللغويات في القرن العشرين. [3]

مارسيل موس

عالم الاجتماع الفرنسي، قام بتدريس ليفي شتراوس وأثر في تفكيره حول طبيعة المعاملة بالمثل والعلاقات البنيوية في الثقافة. [3]

ميشيل فوكو

فيلسوف اجتماعي فرنسي، ارتبطت أعماله بالفكر البنيوي وما بعد البنيوي، كتب إلى حد كبير عن قضايا السلطة والهيمنة في أعماله، تأثر بالفكر البنيوي لكنه لم يعد نفسه عالمًا بنيويًا تمامًا ورفض هذه التصنيفات. [3]

الانتقادات التي وجهت للنظرية

مع ظهور الفكر التفسيري لما بعد الحداثة تراجعت النظريات البنيوية والوظيفية. وذلك بسبب عدم اتساقها الداخلي ومجموعة من القيود أضعفت هذه النظرية. ومن المآخذ على هذه النظرية تركيزها المفرط على العلاقات القبلية وعلاقات القرابة. وأشار نقاد هذه النظرية إلى أن هناك نقاط ضعف في أساليب ليفي شتراوس.وذلك بسبب بحثه عن بنى مثالية الذي دفع به إلى إهمال واقع وتعقيدات الممارسات الفعلية، فليست جميع القبائل معتمدة على نظام مبادل الزواجات. كما أن التماسك الاجتماعي لا يتم بشكل رئيسي في تبادل النساء كزوجات. إن ليفي شتراوس طور مفهومًا للبنى الفكرية ولكنه ببساطة افترض وجودها افتراضًا. [2]

أهم اختبارات الدواء الجديد

الآن وبعد أن تم ترشيح المركب الأساسي، سيبدأ فريق الكيمياء الطبية في تعديل هيكل الجزيء لتحسين خصائصه، ولكن ما الخصائص التي سيتم تحسينها؟ ما هي أهم اختبارات الدواء الجديد؟ بعد تحضير العقار بأفضل صيغة كيميائية، هل هو جاهز الآن لطرحه في السوق الدوائية؟ ما المقصود بالتجارب ما قبل السريرية؟ هل سيكتفي صانعو الأدوية بالتجارب على الحيوانات؟

هناك أربعة خصائص مهم العمل على تحسينها، وهي:

  • الفاعلية: تطوير الدواء ليعطي تأثير علاجي بأقل جرعة ممكنة، إذ تميل الأدوية ذات الجرعات المنخفضة إلى أن تكون أكثر أمانًا.
  • الخاصية الثانية الفعالية، مقدار تأثير الدواء على البروتين المستهدف.
  • السمية، سيتم تقليل التفاعلات السمية المحتملة لهذا المركب.
  • وأخيرًا، الحرائك الدوائية، وهنا بعد أن يدخل الدواء الجسم سيمر بمراحل أربعة، وهي (امتصاص، توزع، استقلاب، اطراح)، يتم العمل على هذه المراحل لتحسين عمل الدواء.

يتطلب تحسين المركب موازنة هذه الخصائص المختلفة ولكن سيكون هناك بعض التنازلات، على سبيل المثال، قد يتطلب تقليل السمية خسارة طفيفة في الفاعلية.

التجارب ما قبل السريرية:

إن تحديد ما إذا كان الدواء جاهزًا للتجارب السريرية ينطوي على دراسات ما قبل السريرية واسعة النطاق تنتج الفعالية الأولية والسمية والحركية الدوائية ومعلومات السلامة، حيث يتم اختبار جرعات واسعة من الدواء باستخدام التجارب في المختبر (أنبوب الاختبار أو مزرعة الخلية) وفي التجارب الحية (الحيوانية)، ومن الممكن أيضًا إجراء اختبار باستخدام نماذج الكمبيوتر للتفاعلات المستهدفة للدواء. بعد إجراء هذه الاختبارات، يُراجع الباحثون النتائج التي توصلوا إليها ويقرروا ما إذا كان ينبغي اختبار الدواء على الأشخاص.

التجارب السريرية على البشر:

تتقدم التجارب السريرية خلال أربع مراحل لاختبار العلاج وإيجاد الجرعة المناسبة والبحث عن الآثار الجانبية، إذا وجد الباحثون، بعد المراحل الثلاث الأولى أن الدواء آمن وفعال، فإن إدارة الغذاء والدواء توافق عليه للاستخدام السريري وتستمر في مراقبة آثاره.

بدايةً لاختبار الدواء على البشر، تقدم شركة الأدوية طلب عقار جديد أو استقصائي new drug investigational أو IND، لإدارة الغذاء والدواء، يفصل تطبيق IND بيانات العميل قبل السريرية، بما في ذلك دليل الفعالية، واختبارات السموم المكتملة في الحيوانات، ومعلومات التصنيع، بعد ذلك إذا لم تقدم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية اعتراضات في غضون 30 يومًا، فستبدأ الشركة في التجارب السريرية، وهناك 4 مراحل سأوضحها الآن.

المرحلة الأولى:

تشمل تجارب المرحلة الأولى 25 إلى 75 متطوعًا يتمتعون بصحة جيدة، لا يُعاني المتطوعين من المرض الذي يعمل عليه العقار، تحدد التجارب في هذه المرحلة الجرعات الآمنة للعقار، ويتعرف الباحثون أيضًا على نوع الآثار الجانبية، والتي يُطلق عليها التفاعلات الدوائية الضارة adverse drug reaction ADRs، التي قد يظهرها المرضى أثناء التجارب اللاحقة.
ترصد تجارب المرحلة الأولى السلامة، ولكن قد تظهر أيضًا علامات الفعالية على الرغم من أن الأشخاص الخاضعين للاختبار هم متطوعون أصحاء، على سبيل المثال، إذا كان الجزيء يخفض الكوليسترول، فسيقوم الباحثون بمراقبة مستويات الكوليسترول بحثًا عن العلامات المبكرة للفعالية.

المرحلة الثانية:

تستخدم تجربة المرحلة الثانية عددًا أكبر من الأشخاص (100 إلى 300)، وبينما ينصب التركيز في المرحلة الأولى على السلامة، ينصب التركيز في المرحلة الثانية على الفعالية.
تهدف هذه المرحلة إلى الحصول على بيانات أولية حول ما إذا كان الدواء يعمل مع الأشخاص المصابين بمرض أو حالة معينة، وتستمر هذه التجارب أيضًا في دراسة السلامة، بما في ذلك الآثار الجانبية قصيرة المدى، إذ يمكن أن تستمر هذه المرحلة عدة سنوات.

المرحلة الثالثة:

تجمع تجربة المرحلة الثالثة مزيدًا من المعلومات حول السلامة والفعالية، ودراسة مجموعات سكانية مختلفة وجرعات مختلفة، واستخدام الدواء مع أدوية أخرى. يتراوح عدد المشاركين عادة من عدة مئات إلى حوالي 3000 شخص، إذا وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أن نتائج التجربة إيجابية، فستوافق على العقار الجديد.

المرحلة الرابعة:

بمجرد الموافقة على الدواء الجديد، ستبدأ الشركة الراعية على الفور في تسويق الدواء، والآن يدخل الدواء في المرحلة الرابعة من التجارب السريرية، أي أنه لا يزال يخضع للمراقبة في السوق، ولكن من يراقب الدواء؟ ستراقب الشركة الدواء من خلال شريحة واسعة جدًا من المرضى والأطباء، ويخضع الدواء أيضًا للمراقبة من قبل إدارة الغذاء والدواء، وقد تقوم الجامعات والمؤسسات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية بمراقبة الأدوية الجديدة. تسمى عملية المراقبة هذه التيقظ الدوائي pharmacovigilance، وتستغرق فترة زمنية طويلة لتحديد سلامة الدواء ولرصد الآثار الجانبية طويلة المدى.

  • إذا تم تحديد مشكلة تتعلق بالسلامة، سيتم سحب الدواء من السوق، ومن الأمثلة على ذلك دواء السيبوترامين وهو دواء لفقدان الوزن، ولكن تبين من خلال الدراسات أنه يسبب مخاطر على القلب والأوعية الدموية لذلك تم سحبه من السوق.
  • أما بالنسبة للأدوية ذات المخاطر الشديدة ولكن يمكن تجنبها فهي تحمل تحذيرًا يسمى بتحذير الصندوق الأسود black box warning، وهو نص تحذيري على عبوة الدواء بحد أسود حول النص، وكمثال عليها دواء الأسيتامينوفين، المعروف أيضًا باسم الباراسيتامول، وهو مسكن للآلام يصرف بدون وصفة طبية مع تحذير من تلف الكبد المحتمل.
  • من الممكن أن تظهر الأدوية فوائد علاجية إضافية بعد الموافقة، مثال على ذلك هو رالوكسيفين، يعالج هشاشة العظام لدى النساء بعد سن اليأس، وهو أول استخدام معتمد لرالوكسيفين، ولكن وجد الباحثون أن النساء اللواتي يتناولن هذا العقار لعلاج هشاشة العظام قلل لديهن أيضًا خطر الإصابة بالسرطان، خضع رالوكسيفين بعد ذلك لتجارب إكلينيكية، وحصل على الموافقة لعلاج أنواع معينة من السرطان.

أهمية إجراء هذه الاختبارات:

تسبب عقار الثاليدوميد في أحد أكبر الأزمات الصحية في التاريخ إذ وُلِد عدد كبير من الأطفال بدون أطراف في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. تم تطوير الثاليدوميد كمنوم، ولكن وصفه بعض المتخصصين لتخفيف غثيان الحوامل، رغم عدم خضوعه للتجارب لاختبار آثاره الجانبية على الحمل. لفتت هذه الحادثة الانتباه إلى أهمية وضرورة الاختبارات للأدوية الجديدة باستخداماتها المتعددة.

المصادر:

اقرأ المزيد حول: كيف تختار شركات الأدوية المركب الدوائي الأنسب؟

ما هو مرض ألزهايمر؟ وما هي أعراضه

ما هو مرض ألزهايمر؟ 

مرض الزهايمر هو اضطراب عصبي متفاقم يؤدي إلى ضمور الدماغ  وموت خلاياه. يعتبر السبب الأكثر شيوعًا للخرف، وهو مصطلح عام لفقدان الذاكرة والقدرات المعرفية الأخرى. يمثل مرض ألزهايمر 60-80٪ من حالات الخرف. وهو حالة تتضمن انخفاضًا مستمرًّا في القدرة على التفكير وفي المهارات السلوكية والاجتماعية؛ ما يؤثر سلبًا في قدرة الشخص على العمل بشكل مستقل وكذلك على حياته اليومية. 

هل يمكن أن تصاب بالألزهايمر في سن مبكر؟ 

الألزهايمر ليس جزءًا طبيعيًا من الشيخوخة. ومعظم المصابين بمرض الزهايمر يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكبر. وعندما يبدأ بسن أصغر من ذلك يسمى “الألزهايمر المبكر”. 

يزداد خطر الإصابة بمرض الزهايمر وأنواع أخرى من الخرف مع تقدم العمر، ويؤثر على شخص من 14شخصًا فوق سن 65. وكذلك يصيب شخص من كل 6 أشخاص فوق سن 80. ولكن حوالي شخص من كل 20 شخصًا يصاب بمرض الألزهايمر تقل أعمارهم عن 65 عامًا.  

الأعراض  

أكثر الأعراض المبكرة شيوعًا هو صعوبة تذكر المعلومات المكتسبة حديثًا. تمامًا مثل باقي أعضاء الجسم، تتغير أدمغتنا مع تقدمنا ​​في العمر. يلاحظ معظمنا في النهاية بطء التفكير ومشاكل في تذكر أشياء معينة.  ومع ذلك ، قد يكون فقدان الذاكرة الشديد والارتباك والتغيرات الرئيسية الأخرى في طريقة عمل عقولنا علامة على فشل خلايا الدماغ. 

تبدأ تغييرات المرض عادةً في جزء الدماغ الذي يؤثر على التعلم. ومع تقدم إصابة الدماغ تظهر أعراض حادة بشكل متزايد ويظهر ذلك في الارتباك وتغيرات السلوك و المزاج وحدوث لَبَس في الزمان والمكان. بالإضافة إلى شكوك لا أساس لها حول الأسرة والأصدقاء ومقدمي الرعاية. وتستمر الأعراض حتى الوصول إلى صعوبة في الكلام والبلع والمشي.

 قد يجد الأشخاص المصابون بفقدان الذاكرة أو مرض ألزهايمر صعوبة في إدراك مشكلتهم. في الغالب تكون علامات الخَرَف أكثر وضوحًا لأفراد الأسرة أو الأصدقاء. يجب على أي شخص يعاني من أعراض شبيهة بالخرف مراجعة الطبيب في أسرع وقت ممكن. 

التشخيص  

إن تطور الأعراض البطيء للمرض يمنع المصاب والمحيطين به من إدراك المشكلة. بالإضافة إلى اعتقاد الكثير من الناس أن مشاكل الذاكرة هي مجرد جزء من التقدم في السن، لكن في الواقع مرض الزهايمر ليس جزءًا طبيعيًا من الشيخوخة. قد تمنع عملية المرض نفسها (ولكن ليس دائمًا) الأشخاص من التعرف على التغييرات في ذاكرتهم.

 يمكن أن يمنح التشخيص الدقيق وفي الوقت المناسب أفضل فرصة للاستعداد والتخطيط للمستقبل، فضلاً عن تلقي أي علاج أو دعم. 

إن كنت قلقَا بشأن ذاكرتك أو تعتقد أنك قد تكون مصابًا بالخرف، فمن الأفضل أن تراجع طبيبًا عامًا.  يفضل أن يرافقك شخص يعرفك جيدًا إذ يمكنه المساعدة في وصف أي تغييرات أو مشاكل. أما إن كنت قلقًا حيال شخص آخر، فشجعه على تحديد موعد وربما تقترح عليه مرافقته.

لا يوجد اختبار واحد يمكن استخدامه لتشخيص المرض. ومن المهم أن تتذكر أن مشاكل الذاكرة لا تعني بالضرورة أنك مصاب بمرض الزهايمر. سيطرح طبيبك أسئلة حول المشاكل التي تواجهها وقد يجري بعض الاختبارات لاستبعاد الحالات الأخرى. 

هل يمكن منع الاصابة بالمرض؟ 

نظرًا لأن السبب الدقيق لمرض ألزهايمر غير واضح، فلا توجد طريقة معروفة للوقاية من هذه الحالة. ولكن هناك أشياء يمكنك القيام بها قد تقلل من مخاطر الإصابة بالخرف أو تؤخر ظهورها، مثل: 

  •  الإقلاع عن التدخين والإقلاع عن الكحول 
  •  اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن والحفاظ على وزن صحي 
  •  االحفاظ على لياقتك البدنية ونشاطك العقلي

 هذه التدابير لها فوائد صحية أخرى، مثل تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتحسين صحتك العقلية بشكل عام. 

المصادر:

  1. NHS
  2. NIH
Exit mobile version