ما هي القوة المغناطيسية وكيف تم اكتشافها؟

تأثير القوة المغناطيسية في قصة أعظم معادلات في التاريخ

تعد القوة المغناطيسية من أقدم الظواهر التي اكتشفها الإنسان. والتي كان لها دور كبير في تغيير نظرته للكثير من الظواهر الأخرى. كما أن اكتشافها كان نقطة انطلاق للكثير من الاختراعات المذهلة. فما هي القوة المغناطيسية وكيف تم اكتشافها؟

سحر القوة المغناطيسية

 في رواية مئة عام من العزلة، عرفنا من الكاتب الشهير “غابرييل غارسيا ماركيز” أن ذاك الغجري المربوع كث اللحية المدعو “ملكياديس”، مضى من بيت إلى بيت يجر سبيكتين معدنيتين. فاستولى الرعب على سكان قرية “ماكوندو” وهم يرون القدور والطسوت والمواقد تتساقط من أماكنها، والمسامير تتطاير من الأخشاب، وراحت جميعًا تنجر وراء سبيكتي ملكياديس السحريتين.

فكر “خوسيه أركاديو بوينديا”، وهو أحد أبطال الرواية، بأنه يستطيع استخدام هذا الاختراع في استخراج الذهب المدفون في الأرض. حذّره ملكياديس قائلًا “الاختراع لا ينفع لهذا”. ولكن خوسيه قايض ثروة الأسرة كاملة بهذا الاختراع، والشيء الوحيد الذي استخرجه من الأرض -بعد أشهر من التنقيب- درعًا حديدية من القرن الخامس عشر.

قبل ذلك بأربعة آلاف سنة، كان راعٍ كْريتيّ -ليكن اسمه ماغنس- يتجول في بلدة شمال اليونان -ليكن اسمها ماغنيسيا- حيث علقت مسامير نعله والطرف المعدني من عكازه بصخرة سوداء كبيرة مكونة من معدن (الماجنتيت-Magnetite). نعرف الآن أن الماجنتيت مادة مغناطيسية طبيعية تركيبها الكيميائي (Fe3O4). وحين تصنع إبرة من هذا الماجنتيت وتوضع على سطح الماء، فإنها تشير دومًا إلى الاتجاه ذاته. حيث يشير الاتجاه الشمالي للإبرة تقريبًا نحو القطب الشمالي للأرض. (وكان هذا مبدأ البوصلة التي طورها الصينيون).

من يدري؟ فقد يكون أرخميدس قد نجح فعلًا في إغراق سفن الأعداء باستخدامه مغناطيسًا كبيرًا استطاع انتزاع المسامير من أخشابها.

مرت قرون من امتزاج السحر بالخرافة بالحقائق، حتى توصل الإنجليزي “وليم جلبرت” عام 1600م إلى ما يمكن عده أول بحث علمي في هذا الموضوع. وقال فيه إنه يمكن تصور الأرض بوصفها مغناطيسًا كبيرًا، وهذا يفسر حركة إبرة البوصلة. إذ يمكنك تحويل مسمار عادي من الحديد إلى مغناطيس بحكه عدة مرات بمغناطيس دائم (هذا ما نسميه بالمَغْنطة). وأن هذه المغناطيسية المُحدَثة يمكن إزالتها بتسخين المسمار أو طرقه مرارًا.

عودة إلى الطفولة

بوسعنا تفهم ذهول وانسحار سكان ماكوندو بالمغناطيس، فقد عاش أكثرنا تجربة أول لقاء له مع مغناطيس. ضع مغناطيسًا على طاولة، ومسمارًا على مسافة منه. ابدأ بتحريك المغناطيس ببطء نحو المسمار. فجأة عند نقطة معينة يقفز المسمار من مكانه ويلتصق بالمغناطيس!

هذا ما نعنيه بأن للمغانط حقلًا مغناطيسيًا يمتد حولها (أو أنها تؤثر عن بعد-At a distance). ومن الواضح أن حقلها هذا يستطيع النفاذ عبر الهواء ليصل إلى المسمار. بل هو ينفذ عبر الورق مثلًا، الأمر الذي يتيح لك إلصاق الملاحظات على البراد.

وللمغناطيس قطبان شمالي وجنوبي. وإن كان عندك مغناطيسان ستجد كيف تتجاذب الأقطاب المختلفة وتتنافر المتماثلة. وإن قطعت مغناطيسًا إلى نصفين، ستحصل على مغناطيسين، لكل واحد منهما قطبيه الشمالي والجنوبي الخاصين به. ويمكننا تصوير الحقل المغناطيسي على شكل خطوط تخرج من قطبه الشمالي وتدخل في الجنوبي.

تعتمد قوة أو شدة الحقل على المسافة، وكلما اقتربتَ من المغناطيس زادت الشدة. ونقيس هذه الشدة بوحدة تسمى تسلا (نسبة إلى الفيزيائي الفريد: نيكولاي تسلا). ولكن إياك أن تغترّ بالأحجام! فالحقل المغناطيسي للأرض أضعف بألف مرة من الحقل الخاص بالمغناطيس الذي على برادك. ولكن يجب عليك أن تعرف أيضًا أن الثِقالة (الجاذبية) هي ما تبقي قدميك على الأرض، لا المغناطيسية.

ميول مغناطيسية

كنا قد تعلمنا أنه حين يُذكر المغناطيس فنفكر فورًا بمعدن الحديد. أما سائر المعادن (كالنحاس والذهب والفضة والألمنيوم) وغير المعادن (كالورق والخشب والزجاج والبلاستيك) فتبدو لنا غير مغناطيسية (غير قابلة للمغنطة أي لا تتأثر بالحقل المغناطيسي). لكن الحديد ليس وحده من يملك هذه الخاصية. فالنيكل والكوبلت وبعض عناصر الجدول الدوري (المعروفة بالعناصر الأرضية النادرة) تمتلك خصائص مغناطيسية قوية أيضًا. ويمكن صنع مغانط خارقة منها ومن خلائطها. يمتلك الألومنيوم أيضًا خصائص مغناطيسية، ولكنها ضعيفة جدًا بحيث تصعب ملاحظتها.

هناك مغانط دائمة كالمغناطيس الذي عثر عليه راعينا ماجنس (معدن الماجنيتيت). ومغانط مؤقتة كمسمار الحديد الذي يلفه سلك يمر به تيار كهربائي. ولكن التقسيم العلمي الأساسي للمواد من حيث الخاصية المغناطيسية هو:

1- مواد بارامغناطيسية (ذات المغنطة المسايرة Paramagnetism)

وهي المواد التي تتفاعل بشكل إيجابي، أي تكتسب خاصية مغناطيسية في وجود حقل مغناطيسي (أي مغناطيس مجاور لها مثلًا) ويعتبر معدن الحديد أشهرها. لكن الألمنيوم بل وأكثر اللا معادن التي قد تحسبها غير مغناطيسية تندرج في الواقع تحت هذا القسم. فهي بارامغناطيسية ولكن بشكل ضعيف جدًا. وتعتمد هذه الخاصية على درجة حرارة المعدن، فكلما زادت درجة حرارته قلت خصائصه البارامغناطيسية.

وكما أسلفنا فالحديد وبعض العناصر الأرضية النادرة هي  عناصر بارا مغناطيسية  قوية. حيث أنها تحتفظ بخصائصها المغناطيسية حتى بعد زوال الحقل المحرض. ولكنها تفقد مغنطتها إن تم تسخينها فوق درجة حرارة معينة (تسمى حرارة كوري نسبة إلى العالم الفرنسي بيير كوري). حرارة كوري الخاصة بالحديد هي 770 مئوية. فإن أنت سخنت مغناطيسًا حديديًا إلى درجة حرارة 800  مئوية فلن يعود مغناطيسًا. أما حرارة كوري الخاصة بالنيكل فهي 355 مئوية.

2- المواد الدايامغناطيسية (ذات المغنطة المغايرة  Diamagnetism)

وهذه الخاصية تعتبر عكس البارامغناطيسية. يمكنك محلاظتها عندما تقترب بمغناطيس من كرة جرافيت وستلاحظ كيف تبتعد الكره عنه. لا يهمّ هنا إن كنت تدنو بالقطب الشمالي أو الجنوبي. فهذه المواد (الماء من بينها! ومعظم المواد العضوية كالبنزين مثلًا) تكره  المغانط. وتحول نفسها إلى مغانط مؤقتة لتقاوم التمغنط وتدفع الحقول المغناطيسية بعيدًا عنها.

وقد استعان الفيزيائي الشهير “جيمس ماكسويل” بما تم اكتشافه حول القوة المغناطيسية في صياغة معادلاته الشهيرة. والتي اشتهرت بأنها أعظم معادلات في التاريخ.


كيف استطاع ماكسويل صياغة أعظم معادلات في التاريخ؟

كيف أصبحت معادلات جيمس ماكسويل أعظم معادلات في التاريخ؟

اشتهر الفيزيائي “جيمس كلارك ماكسويل” بصياغته لأربع معادلات مميزة تجمع بين القوة الكهربية والقوة المغناطيسية. وقد فازت معادلاته بلقب “أعظم معادلات في التاريخ” من خلال استفتاء أُجري عام 2004. وقد شارك فيه الكثير من علماء الفيزياء حول العالم. تعرف معنا من خلال هذا المقال على قصة أعظم معادلات في التاريخ.

أعظم المعادلات في التاريخ (ما بين الكهربية والمغناطيسية)

كان قد ركب العالم الفرنسي “جان باتيست بايو”، الذي كان ضليعًا في عدد من العلوم، منطادًا عام 1804م، ليقيس الحقل المغناطيسي للأرض على ارتفاع 4 آلاف متر. أما “فيليكس سافار” فكان طبيبًا لا يقصده الكثير من المرضى، فشغل وقته بدراسة آلة الكمان والظاهرة المغناطيسية. وقد أثمرت بحوثهما عن قانون (بايو-سافار) الذي ينص على:

“يولّد التيار الكهربائي المار في سلك معدني خطوط حقل مغناطيسي على شكل دوائر تقع مراكزها على طول ذلك السلك. وتتناسب شدة الحقل المغناطيس عكسًا مع مربع المسافة الفاصلة عنها”.

بذلك فقد كان خلاصة ما توصّل إليه علماء القرن التاسع عشر أنه يمكن تحويل التيار الكهربائي إلى حقل مغناطيسي والعكس أيضًا. وقد جاء “جيمس كلارك ماكسول” ليصرح بأن الظاهرتين ما هما إلا وجهان للشيء نفسه “وجهين لورقة واحدة”، ثم ظهر مسمى (الكهرومغناطيسية). كانت الكهرومغناطيسية فكرة ألمعية، لكنها كانت وصفًا أكثر من كونها تفسيرًا. فقد بيّنتْ كيفية عمل الأشياء دون أن تشرح سبب كونها على هذا النحو.

الكهرومغناطيسية في القرن العشرين

مع حلول القرن العشرين تم اكتشاف البنية الذرية للمادة. حيث علمنا أن الإلكترونات تدور حول نوى الذرات، كما تدور حول محاورها في الوقت ذاته (خاصية اسمها اللف spin). وأن الإلكترونات هي التي “تحمل” التيار الكهربائي أثناء حركتها في المعادن. إن الإلكترونات -بمعنىً ما- هي عبارة عن جسيمات أو حُبَيبات الكهرباء.

وكما أسلفنا فالكهرباء المتحركة تولّد قوى مغناطيسية. إذن أصبح واضحًا أن الإلكترونات المتحركة داخل الذرات تخلق حقولًا مغناطيسية حولها. ومعظم الإلكترونات توجد في الذرات مقترنة أزواجًا ذات سبين/لفّ متعاكس. لذا فإن الحقل المغناطيسي الذي يولده أحد إلكتروني زوج ما، يلغي الذي يولده شريكه.

ولكن إن كان في الذرة إلكترونات مفردة/ غير مقترنة (ذرة الحديد بها أربعة). إذن فإنها تخلق حقولًا تصطف بشكل متسق مع بعضها محولة الذرة إلى مغناطيس دقيق. وبذلك عندما نضع مادة كهذه في حقل مغناطيسي (أي مثلًا عندما نقرب مغناطيسًا من مسمار حديد) تصطف هذه الحقول متسقة مع الحقل الخارجي، ويحدث الانجذاب. وهذا يفسر أيضًا كيف يؤدي الطَّرْق المتكرّر أو التسخين فوق حرارة معينة إلى زوال التمغنط.

ولكن ماذا عن المواد الدايامغناطيسية (ذات المغناطيسية المغايرة)؟

هذه المواد ليس بها إلكترونات مفردة أو غير مقترنة، فلا يحدث فيها ما سبق. لكن بما أن الإلكترونات شحنات متحركة، فلها حقل مغناطيسي خاص بها. وبوجود حقل مغناطيسي خارجي، تغير هذه الإلكترونات قليلًا من مداراتها. فتولد حقلًا معاكسًا للحقل الخارجي (وفق قانون لنز Lenz)، دافعة هذه المادة بعيدًا عن المغناطيس.

 فاصل معجمي

في الفيزياء يوجد مصطلحان مهمان وهما، سُلَّمي scalar، وشعاعي أو مُوجّه vector. حيث يكون مقدار ما سُلّميًا حين يكون له كمية فقط، دون اتجاه. وعلى سبيل المثال، الكتلة والشحنة مقداران سُلّميان. حيث أن كتلة الإلكترون 9.10938356 × 10^-³¹ كيلوجرام، أما شحنته 1.60217662 ×10^-19 كولوم. وبذلك نتسنتج أنه ليس للكتلة أو الشحنة اتجاه. وفي نشرة الطقس يكفي رقم واحد للتعبير عن درجة الحرارة مثلًا 35 مئوية، إذًا أيضًا ليس للحرارة اتجاه.

من ناحية أخرى فإن المقدار الشعاعي هو ما كان له كمية واتجاه. ففي نشرة الطقس، لا يكفي أن تخبرك أن سرعة الريح 30 كم/ساعة. لكن ستقول مقدمة النشرة: “تهب ريح شمالية غربية سرعتها 30 كم/ساعة”.

إن الحقل المغناطيسي ما هو إلا حقل شعاعي، لذلك نكثر في هذه المقالات الحديث عن اتجاه الحقل، وتعاكس الحقول أو تجاذبها. إذًا فكم شدة حقلين مغناطيسيين قيمة كل واحد منهما 1 تسلا؟ نحتاج لمعرفة الاتجاه! حيث أن قوة الأشعة لا تجمع كما تجمع الأرقام العادية. فقد تكون شدة الحقلين السابقين معًا هي 0 أو ربما 1.83 تسلا.

دور جيمس ماكسويل

قال جيمس ماكسويل أن التيار الكهربائي يولد حقلًا مغناطيسيًا ينتشر مبتعدًا تدريجًيا عن السلك. وهذا الحقل المغناطيسي يولد بدوره حقلًا كهربائيًا ثانويًا. كما سيولد هذا الأخير حقلًا مغناطيسًا يولد حقلا كهربائيًا وهكذا شيئا فشيئا تنتشر الموجة. بذلك، حصل ماكسويل من معادلاته على قيمة قريبة جدًا من قيمة سرعة الضوء كما قاسها “فيزو” آنذاك.

“إذا كانت الموجات تنتشر بسرعة الضوء، فليس هذا مصادفة، بل لأن الضوء هو نفسه موجة كهرومغناطيسية”.

ماكسويل

كان هذا هو لب مفهوم الطبيعة الموجية للضوء وأساس معادلات جيمس ماكسويل. وبذلك نستنتج أن الضوء ليس كالصوت اهتزازًا ميكانيكيًَا لجزيئات الهواء. ولكنه اهتزاز ينتشر حتى في الفراغ، ودون الحاجة لفكرة الأثير. حيث أن الحقول الكهربائية والمغناطيسية تنتشر لتوليده.

كيف أصبحت معادلات ماكسويل أعظم معادلات في التاريخ؟

كان الفيزيائي الألماني “هاينريش هيرتز” الذي برهن على وجود هذه الحقول عمليًا في تشرين الأول/أكتوبر عام 1886م، وحدث ذلك بعد سبع سنوات من موت ماكسول. وكانت هذه هي الموجات الراديوية التي يلتقطها مذياعك (إن كنت لا تزال تملك واحدًا أو تستخدمه). يعمل الراديو عن طريق هوائيّ antenna مُرسِل وهوائيّ مستقبِل.

ثم بعد ذلك توالت الإنجازات العلمية، حيث استطاع العالم الإيطالي “ماركوني” اختراع جهاز التلجراف عام 1895م. وفي عام 1901م تحقق أول اتصال لاسلكي عبر المحيط الأطلنطي.

ليس الضوء المرئي والأمواج الراديوية وحدهما عبارة عن حقلين كهرومغناطيسيين. ولكن أمواج الميكروويف، والأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، والأشعة السينية (x ray) التي لا يستغني عنها الطب، وكذلك أشعة جاما. جميعها تنتمي إلى الطيف الكهرومغناطيسي.

الطيف الكهرومغناطيسي

أصبحت معادلات جيمس ماكسويل الأربع الشهيرة أعظم معادلات في تاريخ الفيزياء. حيث أن المعادلتين الأوليتين تصفان -كل على حدة، وبالترتيب- خصائص الحقل الكهربائي والحقل المغناطيسي. بالإضافة إلى ذلك فإن الثانية مثلًا تؤكد استحالة وجود أقطاب مغناطيسية مفردة (لن تجد مغناطيسًا له قطب شمالي فقط دون قطب جنوبي). وبالتالي فالمعادلتين الثالثة والرابعة تصفان التداخل بين الحقلين الكهربائي والمغناطيسي. إليك صورة توضح معادلات جيمس ماكسويل الأربع.

معادلات ماكسويل الشهيرة

كانت أربع معادلات دقيقة أنيقة، جميلة عند بعضهم بما يكفي لكي يطبعها على قميصه أو كنزته. وعظيمة عند بعضهم كي يعدها أهم حدث في تاريخ الحضارة البشرية. قصة ملحمة ساهم في كتابتها أورستد وفاراداي وهرتز وسافار وبايو وأمبير. ولكن ماكسويل هو من أعطاها شكلها النهائي، حيث فازت معادلات جيمس ماكسويل النهائية بمنصب أعظم معادلات في التاريخ.

فاراداي وقصة أعظم معادلات في التاريخ

دور فاراداي في قصة أعظم معادلات في التاريخ

لقد سعى الإنسان على مر العصور لمحاولة فهم الكون والظواهر الطبيعية التي تحدث من حوله، وكان علم الفيزياء وعلم الرياضيات بمعادلاتهما المبهرة هما نتاج بحث الإنسان المستمر. وعلى الرغم من كثرة المعادلات التي استنتجها العلماء في هذين المجالين، فقد شكل بعضها نقطة تحول في تاريخ الفيزياء الحافل. تعرف معنا في هذا المقال على دور مايكل فاراداي في قصة أعظم معادلات في التاريخ. والتي استطاعت تغيير نظرة العلماء للكثير من الأحداث والظواهر في الكون.

فاراداي واكتشاف ظاهرة الحث المغناطيسي

“لا أزال أذكر بوضوح تام نهار ذلك اليوم البديع الذي رأيتُ فيه معادلات ماكسويل لأول مرة. لقد هالني ما كانت تشرحه تلك المعادلات وحجم المعرفة الهائل الذي تكتنزه. ثم أدركتُ ما قال به الفلاسفة والعلماء طويلًا عن سحر الرياضيات ورشاقتها وبراعتها في الإفصاح عن مكنونات الفيزياء. فقد كان ذلك اليوم وذلك اللقاء منعطفًا جذريًا في حياتي العلمية والمهنية. لقد اهتزّ كياني بأكمله لقوة وأناقة أربع معادلات في أربعة أسطر من رموز بسيطة، والتي استنبطتْ بل فجّرتْ كل ما في داخلي من حب للرياضيات وولع بالفيزياء”.

عالم الفيزياء “توني واتكنز”

كان هذا وصف عالم الفيزياء الشهير “توني واتكنز” لمعادلات جيمس كلارك ماكسويل الشهيرة، وقد صاغه وألقاه أثناء استفتاء اُجري عام 2004م قد سئل فيه علماء الفيزياء حول العالم عن مرشحهم الأمثل لمنصب أعظم المعادلات في التاريخ. والذي قد فازت به معادلات ماكسويل بجدارة.

ولد عالم الفيزياء الشهير “جيمس كلارك ماكسويل” في شهر حزيران\ يونيو عام 1831م. وبالرغم من وفاته صغيرًا في سن 48، إلا أنه قد ترك بصمته الخاصة في تاريخ الفيزياء. وقد أشاد بنظرياته الكثير من العلماء المشهورين مثل أينشتاين حيث قال

إن تاريخ الفيزياء على رحباته لم يعرف إلا أربع أساطير: جاليليو ونيوتن وفاراداي وماكسويل”

أينشتاين

أما ريتشارد فاينمان فلم يبالغ حين عدًَ معادلات ماكسويل أسمى حدث في تاريخ البشرية منذ عشرة آلاف سنة!

وكان جيمس ماكسويل صاحب قصة أعظم معادلات في التاريخ يعتمد في دراساته على ما كان قد توصل إليه العالم الشهير “مايكل فاراداي”. وبذلك كان أينشتاين محقًا حين ذكر كلا العالمين على أنهما من أساطير علم الفيزياء. فلولا فاراداي، ما كان ماكسويل قد توصل إلى معادلاته الشهيرة. لذلك يجب علينا أولًا معرفة ما توصل إليه فاراداي حتى نستشف عظمة معادلات ماكسويل.

كيف وصل فاراداي لاكتشافاته المذهلة؟

بدأت مسيرة فاراداي قبل سنوات، لكن كان العام 1831م عامًا حافلًا بالإنجازات. حيث انطلق “تشارلز داروين” في رحلته الشهيرة على متن السفينة بيجل. وافتتح جسر لندن الشهير. بعد ذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام الحافلات العامة التي تجرها الخيول. وهو العام ذاته الذي ولد فيه عالمنا الشهير ماكسويل. وفي العام ذاته اكتشف مايكل فاراداي ظاهرة الحث المغناطيسي. إذ لاحظ فاراداي أنه يمكن توليد تيار كهربائي في ملف سلكي عن طريق تحريك مغناطيس داخل الملف، وكان ذلك بداية اكتشافاته العظيمة.

قبل ذلك، كان فاراداي يعيش في فقر مدقع منعه من إكمال تعليمه. وأجبره على العمل في أسوأ المهن للحصول على لقمة العيش. ولكنه استطاع استغلال عمله في طباعة وتجليد الكتب، وبدأ تعلم القراءة شيئًا فشيًا. بذلك أصبحت الكتب هي رفيقه الدائم خاصة كتاب “تطوير المهارات الذهنية” الذي ألفه آيزاك واط.

وفي غضون وقت قصير، استطاع فاراداي من خلال هذا الكتاب أن يتعلم كيف يشحذ قوته ويطور ذاته ويضيء ذهنه. وذلك من خلال ثلاثة توصيات وجدها في الكتاب، مكنته من تنمية ذكائه وشحذ مهاراته.

نصت هذه التوصيات على ما يلي:

  1. حضور المحاضرات العلمية والثقافية.
  2. أخذ الملاحظات عن كل ما تسمع وترى وتسجيلها بدقة.
  3. تفاعل بشكل مستمر مع كل من له ميول واهتمامات تشبه اهتماماتك وميولك.        

كانت بداية فاراداي المعرفية عندما وقعت بين يديه نسخة من الموسوعة البريطانية طلب منه تجليدها. ووقع في سحر 127 صفحة تشرح شيئًا جديدًا أذهله وهو “الكهرباء”. بعد ذلك بدأ في دراستها بشكل جاد، وطبّق بعض التجارب التي وردت في تلك الصفحات. واستطاع بناء آلة يدوية لإنتاج شرارات كهربائية، وشعر أنه قد وجد طريقه.

اكتشافات هامة في علم الفيزياء

قبل ظهور فاراداي في عالم الفيزياء، كان العالم الدنماركي “هانز أورستد” قد اكتشف أن التيار الكهربائي المار في سلك يؤثر على إبرة البوصلة المغناطيسية الموضوعة بجانبه. واستنتج هانز أن هناك قوة تشبه القوة المغناطيسية في خصائصها تولدت مع مرور التيار الكهربي في السلك.

مقارنة بين اتجاه حركة إبرة البوصلة في الشكل a عند عدم موور تيار كهربائي في السلك، ثم عند مروره في الشكل b

كما اكتشف العالم “أندريه ماري أمبير” قبل اكتشاف أورستد أن التيار المار في سلك حلزوني يستطيع جذب برادة الحديد. واكتشف العالم “شارل كولوم” أن هناك تشابهًا في صفات كل من القوة المغناطيسية والكهربائية. حيث أن شدة كلا القوتين تتناسب تناسبًا عكسيًا مع مربع المسافة الفاصلة بينها وبين آلة القياس. (فمثلًا إذا زادت المسافة الفاصلة بين مغناطيس ومسمار حديد ثلاث مرات. فإن قوة جذب المغناطيس للمسمار تقل بتسع مرات). 

انجذاب برادة الحديد لسلك يمر به تيار كهربي

وكانت البداية قبلهم جميعًا مع العالم الألماني “أوتو فون جيريك” حين لاحظ أن لكلا القوتين قطبية معلومة تتمتع بها. مثل ظاهرتي التجاذب والتنافر (الموجب والسالب في الكهرباء، الشمالي والجنوبي في المغانط).

وبجمع هذه الحقائق معًا وإجراء بعض التجارب مع التمتع ببصيرة نافذة. توصل فاراداي إلى فرضية توضح وجوب كون القوتين الكهربائية والمغناطيسية قوتين متبادلتين. حيث استطاع التأكيد على اكتشاف أمبير لحقيقة تصرف الكهرباء كمغناطيس، أي قدرتها على توليد مجال مغناطيسي. وفكر في إمكانية استخدام المغانط لتوليد الكهرباء. وقد صاغ فرضيته في بضع جمل بسيطة ليستطيع الناس البسطاء أمثاله -كما قال- فهمها وهي:

  • تتولد القوة المغناطيسية كلما تغير التيار الكهربي.
  • تزداد كمية الكهرباء المتولدة كلما زادت سرعة تغير القوة المغناطيسية.

وخرج على الملأ معلنًا نتائجه باستخدام قرص نحاسي ينتج تيارًا كهربائًا عندما يدور بين قطبي مغناطيس دائم. وكانت هذه الاكتشافات هي الدور الذي لعبه فاراداي في قصة أعظم معادلات في التاريخ.

مراجعة كتاب “إبداعات النار” من السيمياء إلى العصر الذري

مراجعة كتاب “إبداعات النار” التاريخ المثير للكيمياء من السيمياء إلى العصر الذري

يتناول كتاب “إبداعات النار” تاريخ علم الخيمياء أو كما يطلق عليه (السيمياء) بالتفصيل منذ بداية ظهوره وصولًا إلى ظهور علم الكيمياء كعلم حقيقي معترف به، بالإضافة إلى تاريخ العالم والحضارات المختلفة من منظور علم السيمياء، وقد استطاع الكتاب مناقشة أهم الأسئلة التي تتعلق بذلك العلم الغريب باستفاضة. 

ما هو علم السيمياء؟ 

علم  السيمياء هو أحد العلوم القديمة التي انتشرت في القرون الوسطى، وقد انقسم علم السيمياء إلى شقين أساسيين، أولهما الإيمان بوجود حجر الفلاسفة الذي له قدرة هائلة على شفاء المرضى وإطالة العمر وتحقيق حلم الشباب الدائم والخلود.

 أما الشق الثاني فكان يهتم بمحاولة تحويل معدن الرصاص إلى ذهب، وقد بنيت هذه النظرية على افتراض أن الرصاص والذهب مصنوعين من العناصر الأربعة الأساسية (الماء- الهواء- التراب- النار) نفسها ولكن بنسب مختلفة، لذلك فإن تغيير هذه النسب في معدن الرصاص كفيل بتحويله إلى ذهب.

وقد كان علم السيمياء من العلوم الرائجة آنذاك بين الكثير من العلماء المشهورين مثل عالم الفيزياء الشهير “ إسحاق نيوتن “، والذي تلقى دروسًا به على يد العالم “روبرت بويل” بطل الثورة العلمية في القرن السابع عشر.

كما اشتهرت شائعة أن جميع الأواني والملاعق التي كان يستخدمها الطبيب أبو بكر الرازي مصنوعة من الذهب، وذلك لأنه اكتشف الطريقة السرية الكامنة في علم السيمياء لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، والتي كانت تضم بعض المواد الأخرى مثل الزئبق والكبريت والملح والذي كان يُعتقد أنه عبارة عن خليط من الذهب والفضة.

وقد أشاد الكيميائي الشهير “لورنس برينسايب” بالخيميائيين، وذكر أنهم كانوا علماء تجريبيين إلى حد مذهل، حيث أنهم ابتكروا الكثير من التقنيات الهامة مثل التقطير والصهر والورنشة والصباغة وغيرها، وأضاف أن أي كيميائي يتمنى أن يكون لديه مساعد على دراية كبيرة بعلم الخيمياء، وكان رأي “لورنس برينسايب” الدافع الأساسي لي لقراءة ومراجعة كتاب “إبداعات النار”.

مراجعة كتاب إبداعات النار      

 كتاب إبداعات النار عبارة عن دليل شامل لتاريخ الكيمياء المثير من السيمياء إلى العصر الذري. هو عبارة عن قصة، بل ربما رواية إن اكتفينا بمعيار الحجم، من عشرين فصلًا. 

تغطي السَبعةُ فصولِ الأولى زمنًا يمتد من مئة ألف عام قبل اختراع الكتابة إلى القرن الثامن عشر. لأنه لا بد وفق الكاتبَين اللذين ألفا الكتاب (كاتي كوب وهارولد جولد وايت) أن نعرف خلفية الثورة الكيميائية. والتي نشأت قبل الخيمياء، حيث كان الطهو بوصفه هو أول تفاعل كيميائي أجراه البشر.

أما الفصول من الثامن إلى الرابع عشر تمتد من أواخر القرن الثامن عشر حتى الحرب العالمية الأولى. وهنا الثورة الحقيقية، خاصة حين لا تعني الثورة انفجارًا معرفيًا فحسب. بل نظرة جديدة إلى الوجود: إنجازات لافوازييه، أفكار دالتون، قوانين الترموديناميك، ظهور فروع جديدة من الكيمياء (العضوية، التحليلية، الحيوية)، جدول مندلييف الدوري، تطور النظرية الذرية… إلخ. باختصار فإنها تصف نهاية الخيمياء، وبداية الكيمياء بصفتها علمًا حقيقيًا.

الفصول من الخامس عشر إلى العشرين تنتهي بنا في عام 1950. فترة قصيرة قياسًا بما سبق، لكن فيها حدث ما يراه كثيرون أكثر الاكتشافات إذهالاً وهو ظهور نظرية الكم (الكوانتم).

إذن، ما هو علم الكيمياء؟

علم الكيمياء هو العلم الذي يهتم بدراسة خصائص العناصر المختلفة وبنية المركبات. وكذلك التركيب الجزيئي للمواد والتفاعلات التي تحدث فيما بينها.

ما الذي تحتاجه لقراءة كتاب إبداعات النار؟

قد يلزمك لقراءة كتاب “إبداعات النار” بالإضافة إلى الرغبة والشغف للقراءة. أن تكون على معرفة ببعض المصطلحات الأساسية في علم الكيمياء مثل: 

1- العدد الذري (Atomic Number)

يعبر العدد الذري عن عدد البروتونات التي توجد في النواة. وهو العدد الذي يعبر عن هوية العنصر، كما أنه يمثل كذلك عدد الإلكترونات في الذرة المتعادلة (التي لم تخسر أو تكسب أية إلكترونات).

2- العدد الكتلي (Mass Number)   

العدد الكتلي هو مجموع عدد البروتونات والنيترونات التي توجد في النواة.

3- الكتلة الذرية (Atomic Mass)

الكتلة الذرية هي متوسط كتلة ذرة ما وذلك مع مراعاة نظائرها التي توجد في الطبيعة.

4- النظائر (isotopes)

النظائر هي ذرات لها نفس عدد البروتونات أي أن لها نفس العدد الذري. ولكنها تختلف في عدد النيوترونات أي أنها تختلف في العدد الكتلي. إذن فإن النظائر هي أشكال مختلفة من العنصر نفسه.
مثال:
تحتوي كل ذرات الكربون على ستة بروتونات أي أن عدده الذري يساوي 6. وفي الطبيعة يوجد عدة أنواع من الكربون مثل:

  • الكربون الذي يحتوي على 6 نيوترونات (الكربون 12).
  • الكربون الذي يحتوي على 8 نيوترونات (الكربون 14) نظير مشع للكربون.

وليس بالضرورة أن تكون كل النظائر مشعة فبعضها مستقر والبعض الآخر يتحلل ببطء شديد، فمثلًا عنصر البزموت يمتلك نظير واحد مستقر، أما الرصاص فيمتلك أربعة نظائر مستقرة.

هل يمكن فعلًا تحويل الرصاص أو أي عنصر آخر إلى ذهب؟ 

في عام 1981 استطاع بعض العلماء في مختبر لورنس بيركلي الوطني (LBNL) في كاليفورنيا استخلاص كمية ضئيلة من الذهب من عنصر البزموت، وذلك عن طريق تسريع عددًا من ذرات الكربون والنيون إلى سرعة كبيرة تقترب من سرعة الضوء، من ثم توجيهها نحو رقائق من معدن البزموث الذي يقع بجوار عنصر الرصاص في الجدول الدوري.

استمرت تلك العملية حوالي 24 ساعة متواصلة، وعندما انتهت التجربة وجد العلماء أن بعض ذرات البزموت قد فقدت أربعة من بروتوناتها وتحولت إلى ذرات الذهب، حيث أن العدد الذري لعنصر البزموت هو 83 أما العدد الذري للذهب هو 79.ولكن كانت نتائج التجربة مخيبة للآمال بالرغم من نجاحها وذلك نظرًا لصعوبة عزل ذرات الذهب، بالإضافة إلى ضآلة الكمية الناتجة مقارنة بكمية معدن البزموث المستخدمة في التجربة. ولكن هل يمكن أن نعتبر أن ما وصل إليه هؤلاء العلماء قد يساعد في تحقيق الحلم القديم؟

Exit mobile version