أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

كثيرًا ما يثير معارضو التطور تساؤل “لماذا لا نشاهد التطور يحدث الآن؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن التطور يحدث على مدى أجيال كثيرة وفترات زمنية طويلة. هذه إجابة صحيحة، إلا أنها غير مكتملة. فالتجارب المعملية أثبتت مرارًا وتكرارًا أن التطور قابل للرصد، وأصبح بمقدورنا مشاهدة التطور في المعامل. تعالوا معنا نستعرض بعضًا من هذه التجارب.

بكتيريا E.coli

في عام 1988، قام عدد من الباحثين من «جامعة ولاية ميتشيجن-Michigan state university» بعمل تجربة على 12 مجموعة من البكتيريا من نوع “Escherichia coli”. قاموا بوضع ال 12 مجموعة في بيئة تحتوي على القليل من ال «جلوكوز-Glucose» و«السترات-Citrate»، وهي مادة لا تستطيع بكتيريا ال E.coli الاستفادة منها غذائيًا في الظروف الطبيعية. وتكاثرت مجموعات البكتيريا في هذه البيئة لآلاف من الأجيال، إلى أن حدثت المفاجأة!

اكتسب الجيل رقم 31,500 قدرة على التمثيل الغذائي للسترات، وهو أمر يدعو للدهشة. إذ يتعرّف العلماء على بكتيريا E.coli عن طريق فشلها في التمثيل الغذائي للسترات، فهي صفة مميزة لها. إلا أن تلك الصفة تطورت لدى فرد واحد، خلية واحدة، من ال 12 مجموعة التي أُجريت عليها التجربة. نجح ذلك الفرد بسبب البيئة الغنية بالسترات في الانقسام الانتشار إلى أن أصبحت صفة لجماعة من البكتيريا. تعد هذه التجربة واحدة من المرات التي استطعنا فيها مشاهدة التطور بأنفسنا في المعامل واختباره. [1]

ذباب الفاكهة تحت تأثير الجفاف

في تجربة علمية، تعرضت 5 مجموعات من ذباب “Drosophila melanogaster” المعروف في اللغة الدارجة باسم «ذباب الفاكهة-Fruit flies» للجفاف لما يزيد عن 200 جيل. نتج ذلك الجفاف عن زيادة في قدرات الذباب على النجاة من تأثيرات الجفاف القاتلة. بالإضافة إلى تطور بعض الصفات الفسيولوجية، مثل تفضيلها لتخزين الكربوهيدرات، وقلة مخزونها الاحتياطي من الدهون، وزيادة ملحوظة في حجم الدم. أدت تلك التغيرات إلى زيادة محتوى الصوديوم والكلورين خارج خلاياها، وتُعد هذه الصفات مميزة إذا ما قورنت بباقي أفراد بني جنسها.

وها نحن ذا نشاهد مرة أخرى كيف أكسب التطور صفات جديدة لجنس محدد، ليتناسب مع بيئته. وأيضًا تمكنا من مشاهدة التطور في المعامل. [2]

ذباب الفاكهة في الظلام

في 11 نوفمبر لعام 1954، قام عالم البيئة الياباني “سيوتي موري -Syuiti Mori” بتغطية مستعمرة من ذباب الفاكهة بقطعة من القماش الداكن. أطلق موري بذلك واحدة من أطول تجارب علم الأحياء التطوري.

وبعد 61 عام (أي بعد 1,500 جيل)، تعرّف الباحثون على عدد كبير من التغيرات والتنوعات الجينية التي قد تساعد نسل الذباب (الذي أُجري عليه التجربة عام 1954) على مواكبة الحياة في الظلام.

طوّرت هذه المجموعة صفات جديدة لتساعدها على التعايش مع بيئتها المظلمة الجديدة. إذ أصبحت تمتلك شعيرات رأس أطول (مقارنة بذباب الفاكهة العاديّ)، علمًا بأن ذباب الفاكهة يستخدم هذه الشعيرات كحسّاسات لمصادر الضوء. كما امتلكت حاسة شم أقوى، وأظهرت تفوّقًا ملحوظًا في العثور على شريك جنسي في الظلام مقارنة بأنواع الذباب العاديّة.

إلا أنها احتفظت ببعض صفات أسلافها، فعلى الرغم من حياتها في الظلام إلا أنها ما زالت تنجذب ناحية الضوء. كما حافظت على «دورتها اليومية-Circadian cycle» وهي الدورة المسئولة عن تحديد مواعيد النوم والاستيقاظ.

وهذه الصفات المكتسبة لدى «ذباب الظلام-Dark flies» دليل على التطور، حيث ساقت الظروف البيئية الجديدة ذباب الفاكهة لتطوير صفات جديدة لتتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وهذه التجربة توضح لنا كيف نستطيع مشاهدة التطور في المعامل. [3]

المصادر

[1] PNAS
[2] Oxford
[3] Nature

الأدلة على التطور من علم الأجنة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يهتم «علم الأجنة-Embryology» بدراسة مراحل تكوّن أجنة الكائنات الحية ودراسة تحولاتها أثناء تلك المراحل [1]. ويقدّم علم الأجنة أدلة قوية دامغة على التطور، ولعل من أوائل من حاولوا الربط بين فكرة التطور وعلم الأجنة هو العالم الألماني «إرنست هيكل-Ernst Heackel». رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه مشابهة لأسلافه في مرحلة البلوغ. عرف هذا ب«التلخيص-Recapitulation»، وهذا لأن الجنين – وفقًا لرأي هيكل – يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه [2]. إلا أن هذه الفكرة ليست صحيحة علميًا، فنحن لا نرى مثلًا أجنة الحيوانات البريّة تشابه الأسماك البالغة في أي من مراحل تكوّنها (علمًا بأن الحيوانات البرية تطورت من الأسماك). ولكن لا تؤثر فرضية هيكل لا على نظرية التطور ولا علم الأجنة، ويبقى علم الأجنة محافظًا على موقعه كأحد أقوى فروع العلوم الداعمة للتطور. يُدرس علم الأجنة لطلاب الطب والمتخصصين في النساء والتوليد في كل كليات الطب في العالم تمامًا كما هي نظرية التطور. فتعالوا معنا نتعرف على الأدلة على التطور من علم الأجنة.

كيف يدل علم الأجنة على التطور؟

هل تساءلت يومًا عن سر وحدة مراحل تكوّن الجنين البشري على سبيل المثال؟ فمراحل تكوّن الجنين واحدة لدى جميع الأجنة البشرية، ولكن ما السر وراء هذا؟

تكمن الإجابة في أننا لا نرث من آبائنا وأمهاتنا الصفات الوراثية فحسب، بل نرث منهم كذلك مراحل التكوين. فالجينات تحمل التعليمات والإرشادات التي تقود الجنين للتحول من مجرّد خلية حية إلى كائن مكتمل النمو [3]. وبناء على ذلك، إذا افترضنا تطوّر الكائنات الحية من أنواع أخرى، فيجب أن نرى تكوّن بِنىً جنينية مشتركة بين الكائنات وأسلافها. على سبيل المثال، إذا قلنا أن الحيوانات الأرضية تطورّت من الأسماك، فيجب أن نرى بِنىً جنينية سمكية تتكون لدى أجنة الحيوانات الأرضية (لأنها تحمل الجينات الحاملة لتعليمات تكوين أجنة الأسماك). قد تبدو فكرة غريبة، ولكن تعالوا لنرى الأدلة.

ذيل الإنسان

تمتلك معظم الثدييات ذيولًا تساعدها على التوازن أثناء الحركة، إلا أن البشر عندما اكتسبوا صفة المشي المنتصب فقدوا الحاجة إلى وجود ذيل. وها نحن ذا لا نرى ذيولًا في أجسامنا، ولكن هل نحن حقًا بلا ذيول؟

أثناء الأسبوعين الرابع والخامس من عمر الجنين البشري نلاحظ امتلاك الأجنة البشرية لذيول يبلغ طولها 1/6 طول جسم الجنين. كما نلاحظ أن هذه الذيول تحتوي على عدد من الفقرات يتراوح ما بين 10 و 12 فقرة. إلا أنه بحلول الأسبوع الثامن يبدأ الجنين في فقدان هذا الذيل تدريجيًا ليضمر ويتحول إلى «العصعص-Coccyx» وهو عبارة عن ذيل ضامر. [4]

فها نحن ذا نرى بِنية جنينية ورثنا تعليمات تكوينها من أقاربنا من الثدييات ذات الذيول.

حقوق الصورة: quizlet

«الشقوق الخيشومية-Gill slits»

تمتلك الأجنة البشرية وغيرها من أجنة الفقاريات التي لا تعيش في المياه في بداية مراحل تكوّنها بِنىً تُعرف ب «الشقوق الخيشومية-Gill slits». وهي البِنى التي تتطور وتنمو في أجنة الأسماك لتصبح خياشيمًا تساعدها على التنفس. وعلى الرغم من عدم تنفس الإنسان والحيوانات غير المائية بواسطة الخياشيم إلا أن أجنتها ما زالت تحمل هذه الشقوق الخيشومية كبصمة تدلنا على أسلافنا السمكية. [5]

ولكن هذه الشقوق الخيشومية لا تنمو لتصير خياشيمًا في الثدييات. فكما نرى، لا تستخدم الحيوانات غير المائية الخياشيم في التنفس، فإلى ماذا تتحول هذه الشقوق؟

تنشأ من الشقوق الخيشومية لدى الأجنة البشرية وغيرها من الثدييات تراكيبًا مختلفة كالفك، و«عظام الأذن الداخلية-Inner ear bones» التي تلعب دورًا حيويًا في قدرتنا على السمع. [6]

حقوق الصورة: anatomy book

أرجل الثعابين

على الرغم من كون الثعابين تزحف على بطنها للحركة، إلا أنها مُصنّفة ضمن «رباعيات الأطراف-Tetrapods». وهي الحيوانات التي تمتلك أربعة أطراف، ولكن كيف لنا أن نضعها في هذا التصنيف على الرغم من عدم امتلاك الثعابين لأية أطراف سواء أمامية أو خلفية؟

أحد الأسباب هو أن أجنة الثعابين تمتلك براعم أطراف في أول 24 ساعة من تكوّنها. فعلى سبيل المثال، تنمو لأجنة «الأصلات-Pythons» في ذلك الوقت القصير عظام أطراف خلفية مثل «عظمة الفخذ-Femur»، و«قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». لا تنمو عظام الأطراف بما يكفي لتصير أطرافًا مكتملة النمو، فسرعان ما تبدأ في التحلل. [7]

حقوق الصورة: livescience


وجدير بالذكر هنا أن الأصلات البالغة بالفعل تمتلك عظام أرجل ضامرة مدفونة في العضلات الموجودة بالقرب من نهاية ذيلها. فهي أحد الأعضاء الضامرة التي تدل هي أيضًا على التطور. [8]

وهو ما يشير إلى تطوّر الثعابين من رباعيات الأطراف، حيث أنها ما زالت تحمل تعليمات لتكوين الأطراف على الرغم من أنها تزحف على بطنها، وهذا يعد واحدًا من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة.

أصابع الأحصنة

تمتلك رباعيات الأطراف خمسة أصابع في أطرافها، ولكن إذا نظرنا إلى حيوان مثل الحصان (وهو رباعي الأطراف) وجدناه يمتلك إصبعًا واحدًا. فهل هو فعلا إصبع واحد؟ لنتتبع مسار نموه الجنيني لنرى!

يبدأ الحصان بامتلاك خمسة أصابع في أطرافه، إلا أن الإصبع الأول يلتحم مع الإصبع الثاني. كما يلتحم الإصبع الرابع مع الخامس، ليكوّن كل زوج من هذه الأصابع الملتحمة «عظمة جبيرة-Splint bone». ثم يكمل الإصبع الثالث (الأوسط) نموه ليكون هو الحافر. وهنا يأتي السؤال المهم، لماذا يبدأ جنين الحصان بنمو خمسة أصابع إن كان سينتهي بإصبع واحد؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في ضوء تطور الحصان من رباعيات أطراف كانت تمتلك خمسة أصابع. [9] وهذا ما يكسب نظرية التطور قوتها كأي نظرية علمية، وهو قدرتها التفسيرية والتنبؤية.

حقوق الصورة: whyevolutionistrue

جماجم الطيور والديناصورات

بتنا نعلم أن الطيور تطورت من ديناصورات، ولكن تقع هنا مشكلة، حيث أنه عند فحص أحافير الديناصورات، نجد امتلاك الديناصور لعظمتين في جمجمته هما «العظمة الأمامجَبهِية-Prefrontal bone»، و«العظمة الخلفمِحجَرية-Postorbital bone». هاتان العظمتان لا وجود لهما في جماجم الطيور الحديثة، فأين ذهبت هذه العظام؟

عند فحص أجنة الطيور سنجد هاتين العظمتين في جماجم أجنة الطيور، إلا أنهما تلتحمان مع عظام الجمجمة الأخرى لتكوين العظام الأنفية والجبهية. كما أن التحام هاتان العظمتان بعظام الجمجمة الأخرى سمح بزيادة حجم العينين وزيادة حجم أدمغة هذه الطيور. [10]

ويُعد نمو هاتين العظمتين لدى أجنة الطيور أثرًا يمكننا الاستدلال به على تطور الطيور من الديناصورات. إذ أن الديناصورات قد أورثت الطيور الجينات المسئولة عن تكوين هاتين العظمتين أثناء مرحلة النمو الجنيني.

أصابع الطيور

تختلف الطيور عن الفقاريات في عدد الأصابع حيث تمتلك الطيور في أجنحتها ثلاثة أصابع، إلا أنها كرباعيات أطراف (الفئة التي تنتمي الطيور إليها) هي امتلاك خمسة أصابع. فكيف هذا؟

عند فحص أجنة الطيور نجد أن أصابعها في بداية نموها تكون خمسة أصابع. ثم تبدأ هذه الأصابع في الالتحام مع بعضها البعض لتصير ثلاثة بدلًا من خمسة. فالثلاثة أصابع الموجودة في أجنحة الطيور هي عبارة عن خمسة أصابع ملتحمة مع بعضها البعض. هذا أيضًا واحد من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة [11]

عضلات الزواحف في جسم الإنسان

تمتلك الزواحف في أيديها عضلات تُدعى “Dorsometacarpales”. وقد اكتشف نمو هذه العضلة في أيادي الأجنة البشرية، ولكنها سرعان ما تختفي أو تلتحم مع عضلات أخرى. يدل هذا على انحدار الثدييات (ونحن منهم) من الزواحف، حيث ورثنا منهم الجينات التي تعطي الأوامر والتعليمات للسماح بنمو هذه العضلة في أيدي الأجنة البشرية على الرغم من عدم وجودها لدى البشر البالغين. [12]

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3] University of Leicester
[4] NCBI
[5] britannica
[6] Lumen learning
[7] Livescience
[8] American Museum Of Natural History
[9] Royal Society
[10] Nature
[11] Genome Biology
[12] Livescience

الأدلة السلوكية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 1 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن ناقشنا في الجزء الأول الأدلة التشريحية على التطور، ثم انتقلنا إلى مناقشة الأعضاء الضامرة في الجزء الثاني، ورأينا من خلال هذين الجزئين كيف يمكننا أن نتتبع آثار التطور في أجسامنا، نحن اليوم على موعد مع مقال قصير نستعرض فيه بعض السلوكيات التي تسلكها أجسامنا والتي تدلنا على التطور، فما هي الأدلة السلوكية على التطور؟

«القشعريرة – Goosebumps»

عندما نشعر بالبرد ينتصب شعر أجسادنا (يكون ملحوظًا في شعر اليدين)، ونُصاب بالقشعريرة. تحدث القشعريرة بسبب انقباض «العضلات المُقِفّة للشعرة-Arrector pilli muscles»، الموجودة في بصيلات الشعر. يتسبب ذلك الانقباض في انتصاب شعر أجسادنا، ولكن ما هو التفسير التطوري للقشعريرة؟

يمكننا تتبع نفس السلوك (القشعريرة) في أقربائنا من الثدييات لمعرفة وظيفته. فمعظم الثدييات تمتلك الكثير من الشعر، ولذا فعندما تشعر بالبرد وتُصاب بالقشعريرة، ينتصب الشعر الذي يكسو أجسامهم. يتسبب انتصاب الشعر باحتباس الهواء لتشكيل طبقة عازلة للحد من تدفق الحرارة خارج أجسامهم، وهو ما يحميهم من البرد. ولهذا ما زلنا نصاب بالقشعريرة وقت شعورنا بالبرد على الرغم من عدم مساهمة ذلك في الحفاظ على دفء أجسامنا. فالبشر قد فقدوا الكثير من الشعر على أجسامهم عند تطورهم من سكن العراء إلى الكهوف والمنازل. [1]

«الحازوقة – Hiccups»

قد يكون موقفًا محرجًا عندما تصاب بالحازوقة في مكان عام أو وسط محادثة. ولكي نفهم سبب إصاباتنا بالحازوقة (التي لا يبدو أن لها أي وظيفة) علينا أولًا أن نفهم كيف تحدث؟

تحدث الحازوقة عند حدوث انقباض مفاجئ في الحجاب الحاجز، مصحوبًا بصعود الجزء الخلفي من اللسان مع سقف الفم للأعلى وانغلاق الأحبال الصوتية. تتسبب تلك الحركات في صوت الحازوقة المعروف، ولكن ما علاقة التطور بهذا؟

نتشارك آلية الحازوقة مع «البرمائيات-Amphibians»، لنأخذ «الشرغوف-Tadpole» على سبيل المثال. يتنفس الشرغوف في المياه عن طريق ملء فمه بالماء، ثم ينقبض «لسان المزمار-Glottis». يقوم الشرغوف بدفع المياه إلى الخارج عن طريق الخياشيم. ليست هذه الآلية حكرًا على الشرغوف فقط، وإنما يتشارك معه فيها أسماك «الغار-Gar»، و«السمكة الرئوية-Lungfish»، والعديد من البرمائيات ذات الخياشيم.

ومن العجيب أن تعلم أننا لا نتشارك الحازوقة مع البرمائيات في الآلية وحسب، بل حتى في الإشارات الكهربائية الدماغية. حيث أن انقباض الحجاب الحاجز والحازوقة يُستثاران بإشارات كهربائية تُوّلَد في «جذع الدماغ-Brain stem». إلا أن جذع الدماغ عند البرمائيات يوّلد إشارات كهربائية مشابهة لهذه التي تسبب الحازوقة عندنا، لتكون مسئولة عن حركة الخياشيم المنتظمة.

فقد ورثنا الحازوقة من أسلافنا من البرمائيات التي كانت تتنفس عن طريق خياشيمها. يعد هذا أحد الأدلة السلوكية على التطور. [2]

«منعكس القبض الراحي – Palmar grasp reflex»

تنقبض أيادي الرضع حول أي شيء يلامس أسطح أيديهم. وكغيره من السلوكيات المذكورة أعلاه، فله أصل تطوري، حيث أن رد الفعل هذا يكون مفيدًا في صغار القرود ليساعدهم على التشبث في شعر أجساد أمهاتهم. إلا أنه لم يعد يؤدي وظيفته الرئيسية الآن، فالجسم البشري لا يملك كمية الشعر الكافية التي تسمح بتشبث الأطفال فيه. كما أظهرت بعض الأبحاث قدرة قبضة الأطفال على حمل وزن أجسامهم لمدة 10 ثوانٍ إذا ما تعلق بقضيب أفقي، إلا أن الأطفال لا يحتاجون إلى قبضة بهذه القوة. لذلك يعد هذا من الأدلة السلوكية على التطور. [3]

المصادر

[1] NIH
[2] livescience
[3] britannica

أدلة التطور: الأعضاء الضامرة

هذه المقالة هي الجزء 6 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن تعرفنا في الجزء السابق من هذه السلسلة على بعض من أدلة التطور التشريحية، سنستعرض اليوم نوعًا آخر من أدلة التطور التي يمكننا أن نراها بأعيننا في أنفسنا، وهي الأعضاء الضامرة.

تعريف الأعضاء الضامرة

وفقًا لموقع (biologyonline)، فإن «الأعضاء الضامرة-Vestigial organs» هي أعضاء موجودة في جسم الكائن الحي فاقدة لوظيفتها أو تقوم بوظيفة أخرى غير وظيفتها الرئيسية [1]، ولكن من أين لنا أن نعرف الوظيفة الأصلية لهذه الأعضاء لكي نحدد أن وظيفتها قد تغيرت؟

نستطيع معرفة الوظيفة الأصلية للأعضاء الضامرة عن طريق مقارنتها تشريحيًا ووظيفيًا بالأعضاء المشابهة في الكائنات الأخرى، وبناء عليه يمكننا تحديد ما إذا كان العضو ضامرًا أم لا، لنستعرض أمثلة للتوضيح.

طيور لا تطير

جميعنا نعلم أن وظيفة الأجنحة عند الطيور هي الطيران، ولكن ماذا إن كان الطائر لا يطير؟ فما فائدة الأجنحة في هذه الحالة؟

ولكي نطبق ما ذكرناه سابقًا، سنقوم بالمقارنة بين وظائف هذه التراكيب والأعضاء وبين الأعضاء المشابهة لها في الكائنات الأخرى لنرى ما إذا كانت ضامرة أم لا، وما دلالة هذا الضمور؟

النعام

قد تنمو النعامة ليصل طولها إلى 2.5 متر، ويزيد وزنها عن 135 كيلوجرام، وتستطيع الجري بسرعة 72 كم/ساعة، إلا أنها لا تستطيع الطيران. فأجنحة النعامة صغيرة نسبيًا مقارنة بحجم جسدها [2]، كما أن تلك الأجنحة أضعف من أن ترفع النعامة ذات الوزن الثقيل عن الأرض. إلا أن النعامة قامت بتوظيف أجنحتها في أشياء أخرى، كاستخدامها للتظليل على بيضها الكبير نسبيًا. تبقى وظيفة الأجنحة في الطيور الأخرى الطيران، وليست التظليل على البيض أو الحفاظ على التوازن أثناء الجري.

البطريق

تُعد البطاريق من الطيور التي لا تطير، حيث تمتلك ريشًا ومناقيرًا وأجنحة كذلك. لكن لا تستخدم البطاريق أجنحتها في الطيران، وإنما تستخدمها في السباحة أثناء الصيد.

ونلاحظ من الصورة السابقة أنه على الرغم من التشابه الوظيفي بين أجنحة الطيور وزعانف الأسماك (كلاهما يُستخدم في السباحة) إلا أنها لا تتشارك نفس التشريح الداخلي مع الزعانف. ولكن تتبع النمط الذي ناقشناه في الجزء السابق المكون من عظمة، ثم عظمتين، ثم عدد من العظام، ثم الأصابع. يدل هذا على أن الأطراف الأمامية للبطاريق هي أجنحة ضامرة. [2] , [3]

«الإيمو-Emu»

قد تبلغ طيور الإيمو ارتفاع 1.8 متر، ووزنًا يقارب ال 50 كيلوجرام، إلا أنه أجنحتها صغيرة جدًا لتمكينها من الطيران. فأجنحة طائر الإيمو تبلغ من الطول 20 سم فقط، أي أن أجنحتها تكاد لا تكون ظاهرة من الأساس.

ويستخدم طائر الإيمو أجنحته هذه في الرفرفة أثناء الجري ليوازن جسده، ولكن كما ذكرنا مسبقًا أن الوظيفة الأصلية للأجنحة هي الطيران. وبالتالي فأجنحة الإيمو تُعد من الأعضاء الضامرة. [4]

«الكاكابو-Kakapo»

الكاكابو هو النوع الوحيد من الببغاوات غير القادرة على الطيران، فأجنحتها القصيرة لا تقدر على حملها، وإنما تستخدمها للتوازن. كما تمتلك الكاكابو ريشًا ناعمًا مقارنة بالطيور الأخرى، فهي لا تحتاج الريش القوي الذي يمكّن الطيور من الطيران.

وكما لاحظت، فلم نذهب بعيدًا لمقارنة ببغاء الكاكابو بطيور أخرى، وإنما قمنا بمقارنته بأبناء نوعه من الببغاوات. وتبينّا من هذا أن أجنحة الكاكابو من الأعضاء الضامرة. [5]

«غاق الجالاباجوس-Flightless cormorant»

مقارنة بأنواع طيور الغاق الأخرى، يُعد غاق الجالاباجوس أثقلهم وزنًا، وكذلك النوع الوحيد الذي لا يطير من بين 29 نوع. وتمتلك أجنحة ضامرة بثلث حجم الجناح الذي يحتاجه غاق الجالاباجوس ليتمكن من الطيران. أدى الانتخاب الطبيعي لضمور هذه الأجنحة نظرًا لعدم وجود عدد كبير من المفترسات الأرضية في بيئته، فاختار الانتخاب الطبيعي الطيور السبّاحة لتمرير جيناتها. ولكن هل يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة؟

لا يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة حتى، وإنما يضمهم إلى جانبيه ويستخدم أرجله في الدفع تحت الماء.

في الطيور المائية، تُغطى الأجنحة بطبقة من الزيت لتشكل طبقة عازلة بين الريش وبين الماء. تعمل تلك الطبقة العازلة على الحفاظ على مرونة الريش وعدم انكساره. إلا أن أجنحة غاق الجالاباجوس لا تنتج ما يكفي من الزيت لحماية أجنحته من الماء، ولهذا يقوم بفرد أجنحته بعد السباحة للاعتماد على أشعة الشمس في تجفيف أجنحته. [6]

وكما نرى فأجنحة غاق الجالاباجوس ليس لها أي فائدة تُذكر، بل إنها حتى قد تشكل عائقًا له. مما يجعل من أجنحة غاق الجالاباجوس عضوًا ضامرًا بامتياز.

ذيل الإنسان

تستخدم معظم الثدييات ذيولها من أجل التوزان أثناء الحركة، ولكن بعد أن تعلمنا السير على قدمين فقد الذيل وظيفته، فضمر وأصبح ما يُعرف الآن ب «العصعص-Coccyx». مما يعني أن العصعص عبارة عن ذيل ضامر. [7]


وتتصل بعض «عضلات القاع الحوضي-Pelvic floor muscles» بالعصعص، إلا أن هذه العضلات تمتلك «نقاط اتصال-Attachement points» أقوى من نقطة اتصالها مع العصعص، وعلى أي حال فإن الوظيفة الأساسية للذيل هي التوازن، ولهذا يُعد العصعص من الأعضاء الضامرة.

الجفن الثالث

انظر إلى عينك في المرآة، هل ترى هذه النقطة الحمراء في الزاوية باتجاه أنفك؟

هذه هي بقايا ما يُعرف ب «الغشاء الناري-Nictitating membrane»، وهو شائع لدى الطيور وبعض الثدييات كجفن ثالث. يعمل الجفن الثالث عند الطيور كوسيلة حماية للعين ضد الرياح المحملة بالأتربة، لكنه لا يعمل لدى الإنسان. مما يعني أن الجفن الثالث عضو ضامر، حيث أنه لا يؤدي وظيفته الأصلية.

ولا يمكن تفسير وجود هذا الجزء في جسم الإنسان إلا في ضوء التطور من سلف مشترك بيننا وبين الكائنات التي ما زال الغشاء الناري محتفظًا فيها بوظيفته. [8]

«ضرس العقل-Wisdom tooth»

مع تطور الإنسان ونشوء الحضارة، تغير نظامه الغذائي، فاتجه إلى استهلاك الأطعمة الناعمة الطرية بدلًا من الأطعمة الصلبة والنيئة التي كان يأكلها أسلافنا. وهو ما أدى إلى انعدام الحاجة إلى فك كبير وقوي. فتضاءل حجم فك الإنسان تدريجيًا، مما يجعل من ضرس العقل عضوًا ضامرًا، حيث أننا لم نعد بحاجة إليه. ولهذا يتسبب نمو ضرس العقل بالآلام وكافة أنواع المشاكل لبعض البالغين. كما يعتبر درس العقل دليلًا قويًا على تطور فك الإنسان وتغيره على مر الزمن. [8]

«العضلات الأذنية-Auricular muscles»

العضلات الأذنية هي التي تتضمن «عضلة الأذن الأمامية-Anterior auricular muscle»، و«عضلة الأذن العلوية-Superior auricular muscle»، و«عضلة الأذن الخلفية-Posterior auricular muscle». وتتحكم هذه العضلات الثلاث بحركة «صيوان الأذن-Ear penna» (الجزء الظاهر من الأذن). وتستخدم الثدييات هذه العضلات في تحريك آذانها لتحديد مواقع الأصوات أو للتعبير عن المشاعر، ولكن هذه العضلات بلا وظيفة في جسم الإنسان. حيث يستطيع الإنسان التعرف على مصادر الأصوات عن طريق تحريك رأسه. إلا أن بعض الناس يمكنهم تحريك آذانهم، فإن كنت منهم، فاعلم أن هذه بقايا تطورية من أسلافك القدامى. [8]

المصادر

[1] biologyonline
[2] britannica
[3] allaboutbirds
[4] nationalgeographic
[5] wired
[6] galapagos
[7] livescience
[8] britannica

الأدلة التشريحية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

ما لبث أن نُشر كتاب أصل الأنواع لعالم الأحياء البريطاني «تشارلز داروين-Charles Darwin» في 24 نوفمبر عام 1859 حتى أثير الجدل حول أطروحات داروين في هذا الكتاب. واليوم تعد نظرية التطور إحدى أساسيات علم الأحياء، فالتطور حقيقة لا جدال فيها. قد تتغير بعض تفاصيل هذه الحقيقة كأي نظرية علمية، لكن صورتها الكلية المُفسرة لتباين الأنواع والفصائل هي الصورة العلمية الوحيدة المقبولة اليوم في الوسط العلمي. ويتبين لنا هذا من مجموعة ضخمة من الأدلة من مختلف فروع العلوم، ولهذا قمنا بتخصيص هذه السلسلة لعرض أدلة التطور المختلفة، واليوم سنناقش بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

ولكن لكي نرى هذه الأدلة التشريحية علينا أن نعرف ما هو العلم الذي يختص بهذا النوع من الأدلة.

«التشريح المقارن-Comparative anatomy»

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن التشريح المقارن هو دراسة البِنى الجسدية للحيوانات المختلفة في سبيل معرفة المسار التطوري الذي سلكته في انحدارها من الأسلاف المشتركة [1]. وبناء عليه قام العلماء بتقسيم البِنى التشريحية المشتركة بين الكائنات الحية إلى قسمين، وهما «البِنى المتناددة-Homologous structures»، وهي البِنى التي تؤدي وظائف مختلفة في كائنات حية مختلفة ولكنها تمتلك تركيبة متشابهة، والقسم الثاني هو «البِنى المتماثلة-Analogous structures» وهي البِنى التي تؤدي وظائف متشابهة بين الكائنات الحية ولكنها تمتلك تراكيبًا مختلفة نظرًا لاختلاف المسلك التطوري لدى الكائنات المختلفة. [2]

والآن بعد أن عرفنا ما هو التشريح المقارن، لنستعرض بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

الأطراف الأمامية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

تخيل معي عزيزي القارئ هذه البِنى المختلفة، زعنفة حوت، وجناح طائر، والأطراف الأمامية لكلب، وذراع إنسان.

تمتلك كل بنية من هذه البِنى وظائف هي أبعد ما تكون عن التشابه. فالحوت يستخدم زعانفه في السباحة، بينما تستخدم الطيور أجنحتها في الطيران، وتستخدم الكلاب أطرافها الأمامية في الحركة. بينما يستخدم الإنسان ذراعيه في الإمساك بالأشياء وحملها، إلا أن هذه البِنى المختلفة تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا!

أذرع كائنات حية مختلفة، كل لون يظهر عظمة معينة هي نفسها في كل الكائنات.

في الصورة المرفقة أعلاه يمكنك ملاحظة التشابه، حيث تتكون الأطراف الأمامية لهذه الكائنات الأربعة من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني)، وهو ما يدل على تطور هذه البِنى من بنية أبسط للأطراف الأمامية. [3]

ويمكنك ملاحظة أنه على الرغم من امتلاك وظائف مختلفة إلا أن هذه الأطراف الأمامية تمتلك نفس النمط التشريحي، وبالطبع هناك اختلافات لتساعد كل كائن على التكيف مع بيئته، فنرى أن عظام أصابع الحوت طويلة نسبيًا مقارنة بباقي الكائنات المذكورة لمساعدتها على السباحة.

الأطراف الخلفية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

كما هو الحال مع الأطراف الأمامية للفقاريات، كذلك هي الأطراف الخلفية، فهي أيضًا تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا في كائنات مختلفة.

الأطراف الخلفية لكائنات حية مختلفة

وكما نلاحظ في الصورة أعلاه، فعلى الرغم من الاختلاف الظاهري لكل من الأطراف الخلفية للإنسان والشيمبانزي والكلاب والخِراف والأحصنة، إلا أنها تمتلك نمطًا يتكون من عظمة كبيرة وهي «عظمة الفخذ-Femur»، ثم عظمة في المنتصف وهي «الرضفة-Patella»، ثم عظمتين هما «قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». وكما قد تكون لاحظت فهي ليست متطابقة، إذ توجد اختلافات بينها لتناسب بيئتها، ولكنها في النهاية تتبع نمطًا موحدًا. [4]

«الفقرات العنقية – Cervical vertebrae» كأحد الأدلة التشريحية على التطور

أحد أكثر الأمور إثارة للدهشة هو عدد الفقرات العنقية في الثدييات، حيث تمتلك كل الثدييات نفس ال 7 فقرات عنقية مرتبة من الأعلى إلى الأسفل (C1, C2, C3, C4, C5, C6, C7)، وهذا الرقم ثابت سواء كان الحيوان الثديي حوتًا أو زرافة أو إنسانًا. فالزرافة البالغ طول عنقها 1.8 متر تمتلك نفس العدد من الفقرات في عنقها الذي يمتلكه الإنسان الذي يبلغ متوسط طول عنقه 12 سم. يشير هذا التشابه إلى وحدة الأصل الذي تتشاركه الثدييات، وما يمكننا اعتباره أحد الأدلة التشريحية على التطور. فالرقم ثابت مهما زاد طول العنق أو قصر. [5]

وتُعد كل من «حيوانات الكسلان-Sloths»، و«خِراف البحر-Mantees» هي الاستثناءات الوحيدة المعروفة لهذه القاعدة. فيمتلك حيوان الكسلان من 8 إلى 10 فقرات عنقية حسب النوع [6]، بينما لا يمتلك خروف البحر رقبة، حيث يمتلك 6 فقرات عنقية بدلًا من . ولهذا إن أراد أن يدير خروف البحر رأسه، عليه الدوران بجسده بأكمله. [7]

السلف المشترك للفقاريات

كما كنا قد ناقشنا في مقال سابق، فإن الخطوة الثانية من المنهج العلمي بعد المشاهدة هي وضع الفرضيات. ولأن الخطوة الثالثة هي التجربة لاختبار الفرضية، فهذا هو ما حدث مع نظرية التطور أيضًا.

كما نلاحظ من الأمثلة المذكورة أعلاه، هناك صفات تشريحية مشتركة بين الفقاريات (تحديدًا في الهيكل العظمي). تدفعنا تلك الصفات المشتركة لافتراض تطور هذه الفقاريات وانحدارها من سلف مشترك. فتقدم عالم الأحياء الإنجليزي «ريتشارد أوين-Richard Owen» برسم نموذج يوحّد هذه التراكيب المشتركة بين الفقاريات كنموذج أولي لها [8]. والجدير بالذكر أن ريتشارد أوين لم يكن من الداعمين لنظرية التطور، إلا أنه بهذا النموذج قدّم لنظرية التطور خدمة علمية مهمة. حيث اكتُشفت حفرية في الصين عام 1999 وهي حفرية «هايكوإكثيز-Haikouichthys» لسمكة عاشت من 530 مليون سنة في العصر الكامبري [9]. أظهرت الحفرية تشابهًا كبيرًا بينها وبين نموذج أوين، مما يجعلها أقدم الأسلاف المحتملة للفقاريات. [10]

نموذج أوين مقارنةً بالحفرية المكتشفة

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3]the bones of the human and digits of fingers: britannica
[4] britannica
[5] britannica
[6] cambridge
[7] oceantoday
[8] jstor
[9] bbc
[10] fandom

عجائب مصر القديمة: أسلحة الجيش المصري القديم

هذه المقالة هي الجزء 8 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

بعد أن تحدثنا عن السحر والفن والعلم والكتابة والأساطير في مصر القديمة، حان الوقت لنختتم هذه السلسلة بالحديث عن الجيش المصري القديم وأسلحته.

كان الجيش المصري بدائيًا في أسلحته وآليات دفاعه وهجومه، ولا عجب في ذلك إذ أن أعداءهم لم يكونوا بالقوة التي تتيح منافسة قوية على التسلح، حتى احتلت مصر على أيدي الهكسوس، وهنا تعلم المصريون من الهكسوس تطوير الأسلحة الحديثة، حتى حاربوهم وهزموهم وطردوهم من مصر، واليوم سنتحدث عن بعض هذه الأسلحة المصرية القديمة.

الرماح البرونزية والتروس المعدنية

كأي جيش قديم، كان الجندي في مصر القديمة يحمل أداتين أساسيتين، وهما الرمح والترس، إلا أنهم كغيرهم من الأسلحة تطوروا وقت احتلال الهكسوس لمصر، فكانوا قبل ذلك أسلحة بسيطة، حيث كان الرمح مصنوعًا من الخشب، إلا أنهم تعلموا وضع طرف برونزي في المقدمة، مما جعل الرمح أقوى وأقدر على اختراق دروع العدو، كما كانت التروس مصنوعة من الخشب، ولكنها تطورت لتكون معدنية لتوفر حماية أقوى لحاملها.

الرأس البرونزي

فأس المعركة

كان هذا السلاح سلاحًا ثانويًا، حيث كان يحمله الجندي المصري حول خصره أو على ظهره، وكان مصممًا لإحداث جروح عميقة وقاتلة في جسد العدو، حيث امتلك مقدمة شبه دائرية، وهذا لتسهيل اختراقه لجسد العدو المقاتل الغير محمي بالدروع.

ولكن بعد مقاتلة الجيش المصري للسوريين الذين ارتدوا الدروع الجلدية، تغير شكل الفأس لتكون شفرته أصغر، لتسهّل من اختراق الدروع الجلدية وإصابة جسد العدو.

لم يكن الفأس أداة تستخدم في ساحة المعركة فقط، بل أن جنود جيش رمسيس الثالث استخدموه لإحداث فتحات في جدران إحدى المدن الكنعانية أثناء حصارها.

الصولجان المصري

يعتبر هذا السلاح سلاحًا مصريًا بالكامل، فقد نشأ وتطور في مصر، فقد استخدم المصريون الصولجانات منذ عام 6,000 ق.م، ولكنها كانت أبسط، حيث كانت عبارة عن عصا خشبية تحمل حجرًا على قمتها، إلا أن الجيش المصري قام بتطوير هذا السلاح وإعطاءه شفرة حادة، فأصبح سلاحًا فتاكًا بمقدوره اختراق أقوى الدروع البرونزية.

سيف كوبش

يعتبر سيف كوبش واحدًا من أقوى أسلحة الجيش المصري القديم، كما كان شكله مميزًا، فكان على هيأة علامة استفهام، بينما كانت شفرة السيف الحادة ناحية الخارج، وهذا لتسهيل استخدام السيف والسماح بأكبر قدر من الإصابة أثناء ضرب العدو به، وهو أيضًا سلاح تطوّر مع احتلال الهكسوس لمصر.

العجلات الحربية

كان سلاح العجلات الحربية هو الفاصل في الحرب بين الجيش المصري القديم والهكسوس، حيث استطاع الهكسوس احتلال مصر وهزيمة جيشها باستخدام العجلات الحربية، واستطاع أحمس التغلب على الهكسوس وطردهم من مصر عندما استخدم العجلات الحربية بعدما فقد والده (سقنن رع) وأخاه (كاموس) في الحرب ضد نفس العدو.

وكانت عبارة عن عربة يجرها حصان أو اثنين، وعلى رأسها رماة يلقون بأسهمهم نحو خطوط العدو، فارتدى الرامي الدرع لأنه كان هدفًا سهلًا للعدو، كما ألبس المصريون القدماء الأحصنة دروعًا، حيث أدركوا أنه بإصابة الحصان سيفقد السلاح فاعليته.

الخلاصة

أظهرنا في هذه السلسلة جانبًا من حياة المصريين القدماء، ولم نكن لنلخص تاريخ حضارة استمرت 3000 عام في 8 مقالات فقط، ولكنها لمحة عن حياتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وعلومهم.

المصادر

edx
history

عجائب مصر القديمة: الأهرامات

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

ذكرنا في الجزء الخاص بالعلم في مصر القديمة أننا سنفرد جزءًا مخصصًا للحديث عن الأهرامات، فهي أيقونة مصر الحضارية، ولا يمكنك أن تذكر مصر لشخص ما دون أن تتبادر إلى ذهنه صورة الأهرامات، والآن تعالوا معنا نتحدث عنها بشيء من التفصيل.

أهمية الأهرامات

رغم ضخامتها وبراعة هندستها، لم تُبنى الأهرامات إلا لأسباب دينية، فقد اعتقد قدماء المصريون في البعث والخلود، فبنوها لتكون البوابة التي تنقل الملك من العالم إلى العالم الآخر، ووضعوا بداخلها ثروات الملك وومتلكاته ليجدها عندما يقوم من موته، إلا أن هذه الممتلكات تعرضت للنهب في العصور الوسطى.

لماذا بُنيت بهذا الشكل؟

بُنيت الأهرامات لتكون ذات قمة مثلثة الشكل، وذلك لتسهيل التعرف عليها من الأعلى، فكان المصريون يعتقدون أنها ستكون هي بوابة روح الملك إلى العالم الآخر، وعندما يعود الملك إلى الأرض، ستكون قمة الهرم بشكلها المميز هي ما يرشده إلى طريقه.

كما لم تكن بذات الهيأة الموجودة اليوم، فيعتقد بعض الباحثون أنه بعد الانتهاء من بناءها قام المصريون بكسوة الهرم بطبقة من الجير الأبيض، وقاموا كذلك بكسوة قمته بطبقة من الذهب أو الإلكتروم.

معلومات عامة

• يتكون هرم الجيزة الأكبر (هرم خوفو) من 2.3 مليون حجر، يزن كل حجر منها 2 طن.
• يبلغ ارتفاع الهرم الأكبر 147 مترًا، أي أن العمال قاموا برفع الأحجار ذات الوزن الكبير لهذا الارتفاع، وهو ما يثير دهشة المؤرخين حتى اليوم.
• يُقدّر الباحثون مدة بناء الهرم الأكبر بما يزيد عن 20 عامًا، وتطلب هذا العمل الضخم عددًا كبيرًا من العمال، عددًا يزيد عن 20 ألف عامل.
• تُشير أوجه الأهرامات الأربعة إلى الاتجاهات الأربعة (الشمال والشرق والجنوب والغرب)، على الرغم من عدد وجود البورصات في ذلك الوقت.

كيف بُنيت الأهرامات؟

لا تزال طريقة بناءها لغزًا يؤرق المؤرخين حتى يومنا هذا، إلا أن هناك فرضية قد تُوضح طريقة بناء الأهرامات، وهي فرضية «المنحدرات الضخمة-Huge ramps»، حيث تقوم هذه الفرضية على فكرة أن المصريين بنوها باستخدام المنحدرات الرملية، فكان يسهل نقل الأجسام ذات الكتل الضخمة على المنحدرات الرملية المبتلة، فكان المصريون يقومون بوضع الحجر على لوح خشبي، ويقوم بضع رجال بجرّ هذا الحجر، أو كانوا يستخدمون الحيوانات للمساعدة، وكانوا يُشيّدون منحدرًا رمليًا لكل طابق من الصخور.

من بنى الأهرامات؟

يعتقد البعض أن العبيد هم من قاموا ببناء الأهرامات، ولكن هذا معتقد خاطئ، فقد بُنيت بأيدي عُمّال مصريين أحرار، وهو ما تؤيده الاكتشافات الأثرية الجديدة.

المصادر

edx
history

عجائب مصر القديمة: المرأة في مصر القديمة

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

لا يجوز الحديث عن مظاهر سبق الحضارة المصرية القديمة وتقدمها في كافة المجالات عن الحضارات المعاصرة لها دون الحديث عن المرأة في مصر القديمة، فعلى عكس باقي الحضارات القديمة، حصلت المرأة في مصر على حقوق وواجبات مساوية للرجل، بل وتساوت معه في المكانة الاجتماعية، والآن تعالوا معنا نناقش ذلك بشيء من التفصيل

المجتمع والمرأة في مصر القديمة

على عكس الحضارات الأخرى – والتي اعتبرت المرأة كائنًا أدنى من الرجل – حصلت المرأة في مصر القديمة على المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات باستثناء حق العمل ببعض الوظائف، فقد كان المجتمع المصري القديم يضع وظائفًا محددة لكل من الجنسين، فكان الرجال يعملون في الجيش والبناء وغيرها من الأعمال الشاقة، بينما كانت المرأة في مصر القديمة تعمل بالزراعة والغزْل وصناعة الملابس، بل وحتى إدارة الأعمال، فقد حصلت المرأة المصرية على حقها في التملّك، وحقها في الشهادة أمام القاضي في المحكمة.

الأسرة الحاكمة والمرأة في مصر القديمة

لم يكن الحكم في مصر القديمة حكرًا على الرجال، فعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من ملوك مصر كانوا رجالًا، فقد حكمت المرأة في مصر القديمة كذلك، حيث حكم مصر ستة ملكات.

حتشبسوت

كانت حتشبسوت ابنة تحتمس الأول وزوجة أخيها تحتمس الثاني، فلم تلد له حتشبسوت ذكورًا، فتزوج من أخرى وأنجب منها تحتمس الثالث، وعندما مات تحتمس الثاني كان تحتمس الثالث صغيرًا على الحكم، فحكمت حتشبسوت.

كانت حتشبسوت ترتدي ملابس الرجال، وتضع لحية مزيفة، فهي تارة تمثّل في النقوش مرتدية الفساتين، وتارة في ملابس الملوك الرجال، ولا توجد تفاصيل كثيرة عن حياتها الشخصية.

كانت فترة حتشبسوت فترة مزدهرة مليئة بالإنجازات، مثل التجارة الخارجية الواسعة والمشروعات البنائية الضخمة، كما روّجت لثقافة الإله آمون، حيث كانت هي من أسس الرابط بين الملَكية وبين الإله آمون.

نفرتيتي

وهي زوجة الملك إخناتون، والذي حوّل العبادة من الإله آمون إلى أشعة الشمس التي تمثّل الإله آتون في تل العمارنة، ولعبت نفرتيتي دورًا كبيرًا في الدين والسياسة في عهد زوجها.

يُستخدم وجه نفرتيتي في العديد من المجوهرات والتحف، فقد كانت مساوية لزوجها في المكانة الاجتماعية، ولم تحظ امرأة في مصر القديمة بما حظيت به نفرتيتي من مساواة مع زوجها الملك، مما يدل على تقديره وحبه لها كزوجة وملكة.

نفرتاري

هي زوجة رمسيس الثاني الأساسية، وأحد أهم الشخصيات في مصر القديمة على الرغم من المعلومات القليلة المتوفرة عنها.

عندما أمر رمسيس الثاني ببناء معبده الشهير بأبو سمبل، أمر ببناء معبد بجواره مخصصًا لزوجته نفرتاري، والتي ارتبطت بالإلهة حتحور، إلهة الحب والموسيقى والرقص، وكان اسم المعبد “هي التي من أجلها تُشرق الشمس”، وبنى لها معبدًا آخر في وادي الملوك بعد وفاتها.

الآلهة والمرأة في مصر القديمة

كما لم يكن الملك مقتصرًا على الرجال فقط، كان مجتمع الآلهة كذلك، حيث جسدت المرأة في مصر القديمة العديد من شخصيات الآلهة، فكان يُرمز لها إما بصورة بشرية أو بصورة حيوانية، وأُعطيت الآلهة الأنثوية صفات الأم من العطف والحب والحنان، كما أُعطيت صفات العنف والقتل وهنا تمثّلت على هيأة اللبؤات.

نوت

كانت نوت هي إلهة السماء في مصر القديمة كما ذكرنا في الجزء الخاص بالميثولوجيا، وكانت الأخت والزوجة لجِب إله الأرض، وكانت والدة كل من إيزيس وأوزيريس وسِت ونفتيس.

اعتبر المصريون القدماء نوت حامية للملك، حيث كانت تُرسم صورها على الجزء الداخلي للتوابيت لحماية الملك في الحياة الأخرى ولضمان قيامه من بين الأموات.

كما كانت تُرسم عارية للتعبير عن الاتصال الجنسي بينها وبين جِب إله الأرض، وكانت تُرسم وهي تبتلع الشمس وتلدها كل يوم، حيث كانت تبتلع قرص الشمس في كل مساء، وتلده في كل صباح.

حتحور

كإلهة للحب والرقص والموسيقى، كان لحتحور عدد كبير من المعابد لم تحظ به أي من الآلهة الإناث في مصر القديمة، وكانت أيضًا تدعم الملوك مثل الملك منتوحتب الثاني.

كما كانت حتحور رمزًا للولادة والحياة، فكانت تُسمّى “إلهة المهبل” و”يد الإله الخالق”، كما تم التعبير عنها في معبدها في دندرة بأنها عشيقة الرقص وإلهة السعادة.

المصادر

ancient.eu
edx

أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان

كيف بدأ الخلق؟ سؤال طرحه الإنسان دائمًا منذ قديم الأزل في الحضارات المختلفة محاولًا إيجاد إجابة معقولة، وقد ظهرت أساطير مختلفة لمحاولة الإجابة على هذا السؤال. في هذا المقال بعنوان أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان سنتناول أشهر الأساطير التي فسرت كيفية نشأة الكون.

أسطورة الخلق، وتسمى أيضًا أسطورة نشأة الكون، هي صياغة فلسفية ولاهوتية لأسطورة الخلق البدائية داخل مجتمع ديني. يشير مصطلح الأسطورة هنا إلى التعبير التخيلي في شكل سردي لما يتم اختباره أو إدراكه كحقيقة أساسية. ويشير مصطلح الخلق إلى بداية الأشياء، سواء بإرادة وفعل كائن متعال، أو عن طريق الانبثاق من مصدر نهائي، أو بأي طريقة أخرى. تشير أساطير الخلق إلى العملية التي يتم من خلالها تمركز العالم وإعطائه شكلاً محددًا داخل الواقع كله. كما أنها بمثابة أساس توجيه البشر في العالم. يحدد هذا التمركز والتوجه مكان البشرية في الكون والاعتبار الذي يجب أن يحظى به البشر تجاه البشر الآخرين والطبيعة والعالم غير البشري بأسره؛ يضعون النغمة الأسلوبية التي تميل إلى تحديد جميع الإيماءات والأفعال والهياكل الأخرى في الثقافة.

خصائص أساطير نشأة الكون

أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان (أصل العالم) هي الأسطورة بامتياز. بهذا المعنى، فإن الأسطورة شبيهة بالفلسفة، ولكنها على عكس الفلسفة، تتكون من نظام من الرموز؛ ولأنه أساس أي فكر ثقافي لاحق، فهو يحتوي على أشكال عقلانية وغير عقلانية. هناك نظام وهيكل للأسطورة، ولكن لا ينبغي الخلط بين هذا الترتيب والبنية وبين النظام والهيكل الفلسفي والعقلاني. تمتلك الأسطورة نوعًا مميزًا من النظام. تتمتع أساطير الخلق بطابع مميز آخر من حيث أنها توفر نموذجًا للتعبير غير الأسطوري في الثقافة ونموذجًا للأساطير الثقافية الأخرى. بهذا المعنى، يجب على المرء أن يميز بين الأساطير الكونية وأساطير نشأة التقنيات الثقافية والصناعات الإنسانية. بقدر ما تروي الأسطورة الكونية قصة خلق العالم، فإن الأساطير الأخرى التي تروي قصة تقنية معينة أو اكتشاف منطقة معينة من الحياة الثقافية تأخذ نماذجها من البنية الأسلوبية لأسطورة نشأة الكون. قد تكون هذه الأساطير الأخيرة مسببة (أي شرح الأصول)؛ لكن أسطورة نشأة الكون ليست أبدًا مجرد مسببات، لأنها تتعامل مع الأصل النهائي لكل الأشياء.

نشأة الكون في الميثولوجيا الإغريقية

يمكن العثور على اختلافات في قصة الخلق في الأساطير اليونانية في العديد من النصوص القديمة. المثال الأكثر اكتمالا هي «الثيوغونيا-Theogony» للشاعر اليوناني هسيودوس، الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد تقريبًا. يجمع عمله بين جميع الأساطير والتقاليد اليونانية القديمة حتى وقته. وفقًا للثيوغونيا، في البداية كانت «الفوضى-chaos» و«الفراغ-void» فقط موجودان في جميع أنحاء الكون بأسره. تجدُر الإشارة هنا إلى أن الكلمة اليونانية «chaos» ليس لها نفس المعنى الذي تحمله اليوم – إنها تعني ببساطة “مساحة فارغة أو فراغ مظلم”. تبع الفوضى «جايا-Gaia» (التي تعني الأرض) و«إيروس-Eros» (الذي يعني الحب). لم يتم تحديد ما إذا كان جايا و إيروس قد ولدا من الفوضى أو ما إذا كانا موجودان مسبقًا، ومع ذلك، يذكر هسيودوس أن جايا ظهرت إلى الوجود لتصبح موطنًا للآلهة. أنجبت الفوضى «إيريبوس-Erebus»، الذي كان ظلام العالم السفلي، و«نيكس-Nyx» (الليل) وأنجبت جايا أورانوس، من هناك، تصف الأسطورة اليونانية كيف تزاوج الآلهة مع بعضها البعض لإكمال الخليقة بأكملها. أصبح أورانوس وغايا أول آلهة حكمت. تزاوج أورانوس مع جايا وأنتجوا ثلاثة «صقاليب-cyclops» و 12 جبابرة (جنس من العمالقة). كان كرونوس  أحد الجبابرة. ومن هنا تبدأ ملحمة آلهة الأساطير اليونانية الشهيرة.

كان أورانوس يشعر بالغيرة من أطفاله وحكم عليهم بالبقاء داخل جايا. لقد سد رحمها (الكهوف) وهذا ما أثار غضب جايا. وهكذا طلبت جايا من أطفالها المساعدة في مقاومة والدهم. صعد أحد الجبابرة، كرونوس، إلى الأمام وعاقب أورانوس بخصيه بمنجل أعطته إياه جايا. أُلقيت الأعضاء التناسلية لأورانوس في البحر وسقط دمه على الأرض وخلق المزيد من الأطفال وهم أفروديت وإرينيس (الغوريون) والعمالقة والحوريات. حذر أورانوس وجايا كرونوس من أن مشاكله لم تنته لأنه في يوم من الأيام سيطيح به أحد أبنائه. نتيجة لذلك، قرر كرونوس ابتلاع أطفاله. لكن جايا كانت قادرة على إنقاذ الطفل زيوس، الذي نشأ في جزيرة كريت اليونانية إلى أن جعل كرونوس، بمساعدة ميتيس (واحدة من الجبابرة)، يتقيئ الأطفال المبتلعين. بقيادة زيوس، تمرد الأشقاء الستة (ديميتر، هيرا، هيستيا، هاديس، وبوسيدون) ضد والدهم. تُعرف سنوات المعركة باسم «حرب الجبابرة-titanomachy». بدت المعركة وكأنها لن تنتهي أبدًا، ولكن بعد ذلك خطرت لدى زيوس فكرة. أطلق سراح أعمامه، و السيكلوب، و«هيكاتونكاريز-Hecatooncheires» من تارتاروس وساعدوه في قلب مجرى الحرب عن طريق صناعة صواعق لزيوس ورمي حجارة ضخمة على أعدائه. انتصر زيوس وحلفاؤه وألقوا كرونوس في تارتاروس إلى الأبد.

كان هناك ثلاثة جبابرة لم يدعموا كرونوس في المعركة: بروميثيوس وإبيميثيوس وأوكيانوس. انضم بروميثيوس لاحقًا إلى زيوس. وتم إرسال جميع الجبابرة إلى تارتاروس (العالم السفلي)، باستثناء بروميثيوس وإبيميثيوس. بعد ذلك، قسمت آلهة اليونان القديمة المتمردة الكون فيما بينهم. أُعلن أن زيوس هو الإله الأعلى، ويسيطر على كل الآخرين. لقد عاشوا جميعًا في قمة جبل أوليمبوس في اليونان – لكن ليس بسلام. خلق بروميثيوس الإنسان من الأرض (الطين)، ونفخت الإلهة أثينا الحياة في خليقته. هنا نرى نمطًا شائعًا آخر يتكرر في أساطير الخلق القديمة وهو إعطاء الروح للجسد حتى يصبح حيًا.

نشأة الكون في الحضارة المصرية القديمة

بالنسبة للمصريين القدماء، بدأت الرحلة بخلق العالم والكون من الظلام والفوضى العارمة. ذات مرة لم يكن هناك شيء سوى الماء الداكن اللامتناهي بدون شكل أو غرض. يوجد في هذا الفراغ «حكا-Heka» (إله السحر) الذي انتظر لحظة الخلق. من هذا الصمت المائي المسمى بنوو ارتفع التل البدائي، المعروف باسم بن بن، الذي وقف عليه الإله العظيم «أتومAtum» (أو في بعض إصدارات الأسطورة، بتاح). نظر أتوم إلى العدم وتعرّف على وحدته، وهكذا تزاوج مع ظله من خلال السحر لينجب طفلين، شو (إله الهواء) وتفنوت (إلهة الرطوبة). أعطى شو للعالم المبكر مبادئ الحياة بينما ساهم تيفنوت في مبادئ النظام.

ترك شو وتفنوت والدهم على بن بن، وشرعوا في تأسيس العالم. بمرور الوقت، أصبح أتوم قلقًا لأن أطفاله قد ذهبوا لفترة طويلة وأزال عينه وأرسلها بحثًا عنهم. بينما اختفت عينه، جلس أتوم وحيدًا على التل وسط الفوضى والخلود. عاد شو وتفنوت بعيون أتوم (التي ارتبطت لاحقًا بعيون أوجات، عين رع، أو العين التي ترى كل شئ) وأذرف والدهما، ممتنًا لعودتهما الآمنة، دموع الفرح. هذه الدموع، التي سقطت على أرض بن بن الخصبة المظلمة، ولدت الرجال والنساء.

ومع ذلك، لم يكن لهذه المخلوقات المبكرة مكان تعيش فيه، ولذا تزاوج شو وتيفنوت وأنجبتا جب (الأرض) ونوت (السماء). على الرغم من أن جيب ونوت أخ وأخت، فقد وقعوا في حب عميق وكانا لا ينفصلان. وجد أتوم أن سلوكهم غير مقبول ودفع نوت بعيدًا عن جب، عالياً في السماء. كان العاشقان قادرين على رؤية بعضهما البعض إلى الأبد ولكنهما لم يعودا قادرين على التلامس. كانت نوت حاملًا بالفعل من قبل جب، ومع ذلك، فقد أنجبت في النهاية أوزوريس وإيزيس وست ونفتيس وحورس – الآلهة المصرية الخمسة التي غالبًا ما تم التعرف عليها على أنها أقدم أو على الأقل أكثر التمثيلات المألوفة لكبار الشخصيات الإلهية. أظهر أوزوريس نفسه إلهًا مدروسًا وحكيمًا وتم إعطائه حكم العالم من قبل أتوم الذي ذهب بعد ذلك للاهتمام بشؤونه الخاصة.

نشأة الكون في الحضارة البابلية

القصة، وهي واحدة من أقدم القصص في العالم، إن لم تكن أقدمها، تتعلق بميلاد الآلهة وخلق الكون والبشر. في البداية، كان هناك ماء غير متمايز يحوم في فوضى. ومن هذه الدوامة، قسمت المياه إلى مياه حلوة وعذبة، تُعرف باسم الإله «أبسو-Apsu»، ومياه مالحة ومرة تعرف باسم الإلهة «تيامات-Tiamat». وبمجرد التفريق بين هذين الكيانين، ولد من اتحاد هذين الكيانين الآلهة الشابة. ومع ذلك، كانت هذه الآلهة الشابة صاخبة للغاية، مما أدى إلى إزعاج نوم أبسو في الليل وصرف انتباهه عن عمله في النهار. بناءً على نصيحة وزيره، مومو، قرر أبسو قتل الآلهة الشابة. عندما سمعت تيامات عن خطتهم، حذرت ابنها الأكبر، «إنكي-Enki» (أحيانًا إيا) الذي قام بتنويم أبسو وقتله. من بقايا أبسو، أنشأ إنكي منزله. تيامات، التي كانت ذات يوم مؤيدة للآلهة الشابة، تشعر الآن بالغضب لأنهم قتلوا رفيقها. وقامت بالتشاور مع الإله «كوينجو-Quingu» الذي نصحها بشن حرب على الآلهة الشابة. فكافأت تيامات كوينجو بأقراص القدر، التي تضفي الشرعية على حكم الإله وتتحكم في الأقدار، وقام بارتدائها بفخر كدرع على صدره. مع كوينجو كبطل لها، تستدعي تيامات قوى الفوضى وتخلق أحد عشر وحشًا رهيبًا لتدمير أطفالها.

يقاتل إيا وإنكي والآلهة الأصغر سنا ضد تيامات بلا جدوى حتى يظهر من بينهم البطل مردوخ الذي أقسم أنه سيهزم تيامات. مردوخ يهزم كوينجو ويقتل تيامات بإطلاق النار عليها بسهم يقسمها إلى قسمين وتجري من عينيها مياه نهري دجلة والفرات. من جثة تيامات، خلق مردوخ السماوات والأرض، وقام بتعيين الآلهة في واجبات مختلفة وربط كائنات تيامات الأحد عشر بقدميه كجوائز (إلى حد كبير من التملق من الآلهة الأخرى) قبل وضع صورهم في منزله الجديد. كما أنه أخذ ألواح القدر من كوينجو، مما يضفي الشرعية على حكمه. بعد انتهاء الآلهة من مدحه لانتصاره العظيم وفن خلقه، يتشاور مردوخ مع الإله إيا (إله الحكمة) ويقرر خلق البشر من بقايا الآلهة التي حرضت تيامات على الحرب. تم اتهام كوينجو بأنه مذنب وقتل، ومن دمه، خُلِق «لولو-Lullu»، الرجل الأول، ليكون مساعدًا للآلهة في مهمتهم الأبدية المتمثلة في الحفاظ على النظام والحفاظ على الفوضى.

نشأة الكون في الأساطير الصينية الداوية

«بان كو-Pangu» هو شخصية بارزة في أساطير الخلق الصينية. حتى يومنا هذا، يغني شعب تشوانغ أغنية تقليدية عن بان كو الذي يخلق السماء والأرض. لقد تمت مناقشة أصل أسطورة بان كو كثيرًا. يعتقد الكثيرون أنها نشأت مع «شو شينغ-Xu Zheng»، وهو مؤلف صيني من القرن الثالث الميلادي، حيث كان أول كاتب معروف بتسجيله؛ يقترح البعض أنها نشأت في أساطير شعب مياو أو ياو في جنوب الصين، بينما يرى البعض الآخر أنها موازية لأساطير الخلق الهندوسية القديمة.

في أساطير الخلق الداوية الصينية. يُقال إن الرجل الأول بان كو قد خرج من الفوضى (بيضة) بقرنين وأنياب وجسم مشعر. تنسب إليه بعض الحسابات فصل السماء عن الأرض، ووضع الشمس والقمر والنجوم والكواكب في مكانها، وتقسيم البحار الأربعة. لقد شكل الأرض من خلال حفر الوديان وتكديس الجبال. تم تحقيق كل هذا من معرفة بان كو «بالين واليانج-yinyang»، المبدأ الذي لا مفر منه للازدواجية في كل الأشياء. تؤكد أسطورة أخرى أن الكون مشتق من جثة بان جو العملاقة. أصبحت عيناه الشمس والقمر، وشُكلت الأنهار بدمه، ونما شعره إلى الأشجار والنباتات، وتحول عرقه إلى الأنهار، وصار جسده ترابًا. علاوة على ذلك، تطور الجنس البشري من الطفيليات التي أصابت جسم بان جو. تعود أساطير الخلق هذه من القرن الثالث إلى القرن السادس. تصور التمثيلات الفنية بان كو في كثير من الأحيان على أنه قزم يرتدي أوراق الشجر.

نشأة الكون في الحضارة الإسكندنافية

تتلخص النظرة الإسكندنافية للعالم كما يمكننا استخلاص أفضل من المصادر المختلفة إلى الفكرة العامة التالية. كانت هناك أربع مراحل: العملية التي نشأ فيها العالم وكل ما فيه، مرحلة ديناميكية يبدأ فيها الوقت، تدمير العالم في راجناروك، وظهور عالم جديد من البحر.

وفقًا «لسنوري-snorri» (مؤرخ أيسلندي)، قبل وجود أي شيء آخر، كانت هناك العوالم المتعارضة مثل «نيفلهايم-Niflheim» الجليدية و«موسبلهايم-Muspelheim» النارية. على الرغم من أن الفراغ المسمى «بغينونغاغاب-Ginnungagap» يفصل بينهما بأمان، إلا أن البرودة والحرارة امتدتا لتلتقي بعد كل شيء، مما أدى إلى إذابة حريق موسبلهايم للجليد، والذي ظهر منه اثنتان من الأشكال الرطبة: العملاق يمير والبقرة «أويثمبلا-Audhumla». كان يمير مخنث ويمكنه التكاثر لاجنسيًا. عندما نام، قفز المزيد من العمالقة من رجليه ومن عرق إبطه. لقد غذت البقرة يمير بحليبها، وتغذت بدورها من الملح في الجليد. كشفت لعقات البقرة ببطء «بوري-Buri»، الأول من مجتمع «الأيسر-Aesir» للآلهة. كان لبوري ابن اسمه بور، تزوج بستلا، ابنة العملاق بولثورن. كان الأطفال نصف الآلهة ونصف العمالقة من بور وبيستلا هم أودين، الذي أصبح رئيس آلهة الأيسر، وشقيقيه، فيلي وفي (Vili and Ve).

قتل أودين وإخوته يمير وشرعوا في بناء العالم من جثته. لقد صنعوا المحيطات من دمه، والتربة من جلده وعضلاته، ونباتات من شعره، وسحب من دماغه، وسماء من جمجمته. وكان هناك أربعة أقزام يمثلون الاتجاهات الأربعة الأساسية، حملوا جمجمة يمير عالياً فوق الأرض. شكلت الآلهة في النهاية الرجل والمرأة الأوائل، آسك وإمبلا، من جذعين من الأشجار، وبنوا سورًا حول موطنهم المسمى «بمدجارد-Midgard»، لحمايتهم من العمالقة.

الخلاصة

إن أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان تختلف من حضارة لأخرى ولها أنواع مختلفة سوف نناقشها في الجزء الثاني من أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان

المصادر:

ancient-origins

ancient.eu

ancient.eu

britannica

ancient-origins

ancient.eu

norse mythology

britannica

عجائب مصر القديمة: الميثولوجيا المصرية

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

كما قد تكون قد لاحظت عزيزي القارئ، من الأجزاء السابقة يتبين لنا الدور العظيم الذي لعبته الآلهة والشخصيات من العوالم الأخرى في حياة المصريين القدماء، فهي تعالجهم من أمراضهم وتساعدهم في التغلب على أعدائهم، فتعالوا معنا اليوم نقص عليكم قصة الآلهة في ضوء الميثولوجيا المصرية القديمة.

التاسوع المقدس

آمن الناس في مصر القديمة بتسع آلهة رئيسية هم:

– آتوم
– شو
– تفنوت
– نوت
– جب
– – إيزيس
– أوزوريس
– ست
– نفتيس

وهي عائلة واحدة وسنعرف قصتهم وما يربطهم في الميثولوجيا المصرية بعد قليل.

ملحوظة مهمة

تختلف الأساطير المصرية من مكان لآخر في مصر القديمة، كما تختلف أسماء الآلهة كذلك، فعلى سبيل المثال، الإله آتوم هو نفسه الإله رع هو نفسه الإله آمون، إلا أن المسمى يختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر، كأي أسطورة بشرية قابلة للتطور والتحور مع مرور الزمن، فقد تجد القصة التي سنرويها اليوم باختلافات في أسماء الشخصيات والأحداث وترتيبها، إلا أنها جميعها متشابهة في الأصل.

قصة الخلق في الميثولوجيا المصرية

في البدء، لم يكن هناك شيء سوى الماء، وكان الوجود مظلمًا وفوضويًا، فجلس الإله آتوم وتأمل وحدته، ثم تزوج آتوم من ظلّه، فأنجب شو (إله الهواء)، وتفنوت (إلهة الرطوبة)، ثم انطلق كل من شو وتفنوت لإعداد العالم وتنظيمه لاستقبال الحياة، فوضعت تفنوت القواعد التي سيسير العالم وفقًا لها، ووضع شو مبادئ الحياة.

افتقد آتوم أبناءه، وأصابه القلق، فاقتلع عينيه من مكانهما وأرسلهما للبحث عن شو وتفنوت، فعادا إليه ومعهما عينَي والدهما، وعندما رآهم أتوم ذرف دموع الفرح، فسقطت دموع أتوم على الأرض لتخصيبها لخلق الرجال والنساء.

ثم تزوج شو من أخته تفنوت وأنجبا نوت (إلهة السماء)، وجِب (إله الأرض)، فوقع جِب في حب نوت، فغضب أبوهما من علاقتهما وقرر أن يفصلهما عن بعضهما البعض، لتبقى نوت في السماء ويبقى جِب في الأرض، ولكن نوت كانت حاملًا من جِب، فأنجبت إيزيس، وأوزوريس، ونفتيس، وسِت، وتزوج أوزوريس من أخته إيزيس.

  • انفوجراف عن التاسوع المقدس (قصة الخلق) في الميثولوجيا المصرية.
التاسوع المقدس في الميثولوجيا المصرية

إيزيس وأوزوريس في الميثولوجيا المصرية

حكم أوزوريس العالم بمساعدة أخته وزوجته إيزيس، فزرعا الأشجار وشقّا الأنهار، إلا أن الإله ست الغيور لم يكن راضيًا بما يحدث، فحسد أخاه أوزوريس على ما لديه، فدبّر مكيدة للتخلص منه، حيث دعاه إلى حفل أقامه، وكان قد صنع صندوقًا ليناسب حجم أوزوريس بالضبط، وانتظر حتى أصاب أوزوريس النعاس، وقال أنه سيهدي الصندوق لمن يناسب الصندوق حجمه، وعندما أتى دور أوزوريس ونام في الصندوق، أسرع ست بإغلاق الصندوق وإلقاءه في نهر النيل.

عندما علمت إيزيس بما حدث لأوزوريس أصابها الحزن الشديد وأخذت تبحث عنه إلى أن وجدت جثته. فأخذت في إعداد الأعشاب والوصفات لإعادة إحياء زوجها وأخيها أوزوريس، ولكن ست عثر على جثته فقام بتقطيعها إلى 42 قطعة، وقام بتفريقها في مختلف أرجاء مصر ليصعب على إيزيس إعادة تجميع جثته.

فعادت إيزيس تبحث عن أشلاء زوجها بمساعدة أختها نفتيس، واستطاعوا جمع جميع أجزاء جسده باستثناء قضيبه. حيث أكلته سمكة، فصنعت عضوًا ذكريًا بديلًا وجامعت زوجها وحملت بابنها حورس.

عاد أوزوريس إلى الحياة مرة أخرى، لكنه لم يكن كاملًا، فهبط إلى العالم السفلي ليصبح هو الحاكم على هذا العالم.

لم تكن إيزيس راضية بما حدث، فاستعانت بابنها الإله حورس، والذي دخل في حرب عنيفة مع الإله ست لاستعادة ملك أبيه، واستمرت الحرب 80 عامًا إلى أن انتهت بانتصار حورس وتدمير سِت.

المصادر


coursera

ancient.eu

عجائب مصر القديمة: العلم

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

بلغ المصريون القدماء من العلم ما لم يبلغه من عاصروهم، وتقف آثار مصر القديمة شامخة شاهدة على براعتهم في مختلف فروع العلوم، حتى أنه صَعُب على الناس التصديق بأن آثارهم من صناعة البشر، فنرى حديثًا عن الفضائيين وتدخلهم في حياة المصريين القدماء ومساعدتهم، ولكن دعونا نرى ما بلغوه من علم بعيدًا عن الخرافات ونظريات المؤامرة.

الأدوات الشخصية

اهتم المصري القديم بمظهره ونظافته الشخصية للغاية، ومن أجل ذلك اخترعوا المرايا، تلك المرايا التي تملأ بيوتنا اليوم، هي من إبداعات المصريين القدماء.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أنهم كانوا أيضًا هم من اخترعوا فرشاة ومعجون الأسنان، حيث كان معجون الأسنان في مصر القديمة عبارة عن وصفة تتضمن أملاح الصخور والنعناع والفلفل، كما كانت هناك وصفة أخرى تتضمن قرون الثيران المطحونة والرماد، والتي عند امتزاجها باللعاب تصنع خليطًا منظفًا للأسنان، ليس هذا فحسب، بل أنه من العجيب أن تعرف أن أول أقراص نفَس منعشة في التاريخ صُنعت في مصر القديمة، حيث صُنعت من القرفة والبخور والعسل.

الزراعة

كانت حضارة مصر القديمة حضارة زراعية، فاحتاجوا إلى تطوير الآلات والأدوات لمساعدتهم في الزراعة، فاخترعوا المحاريث التي كانت تجرّها الثيران، وبعد حرث الأرض كانوا يبذرون البذور، ثم يجرّون الثيران فوق الأراضي الزراعية مرة أخرى لغرس البذور في التربة.

وكانت الطريقة المصرية في الري عالية الكفاءة، حيث أنها انتقلت إلى اليونان وروما، عن طريق الفيلسوف اليوناني طاليس، والذي كان قد عاش في بلاد مابين النهرين لفترة من الزمان، إلا أنه لم ينقل طريقة الري من بلاد مابين النهرين، فكان المصريون القدماء يحفرون الخنادق والترع للتوصيل بين النهر النيل وبين المساحات المزروعة.

العمارة

برع المصريون القدماء في العمارة، وها هي معابدهم تشهد على ذلك، ولا يسعنا الحديث عن العمارة وجمالها في مصر القديمة دون ذكر رمسيس الثاني، فأحد أهم الآثار في مصر القديمة هو معبده، أبو سمبل، والذي صممه المصريون بدقة بالغة، لتُشرق الشمس مباشرة على وجوه تمثالي رمسيس الثاني والإله آمون في يومين فقط من كل عام (21 من فبراير، و21 من أكتوبر)، وهما يوم ولادته ويوم تتويجه، ويأتي السياح إلى مصر في كل عام في ذلك التوقيت لمشاهدة هذا الحدث الفريد من نوعه.

علم الفلك

كانت الأجرام السماوية مهمة في مصر القديمة على الصعيدين، العملي والروحاني، حيث كانت النجوم شاهدة على أعمال الآلهة العظيمة، كما كانت حركة النجوم أيضًا تُعلم المصريين بمواقيت المطر وزراعة المحاصيل.

كما كانت النجوم ذات بُعد ديني، فكان يُرمز للآلهة بنجوم السماء، حيث كان يرمز «حزام الجبار-Orion belt» إلى الإله أوزيريس، ومن عجائب الأمور أن تعرف أن نجوم حزام الجبار تتعامد فوق أهرامات الجيزة الثلاثة!

واستخدم الفلكيون في مصر القديمة أداة تُدعى «ميرخت-Merkhet»، والتي كانت تستخدم لدراسة حركة بعض النجوم، فقد استطاعوا تحديد مواقع النجوم بدقة باستخدام هذه الأداة.

وأزيدكم من الشعر بيتًا، فإن التقويم السنوي ذو ال 365 يوم الذي نعتمده اليوم، كان أول من توصل إليه هم المصريون القدماء، بل كانت السنة لديهم مقسّمة على 12 شهرًا في كل منهم 30 يومًا، بالإضافة إلى خمسة أيام إضافية، كما كان اليوم في مصر القديمة مقسّمًا على 24 وحدة ترمز كل وحدة منهم إلى إله معين.

الرياضيات في مصر القديمة

كانت الرياضيات في مصر القديمة مستخدمة في كل شيء تقريبًا، فقد استخدموها في الإحصاء وحسابات الضرائب وفي المشاريع الهندسية الضخمة، كالأهرامات على سبيل المثال، والتي قد يتعجب القارئ من عدم ذكرها عند الحديث عن العلم في مصر القديمة، إلا أننا سنُفرد لها جزءًا لذاتها.

واستُخدمت الرياضيات في هندسة المعابد والمباني، والتي ما كانت لتكون بهذا الجمال لولا النسب الرياضية الدقيقة، كما شكّل تقدم المصريين في الرياضيات حجر الأساس لتفوق الرياضيين اليونانيين القدماء، حيث أن «فيثاغورس-Pythagoras» كان قد تعلم الرياضيات في مصر على أيدي الكهنة.

الطب في مصر القديمة

تأثر الطب في مصر القديمة بالسحر لأبعد الحدود كما ناقشنا في الجزء الثاني من هذه السلسلة، حيث كان الأطباء يستخدمون التعاويذ والرسومات لعلاج المرضى، وكانت مهارة السحر من المهارات الأساسية المطلوبة لتوظيف الممرضات، إلا أنهم استطاعوا وصف بعض الطرق للعلاج، والتي تتعلق بالطب الحقيقي، ولعل أشهر آثار المصريين القدماء الطبية هي البرديات الطبية، وأشهر هذه البرديات هي:

1- «بردية إيبرس-Ebers papyrus»

وهي عبارة عن نص من 110 صفحة، يصف بعض العلاجات المستخدمة في ذلك الوقت لأمراض القلب والسرطان والاكتئاب والأمراض الجلدية.

2- «بردية لندن-London papyrus»

وهي بردية مزجت بين المهارات الطبية الحقيقية وبين التعاويذ السحرية، فقد ذكرنا في السابق العلاقة القوية بين الطب في مصر القديمة وبين السحر.

3- «بردية إدوين سميث-Edwin Smith papyrus»

وهي أقدم عمل بشري يصف العمليات والتقنيات الجراحية، وهي تُظهر معرفة المصريين القدماء المفصلة بعلم التشريح، كما كانت تحتوي على خطوات العلاج التي يقوم بها الأطباء حتى اليوم، وهي الفحص والتشخيص ووصف العلاج.

المصادر

coursera
ancient.eu

عجائب مصر القديمة: الهيروغليفية

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

تُعد الكتابة ثورة في تاريخ الإنسان، حيث مثّل اختراع الكتابة نقطة محورية في تاريخنا، فعندنا كتبنا وثّقنا الأحداث التاريخية، وقُمنا بالعمليات الحسابية، وغُصنا في بحار العلوم، وحملنا ما تعلمناه إلى الأجيال القادمة، ولا يجوز الحديث عن بداية الكتابة إلا بالحديث عن الهيروغليفية في مصر القديمة.

الكتابة في أساطير مصر القديمة

وفقًا لإحدى الأساطير المصرية: في البدء، خلق تحوت (إله الحكمة والمعرفة) نفسه على هيئة طائر أبو منجل، ثم وضع البيضة الكونية التي كانت تحمل بداخلها الكون كله.

وفي قصة أخرى: خُلق تحوت من شفتي إله الشمس رع في بداية الزمان، وتختلف الأساطير، إلا أن الثابت الوحيد هو أن تحوت خُلق بمعرفة كبيرة وعلم واسع، ثم وهب تحوت الكتابة للمصريين القدماء، والكلمات هي ما تحمل معرفة تحوت المقدسة، لأنه بمقدور الكلمات أن تؤجج الحروب وأن ترسي السلام، وأن تدمّر وتعمّر، وتُحيي وتُميت.

تحوت

اختراع الهيروغليفية

كان السومريون هم أول من استخدم الحروف في الكتابة، وهي الطريقة المستخدمة في يومنا هذا، إلا أن المصريين القدماء استخدموا طريقة أخرى، فبدلًا من الأحرف استخدموا الرسومات والرموز التعبيرية، قد يكون أقرب شيء لهذا في يومنا هو الرسوم التعبيرية المستخدمة في المحادثات النصية (emojis)، فبدلًا من أن نقول مثلًا “أنا أحب المدرسة”، قد نضع قلبًا بجوار مبنى يمثّل المدرسة للتعبير عن الحب لهذا المكان، وهذه كانت طريقة الكتابة الهيروغليفية.

تطور الكتابة في مصر القديمة

مرّت الكتابة في مصر القديمة بأربعة مراحل أساسية:

1- الهيروغليفية

2- الهيراطيقية

3- الديموطيقية

4- القبطية

والآن لنأخذ لمحة عن كل مرحلة منهم:

1- الهيروغليفية

كما ذكرنا مسبقًا، فقد استخدم المصريون الرموز التعبيرية في اللغة الهيروغليفية، وكانت الرموز من وحي بيئتهم كالحيوانات والأدوات المختلفة، كما لم يكن للكتابة الهيروغليفية اتجاهًا محددًا في الكتابة، فكانت تُكتب من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار إلى اليمين، أو من الأعلى إلى الأسفل، أو من الأسفل إلى الأعلى، ولكن اتجاه الكتابة كان يُعرف من وجوه الشخصيات المرسومة، حيث كانت وجوه الحيوانات والشخصيات معاكسة لاتجاه الكتابة، فإذا كانت الكتابة من اليمين إلى اليسار، تُرسم الأوجه ناظرة نحو اليمين.

2- الهيراطيقية

ظهرت الهيراطيقية بعد الهيروغليفية، حيث أصبحت الهيروغليفية تُستخدم في المعابد. وكانت الهيراطيقية تُستخدم من أجل كتابة النصوص الدينية في بادئ الأمر، إلا أنها تطورت لتشمل الحسابات وإدارة الأعمال والوثائق القانونية، بل وحتى النصوص والتعاويذ التي كانت تستخدم في السحر.

3- الديموطيقية

ظهرت الكتابة الديموطيقية من دلتا النيل، وانتشرت نحو جنوب مصر في عام 700 ق.م، واستمرت الديموطيقية لمدة ألف عام من تاريخ مصر القديمة، حيث صمدت خلال الفترة البطلمية وحتى الفترة الرومانية، حيث استُبدلت بالكتابة القبطية.

4- القبطية

كانت القبطية هي كتابة الأقباط، مسيحيو مصر القدامى، وهي كتابة استُخدمت فيها الحروف اليونانية لحفظ النصوص والوثائق المهمة بالنسبة للمصريين في ذلك الوقت، مثل العهد الجديد المسيحي، وكانت الكتابة القبطية هي المفتاح الذي ساعدنا في فهم الهيروغليفية عند فك رموز حجر رشيد.

حجر رشيد

لم نكن لنفهم رموز الكتابة الهيروغليفية لولا فك رموز حجر رشيد، فقد كان الحجر يحتوي على ثلاثة أجزاء مكتوبة بثلاث كتابات مختلفة من ضمنها الكتابة الهيروغليفية والكتابة القبطية، وكانت الأجزاء الثلاثة تُعبّر عن نفس النص، وعن طريق فهم الكتابة القبطية، استطعنا فهم الكتابة الهيروغليفية.

المصادر

coursera

ancient.eu

عجائب مصر القديمة: السحر

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

مما لا شك فيه أن حضارة مصر القديمة برعت في مختلف الفنون والعلوم، ولكن الغريب أن تعرف أن المصريين القدماء هم أول من مارسوا السحر، ليس هذا وحسب، وإنما كان السحر متوغلًا في كل جوانب حياتهم، فقد استخدموه لمباركة الملوك وحمايتهم، واستخدموه كذلك في العلاج، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم في الجزء الثاني من سلسلة (عجائب مصر القديمة) بعد أن تحدثنا عن الفن في الجزء الأول.

السحر والسحرة

لعب مفهوم السحر دورًا محوريًا في إيمان المصري القديم، حيث اعتقد الناس في مصر القديمة أن الخالق قام بخلق العالم باستخدام قوة السخر، ورأوا أن السحر قوة كامنة بداخل كل إنسان، إلا أن الكهنة وحدهم القادرون على تسخير هذه القوة والتعامل معها، وكان الكهنة هم أول من مارسوا السحر في مصر القديمة، حيث يُحكى أنهم كانوا يمتلكون القدرة على تحريك الماء في البحيرات الراكدة، وإحياء تماثيل الحيوانات لتحويلها إلى حيوانات حقيقية.

حِكا إله السحر

ويأتي سحرة العقارب في مرتبة أقل من الكهنة، وقد أُطلق عليهم هذا الاسم لأنهم مارسوا السحر للتخلص من الحشرات السامة والأفاعي في منطقة ما.

ولم تقتصر ممارسة السحر على الكهنة ورجال الدين وحدهم، بل إن مهارة السحر كانت مهارة مطلوبة للممرضات في مصر القديمة، كما كان للكهنة دور في العلاج أيضًا، حيث مارس كهنة الإلهة «سخمت-Sekhmet» السحر لعلاج المرضى، ويرجع هذا للاعتقاد السائد في مصر القديمة بأن سخمت هي من تتسبب في الأمراض.

سِخمت

طريقة عمل السحر

كان وقت الفجر وقتًا مثاليًا لممارسة السحر في مصر القديمة، حيث كان يلقي السحرة تعاويذهم في هذا الوقت، وكان على الساحر أن يكون في حالة صفاء روحي، فكان السحرة يمارسون الجنس قبل القيام بالسحر، وهذا للمساعدة على التركيز ومنع تشتت الانتباه.

كما كان على الساحر أن يبتعد عن ما اعتُقد في ذلك الوقت دنسًا، مثل النساء خلال فترة دورتهم الشهرية، فكان الساحر يرتدي ملابس جديدة نظيفة قبل إلقاء تعويذته.

استخدم السحرة في مصر القديمة عصي مصنوعة من العاج، ونُقشت صور الآلهة وبعض الحيوانات على هذه العصي، وهذا كرمز لإعطاء الساحر القدرة على تسخير الكائنات القوية من العوالم الأخرى.

عصا سحرية من العاج

لم تكن الأغلبية في مصر القديمة تستطيع القراءة، مما أعطى للتعاويذ المكتوبة قيمة بالغة الأهمية، حيث كان السحرة يكتبون التعاويذ على ورق البردي، ويتوارثونها من جيل إلى جيل داخل العائلة الواحدة.

احتوت التعاويذ على الكلام والحركات، فكانت تُقرأ بعض الكلمات على جرعات من أشياء غريبة، كدم كلب أسود، أو لبن ثدي امرأة ولدت مولودًا ذكرًا، وكان يُعتقد أن الكلام مسئول عن تنشيط القوى السحرية لهذه الجرعات، كما شملت الحركات بعض الرقصات والإيماءات على ألحان الموسيقى وذلك لتحضير أرواح الآلهة والمعبودات.

السحر للحماية

اعتقد الناس في مصر القديمة أن الشياطين هي التي تتسبب في الأمراض، والحوادث، والفقر، والعقم، فاستخدم المصريون القدماء السحر كآلية دفاعية ضد الشياطين، فعلى سبيل المثال، كانت إذا أوشكت امرأة على وضع مولودها، قوم السحرة برسم دائرة حماية حولها، باستخدام عصي العاج السحرية، وكانوا ينقشون على هذه العصي صور الآلهة التي يستعينون بها وهي تطعن أو تعض الأفاعي (كرمز للشياطين).

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الأمر قد طال البيوت في مصر القديمة، حيث كانت تُنقش صورة الإله «بِس-Bes» والذي كان يرمز له بأسد قزم، وصورة الإله «تاورت-Taweret» والذي كان يرمز له بفرس النهر على أثاث البيوت والأدوات المنزلية، وهذا لطرد الأرواح الشريرة والتي كان يُعتقد أن قوتها تزداد أثناء الليل.

بِس
تاورت
كرسي مصري عليه رسومات سحرية

بالإضافة إلى التمائم التي استخدمها الناس في مصر القديمة لإعطاء صاحبها بعض الصفات المرغوبة مثل العمر الطويل والصحة الجيدة.

تميمة 1
تميمة 2

السحر للعلاج

اعتقد الأطباء في مصر القديمة أن الشياطين التي تتسبب في الأمراض كانت تنجذب للأشياء القذرة، فاستخدموا روث الحيوانات لإبعادها عن جسد المريض، أو يدهن الطبيب جسد المريض بالعسل لتنفير الشيطان من الجسد، وفي بعض الأحيان كان يرسم الطبيب صور كائنات اعتقد الناس في مصر القديمة أنها ذات قدرات علاجية على جسد المريض، ليقوم المريض بلعقها بدوره لامتصاص قواها السحرية العلاجية، بل إن الأطباء كانوا يستخدمون التعاويذ للتعريف بأنفسهم على أنهم الإله تحوت الذي عالج عين حورس المجروحة، ليُعطي نفسه القدرة على علاج المريض كما عالج تحوت عين حورس في الأسطورة المصرية.

تحوت
حورس

اللعنات

كان الكهنة في معابد مصر القديمة يقومون بنقش اسماء الأعداء والخونة على الأواني الفخارية، ثم يقومون بحرقها، لاعتقادهم بأن هذا يُضعف جيوش العدو، وكانت ترسم صور «أبوفيس-Apophis» في حرب مع الخالق على أوراق البردي، ثم يقومون بحرق هذه البرديات، ليقوموا بإذابة الرماد المتبقي في دلو يحتوي على البول.

حاول بعض الكهنة أن يلعنوا الملك رمسيس الثالث بعدما استولوا على كتاب سحر من المكتبة الملكية، إلا أنهم احتاجوا إلى شيء منه كالشعر أو الأظافر أو السوائل الجسدية، فاستعانوا بحريم الملك لمساعدتهم في الحصول على هذه الأشياء، إلا أن المؤامرة كُشفت وحُكم عليهم بالإعدام.

خاتمة

يتضح مما سبق هوس الإنسان في مصر القديمة بالسحر وخوفه من الشياطين والأرواح وما إلى ذلك، ولا عجب في ذلك إذ أن هذه هي عقلية الإنسان القديم، وفي الجزء القادم سنتحدث عن شيء آخر ميز حضارة مصر القديمة عن غيرها، اللغة الهيروغليفية.

المصادر

coursera
bbc
ancient.eu

عجائب مصر القديمة: الفن

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

برع المصريون القدماء في كافة مجالات ونواحي الحياة بشكل خلّد ذكراهم حتى يومنا هذا، فها هي أفواج السائحين تزور مصر كل عام لمشاهدة آثار هذه الحضارة العظيمة، وما لنا أن نذكر أي مجال من مجالات الحياة دون أن نقّر بدور حضارة مصر القديمة فيه، تلك الحضارة التي برعت في الفن والطب والسحر والهندسة وعلم الفلك، وفي هذه السلسلة (سلسلة عجائب مصر القديمة) سنتعرف على إسهامات المصريين القدماء في كل من هذه المجالات، وسنبدأ اليوم بالحديث عن الفن في مصر القديمة.

أنواع الفن في مصر القديمة وسماته

تنقسم أنواع الفن في مصر القديمة إلى 4 أنواع رئيسية:
1- الرسومات
2- التماثيل
3- العمارة
4- النقوش

والآن لنناقش كل نوع منهم ونرى سماته وأهم خصائصه

1- الرسومات

توجد العديد من الرسومات التي رسمها المصريون القدماء حتى يومنا هذا، وهذا لأن الرسومات لم تكن على ورق، وإنما كانت على جدران المعابد.

وتتميز الرسومات المصرية القديمة بالتسطيح التام، فهي لا توحي بالبروز، وإنما مشهد ثنائي الأبعاد فقط، كما حافظ المصريون القدماء على بعض سمات الرسومات التي وُجدت على جدران الكهوف في العصور القديمة، حيث رسموا الأجزاء المختلفة من الجسد البشري الواحد من مناظير مختلفة، وذلك ليسهل على المشاهد التعرف على أجزاء الجسد هذه، حيث اعتادوا رسم الأقدام بالمنظور الجانبي، وهذا لصعوبة التعرف عليها إن كانت مرسومة بمنظور أمامي، بينما رُسمت الأكتاف والجزء العلوي من الجسد بمنظور أمامي.

وعندما نأتي لمنطقة الوجه، نرى أن الفك مرسوم بمنظور جانبي، بينما العيون مرسومة بمنظور أمامي، ويمكنك ملاحظة كل ما ذكرناه في الصورة التالية.

وكما تلاحظ في الصورة السابقة، رسم المصريون الإله أنوبيس بحجم أكبر من الإنسان الواقف أمامه، وهذا لأن الحجم كان يستخدم في الرسومات المصرية القديمة للتعبير عن المكانة الاجتماعية، فرُسم الملوك والآلهة بأحجام كبيرة، حيث نلاحظ في الصورة القادمة صورة الملك وقد رُسم بجسد كبير، بينما جنود العدو أمامه بأحجام صغيرة.

كما استخدم المصريون خطوطًا متوازية تسّمى بال«قيود-registers»، وذلك التعبير عن المشاهد المختلفة وأيضًا للدلالة على الترتيب الزمني للأحداث.

ونلاحظ غياب هذه القيود في الرسومات التي تعبّر عن مشاهد الحرب أو الصيد، وذلك للدلالة على الفوضى وعدم النظام.

2- التماثيل

لم يُلقِ الفنانون بالًا لجمال الملامح البشرية في التماثيل كما فعل اليونانيون، بل اعتمدوا على الأشكال الهندسية الحادة، كما كانت معظم التماثيل في مصر القديمة تمثّل جسدًا بشريًا في وضعية الجلوس، كما وُضعت الأيدي فوق الركبتين، وذلك للدلالة على السكون والوقار والمكانة الاجتماعية العالية

3- العمارة

لا يجوز الحديث عن مصر دون الحديث عن مسلّاتها ومعابدها، تلك الهياكل المعمارية التي ظهر فيها إبداع الإنسان المصري القديم جليًا للعيان، حيث نحت المصريون القدماء كل مسلة من صخرة واحدة، وكانت المسلات في مصر القديمة تُزيّن بالنقوش بعد الفروغ من نحتها، ولعل أجدر المسلات بالذكر هي مسلة لاتران، والتي تُعد أكبر مسلات مصر القديمة الباقية حتى يومنا هذا، وهي موجودة في روما بإيطاليا، حيث أُعجب الرومان بالمسلات المصرية، فتم جلب العديد من المسلات المصرية إلى روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت.

وتلعب المعابد في مصر القديمة دورًا حيويًا، وذلك لاهتمام الإنسان المصري القديم بالدين والعبادة أشد الاهتمام، فكانت المعابد تُزيّن بالرسومات والنقوش من الداخل، فتكثر النقوش والرسومات على جدران المعابد المصرية وأسقفها بل وحتى الأعمدة.

كما نُحتت قمم أعمدة المعابد في مصر القديمة ب«تصميم زهري-floral design» بدقة مبهرة.

4- النقوش

انقسمت النقوش إلى نوعين:

• النقش البارز، وهي النقوش التي تبرز فيها الشخصيات والأجسام عن السطح المنقوش عليه.

• النقش الغائر، وهي النقوش التي تبدو الشخصيات والأجسام فيها كأنها غارقة بداخل الجدار أو السطح المنقوش عليه.

الفنانون في مصر القديمة

لم يكن الفنانون في مصر القديمة فنانين بالمعنى المتعارف عليه في يومنا هذا من حيث الإبداع والتنوع في الأساليب، وإنما كان الفنانون في مصر القديمة كالعمال، حيث يعمل النحاتون والرسامون في فِرَق من أجل إتمام عمل فني واحد، مُتقيدين في ذلك بقواعد ومواصفات محددة، بل وكان العمل الفني الواحد يتطلب أكثر من فريق لإتمام مراحله المختلفة.

أخناتون وتطور الفن في مصر القديمة

لم تمثل فترة حكم أخناتون البالغة 17 عامًا من تاريخ مصر القديمة نقطة تحول ديني فقط، وإنما شهد الفن في عهده تطورًا ملحوظًا، حيث نجد في تماثيله وتماثيل أسرته ملامح أنثوية بارزة، كما كانت النقوش تصوّره هو وأسرته بجماجم طويلة، وأيضًا توجد بعض النقوش لأخناتون وهو يقبّل أطفاله، وفي هذا انتباه للجانب الإنساني الشخصي من حياة الملك، وهذا ليس بالشيء المعهود عن الملوك في مصر القديمة الذين يظهرون في أغلب الرسومات في ساحة المعركة.

خاتمة

يستمر إبهار المصريين القدماء لنا حتى اليوم، سواء في الفن أو الهندسة أو أي مجال آخر، حتى أن هناك ألغازًا لم تُحل بعد عن هذه الحضارة العظيمة، وفي الجزء القادم من هذه السلسلة سنناقش جانبًا آخر اشتهرت به مصر في قديم الزمن، ألا وهو السحر.

المصادر

ancient.eu
visual arts
coursera

أوديب، الملك الذي خسر كل شيء

أوديب ملكًا، المعروف أيضًا باسم Oedipus Rex أو Oedipus Tyrannos (تشير “Tyrannos” إلى أن العرش لم يُكتسب من خلال الميراث) هي أشهر مسرحية باقية كتبها شاعر القرن الخامس قبل الميلاد والمسرحي سوفوكليس. المسرحية جزء من ثلاثية تضم أنتيجون وأوديب في كولونوس. في هذه المقالة سنتحدث عن أوديب، الملك الذي خسر كل شيء.

نبذة عن الكاتب:

كان سوفوكليس من كولونوس (496 – 406 قبل الميلاد) واحدًا من أشهر كتاب المسرحيات التراجيدية في اليونان القديمة وأشهرهم، وتشمل أعماله الباقية، المكتوبة طوال القرن الخامس قبل الميلاد، كلاسيكيات مثل أوديب ملكًا، أنتيجون، ونساء تراخيس. كما هو الحال مع المسرحيات اليونانية الأخرى، فإن عمل سوفوكليس ليس فقط سجلاً للمسرح اليوناني ولكنه يوفر أيضًا نظرة ثاقبة لا تقدر بثمن في العديد من الجوانب السياسية والاجتماعية لليونان القديمة، من العلاقات الأسرية إلى تفاصيل الدين اليوناني. بالإضافة إلى ذلك، ستوفر ابتكارات سوفوكليس في العرض المسرحي الأسس لجميع الأداء الدرامي الغربي في المستقبل، ولا تزال مسرحياته تُعرض اليوم في المسارح حول العالم.

شخصيات المسرحية:

ربما كتبت أوديب ملكًا في منتصف 420 قبل الميلاد. يعتمد هذا التقدير على إشارته إلى الطاعون الذي عصف بالمدينة خلال فترة أوديب على العرش.

  • أوديب الملك
  • كريون، صهر الملك
  • تيريسياس، متنبيء أعمى عجوز
  • جوكاستا، زوجة وأم أوديب
  • رسولين
  • راعي
  • كاهن
  • جوقة

المسرحية:

تبدأ القصة عندما ألهم الطاعون في طيبة أوديب للبحث عن أسباب هذا البلاء. بعد عودة صهره كريون من دلفي بأمر من أبولو بالعثور على قتلة الملك السابق لايوس، يهدد أوديب القاتل بالنفي والحياة البائسة. نظرًا لعدم اعتراف أحد، فإن أوديب يستشير العراف الأعمى تيريسياس، ولكن دون جدوى. يتهم أوديب تيريسياس بالتآمر في قتل لايوس وفي مؤامرة كريون ضد أوديب. عندما دعا تيريسياس أوديب بالقاتل، يسخر أوديب من هدايا العراف، لأنه وحده حل لغز أبو الهول قبل سنوات. ثم يضع تيريسياس لغزًا آخر لأوديب: “من هم والديك؟”

نصحت جوكاستا، زوجة أوديب وأخت كريون، أوديب بتجاهل نبوءة دلفي: لايوس، الذي تنبؤا له أن يموت على يد ابنه، قُتل على يد لصوص، بينما «تعرض-exposure» (كانت طريقة قتل الأطفال أو التخلي عن الأطفال في مكان بري) ابنها الرضيع من قبل لايوس، وثُقبت قدميه، على جبل كيثايرون لئلا يقتل في النهاية أبوه. ومع ذلك، تذكر جوكاستا أن لايوس مات عند مفترق طرق بين طيبة ودلفي (هذه معلومة مهمة). قبل مجيئه إلى طيبة، نشأ أوديب على يد بوليبوس وميروب، ملك وملكة كورنث. ولكن بعد أن أطلق عليه لقيط من قبل مخمور، غادر أوديب كورنث إلى دلفي، حيث تنبأ أبولو بأن أوديب سوف يمارس الجنس مع أمه، ويقتل والده. فر أوديب من دلفي باتجاه طيبة، إلا أنه تعرض للهجوم في مفترق الطرق المميت من قبل رجل عجوز وحاشيته. رد أوديب بقتلهم جميعًا. ولكن، إذا كان هذا الرجل هو لايوس، فلا بد أن أوديب هو القاتل. تصر جوكاستا على أن شاهد عيان، الناجي الوحيد من ذلك الهجوم، ما زال حيا. في غضون ذلك، أعلن رسول من كورينث وفاة بوليبوس لأسباب طبيعية ودعا أوديب للوطن للمطالبة بالعرش. يعلن الكورنثي أن بوليبوس وميروب قد تبنيا أوديب، وأنه هو نفسه قد حصل على الطفل من راعي من طيبة، وأن اسم أوديب الذي يعني صاحب القدم المتورمة مشتق من كاحليه المثقوبين. وإدراكًا للحقيقة، تطلب جوكاستا من أوديب عدم مقابلة الراعي، الذي تعرفه الجوقة أيضًا على أنه شاهد على مقتل لايوس. تختفي جوكاستا عندما يعلم أوديب من الراعي المسن آخر تفاصيل اللغز، إنه الطفل الذي تم إنقاذه منذ فترة طويلة وهو ابن لايوس وجوكاستا. اقتحم أوديب القصر، واكتشف أن جوكاستا قد شنقت نفسها فقام بفقأ عينيه بالبروش الذي يثبت ثوبها.

علاقة أوديب بفرويد:

عقدة أوديب مصطلح يستخدم في المراحل النفسية الجنسية لنظرية التطور بواسطة سيغموند فرويد. يشير المفهوم، الذي اقترحه فرويد لأول مرة في عام 1899 ولم يستخدم رسميًا حتى عام 1910 ، إلى انجذاب الطفل الذكر إلى والدته (الأم) والغيرة من والده (الأب). وفقًا للمفهوم المثير للجدل، ينظر الأطفال إلى الوالد من نفس الجنس على أنه منافس. على وجه التحديد، يشعر الصبي بضرورة التنافس مع والده على اهتمام والدته. بينما عقدة إليكترا هو مصطلح يستخدم لوصف النسخة الأنثوية من عقدة أوديب. إنها تنطوي على فتاة، يتراوح عمرها بين 3 و 6 سنوات، تصبح مرتبطة جنسيًا بوالدها بشكل لا شعوري وتزداد معاداتها لوالدتها. طور كارل يونج النظرية في عام 1913.

الخاتمة:

بعد قراءة مقال أوديب، الملك الذي خسر كل شيء. ما الذي استفدته من هذه المسرحية؟

المصادر:

encyclopedia

ancient.eu

healthline

healthline

Exit mobile version