ما هو اضطراب الشخصية التجنبية؟

هذه المقالة هي الجزء 6 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب الشخصية التجنبية

يعاني الكثير من الناس من الخجل لكن شريحة صغيرة من السكان تعاني من الخجل الشديد لدرجة أنه يتسبب في تثبيط اجتماعي شديد لأنهم يعانون بما يعرف باضطراب الشخصية التجنبية.

يؤدي الخجل الشديد والخوف من الرفض إلى صعوبة التفاعل الاجتماعي والمهني. وقد يتجنب الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية التجنبية أنشطة العمل أو يرفضون عروض العمل بسبب مخاوف من انتقاد الآخرين. قد يتم تثبيطهم في المواقف الاجتماعية نتيجة تدني احترام الذات ومشاعر عدم الكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، أحيانًا ينشغلون بنواقصهم ويقِيمون علاقات مع الآخرين فقط إذا اعتقدوا أنهم لن يتم رفضهم.

الخسارة والرفض مؤلمان للغاية لهؤلاء الأفراد لدرجة أنهم سيختارون الشعور بالوحدة بدلًا من المخاطرة بمحاولة التواصل مع الآخرين.

اضطراب الشخصية التجنبية هو أحد مجموعة من الحالات المعروفة باسم اضطرابات الشخصية، والتي تحدثنا عنها في مقال سابق. هذه الاضطرابات بشكل عام هي أنماط سلوكية ثابتة لا تتماشى مع الأعراف الثقافية التي تسبب المعاناة للفرد أو من حولهم. يصنف اضطراب الشخصية التجنبية مع اضطرابات أخرى في الشخصية تتميز بمشاعر العصبية والخوف، وتعرف هذه المجموعة بالمجموعة الثالثة حسب DSM5.

ما مدى شيوع اضطراب الشخصية التجنبية؟

تُشير التقديرات إلى أن حوالي 2.4 ٪ من سكان الولايات المتحدة. ويعاني حوالي 1٪ من سكان الكوكب من اضطراب الشخصية التجنبية، ويبدو أنه يؤثر على الرجال والنساء على حد سواء بنفس النسبة تقريبًا.

مثل اضطرابات الشخصية الأخرى، قد تُلاحظ أعراض اضطراب الشخصية الانعزالية في مرحلة الطفولة وغالبًا ما تبدأ في خلق شعور بعدم الراحة في مرحلة المراهقة أو بداية البلوغ. عادة لا يتم تشخيص اضطراب الشخصية التجنبية لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا. حيث يجب أن يكون هناك دليل على أن أنماط السلوك هذه دائمة، وغير مرنة ولا تتلاشى بسهولة مع مرور الوقت.

أعراض اضطراب الشخصية التجنبية

بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب، يكون الخوف من الرفض قويًا لدرجة أنهم يختارون العزلة بدلاً من المخاطرة بالرفض في العلاقة. يمكن أن يختلف نمط السلوك لدى الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب من معتدل إلى شديد. بالإضافة إلى خوفهم من الإذلال والرفض، تشمل السمات المشتركة الأخرى للأشخاص المصابون وفقًا لDSM 5 ما يلي:

  • 1. سهولة التعرض للأذى من خلال النقد أو الرفض
  • 2. عدم وجود أصدقاء مقربين.
  • 3. عدم الرغبة في الانخراط مع الناس.
  • 4. تجنب الأنشطة أو المهن التي تنطوي على التواصل مع الآخرين.
  • 5. الضجر في المواقف الاجتماعية خوفًا من القيام بشيء خاطئ.
  • 6. المبالغة في الصعوبات المحتملة.
  • 7. إظهار ضبط النفس المفرط في العلاقات الحميمة.
  • 8. الشعور بعدم الكفاءة الاجتماعية، أو الدونية.
  • 9. نادرًا ما يحاول المصاب تجربة الأشياء الجديدة خوفًا من أنها قد تكون محرجة.

وبالتالي الافتقار إلى العلاقات المهمة والعثور باستمرار على أسباب لتجنب التفاعلات الاجتماعية تعد علامتان رئيسيتان على احتمال إصابة شخص ما باضطراب الشخصية التجنبية.

كيف يختلف اضطراب الشخصية التجنبية عن القلق الاجتماعي؟

يتضمن كل من اضطراب القلق الاجتماعي والاضطراب التجنبي الخوف وتجنب المواقف الاجتماعية. يتداخل التشخيصان لكن يكون للاضطرابان جذور مختلفة. حيث ينجم اضطراب القلق الاجتماعي عن الخوف من قول أو فعل شيء قد يؤدي إلى الخجل والإحراج، أما اضطراب الشخصية التجنبية يكون مدفوعًا بدرجة أقل بقلق الأداء وأكثر بالتقييم الذاتي السلبي مقارنة بالقلق الاجتماعي. ويعد تدني احترام الذات مكونًا مركزيًا. فغالبًا لا يحب الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية التجنبية أنفسهم، ويفترضون أن الآخرين سيرفضونهم أيضًا.

أسباب اضطراب الشخصية التجنبية

السبب غير معروف. قد تلعب العوامل الوراثية والبيئية مثل الرفض من قبل أحد الوالدين أو الأقران دورًا في تطور الحالة. يبدأ سلوك التجنب عادة من الطفولة المبكرة مع الخجل والعزلة وتجنب الغرباء أو الأماكن الجديدة، ويميل معظم الأشخاص الخجولين في سنواتهم الأولى إلى التخلص من هذا السلوك لكن أولئك الذين يصابون بهذا الاضطراب يصبحون خجولين بشكل متزايد مع دخولهم مرحلة المراهقة والبلوغ.

من هم الأكثر عرضة للإصابة باضطراب الشخصية التجنبية؟

لا توجد طريقة لمعرفة من سيطور هذا الاضطراب عادة ما يكون الأشخاص المصابون خجولين جدًا مثل الأطفال، ومع ذلك لا يصاب كل طفل خجول بهذا الاضطراب، وبالمثل ليس كل شخص بالغ خجول مصاب بهذا الاضطراب.

إذا كنت مصابًا بهذا الاضطراب فمن المرجح أن يكون خجلك قد نما مع تقدمك في العمر. وربما وصلت لدرجة أنك بدأت في تجنب أشخاص آخرين ومواقف معينة.

كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية التجنبية؟

في حالة وجود أعراض، سيبدأ مقدم الرعاية الصحية في التقييم عن طريق إجراء تاريخ طبي كامل وفحص بدني. على الرغم من عدم وجود اختبارات معملية لتشخيص اضطرابات الشخصية على وجه التحديد، فقد يستخدم الطبيب العديد من الاختبارات التشخيصية لاستبعاد المرض الجسدي كسبب للأعراض. وإذا لم يجد مقدم الخدمة سببًا جسديًا للأعراض، فقد يحيل الشخص إلى طبيب نفسي أو أخصائي نفسي. أخصائيي الرعاية الصحية المدربين خصيصًا لتشخيص الأمراض العقلية وعلاجها.

يستخدم الأطباء النفسيون وعلماء النفس أدوات التحدث في المقابلة والتقييم مصممة خصيصًا لتقييم شخص مصاب باضطراب في الشخصية مثل اضطراب الشخصية التجنبية. ولتشخيص هذا الاضطراب، يجب أن تبدأ الأعراض في موعد لا يتجاوز مرحلة البلوغ المبكرة. ويجب عليك أيضًا إظهار الخصائص التالية:

أن تتجنب أنشطة العمل التي تنطوي على التواصل مع الآخرين. إذ يحدث هذا بسبب الخوف من النقد أو الرفض، فتكون غير راغب في الانخراط مع أشخاص آخرين ما لم تكن متأكدًا من أنهم يحبونك. وتتراجع في العلاقات لأنك تخشى أن تتعرض للسخرية أو الإهانة. يسيطر الخوف من الانتقاد أو الرفض في المواقف الاجتماعية على أفكارك، فتتراجع عن المواقف الاجتماعية أو تتجنبها تمامًا لأنك تشعر بعدم الكفاءة. كما تعتقد أنك أدنى من الآخرين، ومن غير المرجح أن تشارك في أنشطة جديدة لأنك تخشى الإحراج.

اضطراب الشخصية التجنبية وبعض الحالات الأخرى

يمكن أن تحدث اضطرابات الصحة العقلية الأخرى جنبًا إلى جنب مع هذا الاضطراب. وبالتالي يتم تصميم العلاج في هذه الحالات للمساعدة في علاج أعراض كل اضطراب.

تتضمن بعض الحالات التي تحدث غالبًا مع اضطراب الشخصية التجنبية ما يلي: الرهاب الاجتماعي حيث يعاني الشخص من القلق الشديد والوعي الذاتي في المواقف الاجتماعية الشائعة.

اضطراب الشخصية الاعتمادية هو حيث يعتمد الناس بشكل مفرط على الآخرين للحصول على المشورة أو اتخاذ القرارات نيابة عنهم في مجالات تشمل العلاقات الاجتماعية والسلوك. وتشترك العديد من أعراض اضطراب الشخصية التجنبية بشكل شائع بين هذه الحالات الأخرى لا سيما في حالة الرهاب الاجتماعي المعمم. لهذا السبب يمكن الخلط بين الاضطرابات بسهولة. وقد يستغرق اختصاصي الصحة العقلية بعض الوقت لإجراء تشخيص واضح واختيار العلاج المناسب لك.

هل يمكن لمن يعانون من اضطراب الشخصية التجنبية الحفاظ على العلاقات الرومانسية؟

غالبًا ما يتعلم الأفراد المصابون بهذا الاضطراب الاعتماد على أنفسهم، وقد يعانون من صعوبة في التواصل و تنظيم العاطفة لديهم. والحفاظ على العلاقات الحميمة، وغالبًا ما يعزلون أنفسهم خاصة في أوقات التوتر. وبالتالي غالبًا ما يكون الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية التجنبية غير قادرين على الحفاظ على العلاقات الرومانسية.

كيف يتم علاج اضطراب الشخصية التجنبية؟

يعد علاج اضطرابات الشخصية أمرًا صعبًا لأن الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات لديهم أنماط عميقة الجذور في التفكير والسلوك موجودة منذ سنوات عديدة. ومع ذلك، يميل الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية التجنبية إلى أن يكونوا مرشحين جيدين للعلاج لأن اضطرابهم يسبب لهم ضائقة كبيرة. ويرغب معظمهم في تطوير العلاقات، وبالتالي تكون هذه الرغبة عاملاً محفزًا للأشخاص لمتابعة خططهم العلاجية.

كما هو الحال مع اضطرابات الشخصية الأخرى، فإن العلاج النفسي هو العلاج الرئيسي لاضطراب الشخصية الانعزالية. والعلاج النفسي هو نوع من الاستشارة الفردية التي تركز على تغيير تفكير الشخص (العلاج المعرفي) والسلوك (العلاج السلوكي). وهناك أيضًا العلاج النفسي الديناميكي.
من المرجح أن يركز العلاج على التغلب على المخاوف، وتغيير عمليات التفكير والسلوكيات. ومساعدة الشخص على التعامل بشكل أفضل مع المواقف الاجتماعية.

لم توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أي أدوية لعلاج اضطرابات الشخصية. ومع ذلك، قد يصف طبيبك الأدوية المضادة للاكتئاب إذا كنت تعاني من الاكتئاب أو القلق المتزامن. للحصول على أفضل النتائج، يجب تناول العلاج الدوائي جنبًا إلى جنب مع العلاج النفسي. ويكون علاج الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب أكثر فاعلية عندما يكون أفراد الأسرة داعمين ومتفاعلين مع العلاج.

العلاج النفسي الديناميكي

هو شكل من أشكال العلاج بالكلام يساعدك على إدراك أفكارك اللاواعية، ويمكن أن يساعدك على فهم كيف تؤثر التجارب السابقة على سلوكك الحالي، ويتيح لك ذلك دراسة الآلام والصراعات العاطفية السابقة وحلها، و بالتالي يمكنك المُضي قدمًا بنظرة أكثر صحة عن نفسك وكيف يراك الآخرون. وينتج العلاج النفسي الديناميكي نتائج دائمة مع فوائد تستمر بعد العلاج.

العلاج السلوكي المعرفي

العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو شكل آخر من أشكال العلاج بالكلام. في هذا العلاج يساعدك المعالج على التعرف على المعتقدات غير الصحية وعمليات التفكير واستبدالها. سيشجعك معالجك على فحص واختبار أفكارك ومعتقداتك لمعرفة ما إذا كان لها أساس واقعي. كما أنها ستساعدك أيضًا على تطوير أفكار بديلة وصحية.

مصادر:

webmd.com. 1
2. clevelandclinic.org
3. healthline.co
4. psychologytoday.com

نظرية اللعبة: الاستراتيجية المختلطة

هذه المقالة هي الجزء 5 من 5 في سلسلة مقدمة في نظرية اللعبة

الاستراتيجية المختلطة هو توزيع احتمال واحد يستخدم للاختيار عشوائيًا بين الإجراءات المتاحة من أجل تجنب توقعها. في نظرية اللعبة، تعتمد الاستراتيجية المختلطة على استخدام كل لاعب في اللعبة للاستراتيجية المختلطة التي هي الأفضل بالنسبة له ضد الاستراتيجيات التي يستخدمها اللاعبون الآخرون. وفي التجارب المختبرية، كان سلوك الأشخاص عديمي الخبرة غير متسق عمومًا مع النظرية من جوانب هامة؛ لكن البيانات التي تم الحصول عليها من المسابقات في الرياضات يتوافق بشكل وثيق مع النظرية.

في العديد من الحالات الاستراتيجية، يعتمد نجاح اللاعب على تصرفاته التي لا يمكن التنبؤ بها. الرياضات التنافسية مليئة بالأمثلة. واحدة من أبسط الأمثلة هي ما يحدث مرارًا وتكرارًا في كرة القدم. إذا كان مُسدد ركلة الجزاء يعرف أي جانب سيختاره حارس المرمى فسيركل الكرة في الجانب الآخر، وإذا عرف حارس المرمى إلى أي جانب سيركل اللاعب الكره فيه، فسيختار هذا الجانب للتصدي لها بالطبع. في ضوء نظرية اللعبة، احتمالات 2×2 بسيطة وليس لها استراتيجية نقية.

مفهوم الاستراتيجية المختلطة

قدم فون نيومان مفهوم الاستراتيجية المختلطة باقتراحه وجوب كل لاعب -في مثال كرة القدم لدينا- اختيار التسديد على اليسار أو اليمين بشكل عشوائي، ولكن وفقًا لبعض العمليات الثنائية الخاصة. كل لعبة لشخصين محصلتها صفر، حيث تكون مجموعة الاستراتيجيات المتاحة لكل لاعب محدودة ويجب أن يكون لها قيمة (أو مستوى أمان) لكل لاعب، ويجب أن يكون لكل لاعب استراتيجية واحدة على الأقل – وهي استراتيجية تؤكد أنه بغض النظر عن كيفية لعب خصمه، فإنه سيحقق على الأقل مستوى أمانه للعبة، وسيحقق القيمة المتوقعة. في العديد من هذه الألعاب استراتيجيات “minimax” -أي أقل الخسائر الممكنة- وهي استراتيجيات نقية، لا تتطلب أي خلط. أما في بلدان أخرى، فتعتمد الاستراتيجيات المختلطة.

كما ذكرنا من قبل، قدم جون ناش (1950) فكرة قوية عن التوازن في الألعاب، والتوازن هو مزيج من الاستراتيجيات (واحدة لكل لاعب) حيث استراتيجية كل لاعب هي أفضل استراتيجية بالنسبة له ضد الاستراتيجيات التي يستخدمها جميع اللاعبين الآخرين. وبالتالي فإن التوازن هو مزيج مستدام من الاستراتيجيات، بمعنى أنه لا يوجد لاعب لديه حافز للتغيير من جانب واحد إلى استراتيجية مختلفة. والتوازن بين الاستراتيجيات المختلطة هو التوازن الذي يستخدم فيه كل لاعب استراتيجية مختلطة.

لعبة “تقاسم أو اسرق”

مثال أو اثنين سيكون مفيدا. النظر أولا في لعبة ” تقاسم أو اسرق ” سابقًا. هناك اربع نتائج محتملة: الأول هو أن يختار كلاهما مشاركة الجائزة وبالتالي يتقاسما المال. الثاني هو أن يختار أحدهما أن سرقة الجائزة والآخر يختار تقاسم الجائزة أو العكس، وبالتالي يحصد الشخص الذي اختار سرقة الجائزة كل شيء. الثالث هو أن يختار كلاهما عدم مشاركة الجائزة وبالتالي يخسر كلاهما كل شيء. إن تحديد استراتيجيات اللاعبين المحتملة بشكل كامل أمر معقد إلى حد ما، ولكن أي شخص لعب اللعبة أكثر من بضع مرات يعرف أن كل لاعب لديه استراتيجية تضمن له التعادل بحد أدنى. هذه هي استراتيجية “minimax” . نظرًا لأنها استراتيجيات نقية (لا تتطلب خلطًًا)، فإن لا تناسب لعبة تقاسم أو اسرق.

نمط تسديد ضربات الجزاء

لننظر في بعض البيانات التي جمعها إغناسيو بالاسيوس هويرتا، في عام 2003. حيث قام بتحليل عدة مباريات مختلفة سجلها من التلفزيون، وجمع 1417 ركلة جزاء في الدوري الاسباني، والانجليزي، والايطالي.

تتبع إغناسيو ما إذا كان اللاعبون يركلون إلى اليسار، أو إلى الوسط، أو إلى اليمين. وما إذا كانوا يستخدمون ساقهم اليسرى أو ساقهم اليمنى.

وجد إغناسيو أن في الحالات التي يسدد اللاعب يسارًا ويذهب الحارس يسارًا، ينجح المسدد وتمر الكرة وتسكن الشباك بنسبة 58%، بينما ينجح تصدي حراس المرمى في 42٪ من الركلات. وفي الحالات التي يسدد فيها اللاعب إلى اليسار ويذهب حارس المرمى يمينًا، ينجح المُسدد بنسبة 95٪ وتسكن ركلته الشباك. لكن إذا كان الاعب يسدد إلى اليمين وذهب حارس المرمى إلى اليسار، فإن المسدد يحرز الهدف في 93 ٪ من الركلات. هذه هي الأرقام الفعلية، ونرى بعض النمط والأسس هنا.

نظرية اللعبة في كرة القدم

بناءً على هذه المعطيات، تقوم العديد من الأندية واللاعبين بتعيين متخصصين وباحثين اقتصاد ورياضيات لمساعدتهم تحقيق أكبر استفادة ممكنة والخروج بأقل الخسائر بالاعتماد على نظرية اللعبة ومحاولة تطويعها في مصلحتهم.

نظرية اللعبة : الاستراتيجية المهيمنة I نظرية اللعبة: ألعاب بايزي

المصادر
1-springer
2-coursera
3-palacios-huerta

ما هو اضطراب الشخصية المُرتابة ؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب الشخصية المُرتابة

يقع اضطراب الشخصية المرتابة تحت مظلة المجموعة الأولى من اضطرابات الشخصية. ويكون الأشخاص المصابون بأحد اضطرابات هذه المجموعة غريبين أو شاذين في سلوكهم.

السمة الأساسية للأشخاص المصابون بهذا الاضطراب هي الريبة، والشك المستمر في الآخرين دون سبب كافٍ للشك. وعادة لا يستندون إلى الواقع كما لا يعترفون بأن لديهم مشاعر سلبية تجاه الآخرين. إنهم لا يثقون في الناس لدرجة أنهم لن يناقشوا ما يشعرون به. وقد يتساءل المصاب حتى عما إذا كان بإمكانه الوثوق بأخصائي الصحة العقلية والشك في دوافعه في محاولة مساعدته.

غالبًا ما يبدأ هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة أو المراهقة المبكرة. ويبدو أنه أكثر شيوعًا عند الرجال منه لدى النساء. وتقدر الدراسات أنه يؤثر على ما بين 2.3 ٪ و 4.4 ٪ من عامة السكان.

أعراض وعلامات اضطراب الشخصية المرتابة

أعراض الاضطراب كما هي مفهرسة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5):

1. انعدام الثقة والشك بالآخرين بحيث يتم تفسير دوافعهم على أنها خبيثة يبدأ هذا الشك في بداية مرحلة البلوغ. ويكون في مجموعة متنوعة من السياقات مثل: الاشتباه دون أساس كافٍ في أن الآخرين يستغلونه، أو يؤذونه، أو يخدعونه. كما ينشغل المصاب بشكوك غير مبررة حول ولاء أو مصداقية الأصدقاء أو الشركاء. ويحجم عن الوثوق بالآخرين بسبب الخوف غير المبرر من استخدام معلوماته الشخصية. يقرأ ملاحظات أو أحداث حميدة على أنها مهينة أو مهددة، ويحمل باستمرار ضغينة (مثل عدم التسامح مع الإصابات أو الإهانات). سريع الرد بغضب أو للهجوم المضاد، ولديه شكوك متكررة دون مبرر فيما يتعلق بإخلاص الزوج أو الشريك الجنسي.

2. قد لا تحدث هذه الأعراض كنتيجة للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب أو الاضطراب الاكتئابي المصحوب بسمات ذهانية أو اضطراب ذهاني آخر. وقد لا يرجع إلى التأثيرات الفسيولوجية لحالة طبية أخرى. وهناك كذلك أعراض أخرى من الممكن تواجدها وتختلف شدتها حسب الحالة مثل:
تداخل معتقدات المصابون بالإضافة لعادات اللوم مع قدرتهم على تكوين علاقات وثيقة. وكذلك غالبًا ما يتقبلون النقد بشكل سيئ، ويعانون من هجمات عاطفية على شخصياتهم لا تظهر للآخرين. ويتفاعلون بشكل عام مع الغضب ويسارعون إلى الانتقام. وقد يصبحون مسيطرين وغيورين، ولا يستطيعون رؤية دورهم في المشاكل أو النزاعات، ويعتقدون أنهم دائمًا على حق.

ما هي المضاعفات المرتبطة باضطراب الشخصية المُرتابة؟

يمكن أن يتداخل التفكير والسلوكيات المرتبطة بالاضطراب مع قدرة الشخص على الحفاظ على علاقاته، فضلاً عن قدرته على العمل مع فريق.
في كثير من الحالات يتورط الأشخاص المصابون في معارك قانونية يقاضون فيها أشخاصًا أو شركات يعتقدون أنها تسعى للحصول عليهم.

ما هي أسباب اضطراب الشخصية المُرتابة؟

السبب الدقيق لهذا الاضطراب غير معروف، ولكن من المحتمل أنه ينطوي على مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية. وقد يظهر هذا الاضطراب لأول مرة في مرحلة الطفولة أو المراهقة. قد يبدو الأشخاص الذين يعانون من العزلة، ولديهم علاقات سيئة مع أقرانهم وقلق اجتماعي، وقلة التحصيل الأكاديمي، وفرط الحساسية، والأفكار الغريبة، والتخيلات الخاصة على أنهم “شاذون” أو “غريبو الأطوار” وهم أهداف جيدة لإثارة المرض.

يعتقد أيضًا أن تجارب الطفولة المبكرة، بما في ذلك الصدمات الجسدية أو العاطفية تلعب دورًا في تطوير هذا الاضطراب. من جانب آخر، هناك بعض الأدلة على زيادة انتشار هذا المرض بين أولئك الذين يعاني أقاربهم من الفصام، وقد يشير هذا إلى وجود صلة جينية بين الاضطرابين.

كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية المرتابة؟

إذا ظهرت على الشخص أعراض سيبدأ الطبيب في التقييم عن طريق إجراء فحص طبي شامل. على الرغم من عدم وجود اختبارات معملية لتشخيص اضطرابات الشخصية على وجه التحديد إلّا أن الطبيب يستخدم العديد من الاختبارات التشخيصية لاستبعاد المرض الجسدي كسبب للأعراض.

على سبيل المثال قد يتم الخلط بين تعاطي المخدرات طويل الأمد وبين هذا الاضطراب، وبالتالي يجب التأكد من أن هذه الأعراض حدثت بسبب تعاطي المخدرات.

إذا لم يجد الطبيب سببًا جسديًا للأعراض فقد يحيل الشخص إلى طبيب نفسي أو أخصائي نفسي مدرب خصيصًا لتشخيص الأمراض العقلية وعلاجها. يختلف اضطراب الشخصية المرتابة عن الاضطرابات الذهانية مثل الفصام أو الاضطراب الوهمي، وعلى عكس هذه الاضطرابات يفتقر المصاب باضطراب الشخصية المرتابة إلى التشوهات الإدراكية على سبيل المثال سماع الأصوات، أو التفكير الوهمي الغريب.

يستخدم الأطباء النفسيون وعلماء النفس أدوات مقابلة وتقييم مصممة خصيصًا لتقييم اضطراب الشخصية، وسيقوم أخصائي الصحة العقلية بإجراء تقييم شامل قد يسأل فيه عن طفولة الشخص ومدرسته وحياته العملية وعلاقاته.

ليس كل شك وريبة دليلًا على وجود الاضطراب

يجب دائمًا اعتبار الاستجابة الطبيعية للظروف غير العادية كجزء من التشخيص التفريقي للمريض ذي السمات التي توحي باضطراب الشخصية المرتابة. يمكن اعتبار سمات اضطرابات الشخصية بشكل عام على أنها متغيرات شديدة وغير قادرة على التكيف للسمات الطبيعية.

من جهة أخرى يجب الأخذ في الاعتبار بأن الشك قد يكون قابلاً للتكيف في بيئات معينة، وقد يظهر أعضاء مجموعات الأقليات على وجه الخصوص تفكيرًا دفاعيًا يمكن فهمه في السياق الاجتماعي الأوسع بدلاً من أن يكون مؤشرًا على الاضطراب العقلي.

كما يُظهر العديد من الناس عدم الثقة والشك من وقت لآخر ، ولكن نظرًا لأنها عابرة وقابلة للتعديل وليست مدمرة بشكل كبير فإن هذه الظواهر ليست مرضية. لذلك من الأفضل تصور أن اضطراب الشخصية المرتابة سريريًا على أنه شكل مفرط التعميم من عملية نفسية مشتركة وقابلة للتكيف والتي في شكلها الطبيعي لها بعض القيمة التطورية من خلال تسهيل اكتشاف التهديدات التي يتعرض لها الشخص من قبل الآخرين، ولكن المصابون بهذا الاضطراب يظهرون هذه السمة بشكل مفرط للدرجة اللتي تجعلها عائق في حياة الشخص، وتسبب له القلق والعجز.

المراضة المشتركة لاضطراب الشخصية المرتابة

تعد الإصابة المرضية المشتركة لهذا الاضطراب مع اضطرابات الشخصية الأخرى أمر شائع وتحدث في أكثر من نصف الحالات، خاصة مع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وقد يأتي هذا الاضطراب مشتركًا كذلك مع الاضطرابات النفسية الأخرى.

المراضة المشتركة مع القلق الاجتماعي

قد يظهر اضطراب الشخصية المرتابة في البداية مع شكاوى من القلق لكن الفحص الدقيق للحالة العقلية سيكشف عن السمات الأساسية الكامنة وراء هذه الشكاوى.

وهناك بعض التداخل لهذا الاضطراب مع اضطرابات القلق مثل الرهاب الاجتماعي والقلق الاجتماعي؛ كلاهما قد ينطوي على انسحاب اجتماعي ومخاوف بشأن تقييم الآخرين، ولكن الفارق الجوهري هو أنه في اضطراب الشخصية المُرتابة هناك تصور لضرر مخطط من قبل الآخرين الحاقدين، وليس مجرد الانشغال بالأحداث السلبية في المستقبل أو التعرض للتدقيق العام، كما تشير إحدى الدراسات إلى أن أكثر من نصف المصابين باضطراب الشخصية المُرتابة يعانون أيضًا من اضطراب الهلع.

المراضة المشتركة مع الاكتئاب

هناك علاقة معقدة بين المزاج والتفكير بارتياب. قد تظهر الاضطرابات الاكتئابية مصحوبة بأعراض الريبة والشك، إلا السيرة المرضية الدقيقة للمريض سوف تميز اضطراب الشخصية المرتابة في حالة وجوده، وفي حالة وجود أعراض وعلامات واضحة لمرض اكتئابي يجب معالجة هذه الأعراض قبل أن يتم تشخيص اضطراب الشخصية المُرتابة بأي ثقة؛ لأنه ربما يكون الشك والارتياب سببه الاكتئاب وليس اضطراب الشخصية المرتابة.

علاج اضطراب الشخصية المرتابة

غالبًا لا يسعى الأشخاص المصابون إلى العلاج بمفردهم لأنهم لا يرون أنفسهم على أنهم يعانون من مشكلة، أمّا عندما يُطلب العلاج فإن العلاج النفسي اللذي يمثل شكل من أشكال الاستشارة هو العلاج المفضل.
من المحتمل أن يركز العلاج على زيادة مهارات التأقلم العامة، وكذلك على تحسين التفاعل الاجتماعي والتواصل واحترام الذات.

نظرًا لأن الثقة عامل مهم في علاج هذا الاضطراب تحديدًا فإن العلاج يمثل تحديًا نظرًا لأن الأشخاص المصابون لا يثقون بالآخرين. نتيجة لذلك لا يتبع العديد من الأشخاص خطة العلاج الخاصة بهم.

لا يعتبر الدواء عمومًا محورًا رئيسيًا لعلاج هذا الاضطراب، ومع ذلك يمكن وصف الأدوية مثل مضادات القلق أو مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للذهان إذا كانت أعراض الشخص شديدة أو إذا كان يعاني أيضًا من مشكلة نفسية مرتبطة بها مثل القلق أو الاكتئاب.

على الرغم من أنه لا يمكن الشفاء من هذا الاضطراب؛ إلا أن العلاج قد يسمح للشخص المعرض لهذا الاضطراب بتعلم طرق أكثر إنتاجية للتعامل مع المواقف، ويكون قادر على الزواج وشغل وظيفة.

مصادر
1. webmd.com
2. clevelandclinic.org
3. healthline.com
4 .mayoclinic.org
5. psychologytoday.com
6. cambridge.org

اضطراب الشخصية النرجسية

هذه المقالة هي الجزء 4 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب الشخصية النرجسية

«اضطراب الشخصية النرجسية-Narcissistic Personality Disorder» هو حالة يكون فيها لدى الأشخاص إحساس متضخم بأهميتهم. وحاجة عميقة إلى الاهتمام المفرط والإعجاب، وعدم التعاطف مع الآخرين. تتسبب الحالة في حدوث مشاكل في العديد من مجالات الحياة مثل العلاقات أو العمل أو المدرسة أو الشؤون المالية. وقد يشعر الأشخاص المصابون بالتعاسة وخيبة الأمل عندما لا يتم منحهم الامتيازات الخاصة أو الإعجاب الذي يعتقدون أنهم يستحقونه. وقد يجدون علاقاتهم غير مرضية ولا يستمتع الآخرون بالتواجد حولهم.

يقع اضطراب الشخصية النرجسية تحت مظلة اضطرابات الشخصية من المجموعة الثانية. وتشمل المجموعة الثانية اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب الشخصية الهستيرية، واضطراب الشخصية الحدية.

لكل اضطراب من هذه الاضطرابات أعراضه أو سماته الفريدة. ووفقًا للإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) يجب أن تبدأ الأعراض في المراهقة أو البلوغ المبكر. وتستقر الأعراض بمرور الوقت، وتؤدي إلى ضائقة أو ضعف للفرد. وُضعت هذه الاضطرابات الأربعة في مجموعة واحدة لأنه غالبًا ما يكون للمصابين سلوكًا اندفاعيًا وعاطفيًا بشكل علني.

يحدث هذا الاضطراب نتيجة أسباب عديدة مثل الوراثة، والبيئة، مثل العنف الجسدي الّذي يتعرض له الأطفال في سن مبكرة. وهناك كذلك علم الأعصاب أي العلاقة بين التغييرات في تركيب الدماغ والسلوك. في الحقيقة الدراسات في هذا المجال لا زالت محدودة، إلا أنه هناك بعض الدراسات الّتي كشفت عن وجود تغير في المادة الرمادية للفص الجبهي للدماغ. [1]

ما هي خصائص اضطراب الشخصية النرجسية؟

تختلف الخصائص وشدتها من شخص لآخر. ولكن يمكن للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب أن يكون لديهم: شعور مبالغ فيه بأهمية الذات، وشعور بالاستحقاق والحاجة إلى الإعجاب الدائم والمفرط. كما يتوقع المصابون أن يتم الاعتراف بهم على أنهم متفوقين حتى دون الإنجازات التي تتطلب ذلك. والاعتقاد بأنه يجب عليهم التواصل فقط مع الأشخاص المتميزون على قدم المساواة. كما قد يصل الأمر إلى التقليل من شأن الأشخاص الذين يعتبرونهم أقل شأنًا أو النظر إليهم باحتقار، والتصرّف بطريقة متعجرفة. والإصرار على امتلاك أفضل ما في كل شيء على سبيل المثال أفضل سيارة أو مكتب.

في الوقت نفسه، قد يعاني الشخص المصاب من صعوبة في التعامل مع أي شيء يعتبره نقدًا ويمكنه أن يصبح غير صبور، أو غاضب عندما لا يتلقى معاملة خاصة. وتكون لدى المصاب مشاكل شخصية كبيرة، ويشعر بالاستخفاف بسهولة، والمحاولة من التقليل من شأن الشخص الآخر لجعل نفسه يبدو متفوقًا. كما يواجه صعوبة في تنظيم العواطف والسلوك لديه، وقد تصبح لديه مشاكل كبيرة في التعامل مع التوتر والتكيف مع التغيير. يصاحب تلك المشاعر الشعور بالاكتئاب، وقد يصبح متقلب المزاج لأنه يفتقر إلى الكمال ولديه مشاعر سرية بانعدام الأمن والضعف والإذلال.

ماهي أنواع اضطراب الشخصية النرجسية؟

نشرت مقالتان في المجلة الأمريكية للطب النفسي في عام 2008 تُشير إلى أنه قد يشمل ثلاثة أنواع فرعية رئيسية بدرجات متفاوتة من الشدة والتشخيص:


1. «اضطراب الشخصية النرجسية العلني-Grandiose NPD»

يعتبر هذا النوع الأكثر خطورة من حيث ضعف الأداء الشخصي والنفسي والاجتماعي، وارتفاع معدلات الاعتلال المشترك مع الاضطرابات النفسية الأخرى بما في ذلك اضطرابات الشخصية الأخرى وتعاطي المخدرات، وعلى الرغم من أن معدلات القلق والعداء تكون أكثر حدة في هذا النوع إلا أنهم أقل إقدامًا على العلاج.

2. «اضطراب الشخصية النرجسية الهش أو السري- Fragile NPD»

يصاحب هذا النوع عادة حدوث الاكتئاب والقلق، وتظهر المشاكل عندما يتعرض الشخص للانتقاد، ويكون تفكيره متقلب بين تقدير الذات المرتفع والمنخفض، لذلك قد لا يلاحظ الأطباء أن اضطراب الشخصية النرجسية هو المصدر الأساسي لأعراضهم لأنها لا تظهر بالضرورة مع العظمة العلنية وعدم التعاطف كما هو الحال مع الاضطراب، ولكن لا يزال لديهم سمات أساسية للتوقعات السرية للتفوق، ويظلون منشغلين بشكل أساسي بحساسيتهم وإخفاقاتهم المتصورة.

3. «اضطراب الشخصية النرجسية عالي الأداءHigh-Functioning- NPD»

على عكس النوعين السابقين المصاب بهذا النوع أقل عرضة للإصابة بأمراض نفسية أخرى وقد لا يفي بالضرورة بمعيار الضعف الوظيفي للاضطراب إلا أثناء الأزمات أو حالات الفشل غير المتوقعة مثل فقدان الوظيفة أو الخضوع للطلاق. كما يبدو المصابون ناجحون ظاهريًا ويحافظون عمومًا على استقرار الأنا لديهم. لكنهم ما زالوا يحتفظون بهيكل الشخصية النرجسية الأساسي. وقد تؤدي القضايا المتعلقة بالاستحقاق والتركيز على الذات إلى مشكلات شخصية وسلوكيات استغلالية وغير متعاطفة.

النرجسية واحترام الذات العالي مختلفان تمامًا

تبدأ كل من النرجسية واحترام الذات في التطور في سن السابعة تقريبًا. في هذا العمر يعتمد الأطفال بشكل كبير على المقارنات الاجتماعية مع الآخرين ويبدأون في تقييم أنفسهم على غرار “أنا فاشل” أو “أنا مستحق” أو “أنا مميز”. يرى الأطفال أنفسهم كما يرون أن الآخرين يرونهم.
في حين أن احترام الذات يميل إلى أن يكون في أدنى مستوياته في فترة المراهقة، ويزداد ببطء طوال الحياة، فإن النرجسية تبلغ ذروتها في مرحلة المراهقة وتتراجع تدريجيًا طوال العمر. لذلك فإن تطور النرجسية واحترام الذات العالي يظهران صورة المرآة لبعضهما البعض طوال المراحل العمرية للفرد.

يتأثر تطور احترام الذات والنرجسية أيضًا بأنماط الأبوة والأمومة المختلفة. تميل النرجسية إلى التطور جنبًا إلى جنب مع المبالغة في تقدير الوالدين، وفي المقابل يتطور تقدير الذات العالي جنبًا إلى جنب مع دفء الوالدين وعدم المبالغة.

يختلف كذلك سلوك احترام الذات الصحي على سلوك النرجسي؛ يعتقد أولئك الذين يتمتعون بتقدير الذات العالي الصحي أنهم يستحقون وذات كفاءة، ويسعون جاهدين لإقامة روابط حميمة وذات مغزى مع الآخرين لكنهم لا يرون بالضرورة أنهم متفوقون على الآخرين. في المقابل يعتقد النرجسيون أنهم متفوقون على الآخرين لكنهم لا ينظرون بالضرورة إلى أنفسهم على أنهم يستحقون لأنهم غالبًا ما يفتقرون إلى الاستقرار الداخلي، فإن شعور النرجسيين بتقدير الذات غالبًا ما يعتمد بشكل كامل تقريبًا على مصادقة الآخرين.

متى يجب أن تطلب المساعدة من الطبيب؟

قد لا يرغب الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية في الاعتقاد بأن أي شيء قد يكون خاطئًا لأنه مثلما تحدثنا في المقال السابق أن اضطرابات الشخصية بصفة عامة منسجمة مع الأنا خاصة اضطراب الشخصية النرجسية الّذي يكون فيه أصل المشكلة هو الشعور بالعظمة لذلك من غير المرجح أن يلجأ المصاب للعلاج، وإذا طلب العلاج فمن المرجح أن يكون ذلك بسبب أعراض الاكتئاب أو تعاطي المخدرات أو الكحول أو مشكلة أخرى تتعلق بالصحة العقلية، ولكن الإهانات المتصورة لتقدير الذات قد تجعل من الصعب قبول العلاج ومتابعته.

إذا تعرفت على جوانب من شخصيتك شائعة في اضطراب الشخصية النرجسية، ففكر في التواصل مع طبيب موثوق به أو مقدم رعاية صحية عقلية، وفي الفقرة التالية من هذا المقال سنوضح أكثر حول جوانب شخصية المصابون بهذا الاضطراب.

كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية؟

يمكن لأخصائي الصحة العقلية مثل الطبيب النفسي أو المعالج النفسي تحديد ما إذا كان لديك أعراض رئيسية لهذا الاضطراب.
سيعطيك معالجك النفسي استبيانات ثم يتحدث معك، وسوف يتطرق إلى ما يسبب لك الضيق. سيكون التركيز على أنماط التفكير والشعور والتصرف والتفاعل مع الآخرين على المدى الطويل، وسيحدد معالجك النفسي أيضًا ويستبعد أي حالات صحية عقلية أخرى، ووفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية لكي يتم التشخيص يجب أن يكون لدى الشخص خمسة مما يلي على الأقل:

  • 1. شعور كبير بأهمية الذات على سبيل المثال المبالغة في الإنجازات، ويتوقع أن يتم الاعتراف به على أنه متفوق دون إكمال الإنجازات فعليًا.
  • 2. أن يكون منشغل بأوهام النجاح، أو القوة، أو التألق، أو الجمال، أو الحب المثالي.
  • 3. يعتقد أنه مميز ولا يمكن فهمه أو/و لا يمكن أن يتواصل إلا مع أشخاص مميزون مثله.
  • 4. يتطلب الإعجاب المفرط.
  • 5. لديه إحساس بالاستحقاق مثل توقع غير معقول بمعاملة تفضيلية أو الامتثال لتوقعاته.
  • 6. استغلالي ويستغل الآخرين لتحقيق غاياته الخاصة.
  • 7. يفتقر إلى التعاطف ولا يرغب في التعاطي مع احتياجات الآخرين.
  • 8. غالبًا ما يحسد الآخرين، أو يعتقد أن الآخرين يحسدونه.
  • 9. يظهر سلوكيات ومواقف متعجرفة.

يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية تقييم أنماط الأداء على المدى الطويل لذلك يجب توخي الحذر، وأن لا يقفز الشخص باستنتاجات متسرعة حول حالته أو حالة أحد أحبائه عندما يلاحظ وجود سمات هذا الاضطراب.

التشخيص المتباين لاضطراب الشخصية النرجسية

قد يظهر المصابون بعض السمات من الاضطرابات النفسية الأخرى على سبيل المثال يمكن للأشخاص الذين يعانون من النرجسية عالية الأداء أن يكونوا بمزاج مرتفع وطاقة أكثر عندما يتحمسون بفكرة جديدة، والتي تُشير بداية إلى عرض الهوس خفيف/الهوس_تحدثنا عن الهوس والهوس الخفيف سابقًا في مقال اضطراب ثنائي القطب_ومع ذلك فإن جانب الشخصية النرجسية سيكون بارزًا في تفاعلهم مع الآخرين.
من جهة أخرى قد يظهر الأشخاص الذين يعانون من النرجسية الهشة بسمات بارزة من الاكتئاب، وانعدام التلذذ، ومع ذلك فإن العظمة والحاجة إلى الإعجاب ستكون بارزة على الرغم من الأعراض العاطفية، والتي من شأنها أن تميزه عن أي اضطراب اكتئابي كبير.

على الرغم من التشابه بين اضطرابات الشخصية المختلفة من المجموعة الثانية إلا أنه هناك اختلافات واضحة بينهم. من الجدير بالذكر أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية لا يظهرون علامات علنية للاندفاع والتدمير الذاتي المرتبط باضطراب الشخصية الحدية، وبالمثل ترتبط الاستجابات العاطفية الواضحة باضطراب الشخصية الهستيرية، ويشبه اضطراب الشخصية النرجسية اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع نقص في التعاطف ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع سيظهرون نقصًا في الأخلاق مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من النرجسية، ولديهم تشخيص سابق لاضطراب السلوك.

ولكن هذا لا يستثني كون أن الشخص يمكن أن يصاب باضطرابين في آن واحد مثلما ذكرنا في مقال اضطرابات الشخصية.

هل يمكنني إجراء اختبار لمعرفة ما إذا كانت لدي سمات نرجسية؟

قد يعطيك المعالج النفسي اختبارات شخصية لمعرفة ما إذا كانت لديك سمات نرجسية. فالاختبارات هي مجرد أسئلة تجيب عليها بصدق؛ إنهم يمنحون معالجك النفسي فكرة أفضل عن طريقة تفكيرك وشعورك، وتشمل هذه الاختبارات: الاستبيان التشخيصي للشخصية -4 (PDQ-4)، وفحص اضطراب الشخصية الدولي (IPDE).

علاج اضطراب الشخصية النرجسية

لا توجد أدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ولكن قد يستفيد العديد من المرضى من علاج الاضطرابات الأخرى التي تصاحب هذا الاضطراب، أو أعراض الاضطراب في حد ذاته بما في ذلك القلق والاكتئاب وتقلب المزاج والذهان العابر وقضايا التحكم في الانفعالات.

يتم استخدام مضادات الاكتئاب، ومضادات للذهان أحيانًا، ويمكن إعطاء بعض المرضى مثبتات الحالة المزاجية. وبالتالي فإن علاج هذا الاضطراب يرتكز حول العلاج بالكلام، ويسمى أيضًا بالعلاج النفسي.

يمكن أن يساعدك العلاج النفسي في: تعلم كيفية التواصل بشكل أفضل مع الآخرين بحيث تكون علاقاتك أكثر حميمية ومتعة ومكافأة، وتساعدك في فهم أسباب مشاعرك وما الّذي يدفعك للمنافسة وعدم الثقة بالآخرين، وربما احتقار نفسك والآخرين.

يتم توجيه مجالات التغيير لمساعدتك على قبول المسؤولية والتعلم من أجل قبول والحفاظ على علاقات شخصية حقيقية، والتعاون مع زملاء العمل، والاعتراف وتقبل كفاءتك الفعلية، وإمكانياتك حتى تتمكن من تحمل الانتقادات أو الإخفاقات، وزيادة قدرتك على فهم وتنظيم مشاعرك وتحمل تأثير القضايا المتعلقة باحترام الذات الخاص بك.

كما يمكن للعلاج قصير المدى مساعدتك في إدارة أوقات التوتر أو الأزمات، أو يمكن توفيره بشكل مستمر لمساعدتك في تحقيق أهدافك والحفاظ عليها. في كثير من الأحيان يكون تضمين أفراد الأسرة أو الأشخاص المهمين الآخرين في العلاج مفيدًا.

دور نمط الحياة في العلاج

إذا كنت مصاب فيمكن أن تجعلك طبيعة اضطراب الشخصية النرجسية تشعر بأن العلاج لا يستحق وقتك واهتمامك، لكن من المهم أن تحافظ على ذهن منفتح، وركز على مكافآت العلاج والتزم بخطة العلاج الخاصة بك.

احضر جلسات العلاج المجدولة وتناول أي أدوية حسب التوجيهات، وتذكر أنه يمكن أن يكون عملاً شاقًا وقد تواجه انتكاسات عرضية.
حافظ على حماسك من خلال وضع أهدافك في الاعتبار وتذكير نفسك أنه يمكنك العمل على إصلاح العلاقات التالفة، وأن تصبح أكثر رضا عن حياتك.

قد تبدأ بزيارة طبيبك أو قد يحيلك طبيبك إلى مقدم خدمات الصحة العقلية مثل المعالج النفسي.

ما تستطيع فعله قبل موعدك هو أن تضع قائمة بما يلي: أي أعراض تعانيها ومدتها للمساعدة في تحديد أنواع الأحداث التي من المحتمل أن تجعلك تشعر بالغضب أو الانزعاج، المعلومات الشخصية الرئيسية بما في ذلك الأحداث الصادمة في الماضي وأي ضغوطات كبيرة حالية، ومعلوماتك الطبية مثل حالتك البدنية وإذا ما تم تشخيصك بأي مرض جسدي أو نفسي آخر، وحتى تتمكن من تحقيق أقصى استفادة من موعدك اصطحب معك أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء الموثوق بهم إن أمكن للمساعدة في تذكر التفاصيل. بالإضافة إلى ذلك قد يتمكن الشخص الذي عرفك لفترة طويلة من طرح أسئلة مفيدة أو مشاركة معلومات مهمة.

وتذكر أن تسأل الأسئلة المهمة لمقدم الرعاية الصحية مثل: ما نوع الاضطراب الذي تعتقد أنني أعانيه؟ هل يمكن أن أعاني من حالات صحية عقلية أخرى؟ ما هو الهدف من العلاج؟ ما هي العلاجات التي من المرجح أن تكون فعالة بالنسبة لي؟ وما مدى توقع تحسن نوعية حياتي مع العلاج؟ كم مرة سأحتاج إلى جلسات العلاج، وإلى متى؟ هل سيكون العلاج الأسري أو الجماعي مفيدًا في حالتي؟ هل هناك أدوية يمكن أن تساعد في الأعراض؟ لدي هذه الحالات الصحية الأخرى، فكيف يمكنني إدارتها بشكل أفضل معًا؟ هل هناك أي كتيبات أو مواد مطبوعة أخرى يمكنني الحصول عليها؟ ما المواقع التي توصون بها؟ ولا تتردد في طرح أي أسئلة أخرى أثناء موعدك.

ماذا يمكن أن تقدمه العائلة للمساعدة؟

إن العيش مع شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية أو وجود علاقة وثيقة معه يمثل تحديًا. يمكن أن يكون التعرف على الاضطراب أمرًا مدهشًا لأصدقائك وعائلتك، وقد يكون لديهم المزيد من التعاطف بمجرد أن يدركوا مصدر سلوكك.

يجب أن يعلموا أيضًا أن الأمر سيستغرق وقتًا لرؤية تغييرات ملحوظة في سلوكك. تشمل الخطوات الأخرى التي يمكن لأحبائك اتخاذها لفهم الاضطراب وكيف يؤثر عليهم ما يلي: علاج الأزواج، والاستشارة الأسرية، والاستشارة الفردية، ومجموعات الدعم.

في الخاتمة إذا تم بالفعل تشخيصك بهذا الاضطراب، أو تعتقد أنك مصاب فتذكر أن البدء في طلب المساعدة هو نصف المعركة . عندما يكون لديك هذا الاضطراب يكون احترامك لذاتك هشًا، والنقد يؤذيك بسهولة، وقد يمنعك الخوف من النقد من الحصول على المساعدة التي تحتاجها، ولكن تفكر أن الرغبة في التغيير أمر حيوي؛ من خلال الاستشارة يمكنك البدء في تغيير أنماط تفكيرك مما يغير سلوكك، وبمرور الوقت يمكن لهذه التغييرات تحسين جودة علاقاتك وحياتك وجعل حياتك أكثر متعة.

أما إذا كان أحد أحباؤك لديه اضطراب الشخصية النرجسية، فتذكر أن النرجسي إنسان؛ يجعله هذا الاضطراب يعاني في كثير من الأحيان لذلك من المهم جدًا تقديم الدعم اللازم وطلب المساعدة من مقدمي الرعاية الصحية.

مصادر
1. ncbi
2. mayoclinic.org
3. clevelandclinic.org
4. psychologytoday.com
5. britannica.com
6. scientificamerican
7. scientificamerican

مقدمة حول اضطرابات الشخصية

هذه المقالة هي الجزء 3 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: مقدمة حول اضطرابات الشخصية

تتكون شخصية الإنسان من طريقة تفكيره، وشعوره، وتصرفه الّتي تجعل منه شخصًا مختلفًا عن الآخرين. وتتأثر شخصية الفرد بالخبرات والبيئة المحيطة ومواقف الحياة والخصائص الموروثة. اضطراب الشخصية هو نمط من التفكير والشعور والتصرف ينحرف عن توقعات الثقافة السائدة، ويكون هذا النمط جامد وغير صحي. ويجب أن يسبب الضيق أو مشاكل وقيود كبيرة في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والعمل والمدرسة. وتختلف هذه المشاكل حسب نوع الاضطراب فقد تكون في شكل انعدام الثقة والشك بشكل دائم في الآخرين لدى الأشخاص المصابون “باضطراب الشخصية الارتيابية” مثلًا وقد تصل إلى ارتكاب الجرائم الخطيرة من دون حتى الشعور بالندم على هذه الأفعال لدى المصابون “باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع-Antisocial personality disorder”.

عرف علم النفس اضطرابات الشخصية في وقت حديث، ولكن أغلب هذه المعرفة مبني على عمل الطبيب الألماني كيرت شنايدر الّذي عُرفت أبحاثه في ما يعرف “بالاعتلال النفسي- psychopathy” في ذلك الوقت. ونشر شنايدر أول دراسة عن الموضوع في عام 1923. في الوقت الحالي يتضمن DSM5-الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الإصدار الخامس 10 أنواع معروفة من اضطرابات الشخصية.

على الرغم من أن الكثير من الاضطرابات النفسية تعتبر “غير منسجمة مع الأنا-egodystonic”، إلا أن هذه الفئة من الاضطرابات لا تعتبر كذلك بل تعتبر “منسجمة مع الأنا-egosyntonic” في معظم الأحيان.

يشير مصطلح غير منسجم مع الأنا إلى أن المريض مُدرك لوجود الخلل. ويشعر بأن هذه السلوكيات بغيضة أو مؤلمة أو غير مقبولة أو غير متوافقة مع مفهوم الذات لديه. هذا هو الحال لدى مرضى اضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب مثلا. ولكن الحال يختلف بالنسبة لمعظم أنواع اضطرابات الشخصية التي غالبًا ما تكون منسجمة مع الأنا. فلا يشعر الشخص بوجود الخلل، بل تكون تصرفاته بالنسبة إليه طبيعية لأنها تتوافق مع قيمه وطرق تفكيره. وتتفق مع شخصيته ومعتقداته الأساسية، وقد يلوم الآخرين على التحديات الّتي تواجهه.

ما مدى شيوع اضطرابات الشخصية؟

تعد اضطرابات الشخصية من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا. وغالبًا ما تحدث جنبًا إلى جنب مع العديد من الحالات الأخرى مثل تعاطي المخدرات واضطرابات المزاج كالاكتئاب واضطراب ثنائي القطب، واضطرابات القلق.

تشير التقديرات إلى أن 10% إلى 13% من سكان العالم يعانون من شكل من أشكال اضطراب الشخصية. تبدأ معظم هذه الاضطرابات في سنوات المراهقة عندما تتطور الشخصية وتنضج. نتيجة لذلك، فإن معظم الأشخاص الذين تم تشخيصهم هم فوق سن 18 عامًا. وهناك أنواع عديدة من اضطرابات الشخصية الّتي قد تصبح أقل وضوحًا خلال منتصف العمر. ويعاني العديد من السجناء من اضطراب في الشخصية يمكن تشخيصه.

ما هي أنواع اضطرابات الشخصية الموجودة؟ وكيف يتم تشخيصها؟

مثلما ذكرنا سابقًا إن DSM5 يتضمن 10 أنواع من اضطرابات الشخصية، جُمّعت هذه الأنواع في ثلاث مجموعات:

1. المجموعة الأولى والتي تشمل: اضطراب الشخصية المرتابة-Paranoid personality، واضطراب الشخصية الانعزالية- Schizoid personality، واضطراب الشخصية الفصامية-Schizotypal personality.

2. المجموعة الثانية والتي تشمل: اضطراب الشخصية النرجسية-Narcissistic personality disorder، واضطراب الشخصية الهستيرية-Histrionic Personality Disorder، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع-Antisocial personality disorder، واضطراب الشخصية الحدية-Borderline personality disorder .

3. المجموعة الثالثة والتي تشمل: اضطراب الشخصية التجنُّبية-Avoidant personality disorder، واضطراب الشخصية الاعتمادية-disorder Dependent personality، واضطراب الشخصية الوسواسية-Obsessive compulsive personality disorder.

لكل اضطراب مجموعته الخاصة من الصفات ومعايير التشخيص، وللحصول على تشخيص محدد يجب أن تستوفي بعض هذه الصفات والمعايير إلا أنه في كثير من الأحيان تكون هذه الصفات متداخلة بحيث يستوفي الشخص معايير نوع أو أكثر من أنواع الاضطرابات، فيسمى هذا باضطراب الشخصية المختلطة. من الممكن أيضًا الحصول على تشخيص دون تلبية المعايير الكاملة لنوع معين، ويُعرف هذا باسم اضطراب الشخصية غير المحدد (PD-NOS).

بسبب هذا التداخل في صفات اضطرابات الشخصية اقترح الباحثون نموذجًا بُعديًا حديثًا وُضع في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في إصداره الأخير الخامس، ولايهدف هذا النموذج لمعرفة ماإذا كان المريض مصاب بنوع محدد أم لا، بل يهدف لاستكشاف وجود أي صفة من صفات كل الأنواع وتحديد كمية وجود هذه الخاصية. على الرغم من أن هذا النموذج البعدي يلاقي استحسانًا من الوسط العلمي إلا أنه لازال لا يعتمد عليه إلا في حالات خاصة لأنه مايزال العمل جاريًا عليه وربما يكون هذا النموذج نقلة في تاريخ تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية مستقبلًا.

قد يحصل مجموعة كبيرة من الأشخاص على نفس التشخيص على الرغم من كون شخصياتهم مختلفة جدًا وتجاربهم فردية، وبالتالي ستكون تجربة الفرد في التعايش مع اضطراب الشخصية فريدة بالنسبة له.

ما الذي يسبب اضطرابات الشخصية؟

في الماضي اعتقد البعض أن الأشخاص المصابون هم مجرد كسالى أو حتى أشرار، ولكن الأبحاث الجديدة بدأت في استكشاف الأسباب المحتملة مثل العوامل الوراثية والبيئية والبيولوجية.

بدأ الباحثون في تحديد بعض العوامل الوراثية المحتملة. على سبيل المثال حدد مجموعة باحثون خللًا في جين معين قد يكون عاملاً في اضطراب الشخصية الوسواسية، و يستكشف باحثون آخرون الروابط الجينية للعدوان والقلق والخوف، وهي سمات يمكن أن تلعب دورًا في اضطرابات الشخصية، وعلى الرغم من أنه لم يتم تحديد خلل في جين محدد مسؤول على حدوث اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع إلا أنه هناك دراسات على التوأم والمتبنيين تشير إلى أنه من يملكون أقارب مصابون يكونون أكثر عرضة للإصابة.

هناك كذلك دراسات تربط بين العوامل البيئية ومعدلات الإصابة باضطرابات الشخصية. على سبيل المثال الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية لديهم معدلات أعلى في نسبة حدوث الصدمات الجنسية في مرحلة الطفولة، وفي دراسة أخرى شملت 793 من الأمهات وأطفالهم سأل الباحثون الأمهات عما إذا كانوا يصرخون على أطفالهم ويخبرونهم أنهم لا يحبونهم أو يهددون بطردهم، كان الأطفال الذين عانوا من مثل هذه الإساءة اللفظية أكثر عرضة بثلاث مرات من الأطفال الآخرين لاضطرابات الشخصية الحدية أو النرجسية أو اضطراب الشخصية الوسواسية في مرحلة البلوغ.

إقرأ أيضًا: الوسواس القهري والشخصية الوسواسية القهرية: اضطرابان مختلفان وتشابه مزعوم.

مصادر أشهر 10 اضطرابات نفسية: مقدمة حول اضطرابات الشخصية

  1. mayoclinic.org
  2. psychiatry.org
  3. clevelandclinic.org
  4. mind.org.uk
  5. apa.org

اضطراب ثنائي القطب

هذه المقالة هي الجزء 2 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب ثنائي القطب

هو اضطراب يسبب تغيرات في مزاج الشخص وطاقته وقدرته على العمل. يعاني الأشخاص المصابون من حالات عاطفية شديدة تحدث عادةً خلال فترات مختلفة تمتد من أيام إلى أسابيع، وتسمى بنوبات المزاج. يتم تصنيف نوبات المزاج هذه على أنها هوس أو هوس خفيف_مزاج سعيد أو سريع الانفعال بشكل غير طبيعي_ أو اكتئاب_مزاج حزين_ وقد سُمي ثنائي القطب بهذا الاسم إشارةً إلى نوبات المزاج هذه العالية والمنخفضة، واعتبارها أقطابا للمزاج.

يعاني الأشخاص غير المصابين باضطراب ثنائي القطب من تقلبات مزاجية أيضًا، ومع ذلك فإن هذه التغيرات المزاجية عادة ما تستمر لساعات بدلاً من أيام. أيضًا لا تكون هذه التقلبات مصحوبة بدرجة شديدة من التغيير السلوكي، أو صعوبة في الروتين اليومي والتفاعلات الاجتماعية مثل التي يظهرها الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب خلال نوبات المزاج.

يمكن لهذا الاضطراب أن يعطل علاقات الشخص مع أحبائه، ويسبب صعوبة في العمل أو الذهاب إلى المدرسة.[2]

حتى الآن لا يوجد علاج لهذا الاضطراب، ولكن هناك العديد من الخيارات المتاحة التي يمكن أن تساعد في التحكم في الأعراض، وبالتالي يمكن للأشخاص المصابين به أن يعيشوا حياة كاملة ومنتجة. [1]

يحدث اضطراب ثنائي القطب بشكل شائع في العائلات؛ حيث يكون لدى 80 إلى 90 في المائة من الأفراد المصابين قريب مصاب باضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب، وقد تؤدي العوامل البيئية مثل الإجهاد، واضطراب النوم، والمخدرات، والكحول أيضًا إلى نوبات مزاجية لدى الأشخاص المعرضين للخطر. على الرغم من أن أسبابه داخل الدماغ لازالت غير واضحة إلّا أنّه يُعتقد أن عدم توازن النواقل العصبية في الدماغ هو مايؤدي إلى نشاط غير منتظم في الدماغ. [2]

أعراض اضطراب ثنائي القطب

هناك ثلاثة أعراض رئيسية يمكن أن تحدث: الهوس، والهوس الخفيف، والاكتئاب.

1. ︎«الهوس-mania» نوبة الهوس هي فترة لا تقل عن أسبوع واحد يكون فيها الشخص شديد الحماس، أو سريع الانفعال معظم اليوم لمعظم الأيام، ويمتلك طاقة أكثر من المعتاد، ويواجه ثلاثة على الأقل من التغييرات التالية في السلوك:

  • أ. انخفاض الحاجة إلى النوم على سبيل المثال الشعور بالنشاط على الرغم من قلة النوم بشكل ملحوظ.
  • ب. الكلام المكثف أو السريع.
  • ج. الأفكار المتسارعة التي لا يمكن السيطرة عليها، أو الأفكار أو الموضوعات المتغيرة بسرعة عند التحدث.
  • د. التشتت.
  • هـ. النشاط المتزايد على سبيل المثال العمل في عدة مشاريع في وقت واحد.
  • و. زيادة السلوك المحفوف بالمخاطر على سبيل المثال القيادة المتهورة.

يجب أن تمثل هذه السلوكيات تغييرًا عن السلوك المعتاد للشخص، وأن تكون واضحة للأصدقاء والعائلة، ويجب أن تكون الأعراض شديدة بما يكفي لإحداث خلل في العمل، أو الأسرة، أو الأنشطة والمسؤوليات الاجتماعية، وقد تتطلب أعراض نوبة الهوس أن يتلقى الشخص رعاية في المستشفى للبقاء في أمان. يعاني بعض الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهوس أيضًا من التفكير غير المنظم و/أو المعتقدات الخاطئة و/أو الهلوسة المعروفة باسم «السمات الذهانية-psychotic features».

2. «الهوس الخفيف-Hypomanic Episode» تتميز نوبة الهوس الخفيف بأعراض هوس أقل حدة، وتستمر أربعة أيام متتالية فقط بدلاً من أسبوع. لا تؤدي أعراض الهوس الخفيف إلى المشاكل الرئيسية في الأداء اليومي التي تسببها أعراض الهوس بشكل شائع︎.

3. ︎«نوبة الاكتئاب الكبرى-Major Depressive Episode» نوبة الاكتئاب الرئيسية هي فترة أسبوعين على الأقل يظهر فيها على الأقل خمسة من الأعراض التالية بما في ذلك واحد على الأقل من أول عرضين: 1. الحزن أو اليأس الشديد. 2. فقدان الإهتمام بالأنشطة التي كانت عادة ما تُسعد الشخص. 3. الشعور بعدم القيمة أو الذنب. 4. الإرهاق. 5. زيادة أو نقص النوم. 6. زيادة أو نقص الشهية. 7. القلق مثل زيادة سرعة أو تباطؤ الكلام أو الحركة. 8. صعوبة التركيز. 9. الأفكار المتكررة عن الموت أو الانتحار. [2]

الأعراض عند النساء

يُصاب الرجال والنساء بأعداد متساوية، ومع ذلك قد تختلف الأعراض الرئيسية للاضطراب بين الجنسين، ففي كثير من الحالات يتم تشخيص المرأة المصابة باضطراب ثنائي القطب في العشرين أو الثلاثين من عمرها، وتكون لديها أربع نوبات أو أكثر من الهوس والاكتئاب في عام واحد، ويكون الاضطراب مصاحب بحالات أخرى في نفس الوقت بما في ذلك أمراض الغدة الدرقية، والسمنة، واضطرابات القلق والصداع النصفي. النساء المصابات تكن أكثر عرضة للانتكاس، ويُعتقد أن سبب ذلك هو التغيرات الهرمونية المتعلقة بالحيض أو الحمل أو انقطاع الطمث. [1]

الأعراض عند الرجال

كما ذكرنا سابقًا قد يعاني الرجال من الأعراض بشكل مختلف عن النساء. الرجال المصابون قد يتم تشخيصهم في عمر مبكر أكثر من النساء، وتكون النوبات أكثر شدة خاصة نوبات الهوس، وتكون لديهم مشاكل تعاطي المخدرات أثناء نوبات الهوس. كذلك الرجال المصابون أقل حصولًا على الرعاية الطبية بأنفسهم من النساء، وهم أيضًا أكثر عرضة للموت بالانتحار. [2]

اضطراب ثنائي القطب عند الأطفال

تشخيص اضطراب ثنائي القطب عند الأطفال مثير للجدل إلى حد كبير لأن الأطفال لا يُظهِرون دائمًا نفس أعراض البالغين، وقد لا تتبع حالتهم المزاجية وسلوكياتهم المعايير التي يستخدمها الأطباء لتشخيص الاضطراب عند البالغين، وقد تتداخل أيضًا العديد من الأعراض التي تحدث عند الأطفال مع أعراض مجموعة من الاضطرابات الأخرى التي يمكن أن تحدث عند الأطفال مثل «اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط-ADHD،» ومع ذلك في العقود القليلة الماضية أصبح الأطباء والمتخصصون في الصحة العقلية يتعرفون على الحالة عند الأطفال. يمكن أن يساعد التشخيص الأطفال في الحصول على يمكن أن يساعد التشخيص الأطفال في الحصول على العلاج والتحسن، ولكن قد يستغرق الوصول إلى التشخيص عدة أسابيع أو أشهر.

مثل البالغين يعاني الأطفال المصابون من نوبات مزاجية مرتفعة. يمكن أن يبدوا سعداء للغاية، ويظهرون علامات سلوك منفعل ثم يتبع هذه الفترات الاكتئاب. بينما يعاني جميع الأطفال من تغيرات في الحالة المزاجية، فإن التغيرات التي يسببها الاضطراب تكون واضحة للغاية كما أنها عادة ما تكون أكثر تطرفًا من التغيير المعتاد في مزاج الطفل.

أنواع اضطراب ثنائي القطب

هناك ثلاثة أنواع رئيسية وهي: اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، واضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، واضطراب المزاج الدوري.

ثنائي القطب من النوع الأول يتم تعريفه من خلال ظهور نوبة هوس واحدة على الأقل. قد يعاني المريض من الهوس الخفيف أو نوبات الاكتئاب الشديدة قبل نوبة الهوس وبعدها. يؤثر هذا النوع على الرجال والنساء على حد سواء.

ثنائي القطب من النوع الثاني يعاني الأشخاص المصابون بهذا النوع من نوبة اكتئاب كبرى تستمر أسبوعين على الأقل. لديهم أيضًا نوبة هوس خفيف واحدة على الأقل تستمر حوالي أربعة أيام. يُعتقد أن هذا النوع أكثر شيوعًا عند النساء.

اضطراب المزاج الدوري يعاني الأشخاص المصابون باضطراب المزاج الدوري من نوبات الهوس الخفيف والاكتئاب. هذه الأعراض أقصر وأقل شدة من الهوس والاكتئاب الناجمين عن النوع الأول أو الثاني.[1]

يمكن للطبيب أن يحدد أي من الأنواع يعاني منها المريض.

أسباب اضطراب ثنائي القطب

هذا الاضطراب شائع في الصحة العقلية لكنه يمثل نوعًا من الغموض بالنسبة للأطباء والباحثين. إذ لم يتضح بعد سبب إصابة بعض الأشخاص بهذه الحالة دون غيرهم، ولكن تشمل الأسباب المحتملة ما يلي:

  • 1. أسباب جينية إذا كان أحد أفراد أسرتك مصابًا باضطراب ثنائي القطب، فمن المرجح أن تُصاب بهذه الحالة أكثر من غيرك، ومع ذلك هذا لا يعني أن كل شخص لديه أقارب مصاب بهذا الاضطراب سيصاب به بالإضافة إلى ذلك ليس كل مصاب لديه تاريخ عائلي للإصابة بالمرض.
  • 2. ︎بنية الدماغ قد تؤثر بنية دماغ الإنسان على خطر الإصابة بالمرض؛ حيث تؤدي التشوهات في بنية أو وظائف الدماغ إلى زيادة خطر الإصابة.
  • 3. ︎العوامل البيئية تساهم العوامل الخارجية أيضًا في زيادة احتمالية الإصابة، ويمكن أن تشمل هذه العوامل: الحالات الشديدة من الصدمات النفسية، والقلق وغيرها. [1]

تشخيص اضطراب ثنائي القطب

يتضمن تشخيص اضطراب ثنائي القطب الأول نوبة هوس واحدة أو أكثر، أو نوبات مختلطة من هوس واكتئاب، وقد يشمل أيضًا نوبة اكتئاب كبيرة لكنها قد لا تكون كذلك. يتضمن تشخيص اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني نوبة أو أكثر من نوبات الاكتئاب الرئيسية، ونوبة واحدة على الأقل من الهوس الخفيف. لتشخيص حالة الهوس يجب أن تعاني من أعراض تستمر لمدة أسبوع على الأقل، أو التي تتسبب في دخولك المستشفى. يجب أن تعاني من الأعراض طوال اليوم تقريبًا كل يوم خلال هذا الوقت.

من ناحية أخرى يجب أن تستمر نوبات الاكتئاب الكبرى لمدة أسبوعين على الأقل. قد يكون من الصعب تشخيص هذا الاضطراب لأن التقلبات المزاجية يمكن أن تختلف، ويصعب تشخيصه عند الأطفال والمراهقين لأنه غالبًا ما يكون لهذه الفئة العمرية تغييرات أكبر في المزاج والسلوك ومستويات الطاقة. غالبًا ما يزداد المرض سوءًا إذا تُرك دون علاج، وقد تحدث النوبات في كثير من الأحيان أو تصبح أكثر تطرفًا، ولكن إذا تلقى المريض علاجًا فمن الممكن أن يعيش حياة صحية ومنتجة. لذلك التشخيص مهم جدًا، ويتم تشخيص هذا الاضطراب عن طريق عدة اختبارات يجريها الطبيب عند زيارته. [1]

علاج اضطراب ثنائي القطب

تتوفر العديد من طرق العلاج التي يمكن أن تساعد في إدارة الاضطراب، وتشمل هذه أدوية مثبتات المزاج، وهناك أيضًا بعض العلاجات النفسية الموصى بها والتي تشمل ما يلي: العلاج السلوكي المعرفي وهو نوع من العلاج بالكلام يتحدث فيه المريض والمعالج عن طرق إدارة المرض ليساعده على فهم أنماط تفكيره. يمكنه أيضًا مساعدته في التوصل إلى استراتيجيات تأقلم إيجابية.

التثقيف بالصحة النفسية وهو نوع من الاستشارة التي تساعد المصاب وأحبائه على فهم الاضطراب. ستساعده معرفة المزيد عن هذا الاضطراب فيسهل عليه إدارته.

علاج النظم الشخصية والاجتماعية يركز علاج الإيقاع الشخصي والاجتماعي (IPSRT) على تنظيم العادات اليومية مثل النوم، والأكل، وممارسة الرياضة. يمكن أن تساعد الموازنة بين هذه الأساسيات اليومية في إدارة الاضطراب. وقد تشمل خيارات العلاج الأخرى العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)، والمنومات، و المكملات الغذائية. [1]

لماذا أنا؟

إذا كنت مصابًا فيمكن أن يجعلك اضطراب ثنائي القطب تشعر بالوحدة التامة، ولكنك لست وحدك حيث يؤثر هذا الاضطراب على حوالي 60 مليون شخص حول العالم، وبالتالي من المهم ألا تلوم نفسك على حالتك. اضطراب ثنائي القطب هو مرض جسدي، وليس علامة على الضعف الشخصي.

إنه مثل مرض السكري أو أمراض القلب أو أي حالة صحية أخرى. لا أحد يعرف ما الذي يسبب هذا المرض، ولكن بالنسبة لكثير من الناس هو حالة يمكن التحكم فيها بشكل كبير. قد يكون التعايش معه أمرًا صعبًا، ولكن لا تدعه يخطف حياتك. بدلاً من ذلك اتخذ الإجراءات واستعد السيطرة على صحتك. بفضل التفاني ومساعدة مقدمي الرعاية الصحية يمكنك الشعور بالتحسن مرة أخرى. [3]

في الخاتمة إذا كنت تعتقد أنك تعاني من أعراض اضطراب ثنائي القطب حدد موعدًا مع طبيبك. أما إذا كنت تعتقد أن صديقًا أو قريبًا أو أحد أفراد أسرتك قد يكون مصابًا، فإن دعمك وتفهمك أمر بالغ الأهمية. شجعهم على رؤية الطبيب بشأن أي أعراض يعانون منها، وتعلم كيف تساعد شخصًا مصابًا. قد يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من نوبة اكتئاب أفكار انتحارية. يجب أن تأخذ دائمًا أي حديث عن الانتحار على محمل الجد أما إذا راودتك أنت أفكار انتحارية فلا تتردد في طلب المساعدة.

بالاضافة الى أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب ثنائي القطب إقرأ أيضًا: كيف يمكن أن يختلف الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين؟

مصادر أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب ثنائي القطب:

1. Healthline
2. Psychiatry.org

نظرية اللعبة : الاستراتيجية المهيمنة

في نظرية اللعبة، يستخدم اللاعبون استراتيجيات مستقلة مختلفة لتحسين عملية صنع القرار بهدف الفوز على الخصم. غالبًا ما يستخدم اللاعبون في شركات الاحتكار العالمية أو الجيش أو المديرون أو المستهلكون نظرية اللعبة كأداة استراتيجية. وأحد أهم تلك الاستراتيجيات هي الاستراتيجية المهمينة.

ما هي الاستراتيجية المهيمنة؟

الاستراتيجية المهيمنة في نظرية اللعبة تشير إلى حالة حيث لاعب واحد لديه تكتيكات متفوقة بغض النظر عن كيفية لعب الخصوم. طالما جميع العوامل ثابتة، فإن لاعب ما يتمتع باليد العليا في اللعبة على الخصوم. وهذا يعني، بغض النظر عن الاستراتيجيات المستخدمة من قبل الخصوم، فإن اللاعب المهيمن دائمًا يضمن النتائج.
قد تطابق الاستراتيجية المهيمنة نتيجة توازن ناش، رغم أن المبادئ الأساسية للاستراتيجية المهيمنة تجعل تحليل ناش مبالغ فيه إلى حد ما.

الفرق بين توازن ناش والاستراتيجية المهيمنة

في الاستراتيجية المهيمنة، لا يدرك كل لاعب للاستراتيجية المثلى للآخر. حيث يختار كل لاعب أفضل استراتيجية من بين جميع الخيارات. يحدث توازن ناش عندما يعرف أو يتنبأ كل لاعب استراتيجية خصمه ويستخدم هذه المعرفة لتشكيل استراتيجيته الخاصة. ومع ذلك، قد تكون الاستراتيجية المهيمنة هي توازن ناش.

معضلة السجين

واحدة من استراتيجيات نظرية اللعبة الأكثر شعبية والأساسية هي معضلة السجين. ,وتحلل هذه المعضلة استراتيجية صنع القرار التي يتخذها شخصان. ينتهي الأمر من خلال العمل لمصلحتهما الفردية ، إلى نتائج أسوأ مما لو كانا قد تعاونا مع بعضهما البعض في المقام الأول.

ويعمل سيناريو معضلة السجين على النحو التالي: ألقي القبض على اثنين من المشتبه فيهم بتهمة ارتكاب جريمة: علي وحسن، وهما الآن في غرف منفصلة في مركز للشرطة، دون أي وسيلة للتواصل مع بعضهما البعض. قال لهم المدعي العام بشكل منفصل ما يلي:

  • إذا اعترفت ووافقت على الشهادة ضد المشتبه به الآخر، الذي لا يعترف، سيتم تخفيف الحكم لسنة واحدة.
  • في حاللم تعترف ولكن المشتبه به الآخر يفعل ذلك، سوف تتم إدانتك وسيسعى الادعاء إلى الحصول على عقوبة 10 سنوات.
  • إذا اعترف كلاكما، سيحكم عليكما بالسجن لمدة 6 سنوات.
  • وإذا لم يعترف أي منكما، فسوف توجه اليهما تهمة ارتكاب جنح وسيحكم عليكما بالسجن لمدة سنتان.
معضلة السجين

ماذا يجب أن يفعل المشتبه بهم؟ هذا هو جوهر معضلة السجين.

ما سنبحث عنه هو ما نسميه الاستراتيجية المهيمنة لأن أيًا من الاستراتيجية المهيمنة هي الاستراتيجية الأفضل بغض النظر عما يفعله المشتبه به الآخر. استراتيجية الاستراتيجيات المهيمنة الأفضل بغض النظر عن استراتيجية المتهم الآخر.

سنقوم بتقييم كلا القرارين لتحديد الاستراتيجية المهيمنة:
للنظر للأمر من ناحية حسن، إذا اعترف علي، ماذا يجب أنه يفعلة حسن؟ بالطبع، يجب عليه الاعتراف أيضا حتى يحصل على 6 سنوات بدلًا من 10سنوات.
وفي حالة عدم اعتراف علي، ما هو أفضل رد لحسن؟ بعيدا عن الأخلاقيات هنا، بالطبع سيكون الاعتراف هنا أفضل. حيث سيحصل على حكم بسنة واحدة بدلًا من سنتان. نفس الأمر ينطبق على علي.
في هذه الحالة يكون الاعتراف هو الاستراتيجية المهيمنة حيث يضمن لك أقل الخسائر بغض النظر عن القرار الذي يتخذه المشتبه به الآخر.

الاستراتيجية المهيمنة في عالم الإقتصاد

فلنحاول تطبيق معضلة السجين في عالم الاقتصاد لكن بدلًا من حسن وعلي سنطبق الأمر على شركتي كوكاكولا وبيبسي. تحاول كلتا الشركتي تحقيق أكبر ربح ممكن.
تستعد كل شركة لإنزال عبوة مشروب غازي جديدة ويحاولان جذب مستهلكين أكثر عن طريق الأسعار:

  • فإذا قامت شركة كوكاكولا بعرض المنتج بسعر 7 جنيهات وشركة بيبسي عرضت المنتج بسعر 5 جنيهات، سوف تحقق بيبسي مبيعات بـ 30 مليون جنيه وتحقق شركة كوكاكولا مبيعات ب 10 مليون جنيه. أو العكس.
  • وفي حالة أذا عرضت كلا الشركتان المنتج بسعر 7 جنيهات، سوف يحقق كل منهما مبيعات بـ 20 مليون جنيه.
  • وفي حالة إذا عرضت كلا الشركتان المنتج بسعر 5 جنيهات، سوف تحقق كل شركة مبيعات بـ 15 مليون جنيه.
الإستراتيجية المهيمنة في عالم الاقتصاد

وبتطبيق معضلة السجين السابقة، إذا الاستراتيجية المهيمنة هي عرض المنتج بـ 5 جنيهات حيث يضمن أكبر احتمالية ممكنه للربح. حيث احتمالية ربح 30 مليون أو 15 مليون أفضل من احتمالية ربح 20 مليون أو 10 مليون.

سياسة الاحتكار

بغرض منع تخفيض أسعار المنتجات عن طريق اتباع الاستراتيجية المهيمنة تقوم بعض الشركات باحتكار المنتجات في الأسواق مثل النفط والالماس وغيرها. حيث يضمن عرض المنتج بالسعر المناسب له دون القلق من منافسين له.

<<<<<نظرية اللعبة : توازن ناش I نظرية اللعبة: الاستراتيجية المختلطة>>>>>

المصادر

1- coursera
2-investopedia
3-investopedia
4-corporatefinanceinstitute
5-investopedia

نظرية اللعبة : توازن ناش

هذه المقالة هي الجزء 3 من 5 في سلسلة مقدمة في نظرية اللعبة

تم تسمية توازن ناش على اسم مكتشفه جون ناش، عالم الرياضيات الأمريكي. وهو يعتبر واحدًا من أهم مفاهيم نظرية اللعبة، والتي تحاول تحديد الإجراءات التي يجب على المشاركين في لعبة اتخاذها لتأمين أفضل النتائج لأنفسهم رياضيًا ومنطقيًا.

توازن ناش هو مفهوم داخل نظرية اللعبة، حيث يحقق النتيجة المُثلى للعبة ما بمراعاة خطوات وتحركات الخصم بعدد لا متناهي. حينها لا بد أن تفكر فيما سيختاره الخصم وتلعب على هذا الأساس مثلما رأينا سابقًا في لعبة قاسم أو اسرق وبالتالي يفكر الخصم فيما ستختاره، وأنت تفكر فيما سيعتقد الخصم أنك ستختاره وهكذا، إلى أن تصل لنقطة نهائية من قراءة التحركات وتعرف بتوازن ناش [2][1]. وسيتم شرح الفكرة بشكل أكبر خلال ألعاب هذا المقال. ولكن سندعوك أولًا لمشاهدة هذا المقطع من فيلم “The Princess Bride” والذي سيفيدنا في شرح الأمر بشكل ممتع.

“مسابقة كينز للجمال – The Keynesian Beauty Contest”

في ثلاثينيات القرن العشرين، كانت مسابقة للجمال تصدر في أحد الصحف الشعبية، حيث تخمن أجمل وجه من أصل 100 صورة فوتوغرافية. يختار كل قارئ 6 وجوه، وسيتم مقارنة اختياراتهم بجميع اختيارات القُُرّاء الآخرين. إذا تضمنت اختيارات القارئ الوجه الأكثر شعبية، فسيفوز بالجائزة.

مسابقة الجمال

اهتمام جون كينز بمسابقة الجمال

في صباح أحد الأيام، قرأ الاقتصادي البريطاني الشهير جون ماينارد كينز عن هذه اللعبة في صحيفته المحلية. كان كينز، في ذلك الحين اقتصاديًا كبيرًا بارعًا، يكافح كثيرًا في البورصة. لذلك، أصبح مهتمًا بإيجاد نموذج يشرح سبب تذبذب أسهم البورصة وانهياراتها وغيرها من التقلبات السريعة في الأسعار، على الرغم من عدم تذبذب القيم الأساسية للأسهم من يوم إلى يوم. ألهمته لعبة مسابقة الجمال كنموذج محتمل، وشرع في الكتابة عن ذلك في عمله عام 1936 تحت عنوان “النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال”.

استراتيجية كينز

وفقًا لكينز، يمكنك استخدام استراتيجيات مختلفة متعددة عند لعب لعبة مسابقة الجمال. أولًا، يمكنك ببساطة اختيار الوجوه الستة التي تجدها شخصيًا أكثر جاذبية. ويطلق كينز وغيره من خبراء الاقتصاد على هذه الاستراتيجية اسم “الاستراتيجية الساذجة”، لأنها تستند إلى افتراض مفاده أن تفضيلاتك مطلقة. استراتيجية أخرى تنطوي على بناء قرارك على ما تعتقد أن اللاعبين الآخرين سيجدونه جذابًا.

ومع ذلك، فإن هذا الأمر غير مبني على الاختيار الأكثر عقلانية، فهو يعمل على افتراض أن الجميع يستخدمون الاستراتيجية الساذجة فحسب. ولكن ماذا لو استخدم الجميع الاستراتيجية الأكثر تطورًا، وحاولوا تخمين ما يجده الآخرون جذابًا؟ حسنًا، سيصبح الأمر معقدًا. ليس عليك فقط تخمين ما يجده الآخرون جذابًا؛ بل يجب عليك أن تخمن تخمينات الآخرين أيضًا. ولكن بمجرد أن نعتمد هذه الاستراتيجية، ينتهي بنا المطاف في حلقة لا نهائية تمامًا كما حدث في مقطع الفيلم بالأعلى.

حلقة لا نهائية

للمضي قدمًا، يحتاج كل لاعب إلى الذهاب لمستوى أعمق من أي شخص آخر، حيث سيصبح بحاجة إلى تخمين تفضيلات الآخرين وقراراتهم، بل وتخمينات الآخرين حول تخمينات الآخرين، وهلم جرًا. رغم أنها لعبة بسيطة لتحديد الوجوه الأكثر جمالًا إلا أن الأمر أصبح معقدًا، وتحول الأمر للعبة تخمين لا نهائية. [3]

تطبيقات نظرية كينز في البورصة

شبّه كينز هذا الشكل من التفكير الاستراتيجي بالبورصة واستراتيجيات المضاربة لكسب مال سريع. إذ يجب علىى المضارب الماهر شراء الأسهم قبل أن يشتري الجميع وبيعها قبل أن يبيع الجميع. من خلال القيام بذلك، يمكنك ركوب موجات من ثقة المستثمرين لترتفع أسهمك ثم الخروج قبل أن تتهاوى في دورتها الحتمية.
 
لذلك، إذا استطعت معرفة ما يفكر فيه غالبية المشاركين في سوق الأسهم، يمكنك التغلب عليهم. ومع ذلك، يحذر كين من استخدام نفس المنطق المعيب اللا نهائي الذي رأيناه في مسابقة الجمال.

إذ يحاول الجميع تخمين ما سيشتريه ويبيعه المستثمرون الآخرون، وما سيخمنه المستثمرون الآخرون عن المستثمرين الآخرين؛ وهلم جرًا إلى الأبد. من الممكن أن تفوز فَوْزًا كبيرًا إذا كنت تخمن كل شيء بشكل صحيح، إلا أنك ستصبح أكثر عُرضة للخسارة. فالتخمينات عدد لا حصر له من المرات ومن الممكن أن يحمل نسبة أكبر من الأخطاء.[3]

لعبة “2/3 المتوسط”

لعبة “2/3 المتوسط” هو لغز معروف في نظرية اللعبة، ويوضح بعض المفاهيم الأساسية للنظرية. باختصار، إليك بيان المشكلة:

لنفترض أن كل شخص في بلدتك يختار رقمًا صحيحًا يتراوح بين 0 و100، كما أن 0 و 100 هما خياران محتملان ضمن المجموعة أيضًا، كما هو الحال مع أي رقم آخر بينهما. الفائز هو الذي يختار أقرب رقم إلى 2/3 من متوسط الأرقام المختارة. ما هو الرقم الذي تختاره؟ لماذا؟

لنبدأ بطريقة لطيفة لعرض المشكلة وهي البدء بتحديد مجموعة الأرقام التي لا ينبغي لأي لاعب عقلاني اختيارها. بشكل منطقي، سيشعر أغلبنا بأن الجواب الفائز لن يكون 100. لماذا؟ لأن متوسط الأرقام لا يزيد عن 100، ولا يمكن أن يكون أكبر من 100! وبالتالي، لا يمكن أن يكون 2/3 من المتوسط هو 100. لذا سيلجأ المرء إلى خيار أفضل.

في الواقع، 2/3 من متوسط الأرقام التي لا تزيد عن 100 لا يمكن أن يكون أكبر من 66.666، لذلك، فمن غير المنطقي اختيار عدد أعلى من 66.666. لذا من الأفضل اختيار عدد أقل من هذا الرقم.

إذا كنت عقلانيًا، فلن تحدد رقمًا أكبر من 66.666 بالطبع، وهذا يقودنا إلى المرحلة التالية من التحليل. هل يمكنك أن تفترض أن الجميع منطقيون؟ إذا كان الأمر كذلك فإن جميع اللاعبين قاموا باستبعاد الأرقام فوق 66.666 من اختياراتهم، وهذا يقلل من الاحتمالات لاختيار عدد بين 1 و 66.666. وفي محاولة للحصول على الأقرب إلى 2/3 من متوسط رقم 66.666 سنصل في هذا الحالة = 44.444، وتستمر هذه العملية – باعتبار جميع اللاعبين في أعمق مستوي من العقلانية والمنطقية- إلى أن يصل الرقم الفائز إلى 0 حيث يختار جميع اللاعبين 0 وهذا ما يعرف بتوازن ناش.

هل توازن ناش هو الرابح؟

حالة أن الجميع يختار صفر هو توازن ناش، تعني أنه لن يندم أحد على اختياره. والوصول إلى توازن ناش يتطلب أكثر من مجرد عقلانية ومنطقية من جانب اللاعبين. بل، يتطلب أن يفترض الجميع أن الجميع يفترض أن الجميع يفترض … أن الجميع عقلاني ومنطقي (سلسلة طويلة من التخمينات تكاد تكون بعدد كل المشاركين). وتعرف عملية التخلص المتكرر من مجموعات الأرقام التي قد يكون اختيارها غير منطقي بـ”القضاء المتكرر على استراتيجيات الهيمنة الضعيفة “.

هل تعتقد أن الخيار الفائز سيكون الصفر حقًا؟ أراهنك بلا. لأنه من غير المحتمل أن يتبع كل شخص في بلدتك سلسلة المنطق المذكورة أعلاه. قد يكون الجميع عقلانيين. وقد يفترض الجميع أن الجميع عقلانيون. قد يفترض الجميع أن الجميع يفترض أن الجميع عقلانيون. ولكن في مرحلة ما، بعض اللاعبين سيوقفون التسلسل. في الواقع، يكمل الناس هذا التسلسل إلى أربعة مستويات في المتوسط. ورقم 21.6 كان هو الرقم الفائز في مثل هذه اللعبة التي نظمتها صحيفة دنماركية مع 19196 مشاركًا.

نتائج لعبة “2/3 المتوسط” في صحيفة دنماركية

الموجز عن توازن ناش

توازن ناش هو عنصر من عناصر نظرية اللعبة وهو النقطة الذي سيقف عندها اللاعب ولا يغير قراره أو استراتيجيته حتى عند معرفة استراتيجية الخصم. فعند وصوله لتوازن ناش لن يحتاج لتغييره لأنه الأفضل للجميع ألا وهو الصفر في اللعبة الماضية. يمكن تطبيق توازن ناش في مجموعة متنوعة من المواقف الواقعية في تحديد أفضل مكافأة في السيناريو الذي سيتم استنادًا إلى قراراتك وكذلك قرارات خصمك. إلا أن توازن ناش لا يعني بالضرورة أن يصف الواقع كما رأينا، فهو لا يدرس الماضي، بل يحاول التنبؤ بالمستقبل بطريقة رياضية متسلسلة لا تضمن الفوز في جميع الحالات.

المصادر
1-coursera
2-investopedia
3-thedecisionlab

ردود على نقد التطور

هذه المقالة هي الجزء 12 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد عرض أدلة التطور والرد على الطرح المضاد للتطور الذي يروج له الخلقيون، يحين موعدنا مع الرد على أشهر انتقادات وجهت لنظرية التطور.

التشابه ليس دليلًا على التطور

يعترض الخلقيون قائلين أن التشابه بين تراكيب الكائنات الحية ليس دليلًا على التطور. هذا ادعاء صحيح إلى حد ما، فليست كل التشابهات بين الكائنات الحية يمكن استخدامها على أنها دليل على تطورها من بعضها البعض بشكل مباشر.

على سبيل المثال، يمتلك كل من الطيور والحشرات الطائرة أجنحة، ولكن هذا لا يمكن أن يستخدم كدليل على انحدارهم من سلف مشترك امتلك أجنحة. في الواقع هذا ادعاء خاطئ، فقد طوّر كل منهم تركيبة الأجنحة بشكل منفصل. ولكن كيف يعرف العلماء ما إن كانت هذه التراكيب منحدرة من سلف مشترك أم تطورت بشكل منفصل؟

تكمن الإجابة في معرفة التركيبة والوظيفة للأعضاء التي نقارنها. فمثلًا، لدى كل من الخفافيش والطيور أجنحة، ولكنها مختلفة تمامًا في التركيبة على الرغم من تأديتهم لنفس الوظيفة. فعلى سبيل المثال، يتكون جناح الخفاش من غشاء يمتد بين أصابعه، بينما لا نرى ذلك في أجنحة الطيور.

حقوق الصورة: Macmillanhighered

ولكن عندما نأتي مثلًا لنرى زعانف الحيتان مقارنة بذراع الإنسان، نرى أنهما يتبعان نمطًا واحدًا كما ناقشنا في الجزء الأول من السلسلة. فعلى الرغم من امتلاكهم لوظائف مختلفة تمامًا، فنحن نرى نفس التركيبة. بالإضافة إلى أن زعانف الحوت لا تشبه زعانف الأسماك، ولكنها كما قلنا تتبع نمط الأطراف الأمامية لدى الثدييات. وهو ما يتوافق مع كونها ثدييات أصلًا.

باختصار، نوع التشابه الذي يستخدم للدلالة على التطور من سلف مشترك هو التشابه غير الضروري في تركيبة الأعضاء على الرغم من اختلاف الوظيفة. [1]

وجود فجوات في السجل الأحفوري

ينتقد الخلقيون نظرية التطور باعتبارها تفتقد لاكتمال السجل الأحفوري. فعندما يرون الكم الهائل من الأدلة التي تؤيد التطور من السجل الأحفوري، يقولون أن السجل الأحفوري غير مكتمل.

بالطبع هذا الادعاء صحيح، ولكنه لا يصلح لاستخدامه في نقد التطور. فتكوّن الحفريات عملية نادرة للغاية، ونحن على الأرجح لن نحصل على سجل أحفوري مكتمل في يوم من الأيام. ولكن هذا لا يصلح لمواجهة الكم الهائل من الحفريات التي عثرنا عليها، حيث أن كل حفرية من الحفريات الموجودة في السجل الأحفوري كانت “حلقة مفقودة” في مرحلة ما. على سبيل المثال، كان الاعتقاد سائدًا منذ زمن بعيد أن الإنسان والشيمبانزي متشابهان، ولكن لم تكن هناك حفريات انتقالية لتدعيم فكرة انحدار الإنسان والشيمبانزي من سلف مشترك. أصبح لدينا اليوم سجل أحفوري يزخر بالحفريات الانتقالية التي تحكي لنا قصة تطور الإنسان.

إذًا فمجرد وجود فجوات في السجل الأحفوري لن ينفي وجود عدد كبير من الحفريات الانتقالية المكتشفة بالفعل، ولا يصلح كنقد للتطور. يمكن اعتبار وجود فجوات في السجل الأحفوري دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في سد تلك الفجوات بممارسة البحث العلمي والحملات الاستكشافية لاكتشاف المزيد من الحفريات.

الانفجار الكمبري

ليس لدى الخلقيين حجة أفضل الانفجار الكمبري ليستخدموها في نقد التطور. إلا أنها مبنية على أساس نفس الادعاء السابق كما سنوضح. تتلخص حجتهم أن في مرحلة ما من تاريخ الأرض، ظهر عدد ضخم من الكائنات الحية بشكل “مفاجئ” في السجل الأحفوري. وأن داروين نفسه اعترف بندرة الحفريات مما قبل العصر الكمبري، مما يثبت فرضيتهم عن الخلق المباشر.

ولكن هذا ادعاء غير صحيح بالمرة، فالحياة لم تبدأ في العصر الكمبري. ولكن يمكننا اقتفاء أثر للحياة مما قبل الانفجار الكمبري بحوالي 3 بليون سنة! وصحيح أن الحفريات ما قبل الانفجار الكمبري كانت نادرة في عصر داروين، ولكن هذا كان في عصر داروين فقط!

وجد العلماء العديد من الحفريات مما قبل الكمبري، والتي تعتبر نماذجًا أولية لأشكال الحياة التي عاشت في العصر الكمبري. مثل «بارفانكورينا-Parvancorina»، والتي تُشبه «الترايلوبايت-Trilobites» التي عاشت في العصر الكمبري إلى حد كبير. ولا يمكننا معرفة ما إذا كانت هي الأسلاف الحقيقية للترايلوبايت، ولكننا نرى التشابه في الصفات التشريحية كما تتنبأ نظرية التطور بالضبط. كما عُثر عليها في نفس الطبقات الرسوبية التي يتنبأ التطور بوجودها فيها! [2]

حقوق الصورة: Research Gate

كما عثر العلماء على «الكمبريلا-Kimbrella»، والتي تشابه الرخويات بدرجة كبيرة. ومجددًا، في نفس الطبقات الرسوبية التي تتنبأ بها نظرية التطور. [3] وغيرها الكثير من أشكال الحياة البدائية التي يمكننا العثور عليها مما قبل الانفجار الكمبري، وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أن الانفجار الكمبري ليس “انفجارًا” حقًا.

أضف إلى علمك أن الانفجار الكمبري استمر لحوالي 20 مليون سنة، وهو ليس بالرقم الصغير! فمهما حدث من تنوع حيوي، فقد حدث على مدار 20 مليون سنة! [4]

في الواقع، لدينا أمثلة على تحولات تطورية كبيرة في فترات أقل بكثير من هذه، فلدينا سجل أحفوري جيد جدًا يوثق تطور الحيتانيات مثلًا. حتى أن نوعًا جديدًا من الحيتان البدائية اكتشف في وادي الحيتان في مصر في 2021 [5]، وأطلق عليه مكتشفوه اسم «فيوميسيتس أنوبيس-Phiomicetus Anubis». ونحن نعلم أن هذا التحول الكبير من حيوانات برية إلى الحيتان حدث في أقل من 10 مليون سنة فقط! [6]

إذًا فالعثور على حفريات انتقالية قبل الانفجار الكمبري تعد صورًا أولية للكائنات التي ظهرت فيه. ومعرفة أن الانفجار الكمبري استمر 20 مليون سنة، تكفي للإطاحة بحجة الانفجار الكمبري، وإثبات أنها لم تعد تصلح لاستخدامها في نقد التطور.

التطور يحدث داخل نفس النوع

يعترض الكثيرون قائلين أن التطور يحدث في نفس النوع فقط، ويتخيلون أن كل أمثلة التطور المرصود هي مجرد تكيفات ولا تصلح لاستخدامها كدليل على التطور. وللرد على هذا الادعاء علينا أولًا معرفة تعريف «النوع-species».

وفقًا للموسوعة البريطانية، النوع هو مجموعة من الكائنات الحية تضم أفرادًا يمتلكون خصائص متشابهة ويمكنهم التزاوج. [7]

والواقع أن هناك تجربة شهيرة توضح حدوث «الانتواع-Speciation»، مباشرة أمام أعيننا. حيث قامت «دايان دود-Diane Dodd» بتجربة بسيطة قامت فيها بعزل مجموعتين من ذباب الفاكهة، ووضعت كل مجموعة في قفص مغلق. قامت دايان بتغذية مجموعة منهم على طعام مكون بشكل أساسي من سكر «المالتوز-Maltose»، بينما غذّت المجموعة الأخرى بطعام مكوّن بشكل أساسي من «النشاء-Starch». وبعد فترة، أطلقت المجموعتين على بعضهما البعض لترى أنماط التزاوج التي سيتخذونها، وهنا كانت المفاجأة!

تزاوج ذباب المالتوز مع ذباب المالتوز، وذباب النشاء مع ذباب النشاء. هذا مثال على الانتواع يحدث أمام أعيننا، فقد أدى الانعزال والعيش في ظروف مختلفة لفترة من الزمن إلى ظهور نوعين من ذباب الفاكهة. [8] ولكنهم يقولون أن الذباب ظل ذبابًا، ولم يصبح أي كائن آخر. أجل، فهل تقول نظرية التطور أن الذباب سيبيض عصافيرًا مثلًا؟

ما يخبرنا به التطور أن التغيرات الصغيرة تتراكم على مدى زمني طويل لتصير تغيرات كبيرة ملحوظة. وكل التغيرات الصغيرة التي نرصدها في المعمل أو خارج المعمل ما هي إلا خطوات صغيرة إذا استمرت وتراكمت، ستصير الكائنات بشكل مختلف تمامًا. فتراكم السنتيمترات (على الرغم من صغرها) سيعطينا عاجلًا أم آجلًا كيلومترات، ولا يمكنك إنكار هذا لأنه لا يعجبك. وهنا قد تتساءل إذا لم يكن التطور الكبير مرصودًا فكيف للعلماء أن يعرفوا حدوثه؟

يعرف العلماء حدوثه من السجل الأحفوري الذي يوثق تطور أنواع كثيرة. كما يعرفونه من علم الأجنة الذي يوفّر أدلة قوية على التطور. وكذلك يعرفونه من الجينوم الذي أثبت حدوث التطور بأدلة قاطعة كما بينت كثيرًا في هذه السلسلة بطولها.

لوسي قرد عادي

نعم، هذا صحيح تمامًا، فالتصنيف العلمي لي ولك وللشيمبانزي والغوريلا والأورانجوتان هو «القردة العليا-Great Apes». وكذلك كان الأوسترالوبيثيكاس (لوسي)، ولكن ليس هذا ما يعنيه الخلقيون، ما يقصدونه هو أن لوسي مجرد شيمبانزي وليست ضمن الخط التطوري للبشر.

وهذا غير صحيح لأننا نجد صفات بشرية لدى لوسي ليست لدى القرود غير البشرية، مثل المشي المنتصب. نعرف أن لوسي قد مشيت منتصبة عن طريق معرفة زاوية تمفصل عظمة الفخذ مع عظمة الحوض في الحفرية. كما عثرنا على حفريات لآثار أقدامها، وهي مشابهة لآثار البشر كما ناقشنا بتفصيل أكثر في الجزء الخاص بالسجل الأحفوري.

رسومات إرنست هيكل

يقولون أن خط الأدلة من علم الأجنة مبني على رسومات إرنست هيكل التي اكتشف لاحقًا أنها مزيفة. حيث رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه يكون مشابهًا فيها لأسلافه في مرحلة البلوغ، فيما يُعرف ب«التلخيص-Recapitulation» وهذا لأن الجنين -وفقًا لرأي هيكل- يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه. فعلى سبيل المثال، سيبدأ الجنين البشري بكائن أحادي الخلية، ثم سمكة، ثم يصير كائنًا برمائيًا، وهكذا إلى أن يصل إلى الهيئة البشرية (وفقًا لفرضية هيكل).

وهذا مجرد هراء، فقد قمنا بتخطئة نظرية هيكل في أول فقرة من مقال علم الأجنة. كما دعّمنا الأدلة التي أوردناها من علم الأجنة بصور فوتوغرافية لا علاقة لها برسومات هيكل من قريب أو بعيد. وقد تجاوز العلم رسومات هيكل بسنوات من البحث والتدقيق والتمحيص. ولكن يبقى الخلقيون مولعون بالبحث في ركام الفرضيات العلمية التي قام المجتمع العلمي نفسه برفضها لينتقدوا بها العلم الحديث، وفي هذا تدليس واضح.

عدد كروموسومات الإنسان

يردد الخلقيون عن جهل هذا المثال كثيرًا، فيقولون كيف للإنسان أن يمتلك عددًا مختلفًا من الكروموسومات عن القردة العليا إن كان منهم؟ والحقيقة أن الكروموسوم 2 لدى الإنسان عبارة عن كروموسومين ملتحمين كما أثبتنا بشكل أكثر تفصيلًا في مقال أدلة الجينوم. هذا بغض النظر عن وجود حالات مرضية لتغير عدد الكروموسومات داخل نفس النوع، فلدينا نحن البشر مجموعة من التغيرات الكروموسومية بالفعل:

• «متلازمة داون-Down syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم زائد مماثل للزوج رقم 21، وبالتالي فإن كل خلايا الجسم تحتوي على 47 كروموسوم بدلًا من 46.
• «متلازمة كلاينفلتر- Klinefelter syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم X زائد في الحيوان المنوي، فتصبح كروموسومات الجنين XXY.
• «متلازمة تيرنر-Turner syndrome»، وتحدث في الإناث نتيجة عدم نقص وجود كروموسوم X بشكل كلي أو جزئي. [9]

كما أن الأبحاث العلمية أثبتت بشكل قطعي أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين ملتحمين، لذا فلا فائدة من نكرانه أو محاولة الهروب منه. فليتعامل الخلقيون مع ذلك!

«سمكة السيليكانث-Ceolacanth»

يحتج الخلقيون بأن سمكة السيليكانث لم تتطور على مدى ملايين السنين وهذا يجعل منها «أحفورة حية-Living fossil»، وأن هذا يعارض التطور. وهو ادعاء باطل من وجهين:

أولًا، لا تحتم نظرية التطور على كل الكائنات أن تستمر في التغير، فالانتخاب الطبيعي يحافظ على الصفات المناسبة لبيئتها بشكل كافٍ. لذا فوجود أي كائن لم يتغير على مدى سنين كثيرة لا يُعد حجة لتستخدم في نقد التطور.

ثانيًا، لا تعد السيليكانث أحفورة حية أصلًا، فالسجل الأحفوري يزخر بأقرباء السيليكانث المنقرضين مثلما نرى في هذه الصورة (سمكة Latimeria هي نوع السيليكانث الموجود حاليًا). [10]

حقوق الصورة: Ecologica

منذ أن خرجت نظرية التطور إلى النور وهي مبحث مهم من مباحث العلم الحديث. لذا فقد رأينا أن نعرض لكم أبرز أدلة التطور وأكثرها شيوعًا، مع العلم بأن هناك عدد أكبر من الأمثلة في كل خط من خطوط الأدلة التي ناقشناها. ويستمر البحث في نظرية التطور، وتستمر الأدلة في الزيادة، ونستمر في إطلاعكم بكل جديد في مجال العلوم.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Fossil Fandom
[3] Nature
[4] Springer
[5] Royal Society
[6] Whales
[7] Britannica
[8] Berkeley
[9] About Kids Health
[10] Ecologica

التصميم الذكي في ميزان العلم

هذه المقالة هي الجزء 11 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يلقى التصميم الذكي تأييدًا واسعًا لدى معارضي التطور، حيث يلجأون إليه في تفسير تنوع الكائنات الحية. لكن هل تصمد هذه الفكرة أمام نظرية التطور حقًا؟ سرعان ما يظهر تفوق التطور في توفير تفاسير علمية حقيقية للطبيعة، واليوم سنضع التصميم الذكي في ميزان العلم للرد عليه وعلى الادعاءات غير العلمية التي يرددها مؤيديه.

ليس غرضنا من هذا المقال التعرض لمسألة خلق الحياة من قريب أو من بعيد، فالتطور لا يناقش فكرة الخلق. التطور غير معنِي أصلًا بتلك المسائل أو بتفسير نشأة الحياة، وإنما يسعى لتفسير التنوع الحيوي بعد أن نشأت الحياة أصلًا. إن كنت تبحث عما يعارضه التطور، فالتطور يعارض مفهوم الخلق الخاص لكل نوع بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى بالتحديد. وقد وجب التنبيه لكي لا يُساء فهم مغزى المقال.

هل فكرة التصميم الذكي علمية؟

يحاول الخلقيون إقحام التصميم الذكي كتفسير علمي للتنوع الحيوي. ولكن سرعان ما ينهار أمام معايير الفرضية العلمية، وهذا لأن من معايير الفرضية العلمية أن تكون:

1- تركز على العالم الطبيعي المادي. إذ يطرح مؤيدو التصميم الذكي الفرضية كتفسير للتنوع الحيوي الطبيعي، والصفات التشريحية والجزيئية المادية لدى بعض الكائنات.

2- تسعى لتفسير العالم الطبيعي. ويدعي الخلقيون أن التصميم الذكي يفسر العالم الطبيعي ولكنه سرعان ما يكون مختصرًا للغاية في تفسيراته. على سبيل المثال، يفسر التصميم الذكي وجود السوط البكتيري بأنه بفعل مصمم ما ذكي، ولكنه يفشل في توفير أي معلومات عن طبيعة هذا المصمم أو عن كيفية تصميمه للسوط البكتيري.

3- تستخدم أفكارًا قابلة للاختبار. إذ يجب على أي فرضية علمية تقديم توقعات وتنبؤات بشأن الملاحظات التي نرصدها في العالم الطبيعي لتأييد أو دحض الفرضية. ولكن نظرًا لأن التصميم الذكي لا يعطي تفسيرًا لكيفية التصميم أو ماهية المصمم، فإنه يفشل في توفير تنبؤات دقيقة من شأنها أن تساعدنا على معرفة مدى صحة هذه الفكرة. باختصار، التصميم الذكي غير قابل للاختبار. أي لا يمكن أن يضع مؤيدوه شروط يمكن حينها إسقاط فرضية التصميم الذكي، بالتالي تفقد فرضية التصميم الذكي ركن أساسي في بنائها العلمي.

4- تقوم على الأدلة

نظرًا لكون التصميم الذكي غير قابل للاختبار فهو يفشل في طرح أدلة لدعمه. ولكن داعمو هذا الطرح يعمدون إلى الاستدلال على طرحهم بتوجيه الانتقادات للتطور (مثل فكرة التعقيد غير القابل للاختزال)، والتي تم اختبارها ودحضها علميًا كما سنبيّن بعد قليل.

5- تشمل المجتمع العلمي

لا ينشر مروجو التصميم الذكي أبحاثهم في المجلات العلمية المرموقة. ويقاومون تعديل أفكارهم لمواءمة تدقيق المجتمع العلمي والبيانات العلمية، ولكن لهم مجتمعًا خاصًا بهم. وهو مجتمع مسخّر لدعم أفكارهم، وليس لمحاولة فهم وتفسير العالم الطبيعي.

6- تساهم في حركة البحث العلمي

حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، لم يساهم التصميم الذكي في أي اكتشاف علمي جديد. بالطبع يستمر مؤيدو هذا الطرح في الكتابة عن هذه الفكرة ولكنه عمل غير إنتاجي، لا يساعد في تقديم أي تفسيرات دقيقة للعالم الطبيعي. [1] بالإضافة طبعًا إلى كون التصميم الذكي قائم على أكتاف أيدولوجيات دينية مبنية على تأويلات وفهم معين لبعض النصوص الدينية، مما يلقي به خارج سياج الفرضيات العلمية.

خلاصة ما سبق، إن فرضية التصميم الذكي هي أبعد ما تكون عن الفرضية العلمية. حتى لو كانت تسعى لتفسير العالم الطبيعي. وعلى الرغم من تقديم داعمي هذه الفرضية بعض الادعاءات قابلة للاختبار (وخاطئة) بشأن التطور، فالتصميم الذكي نفسه غير قابل للاختبار وفق المنهجية العلمية.

«التعقيد غير القابل للاختزال-Irreducible complexity»

التعقيد غير القابل للاختزال هو مصطلح صاغه «مايكل بيهي-Michael Behe» عام 1996 في كتابه «صندوق داروين الأسود-Darwin’s Black Box». وهو مصطلح يشير إلى الأنظمة الحيوية التي – من وجهة نظر بيهي – تعتمد في عملها على مجموعة من الأجزاء التي تعمل في تناسق مع بعضها البعض. ولا يمكن للنظام أن يعمل إذا تم استبعاد أحد هذه الأجزاء منه، وأن كل جزء في هذه الأنظمة لن يؤدي أي وظيفة بذاته. وبالتالي استحالة أن تكون هذه الأنظمة تطورت تدريجيًا، وإنما تحتاج إلى مصمم من وجهة نظر بيهي.

تكاد هذه الفكرة أن تصبح الدليل الوحيد القابل للمناقشة والتي يقدمها مروجو التصميم الذكي. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يعتمد على فجوات معرفية متوهَمة في العلم ليقحم فيها تفسيراته الأيديولوجية. وعلى الرغم من إثبات خطأ هذا الادعاء علميًا، إلا أنه ما زال يتردد على مسامعنا حتى اليوم. ولهذا رأينا أن نناقشه ونستعرض بعض أمثلتهم للرد عليها.

العين البشرية

بقع العين في الإيوجيلينا. مصدر الصورة: reference.com

يرى مروجو هذا الطرح أن العين البشرية معقدة للغاية، وتتكون من عدد من الأجزاء لا يمكن أن تعمل العين بدون إحداها. إذا فالعين لا يمكن أن تكون قد تطورت تدريجيا وإنما تحتاج إلى مصمم قام بخلقها بشكل مباشر. أليس كذلك؟

يبدو الطرح منطقيًا، لكنه غير صحيح على الإطلاق. فأبسط صور العيون في الطبيعة هي «بقع العين-Eyespots»، وهي عبارة عن بروتينات بسيطة حساسة للضوء. وتمتلك الكائنات البسيطة وحيدة الخلية مثل الإيوجلينا بقع العين، وعلى الرغم من عدم قابليتها لتكوين صورة، إلا أنها تساعد الإيوجلينا على رصد الضوء لتجنب مفترساتها.

أيضًا «كؤوس العين-Cup eyes» هي شكل أكثر تعقيدًا بقليل من بقع العين. تتكون كؤوس العين من سطح منحني من بقع العين، وهذا الانحناء يساعد على تحديد اتجاه الضوء. ويمكننا أن نجدها في «الديدان البلاناريانية-Planarian worms».

وباستمرار انحناء كcوس العين نرى ما يُعرف بPin eye، والتي تمتلكها كائنات مثل «النوتيلوس-Nautilus»، وهي تساعد على تكوين صورة مشوشة.

ومن ثم تأتي المرحلة الآتية وهي إضافة العدسة عند فتحة العين، والتي تمتلكها حيوانات كثيرة من ضمنها البشر، وتقوم هذه العدسة بتركيز أشعة الضوء عن طريق «الانكسار الضوئي-Light refraction».

هناك مقطع فيديو رائع لعالم الأحياء ريتشارد داوكينز يقوم فيه بشرح تطور العين يمكنك مشاهدته من هنا.

في الواقع، تطورت العيون في الكائنات الحية حوالي 40 مرة بشكل منفصل. وخلاصة القول في تطور العيون أنه حتى أبسط أجزاء العين البشرية موجودة في كائنات مختلفة وهي وظيفية وتوفر الرؤية لهذه الكائنات. يمكننا أن نرى كيف أن كائنات مختلفة تمتلك تراكيب مختلفة، وتفتقر إلى بعض أجزاء العين البشرية. ولكنها ما زالت تعمل (باختلاف درجة الجودة بالطبع)، وبهذا نرى أن العين ليست كما يدعي مؤيدو التصميم الذكي “غير قابلة للاختزال”. [2]

«الخنفساء القاذفة-Bombardier beetle»

الخنفساء القاذفة هي حشرة مميزة، وحظيت بهذا الاسم لكونها تقذف مزيجًا من الكيماويات ذات درجة الحرارة العالية تجاه مفترساتها. ويحدث هذا عن طريق عملية معروفة، تقوم فيها الخلايا بإنتاج «الهيدروكوينونات-Hydroquinones» و«بيروكسيد الهيدروجين-Hydrogen peroxide» (وبعض الكيماويات الأخرى حسب النوع). يقوم جسد الخنفساء بتجميع تلك الكيماويات في خزان، وينفتح هذا الخزان عن طريق صمام يتحكم فيه عضلات ويحجزها في غرفة تفاعل ذات جدران سميكة. جدران هذه الغرفة مبطنة بخلايا تفرز إنزيمات «الكاتالاز-Catalase»، و«البيروكسيداز-peroxidase». وتقوم الإنزيمات بتكسير بيروكسيد الهيدروجين بسرعة وتُسرع عملية أكسدة الهيدروكوينونات إلى “p-quinones”. وينتج عن هذه التفاعلات كميات من الأوكسجين وما يكفي من الحرارة لرفع درجة حرارة هذه الكيماويات إلى درجة الغليان. يتبخر حوالي 20% من الكيماويات، وتحت ضغط الغازات الناتجة عن هذه التفاعلات، ينغلق الصمام وتندفع الكيماويات الحارقة عن طريق فتحات في بطن الخنفساء.

ويرى مروجو التصميم الذكي أن هذه الآلية الدفاعية لا يمكن أن تكون قد تطورت بشكل تدريجي، وإنما يجب أن تكون أعصابها وعضلاتها والكيماويات التي تقذفها قد ظهرت في وقت واحد. لنرى صحة هذا الادعاء!

هذا الادعاء خاطئ أيضًا، إذ أننا أمام سيناريو لتطور هذه الآلية الدفاعية، خطوة بخطوة. لنرى:

1- تنتج خلايا بشرة الخنفساء الكوينونات، وهذا موجود في كثير من «المفصليات-Arthropods» الأخرى.
2- تستقر الكوينونات على بشرة الحشرة جاعلة منها سيئة المذاق بالنسبة لمفترساتها (تستخدم العديد من المفصليات الكوينونات كآلية دفاعية بالفعل).
3- تنشأ انبعاجات صغيرة في البشرة بين «الخلايا الخشبية-Scleritis»، وهذا يسمح للحشرة بإطلاق المزيد من الكوينونات إلى السطح عندما تهتز.
4- يزداد عمق الانبعاجات، وتتحرك العضلات قليلًا للسماح لها بإطلاق الكوينونات (لدى بعض أنواع النمل مثل هذه الغدد).
5- يزداد عمق انبعاجين (الخزانات الآن)، حتى تصبح بقية الانبعاجات غير مهمة بالمقارنة بهما.
6- تظهر كيماويات دفاعية أخرى بجانب الكوينونات في كثير من الحشرات التي تعيش اليوم لتساعدها ضد مفترساتها التي طورت مقاومة للكوينونات. إحدى هذه الكيماويات الدفاعية الجديدة هو الهيدروكوينون.
7- تكوّن الخلايا المنتجة للهيدروكوينون طبقات على الخزان لتنتج المزيد من الهيدروكوينون. وتسمح القنوات الموجودة بين الخلايا لكل الطبقات بنقل الهيدروكوينون إلى الخزان.
8- تصير القنوات أنبوبًا مخصصًا لنقل الكيماويات، وتنسحب الخلايا الإفرازية من سطح الخزان لتكون عضوًا منفصلًا. جدير بالذكر أن هذه المرحلة (الغدد الإفرازية المتصلة بالخزانات عن طريق أنابيب) موجودة بالفعل في كثير من أنواع الخنافس غير الخنفساء القاذفة.
9- تتكيف العضلات لإغلاق الخزان، كي تمنع تسرب الكيماويات خارجه في غير وقت الحاجة.
10- يختلط بيروكسيد الهيدروجين (وهو منتج ثانوي، يتم إنتاجه بشكل طبيعي أثناء عملية الأيض) مع الهيدروكوينونات، لتكوين مزيج يمكن استخدامه للدفاع في وقت الحاجة.
11- تظهر الخلايا المنتجة لإنزيمات الكاتالاز والبيروكسيداز، على طول الممر الخارج من الخزان. وهذا يضمن وجود المزيد من الكوينونات في الإفرازات الدفاعية.
الكاتالاز موجود في جميع الخلايا تقريبًا، والبيروكسيداز كذلك شائع لدى النباتات والحيوانات والبكتيريا. مما يعني أن هذه الإنزيمات لا تحتاج إلى صناعتها من الصفر، ولكن فقط تركيزها في مكان محدد.
12- ينتج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، لتزيد من حرارة السائل المقذوف. كما تزيد كذلك من سرعة قذفه نتيجة لوجود الأوكسجين الذي يُوّلد نتيجة التفاعل. تعتبر خنفساء Metrius contractus مثالًا جيدًا على الخنافس القاذفة التي تمتلك إخراجًا رغويًا، وليس على شكل نفاثات.
13- تصبح جدران الممر أقوى لتحمل الحرارة والضغط الناتجين عن التفاعل.
14- يستمر إنتاج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، كما تزداد جدران الممر قوة وسُمكًا حتى تأخذ شكل غرف التفاعل الموجودة في الخنافس القاذفة اليوم.
15- يزداد طول طرف بطن الخنفساء ويصبح أكثر مرونة للسماح لها بتصويب السائل في اتجاهات متعددة.

ونلاحظ من هذا السيناريو أن كل هذه الخطوات هي خطوات بسيطة وتحقق منفعة للخنفساء، لذا سيسمح الانتخاب الطبيعي بتمريرها. وقد يتساءل الخلقيون عن كيفية معرفتنا لهذا السيناريو، في الواقع، هذا مجرد سيناريو افتراضي قد يكون غير حقيقي أصلا!

فالفكرة ليست في كون السيناريو حقيقي، وإنما في توضيح إمكانية تأدية بعض أجزاء النظام لوظائف جزئية. أي بطلان فكرة التعقيد غير القابل للاختزال. بالإضافة إلى توافر آليات مشابهة في كائنات أخرى بشكل أبسط. ففي كل خطوة من السيناريو المفترض، حافظ النظام على وظيفته الأساسية وهي الحماية والدفاع. وفي كل خطوة، تطورت آلية الخنفساء الدفاعية بشكل أفضل.

مجددًا، لا يهم إن كان هذا هو السيناريو الحقيقي أم لا، المهم هو إمكانية تطور هذا النظام بشكل تدريجي مع الاحتفاظ بوظيفته في كل خطوة كما وضحنا. وهذا كافٍ لنعلم أنه ليس “غير قابل للاختزال” كما يروج داعمو التصميم الذكي. [3]

«السوط البكتيري-Bacterial flagellum»

السوط البكتيري هو تركيبة تشبه الذيل، حيث تعتبر وظيفته الأساسية هي مساعدة البكتيريا على التحرك. يرى الخلقيون أن السوط البكتيري مصنوع من مجموعة بروتينات لا يمكن أن يؤدي كل بروتين منها أي وظيفة وحده. وهذا يجعل السوط البكتيري غير قابل للاختزال في نظرهم، فهل ادعائهم صحيح؟

حقوق الصورة: youtube


هذا ادعاء خاطئ لأبعد درجة، فالطبيعة مليئة بنماذج أولية وظيفية للسوط البكتيري (تذكروا ادعاءهم بأن أي نموذج أولي لأي نظام غير قابل للاختزال هو نموذج غير وظيفي)، بل ووظيفة كافية لتسبب خطرًا على حياة الإنسان.

من المعروف أن بعض أنواع البكتيريا تسبب الأمراض للكائنات التي تضيفها، والتي تعرف باسم «المضيف-Host». ولتتمكن البكتيريا من إصابة المضيف، عليها أن تحقن خلايا الكائن المضيف بالمواد السامة. ولكي تفعل البكتيريا ذلك تستخدم جهازًا يُدعى «الجهاز الإفرازي من النوع الثالث-Type III secretory system»، والذي يُرمز له بTTSS. تستخدم البكتيريا ال TTSS لتحقن السموم مباشرة في السيتوبلازم الخاص بخلية المضيف.

وقد تتساءل عن علاقة الTTSS بالسوط البكتيري الذي نتحدث عنه. أظهرت الدراسات أن قاعدة السوط تتشابه في البروتينات التي تكوّنها إلى حد كبير مع البروتينات التي تكون الTTSS. بالطبع، خبر غير سار لداعمي التصميم الذكي! إذ أن فكرة التعقيد غير القابل للاختزال قائمة على أنه بإزالة جزء واحد من النظام سيفقد النظام وظيفته. لكن هذا غير صحيح، فإذا أزلنا معظم أجزاء السوط البكتيري سيتبقى لنا جهاز إفرازي من النوع الثالث، وهو جهاز وظيفي كما ذكرنا.

TTSS. حقوق الصورة: Researchgate


يُعد وجود الTTSS في عدد كبير من أنواع البكتيريا المختلفة دليلًا على أن جزءًا صغيرًا من نظام “غير قابل للاختزال” (كما يتوهم الخلقيون) لا يزال يؤدي وظيفة بيولوجية مهمة لدى البكتيريا. وهذا يعني أن ادعاءهم بأنه على السوط البكتيري أن يتم تجميعه بشكل كامل قبل أن يصبح أي جزء منه ذو وظيفة هو ادعاء خاطئ. وهو ما يعني أن السوط البكتيري ليس “غير قابل للاختزال” كما يدعون. [4] ، [5]

وخلاصة القول في التعقيد غير القابل للاختزال أنه مجرد دليل متهافت مبني على فهم منقوص لعلم الأحياء اخترعه مايكل بيهي ليدعم فرضية التصميم الذكي. وأن كل أمثلته كما ذكرنا ليست غير قابلة للاختزال، ويمكنها أن تتطور تدريجيًا وهو ما نتوقعه من التطور. فالانتخاب الطبيعي لا يبدأ من الصفر، وإنما يعمل على أجهزة وظيفية موجودة من الأساس ليكسبها وظيفة جديدة أو يعزز وظيفتها الأصلية.

دحض التصميم الذكي

والآن بعد أن أوضحنا مدى تهافت دليل التعقيد غير القابل للاختزال، والذي بانهياره ينهار التصميم الذكي ويصبح كرماد تذروه الرياح بلا أي دليل ليدعمه. نأتي الآن بنيان الخلقيين من القواعد، حيث أن الأمثلة التي سنذكرها بعد قليل لا يمكن تفسيرها في ضوء التصميم الذكي. كذلك لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء التطور.

«العصب الحنجري المتكرر-Recurrent laryngeal nerve»

العصب الحنجري هو العصب الذي يصل بين الحنجرة والدماغ. وعلى الرغم من قرب المسافة بين الحنجرة والدماغ إلا أنه يأخذ مسارًا على شكل حرف U في الأبجدية الإنجليزية بدلًا من أن يسلك مسلكًا مباشرًا. يلتف العصب الحنجري في جسد الإنسان من تحت الشريان «الأبهر-Aorta»، ثم يصعد مجددًا ليصل إلى الحنجرة. إلا أن الأمر يصبح أكثر غرابة عندما نأتي لحيوان كبير في الحجم مثل الزرافة. فيقوم هذا العصب بقطع مسافة تبلغ 15 قدم (حوالي 5 أمتار) ليلتف على شكل حرف U داخل عنق الزرافة!

العصب الحنجري. حقوق الصورة: The Bite Stuff

وكما نرى، فهذا التصميم ليس ضروريًا على الإطلاق. فليس بهذا العصب حاجة ليقطع كل هذه المسافة ويلتف من تحت الأبهر ثم يصعد مجددًا لبلوغ وجهته. فما هو التفسير الممكن لهذه الظاهرة وفقًا لنظرية التطور؟

يكمن السبب في أننا تطورنا من أسماك، حيث أن فرع العصب الحائر يمتد في الأسماك من الأعلى للأسفل بجانب الوعاء الدموي القوسي الخيشومي السادس. يظل العصب بهذا الشكل في الأسماك الناضجة ليصل المخ بالخياشيم ليساعدها على ضخ المياه.

العصب الحائر في الأسماك. حقوق الصورة: Art Station

أثناء تطورنا، فقدنا الوعاء الدموي من القوس الخامس. وتحركت الأوعية الدموية من الأقواس الرابع والسادس إلى الأسفل لتكوين الشريان الأبهر وشريانًا يصل الأبهر بالرئتين. ولكن كان على العصب الحنجري أن يظل متصلًا بالبِنى الجنينية التي ستكون الحنجرة، والتي ظلت بالقرب من المخ.

ولأن الشريان الأبهر تطور إلى الوراء باتجاه القلب، كان على العصب الحنجري أن يلتف من تحته. ويمكنك مشاهدة مقطع فيديو قصير يوضح تطور هذه العملية من هنا.

في الواقع، نمتلك نفس التكوين السمكي للأعصاب والأوعية الدموية أثناء النمو الجنيني. ولكن ينتهي بنا المطاف بهذا التصميم للعصب الحنجري. [6]

الجهاز الهضمي للباندا

على الرغم من اعتماد دببة الباندا على نبات البامبو بشكل أساسي في الغذاء، إلا أن جهازها الهضمي ليس متكيفًا مع هذا النمط الغذائي. تقضي الباندا 14 ساعة يوميًا في أكل المزيد والمزيد من البامبو، لكنه لا يستطيع الاستفادة إلا من 17% من كمية البامبو التي يأكلها، فلماذا؟

يرجع السبب إلى امتلاك الباندا جهازًا هضميًا متكيفًا أكثر مع أكل اللحوم. فجهازها الهضمي يعاني من غياب البكتيريا التي تفرز إنزيمات لهضم السيليلوز مثل بكتيريا Ruminococcaceae الموجودة في الحيوانات آكلة النباتات الأخرى.

لا يمكننا تفسير هذا في ضوء التصميم الذكي لجهاز الباندا الهضمي، ولكن يمكننا تفسيره في ضوء تطور الباندا من دببة آكلة للحوم. الأمر منطقي، فجميع أنواع الدببة الأخرى آكلة للحوم، وبالتالي فقد ورث الباندا جهازه الهضمي من الدببة التي تعتمد في غذائها بشكل أساسي على اللحوم. [7] بينما يغض الخلقيون البصر عن هذا المثال الذي لا يترك مجالًا لفرضيتهم، فالجهاز الهضمي للباندا غير مصمم بشكل خاص بوضوح.

الولادة البشرية

عملية الولادة البشرية مؤلمة بشكل لا يحتمل، وسببت الوفاقة قبل تطور الطب الحديث لعدد كبير من النساء مع أجنتهم أثناء الولادة. وتكمن المشكلة في أننا طورنا دماغًا كبيرًا نسبيًا، هذا الدماغ أكبر من فتحة الحوض التي يمر من خلالها رأس الجنين. احتاجت فتحة الحوض إلى أن تكون ضيقة لتبقي على خاصية المشي المنتصب لدى البشر، وهو ما يتسبب للمرأة بهذا الألم الشنيع أثناء الولادة.

فإذا كان الإنسان مصممًا بشكل خاص، لم يكن ليستخدم نفس آلية الولادة التي تستخدمها باقي الحيوانات بطريقة أقل ألمًا (والتي لا تناسبنا بسبب رؤوسنا الكبيرة). ولكننا محكومون بتاريخنا التطوري كغيرنا من الكائنات. [6]

لا يصلح التصميم الذكي كفرضية علمية، يقف اليوم بلا أي أدلة حقيقية تصلح لإعلانه بديل عن نظرية التطور بأي حال.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Nature
[3] Talk Origins
[4] NCBI
[5] Miller
[6] Why Evolution Is True?, By Jerry Coyne
[7] BIO M

أدلة التطور من الجينوم

هذه المقالة هي الجزء 10 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

في مقال اليوم نتعرف على أقوى خط من خطوط أدلة التطور، إذ سنتحدث عن أدلة التطور من الجينوم. الأدلة الجينومية هي نوع حديث نسبيًا من أنواع الأدلة على التطور، حيث أن كل ما سنذكره في مقال اليوم من أدلة لم يكن معروفًا قبل القرن الماضي. لقد تطورت علوم الجينوم بقوة وأصبحت ركيزة أساسية في علوم الطب والصحة والبيولوجيا. توقع الكثيرون أنها ستوجه ضربة قاضية لنظرية التطور، ولكنها على العكس، وجهت ضربة قاضية لكل ما يخالف التطور. لقد ظهرت جينات الأعضاء الضامرة بوضوح، بل وكيف ضمرت جينيًا. أصبح بالإمكان رسم شجرة التطور بواسطة الحواسيب من خلال تحليل تتابعات متعدد لجين معين ومعرفة رحلته التطورية عبر الكائنات الحية. والآن لنستعرض الأدلة، ولكن علينا أولًا أن نفهم بعض أساسيات علم «الأحياء الجزيئية-Molecular Biology».

ما هو ال DNA؟

قواعد الدنا النتيروجينية. حقوق الصورة: Medical News Today

تتكون كل الكائنات الحية التي تعيش على كوكبنا من خلايا، فالخلية هي الوحدة الأساسية لبناء الكائن الحي. وفي نواة الخلية، نجد جزيئات معقدة تُدعى «الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين-Deoxyribonucleic acid» وهي ما نرمز له ب “DNA”.

ويتكون ال DNA من تسلسل حروف هي A,C,T,G وكل حرف منهم يرمز إلى مركب كيميائي، حيث أن:

• حرف A يرمز إلى «أدينين-Adenine»
• حرف C يرمز إلى «سيتوزين-Cytosine»
• حرف T يرمز إلى «ثيامين-Thymine»
• حرف G يرمز إلى «جوانين-Guanine»

وتُدعى هذه المركبات الأربعة ب «القواعد النيتروجينية-Nitrogenous bases». عند اتحاد القواعد النتيروجينية مع جزيء «سكر خماسي الكربون-Pentose sugar»، و«مجموعة فوسفات-Phosphate group» تكون «النيوكليوتيدات-Nucleotides»، وهي وحدة البناء الأساسية لل DNA.

ما هي الجينات؟ وكيف تعمل؟

الجين هو قطعة لها بداية ونهاية من شريط الDNA، بمعنى أدق، هو تسلسل محدد من الحروف A,C,T,G. يحمل هذا التسلسل الأوامر اللازمة لإنتاج بروتين محدد، كأنها حروف في كتيب تعليمات لتركيب أجزاء المروحة. وفقًا لترتيب تلك الحروف، تترتب الأجزاء معًا وينتج في النهاية مروحة تعمل بكفاءة. ولكن كيف تعمل الجينات؟

يتم نسخ تسلسل حروف الجين الموجودة على شريط الDNA إلى تسلسل حروف آخر يُسمى «RNA رسول-Messenger RNA» ويُرمز له ب”mRNA”. ينتقل جزيء الmRNA هذا من نواة الخلية إلى «الريبوسوم-Ribosome» (أحد العُضيّات الموجودة داخل الخلية)، ويعمل الريبوسوم كآلة لإنتاج البروتين، حيث يقوم بقراءة تسلسل حروف الmRNA. تعطي كل 3 حروف الأمر لاختيار أي نوع من أنواع «الأحماض الأمينية-Amino Acids» بالتحديد ليضعه الريبوسوم في السلسلة. على سبيل المثال، الحروف “CAA” تخبر الريبوسوم أن يختار «الجلوتامين-Glutamine» (أحد الأحماض الأمينية). وعند الانتهاء من قراءة الmRNA تكون عملية تكوين البروتين قد تمت، ويمكنك مشاهدة مقطع يوضح هذه العملية الرائعة من هنا. [1]

وبعد هذه المقدمة التمهيدية البسيطة، ننتقل إلى استعراض أدلة التطور من الجينوم.

وحدة الشيفرة الجينية

كما ذكرنا، تستخدم كل الكائنات الحية على الأرض الDNA لتشفير معلوماتها الوراثية. كما تستخدم نفس طريقة صنع البروتين، حيث تعطي نفس الثلاث حروف الأمر للريبوسوم لوضع نفس الحمض الأميني في سلسلة الأحماض الأمينية لصنع البروتين في كل الكائنات الحية، ولكن ما هو تفسير هذا؟

وقد يتساءل القارئ عما إن كان هذا يتطلب تفسيرًا أصلًا، ولكن صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ، شيفرة الDNA ليست الشيفرة الوحيدة الممكنة.

أظهرت الأبحاث باستخدام برامج الحاسوب إمكانية تشفير المعلومات الوراثية بما يزيد عن مليون شيفرة جينية ممكنة غير الDNA. بل أن بعضها قد يؤدي وظيفته بشكل أفضل بكثير من الDNA، فلماذا تستخدم كل الكائنات نفس الشيفرة؟ [2] , [3]

لا يمكننا فهم هذا إلا في ضوء نظرية التطور من أصل مشترك. فنظرية التطور تخبرنا أن جميع هذه الكائنات ورثت شيفرتها الوراثية من نفس الكائن الأولي.

ولا يمكننا أن نفهم سر وحدة الشيفرة في ضوء فكرة الخلق الخاص. لو كانت كل الكائنات قد خُلقت بشكل منفصل لما كان هناك حاجة لتكون هناك شيفرة موحدة. بل على العكس، فوجود شيفرات مختلفة في الكائنات المختلفة كان ليمنع انتقال الفيروسات بين الحيوانات المختلفة، مثل إنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور والكورونا التي تصيب البشر، وغيرها من الفيروسات.

نسبة التشابه الجيني بين الرئيسيات

لا تتشارك الكائنات نفس الشيفرة فحسب، بل تتشارك في كمية كبيرة من الجينات. وتختلف نسبة التشابه الجيني بين الكائنات وفقًا لقربها أو بعدها عن بعضها البعض تطوريًا.

تبلغ نسبة الاختلاف الجيني بين البشر نسبة ضئيلة تُقدر ب 0.1%، وتستخدم نسبة التشابه في معرفة الأنساب وتحديدها قضائيًا اليوم. أما بيننا وبين أولاد عمومتنا من الشيمبانزي وقرود البونوبو تبلغ نسبة التشابه حوالي 1.2%، بينما تصل إلى 1.6% بيننا وبين الغوريلا. والأهم من ذلك، هو أن كل من البشر والشيمبانزي والبونوبو يتشاركون نفس نسبة الاختلاف الجيني عن الغوريلا. أي أن الشيمبانزي والبونوبو أقرب إلى الإنسان منهم إلى الغوريلا.

وتختلف طرق حساب نسبة التشابه والاختلاف الجيني، وباختلاف الطريقة تختلف النسبة. حيث أنه بأخذ الجينوم الكامل بالحسبان، تُظهر النتائج أن هناك مناطق من الDNA قد حُذفت، أو تمت مضاعفتها مرات ومرات. أضيف بعضها في أماكن أخرى من الجينوم أيضًا. وعند الأخذ بكل هذه الاختلافات، قد تصل نسبة الاختلاف الجيني بين الإنسان والشيمبانزي إلى ما بين 4% و5%. ومهما اختلفت طرق الحساب فالنتيجة واحدة، وهي أن الإنسان والشيمبانزي والبونوبو أقرب إلى بعضهم منهم إلى الغوريلا أو أي من الرئيسيات الأخرى. وهذا يخبرنا بحقيقة مدهشة وبديهية في الأوساط العلمية اليوم، وهي أننا لسنا فقط أقارب القردة العليا، بل نحن منهم!

وتتيح لنا دراسة نسب التشابه الجيني بين الكائنات بناء شجرة عائلة تربط هذه الكائنات ببعضها البعض. والمفاجأة أن هذه الشجرة تطابق ما يخبرنا به كل من التشريح المقارن ودراسة الحفريات في ضوء نظرية التطور. [4]

حقوق الصورة: Human Origins


يعترض بعض المشككين قائلين أن التشابه الجيني لا يعني وحدة الأصل. لكن الواقع يقول أن الجينات لا تنتقل بين الكائنات الحية إلا بالتكاثر، فكون الكائنات تمتلك نفس الجينات يعني انحدارها من نفس الأصول. وكما تثق في تحليل الDNA الذي يخبرك إذا ما كان الطفل ابنك البيولوجي أم لا، عليك أن تثق بنتائج تلك الأبحاث التي تخبرك عن علاقتك التطورية بينك وبين أبناء عمومتك من الشيمبانزي والبونوبو وباقي الرئيسيات. علمًا بأن تحليل الDNA يتم بنفس الطرق التي قيست بها هذه النسب.

الكروموسوم 2

لدى الإنسان 23 زوجًا من الكروموسومات (46 كروموسوم)، بينما تمتلك القردة العليا الأخرى (الشيمبانزي، والأورانجوتان، والبونوبو، والغوريلا) 24 زوجًا (48 كروموسوم). غالبًا ما يلجأ المشككون لهذه المعلومة لدحض التطور، فيقولون إذا كان الإنسان من القردة العليا، فلماذا يختلف عنهم في عدد الكروموسومات؟

وتكمن الإجابة في أن تسلسل الDNA على الكروموسوم 2 لدى الإنسان متطابق تقريبًا مع كروموسومين منفصلين لدى الشيمبانزي. اقترح العلماء أن سبب اختلاف عدد الكروموسومات وفقًا لنظرية التطور هو أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين مندمجين من كروموسومات القردة العليا، ولكن كيف نختبر هذه الفرضية؟

تُدعى أطراف الكروموسومات «تيلوميرات-Telomeres»، كما أن هناك منطقة تقع في منتصف الكروموسومات تُدعى «سنترومير-Centromere». يحتوي الكروموسوم الطبيعي على 2 تيلومير (نهايتين) وسنترومير واحد. فإذا كان الكروموسوم 2 في الإنسان عبارة عن اندماج في كروموسومين في القردة العليا، فعلينا أن نعثر على آثار لهذا الالتحام.

وجد العلماء آثار هذا الالتحام بالفعل، فقد أظهرت الأبحاث وجود بقايا تيلومير في منتصف الكروموسوم 2 (ناتج عن التحام تيلوميري الكروموسومين)، وبقايا سنترومير كذلك. هذا ما يثبت أن الكروموسوم 2 هو بالفعل عبارة عن اندماج كروموسومين من كروموسومات القردة العليا بشكل قاطع ولا يمكن تفسيره إلا باندماج كروموسومين. يدل هذا بما لا يدع مجال للشك على أصولنا المشتركة مع القردة العليا الأخرى. [5] , [6]

التحام الكروموسومين لتكوين كروموسوم 2. حقوق الصورة: Wikipedia

تكرار CMT1A الأقرب

على الكروموسوم 17 في الإنسان يقع جين PMP-22 الذي يشفر لإنتاج بروتين (Peripheral nerve protein-22)، محاطًا بنسختين من جين CMT1A، وهما «تكرار CMT1A الأقرب-Proximal CMT1A-REP»، و«تكرار CMT1A الأبعد-Destal CMT1A-REP».

ويؤدي «تعابُر الكروموسومات-Chromosome crossover» غير المتساوي، الناتج عن سوء اصطفاف التكرارين الأبعد والأقرب للجين CMT1A إلى مرضين عصبيين شائعين هما:
• Charcot-Marie-Tooth disease type (1A) (CMT1A)
• Hereditary Neuropathy with liability to Pressure Palsies (HNPP).

وبهذا نعتبر وجود نسختين من جين CMT1A خطأً وراثيًا، إذ يتسبب هذا التكرار غير الضروري بالإصابة بالأمراض العصبية، ولكن كيف يدل هذا على التطور؟

أظهرت تحاليل الDNA للرئيسيات امتلاكها جميعها لتكرار CMT1A الأبعد، ولكن فقط الإنسان والشيمبانزي وحدهما يمتلكان تكرار CMT1A الأقرب جنبًا إلى جنب مع التكرار الأبعد. أي أن هذا الخطأ الوراثي موجود فقط في الإنسان والشيمبانزي، ويمكننا تفسير هذا بحدوث عملية تضاعف للجين CMT1A في آخر سلف مشترك للإنسان والشيمبانزي.

لا يمكننا تفسير وجود هذا الخطأ لكل من الشيمبانزي والإنسان إلا وفق نظرية التطور. إذ ستتضاءل احتمالية حدوث نفس الخطأ لدى كل من النوعين بشكل منفصل دونًا عن بقية الرئيسيات التي أجريت عليها التحاليل. يصبح الأمر منطقيًا وفقًا لشجرة العائلة التطورية للقردة العليا. [7]

«الجينات الزائفة-Pseudogenes»

أثناء عملية التطور، تحدث طفرات لبعض الجينات متسببة في تعطيلها وتحويلها إلى جينات غير مشفرة للبروتين. تسمى هذه الجينات بالجينات الزائفة، لأنها لا تؤدي وظيفتها. تعتبر تلك الجينات الزائفة من أوضح الأمثلة على نظرية التطور، إذ لا يوجد ما يفسرها سوى النظرية. فهل من أمثلة؟

تنتج أجسام جميع الثدييات فيتامين C. إلا أن أجسام «الرئيسيات جافة الأنف-Haplorhini» (مجموعة تشمل قرود العالم القديم، وقرود العالم الجديد، والقرود العليا ومنها الإنسان) لا تستطيع صنع فيتامين C. تحصل الرئيسيات جافة الأنف علي فيتامين سي من غذائها، وفي حال عدم حصولها على الكميات الكافية، تُصاب بداء «الأسقربوط-Scurvy». يرجع هذا إلى عدم قدرتها على تصنيع إنزيم “l-gulono-gamma-lactone oxidase”، نظرًا لتعطل جين GULO المسئول عن إنتاج هذا الإنزيم.

المثير في الأمر هو أن جين GULO معطّل في جميع الرئيسيات جافة الأنف لنفس السبب، وهو فقدان «الإكسونات-Exons» (نطاقات مشفرة في الجينات) أرقام 1,2,3,5,6,8,11. وهو ما لا يمكننا فهمه إلا في ضوء انحدار الرئيسيات جافة الأنف من سلف مشترك.

ولا تصمد فكرة الخلق الخاص أو التصميم الذكي في محاولة تفسير الجينات الزائفة. فلا داعي لوجود جين GULO في تلك الأنواع إن كان معطلًا أصلًا. كما أنه لا داعي لأن يتم تعطيل الجين بفقدان نفس الإكسونات بين مختلف أنواع الرئيسيات جافة الأنف. إذ أن نفس الجين معطل في «خنزير غينيا-Guinea pig»، ولكن لأسباب مختلفة وهي فقدان الإكسون 5 وجزء من الإكسون 6. مما يعني أن هذا الجين قد تعطل لديه بشكل منفصل عن المسار التوري للرئيسيات جافة الأنف التي ينتمي إليها البشر. وبالتالي، لا يمكن تفسير تعطل جين GULO إلا في ضوء نظرية التطور من سلف مشترك. [8]

وكذلك حيوان «البلاتيبوس-Platypus»، الذي لا يمتلك معدة حقيقية، وعلى الرغم من ذلك، يمتلك جينين زائفين مرتبطين بصنع إنزيمات هضمية. [9]

وعلى الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان، فهي تمتلك جين MMP20 معطل يشفر لصنع بعض البروتينات التي تدخل في تركيبة الأسنان. وكما ذكرنا في الجزء الخاص بتطور الحيتانيات، تنمو لدى أجنة الحيتان البالينية براعم أسنان بالفعل. [10] كما تمتلك الطيور (وهي حيوانات بلا أسنان) جينات معطلة لتكوين أسنان! [11]

ووجود هذه الجينات الزائفة يعد من أقوى أدلة التطور من الجينوم، كما أنه دعم الأدلة التشريحية للتطور.

كيس المُح

نشترك نحن والزواحف والدجاج في امتلاكنا للبيض (البويضة في حالة إناث البشر). إلا أن الطيور (مثل الدجاج) لديها قشرة تحمي البيضة، كما تمتلك كيس المُح، والذي يقوم بتوفير الغذاء للجنين لمساعدته على النمو. ولكن بويضة الإنسان أصغر بكثير من بيض الدجاج، وليس فيها قشرة أو مُح حتى. ولكن تكون الأجنة البشرية كيس مح فارغ يختفي أثناء فترة الحمل، فهل من تفسير جيني؟

تمتلك كل الفقاريات التي تبيض بروتين Vitellogenin، مما يعني وجود جين يشفر لصنع هذا البروتين، فماذا تظهر الأبحاث؟

تظهر الأبحاث وجود قطع من DNA المُح في الجينوم البشري، مطابقة تماما للجينات الأصلية التي لدى الدجاج. ليس هذا وحسب، بل إنه عند مقارنة جينوم الإنسان بجينوم الدجاج يتضح أن هذه القطع محاطة بنفس الجينات لدى كل من الإنسان والدجاج. يعد هذا أحد أدلة التطور من الجينوم. [12] , [13]

جين NANOG

جين NANOG هو أحد «الجينات الزائفة المعالَجة-Processed pseudogenes». وهي جينات تنشأ نتيجة خطأ أثناء عملية نسخ حروف الDNA إلى mRNA. فبدلًا من أن تكتمل عملية إنتاج البروتين بشكل طبيعي، يُعاد بالخطأ نسخ الmRNA إلى الDNA لتكوين نسخة زائفة من الجين الأصلي في مكان آخر في الجينوم. هذا ما حدث مع NANOG، حيث نجد على الجينوم الخاص بنا 10 نسخ زائفة من هذا الجين بالإضافة إلى النسخة الأصلية التي تعمل. فكيف يكون هذا دليلًا على التطور؟

تكمن المفاجأة في أننا نتشارك 9 نسخ زائفة من جين NANOG مع أبناء عمومتنا من الشيمبانزي. بينما النسخة NANOGP8 حصرية لدى جينوم الإنسان. والأدهى، أن هذه النسخ ال 9 موجودة على جينوم الشيمبانزي في نفس الأماكن التي توجد فيها على جينوم الإنسان! إن احتمالية حدوث نفس الأخطاء 9 مرات في نفس المكان لدى النوعين بشكل منفصل احتمالية غاية في الضآلة. وأن تصدف هذه الاحتمالية شديدة الضآلة بين كائنين تصفهم نظرية التطور بالأقرابة يصعب الأمر على منكرين التطور. المشكلة لدى منكري التطور هو في إيجاد تفسير آخر خارج نظرية التطور لتلك الأدلة الحاسمة.

وهذا يعني أننا ورثنا 9 نسخ NANOG زائفة من آخر سلف مشترك بيننا وبين الشيمبانزي، أما عن النسخة المتبقية وهي NANOGP8، فهي وجدت في جينوم الإنسان بعد انفصاله عن الشيمبانزي، وهذا يعد أحد أقوى أدلة التطور من الجينوم. [14]

«سيتوكروم سي-Cytochrome C»

هناك جينات تتشاركها كل الكائنات الحية على اختلافها، لأنها تؤدي وظائف أساسية للغاية. جينات تتشاركها كل الكائنات ابتداء من أشكال الحياة وحيدة الخلية وحتى الإنسان، وتُعرف هذه الجينات ب «الجينات واسعة الانتشار-Ubiqitous genes».

وهذه الجينات ليس لها دخل بالصفات الخاصة بكل نوع، إذ أنها كما قلنا أعلاه، مسئولة عن وظائف أساسية للغاية تتشاركها معظم أشكال الحياة. ولا يُشترط أن تكون هذه الجينات بنفس تسلسل الحروف، إذ أن هناك عدد كبير من التسلسلات التي تؤدي نفس الوظيفة الحيوية الكيميائية.

والوراثة كما ذكرنا في أمثلة كثيرة أعلاه، تسمح بتمرير تسلسلات الجينات حتى وإن لم يكن لهذه التسلسلات فائدة وظيفية. وعلى هذا، فلا يمكننا تفسير وجود نفس التسلسل في هذه الجينات بين نوعين إلا بالوراثة؛ ذلك لأنهم لا يحتاجون نفس التسلسل إن كان كل منهم قد وجد بشكل منفصل كما يدعي المنكرون. يكفي وجود جين مكافئ يؤدي وظيفة مشابهة وهو أمر يحدث في الطبيعة بالفعل.

على سبيل المثال، نحن نعلم أن الإنسان والشيمبانزي متشابهين في كثير من الصفات. فيمكننا البناء على هذا، وتنبؤ استخدامهم لبروتينات متشابهة، بغض النظر عن ما إذا كانت تجمعهم علاقة وراثية أم لا. يصبح الأمر أكثر غرابة عندما نقارن بين تسلسلات جينية غير مؤثرة على خصائص أي من النوعين، فعلام نتحدث؟

نحن نتحدث عن بروتين «سيتوكروم سي-Cytochrome C»، وهو بروتين واسع الانتشار، إذ يوجد في كل أنواع الكائنات الحية بما في ذلك البكتيريا. وهو موجود في الميتوكندريا، حيث يقوم بنقل الإلكترونات في عملية أيض أساسية تُدعى ب «الفسفرة المؤكسدة-Oxidative phosphorylation».

ومما سبق يمكننا استنتاج أن امتلاك كل الكائنات لنفس تركيبة سيتوكروم سي شيء غير ضروري بالمرة، إذ يكفي فقط امتلاكها لبروتين مكافئ يؤدي نفس الوظيفة.

كما أظهرت الأبحاث أن سيتوكروم سي الخاص بالإنسان يعمل لدى الخميرة التي تم حذف نسخة سيتوكروم سي الخاصة بها. على الرغم من أن نسبة الاختلاف بين تركيبة السيتوكرومين تبلغ 40%.

في الواقع، سيتوكروم سي الخاص بالتونا (أسماك)، والحمام (طيور)، والأحصنة (ثدييات)، وذباب الفاكهة (حشرات)، والفئران (ثدييات)، جميعها تعمل في الخميرة التي تم حذف سيتوكروم سي الخاص بها!

علاوة على ذلك، أثبت تحليل جيني شامل لسيتوكروم سي أن أغلب الأحماض الأمينية الموجودة في تسلسل هذا البروتين غير ضرورية. وأنه فقط حوالي ثلث الأحماض الأمينية ال100 الموجودة في سيتوكروم سي كافية للقيام بوظيفته، وذلك لأن معظم الأحماض الأمينية في سيتوكروم سي هي أحماض «مفرطة التغيير-Hypervariable». والأحماض المفرطة التغيير يمكن استبدالها بعدد كبير من الأحماض الأمينية الأخرى التي ستكون قادرة على إتمام نفس الوظيفة.

تجربة هوبرت

والغريب في الأمر هو قيام الفيزيائي Hubert P. Yockey بحساب عدد تسلسلات الأحماض الأمينية الممكنة لتكوين البروتينات المكافئة لسيتوكروم سي، والقادرة على القيام بنفس تلك الوظيفة الأساسية. تبيّن أن عدد هذه التسلسلات الممكنة هو 10⁹³ × 2.316، وهو عدد مهول يزيد عن عدد الذرات في الكون المعروف بأكثر من بليون مرة! ومما سبق نستنتج أن تشابه تركيبة سيتوكروم سي بين الكائنات ليس ضروريًا على الإطلاق، فهل يخبرنا المنكرون سبب حدوثه إن كانت نظرية التطور خاطئة؟

ولكن العجيب هو أن الإنسان والشيمبانزي يتشاركون نفس تركيبة سيتوكروم سي، بلا أي اختلاف، واحتمالية حدوث هذا إذا أنكرنا العلاقة الوراثية بين الإنسان والشيمبانزي أقل من 10^-93 (1 من 10⁹³)، ويختلف كل من الإنسان والشيمبانزي عن باقي الثدييات الأخرى ب10 أحماض أمينية في تسلسل سيتوكروم سي فقط، وفرصة حدوث هذا إذا أنكرنا علاقتهم التطورية هي 10^-29 (1 من 10²⁹).

والخميرة أحد أبعد الكائنات «حقيقيات النوى-Eukaryotic» عن الإنسان، إلا أنها تختلف عنّا في تركيبة سيتوكروم سي ب51 حمض أميني فقط، وفرصة حدوث هذا دون وجود علاقة وراثية بيننا وبين الخميرة أقل من 10^-25 (1 من 10²⁵). [15]

ومن كل ما سبق نستنتج أن التشابه في تركيبة سيتوكروم سي بين الكائنات الحية إنما هو نتيجة انحدارها من أسلاف مشتركة بينها، وكلما كانت الكائنات أبعد في الشجرة التطورية عن بعضها البعض، كلما زادت الاختلافات في تركيبة بروتين سيتوكروم سي، وكل هذا يجعل من سيتوكروم سي أحد أقوى أدلة التطور من الجينوم.

تشفير DNA زائد عن الحاجة

كما هو الحال مع سيتوكروم سي، هناك جينات أخرى واسعة الانتشار. لا تحتاج الكائنات نفس التسلسل الجيني لإنتاج نفس البروتين، ولن نترك المثال السابق، فسنتحدث أيضًا عن الجين المسئول عن إنتاج بروتين سيتوكروم سي.

على الأقل، هناك ثلاث «كودونات-Codons» مختلفة يمكنها إعطاء الأمر للريبوسوم لاختيار نفس الحمض الأميني لوضعه في تسلسل البروتين. (الكودون هو الثلاث حروف من الDNA التي يقرأها الريبوسوم لاختيار الحمض الأميني). وهذا يعني أنه في حالة سيتوكروم سي، هناك حوالي 3¹⁰⁴ أو ما يزيد عن 10⁴⁶ تسلسل جيني مختلف يمكنهم إنتاج نفس البروتين بنفس تسلسل الأحماض الأمينية للقيام بنفس الوظيفة.

وبالتالي فاستخدام الكائنات المختلفة لنفس التسلسل لا يمكن تفسيره وفقًا لفكرة الخلق الخاص ولا التصميم الذكي لكل نوع بشكل منفرد. إذ يمكن لكل كائن أن يستخدم تسلسلًا جينيًا مختلفًا. والعجيب، والمتوقع وفق نظرية التطور، أننا عند فحص التسلسل الجيني المسئول عن إنتاج سيتوكروم سي لكل من الإنسان والشيمبانزي، نجد اختلافًا في 4 نيوكليوتيدات فقط (حوالي 1.2%)، على الرغم من وجود 10⁴⁶ تسلسل جيني ممكن.

في حالة سيتوكروم سي، سنجد أن التشابه في تسلسل الأحماض الأمينية غير ضروري! وكذلك في الجين المسئول عن تشفيره! مما يجعله دليلًا مزدوجًا من أدلة التطور من الجينوم. [15]

«الفيروسات القهقرية-Endogenous Retroviruses»

لا تستطيع الفيروسات التكاثر بذاتها، فعندما يُصاب الكائن بعدوى فيروسية، يقوم الفيروس بإدخال حمضه النووي إلى الحمض النووي الخاص بالخلية، فتقوم الخلية بصنع المزيد من الفيروسات من نفس النوع.

ولكن إذا أصاب الحمض النووي الفيروسي حيوانًا منويًا أو بويضة فسينتقل الحمض النووي الفيروسي إلى الأبناء. هذا لا يعني بالضرورة موت الإبن، إذ أن بعض الطفرات قد تحدث في الجين الفيروسي لتعطيله.

إذا فجينات الفيروسات القهقرية هي جينات موجودة في الجينوم الخاص بك، أتت إليك عندما أصيب أحد أسلافك بهذه الفيروسات ونقل جيناتها إليك على مدى أجيال. تعمل الفيروسات القهقرية كسجل تاريخي لك ولأسلافك من الكائنات الحية التي أصابتها من قبل.

يجب أن تكون الفيروسات القهقرية اختبارًا قويًا لنظرية التطور، أليس كذلك؟ فإذا كنا نحن والرئيسيات الأخرى انحدرنا من سلف مشترك فيجب أن نعثر على جينات فيروسات قهقرية من فيروسات أصابت أسلافهم قبل انفصال الرئيسيات عن بعضها البعض. كما يجب أن نعثر عليها في نفس المكان في الجينوم، إذ أن احتمالية أن يقوم الفيروس بإدخال الجين في نفس المكان على الجينوم لدى نوعين مختلفين دون افتراض وجود علاقة وراثية بينهما هي احتمالية غاية في الضآلة! تخيل أن تراكم عدد هائل من الاحتماليات شديدة الضآلة في كل الكائنات الحية لتفسير الأمر بالصدفة، يصبح تفسيرك مضحك للغاية بحق!

إن كان كل نوع من الرئيسيات قد خُلق بشكل خاص، فلا يجب أن تتشارك الرئيسيات جينات نفس الفيروسات في نفس الأماكن على الحمض النووي الخاص بها بالطبع. تسامحًا مع المنكرين، قد نعثر على نفس الفيروسات، ولكن ليس في نفس الأماكن أبدًا. إذ أن الفيروس عندما يصيب كائنًا ما، فهناك عدد كبير جدًا من الأماكن على الجينوم التي قد يُدخل حمضه النووي فيها. فقد أظهرت دراسات شاملة أن هناك ما يزيد عن 10 مليون مكان ممكن على الجينوم الخاص بالإنسان!

عند مقارنة الجينوم الخاص بالإنسان وذلك الخاص بالشيمبانزي، فاحتمالية عثورنا على جين فيروسي في نفس المكان بين النوعين، وأن يكون الجين عائدًا إلى نفس الفيروس، هي احتمالية أقل من 1 في 10 مليون.

قام العلماء بالبحث عن فيروس HERV-W لدى 12 نوع من الرئيسيات. ويمتلك الشيمبانزي من فيروس HERV-W عدد 208 نسخة، بينما يمتلك الإنسان 211 نسخة، فماذا وجدوا؟

أظهرت الدراسات أن الإنسان والشيمبانزي يتشاركون 205 نسخة من نفس هذا الفيروس في نفس المكان على جينوم كل منهما! [16] أنت الآن أمام دليل لا يدع مجال للشك أمام أي متخصص.

صورة توضيحية فقط وليست موضحة لأماكن الفيروسات، ولكنها لتبسيط الفكرة فقط. حقوق الصورة: Stated Clearly

إذا فقد ورث كل من الإنسان والشيمبانزي 205 نسخة من هذا الفيروس من آخر سلف مشترك لهما قبل انفصالهما. بينما ال 6 نسخ الحصرية لدى الإنسان وال 3 نسخ لدى الشيمبانزي، على الأرجح قد ظهرت بعد انفصال المسارات التطورية لكل منهما.

وهذا بحد ذاته كافٍ لتنحية فكرة الخلق الخاص أو التصميم الذكي. إذ أن احتمالية إصابة كلا النوعين بنفس الفيروس في نفس الأماكن على الجينوم بهذا العدد من النسخ بشكل منفصل هو احتمال ضئيل يبلغ 1 في 10¹⁴¹⁸ × 5.88. [17] وهذا يجعل من الفيروسات القهقرية دليلًا بالغ القوة من أدلة التطور من الجينوم.

جين ACYL3

نختتم كلامنا عن أدلة التطور من الجينوم بالحديث عن جين ACYL3 من باب التعديد وليس الإثبات، فما سبق أكثر من كاف. يعمل جين ACYL3 في كل الثدييات على كوكب الأرض (بما في ذلك الغوريلا والأورانجوتان) باستثناء نوعين فقط، وهما الإنسان والشيمبانزي. مما يعني تعطله في آخر سلف مشترك بين الإنسان والشيمبانزي، وهو ما يؤكده كون هذا الجين مُعطل لدى النوعين لنفس السبب بالضبط وهو حدوث طفرة أبدلت الجوانين بالأدينين. فبدلًا من أن يكون التسلسل هو TGG، والذي عند ترجمته يعطي الأمر للريبوسوم باختيار الحمض الأميني «تريبتوفان-Tryptophan»، جعلته الطفرة TGA، والذي عند ترجمته يعطي الأمر للريبوسوم بالتوقف ففسد الجين لدى هذين النوعين فقط. [18]

ولا يمكن تفسير تعطل الجين لدى نوعين فقط بنفس السبب إلا في ضوء نظرية التطور من سلف مشترك. وهو ما يجعله أحد أقوى وأبسط أدلة التطور من الجينوم.

قمنا في هذه السلسلة بسرد عدد كبير من أدلة التطور، وكلها كانت على سبيل المثال لا الحصر. فهناك عدد كبير من الأدلة التي لا يمكننا حصرها في سلسلة مقالات، بل أن هناك أدلة تظهر مع المزيد من الأبحاث يوميًا. فبعض الأدلة الواردة في هذا المقال مأخوذة من أبحاث لم يمر على نشرها 4 سنوات حتى، أي أن الأدلة في تزايد مع استمرار الأبحاث العلمية. فمجال التطور من أكثر المجالات التي تُنشر فيها الأبحاث العلمية. وبعد أن انتهينا من سرد أدلتنا، ننتقل في الجزء القادم إلى تفنيد دعاوى الخلقيين والرد عليهم بخصوص “التصميم الذكي”.

المصادر

[1] The Tech Genetics
[2] Livescience
[3] The Genetic Code: What Is It Good For? An Analysis of the Effects of
Selection Pressures on Genetic Codes, by Olivia P.Judson, Daniel Haydon
[4] Human Origins
[5] PNAS
[6] Springer
[7] Oxford
[8] Inactivation dates of the human and guinea pig vitamin C genes, by Marc Y. Lachapelle, Guy Drouin
[9] Bio med central
[10] Royal Society
[11] Bio med central
[12] PLOS
[13] Pubmed
[14] NCBI
[15] Talk Origins
[16] Pubmed
[17] Google.Docs
[18] PLOS

مقدمة في نظرية اللعبة

هذه المقالة هي الجزء 1 من 5 في سلسلة مقدمة في نظرية اللعبة

ما هي نظرية اللّعبة ؟

سيوفر هذا المساق الأساسيات التي تبني عليها نظرية اللّعبة مثل: تمثيل الألعاب والاستراتيجيات، والشكل الواسع (الذي يسميه علماء الكمبيوتر أشجار الألعاب)، “وألعاب بايزي- Bayesian games” (مثل المزادات)، والألعاب المتكررة والعشوائية، وأكثر من ذلك. سنقوم بتضمين مجموعة متنوعة من الأمثلة بما في ذلك الألعاب الكلاسيكية وعدد من التطبيقات. قد ترى تلك المفاهيم معقدة، لكنك ستكون فكرة مُبسطة عنها عند انتهائك من المساق.

تعريف

على عكس ما نعتقد بمصطلح “الألعاب”، مثل الشطرنج والبوكر وكرة القدم، وما إلى ذلك، فإن نظرية اللعبة تتضمن دراسة وتحليل اتخاذ القرارات مع أخذ تحركات الخصوم بعين الاعتبار والتنبؤ بها. وقد تتضمن تحليل الصراعات بين الدول، والحملات السياسية، والمنافسة بين الشركات، والسلوك التجاري في الأسواق مثل البورصات العالمية. ولتوضيح الموضوع بشكل أكبر، نحتاج إلى تخيل لعبة بسيطة وتطبيقها.

لعبة قاسم أو اسرق

سنأخذ مثال بلعبة الثقة، وشرحها كالآتي. تعتمد اللعبة على وجود جائزة مالية كبيرة، وفردان يحاولان الحصول عليها. وطريقة الحصول عليها بسيطة، وهي عن طريق الاختيار بين إذا ما كنت تريد تقاسم الجائزة مع الفرد الآخر أو تريد أخذها لنفسك.

الاحتمالات الممكنة

  • الأول هو أن يختار كلاهما مشاركة الجائزة وبالتالي يتقاسما المال.
  • الثاني هو أن يختار أحدهما سرقة الجائزة، والآخر يختار تقاسم الجائزة، وبالتالي يحصد الشخص الذي اختار سرقة الجائزة كل شيء.
  • الثالث هو أن يختار كلاهما سرقة الجائزة وبالتالي يخسر كلاهما كل شيء.
Split or steal game

تساؤولات مهمة

من خلال تلك اللعبة هنالك بعض الأسئلة التي تحتاج أن تفكر بها وتستكشف إجاباتها خلال السلسلة. وستكتشف أيضًا علاقة تلك التساؤولات بنظرية اللعبة:

  • ما هو القرار الذي يجب أن يتخذه كل فرد من وجهة نظرك؟
  • هل تتوقع أن يتصرف الأفراد بشكل متماثل في هذه اللعبة؟
  • ما هو القرار الذي يجب أن يتخذه كل فرد لضمان الجائزة؟
  • في حال تعديل بعض قوانين اللعبة بحيث تختلف نسبة المكسب أو الخسارة، هل ستختلف القرارات؟
  • إذا تم السماح بالتواصل بين اللاعبين قبل لعب لعبة الثقة، هل سيغير هذا شيئًا من قرارات المباراة؟
  • في حال إذا قام نفس الفردين باللعب عدة مرات أمام بعضهما البعض، هل سيغير ذلك من قراراتهم؟
  • إذا ما كان المنافس شخص عقلاني أو يطمح للفوز بشتى الطرق، هل سيغير ذلك من شيء؟

قد ترى تلك اللّعبة والتساؤولات لا معنى لهم لكنهم الأساس الذي ستبنى عليه نظرية اللّعبة.

المصادر

1- Game Theory | Coursera
2- Oxford University Press’s

أدلة تطور الحيتانيات

هذه المقالة هي الجزء 9 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

لم نخصص مقالًا في هذه السلسلة للحديث عن الحيتانيات إلا لأنها تمتلك صرحًا ضخمًا من أدلة التطور التي تتشابك مع بعضها البعض من مختلف فروع العلم. كما أنها من أعظم أمثلة قدرة نظرية التطور التنبؤية. وهذا المقال يرصد أدلة تطور الحيتانيات، فتعالوا معنا نتعرف عليها.

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن «الحيتانيات-Cetaceans» لفظ يطلق على الثدييات البحرية التي تشمل الحيتان والدلافين وخنازير البحر بمختلف أنواعها. [1]

لماذا لا تعد الحيتانيات من الأسماك؟

على الرغم من التشابه الكبير في الهيئة الخارجية بين الحيتانيات والأسماك إلا أنها لا تعتبر من الأسماك. إذ تمتاز الحيتانيات بصفات غير سمكية، فهي على سبيل المثال من الثدييات التي تلد وترضع أطفالها – تمامًا مثل الثدييات البرية -. كما أنها ذات دم حار (بينما الأسماك ذوات دم بارد). الحيتانيات على عكس الأسماك، لا تمتلك خياشيم تساعدها على التنفس وإنما تتنفس عن طريق رئتين. لهذا قد تلقى الحيتانيات مصرعها إن لم تصعد لسطح الماء للحصول على الأوكسجين في الوقت المناسب. [2]

وعلى ذكر التنفس، تمتلك الحيتانيات ثقوبًا أعلى الرأس لتساعدها على التنفس. وتمتلك بعض الحيتان فتحتين مشابهتين لأنوف الثدييات البرية. رغم امتلاك الدلافين وخنازير البحر فتحة واحدة، إلا أنه يتكشّف لنا شيء غريب عند تشريح جماجم الدلافين وخنازير البحر. إذ نجد أن هذا الثقب الواحد ينقسم إلى فتحتين أنفيتين [3]. فهل يُعد وجود فتحتين ذو دلالة على علاقتها بالثدييات الأرضية؟ سنعرف هذا بعد قليل.

حقوق الصورة: kythera-family.net

الأدلة من التشريح المقارن

وعلى الرغم من امتلاك كل من الحيتانيات والأسماك للزعانف إلا أنهما بعيدان كل البعد عن التشابه التشريحي. فعند النظر إلى زعانف الحيتانيات نجد أنها تتبع نمطًا مشابهًا للنمط الموجود في «رباعيات الأطراف-Tetrapods». تتكون زعانف الحيتانيات من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني). يدل هذا على انتماء الحيتانيات إلى رباعيات الأطراف. [4]

حقوق الصورة: Labster theory


ولكن إذا كانت الحيتانيات من رباعيات الأطراف، فأين أطرافها الخلفية؟ في الواقع تمتلك الحيتانيات أطرافًا خلفية ضامرة كثيرًا ما يثير الخلقيون بشأنها بعض التساؤلات، وسنجيب عن هذه التساؤلات في نهاية هذا المقال.

ويمكننا من كل ما سبق استنتاج العلاقة الوثيقة بين الحيتانيات والثدييات البرية وهو ما يمكن تفسيره بتطور الحيتانيات من ثدييات برية. ولكن هل هناك خط آخر من خطوط الأدلة ليدعم هذا الاستنتاج؟ لنرَ ما عند علم الأجنة ليقوله.

الأدلة من علم الأجنة

إذا ما تتبعنا مراحل تكون أجنة الحيتانيات وجدناها (مثل رباعيات الأطراف) تتكون لديها براعم أطراف أمامية وخلفية. إلا أن الأطراف الأمامية تُكمل نموها لتصير زعانف الحوت، بينما تتوقف براعم الأطراف الخلفية عن النمو. [5]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

ليس هذا وحسب، ولكنها أيضًا تبدأ بتكوين فتحتي أنف في مقدمة الرأس (كالتي عند الثدييات البرية). ولكن تهاجر هاتين الفتحتين تدريجيًا إلى أعلى الرأس ليلتحما في حالة الدلافين. [6]


كما أن معظم الحيتانيات تفتقر إلى وجود شعر يكسو أجسادها كما الثدييات. ولكن تمتلك أجنة الدلافين شعر شارب مثل الذي نراه في القطط، ولكنه يختفي قبل الولادة أو بعد الولادة بفترة قصيرة. [7]

شوارب الدلافين. حقوق الصورة: whyevolutionistrue


«الحيتان البالينية-Baleen whales» هي حيتان لا تمتلك أسنانًا، ولكن تمتلك تراكيبًا تُدعى البالينات. يستخدم الحوت البالينات في تناول طعامه عن طريق فتح فمه وسحب الماء المحمّل بالعوالق، ثم يدفع الماء خارج فمه وتقوم البالينات بفلترة العوالق لتبقى داخل فمه ليتغذى عليها.

حقوق الصورة: hakai magazine

والمثير للدهشة هنا هو أنه على الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان. إلا أن أجنتها تبدأ بتكوين أسنان في الفكين العلوي والسفلي أثناء وجودها في أرحام أمهاتها، ولكنها تختفي قبل الولادة ولا يبقى لها أي أثر. [8]

حقوق الصورة: evolution for skeptics

وكما ذكرنا في الجزء الخاص بعلم الأجنة من هذه السلسلة فإن وجود تراكيب جنينية مثل هذه في الحيتانيات تدل على حملها لجينات تكوين هذه التراكيب من أسلافها. فهل يأتي السجل الأحفوري مصدقًا على استنتاجاتنا ويخبرنا كيف كانت أسلاف الحيتانيات الحديثة؟

السجل الأحفوري وتطور الحيتانيات

يُعد السجل الأحفوري للحيتانيات واحدًا من أغنى السجلات الأحفورية بالحفريات الانتقالية. ذلك لأنه مليء بالحفريات التي توثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية إلى ثدييات مائية، دعونا نناقش بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

«بازيلوسورد-Basilosaurid»

وجدت حفريات حوت البازيلوسورد بين 23 إلى 41 مليون سنة ماضية، ويمتلك بعض الصفات المثيرة. عند النظر إلى جمجمة البازيلوسورد، لا نجد فتحات الأنف أعلى الرأس كما الحيتان الحديثة، ولا في مقدمة الرأس كما الثدييات البرية، ولكنها تقع تمامًا في المنتصف. وهذا يوثق الانتقال التدريجي لمكان فتحات الأنف أثناء تطور الحيتانيات من ثدييات برية. [9] بالإضافة إلى أرجل صغيرة، تحتوي على «عظمة ورك-Femur»، و«قصبة ساق-Tibia»، و«قصبة صغرى-Fibula»، و«غطاء ركبة-Patella»، وعظام كاحل، بل وحتى أصابع قدم.

هذه الأرجل أكبر من بقايا الأطراف الخلفية الضامرة الموجودة لدى الحيتان الحديثة، ولكنها أصغر من أن تستخدم في المشي على اليابسة. بالإضافة إلى عدم اتصالها بالعمود الفقري، فلم تكن لتستخدم في الحركة، لذلك فهي على الأرجح كانت تستخدم أثناء التزاوج أو لحك الجلد. [10]

حقوق الصورة: earth archives

وفي هذا السياق، يمكننا استنتاج أنه بالرجوع في الزمن إلى الوراء، سنجد الحيتانيات أقرب إلى الثدييات البرية.

«ماياسيتوس-Maiacetus»

عاش الماياسيتوس منذ حوالي 47.5 مليون سنة، وكان هذا هو شكل الهيكل العظمي المتحجر الذي عُثر عليه للماياسيتوس.

حقوق الصورة: artstation

ويمكننا ملاحظة امتلاكه عظام أطراف خلفية أقوى، مما يرجح أنه كان يستطيع السير على اليابسة، ولكن لماذا يعتبره العلماء من الحيتانيات؟

يعتبر العلماء ماياسيتوس من الحيتانيات لعدة أسباب هي:

1. جميع حفريات ماياسيتوس وُجدت بين حفريات لكائنات بحرية مما يرجح معيشته في البحر.
2. عظام وركه كانت قوية لكن أرجله كانت قصيرة، بالإضافة إلى أصابعه الطويلة. مما يخبرنا بأنه على الأرجح كان يواجه صعوبة في المشي.
3. التركيبة الفريدة لعظام الأذن الوسطى، والتي تطابق تلك الموجودة لدى حيتان البازيلوسورد والحيتانيات الحديثة.
4. امتلك ماياسيتوس أصابع وأصابع قدم مسطحة بنتوءات على جوانب تلك الأصابع، مما يرجح باحتمالية كبيرة امتلاكه لغشاء يمتد بين تلك الأصابع ليساعده على السباحة.
5. امتلاك أسنان مشابهة لأسنان البازيلوسورد.
6. «الخطم المطوّل-Elongated snout»، وهي خاصية موجودة في كل الحيتانيات الحديثة وكل الحفريات الانتقالية للحيتانيات التي تأتي في السجل الأحفوري بعد الماياسيتوس.
7. امتلاك قواطع وأسنان أمامية مخروطية الشكل، وهذه الخاصية ليست عادية في الثدييات، ولكنها موجودة في الحيتانيات الحديثة ذات الأسنان (حيتان الأوركا، والدلافين، وحيتان العنبر).
8. امتلاك تركيبة كاحل فريدة تربطه ب «شفعيات الأصابع-Artiodactyls»، مثل أفراس النهر والخنازير والغزلان. تركيبة الكاحل تلك مثيرة للاهتمام، إذ أن الحمض النووي للحيتان يخبرنا بأنها شفعيات أصابع معدلة. [11]

«باكيسيتوس-Pakicetus»

عاش الباكيسيتوس منذ حوالي 50 مليون سنة، وكان هذا هو شكله.

حقوق الصورة: britannica


وقد تتساءل عن علاقة هذا الكائن بالحيتانيات، وهو سؤال مشروع، إذ أنه لا يشبه الحيتانيات ظاهريًا، ولكنه على علاقة بالحيتانيات، ويمكننا معرفة هذا من شكل جمجمته الطويلة بشكل مميز، ولكن هذا ليس كافيًا لوضعه في السجل الأحفوري الذي يوثق تطور الحيتانيات من ثدييات برية، فماذا عن امتلاكه لصفة مميِّزة للحيتانيات؟

امتلك باكيسيتوس تركيبة فريدة للأذن، وهذه التركيبة لا توجد إلا في الحيتانيات الحديثة.

كما أن تركيبة كاحله تربطه بشفعيات الأصابع التي تحدثنا عنها منذ قليل، والتي تشمل الحيتانيات. [12]

«إيتيوسيتوس-Aetiocetus»

ذكرنا منذ قليل امتلاك أجنة الحيتان البالينية لبراعم أسنان، وهذا يدل على امتلاكها لجينات تكوين الأسنان من أسلافها. يعني هذا بدوره وجود سلف مشترك بين الحيتانيات ذات الأسنان والحيتان البالينية، فماذا لدى السجل الأحفوري ليقوله بهذا الشأن؟

امتلك إيتيوسيتوس أسنانًا صغيرة جدًا بمسافات كبيرة بينها، بالإضافة إلى وجود فتحات للتغذية تُدعى “foramina”. يعد هذا مؤشرًا على امتلاكه للبالينات، وبهذا نستنتج أن الإيتيوسيتوس امتلك أسنانًا جنبًا إلى جنب مع البالينات في فمه. مما يعني أن الإيتيوسيتوس يعد شكلًا انتقاليًا يوثق انحدار الحيتان البالينية من الحيتانيات ذات الأسنان. [13]

ليست هذه هي الحفريات الوحيدة في السجل الأحفوري للحيتانيات، فهناك حفريات لحيوانات أخرى سنذكر بعضها بعد قليل.

تفنيد اعتراضات الخلقيين

على الرغم من الأدلة الكثيرة على تطور الحيتانيات من شتى فروع العلم المذكورة أعلاه، إلا أن الخلقيين يرمون بكل هذا عرض الحائط ويتمسكون بحجج وأطروحات واهية مستوردة من أطروحات الخلقيين الأجانب. ولكننا رأينا أن نقف نطرح هذه الحجج في مقالنا هذا لمناقشتها.

زعنفة ذيل «رودوسيتوس-Rodhocetus»

يرى الخلقيون أن العلماء يقومون بتزييف البيانات لوضع الحفريات ضمن السياقات التطورية للحيوانات. وفي هذا المثال يحتجون بما حدث مع حفرية الرودوسيتوس، حيث يعتبر الرودوسيتوس واحدًا من الكائنات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات، فأين هي المشكلة بالتحديد؟ تقع المشكلة من وجهة نظر الخلقيين في أن مكتشف هذه الأحفورة أضاف إليها زعانفًا وزعنفة ذيل لوضعها في السياق التطوري للحيتان.

حقيقة ما حدث مع حفرية الرودوسيتوس هو أنه عندما اكتشفها «فيليب جينجريتش-Philip Gingerich» لم تكن تمتلك ذيلًا أو أطرافًا مكتملة، فكانت بهذا الشكل.

حقوق الصورة: bensozia


ولكن عندما احتاج جينجريتش إلى تمثيل هذا الكائن لعرضه في المتاحف لجأ إلى افتراض بقية الأجزاء لتكون معروضة على العامة. افترض جينجريتش وجود زعانف وزعنفة ذيل، نظرًا لخصائص أخرى امتلكها رودوسيتوس تضعه ضمن السياق التطوري للحيتانيات، مثل موقع الفتحات الأنفية التي تقع أعلى الخطم مثل البازيلوسورد (في طريقها التدريجي إلى أعلى الرأس كما في الحيتانيات الحديثة). بالإضافة إلى موقع أذنه الداخلية التي كانت إلى أسفل (في طريقها إلى قاع الجمجمة كما في الحيتانيات الحديثة).

إذًا لم يضع جينجريتش الرودوسيتوس في السياق التطوري للحيتانيات بناء على تخمينات، وإنما على صفات مميزة للحيوانات الانتقالية في السجل الأحفوري للحيتانيات.

أما عن الزعانف وزعنفة الذيل فهذا النموذج لم يكن إلا للعرض في المتحف على العامة. حيث أن هذا النموذج لم يخضع لمراجعة علمية ولم يعتمده المجتمع العلمي، وإنما كان للتبسيط على العامة فقط. لا داعي للقول بأن “العلماء يخدعون الناس”، ولكن لاحقًا اكتشف جينجريتش حفرية رودوسيتوس أخرى، وهذه المرة بأطراف أمامية وخلفية ذات أصابع طويلة [14] كما توقع بالفعل. أما عن زعنفة الذيل فلا يمكننا معرفة ما إذا كان يمتلك زعنفة ذيل بالفعل أم لا، إذ أنه حتى الحيتانيات الحديثة لا تُظهر امتلاكها لزعنفة ذيل عند تحولها لحفريات على الرغم من امتلاكها لواحدة.

حقوق الصورة: researchgate


الأمر إذًا كان مجرد نموذج تخيلي (غير معتمد علميًا) تم تعديله بعد الاكتشافات العلمية الأحدث، وهذا ما يحدث مع النماذج التخيلية للحفريات. فجميع نماذج الديناصورات التي نمتلكها في المتاحف غير دقيقة. إذ أن الأدلة الأحدث تشير إلى امتلاك بعض الديناصورات للريش، وليس كما تظهر في المتاحف.

النماذج المعروضة في المتاحف يكون غرضها التبسيط للعامة فقط وليس الدراسة العلمية. علميًا، تدرس الحفريات بما وُجد في مواقع الحفر، وليس بالنماذج الممثلة في المتاحف. وحتى في حالة عدم امتلاك رودوسيتوس للزعانف فهذا لا يؤثر على كونه ضمن السجل الأحفوري لتطور الحيتانيات بالمرة، نظرًا لامتلاكه صفات حيتانية مميزة كما رأينا أعلاه. لا يمكن للخلقيين مثلًا امتلاك دليل على تصنيف الرودوسيتوس بشكل مختلف عما صنفه جينجريتش.

هل يعارض «إندوهاياس-Indohyus» الخط الزمني لتطور الحيتانيات؟

يقول الخلقيون أن باكيسيتوس عاش منذ 50 مليون سنة، بينما إندوهاياس (حيوان ضمن السياق التطوري للحيتانيات) عاش منذ 48 مليون سنة. أي أن الإندوهاياس يفترض أن يكون أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من باكيسيتوس (لكونه أحدث)، ولكن باكيسيتوس أقرب تشريحيًا إلى الحيتان من إندوهاياس. يعتقد الخلقيون أن العلماء يتلاعبون بترتيب الحفريات في السجل الأحفوري لإجبار البيانات على دعم التطور.

هناك سوء فهم لعملية التطور في هذا الطرح، فالتطور ليس عملية تقدم خطّي إلى الأمام و إذ أن الصورة النمطية التي نراها في الرسومات التعبيرية مثل هذه ليست دقيقة.

بالإضافة إلى كون كل حفرية من المذكورة في المثال لها مدى زمني لأعمارها وليس مجرد أرقام صماء، فعلى سبيل المثال وجدت حفريات باكيسيتوس بين ما يعود من 52 إلى 48 مليون سنة مضت، وإندوهاياس بين ما يعود من 50 إلى 48 مليون سنة مضت، فهي نطاقات زمنية متداخلة وليست مجرد أرقام.

وفضلًا عن أن هذه الأرقام لا تعبر بالضرورة عن الفترة التي عاش خلالها الحيوان، إذ يمكن أن يكون عاش قبلها وبعدها، إلا أن هذا حتى لا يمنع من وجود هذه الكائنات في نفس الفترة الزمنية.

مثال

على سبيل المثال، نحن البشر نعيش في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي، وبعد ملايين السنين عند النظر إلى صور الشيمبانزي وصور البشر الحاليين، قد يستنتج شخص ما بطريقة خاطئة أننا منحدرون من الشيمبانزي، وقد يتعجب من كون البشر يعيشون في نفس الفترة التي يعيش فيها الشيمبانزي (نفس المغالطة التي وقع فيها الخلقيون في هذا المثال) ولكن هذا ليس صحيحًا على الرغم من امتلاك الشيمبانزي لخصائص بدائية أكثر من البشر، ولهذا فلا يدعي العلماء أن إندوهاياس انحدر من باكيسيتوس أو العكس، في الواقع لا يعتقدون أن أيًا من الحفريات المكتشفة تمثل أسلاف الكائنات الحديثة، ولهذا يتم التعبير عن الأسلاف في الرسومات بنقاط مجردة، مثل هذه الصورة.

حقوق الصورة: understanding evolution


بالإضافة إلى أنه إن كان العلماء ينوون التلاعب بالبيانات لموافقة التطور، فلم يكونوا ليجعلوا هذه الأرقام معلنة للعامة، فهم بالتأكيد يعلمون أن 48 أقل من 50، فلماذا لم يتلاعبوا بالأرقام؟

هذا لأن الحجة أصلًا مبنية على فهم خاطئ لعملية التطور، لا أكثر.

هل انتقلت الحياة من الماء إلى اليابسة أم العكس؟

يرى الخلقيون أن ادعاء تطور الحيتانيات من ثدييات برية يعارض باقي الأدلة التطورية التي تخبرنا بانتقال الحياة من الماء إلى اليابسة.

قلنا: لا يوجد هدف مسبق للتطور ليحدد مسارًا واحدًا للحياة لتسلكه، فالحياة بالفعل انتقلت من الماء إلى اليابسة ولكن بعض الكائنات انتقلت مجددًا إلى الماء وهو ما تظهره الأدلة التشريحية والأحفورية كما رأينا أعلاه، كما أن «تحليل نظائر الأوكسجين-Oxygen isotope analysis» يمكننا من التعرف على نوع المياه التي كان يشربها الحيوان أثناء حياته عند العثور على حفرية له، وأظهرت النتائج أن باكيسيتوس شرب مياهًا عذبة [15]، بينما شرب «أمبيولوسيتوس-Ambulocetus» (حيوان انتقالي في السجل الأحفوري للحيتانيات) مياهًا عذبة ومياهًا مالحة، وهذا بحد ذاته يعتبر دليلًا على الانتقال التدريجي للحياة من اليابسة إلى الماء مرة أخرى. [9]

الأطراف الخلفية للحيتانيات

ذكرنا في أول المقال وجود أطراف خلفية ضامرة في أجسام الحيتانيات. يرى الخلقيون أن هذه ليست سوى بقايا عظام حوض لتدعيم الأعضاء التناسلية فقط.

بالفعل تمتلك معظم الحيتانيات عظمتي حوض فقط. ولكن ما يجهله الخلقيون هو امتلاك «الحوت مقوس الرأس-Bowhead whale» لعظام ورك وساق بالإضافة إلى عظام الحوض. بل أن عظام الورك والحوض تتمفصلان كما في الثدييات البرية، ويوجد في المفصل أحيانًا «سائل زلالي-Synovial fluid» وهو سائل يعمل كزيت لتشحيم العظام في المفاصل المتحركة. وهذا يعد دليلًا على كونها عظام أطراف خلفية ضامرة، وليست مجرد دعامات للأعضاء التناسلية. [16]


بالإضافة إلى السجل الأحفوري الذي يدعم فكرة كونها أطرافًا خلفية، فعند التقدم بالزمن في السجل الأحفوري باتجاه الحيتانيات الحديثة، نلاحظ فقدانها التدريجي لأطرافها الخلفية، كما في الصورة التالية.

حقوق الصورة: researchgate


وكما ذكرنا أعلاه، تنمو لأجنة الحيتان براعم أطراف خلفية ولكنها سرعان ما تتوقف عن النمو. فإذا كانت مجرد دعامات للأعضاء التناسلية، فلماذا نرى التدرج في فقدانها في السجل الأحفوري؟ ولماذا يمتلك الحوت مقوس الرأس عظام ورك وساق ضامرتين؟ ولم يحتوي مفصل ورك الحوت مقوس الرأس على سائل زلالي؟ ولماذا تمتلك أجنة الحيتان براعم أطراف خلفية؟

سقنا في هذا المقال أدلتنا على تطور الحيتانيات وقمنا بتفنيد ادعاءات الخلقيين بشأن هذا الأمر، وفي المقال القادم نستعرض أقوى أدلة التطور، أدلة التطور من الجينوم.

المصادر

[1] britannica
[2] scienceline
[3] whales
[4] britannica
[5] pnas
[6] pandasthumb
[7] Highlights of Cetacean Embryology, J. G. M. Thewissen
[8] ncbi
[9] berkeley
[10] britannica
[11] stated clearly
[12] AMNH
[13] sciencedaily
[14] sciencemag
[15] UPI
[16] The Walking Whales: From Land to Water in Eight Million Years, by J. G. M. “Hans” Thewissen, p.30

أدلة التطور: التطور السريع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

عندما يجد معارضو التطور أنفسهم محاصرين بأدلة دامغة على التطور، يلوحون بورقتهم الأخيرة، قائلين بأن التطور غير قابل للرصد أو التجربة. ويستنتجون من إدعائهم أن التطور لا يصمد أمام منهج العلم التجريبي. وعلى الرغم من أن هذا القول هو سوء فهم لآلية عمل العلم التجريبي، فعملية الرصد لا تعني بالضرورة أن نشهد كل شيء ونراه بأعيننا، ولكننا سنتغاضى عن هذا ونقدم لهم ما يبحثون عنه. نستعرض في مقال اليوم أمثلة من التطور السريع الذي لا يتطلب ملايين الأعوام لكي نرصده، فهل سيقرّون بحقيقة التطور؟

صراصير جزيرة كاواي

على جزيرة «كاواي-Kauai» (إحدى جزر هاواي)، اعتاد أن يعيش نوع من الصراصير يعتمد ذكوره على إصدار الضجيج كنداء للإناث باستخدام أجنحته. ولكن هناك مشكلة في ذلك السلوك، إذ أن هذا الضجيج لا يجذب الإناث وحسب، ولكنه يجذب أيضًا نوعًا من الذباب، الذي يصيب الصرصور بالطفيليات الآكلة للحم، والتي بدورها تتسبب في مقتل الصرصور بعد أسبوع.

حقوق الصورة: berkeley

ولكن قلب التطور موازين هذه المعادلة، حيث ظهر نوع جديد من ذكور تلك الصراصير بأجنحة مشابهة لأجنحة الإناث التي لا تصدر ضجيجًا. فأجنحة الذكور التي تصدر ضجيجًا تحتوي على أجزاء تشبه المكشطة والأسنان، وهذا هو ما يتسبب بالضجيج. ولكن النوع الجديد يمتلك أجنحة صامتة كتلك التي تمتلكها الإناث.

ونرى هنا أن الذكور من التي تصدر ضجيجًا ستحصل على فرصة أعلى في التزاوج والتكاثر من النوع الجديد، حيث ستستطيع أن تجذب الإناث بضجيجها. ولكن هذا سيكون صحيحًا فقط في حالة عدم وجود الذباب. فالصراصير ذات الأجنحة الصامتة لن تجذب انتباه الذباب وستتكاثر في مأمن من الطفيليات الآكلة للحم.

هذا ما حدث بالفعل، ففي عام 2003، أصبحت جزيرة كاواي تعج بالصراصير الصامتة. وعلى مدى 20 جيلًا فقط، أصبحت صراصير جزيرة كاواي كلها من النوع الصامت، وهذا يعد واحدًا من أقوى أمثلة التطور السريع. [1]

«العث المفلفل-Peppered moth»

في عام 1848، تم تسجيل اكتشاف أول عثة مفلفلة سوداء، حيث كان العث الفلفل أبيض اللون. إلا أن ما كان نادرًا في عام 1848 أصبح شائعًا على مدى ال 50 سنة التالية، حيث أصبح العث الأسود يشكل نسبة 98% من العث الموجود في مدن إنجلترا، فما السبب؟

كانت إنجلترا في ذلك الوقت تمر بما يعرف ب «الثورة الصناعية-Industrial revolution»، فكانت تبني المزيد من المصانع. واستخدمت المصانع الفحم كوقود لها، وهو ما تسبب بتصاعد كميات كبيرة من الدخان الأسود. وتسبب الدخان في كسوة الأشجار باللون الأسود، وهو ما أثّر على لون العث.

اعتقد العلماء في بادئ الأمر أن العث يغير لونه ليلائم لون الأشجار، أو أن لون العث قد تغير تأثرًا بالكيماويات الموجودة في الدخان. ولكن الأبحاث تظهر أن السبب كان جينيًا، فاللون الأسود كان نتيجة لطفرة في الحمض النووي لحشرة عث واحدة. مررت تلك الحشرة الطفرة لباقي نسل هذه العثة، ولكن لماذا انتشر العث الأسود على حساب العث الأبيض؟

العث الأسود. حقوق الصورة: the university of liverpool


يرجع تفسير هذا إلى الانتخاب الطبيعي، حيث أن اللون الأبيض لم يعد يوفر التمويه الكافي للنجاة بعد تغير لون الأشجار. حصل العث الأسود على فرصة أكبر في البقاء وبالتالي التكاثر.

ويستمر تطور العث حتى اليوم، ففي آخر 50 عامًا، قل التلوث في معظم الدول الصناعية بشكل كبير. وكما تتنبأ نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي لداروين، أصبحت أعداد العث الأسود في تناقص مع نقص التلوث في الغابات. [2] ولأن قوة النظريات العلمية تكمن في قدرتها على التنبؤ، تزداد قوة نظرية التطور مع كل حالة تنبؤية ناجحة.

سحالي بود مركارو

في عام 1971، نقل بعض العلماء 5 أزواج من «سحالي الحائط الإيطالية-Italian wall lizards» من جزيرة Pod kopiste إلى جزيرة Pod Mrcaru، علمًا بأن جزيرة Pod Mrcaru كانت تحتوي على مجتمعها الخاص من السحالي. وبعد 36 عام (أي ما يُعادل 30 جيلًا من السحالي)، عاد العلماء إلى الجزيرة ليجدوها ممتلئة بالسحالي.

ليس هذا ما يثير الدهشة، وإنما التحليل الجيني لهذه السحالي الذي أظهر أنها تنحدر من ال 10 سحالي التي تركها العلماء سابقًا. حيث اختفى السحالي الأصلية الساكنة للجزيرة. وهنا تأتي المفاجأة، حيث استطاعت السحالي التي تركها العلماء تطوير صفات يتطلب تطويرها ملايين السنين في 36 عامًا فقط.

أصبحت السحالي الجديدة تتغذى على النباتات (بعد أن كان مصدر الغذاء الرئيسي لها هو الحشرات). كما امتلكت عضة أقوى، ورؤوسًا أطول وأعرض. ليس هذا وحسب، بل طوّرت ما يُعرف ب «الصمام اللفائفي الأعوري-Ileocecal valve»، وهي عضلة تفصل بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة لتساعد السحالي على إبطاء عملية الهضم لتحويل السليلوز الموجود في النباتات إلى أحماض دهنية متطايرة.

حقوق الصورة: google sites

كل هذا في 36 عامًا فقط! لقد كانت هذه النتائج صادمة، فهي تُبرز قوة التطور وقدرته على إحداث تغيرات كبيرة في فترات زمنية قصيرة. كما أنها من أقوى أمثلة التطور السريع. [3]

ذكرنا في هذا المقال بعض الأمثلة على التطور السريع، ونقول “بعض” لأن هذه الأمثلة ليست الوحيدة. هناك الكثير والكثير من المرات التي حدث فيها التطور في مدى زمني قصير. كتبنا مقالًا سابقًا عن أمثلة للتطور في المعامل، فأدلة التطور أكثر بكثير من أن تُحصى في مقال أو حتى كتاب. اخترنا هنا فقط أبرز الأدلة وأكثرها انتشارًا وأسهلها شرحًا وقابلية للتوضيح.

المصادر

[1] berkeley
[2] ask a biologist
[3] national geographic

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

Exit mobile version