ماهي عملية تسجيل الصور؟ وما هي تطبيقاتها؟

ما تسجيل الصور(Image Registration)؟

يعَرَّفُ تسجيل الصور على أنه عملية نقل عدة صور، أخذت في أوقات مختلفة أو من زوايا مختلفة أو باستعمال معدات تصوير مختلفة، لنفس المشهد إلى نظام إحداثيات موحد. فعلى سبيل المثال، إذا أخذنَا صورة لكتاب على طاولة من زاويتين مختلفتين (كما في الشكل 1)، فإن عملية تسجيل الصور تحدِد عدة مواضع تتطابق في الصورتين، ثم تحوَّل الصورة الأولى إلى إحداثيات الثانية لتتلاءما، فتبدوان وكأنهما التُقِطتا من نفس الزاوية [1] [2] [3].

الشكل 1: النقطة الحمراء ذات الإحداثيات (x1, y1)  في الصورة على اليسار تطابق النقطة الحمراء على اليمين ذات الإحداثيات (x2, y2). يهدف تسجيل الصور إلى تحويل إحدى الصورتين، بحيث تصير النقطة الحمراء بنفس الإحداثيات في كلتا الصورتين.

كيف يتم تسجيل الصور؟

تستخدَم عدة طرق من أجل تسجيل الصور من أشهرها «النهج القائم على السمات-Feature based approaches ». يتبع هذا النهج أربع مراحل من أجل الحصول على صور متوائمة. في البداية، يتم الكشف عن السمات المميزة  في كلتا الصورتين وتوصيفها. ثم تتم مطابقة هذه السمات مع مثيلاتها في الصورة الأخرى لتُستخدم في حساب معاملات التحويل الهندسي بين الصورتين. في النهاية، تتم مواءمة الصورتين باستخدام معاملات التحويل التي تم حسابها، والتي تربط بين إحداثيات الصورتين[1][4].

الكشف عن السمات وتوصيفها

في المرحلة الأولى، يتم الكشف عن السمات المميزة لكلتا الصورتين ثم توصيفها، أي وصف المنطقة المحيطة بهذه السمة. وتعَدُّ «السمات – keypoints» نقاطاً مميزة في الصور، كالزوايا والحواف والبقع، يمكِن توظيفها لإجراء عملية تسجيل الصور. ومن أهم الخصائص التي تتميز بها هذه السمات، أنها ثابتة أمام التغييرات التي قد تخضع لها الصورة من إزاحة أو تكبير أو تصغير أو دوران. فزاوية منزل، مثلا، تظل ملحوظة ومميزة مهما طبقنا عليها من تحويلات. في عملية التوصيف، يتم إلحاق موَصِّف لكل سمة تم كشفها. يحمل هذا الموصف وصفاُ دقيقاٌ للمساحة المحيطة بالسمة من أجل معرفة موقع السمة من الصورة [1][2].  

مطابقة السمات

بعد تحديد السمات وتوصيفها، تتم مطابقة سمات الصورتين، حيث تربَط كل سمة في إحدى الصورتين بمثيلتها في الصورة الأخرى. ويتِم هذا بمقارنة موصِّفات كل سمة في إحدى الصور بموصفات السمات في الصورة الأخرى. ثم بربط السمتين ذات الموصفات المتشابهة [1].

الشكل 2: مطابقة السمات

حساب معاملات التحويل الهندسي بين الصورتين

تستعمَل السمات المتطابقة في حساب معاملات التحويل الهندسي بين الصورتين، التي تجتمِع في مصفوفة تدعى مصفوفة التحويل. تصف هذه المصفوفة التشوهات الهندسية التي ينبغي تطبيقها على إحدى الصورتين لتوائم الأخرى. ويتم حساب معاملاتها بحل نظام من المعادلات الخطية [2].

الشكل 3: مثال لمصفوفة تحويل تدعَى الهوموغرافية، ويمثِّل كل عنصر من عناصرها معاملا لتحويل هندسي كالدوران والإزاحة والتحجيم (التكبير أو التصغير) وغيرها.
الشكل 4: العلاقة التي تربط إحداثيات سمة من الصورة الأولى بإحداثيات مثيلاتها من الصورة الثانية.

تحويل الصورة وإعادة تشكيلها

بعد الحصول على مصفوفة التحويل، تصير عملية تحويل صورة وإعادة تشكيلها لتلائم الأخرى ممكنة. في هذه المرحلة، يتم تطبيق مصفوفة التحويل على جميع نقاط الصورة الأولى لتتواءم مع الأخرى [3].   

الشكل 5: عملية تسجيل الصورتين (أ) و(ب)، حيث تمَثِّل (ج) و(د) السمات التي تم كشفها في الصورتين، وتبرِز (هـ) عملية مطابقة السمات، بينما تمثل (و) الصورة الناتجة عن عملية التسجيل.

تطبيقات تسجيل الصور

تتسع دائرة تطبيقات تسجيل الصور لتَسَعَ التطبيقات الطبية والعسكرية وغيرها الكثير. ففي مجال التصوير التشخيصي الطبي، مثلا، يحتاج الطبيب إلى مواءمة صور الرنين المغناطيسي بالصور المقطعية المحوسبة للمريض من أجل تشخيص حالته بشكل دقيق. أما عسكرياً، فيمكن استخدام تسجيل الصور من أجل التعرف التلقائي على الأهداف. وفي المجال البيئي، يستخدم العلماء تسجيل الصور في تتبع حركة الأنهار الجليدية، وقياس مدى سرعة تحركها لمعرفة مدى تأثير تغير المناخ على الأنهار الجليدية[5][6].

الشكل 6: استخدام تسجيل الصور في مجال التصوير التشخيصي الطبي

المصادر

[1] Image Registration: From Scale-invariant feature transform to Deep Learning

[2] How to speed up Image Registration with OpenCV by 100x

[3] Feature Based Image Alignment using OpenCV (C++/Python)

[4] Geometric registration for digital images by using Speeded Up Robust Features Algorithm under Android

 [5] Image alignment and registration with OpenCV

 [6] Observing glacier change from space

لماذا كانت النبضات الضوئية القصيرة السبب في الفوز بجائزة نوبل للفيزياء 2023؟

نال كل من الفرنسي بيير أغوستيني والمجري النمساوي فيرينك كراوس والفرنسية آن لويلير جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2023، وذلك لإسهاماتهم في دراسة حركة الإلكترونات باستخدام التحليل الطيفي فائق السرعة (بالأتوثانية أي 10-18 ثانية). فلماذا استحق هؤلاء العلماء جائزة نوبل للفيزياء وكيف يمكن أن تؤثر إسهاماتهم في تطور علم الفيزياء؟

النبضات الضوئية القصيرة سر تتبع حركة الإلكترونات والجزيئات

عندما خط هايزبرغ مبدأه المشهور عن عدم اليقين، كان من المستحيل تتبع حركة الإلكترونات داخل الذرات. فالإلكترونات تتحرك بمقدار يفوق النبضة الضوئية بمليون مرة. لذلك، فقد رجَّح العديد من الفيزيائيين استحالة رصد حركة الإلكترونات في ذرات. ومع التطور التكنولوجي، صار بالإمكان إنتاج نبضات أقصر، مهدت لدراسة أعمق لحركة الجزيئات والتفاعلات الكيميائية، والتي نال بسببها العالم المصري أحمد زويل جائزة نوبل للكيمياء سنة 1994. لكن حركة الإلكترونات تحتاج إلى نبضات أتوثانية من أجل رصدها.

النبضات الأتوثانية

في سنة 1980، قامت عدة بحوث لتفسير ظاهرة التأين متعدد الفوتونات. وفي أحد هذه التجارب، سلّط فريق بحثي ليزرًا للموجات تحت الحمراء نحو غاز خامل. لاحظ العلماء نمطًا غريبًا للتوافقيات (الإشارات) العالية المحصل عليها، إذ كانت شدة التوافقيات تنخفض بشكل حاد في البداية، ثم تستقر في حد معين، قبل أن تبدأ مجدداً في الانخفاض (الشكل 1). حاول بعض الباحثين استغلال هذا النمط في تحديد النطاق الترددي الذي يجب استخدامه من أجل الحصول على نبضات أتوثانية. لكن فكرة استحالة ذلك مبدئياً، كانت لا تزال تطغى على الأجواء.

الشكل 1: نمط التوافقيات العالية المحصل عليها أثناء التجربة

 في سنة 1991، وضعت آن لويلير مع فريقها البحثي الأسس النظرية لفهم كيفية إنتاج التوافقيات العالية وتوقعت على نحو دقيق أنماطها. ثم ظهر بعدها نموذج يشرح كيفية إنتاج نبضات أتوثانية اعتمادًا على التوافقيات العالية والذي قامت آن باستغلاله وتطبيقه في أواخر التسعينيات. يقسم النموذج مراحل إنتاج النبضات الأتوثانية إلى ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، يعمل المجال الكهرمغناطيسي لليزر على تأيين ذرات الغاز، المسلط عليه، عن طريق ظاهرة النفق الكمومي. بعدها، يسرع هذا المجال الكهرمغناطيسي الإلكترون بعيدًا عن مداره. ثم يعيده مرة أخرى إلى مكانه الأصلي مع تحرير طاقة على فوتون فوق بنفسجي، والذي يمثل نبضة أتوثانية -كما موضح بالصورة أدناه-.

الشكل2: إنتاج نبضة أتوثانية عبر ثلاث مراحل

مدة النبضات الأتوثانية

بعد إنتاج النبضات الأتوثانية، صار اهتمام العلماء منصبًا حول تطوير طرق لقياس مدة النبضة. فطور كل من أغوستيني وكراوس طريقتين مختلفتين لقياس هذه المدة. وفي سنة 2001 نجح كلاهما بإنتاج نبضات أتوثانية، حيث أنتج أغوستيني حزمة من النبضات مدتها 250 أتوثانية. بينما نجح كراوس في إنتاج أول نبضة معزولة مدتها 650 أتوثانية. بالإضافة إلى هذا، كان لهذا الأخير السبق في استخدام النبضات الأتوثانية في دراسة حركة الإلكترونات.

دراسة التأثير كهرضوئي بالنبضات الأتوثانية

منذ تفسير أينشتاين لظاهرة التأثير الضوئي، دأب العلماء على الاعتقاد أن هذه الظاهرة آنية. لكن مع ظهور النبضات التوثانية، تمكن العلماء من ملاحظة تأخر زمني للإلكترونات المنبعثة لوسط ما عند امتصاصه لأشعة الليزر. وقد تمكن كل من فيرينس كراوس وآن لويلييه من ملاحظة هذا التأخر، حيث وجدوا أن الإلكترونات التي تنبعث من المدارات الخارجية للذرات تتأخر عن تلك التي تنبعث من المدارات الداخلية.

في الختام، بفضل الإسهامات التي  قدمها هؤلاء العلماء، صار بالإمكان اكتشاف ظواهر فيزيائية جديدة، يمكن أن تغير نظرتنا لهذا العالم.

المصادر

Nobel Prize

كيف استطاع الذكاء الاصطناعي تحويل الأفكار إلى كلام؟

أحدث تطور الذكاء الاصطناعي ثورة في علم الأعصاب. فبإدماجه في «واجهات الدماغ والحاسوب- brain–computer interfaces (BCIs)»، وهي أنظمة تستعمل في وصل الدماغ بأجهزة الحاسوب، صار من الممكن قراءة النشاط الدماغي وتحويله إلى كلام. فهل تنجح هذه الواجهات في تمكين العاجزين عن النطق من الكلام؟ وما العوائق التي تقف أمام استخدام هذه الواجهات في المجال الطبي؟

استخدام الذكاء الاصطناعي في تحويل الأفكار إلى كلام

بفضل التطور الهائل لقدرة الحواسب، أصبح تطبيق الذكاء في مختلف المجالات، بما في ذلك علم اللأعصاب، الوجهة المفضلة للعديد من الباحثين. وقد نشرت عدة دراسات حول طرق تحويل الأفكار إلى كلام باستخدام الذكاء الاصطناعي وواجهات الدماغ والحاسوب [1–3]. في هذا المقال، سنعرض آخر النتائج التي تم الحصول عليها بدمج الذكاء الاصطناعي مع واجهات الدماغ والحاسوب من أجل تحويل الأفكار إلى كلام، والتي توصلت إليها دراستان نشرتا في صيف 2023.

الدراسة الأولى: فك شفرة الإشارات العصبية لمنطقة النطق في الدماغ

في الدراسة الأولى، قام فريق بحثي من جامعة ستانفورد بتطوير جهاز يُزرع في المنطقة المسؤولة عن النطق في الدماغ. يقوم الجهاز بالكشف عن الإشارات العصبية التي ينتجها الدماغ أثناء محاولة النطق ببعض العبارات والجمل. ثم يربط بين الإشارات الدماغية والمفردات المنطوقة باستخدام الذكاء الاصطناعي [1][2][4].

التجربة

أثناء تجربته للواجهة المطَورة، قام الفريق البحثي بزرع رقائق من االسيليكون بالجزء المسؤول عن النطق في دماغ متطوعة عاجزة عن النطق. تعاني المريضة من مرض التصلب الجانبي الضموري، الذي يؤثر بشدة في قدرتها على التحكم بعضلات اللسان. تقوم الرقائق باستقبال الإشارات العصبية للدماغ أثناء محاولة المريضة نطق عبارات معينة تعرض عليها. واعتماداً على هذه البيانات، تقوم خوارزميات للتعلم العميق بالربط بين الإشارات العصبية، التي ينتجها دماغ المريضة، ومفردات الجمل والعبارات، التي تحاول نطقها، بفك تشفير كل فونيم (الوحدة الصوتية الصغرى) على حدة، أي بمحاولة إرفاق كل فونيم بإشارته العصبية التي تناسبه [2][4].

اعتمدت الدراسة على نموذج للتعلم العميق يدعى «الشبكة العصبية المتكررة-(recurrent neural network (RNN». والذي يأخذ بعين الاعتبار الفينومات التي سبق فك تشفيرها من أجل فك تشفير الفينوم اللاحق في عبارة ما. يقوم النموذج، خلال محاولة المريضة النطق بعبارة ما، بالتنبؤ باحتمالية نطق كل فونيم. ثم يقوم بتركيب الكلمات الأكثر احتمالية وترتيبها بمساعدة نموذج لغوي للغة الإنجليزية. وهكذا، تبني خوارزمية التعلم العميق نموذجاً قادراً على تفسير الإشارات العصبية للمريضة وترجمتها إلى نص [2].

نتائج التجربة

أظهرت واجهات الدماغ والحاسوب التي طورها الفريق نتائج واعدة. قد تعطي أملاً للأفراد العاجزين عن النطق باستعادة تواصل طبيعي وسلس مع المجتمع. فلم تتجاوز نسبة الكلمات الخاطئة 9% من مجموع الكلمات التي تنبَّأ بها عند استعمال 50 مفردة في تدريب الخوارزمية. بينما، ارتفعت هذه النسبة إلى 23.8% عند تدريب الخوارزمية ب 125 ألف مفردة. ووصلت سرعة التنبؤ إلى معدل متوسط قدره 62 كلمة في الدقيقة في مقابل 160 كلمة بالنسبة للكلام الطبيعي. رغم هذا،  تبقى هذه النتائج مشجعة لبذل مزيد من الجهد في تحسين واجهات الدماغ والحاسوب لجعلها أكثر كفاءة في إنتاج كلام سلس وطبيعي [2][4].

الدراسة الثانية: ربط النشاط الدماغي بالجمل والعبارات

في الدراسة الثانية، قام فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا بمحاولة ربط النشاط الدماغي بالجمل والعبارات المنطوقة. وتختلف هذه الدراسة عن سابقتها بكونها لا تقتصر على النشاط الدماغي للمناطق المسؤولة عن النطق، بل تتعداه لتغطي القشرة الدماغية كلها. بالإضافة إلى هذا، نجح الفريق في خلق محاكاة شبه طبيعية للمريضة وهي تتحدث، وذلك بمساعدة أفاتار يحاكي تعابير وجهها ونبرة صوتها أثناء الكلام [1][4].

التجربة

في هذه التجربة، قام فريق البحث بزرع 253 قطبا وتوزيعها على القشرة الدماغية لمريضة فقدت قدرتها على النطق إثر سكتة دماغية. تقوم الأقطاب بالتقاط النشاط المشترك لآلاف الخلايا العصبية أثناء محاولة المريضة نطق عبارات تتكون بمجملها من 1024 مفردة. ويتم تدريب خوارزمية للتعلم العميق على التعرف على أنماط النشاط الدماغي الناتج عن نطق كل مفردة. ثم يتم تحويل الكلمات إلى صوت وتعبيرات وجه اصطناعية بواسطة أفاتار طوره الفريق [1][4].

نتائج التجربة

حققت واجهات الدماغ والحاسوب في هذه التجربة نتائج مشجعة وملهمة في تحسين التواصل بين العاجزين عن النطق مع العالم الخارجي. ورغم أن نسبة الخطإ في هذه الدراسة فاقت 25 بالمئة، يبقى توفير طريقة تواصل بتعابير الوجه ونبرة الصوت طفرة نوعية قدمتها هذه الدراسة. بالإضافة إلى هذا، تفوق سرعة فك التشفير (ترجمة النشاط الدماغي إلى كلمات) في هذه الدراسة تلك التي حققتها الدراسة السابقة، حيث تصل إلى 78 كلمة في الدقيقة. ورغم أن هذه السرعة لا تزال بعيدة عن السرعة الطبيعية للكلام، فإن الدراسة تفتح آفاقاً واسعة أمام استخدام واجهات الدماغ والحاسوب في استعادة الكلام للعاجزين عن النطق [1][4]. 

عيوب الدراستين

رغم الاهتمام الهائل الذي لاقته كلتا الدراستين، لا تزال واجهات الدماغ والحاسوب في حاجة إلى مزيد من التحسين والتطوير من أجل إدماجها في مراكز الرعاية الصحية لمساعدة العاجزين عن النطق على الكلام. ومن أبرز العيوب التي تعاني منها الدراستان، وجود أسلاك تربط رأس المريض بالحاسب الآلي أثناء عملية التواصل. مما يحُدُّ من حصول تواصل طبيعي وفعال. أضف إلى هذا أن هذه التقنية تعتمد بشكل كلي على وجود مناطق دماغية سليمة عند المريض من أجل فك تشفيرها. وهذا ليس حال كل المرضى، دون أن ننسى الآثار الجانبية والمسائل الأخلاقية التي قد يثيرها زرع واجهات الدماغ والحاسوب بأدمغة المرضى [1][2][4].

في النهاية، من أجل انتشار واسع لهذه التقنية، يجب التركيز على تحسين دقة وسرعة فك التشفير. بالإضافة إلى تطوير أنظمة قابلة للزرع بالكامل دونما حاجة إلى أسلاك موصلة مع الأخذ بعين الاعتبار لمختلف الآثار الجانبية [4].

المصادر

[1] A high-performance neuroprosthesis for speech decoding and avatar control
[2] A high-performance speech neuroprosthesis 
[3] High-performance brain-to-text communication via handwriting
[4] Brain-reading devices allow paralysed people to talk using their thoughts

كيف نقي أنفسنا من الإشعاع؟

من أجل وقاية أنفسنا من الإشعاع، يجب أن نعرف الإشعاع وخصائصه ونعي أولا مخاطر الإشعاع، ثم نتبع بعد ذلك التدابير الموصى بها للحماية منه. فبعد أن تعرفنا على الإشعاع وتطبيقاته ومخاطره، حان الوقت للتعرف على سبل الوقاية منه والمعايير الموصى بها عالميُا للحفاظ على سلامة الفرد والمجتمع في هذا المجال.

نظام الوقاية من الإشعاع

أنشأت اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع نظامًا يهدف إلى وضع أسس لوقاية مختلف أفراد المجتمع من الآثار الحتمية والعشوائية للإشعاعات. فوضعت حدودًا للجرعات، يجب عدم تجاوزها، بحيث تقل الآثار الحتمية عند احترام حدود الجرعات الموصى بها. ووصت بإبقاء التعرض الإشعاعي في أقل مستوى ممكن للتخفيف من الآثار العشوائية التي تتزايد احتمالية حدوثها كلما زاد التعرض للإشعاع. بالإضافة إلى هذا، صنفت مختلف الحالات التي يمكن أن تتسبب في التعرض الإشعاعي من أجل اتباع التدابير المناسبة لكل حالة [1].

مبادئ الوقاية من الإشعاع

وضعت اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع ثلاثة مبادئ للوقاية من الإشعاعات: التبرير والتحسين وحدود الجرعة. يقوم مبدأ التبرير على ضرورة تبرير استخدام الإشعاعات، بجعل المنافع تفوق الأضرار المترتبة عن التعرض للإشعاعات. بالنسبة لمبدأ التحسين، فإنه ينص على أن التعرض للإشعاع يجب أن يبقى في أدنى مستوى ممكن له. بينما يؤكد مبدأ حدود الجرعة على ضرورة عدم تجاوز حدود للجرعة التي يتقاها الفرد. وتتغير هذه الحدود حسب نوع الفئة المعرضة للإشعاعات. فاالحد المخصص للجمهور، وهو عامة الناس، يصل إلى 1 ميلي سفيرت في السنة. بينما يفوق الحد المخصص للمهنيين، وهم العاملون في المجالات النووية، 20 ميلي سفيرت في السنة. أما المرضى الذين يتعرضون للإشعاعات لأسباب طبية، فإن حد الجرعة لا يشملهم، حيث تكون منافع العلاج أقوى من الأضرار الناتجة عن تجاوز حدود الجرعات [1][2][3].  

حالات التعرض

 من أجل تحديد التوصيات التي يجب اتباعها أثناء التعرض للإشعاع، صنفت اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع حالات التعرض الإشعاعي إلى ثلاث حالات:

  • حالات التعرض المخطط لها، وهي الحالات التي يتم التعرض فيها للإشعاع بشكل متعمد من أجل غرض معين، كما في المجال الطبي ومجال البحث العلمي والصناعة؛
  • حالات التعرض الطارئة، وهي حالات التعرض الناتجة عن حدث غير متوقع كالحوادث النووية. وفي هذه الحالات، قد يضطر منقذ إلى التعرض إلى نسبة كبيرة من الإشعاعات في سبيل إنقاذ حيوات الناس؛
  • حالات التعرض القائمة، وهي حالات التعرض العادية التي يتعرض لها الناس في المنازل وأماكن العمل والبيئة. ويمكن أن تصل هذه الحالات إلى مستويات عالية من الإشعاع، كما في بعض المناطق التي تتميز بوجود كميات عالية من الرادون المشع الطبيعي [1][4].

في حالات التعرض المخطط لها تُطبَّق مبادئ الوقاية الثلاث لحماية الأفراد الذي تشملهم هذه الحلات. بينما تقتصر الحالات الطارئة و التعرض القائم عى مبدأي التبرير والتحسين. وتستبدل حدود الجرعة الموصى بها بمستويات يتم تحديدها حسب طبيعة الموقف. ولتوضيح كيفية تطبيق هذه المبادئ في الواقع، يمكن أن نأخذ مثلًا حالة منشأة نووية في منطقة مأهولة. يُحتِّم مبدأ التبرير على المستثمرين إظهار أدلة كافية تبين أن منافع المنشأة اجتماعيًا واقتصاديًا تفوق الأضرار التي قد يتعرض لها الجمهور من أثر الإشعاع الذي تسببه المنشأة. وبتطبيق مبدإ التحسين، يجب أن يكون تصميم مثاليًا لحصول أقل قدر من التعرض، مع الأخذ بعين الاعتبار التكلفة المادية للتصميم. أما مبدأ حدود الجرعة، فيُطبَّق بالتأكد الدوري من أن أيًا من العاملين في المنشأة لم يتخط حدود الجرعة المسموح بها للمهنيين [1].

الوقاية من أخطار التعرض الإشعاعي

تتنوع أساليب الوقاية من أخطار التعرض الإشعاعي حسب نوع التعرض، فالمعايير المتبعة في التعرض الداخلي ليست نفسها المتبعة في التعرض الخارجي. ويحدث التعرض الداخلي بدخول المادة المشعة جسد الإنسان عن طريق الاستنشاق أو البلع أو الحقن أو التسرب من خلال جرح مفتوح. ويتوقف هذا النوع من التعرض إما بشكل طبيعي –على شكل فضلات أو من خلال التحلل الكامل للمصدر المشع إلى مادة غير مشعة- أوبواسطة علاج طبي. بالنسبة للتعرض الخارجي، فإنه يحدث عندما يتموضع المصدر الإشعاعي خارج جسم الإنسان. ويمكن أن يكون التعرض الخارجي بتَوَضُّع المواد المشعة المحمولة في الهواء في الملابس أو الجلد، والتي يمكن إزالتها بالاغتسال، أومن خلال التعرض لمنبع خارجي من الإشعاعات كالتعرض للأشعة السينية أثناء الفحوص الطبية. ، ويتوقف التعرض، في هذه الحالة، حين يبتعد المرء عن مجال الإشعاع أومن خلال وضع حائل بينه وبين مصدر الإشعاع [1][4].

خطر التعرض الخارجي

يتم تقليل خطر التعرض الخارجي إما بتقليل زمن التعرض أو بتقليل معدل الجرعة التي يمتصها الجسم في مدة معينة. ويُقلَل معدل الجرعة إما بتقليص المسافة بين الشخص المتعرض ومصدر الإشعاع، أو من خلال وضع حائل بينه وبين المصدر [5].

الشكل 1: قدرة الاختراق لدى مختلف الجسيمات
  1. الزمن

تتزايد الجرعة الإشعاعية التي يتلقاها الفرد مع تزايد الفترة الزمنية التي يقضيها خلال التعرض. وحسب مبدإ التحسين، يجب تقليل الوقت الذي يقضيه العاملون في منطقة التعرض إلى أقل قدر ممكن [1].

  • المسافة

تتعلق المسافة بشكل عكسي مع معدل الجرعة الممتصة، حيث كلما ابتعدنا عن مصدر الإشعاع كلما قلت نسبة التعرض. ويؤثر شكل المصدر المشع على معدل الانخفاض. فبالنسبة للمواد الكروية مثلًا، ينقص معدل الجرعة إلى الربع إذا ضاعفنا المسافة بين المصدر والشخص المتعرض. بينما لا ينقص إلا بمقدار النصف إذا كان المصدر أسطواني الشكل [1].

  • الحائل

يتعلق سمك ونوع الحائل اللازم للوقاية من خطر التعرض الخارجي بنوع الإشعاع وطاقته. فجسيمات ألفا لا تحتاج إلا إلى قطعة من الورق لإيقافها. بينما تتطلب جسيمات بيتا حائلًا من البريسميكس بسمك 10 مليمترات. بينما تحتاج الأشعة السينية وأشعة غاما سمكا كبيرًا وكثافة عالية لإيقافها [1].

الشكل 2: طرق تقليص التعرض الخارجي

خطر التعرض الداخلي

على عكس التعرض الخارجي، فإن مجرد كمية صغيرة من المادة المشعة قد تسبب خطرًا كبيرًا عند دخولها للجسم. ويتعلق معدل بقاء المادة في الجسم بسرعة تحللها، التي تبدأ بأجزاء من الثانية وقد تصل إلى آلاف السنين، وبمعدل الإخراج الطبيعي للمادة على شكل فضلات، والذي يتراوح بين عدة أيام إلى بضع سنين [1].

وعند دخول مادة مشعة إلى جسد الإنسان فإنها تظل تتراكم في عضو معين (الرئة في حال الاستنشاق) إلى أن تتكتل معظمها داخله، ثم تبدأ بالاختفاء تدريجيًا إما عن طريق التحلل الإشعاعي أو على شكل مخلفات طبيعية. وبالتالي، فإن معدل الجرعة الممتصة يظل يتزايد بشكل متسارع إلى أن يصل إلى قيمة قصوى (عندما تتكتل معظم المادة المشعة داخل العضو)، ثم يبدأ بالتناقص تدريجيًا إلى أن ينعدم مع اختفاء المادة المشعة من الجسم [1].

من أجل تقليص أثر التعرض الداخلي يجب تقليل الجرعة بقدر الإمكان كما ينص مبدأ التحسين، بالإضافة إلى احترام حدود الجرعة التي يجب عدم تجاوزها. وفي العادة يتم تفادي التعرض الداخلي للعاملين عن طريق تنظيف أماكن التلوث الإشعاعي قبل دخول العاملين إليها. لكن في حال استدعى أحد العاملين أحد المناطق الملوثة فيجب حمايته بالملابس والأدوات المناسبة [1].

وفي الختام، يجب على العاملين في المجالات النووية عدم الاستهانة بالآثار الصحية  التي تسببها الإشعاعات واتباع مختلف التدابير الموصى بها وطنيُا وعالميًا مهما كان الملل الذي يسببه ذلك.

المصادر

[1] An Introduction to Radiation Protection

[2] Principles for Non-Ionizing Radiation Protection : Health Physics

[3] Radioprotection : principes de base et limites de doses

[4] Ionizing radiation, health effects and protective measures

[5] Personne compétente en radioprotection Principes de radioprotection – réglementation

ما هو التأريخ الإشعاعي؟ وماهي أهم الطرق المستخدمة فيه؟

منذ اكتشاف النشاط الإشعاعي على يد هنري بيكيريل سنة 1896، بدأت تتولى تطبيقات هذا الاكتشاف. وقد استغل العلماء المواد المشعة الموجودة في الطبيعة في عملية التأريخ، حيث ظهرت عدة طرق لتأريخ مختلف أنواع الأجسام في الطبيعة. فما هو التأريخ الإشعاعي؟ وماهي أهم الطرق المستخدمة فيه؟

ما هو التأريخ الإشعاعي؟

من أجل فهم تاريخ الحضارات الإنسانية الغابرة، يستعمل العلماء طرقا مختلفة في تقدير عمر الصخور والتحف التي تعود لهذه الحضارات. وتعتبر المواد المشعة من أدق الوسائل التي قد تستعمل لهذا الغرض. وهذا ما يعرف بالتأريخ الإشعاعي، حيث تُستغَلُّ ظاهرة النشاط الإشعاعي لبعض المواد من أجل تحديد عمر الصخور والعظام والخشب وغيرها [1].

ومن أجل تأريخ عمر أحد الأجسام إشعاعيًا، يُشترط أن يحتفظ هذا الجسم بمادة مشعة داخله منذ تشكله إلى لحظة القيام بعملية التأريخ. وبحساب نسبة المادة المشعة التي تحللت إلى تلك التي لم تتحلل، يمكن تحديد عمر الجسم الذي يختزن هذه المادة المشعة [1].

حيث تمثل p1 كمية المادة المشعة لحظة تشكل الجسم وتمثل p2 كمية المادة المشعة عند لحظة التأريخ. أما λ فتمثل ثابت الانحلال الإشعاعي لهذه المادة المشعة.

كيف يعمل التأريخ الإشعاعي؟

يُؤرَّخ عمر الأشياء إشعاعيًا بحساب نسب النظائر المشعة فيها. فمن أجل تقدير عمر صخرة بركانية مثلًا، ننتقي مجموعة النظائر المشعة التي نجحت الصخرة في تخزينها، منذ تشكلها إلى وقتنا الحالي. ونقيس نسبة النظائر، التي لم تتحلل إشعاعيًا بعد، إلى العدد الأصلي، الذي كان أثناء تشكل الصخرة. وتمثل هذه النسبة عمر الصخرة [1].

وتختزن الأجسام الموجودة في الطبيعة المواد المشعة داخلها بعدة طرق. فمن المواد المشعة من يدخل في تركيبة جسم ما عن طريق التفاعلات النووية الطبيعية، التي تحدث بين الأشعة الكونية الآتية من الفضاء الخارجي وهذا الجسم. ومن المواد المشعة ما ينتج عن تحلل مادة مشعة إلى أخرى. ومنها ما يتسلل داخل الجسم  بتوغل عنصر كيميائي مع نظائره المشعة داخل بنية الجسم [1].

وتعد تركيبة النظائر المشعة داخل عينة طبيعية ما (صخرة أو عظم أوغيرها) لسانًا يتكلم بالأحداث التي مرت بها هذه العينة منذ تشكلها. فاختلال أحد النسب في أحد الصخور مثلا، يمَكن  من التنبأ بالظروف المناخية التي مرت بها الصخرة [1].      

أهم طرق الـتأريخ الإشعاعي

تختلف طرق التأريخ الإشعاعي حسب العنصر المشع المستعمل في عملية التأريخ. ومن بين أشهر هذه الطرق، نجد طريقة البوتاسيوم-أرجون وطريقة اليورانيوم-الرصاص وطريقة الكربون المشع. ويحدد العلماء نوع الطريقة الذي سيستعمل في عملية التأريخ حسب نوع العينة. فالمعادن الغنية بالبوتاسيوم تعتمد طريقة البوتاسيوم-أرجون. وتُؤرَّخ بقايا الكائنات الحية (الخشب والعظام) بطريقة الكربون المشع. بينما، تحتاج الصخور، التي تشكلت مع تشكل النظام الشمسي في تحديد عمرها إلى استعمال طريقة اليورانيوم-الرصاص [2].

1- طريقة البوتاسيوم-أرغون في التأريخ الإشعاعي

تعتمد طريقة البوتاسيوم-أرجون على تحلل البوتاسيوم-40 المشع إلى الأرغون-40. ويستعمل في تأريخ المعادن القديمة التي تحتوي على البوتاسيوم، والتي تتميز بوجود فائض من الأرغون-40.  يتحلل البوتاسيوم-40 إلى الأرغون-40 بشكل أساسي عن طريق ظاهرة «التقاط الإلكترون-Electron capture». وبفضل قانون النشاط الإشعاعي، يمكن استنتاج المدة الزمنية التي بدأت عملية التحلل، وبالتالي عمر المعدن المراد تأريخه [2].

حيث تمثل كل من [40Ar] و[40K] كميتي الأرغون-40 والبوتاسيوم-40 في اللحظة t. وتمثل λEC ثابت التحلل الإشعاعي لتحلل البوتاسيوم-40 إلى الأرغون-40، وتمثل λ ثابت التحلل الإشعاعي الكلي لتحلل البوتاسيوم-40.

ويقوم استعمال هذه الطريقة على فرضيتين. أولاهما، أن العينة المراد تأريخها عبارة عن نظام مغلق، أي أن العينة لم تستقبل أو تُسرب أيا من المادة المشعة (البوتاسيوم-40) أوالمادة الناتجة عن التحلل (الأرغون-40) بعد تشكلها. وأخراهما، أن العينة لا تحتوي أي كمية من الأرغون-40 بعد تشكلها. ونظرا لصعوبة تحقق هاتين النظريتين بشكل كامل، فإن وضع بعض التصحيحات ضروري للحصول على عمر العينة بدقة كافية [2].

وعلى الرغم من التصحيحات، فإن التغيرات الطقسية، من ضغط وحرارة، قد تؤدي إلى فقدان أو زيادة في الأرغون-40 داخل العينة، وبالتالي تقديرات خاطئة لعمرها. لذلك، تُؤرَّخ بهذه الطريقة الصخور القادرة على تحمل الظروف المناخية القاسية، كالصخور البركانية مثلًا [2].

2- طريقة الكربون المشع في التأريخ الإشعاعي

تستعمل طريقة الكربون المشعة في تأريخ عمر بقايا الكائنات الحية. وتقوم على تحلل الكربون المشع الموجود في هذه الكائنات. ينتج الكربون المشع عن تفاعل الأشعة الكونية، الآتية من الفضاء الخارجي، مع ذرات النيتروجين الموجودة في الهواء. ويدخل في تركيب ثنائي أكسيد الكربون، الذي يدخل بدوره في تركيب الكائنات الحية. يظل الكربون المشع يتراكم داخل الكائنات الحية حتى يصل إلى حد ثابت. يمثل هذا الحد حالة تكافؤ بين الكربون المشع الداخل إلى الجسم وذلك المتحلل إشعاعيًا. عند موت الكائن الحي، يتوقف دخول الكربون إلى الجسم، فيختل التوازن بين الكربون المتكون والمختفي. هكذا، يبدأ الكربون المشع، داخل الكائن، يتناقص تدريجيا بالتحلل الإشعاعي. ويحدد عمر الكائن من  النسبة بين كمية الكربون المشع عند موت الكائن وكميته أثناء عملية التأريخ [2].

حيث تمثل λ ثابت التحلل الإشعاعي للكربون المشع، وتمثل A0 النشاط الإشعاعي للكربون المشع في العينة لحظة موتها، وتمثل A النشاط الإشعاعي للكربون المشعي في اللحظة  t، أي لحظة القيام بالتأريخ.

وللتأريخ بطريقة الكربون المشع، نفترض أن العينة غير ملوثة بالكربون المشعة الناتج عن التجارب النووية أو غيرها من المصادر للصناعية للكربون المشع. ويتم إدخال بعض التصحيحات للحصول على نتائج أكثر دقة، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار تغير نسبة الكربون المشع في الغلاف الجوي عبر الزمن. وتتنوع المواد التي يمكن تأريخها بهذه الطريقة من الفحم والخشب إلى الحبوب والبذور وغيرها[2].

وقد استعملت طريقة الكربون المشع في تأريخ أثاث الفرعون زوسر الموجود في مدينة سقارة المصرية. من أجل القيام عملية القياس، أخذ العلماء 20 غراما من خشب الأثاث الفرعوني. ثم قاسوا كمية الكربون الموجود في قطعة الخشب باستخدام عداد لقياس النشاط الإشعاعي. فكان العمر المقدَّر هو 2330 سنة قبل الميلاد بهامش خطأ يقدر بـ 350 سنة. بعد تطور أدوات القياس، تم تأريخ القطعة مجددًا يشكل أكثر دقة، فقُدِّر عمرها بـ 4115 سنة قبل الميلاد مع هامش خطأ بحوالي 34 سنة [2].  

3- طريقة اليورانيوم-الثوريوم-الرصاص في التأريخ الإشعاعي

تستخدم طريقة اليورانيوم-الثوريوم-الرصاص نظائر اليورانيوم والثوريوم المشعة، التي تتحول بعد سلسلة من التحللات الإشعاعية إلى نظائر مستقرة للرصاص، في عملية التأريخ الإشعاعي. وتتميز هذه الطريقة بوجود ثلاث سلاسل للتحلل، حيث يتحول كل من اليورانيوم-238 واليورانيوم-235 والثوريوم-232 إلى الرصاص-206 والرصاص-207 والرصاص-208، على التوالي. وهكذا، يمكننا من حساب عمر نفس الصخرة بثلاث سلاسل مختلفة، والتي يجب أن تعطي نفس العمر في الحالة المثلى. بالإضافة إلى هذا، تسمح هذه الطريقة بحساب عمر الصخرة دون الحاجة إلى معرفة كمية نظيري اليورانيوم 235U و238U، حيث يتم الاستعاضة عنها بنسبة اليورانيوم-235 إلى اليورانيوم-238 (تساوي 1/137.88).  لهذا، تعتبر هذه الطريقة أكثر الطرق دقة، حيث يصل مستوى الدقة فيها إلى (1/10,000) من عمر العينة. لكن هذا، لا يعني أن النتائج تكون دائمًا دقيقة، فقد يؤثر تسرب الرصاص خارج العينة على القياسات [2][3].

ورغم وجود نظائر اليورانيوم والثوريوم في كثير من المعادن، إلا أنه لا يمكن تطبيق طريقة اليورانيوم-الثوريوم-الرصاص إلا على تلك القادرة على الاحتفاظ بهذه نظائر. بالإضافة إلى هذا، يجب ألا يقل عمر العينة عن المليون سنة [2][3].

المصادر

[1] Radioactivity and Radiometric Dating

[2] Radioactive Dating Methods

[3] Uranium–Lead Dating 

ما هي النماذج النووية التي تفسر ظاهرة الإشعاع النووي؟

وضع العلماء عدة نماذج نووية لتفسير ظاهرة الإشعاع النووي التي تميز المواد المشعة عن غيرها من المواد المستقرة. وتصِف هذه النماذج الجسيمات، التي تكوِّن نواة الذرة، والتفاعلات التي تحدُث بينها. فما هي النماذج النووية؟ وإلى أي حد نجحت في تفسير ما يحدث داخل النواة؟

النماذج النووية

تساهم النماذج النووية في فهم وتبسيط ما يحدث داخل النواة من ظواهر. فمنها ما يُشبِّه النواة ونوياتها (مكونات النواة) بقطرة ماء تتفاعَل داخلها جزيئات الماء، كما هو الحال في «نموذج قطرة السائل-Liquid-Drop Model». ومنها ما يُصورها على شكل غاز مضغوط في كرة بحجم نواة الذرة كما في «نموذج غاز فيرمي-Fermi gas model». وأخرى تعتبرها مكوَّنة من طبقات تختزن داخلها النويات المكوِّنة للنواة كما في «نموذج القشرة-The shell model » [1]. فسنستعرض بعض تلك النماذج هنا في هذا المقال.

1. نموذج متوسط الجهد

يُعد «نموذج متوسط الجهد» أساسًا لبعض النماذج الأخرى. وتخضَع النويات في هذا النموذج لجهد ثابت يبقيها مرتبطة فيما بينها داخل النواة. ينشَأ الجهد عن مختلف النويات التي تكوِّن النواة. وتسبَح كل نوية في متوسط هذا الجهد دون أن يكون لها أي ارتباط بباقي النويات، حيث يُعوِّض هذا الجهد التفاعل بين النويات الذي تم إهماله في هذا النموذج [1].

الشكل 1: شكل متوسط الجهد الذي تخضع له النويات داخل النواة

في هذا النموذج، تخضع البروتونات والنيوترونات (النويات المكونة للنواة) لـ «مبدأ الاستبعاد لباولي-Pauli exclusion principle» كل على حدة. ويفرض هذا المبدأ عدم إمكانية وجود بروتونين أو نيوترونين في نفس الحالة الكمومية (يجب أن يكون اتجاه الأسهم متعاكسًا كما هو مبين في الشكل 2) [1].

الشكل 2: توزيع البروتونات والنيوترونات داخل النواة حسب نموذج متوسط الجهد، لكل من النيوترونات والبروتونات مستويات تستطيع ملءها، ويتحمل كل مستوى بروتونين أو نيوترونين باتجاهين مختلفين.

مستويات الطاقة

تسعَى النواة للحصول على الوضعية الأكثر استقرارًا، أي ذات مستويات الطاقة الأدنى. و تتوزع كل من البروتونات والنيوترونات على مستويات الطاقة بدءًا بالمستويات الأدنى نحو الأعلى مع احترام مبدأ الاستبعاد لباولي. ونتيجة لهذا، فإن النوى، التي يفُوق فيها عدد النيوترونات عدد البروتونات أو العكس، تحتَاج مستويات أعلى طاقة مقارنة بتلك التي يكون فيها عدد النيوترونات والبروتونات متساويًا، حيث يسهِم التفاوت بين البروتونات والنيوترونات إلى امتلاء مستويات الطاقة الخاصة بإحداها بينما تبقَى المستويات الدنيا للأخرى فارغة (انظر الشكل 3). فعلى سبيل المثال، بالنسبة لنواة تملك سبع نويات، نجد أن نواة البورون-7 أقل استقرارًا من نواة البريليوم-7، نظرًا لأن هذه الأخيرة تملك عددًا متقاربًا من البروتونات والنيوترونات (انظر الشكل 3). وهذا ما يفسر تحلل نواة البورون-7 إلى البريليوم-7 عن طريق التحلل b+ الذي يحول بروتونًا إلى نيوترون [1].

الشكل 3: نواة البريليوم-7 أكثر استقرارًا من نواة البورون-7

استقرار النواة

وللوصول إلى حالة الاستقرار، تسعَى النوى إلى الحصول على عدد متماثل من البروتونات والنيوترونات من خلال تحلل β، الذي يحول البروتونات إلى نيوترونات أو العكس. وهذا ما يفسر استقرار النوى الخفيفة التي تملك عددًا متساويًا من النيوترونات والبروتونات. بالنسبة للنوى الثقيلة (التي تملك عددًا كبيرًا من النويات)، فإن التنافر الذي يحدث بين شحنات البروتونات يضعف استقرار النواة. وللتغلب على هذا التنافر، تحتاج النواة لمزيد من النيوترونات لزيادة القوة النووية التي تربط النويات بعضها ببعض. لهذا، تنحو النوى الثقيلة لامتلاك نيوترونات أكثر من البروتونات. وتكون النوى أكثر استقرارًا أيضًا حين يكون عدد البروتونات زوجيًا وعدد النيوترونات زوجيًا حيث إن معظم النوى المستقرة إشعاعيًا، والتي تملك عددًا زوجيًا من النويات، يكون فيها عدد النيوترونات والبروتونات زوجيًا (155 نواة من بين 160 نواة موجودة في الطبيعة) [1].

نموذج قطرة السائل

في نموذج قطرة السائل، تم تشبيه نواة الذرة بقطرة ماء تتفاعل داخلها جزيئات الماء. ويقوم هذا النموذج على أساس قصر مدى القوى النووية، حيث تتفاعل كل نوية مع النويات التي تجاورها فقط، كما يحدث لجزيئات الماء مع بعضها البعض. بالإضافة إلى هذا، فإن النواة، كما قطرة الماء، غير قابلة للضغط، حيث تملك كثافة ثابتة. وتحافظ النواة على استقرارها بفضل طاقة الربط التي تبقي النويات مجتمعة داخل النواة، حيث تقابل طاقة الربط هذه حرارة التبخر عند قطرة الماء. فمن أجل تفكيك النواة، يجب منحها طاقة أكبر من طاقة الربط، وكذلك من أجل تفكيك قطرة الماء، يجب إعطاؤها طاقة تساوي حرارة التبخر [2].

صيغة الكتلة شبه التجريبية

ويستعمَل نموذج قطرة السائل في حساب طاقة الربط لكل نوية -وهي طاقة الربط الكلية مقسومة على عدد نويات النواة، حيث قام «بيته-Bethe » و«فايزيكر-Weizsäcker» بوضع «صيغة الكتلة شبه التجريبية-semi-empirical mass formula » التي تُمَكِّن من حساب طاقة الربط. وتتكون هذه الصيغة من عدة معاملات تم تحديدها بحيث تكون طاقة الربط المحصل عليها بهذه الصيغة مساوية لتلك المأخوذة تجريبيا [1]. وتنقسم الصيغة إلى خمسة حدود:

  • «طاقة الحجم- Volume Energy»، وتمثل تفاعل كل نوية مع ما يجاورها من نويات. وتتعلق هذه الطاقة بحجم النواة [1][2].
  • «طاقة السطح-Surface Energy »، حيث تكون النويات الموجودة في سطح النواة أقل ارتباطًا من تلك التي تكون في المركز. ويرجع هذا لكون عدد النويات التي تجاور نويات السطح أقل من ذلك الذي عند نويات المركز، مما يسهم في إنقاص طاقة الربط. وهذا ما يفسر إشارة الناقص المرافقة لها [1][2].
  • «طاقة كولوم-Coulomb Energy »، وتنتج عن تنافر البروتونات فيما بينها. مما يؤدي إلى إنقاص طاقة الربط.
  • «طاقة عدم التناظر-Asymmetry Energy»، تفسر هذه الطاقة ارتفاع طاقة الربط عند النوى التي تملك عددا متماثلا من البروتونات والنيوترونات. ويكون هذا الحد مهما عند النوى الخفيفة. أما بالنسبة للنوى الثقيلة، فإن طاقة كولوم تطغى على هذه الطاقة. مما يؤدي إلى زيادة عدد النيوترونات في هذه النوى مقارنة بعدد البروتونات [1][2].
  • «طاقة الازدواج-Pairing Energy»، وتعكس كون النوى ذات عدد بروتونات وعدد نيوترونات زوجي أكثر استقرارًا من غيرها [1][2].
الشكل 4: صيغة الكتلة شبه التجريبية حيث تمثل B(A,Z) طاقة الربط، وتمثل  A وZ و Nعدد النويات والبروتونات والنيوترونات على التوالي، بينما تمثل av وas وaaو acالعوامل التي يتم قياسها تجريبيا.

نموذج غاز فيرمي

يعتمِد نموذج غاز فيرمي نموذج الجهد الثابت أساسا له، حيث يُشَبِّه النواة بكرة تحبس داخلها نوعين من الغازات: غاز البروتونات وغاز النيوترونات. وعلى عكس نموذج قطرة السائل التي ترتبط فيها طاقة النواة بخصائصها الهندسية، يعتمد نموذج غاز فيرمي على ميكانيكا الإحصاء الكمومي في حساب العوامل av وas وaa. ويعاني هذا النموذج من عدم دقته في تحديد طاقة الربط لدى النوى الخفيفة، حيث تكون أقل من تلك المقاسة تجريبيا [1].

نموذج القشرة

يتأسس نموذج القشرة، كما نموذج غاز فيرمي، على نموذج الجهد الثابت، حيث تخضع النويات لجهد ثابت. وتتموضع في هذا الجهد مستويات الطاقة التي تحتلها البروتونات والنيوترونات. وعلى عكس باقي النماذج، نجح نموذج القشرة في تفسير ظاهرة «الأعداد السحرية-magic numbers»، التي تكون فيها طاقة الربط في أقصى مستوياتها. وتعتبر النوى التي يكون عدد نيوتروناتها أو بروتوناتها مساويا لأحد هذه الأرقام (2،8،14،20،28،50،86،126) الأكثر استقرارا مقارنة ببقية النوى. وعلى غرار الفيزياء الذرية، حيث تكون الذرات في أقصى حالات الاستقرارعندما يكتمل عدد الإلكترونات في المدار الخارجي للذرة، فإن النوى الأكثر استقرارا هي تلك التي تملك مدارات ممتلئة، وهو ما يوافق الأعداد السحرية للبروتونات والنيوترونات [1].

في الختام، تبقَى هذه النماذج محاولات لتفسير ظاهرة النشاط الإشعاعي لبعض النوى. ولا يزال نموذج القشرة الأكثر نجاحا في ذلك.

المصادر

[1] Nuclear models and stability
[2] Principles of Radiation Interaction in Matter and Detection

هل اقترب عصر مفاعلات الاندماج النووي؟

على عكس مفاعلات الانشطار النووي، لا تزال مفاعلات الاندماج النووي في مرحلة التطوير. ويرجع التحدي الأكبر في مفاعلات الاندماج، كونها تحتاج درجات عالية من الحرارة –تتجاوز المئة مليون درجة– من أجل خلق الاندماج النووي. وبسبب انعدام أية مادة قادرة على تحمل هذه الحرارة، فقد تم تطوير عدة طرق لحصر الوقود النووي في الفراغ. فما هي الطرق التي تم استعمالها في توليد الاندماج النووي؟ وهل اقترب العلماء من بناء مفاعل اندماج نووي يولد الكهرباء؟

تفاعلات الاندماج النووي

من بين أهم تفاعلات الاندماج النووي التي يمكن توظيفها في مفاعلات الاندماج النووي، نجد اندماج نظيري الهيدروجين الديوتيريوم (D) والتريتيوم (T) واندماج ذرتي ديوتيريوم مع بعضهما. ولكل نوع من الاندماج إيجابيات ومساوئ. فالأول يتميز بكونه ينتج طاقة كبيرة (14.1MeV) مقارنة بالتفاعل الثاني (4.03MeV)، بالإضافة إلى أن احتمالية حدوث التفاعل الأول أكبر من فرص حدوث التفاعل الثاني. و في المقابل، تتواجد ذرة  الديوتيريوم بشكل طبيعي في الماء، على عكس ذرة التريتيوم التي تحتاج إلى التصنيع من أجل استخدامها كوقود نووي. وعلى مستوى البناء، فإن النيوترونات ذات الطاقة العالية التي تتحرر عند اندماج  الديوتيريوم والتريتيوم تلحق الضرر بجدار الوعاء الذي يضم الوقود النووي، مما يستلزم استبداله دوريًا، وبالتالي يزيد من حجم النفايات المشعة لهذا النوع من المفاعلات. ورغم هذا يبقى تفاعل نظيري الهيدروجين D و T المُرشَّح الأقوى للاستخدام في مفاعلات الاندماج النووي [1].

مراحل تطوير مفاعل اندماج نووي

يتطلب بناء مفاعل اندماج نووي المرور بأربعة مراحل، تبدأ بأداء تجارب على مستوى الجسيمات الفردية للتحقق من التفاعل ومن مدى إنتاجه للطاقة. تليها مرحلة إحداث أنظمة قادرة على جعل الطاقة المتولدة من التفاعل تفوق تلك التي يستهلكها. بعدها، يتوجب تصميم جهاز قادر على إنتاج قدرة عالية (في حدود الميغاوات) حتى يتسنى استغلالها في تطبيقات عماية. وفي النهاية، تأتي ضرورة تحسين تصميم المفاعل لجعل المنشأة ملائمة للأغراض التجارية. وقد حقق العلماء المستوى الأول. بينما، نشهد عدة تطورات واعدة بالنجاح في المستوى الثاني. أما المستويان الثالث والرابع، فلا يزالان في قيد الإنجاز مع آمال بأن يتحققا خلال هذا القرن [1].

طرق توليد الاندماج النووي

من أجل توليد اندماج نووي فعال، يجب أن تفوق الطاقة التي ينتجها التفاعل الطاقة التي يستهلكها –وهو ما يعرف بظاهرة الإشعال [2]. ولتحقيق الإشعال طور العلماء طريقتين مختلفتين هما «الحصر المغناطيسي-magnetic confinement fusion» و«الحصر بالقصور الذاتي-inertial confinement fusion». تتمثل الأولى في حجز البلازما المسؤولة عن توليد تفاعل الاندماج بواسطة مجالين كهربائي ومغناطيسي قويين. وفي المفاعلات التي تعتمد هذه الطريقة، يتم تسخين البلازما (الحالة الربعة للمادة، حيث تتفكك فيها المادة إلى أيونات وإلكترونات حرة) إلى درجات عالية من الحرارة إلى أن تصل مرحلة الإشعال. أما في الطريقة الثانية، فتُقذف كرية من الوقود النووي بأشعة الليزر أو بجسيمات مشحونة، وذلك بهدف تسخين ورفع كثافة الوقود النووي بضغطه نحو المركزإلى أن يصل إلى الإشعال[1][3].

آلات الحصر المغناطيسي

صُمِّمت ألات الحصر المغناطيسي من أجل إنتاج البلازما وحصرها في موضعها. تتم هذه العملية اعتمادًا على المجالين الكهربائي والمغناطيسي، حيث يسهمان في إنتاج الشحن المكونة للبلازما والحفاظ عليها. وتُسخن البلازما من خلال تمرير تيار كهربائي عبرها، أو من خلال طرق أخرى كاستخدام موجات المايكرويف التي تتلاشى داخل البلازما مُمِدة إياها بالطاقة اللازمة لتسخينها [1].

ومن أبرز آلات الحصر المغناطيسي، نذكر جهاز «التوماك-tokamak » المستخدم في المفاعل التجريبي الحراري (ITER) المتواجد بمدينة كاداراش جنوبي فرنسا، والذي تم بنائه بشراكة عدة دول من بينها الولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى الحلقة الأوروبية المشتركة (JET) الموجودة بمركز كولهام للطاقة الاندماجية في أوكسفوردشاير[4].

الحلقة الأوروبية المشتركة (JET)

آلات القصور الذاتي

تعتمد آلات القصور الذاتي على الضغط الداخلي للوقود النووي من أجل إنتاج الطاقة اللازمة للاندماج النووي. وتشبه طريقة عمل هذه الآلات مبدأ عمل القنبلة الهيدروجينية، حيث يؤدي تسليط الليزرنحو  الطبقة الخارجية لكرية صغيرة من الوقود النووي إلى تفجيرهذه الطبقة. وتعمل قوة الانفجار على ضغط الوقود النووي نحو الداخل فترتفع كثافة الوقود وحرارته إلى أن يتحقق الاندماج النووي [5].

وقد سبقت هذه التقنية في الوصول إلى ظاهرة الإشعال. حيث نجحت منشأة الإشعال الوطنية الأمريكية (ولأول مرة في التاريخ) في الوصول إلى مرحلة الإشعال في بداية هذا الشهر. واستعملت لهذا الغرض 192 جهاز ليزر، من أجل قذف أسطوانة ذهبية بحجم حبة البازلاء، تحتوي كرة مجمدة من نظيري الهيدروجين الديوتيريوم (D) والتريتيوم (T).  تم إرسال 2.05 ميغاجول من الطاقة نحو الأسطوانة التي انهارت بفعل التردد المصاحب لهذه الطاقة. وحررت بذلك الحرارة اللازمة لتفعيل عملية الاندماج النووي. وقد ولّد هذا الأخير ما يعادل 3.15 ميغاجول من الطاقة وهو ما يفوق الطاقة المحفزة للتفاعل بما يقارب 54%. ورغم أن أجهزة الليزر استهلكت 322 ميغاجول من الطاقة خلال العملية، فإن الوصول إلى مرحلة الإشعال يعد دفعة مهمة في طريق الوصول إلى مفاعل اندماج نووي [6].

المصادر

[1] Nuclear energy: An introduction to the concepts, systems, and applications of nuclear processes

[2] Fusion and Ignition

[3] Plasma Physics

[4] اﻻﻨدﻤﺎج اﻟﻨووي ﻫل ﻫو اﻟﻤﺴﺘﻘﺒل ؟

[5] Inertial Confinement Fusion

[6] مختبر اندماج نووي يحقق تفاعل “إشعال”: ما دلالة هذا الإنجاز؟

ما هي مكونات نواة الذرة؟ وكيف تحافظ النواة على استقرارها؟

يبدأ مسار اكتشاف الفيزياء النووية بمعرفة نواة الذرة ومدى استقرارها. فما هي مختلف مكونات النواة؟ وكيف تستطيع النواة الحفاظ على تماسكها دون أن تتفتت إلى الجسيمات التي تكونها؟

النواة ومكوناتها

مكونات النواة

تتكون نواة الذرة من نوعين من الجسيمات: البروتونات وهي موجبة الشحنة، و النيوترونات وهي منعدمة الشحنة. وتتشكَّل البرتونات والنيوترونات بدورها من جسيمات أولية (غير قابلة للتقسيم) سمِّيت الكوارك. يحدِّد نوع الكواركات المكونة للجسيم نوعه والشحنة التي يحملُها. ويتكون البروتون من ثلاثة كوارك، اثنان من النوع العلوي («الكوارك العلوي- up quark ») وواحد من النوع السفلي ((«الكوارك السفلي-down quark»). بينما يتكون النيوترون من كوارك علوي واحد و كواركين سفليين. وتأخذ شحنة كل من النيوترون والبروتون مجموع شحن الكوارك التي تكونها. وبما أن شحنة الكوارك العلوي u هي +2/3  وشحنة الكوارك السفلي  dهي -1/3، فإن شحنة البرتون هي +1 [1].

الشكل 1: البروتون وشحنته.

                               

الشكل 2: النيوترون وشحنته.

النويدات وخصائصها

تسمَّى نواة الذرة في الفيزياء النووية نويدُا أو نيكليدًا. ويرمز لها عادة ب ، حيث يمثل X  رمز العنصر (كربون أو هيدروجين أو غيره)، ويرمز A  لعدد البروتونات والنيوترونات الموجودة في النواة، ويسمى عدد الكتلة،  بينما يرمز Z  للعدد الذري وهو عدد البروتونات المكونة للنواة. وتدعَى النويدات التي تملك نفس العدد الذري Z بـ «النظائر-Isotopes». بينما، تسمَى تلك التي تملِك نفس عدد الكتلة بـ «المتكتلات- Isobars ». وتسمَى النويدات التي تملك نفس عدد النيوترونات N بـ «متساويات النيوترونات-isotone » [1].

ويتم حساب كتلة نواة الذرة بوحدة الكتلة الذرية التي يرمز لها ب u. وتساوي هذه الوحدة 1/12 من كتلة ذرة الكربون 12C [2].

استقرار النواة وحالاتها

تحافظ النواة على استقرارها بفضل القوة النووية التي تجمع نوياتها (البروتونات والنيوترونات)، والتي تعرف أيضًا بـ «التفاعل القوي-strong interaction». وتتميَّز هذه القوة بكونها قصيرة المدى، أي أن كل نوية لا تؤثِر إلا في قريباتها التي تجاورها. وعلى الرغم من قصر مداها. فإن هذه القوة قادرة على التغلب على تنافر البروتونات الذي ينتج عن التفاعل بين شحنها الموجبة. وتتعلق درجة استقرار النواة بالطاقة التي تربط نوياتها. وتختلف طاقة الربط النووية عن المستوى الطاقي التي تتواجد فيه النواة. إذ يحدد هذا الأخير ما إذا كانت النواة مثارة أو في حالتها الدنيا [1].

طاقة الربط النووية

تميز «طاقة الربط النووية B(A,Z) -nuclear binding energy» درجة استقرار النواة. وتتعلق هذه الطاقة بفرق كتلة النواة ككل و مجموع كتل مكوناتها، أو ما يعرف بـ «النقص الكتلي -mass defect » [2].

حيث يمثل N عدد النيوترونات و mnكتلة كل نيوترون.  ويمثل Z  عدد البروتونات و mpكتلة كل بروتون. أما m(A,Z) فتمثل كتلة النواة ككل.
و تمثل B(A,Z)  طاقة الربط النووية. ويمثل   النقص الكتلي. بينما تمثل c2 سرعة الضوء في الفراغ.

وتعرَّف B(A,Z)/A على أنها طاقة الربط لكل نوية، حيث تتزايد درجة استقرار النواة مع تزايد هذه الطاقة. وحسب منحنى الطاقة الممثل في الشكل 3. يمكن أن نلاحظ أن طاقة الربط لكل نوية (وبالتالي درجة استقرار النواة)  تتزايد مع ارتفاع عدد النويات A إلى أن تصل إلى قيمة قصوى (عند A بين 55 و60 ). ثم تعود بعدها فتتراجع مجددًا. ومن هذا التغير، يمكنُنا تفسير سبب اندماج النوى الخفيفة و انشطار النوى الثقيلة. حيث تسعَى النواة في كلتا الحالتين إلى بلوغ الدرجة القصوى لطاقة الربط لكل نوية [1][2].

                                      الشكل 3: طاقة الربط حسب عدد النويات A.

حالات النواة

يمكن أن تتواجد النواة في حالة إثارة أو في «الحالة الدنيا-ground state ». في الحالة الأولى، تملك النواة  فائضا من الطاقة يجعلها في وضع غير مستقر. حيث تتخلص من هذه الطاقة بإصدار فوتون أو بضعة فوتونات. أما في الحالة الثانية، فتكون النواة في وضعها الأكثر استقرارًا، حيث تملك الحد الأدنى من الطاقة [1].

ولا تتعلق حالة الإثارة والحالة الدنيا بكون النواة مشعة أو مستقرة. حيث يمكن أن نجد نواة في الحالة الدنيا لكنها غير مستقرة (مشعة). أما حالة الاستقرار لنواة ما (أي كونها مشعة أم لا)، فإنه يعتمد على طاقة الربط لدى النواة.

ختاما، اقترِحت عدة نماذج في الفيزياء النووية من أجل تفسير استقرار العناصر الموجودة في الطبيعة. فقد حاول كل نموذج تفسير سبب القيمة العالية لطاقة الربط لدى هذه العناصر المستقرة طبيعيًا. وسيكون هذا مدار المقال اللاحق.

اقترحت

المصادر
[1] Basic concepts in nuclear physics
[2] Principles of Radiation Interaction in Matter and Detection

ما هي خصائص الإشعاعات التي تستعمل في العلاج الإشعاعي؟

يحدد طبيب الأورام المعالج نوع العلاج حسب خصائص الإشعاعات التي تستعمل في العلاج الإشعاعي. فالفوتونات ذات الطاقة العالية، تستعمل عادة في علاج الأورام العميقة، بينما تستخدم الإلكترونات في علاج الأورام السطحية. فما هي هذه الخصائص التي تحدد نوعية العلاج الذي سيخضع له المريض؟

خصائص الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي

تتحدد خصائص الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي حسب توزيع الجرعة التي يتلقاها المريض عند تعرضه لحزمة من هذه الإشعاعات. ونقصد بتوزيع الجرعة، الجرعة التي يتلقاها المريض على طول مسار الإشعاعات. ويسمَى المنحنى الذي يصف هذا التوزيع بمنحى جرعة العمق، والذي يمثل الجرعة على طول المحور المركزي للحزمة الإشعاعية (الشكل 1).  ويلعب هذا المنحنى دورًا مهمًا في تحديد نوع وطاقة الإشعاع المستعمل في عملية العلاج [1].

الشكل1 : منحنى جرعة العمق بالنسبة للفوتونات.

خصائص الفوتونات

عندما تدخل حزمة إشعاعية جسم المريض، فإنها تترك جرعة محددة على المساحة الخارجية للمريض (الجلد). تظَل قيمة الجرعة في التزايد مع تعمق الحزمة داخل المريض إلى أن تصِل إلى مستوى معين تنحدِر بعده إلى أن تصِل إلى جرعة الخروج. وهي الجرعة التي تتركُهَا الحزمة عند خروجها من الجانب الآخر للمريض [1].

منحنى جرعة العمق بالنسبة للفوتونات

يتميَز «منحنى جرعة العمق-depth dose curve» بجرعة السطح. وتمثِل الجرعة التي يتلقاها جلد المريض عند مدخل الحزمة الإشعاعية. وبالجرعة القصوى، التي تمثِل أقوى جرعة يتلقاها المرض على طول مسار الحزمة. بالإضافة إلى جرعة الخروج التي تمثِل الجرعة التي تتركها الحزمة في جسم المريض قبل أن تخرُج منه. وتسمى المنطقة المنحصرة بين جرعة السطح والجرعة القصوى بمنطقة التراكم [1].

تختلف قيمة جرعة السطح بالإضافة إلى العمق الذي يمتص الجرعة القصوى (Zmax) حسب طاقة الفوتونات. فبالنسبة للفوتونات منخفضة الطاقة (أصغر من 100keV) تكون الجرعة القصوى على مستوى السطح. بينما تكون جرعة السطح عند الفوتونات عالية الطاقة (أكبر من 1MeV) أصغر بكثير من الجرعة القصوى (الجرعة عند Zmax). وتساعِد هذه الخاصية في حماية الجلد من الجرعات العالية عند علاج الأورام العميقة. إذ تستعمل الفوتونات عالية الطاقة في عملية العلاج [1].

جرعة السطح

تنتج جرعة السطح عن امتصاص «الفوتونات المتناثرة-scattered photons»  عن رأس المسرع وعن الهواء باللإضافة إلى الفوتونات المرتدة من المريض. تسهِم الإلكترونات عالية الطاقة، التي أُنتجَت بواسطة تفاعل الفوتونات مع الهواء أو أحد الأجسام المجاورة للمريض، أيضًا في جرعة السطح [1].

منطقة التراكم

تنتُج «منطقة التراكم-Buildup region » الممتدة من السطح (Z=0) إلى العمق (Zmax) عن الجسيمات المشحونة الثانوية. وهي تنشَأ عن تفاعل الفوتونات مع جسم المريض، والتي تودِع طاقتها في جسد المريض. ويفسر ارتفاع قيمة الجرعة مع تزايد العمق في هذه المنطقة بتزايد هذه الجسيمات الثانوية مع التوغل في جسم المريض. وعلى الرغم من أن دفق الفوتونات يكٌون في أعلى مستوى له عند السطح (وبالتالي أعلى نسبة لإنتاج الجسيمات الثانوية) فإن المسافة التي تقطعُها الجسيمات الثانوية قبل أن تودِع طاقتها في جسد المريض هي ما تسبِب ذلك الفارق في المسافة بين جرعة السطح والجرعة القصوى [1].

 أما ذلك الانخفاض الملاحظ بعد الوصول إلى الجرعة القصوى (عند Zmax)، فإنه ينتُج عن «تثبيط الفوتونات-photon attenuation». الذي يتجلى في تناقص عدد الفوتونات أثناء توغلها داخل جسد المريض. حيث يؤدِي انخفاض عدد الفوتونات إلى انخفاض عدد الجسيمات الثانوية التي تنتجُها. وبالتالي إلى انخفاض الجرعة التي تودعُها هذه الجسيمات الثانوية في جسد المريض [1].

خصائص الإلكترونات

يختلف توزيع الجرعة بالنسبة للإلكترونات عن ذلك الذي لدى الفوتونات. ويرجع هذا إلى طريقة التفاعل المختلفة عن الفوتونات، والتي تأخذ أحد الأشكال التالية:

  • التصادم المرن مع إلكترونات الذرات.، الذي يؤدي إلى تغيير اتجاه الإلكترون دون أي خسارة للطاقة؛
  • التصادم اللامرن  مع إلكترونات الذرات، الذي يخسر فيه الإلكترون جزءا من طاقته لصالح إلكترونات الذرات. مما يؤدي إلى تأيين أو إثارة الذرات؛
  • التصادم المرن مع نويات الذرات، حيث يحافظ فيه الإلكترون على طاقته مع تغيير في الاتجاه؛
  • التصادم غير المرن مع نويات الذرات، الذي يؤدي إلى إنتاج «إشعاع الكبح-Bremsstrahlung radiation» -. وينشأ عن مرور الإلكترون بالحقل الكهربائي لأحد النويات، حيث يسهم هذا الأخير في انحراف الإلكترون عن مساره مع فقدان جزء من طاقته على شكل فوتون من أشعة إكس [1].

منحنى جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات

يختلف منحنى جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات عن ذلك الذي في الفوتونات. فبالمقارنة مع حزم الفوتونات عالية الطاقة، تكون جرعة السطح عالية، مما يجعلها مفضلة في علاج الأورام السطحية. بالإضافة إلى هذا، تؤدي ظاهرة الكبح إلى ظهور ما يعرف بـ «ذيل إشعاع الكبح-bremsstrahlung tail »، والتي تتمثل في استقرار الجرعة عند قيمة ثابتة في نهاية المنحنى (الشكل 2) [1].

الشكل 2: منحنى جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات.
جرعة السطح

على عكس الفوتونات، تكون جرعة السطح عند الإلكترونات كبيرة، حيث تتراوح بين 75% و95% من الجرعة القصوى. كما تتزايد هذه الجرعة مع ارتفاع طاقة الحزمة الإلكترونية عكس ما يحدث لدى الفوتونات. ويفسر هذا بطبيعة التصادمات التي تحدث للإلكترونات منخفضة الطاقة، حيث تنحرف هذه الإلكترونات بزوايا كبيرة مقارنة بالإلكترونات ذان الطاقة العالية. فتخسر جل طاقتها في مسافة قصيرة –أي أن الجرعة تصل إلى القيمة القصوى في مسافة أقل من تلك التي تستغرقها الإلكترونات عالية الطاقة. وهكذا، تكون نسبة جرعة السطح إلى الجرعة القصوى أصغر منها عند الإلكترونات عالية الطاقة (الشكل 3) [1].

الشكل 3: تغير منحنيات جرعة العمق بالنسبة للإلكترونات حسب طاقة الحزم.
منطقة التراكم

يسهم تشتت الإلكترونات في مسارات منحرفة عن المسار الأصلي للحزمة الإلكترونية إلى زيادة في دفق الإلكترونات. مما يؤدي إلى الارتفاع الملاحظ للجرعة، التي تودعها هذه الإلكترونات، في منطقة التراكم. وتتميز منطقة التراكم عند الإلكترونات بكونها أصغر من تلك التي لدى الفوتونات عالية الطاقة (يصغر فارق المسافة بين جرعة السطح عند Z=0 والجرعة القصوى عند Zmax) [1].

بعد تجاوز Zmax، تبدأ الجرعة في الانخفاض لأن الإلكترونات تستمر في خسارة طاقتها أثناء مسارها خلال جسم المريض. في النهاية، تستقر الجرعة على قيمة ثابتة بسبب ظاهرة الكبح. وتنشأ ظاهرة الكبح هذه عن تفاعل حزم الإلكترونات مع رأس المسرع أو مع الهواء الذي بين المريض والمسرع أو مع المريض نفسه [1].

في الختام، نذكر أن العلاج الإشعاعي لا يتأثر فقط بنوع الإشعاع المستعمل، بل بعوامل أخرى كطاقة الحزم الإشعاعية وحجم المجال الذي يحدد هذه الحزم وغيرها.

المصادر

[1] Radiation Oncology Physics : A Handbook for Teachers and Students

كيف يتم إنتاج الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي؟

أثناء عملية العلاج الإشعاعي، يتلقى المريض حزما من الإشعاعات التي تستعمل لقتل الخلايا السرطانية. ويختلف نوع الحزم المستعملة حسب المنطقة المعالجة. فكيف يتم إنتاج الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي؟

كيفية إنتاج الإشعاعات المستعملة في العلاج الإشعاعي

تعتمد تقنية العلاج الإشعاعي على قتل الخلايا السرطانية بفعل الطاقة التي تتركها الحزم الإشعاعية في الورم. ويختلف تأثير الحزم الإشعاعية حسب نوعها. فبعضها يترك معظم طاقته فور دخوله جسم المريض (الإلكترونات)، بينما تخترق أخرى عدة سنتيمترات من جسم المريض قبل أن تخسر طاقتها (الفوتونات). وباختلاف نوع الحزم أيضًا، تختلف طرق إنتاجها. فإنتاج الإلكترونات ليس كإنتاج أشعة غاما، وإنتاج الأشعة السينية ليس كإنتاج الجسيمات الثقيلة.

الأشعة السينية

تعتبر الأشعة السينية الأكثرَ استعمالا في مجال العلاج الإشعاعي. ويتم إنتاجها من خلال قذف هدف بحزم من الإلكترونات التي تتراوح طاقتها بين 10keV و50MeV. بعد اصطدام الإلكترونات بالهدف، تنبعث كمية كبيرة من الطاقة على شكل حرارة (أكثر من %99)، بالإضافة إلى نسبة ضئيلة من الأشعة السينية (أقل من %1) [1].

هناك نوعان من الأشعة السينية، ويختلف باختلاف نوع التفاعل: «الأشعة السينية المميزة-Characteristic X rays » و«الأشعة السينية الانكباحية-Bremsstrahlung X rays ». تنتج الأشعة السينية المميزة عن تفاعل الإلكترون المقذوف مع إلكترونات المادة الهدف، حيث تقتلع طاقة التصادم أحد إلكترونات المادة الهدف من مساره مخَلِّفة فجوة مكانه. بعدها، ينزل أحد إلكترونات المستويات الأعلى لملء هذه الفجوة محررًا معه طاقة -تساوي الفرق الطاقي بين المستويين- على شكل فوتون (الشكل 1).

الشكل1: ظاهرة انبعاث الأشعة السينية المميزة

أما الأشعة السينية الانكباحية، فتنتج عن تفاعل الإلكترون مع المجال الكهربي لنواة الذرة. فبعد دخول الإلكترون للمجال الكهربي للنواة، يتباطأ الإلكترون محررًا معه ما فوتونًا بطاقة تتراوح بين الصفر والطاقة الحركية للإلكترون المقذوف (الشكل 2) [1].

الشكل2: ظاهرة انبعاث الأشعة السينية الانكباحية

وتختلف عملية إنتاج الأشعة السينية حسب الطاقة المراد تحصيلها. حيث ينتِج «أنبوب الأشعة السينية-X-ray tube» إشعاعات ذات طاقة منخفضة (أصغر من keV100). بينما يستعمَل المُسرِّع الخطي في إنتاج إشعاعات عالية الطاقة (أكبر من MeV1). بالنسبة لأنبوب الأشعة السينية، يتم تسخين سلك معدني من أجل إضعاف طاقة الربط بين ذرات السلك والإلكترونات الخارجية لهذه ذرات. بعدها، يطبَّق فرق جهد بين السلك والمادة الهدف من أجل توجيه هذه الإلكترونات نحو الهدف لخلق التفاعل (الشكل 3). وبما أن كمية كبيرة من الحرارة تنتج عن هذا التفاعل، فإن أنبوب الأشعة السينية يكون دائما مصحوبًا بنظام تبريد، بالإضافة إلى مولّد من أجل تطبيق فرق الجهد. بالنسبة للمسرع الخطي، فقبل أن تصل الإلكترونات إلى الهدف، يتم تطبيق نظام لتسريع الإلكترونات حتى تصل لطاقات عالية من أجل الحصول على أشعة سينية ذات طاقة عالية [1].    

الشكل3: أنبوب الأشعة السينية

الإلكترونات

يعتمد إنتاج حزم الإلكترونات المستعملة في العلاج بالإشعاعي على نفس المبدإ الذي يقوم عليه إنتاج الأشعة السينية، فبعد تحرير الإلكترونات من مداراتها بتسخين سلك معدني، يتم تسريعها إلى أن تصل إلى الطاقة المرغوب استعمالها في العلاج. وتتم عملية التسريع باستعمال مسرعات خطية، حيث تتّبِع الإلكترونات مسارًا مستقيمًا تتسارع فيه بفضل الطاقة التي تستمدها من موجات لاسلكية قصيرة ينتجِها ما يسمى بموجه الموجة. وعادة ما تستعمَل نفس الآلة من أجل إنتاج حزم الإلكترونات والأشعة السينية. حيث يوضع هدف في مواجهة الإلكترونات المُسَرّعة من أجل إنتاج الأشعة السينية، في حين تتم إزالتها في حالة إنتاج الإلكترونات [1].

أشعة غاما

تستعمل أشعة غاما في العلاج الإشعاعي باستغلال خاصية الانحلال الإشعاعي لبعض المواد المشعة. حيث تتحول نواة أصلية إلى نواة متولدة مثارة من خلال التحلل بيتا. ثم تتخلص النواة المثارة من الطاقة الزائدة من خلال بعث أشعة غاما (التحلل غاما). ويعتبر الكوبالت-60 المادة الأكثر استعمالًا نظرًا لميزاته التي تناسِب عملية العلاج الإشعاعي، حيث يملك طاقة عالية ونشاطًا إشعاعيًا كبيرًا بالإضافة لعمر نصف طويل نسبيًا (أكثر من خمس سنوات) [1].

يغلَّف المنبع المشع في كبسولة فولاذية مقاومة للصدإ، ويوضع داخل جهاز للعلاج الإشعاعي الخارجي مخصص لهذا الغرض. ويتكون الجهاز بشكل رئيسي من المنبع المشع، وحامل لهذا المنبع، بالإضافة إلى مسدد الحزم الذي يحدد الحقل الإشعاعي. يتموضع المنبع في حامل المنبع المصنوع من الفولاذ والرصاص من أجل منع الإشعاعات من التسرب خارجًا. ويمكن تحريك المنبع المشع نحو الفتحة التي ينبعث منها الإشعاع أثناء عملية العلاج بفضل جهاز تحريك يعمل ككابس (الشكل 4) [1].

الشكل 4: جهاز للعلاج الإشعاعي البعادي

حاليًا، تم استبدال هذه الأجهزة بالمسرعات الخطية نظرًا لأن هذه الأخيرة أكثر عملية وأقل كلفة [1].

البروتونات والنيوترونات والأيونات الثقيلة

تستعمِل عدة مراكز في العالم الجسيمات الثقيلة، بما فيها البروتونات والنيوترونات والأيونات الثقيلة كالهيليوم والكربون، في العلاج الإشعاعي. وتتميز هذه الجسيمات بفعالتيها في علاج الورم السرطاني مع الحفاظ على الأعضاء المعرضة للضرر  مقارنة بالإلكترونات والأشعة السينية وأشعة غاما. لكن كلفتها باهضة مقارنة بهذه الأخيرة[1].

ومن أجل إنتاج هذه الجسيمات الثقيلة، يستخدَم المسرع الدوراني الذي يسرِّع الجسيمات على طول مسار لولبي. توجَه الجسيمات داخل غرفتين نصف دائريتين مفرغتين من الهواء وخاضعتين لمجال مغناطيسي ثابت. تفصل الغرفتان فجوة خاضعة لمجال كهربي. حيث يسرِّع المجال الكهربي الجسيمات، بينما يغير المجال المغناطيسي مسارها. وهكذا، فإن الجسيمات تنحرف داخل إحدى الغرفتين في مسار دائري. وحين تصل إلى الفجوة تتسارع إلى أن تتجاوزها، ثم تدخل الغرفة المقابلة -حيث تكون سرعة الجسيمات ثابتة- متتبعة مسارا دائريا إلى أن تعود للفجوة مرة أخرى فتتسارع من جديد. وهكذا دوايك إلى أن تصل إلى الطاقة المطلوبة (الشكل 5) [1]. 

الشكل 5: مبدأ عمل المسرع الدوراني

في النهاية، مهما كان النوع المستخدم في عملية العلاج، فإن الدور الأهم في تحديد فعالية العلاج يبقى لعملية تخطيط العلاج.

المصادر

       [1] Radiation Oncology Physics : A Handbook for Teachers and Students

كيف يتم العلاج بالأشعة؟

من أجل إزالة الأورام الخبيثة ، يخضع مرضى السرطان إما للجراحة أو للعلاج الكيماوي أو للعلاج بالأشعة. وغالبا ما تجتمع طريقتان معا أو الطرق الثلاث كلها في علاج أحد المرضى، كأن تُتبَع الجراحة بعلاج إشعاعي من أجل إزالة الأورام الميكروسكوبية. وينقسم العلاج بالأشعة إلى قسمين علاج خارجي وآخر موضعي. يتلقى المريض في الأول حزمًا من الإشعاعات تنبثق من مصدر خارج الجسم. بينما يتم إدخال مادة مشعة داخل جسم المريض في العلاج الموضعي. في هذا المقال، سنركز على العلاج الخارجي وعلى المراحل المُتَّبَعة في هذا العلاج.

كيفية العلاج بالأشعة

يتعرض المريض خلال علاجه بالأشعة إلى حزم من الإشعاعات التي تختلف في نوعها بين فوتونات وإلكترونات وبروتونات ونيوترونات وأيونات خفيفة. لكن، تبقى الفوتونات والإلكترونات الأكثر استخدامًا نظرُا لسهولة إنتاجها مقارنة ببقية الأنواع.  وتتم عملية العلاج عبر عدة مراحل تبدأ بقرار المعالجة وتنتهي بتلقي المريض للعلاج. ويعتبر وضع الخطة العلاجية أهم مرحلة في عملية العلاج، حيث يأخذ أطول مدة في عملية الإنجاز (10 أيام في المتوسط).

قرار المعالجة

تتم عملية العلاج عبر عدة جلسات يتعرض خلالها المريض إلى حزم إشعاعية من أجل أن يتلقى الجرعة الكافية لحصول العلاج. ويعد تقسيم الجرعة الكلية على جلسات أمرًا محوريًا لضمان تعافي الأنسجة السليمة المحيطة بالورم بعد كل جلسة. ويحدد طبيب متخصص في العلاج بالأشعة الجرعة الكلية اللازمة للعلاج، بالإضافة إلى عدد الجلسات ونوع التقنية التي ستستعمل في العلاج[1]. 

تثبيت المريض

يثبت المريض في وضع مريح وقابل للتكرار من أجل اعتماد هذا الوضع في جلسات العلاج. وفي بعض الحالات، يستعين الطبيب ببعض وسائل التثبيت كقناع الرأس (الشكل 1).

الشكل 1: تثبيت المريض بواسطة قناع الرأس

 بعد الحصول على الوضعية المناسبة، يقوم أحد التقنيين بوشم المريض في عدة نقاط من أجل الاعتماد عليها في تكرار الوضعية العلاجية للمريض في مرحلة العلاج. ثم يأتي بعدها دور التصوير المقطعي، حيث تُأخذ صور للمريض بتقنية «التصوير المقطعي المحوسب-Computed Tomography» من أجل استعمالها خلال مرحلة وضع الخطة العلاجية. وتُعتمد هذه الصور من أجل ترسيم مكان الورم بالإضافة إلى الأنسجة السليمة المتوقع تضررها المحيطة بالورم. لذلك، فإن التقني المكلف يضع علامات معدنية أو أسلاك على المريض تظهر على شكل نقاط في الصور المقطعية حتى تساعد على تحديد مكان الورم وحدوده (الشكل 2) [2].

الشكل 2: ظهور العلامات المعدنية في الصور المقطعية

وضع الخطة العلاجية

توضع الخطة العلاجية باستخدام «نظام تخطيط المعالجة (TPS)-Treatment Planning System» من أجل تحديد الخطة الأنسب لعلاج الورم مع الأخذ بعين الاعتبار للأنسجة السليمة التي تحيطه. فبعد الحصول على الصور المقطعية للمريض، تُرسل الأخيرة إلى نظام تخطيط المعالجة. ثم يُرَسِّم الطبيب المعالج حدود الورم وحدود الأنسجة المحيطة به في كل مقطع تشريحي (الشكل 3). وتتلخص الحجوم التي يُحددها الطبيب المعالج كالتالي:

  • «الحجم الإجمالي للورم (GTV)-Gross Tumor Volume»، ويشمل الورم المرئي بالإضافة إلى امتداداته المجهرية. «الحجم السريري للورم (CTV)-Clinical Tumor Volume»، ويشمل GTV بالإضافة إلى بعض الامتداد التي لا يمكن كشفها حتى بالمجهر.
  • «الحجم المستهدف (PTV)-Planning Target Volume»، ويضم CTV مع هامش محيطي لتعويض عدم الدقة الهندسية، والتي قد تنشأ بسبب حركة المريض (خلال عملية التنفس) أو بسبب تغير في CTV (اختلاف في درجة امتلاء المثانة) أو غيرها.
  • «الأعضاء المعرضة للخطر (OAR)-Organs At Risk» أو ما يسمى بالبنيات الحرجة، وهي الأنسجة المحيطة بالورم والتي تعتبر حساسة للإشعاع مثل النخاع الشوكي.
الشكل 3: ترسيم حدود الحجوم على الصور المقطعية

بعد عملية ترسيم الحدود، يحدد فيزيائي متخصص بالفيزياء الطبية الحزم الإشعاعية المستعملة (عددها وشكلها وطاقتها…) ويتأكد من أنها تنطبق على شكل الورم (الشكل 4). ثم يقوم بحساب توزع الجرعة التي على مختلف الحجوم بواسطة  خوارزميات خاصة مرفقة مع نظام تخطيط المعالجة (TPS) [1][2].

الشكل 4: حساب توزيع الجرعة بواسطة نظام تخطيط المعالجة (TPS)

تقييم الخطة العلاجية

تقيم الخطة العلاجية من خلال التأكد أن الورم قد تلقى الجرعة الموصوفة دون أن تتجاوز جرعة الأعضاء المعرضة للخطر الحد المسموح به. ويتم هذا من خلال «منحينات توزيع الجرعة (الجرعة-حجم)-Dose Volume Histograms» التي تبين الجرعة التي تلقاها كل جزء من حجم  الورم أو أحد الأعضاء المعرضة للخطر (الشكل 5).

الشكل 5: تقييم الخطة العلاجية من خلال منحنى توزيع الجرعة

تنفيذ العلاج

يجري تنفيذ العلاج بواسطة مسرع خطي طبي يقوم بإنتاج الفوتونات أو الإلكترونات بطاقات متفاوتة. بعد إدخال نوع الإشعاع و شكل الحزم وغير ذلك من المدخلات التي تم تحديدها في الخطة العلاجية، يتأكد الطبيب والفيزيائي وأحد التقنيين من وضع المريض في الوضعية العلاجية بدقة لتبدأ عملية العلاج [1].

المصادر

[1] قييم قياس الجرعة في المعالجة الإشعاعية لكامل الثدي باستخدام تقنيتي حقل ضمن حقل FIF والوتد الصمب HWلسرطان الثدي المبكر

[2] الموسوعة العربية | المعالجة الإشعاعية للأورام 

كواشف الإشعاعات النووية

تعدد استعمال كواشف الإشعاعات النووية بدءا بالاستعمال الطبي إلى المفاعلات النووية. وبسبب اتساع نطاق الطاقة المستعمل في هذه المجالات، وجب استعمال كواشف ملائمة لكل مجال على حدة. فماهي أهم أنواع كواشف الإشعاعات النووية؟ وكيف تعمل هذه الكواشف؟

كواشف الإشعاعات النووية

تستعمل كواشف الإشعاعات النووية من أجل قياس النشاط الإشعاعي لعينة ما أو من أجل التأكد من وجود نشاط إشعاعي مرتفع في منطقة ما. وتعمل هذه الكواشف كمستشعرات للإشعاعات النووية، حيث يؤدي امتصاص الإشعاع داخل الكاشف إلى نشوء إشارة قابلة للقياس. وحسب نوع هذه الإشارة وكيفية حدوثها، يمكننا تقسيم الكواشف إلى ثلاثة أنواع: الكواشف المملوءة بالغاز وكواشف أشباه النواقل والكواشف الوميضية [1].

الكواشف المملوءة بالغاز

تقوم «الكواشف المملوءة بالغاز-Gas Filled Detectors» على قياس التيار الكهربائي الذي ينتج عن تفاعل الإشعاعات مع الغاز. وتتكون هذه الكواشف من أسطوانة مليئة بالغاز يخترقها سلك من محورها المركزي. ويعمل هذا السلك كقطب كهربائي حيث يتم تطبيق فرق جهد كهربي بينه وبين جدار الأسطوانة من أجل التقاط الشحنات والحصول على تيار كهربائي. فحينما يمتص الغاز إشعاعًا نوويًا، تنتقل الطاقة إلى إلكترونات الذرات التي تُكوِّن هذا الغاز. فتتحرر الإلكترونات (سالبة الشحنة) من مداراتها مخلفة وراءها أيونات موجبة (الذرات التي سُلِبت إلكتروناتها)، وهو ما يعرف بالزوج الأيوني (الأيون+الإلكترون). عند تطبيق فرق جهد بين السلك وجدار الأسطوانة، تنجذب الإلكترونات نحو القطب الموجب، بينما تنجذب الأيونات نحو القطب السالب متسببة في ظهور تيار كهربائي يمكن قياسه [1].

وحسب قيمة فرق الجهد المطبق، يمكن تمييز عدة أصناف من الكواشف المملوءة بالغاز. فحين يكون فرق الجهد منخفضًا، لا تنجح الشحنات في بلوغ القطبين، بل تلتحم مع بعضها لتعود ذرات محايدة مجددًا. ومع زيادة فرق الجهد، تنجح مزيد من الشحنات في الوصول إلى القطبين إلى أن تصير كلها قادرة على الوصول إلى القطبين عند تجاوز فرق جهد معين. وفي هذا المجال، يدعى الكاشف «غرفة تأين-Ionization Chamber »[2].

في حال الاستمرار في زيادة الجهد، تصير الإلكترونات التي أنتجها الإشعاع قادرة على إنتاج أزواج أيونية جديدة تسهم بدورها بإنتاج أخرى. تساعد هذه الشحنات الثانوية في تضخيم التيار الكهربائي الذي تكون شدته متناسبة مع طاقة الإشعاع الممتص. ويدعى الكاشف عندها «عدادًا تناسبيًا-Proportional Counter»[2].

مع زيادة فرق الجهد، يظل عدد الأزواج الثانوية في الازدياد إلى أن يصل إلى مرحلة يصير فيها عدد الأزواج المنتجة غير مرتبط بطاقة الإشعاع. ويسمى الكاشف في هذه المنطقة بـ «عداد جيجر مولر-Geiger Mueller Counter»[2].

الشكل1: نطاقات عمل الكواشف المملوءة بالغاز بدلالة الجهد المطبق

كواشف أشباه النواقل

تتبع «كواشف أشباه النواقل-semiconductor detectors» نفس المبدإ الذي تقوم عليه الكواشف المملوءة بالغاز. حيث ينتج الإشعاع تيارًا كهربائيًا مع وجود فرق جهد في طرفي الكاشف. وبسبب البنية البلورية لأشباه النواقل، تختلف الشحنات التي يخلفها الإشعاع عن تلك التي تكون بكواشف الغاز. فبدل الزوج الأيوني، تتأين كواشف أشباه النواقل مشَكِّلة الزوج إلكترون-ثقب. ذاك أن الإلكترونات في البنيات البلورية، تتموضع في نطاقات من الطاقة تفصل بينها فجوات يحظر على الإلكترون التواجد بها. وتحدث ظاهرة التأين حين ينتقل الإلكترون من آخر نطاق مرتبط بالذرة –وهو ما يعرف بنطاق التكافؤ- إلى نطاق التوصيل الذي يكون فيه الإلكترون حرًا. يترك الإلكترون خلال عملية الانتقال هذه ثغرة تسمى الثقب والتي يمكن اعتبارها شحنة موجبة تقابل الأيون الموجب في الغاز. وفي وجود مجال كهربائي ناتج عن فرق الجهد، تنطلق الشحنتان في اتجاهين متعاكسين لتوليد تيار كهربائي قابل للقياس [3].

الشكل 2: نطاقات الطاقة في أشباه النواقل

الكواشف الوميضية

تقوم «الكواشف الوميضية-Scintillation Detectors » على ظاهرة الوميض التي تحدث لبعض المواد حيث تبعث الضوء بشكل فوري حين تستقبل إشعاعًا ما. وعلى المستوى الذري، فإن ذرات هذه المواد التي تكون مثارة بسبب الإشعاع تعود إلى حالتها المستقرة من خلال التخلص من الطاقة الزائدة على شكل انبعاثات ضوئية. ومن أجل كشف هذا الوميض، ترتبط هذه المواد بـ «أنابيب المضاعفة الضوئية-Photomultiplier tubes» التي تعمل على تحويل الضوء إلى تيار كهربائي قابل للقياس. فحين يدخل الضوء لهذه الأنابيب، يتفاعل مع «مهبط ضوئي- photocathode» يحول الإشعاع الضوئي إلى إلكترونات باستعمال ظاهرة التأثير الكهرضوئي. بعدها، تدخل هذه الإلكترونات إلى «مضاعف الإلكترونات-Electron Multiplier» الذي يقوم بمضاعفة كمية الإلكترونات من أجل زيادة شدة التيار الكهربائي التي تكون ضعيفة في البداية [2].

في النهاية، إذا كنت مصابًا برهاب الإشعاعات النووية، ولا حيلة لك في معرفة مكان تواجدها. فكل ما عليك هو أن تحمل مادة وميضية أينما ذهبت، وتطلق ساقيك للريح كلما رأيت وميضًا ينبعث منها.

المصادر

[1] Nuclear Medicine Physics: A Handbook for Teachers and Students

[2] Principes de radioprotection – réglementation

[3] An Introduction to Radiation Protection

كيف يتم قياس الجرعة الإشعاعية ؟

يعتبر قياس الجرعة الإشعاعية أولوية في المجال الطبي، حيث يمكن لأصغر خطأ في القياس أن يؤثر بشكل كبير على حياة مريض أو يودي بحياته. ومما يزيد الطين بلة، أنه لا يحس بهذه الجرعات التي يتلقاها أثناء عملية العلاج الإشعاعي حتى وإن كانت قاتلة. فما هي الجرعة الإشعاعية؟ وكيف يتم قياسها؟

مفاهيم أساسية في قياس الجرعة الإشعاعية

تم إرساء مجموعة من المفاهيم في علم  قياس الجرعات من أجل قياس الآثار البيولوجية للإشعاعات على الأجسام الحية، بالإضافة إلى قياس الطاقة التي تخلفها هذه الإشعاعات في الجسم المتعرض لها.  

الجرعة الممتصة

تمثل «الجرعة الممتصة (D)-Absorbed Dose» كمية الطاقة التي يمتصها كل كيلوغرام من وسط ما إثر تعرضه لمختلف أنواع الإشعاعات النووية. وتقاس هذه الكمية بوحدة «الغراي-Gray» التي تكافئ جولا واحدًا من الطاقة لكل كيلوغرام [1].

الجرعة المكافئة

تم استحداث مفهوم «الجرعة المكافئة (H)-Equivalent Dose» من أجل الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأثر البيولوجي باختلاف نوع الإشعاع. فالتعرض لنفس الجرعة الممتصة لا يعني بالضرورة إلحاق نفس الضرر بالأنسجة البيولوجية. ويلعب نوع الإشعاع دورًا مهمًا في تحديد درجة الضرر. فمثلًا، نجد أن 0.5 غراي من إشعاعات ألفا تعادل 1 غراي من إشعاعات غاما من حيث أثرها البيولوجي على الخلايا الحية [1].

وللحصول على الجرعة المكافئة، يجب ضرب الجرعة الممتصة في معامل يدعى «العامل المرجح للإشعاع (WR)- «radiation weighting factor والذي يعكس قابلية نوع محدد من الإشعاع على إحداث ضرر بيولوجي. وتتعلق قيمة WR بكثافة التأيين (فقدان الذرة لأحد إلكتروناتها) الذي يسببه الإشعاع. فعلى سبيل المثال، نجد أن 1=WR لدى جسيمات ألفا التي تنتج كمية هائلة من الأيونات المنتَجَة على طول مسارها في الجسم (مليون زوج أيوني لكل ميليمتر). بينما تأخذ  قيمة 1=WR عند جسيمات بيتا التي تنتج حوالي 10 آلاف زوج أيوني (أيون موجب وآخر سالب) لكل ميليمتر [1].

وتقاس الجرعة المكافئة بوحدة «السيفرت (Sv)-Sievert » في النظام المعياري الدولي [1].

الجرعة الفعالة

تختص الجرعة الفعالة في كونها تأخذ بعين الاعتبار النسيج الذي يحدث فيه التفاعل مع الإشعاع. فلكل نسيج أو عضو من أعضاء الجسم، حساسية مختلفة للإشعاع، حيث تتضرر بعض الأجهزة في الجسم أكثر من غيرها عند التعرض لنفس الجرعة. وتساوي الجرعة الفعالة مجموع الجرعات المكافئة لكل نسيج (HT) مضروبة في «العامل المرجح للنسيج (WT)-The tissue weighting factor» الذي يمثل احتمالية تضرر كل عضو [1].

حيث تمثل DTR الجرعة الممتصة التي يتلقاها النسيج T من الإشعاع ذي النوع R. وتقاس الجرعة الفعالة أيضا بوحدة السيفرت (Sv)

كخلاصة لما سبق، يمكن القول إن الجرعة الممتصة هي الجرعة الفيزيائية التي تم امتصاصها. بينما تعبر الجرعة المكافئة على الضرر البيولوجي لنسيج أو عضو ما. وتمثل الجرعة الالذي يلحق فردًا ما [1].

تقنيات قياس الجرعة الإشعاعية

تتعدد التقنيات المستخدمة في قياس الجرعة الإشعاعية. وتشمل تلك التي تقيس الجرعة في نقطة واحدة، والتي تقدم قياسات في مساحة معينة (على بعدين)، والتي تعطي قياسًا في حجم محدد (ثلاثية الأبعاد). وسنقتصر في هذا المقال على بضعة تقنيات، منها ما يقيس على نقطة واحدة، ومنها ما يقيس على بعدين.

تقنية قياس كمية الحرارة

يقوم مبدأ «تقنية قياس كمية الحرارة-Calorimetry» على الجرعة الممتصة تتحول إلى حرارة في بعض المواد كالغرافيت والماء. وبالتالي يمكن أن نستنتج الجرعة الممتصة من خلال قياس تغير درجة الحاصل للمادة بعد تعرضها للإشعاعات. ويُقاس تَغيُّر درجة الحرارة باستعمال مقاومات حرارية (أنصاف نواقل) تغيِّر من مقامتها بتَغيُّر درجة الحرارة. وهذه التقنية لا تستعمل من أجل أخذ القياسات الروتينية في المجال الطبي، بسبب بطئها في إعطاء النتائج، حيث يجب الانتظار حتى يصل النظام إلى توازن حراري [2].

المقاييس الكيميائية

بالنسبة «للمقاييس الكيميائية-Chemical dosimetry»، تُحدَّد الجرعة من خلال قياس التغير الكيميائي الحاصل في محلول بعد تعرضه للإشعاعات. ويعتبر «مقياس فريكي-Fricke dosimeter» الأكثر شهرة وشيوعًا، حيث يستخدم محلولا يحتوي كبريتات الحديد II التي تتأكسد عند تعرضها للإشعاع متحولة إلى  أيونات الحديد III. وتحدِّد كمية هذا الأخير الجرعة التي تم امتصاصها في المحلول [3].

حجيرات التأين

يقوم مبدأ «حجيرات التأين-Ionization chambers» على قياس الجرعة من خلال قياس طاقة الأيونات التي تتركها الإشعاعات أثناء مسارها في الجهاز. وتتكون حجيرة التأين من وعاء مليء بالغاز يخترقه عمود من الألمنيوم. ويشكل هذا الأخير مع غشاء الوعاء قطبين من أجل تطبيق فرق الجهد اللازم لعمل الجهاز [3].

بعد أن تتجاوز الإشعاعات حجيرة الغاز، تتأين ذرات هذا الأخير مشكلة زوجًا أيونيًا، حيث يتحرَّر أحد إلكترونات الذرة ذي الشحنة السالبة فتصير الذرة موجبة الشحنة، ويكَوِّنان معًا زوجا أيونيًا. وحتى لا تجتمع الأيونات الموجبة مع السالبة مجددًا، يتم تطبيق فرق جهد بين قطبي الجهاز، فتنجذب الأيونات السالبة نحو القطب الموجب والأيونات الموجة نحو القطب السالب. وتؤدي هذه الحركة إلى نشوء تيار كهربائي تتعلق شدته بالجرعة الممتصة [3].

أفلام التصوير

تستخدم أفلام التصوير من أجل إجراء قياس إشعاعي ثنائي البعد وهو ما يميزها عما سبق من التقنيات. ويتكون فيلم التصوير من طبقة بلاستيكية يغطيها طلاء يحتوي بلورات بروميد الفضة الحساسة للإشعاعات. عند تعرضها للإشعاع، تتأين بلورات بروميد الفضة مما يؤدي إلى اسمرار الفيلم بعد تحميضه. وتتناسب شدة الاسمرار -التي تقاس من خلال مقياس للكثافة الضوئية- مع مقدار الجرعة الممتصة [2].

كواشف التألق الحراري

تقوم «كواشف التألق الحراري (TLD)-Thermoluminescent dosimeter» على استخدام مواد بلورية قادرة على تخزين الطاقة التي تمتصها فيما يعرف بالأفخاخ الإلكترونية المنتشرة في بنيتها البلورية. وتتحرر الطاقة المخزنة بشكل تلقائي بعد مدة معينة على شكل ضوء. ومن أجل تسريع عملية تحرير الطاقة يتم تسخين هذه الكواشف، فتنبعث إشعاعات ضوئية يمكن الكشف عنها باستخدام أنبوب مضاعف ضوئي يحول الضوء إلى تيار كهربائي [2] [3].

كواشف أنصاف النواقل

تعتمد هذه التقنية على خصائص أنصاف النواقل في قياس الجرعة، حيث يؤدي التعرض للإشعاع إلى خلق فرق جهد داخل بنية الجهاز. يمَكِّن فرق الجهد هذا من إنتاج تيار كهربائي يتناسب مع الطاقة الممتصة في الكاشف [3].

المصادر

[1] An Introduction to Radiation Protection  

[2] Manufacturing of different gel detectors and their calibration for spatial radiation dose measurements

[3] Review of Radiation Oncology Physics: A Handbook for Teachers and Students 

استعمال مادة البولونيوم المشع في الاغتيالات السياسية

في سنة 2006، وبالتحديد في الأول من نوفمبر، حدث أول اغتيال سياسي باستعمال مواد مشعة. وكان العميل السابق في الاستخبارات الروسية ألكساندر ليتفينينكو الذي هرب من بلاده وصار يفضح سياسات بلاده غير الأخلاقية الضحية لهذه الجريمة. استعملت روسيا في تنفيذ هذا الاغتيال أندر وأفتك سم على الإطلاق: وهو مادة البولونيوم المشع. فما هو هذا السم؟ وكيف يؤثر على جسم الإنسان؟ وكيف تم استخدامه في اغتيال ألكساندر ليتفينينكو؟

ما هي مادة البولونيوم المشع؟

ينتج البولونيوم المشع عن التحلل الإشعاعي لمادة اليورانيوم-238. ويعتبر من أندر المواد الموجودة في الطبيعة. حيث نجد فقط 0.0001 غرام من البولونيوم المشع (Po-210) في طن من اليورانيوم الخام. ويعتبر هذا العنصر شديد النشاط إشعاعيًا، إذ يبلغ النشاط الإشعاعي لغرام واحد فقط من هذه المادة1 661 014Bq . ويبعث Po-210 جسيم ألفا أثناء تحلله بطاقة تصل إلى 5.304MeV وبزمن نصف (المدة الازمة لتحلل نصف الكمية) يقدر بـ 140 يومًا. ويتم تصنيع هذه المادة في المفاعلات النووية من أجل استخدامها في بعض الصناعات. ولا تتجاوز الكمية التي ينتجها العالم من البولونيوم المشع 100 غرام في السنة، لذلك فنادرًا ما نسمع بتسمم أحدهم بالبولونيوم المشع [1].

سمية البولونيوم المشع

لا تنشأ سمية البولونيوم المشع عن تفاعل كيماوي مع جسم الإنسان بل عن الإشعاعات التي يبعثها، والتي قد تؤدي إلى الموت خلال أيام أو أسابيع. و يعتبر البولونيوم المشع أفتك السموم على الإطلاق. حيث تزيد سُمِّيتُه بحوالي 250 مليار مرة عن سُمِّية سيانيد الهيدروجين الذي يُستعمل في صناعة الأسلحة الكيماوية. ويكفي غرام واحد من البولونيوم المشع لقتل 50 مليون شخص وللتسبب في إصابة 50 مليون آخرين. وبالنسبة لشخص واحد، فتكفي كمية أقل بمليون مرة (بحجم ذرة غبار) للتسبب بمقتله. ولحسن الحظ، فإن هذا السم لا يشكل خطرا إلا عند ابتلاع السم أو استنشاقه. ويرجع هذا إلى عدم قدرة الإشعاعات ألفا التي يبعثها على اختراق المادة، حيث تنجح قطعة ورق في إيقاف هذا الإشعاع [2].

ويؤدي التعرض لإشعاعات ألفا التي يبعثها البولونيوم إلى تضرر الحمض النووي وبالتالي موت الخلية أو التسبب في أضرار غير قابلة للإصلاح فيها. وكلما زادت الجرعة زادت معها كمية الخلايا المتأثرة بالإشعاعات وبالتالي زادت معها سرعة التأثر التي قد تمتد من بضع دقائق إلى عدة أسابيع قبل أن يفقد الشخص حياته [2].

آثار البولونيوم على الجسم

يتلقى جسم الإنسان  نسبة قليلة من البولونيوم المشع الطبيعي عن طريق الطعام. ولا تشكل هذه النسبة أي خطر على جسم الإنسان لأنها لا تصل إلى الجرعة القادرة على إحداث الضرر. ويسبب التدخين رفع الجرعة التي يمتصها الجسم من هذه المادة، حيث يراكم البولونيوم المشع في الرئتين، مما قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة [2].

وفي حالة التسمم بالبولونيوم، فإنه يتركز في خلايا الدم قبل أن ينتشر بعدها إلى الكبد و الكلى والنخاع العظمي وباقي الأعضاء الأخرى. وتتجلى أعراضه في الغثيان والقيء وفقدان الشهية بادئ الأمر. ثم تتطور فتشمل تساقط الشعر وانخفاض عدد الخلايا البيضاء والإسهال وتلف النخاع العظمي. بعد ظهور هذه الأعراض، يبدأ المريض الشعور بالتعافي، لكن النخاع العظمي يستمر بالتضرر متسببًا في انخفاض عدد الكريات البيضاء وبالتالي ضعف مناعة الجسم. في النهاية، تنتشر آثار الإشعاعات في مختلف أجهزة الجسم بما في ذلك الجهاز الهضمي والجهاز القلبي الوعائي. وحين يصل الأثر إلى الجهاز العصبي تموت الضحية [2].

اغتيال ألكساندر ليتفينينكو

كان ألكساندر ليتفينينكو ضابطا في جهاز الاستخبارات السوفييتي ثم عميلا في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قبل أن يتحول إلى صف المعارضة ويطلب اللجوء في بريطانيا. وكان عمله منكبا على فضح السياسات الإرهابية لروسيا. حيث تم اغتياله أثناء تحقيقه في علاقات بين إسبانيا والمافيا الروسية بعد عدة محاولات فاشلة.

ألكساندر ليتفينينكو قبل وبعد تسممه

محاولات الاغتيال

وكانت المحاولة الأولى في 16 أكتوبر 2006 حين التقى ألكساندر ليتفينينكو بالعميلين الروسيين أندريه لوغوفوي وديمتري كوفتون. ادعى لوغوفوي أنه شريك تجاري يقدم المشورة للشركات التي تسعى للاستثمار في روسيا. وبعدما طلبوا الشاي، أفرغ المشتبه فيهم –حسب ما تقوله بريطانيا-السم في كأس ألكساندر ليتفينينكو. لكن هذا الأخير لم يشرب كأسه ذلك اليوم. بعد هذه المحاولة الفاشلة، دبر أندريه لوغوفوي لقاء مع ألكساندر ليتفينينكو لكنه لم ينجح في وضع السم في إبريق الشاي [3].

العميلان المشتبه فيهما أندريه لوغوفوي وديمتري كوفتون

في 1 نوفمبر 2006، نجح العميلان في جعل المعارض ألكساندر ليتفينينكو يشرب الشاي المسمم. أحس بعدها ألكساندر ليتفينينكو بغثيان وتوعك في جسمه ثم أخذ للمشفى قبل أن يلقى حتفه بعد 21 يوما من تسميمه [4].

إبريق الشاي الذي تسمم به ألكساندر ليتفينينكو

اتهام روسيا

واتهمت السلطات البريطانية روسيا بضلوعها في عملية الاغتيال، لكن روسيا أنكرت أية علاقة لها بالأمر. ويرجع هذا الاتهام إلا استحالة الحصول على المادة من قبل المشتبه فيهما إلا بمساعدة السلطات الروسية. بعد عشر سنوات من الحادثة أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق النسان ما توصلت إليه بريطانيا من تحقيقات حول اغتيال ألكساندر ليتفينينكو لكن روسيا رفضت تسليم أي من المشتبه بهم [4].

وبتتبع أثر الإشعاعات، استطاع المحققون كشف الأماكن التي زارها المشتبه فيهما خلال جميع محاولاتهما لاغتيال ألكساندر ليتفينينكو. ذاك أن آثار الإشعاع كانت منتشرة في كل بقعة لمساها. ويبدو أن المشتبه فيهما لم يكونا على علم بأن السم إشعاع. ويتبدّى ذلك واضحًا من خلال تعاملهما مع السم، حيث كانا يتخلصان منه في حمام الفنادق التي أقاما فيها عحين لا تنجح خطة الاغتيال. وقد وصف تصرفهما مع هذا الفتاك بالانتحراري [3].

في النهاية، إذا حالفك الحظ وتم اغتيالك بسم البولونيوم المشع، فتذكر أنك تموت بأندر وأنفس مادة فتاكة على الإطلاق!

المصادر

[1] Impact du polonium 210 sur l’homme

[2] ?Polonium-210: Why is Po-210 so dangerous

[3] Alexander Litvinenko and the most radioactive towel in history

[4] Russia behind Litvinenko murder, rules European rights court – BBC News 

كيف تتفاعل الإشعاعات مع أجسامنا؟ وما هي الآثار التي تخلفها؟

مهما كان نوع الإشعاعات التي تتعرض لها أجسامنا، فإنها تتفاعل معها من خلال الطاقة التي تُخلفها في الخلايا البشرية. وتنتقل هذه الطاقة عبر الإلكترونات التي تنشأ على طول مسار الإشعاع مخلفة بذلك آثارًا تختلف باختلاف تفاعل الخلية مع الإشعاع. فكيف تتفاعل الخلية الحية مع الإشعاع؟ وما هي الآثار التي يسببها هذا التفاعل؟

طرق تفاعل الإشعاعات مع الخلايا الحية

تتفاعل الإشعاعات مع الخلايا الحية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ويستغرق التفاعل غير المباشر (10-18 ثانية) أضعاف ما يستغرقه التفاعل المباشر  (10-9 ثانية)  من الوقت من أجل إحداث الأثر البيولوجي. وللإشارة فقط، فإن هذه المدد الزمنية المذكورة لا تمثل الوقت اللازم لظهور الآثار البيولوجية على الجسم البشري، بل تمثل الوقت الذي تبدأ فيه التفاعلات بين الذرات والجزيئات. أما الوقت الذي يبدأ فيه موت الخلايا فإنه يستمر من بضع ساعات إلى عدة شهور. ويمتد الوقت الذي تبدأ معه الآثار البيولوجية بشكل ملاحظ من بضع ساعات إلى عدة سنوات. أما بالنسبة للآثار الوراثية، فقد تمتد إلى عدة أجيال [1].

الفعل المباشر

يشمل «الفعل المباشر-direct action» الذي تتركه الإشعاعات في الخلية الحية إثارة وتأيين الذرات، حيث تمتص إلكترونات الذرات طاقة الإشعاع فتحولها إلى طاقة حركية تساعدها إما على الانطلاق خارج مدارات الذرة (التأين)، أو على التموضع في المدارات الخارجية للذرة (الاستثارة) [1].

الفعل غير المباشر

يتمثل «الفعل غير المباشر-indirect action» في التأثير الذي تُحدِثه الجزيئات غير البيولوجية التي تفاعلت مع الإشعاع، حيث تتحول جزيئات الماء المتواجدة داخل الخلية إلى «جذور حرة-free radicals» بعد تأينها، ثم تتفاعل هذه الجذور مع الأجسام البيولوجية المحيطة بها [1].

الآثار المباشرة وغير المباشرة للإشعاعات

ويهيمن الضرر الذي يسببه الفعل المباشر على الضرر غير المباشر بالنسبة للجسيمات ذات  «نقل الطاقة الخطي-linear energy transfer» العالي كجسيم ألفا والنيوترونات. بينما يكون التأثير غير المباشر أكثر أهمية بالنسبة للجسيمات ذات نقل الطاقة الخطي الضعيف كالإلكترونات والفوتونات. وللتذكير فقط، فإن نقل الطاقة الخطي هو متوسط الطاقة الذي يحرره الإشعاع عند قطعه مسافة معينة داخل الوسط الذي يتفاعل معه. ويكون عاليا بالنسبة للجسيمات الثقيلة كالأيونات وجسيم ألفا ومنخفضًا بالنسبة للجسيمات الخفيفة كالإلكترونات مثلًا [1].

استجابة الخلايا الحية للإشعاع

تتفاعل الجسيمات الناتجة عن امتصاص طاقة الإشعاع مع مختلف الأجسام البيولوجية المحيطة بها. لكن يبقى التفاعل مع الحمض النووي هو المُسَبب الأول لضرر الخلية والذي قد يؤدي إلى موتها.

تضرر الحمض النووي

يؤدي تعرض الحمض النووي للإشعاعات إلى عدة أنواع من الإصابات، بعضها قابل للترميم والبعض الآخر غير قابل لذلك، إذ يتضرّر جانب واحد من لولبي الحمض النووي أو كلا الجانبين وغير ذلك من الإصابات التي قد تطرأ على الحمض النووي. وبفضل قدرته على الترميم، فإن عدد الإصابات التي تنتهي بالخلية إلى الموت قليل جدا مقارنة بالعدد الإجمالي للإصابات [1].

موت الخلية

عند فشل عملية الترميم،  ينتهي الأمر بالخلايا البيولوجية إما إلى الموت أو إلى فقدان قدرتها على الانقسام. ويحدث هذا إما بـ «الاستماتة-Apoptosis» أو بـ «النخر-necrosis» أو بـ «كارثة الانقسام- «mitotic catastropheأو بـ «الشيخوخة المستحثة-induced senescence». تنتحر الخلايا بشكل مبرمج في عملية الاستماتة، ويحدث هذا لبعض أنواع الخلايا عند تعرضها لجرعة منخفضة من الإشعاعات. بينما تموت الخلايا بالنخرـالذي ينتج عن فقدان الغشاء الخلوي لوظائفه- بعد التعرض لجرعة عالية. بالنسبة لفقدان القدرة على الانقسام الناتج عن كارثة الانقسام، فإنه يحدث عندما تدخل الخلايا مرحلة الانقسام الخلوي قبل أن تكمل عملية ترميم الحمض النووي. وتكون نسبة حدوثه أعلى في الوقت الذي يلي التعرض للإشعاع مباشرة. وتفقد الخلايا أيضُا قدرتها على الانقسام في الشيخوخة المستحثة، لكنها تبقى قادرة على القيام بوظائف التمثيل الغدائي [1].

آثر المتفرج

رغم عدم تعرضها للإشعاع، تتضرر الخلايا المجاورة لتلك التي تم إشعاعها، وهذا ما يعرف بـ «أثر المتفرج-bystander effect ». وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة، اقترح البعض أن الخلايا التي تتعرض للإشعاعات ترسل إشارات إلى قريباتها، فتبدأ هذه الأخيرة بالدخول في عملية الاستماتة أو ما يعرف بالموت المبرمج [1].

آثار الإشعاعات على الجسم البشري

تنتج آثار الإشعاعات الظاهرة على الجسم البشري عن تراكم الآثار التي تحدث لكل خلية. ويمكن تقسيم الآثار على المستوى الخلوي إلى قسمين: قسم يشمل الموت المبكر للخلية أو إيقاف أو تأخير عملية الانقسام، وقسم يتجلى في التغيرات الدائمة التي تتعرض لها الخلايا نتيجة للإشعاع، حيث تنتقل هذه التغيرات للخلايا الوليدة. وحسب هذين القسمين، نجد نوعين من الآثار التي قد يتعرض لها الجسم البشري: الآثار الحتمية والآثار العشوائية [2].

الآثار الحتمية

عند التعرض لجرعة من الإشعاعات، قد يؤدي موت الخلايا وإيقاف عملية الانقسام إلى نقص حاد في الخلايا التي يحتاجها أحد الأعضاء للقيام بوظائفه بشكل طبيعي. ولا تبدأ الأضرار في الظهور-في هذه الحالة- إلا حين تُجاوِز الجرعة عتبة محددة لهذا العضو حيث يكون عدد الخلايا المتضررة كبيرًا. وتزداد خطورة الضرر مع ارتفاع الجرعة التي يمتصها العضو. أما حين تكون الجرعة تحت العتبة المحددة، فلا يلحق أي ضرر بالأداء الوظيفي للعضو الذي تعرض للإشعاع. وهذا ما يسمى بـ «الأثر الحتمي- «Deterministic effect[2].

الآثار العشوائية

تحدث «الآثار العشوائية-stochastic effects» عندما تتغير الخلية بشكل دائم. ويؤدي هذا التغير إما إلى تطور مرض السرطان بالنسبة للفرد المُتعرِّض للإشعاع أو إلى ظهور آثار وراثية بالنسبة لخَلَفِ هذا الفرد. ويزداد احتمال حدوث هذا النوع من الآثار مع ارتفاع الجرعة التي يمتصها الجسم أثناء تعرضه للإشعاع [2].

المصادر

[1] Nuclear Medicine Physics | A Handbook for Teachers and Students

[2] An Introduction to Radiation Protection

Exit mobile version