اضطراب ثنائي القطب

هذه المقالة هي الجزء 2 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب ثنائي القطب

هو اضطراب يسبب تغيرات في مزاج الشخص وطاقته وقدرته على العمل. يعاني الأشخاص المصابون من حالات عاطفية شديدة تحدث عادةً خلال فترات مختلفة تمتد من أيام إلى أسابيع، وتسمى بنوبات المزاج. يتم تصنيف نوبات المزاج هذه على أنها هوس أو هوس خفيف_مزاج سعيد أو سريع الانفعال بشكل غير طبيعي_ أو اكتئاب_مزاج حزين_ وقد سُمي ثنائي القطب بهذا الاسم إشارةً إلى نوبات المزاج هذه العالية والمنخفضة، واعتبارها أقطابا للمزاج.

يعاني الأشخاص غير المصابين باضطراب ثنائي القطب من تقلبات مزاجية أيضًا، ومع ذلك فإن هذه التغيرات المزاجية عادة ما تستمر لساعات بدلاً من أيام. أيضًا لا تكون هذه التقلبات مصحوبة بدرجة شديدة من التغيير السلوكي، أو صعوبة في الروتين اليومي والتفاعلات الاجتماعية مثل التي يظهرها الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب خلال نوبات المزاج.

يمكن لهذا الاضطراب أن يعطل علاقات الشخص مع أحبائه، ويسبب صعوبة في العمل أو الذهاب إلى المدرسة.[2]

حتى الآن لا يوجد علاج لهذا الاضطراب، ولكن هناك العديد من الخيارات المتاحة التي يمكن أن تساعد في التحكم في الأعراض، وبالتالي يمكن للأشخاص المصابين به أن يعيشوا حياة كاملة ومنتجة. [1]

يحدث اضطراب ثنائي القطب بشكل شائع في العائلات؛ حيث يكون لدى 80 إلى 90 في المائة من الأفراد المصابين قريب مصاب باضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب، وقد تؤدي العوامل البيئية مثل الإجهاد، واضطراب النوم، والمخدرات، والكحول أيضًا إلى نوبات مزاجية لدى الأشخاص المعرضين للخطر. على الرغم من أن أسبابه داخل الدماغ لازالت غير واضحة إلّا أنّه يُعتقد أن عدم توازن النواقل العصبية في الدماغ هو مايؤدي إلى نشاط غير منتظم في الدماغ. [2]

أعراض اضطراب ثنائي القطب

هناك ثلاثة أعراض رئيسية يمكن أن تحدث: الهوس، والهوس الخفيف، والاكتئاب.

1. ︎«الهوس-mania» نوبة الهوس هي فترة لا تقل عن أسبوع واحد يكون فيها الشخص شديد الحماس، أو سريع الانفعال معظم اليوم لمعظم الأيام، ويمتلك طاقة أكثر من المعتاد، ويواجه ثلاثة على الأقل من التغييرات التالية في السلوك:

  • أ. انخفاض الحاجة إلى النوم على سبيل المثال الشعور بالنشاط على الرغم من قلة النوم بشكل ملحوظ.
  • ب. الكلام المكثف أو السريع.
  • ج. الأفكار المتسارعة التي لا يمكن السيطرة عليها، أو الأفكار أو الموضوعات المتغيرة بسرعة عند التحدث.
  • د. التشتت.
  • هـ. النشاط المتزايد على سبيل المثال العمل في عدة مشاريع في وقت واحد.
  • و. زيادة السلوك المحفوف بالمخاطر على سبيل المثال القيادة المتهورة.

يجب أن تمثل هذه السلوكيات تغييرًا عن السلوك المعتاد للشخص، وأن تكون واضحة للأصدقاء والعائلة، ويجب أن تكون الأعراض شديدة بما يكفي لإحداث خلل في العمل، أو الأسرة، أو الأنشطة والمسؤوليات الاجتماعية، وقد تتطلب أعراض نوبة الهوس أن يتلقى الشخص رعاية في المستشفى للبقاء في أمان. يعاني بعض الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهوس أيضًا من التفكير غير المنظم و/أو المعتقدات الخاطئة و/أو الهلوسة المعروفة باسم «السمات الذهانية-psychotic features».

2. «الهوس الخفيف-Hypomanic Episode» تتميز نوبة الهوس الخفيف بأعراض هوس أقل حدة، وتستمر أربعة أيام متتالية فقط بدلاً من أسبوع. لا تؤدي أعراض الهوس الخفيف إلى المشاكل الرئيسية في الأداء اليومي التي تسببها أعراض الهوس بشكل شائع︎.

3. ︎«نوبة الاكتئاب الكبرى-Major Depressive Episode» نوبة الاكتئاب الرئيسية هي فترة أسبوعين على الأقل يظهر فيها على الأقل خمسة من الأعراض التالية بما في ذلك واحد على الأقل من أول عرضين: 1. الحزن أو اليأس الشديد. 2. فقدان الإهتمام بالأنشطة التي كانت عادة ما تُسعد الشخص. 3. الشعور بعدم القيمة أو الذنب. 4. الإرهاق. 5. زيادة أو نقص النوم. 6. زيادة أو نقص الشهية. 7. القلق مثل زيادة سرعة أو تباطؤ الكلام أو الحركة. 8. صعوبة التركيز. 9. الأفكار المتكررة عن الموت أو الانتحار. [2]

الأعراض عند النساء

يُصاب الرجال والنساء بأعداد متساوية، ومع ذلك قد تختلف الأعراض الرئيسية للاضطراب بين الجنسين، ففي كثير من الحالات يتم تشخيص المرأة المصابة باضطراب ثنائي القطب في العشرين أو الثلاثين من عمرها، وتكون لديها أربع نوبات أو أكثر من الهوس والاكتئاب في عام واحد، ويكون الاضطراب مصاحب بحالات أخرى في نفس الوقت بما في ذلك أمراض الغدة الدرقية، والسمنة، واضطرابات القلق والصداع النصفي. النساء المصابات تكن أكثر عرضة للانتكاس، ويُعتقد أن سبب ذلك هو التغيرات الهرمونية المتعلقة بالحيض أو الحمل أو انقطاع الطمث. [1]

الأعراض عند الرجال

كما ذكرنا سابقًا قد يعاني الرجال من الأعراض بشكل مختلف عن النساء. الرجال المصابون قد يتم تشخيصهم في عمر مبكر أكثر من النساء، وتكون النوبات أكثر شدة خاصة نوبات الهوس، وتكون لديهم مشاكل تعاطي المخدرات أثناء نوبات الهوس. كذلك الرجال المصابون أقل حصولًا على الرعاية الطبية بأنفسهم من النساء، وهم أيضًا أكثر عرضة للموت بالانتحار. [2]

اضطراب ثنائي القطب عند الأطفال

تشخيص اضطراب ثنائي القطب عند الأطفال مثير للجدل إلى حد كبير لأن الأطفال لا يُظهِرون دائمًا نفس أعراض البالغين، وقد لا تتبع حالتهم المزاجية وسلوكياتهم المعايير التي يستخدمها الأطباء لتشخيص الاضطراب عند البالغين، وقد تتداخل أيضًا العديد من الأعراض التي تحدث عند الأطفال مع أعراض مجموعة من الاضطرابات الأخرى التي يمكن أن تحدث عند الأطفال مثل «اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط-ADHD،» ومع ذلك في العقود القليلة الماضية أصبح الأطباء والمتخصصون في الصحة العقلية يتعرفون على الحالة عند الأطفال. يمكن أن يساعد التشخيص الأطفال في الحصول على يمكن أن يساعد التشخيص الأطفال في الحصول على العلاج والتحسن، ولكن قد يستغرق الوصول إلى التشخيص عدة أسابيع أو أشهر.

مثل البالغين يعاني الأطفال المصابون من نوبات مزاجية مرتفعة. يمكن أن يبدوا سعداء للغاية، ويظهرون علامات سلوك منفعل ثم يتبع هذه الفترات الاكتئاب. بينما يعاني جميع الأطفال من تغيرات في الحالة المزاجية، فإن التغيرات التي يسببها الاضطراب تكون واضحة للغاية كما أنها عادة ما تكون أكثر تطرفًا من التغيير المعتاد في مزاج الطفل.

أنواع اضطراب ثنائي القطب

هناك ثلاثة أنواع رئيسية وهي: اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، واضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، واضطراب المزاج الدوري.

ثنائي القطب من النوع الأول يتم تعريفه من خلال ظهور نوبة هوس واحدة على الأقل. قد يعاني المريض من الهوس الخفيف أو نوبات الاكتئاب الشديدة قبل نوبة الهوس وبعدها. يؤثر هذا النوع على الرجال والنساء على حد سواء.

ثنائي القطب من النوع الثاني يعاني الأشخاص المصابون بهذا النوع من نوبة اكتئاب كبرى تستمر أسبوعين على الأقل. لديهم أيضًا نوبة هوس خفيف واحدة على الأقل تستمر حوالي أربعة أيام. يُعتقد أن هذا النوع أكثر شيوعًا عند النساء.

اضطراب المزاج الدوري يعاني الأشخاص المصابون باضطراب المزاج الدوري من نوبات الهوس الخفيف والاكتئاب. هذه الأعراض أقصر وأقل شدة من الهوس والاكتئاب الناجمين عن النوع الأول أو الثاني.[1]

يمكن للطبيب أن يحدد أي من الأنواع يعاني منها المريض.

أسباب اضطراب ثنائي القطب

هذا الاضطراب شائع في الصحة العقلية لكنه يمثل نوعًا من الغموض بالنسبة للأطباء والباحثين. إذ لم يتضح بعد سبب إصابة بعض الأشخاص بهذه الحالة دون غيرهم، ولكن تشمل الأسباب المحتملة ما يلي:

  • 1. أسباب جينية إذا كان أحد أفراد أسرتك مصابًا باضطراب ثنائي القطب، فمن المرجح أن تُصاب بهذه الحالة أكثر من غيرك، ومع ذلك هذا لا يعني أن كل شخص لديه أقارب مصاب بهذا الاضطراب سيصاب به بالإضافة إلى ذلك ليس كل مصاب لديه تاريخ عائلي للإصابة بالمرض.
  • 2. ︎بنية الدماغ قد تؤثر بنية دماغ الإنسان على خطر الإصابة بالمرض؛ حيث تؤدي التشوهات في بنية أو وظائف الدماغ إلى زيادة خطر الإصابة.
  • 3. ︎العوامل البيئية تساهم العوامل الخارجية أيضًا في زيادة احتمالية الإصابة، ويمكن أن تشمل هذه العوامل: الحالات الشديدة من الصدمات النفسية، والقلق وغيرها. [1]

تشخيص اضطراب ثنائي القطب

يتضمن تشخيص اضطراب ثنائي القطب الأول نوبة هوس واحدة أو أكثر، أو نوبات مختلطة من هوس واكتئاب، وقد يشمل أيضًا نوبة اكتئاب كبيرة لكنها قد لا تكون كذلك. يتضمن تشخيص اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني نوبة أو أكثر من نوبات الاكتئاب الرئيسية، ونوبة واحدة على الأقل من الهوس الخفيف. لتشخيص حالة الهوس يجب أن تعاني من أعراض تستمر لمدة أسبوع على الأقل، أو التي تتسبب في دخولك المستشفى. يجب أن تعاني من الأعراض طوال اليوم تقريبًا كل يوم خلال هذا الوقت.

من ناحية أخرى يجب أن تستمر نوبات الاكتئاب الكبرى لمدة أسبوعين على الأقل. قد يكون من الصعب تشخيص هذا الاضطراب لأن التقلبات المزاجية يمكن أن تختلف، ويصعب تشخيصه عند الأطفال والمراهقين لأنه غالبًا ما يكون لهذه الفئة العمرية تغييرات أكبر في المزاج والسلوك ومستويات الطاقة. غالبًا ما يزداد المرض سوءًا إذا تُرك دون علاج، وقد تحدث النوبات في كثير من الأحيان أو تصبح أكثر تطرفًا، ولكن إذا تلقى المريض علاجًا فمن الممكن أن يعيش حياة صحية ومنتجة. لذلك التشخيص مهم جدًا، ويتم تشخيص هذا الاضطراب عن طريق عدة اختبارات يجريها الطبيب عند زيارته. [1]

علاج اضطراب ثنائي القطب

تتوفر العديد من طرق العلاج التي يمكن أن تساعد في إدارة الاضطراب، وتشمل هذه أدوية مثبتات المزاج، وهناك أيضًا بعض العلاجات النفسية الموصى بها والتي تشمل ما يلي: العلاج السلوكي المعرفي وهو نوع من العلاج بالكلام يتحدث فيه المريض والمعالج عن طرق إدارة المرض ليساعده على فهم أنماط تفكيره. يمكنه أيضًا مساعدته في التوصل إلى استراتيجيات تأقلم إيجابية.

التثقيف بالصحة النفسية وهو نوع من الاستشارة التي تساعد المصاب وأحبائه على فهم الاضطراب. ستساعده معرفة المزيد عن هذا الاضطراب فيسهل عليه إدارته.

علاج النظم الشخصية والاجتماعية يركز علاج الإيقاع الشخصي والاجتماعي (IPSRT) على تنظيم العادات اليومية مثل النوم، والأكل، وممارسة الرياضة. يمكن أن تساعد الموازنة بين هذه الأساسيات اليومية في إدارة الاضطراب. وقد تشمل خيارات العلاج الأخرى العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)، والمنومات، و المكملات الغذائية. [1]

لماذا أنا؟

إذا كنت مصابًا فيمكن أن يجعلك اضطراب ثنائي القطب تشعر بالوحدة التامة، ولكنك لست وحدك حيث يؤثر هذا الاضطراب على حوالي 60 مليون شخص حول العالم، وبالتالي من المهم ألا تلوم نفسك على حالتك. اضطراب ثنائي القطب هو مرض جسدي، وليس علامة على الضعف الشخصي.

إنه مثل مرض السكري أو أمراض القلب أو أي حالة صحية أخرى. لا أحد يعرف ما الذي يسبب هذا المرض، ولكن بالنسبة لكثير من الناس هو حالة يمكن التحكم فيها بشكل كبير. قد يكون التعايش معه أمرًا صعبًا، ولكن لا تدعه يخطف حياتك. بدلاً من ذلك اتخذ الإجراءات واستعد السيطرة على صحتك. بفضل التفاني ومساعدة مقدمي الرعاية الصحية يمكنك الشعور بالتحسن مرة أخرى. [3]

في الخاتمة إذا كنت تعتقد أنك تعاني من أعراض اضطراب ثنائي القطب حدد موعدًا مع طبيبك. أما إذا كنت تعتقد أن صديقًا أو قريبًا أو أحد أفراد أسرتك قد يكون مصابًا، فإن دعمك وتفهمك أمر بالغ الأهمية. شجعهم على رؤية الطبيب بشأن أي أعراض يعانون منها، وتعلم كيف تساعد شخصًا مصابًا. قد يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من نوبة اكتئاب أفكار انتحارية. يجب أن تأخذ دائمًا أي حديث عن الانتحار على محمل الجد أما إذا راودتك أنت أفكار انتحارية فلا تتردد في طلب المساعدة.

بالاضافة الى أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب ثنائي القطب إقرأ أيضًا: كيف يمكن أن يختلف الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين؟

مصادر أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب ثنائي القطب:

1. Healthline
2. Psychiatry.org

ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟

ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟
هل تعلم أن انخفاض التركيز أو الانتباه أو الذاكرة وغيرها من الوظائف العقلية يُمكن أن يكون عارضًا من عوارض الأمراض النفسية؟
عند الحديث عن الأمراض النفسية غالبًا ما يتم التركيز على العوارض الشعورية كالاكتئاب، والقلق، والهلوسة وغيرها. لكن للأمراض النفسية جانب آخر كالاضطرابات المعرفية. فما هي هذه الاضطرابات؟ وهل تختلف من مرضٍ لآخر؟ وكيف تؤثر هذه الاضطرابات على حياة الأشخاص المصابين بأمراض نفسية؟

ما هو الاضطراب المعرفي؟

يُعرَّف الاضطراب المعرفي بخلل في واحدة أو أكثر من الوظائف المعرفية التي تتضمن كلًا من «الانتباه-Attention» و«الذاكرة-Memory» و«اللغة-Language» و«التوجه-Orientation» و«إصدار الأحكام-Judgement» و«العلاقات الاجتماعية-Social abilities» و«الوظائف التنفيذية-Executive functions» و«حل المشكلات-Problem Solving». وهي قد تكون ناتجة عن أمراض نفسية / عقلية خلقية أو مُكتسبة، أو خلل عصبي، أو صدمة رأس، أو التقدّم بالعمر وغيرها من الأسباب.

الاضطرابات المعرفية في مرض «الفُصام-Schizophrenia»:

يعاني مريض الفصام من أعراض تتسبب في انفصاله عن الواقع المحيط به؛ فيسمع أصوات غير موجودة ويرى العديد من الهلاوس إلى جانب المعاناة من الأفكار المغلوطة. كان الخلل المعرفي في مرض الفُصام معروفاً منذ زمن؛ فقد أثبت العلماء على مدى السنين خللًا في وظيفة الانتباه مترافقًا مع مرض الفُصام حتى أنه كان يسمّى مرض الخرف المبكر بحسب «كريبلن-Kraepelin» (عام 1893).
وقد توالت الدراسات في القرن العشرين لتثبت أن مرض الفُصام يترافق مع ضعف الانتباه والتركيز والذاكرة والقدرة على التخطيط. في عام 1997، أثبت « بالمر-Palmer» من خلال دراسة أجراها على 171 مريض فصام و63 شخص من العيّنة السليمة أن فقط 28% من مرضى الفصام حصلوا على معدلات “طبيعية” في اختبار القدرات المعرفية. وفي دراسات حديثة (2016) أُجريت في كلٍّ من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة والسويد، تبيّن أن الأطفال الذين سيُصابون بالفصام لاحقًا يُبدون ضعفًا على المستويين المعرفي والسلوكي نسبةً للأطفال الآخرين، أي أن الخلل الإدراكي يسبق مرض الفُصام وقد يكون مؤشرًا له!

الخلل المعرفي في «اضطراب ثنائي القطب-Bipolar disorder»:

اضطراب ثنائي القطب عبارة عن تغير شديد في الحالة الشعورية أو مزاج المريض حيث يمر بنوبات اكتئاب شديدة يعاني فيها من الحزن وفقدان الاهتمام في فعل أي شيء، ونوبات أخرى تتميز بالنشاط الزائد والثقة القوية في النفس وكثرة الكلام تُسمى «الهوس-Mania». الخلل المعرفي الموجود في الفصام يتواجد كذلك في اضطراب ثنائي القطب، تبين الدراسات أن هذا المرض يترافق مع صعوبات معرفية، وهي تختلف من مريض لآخر، فهي تزيد مع زيادة عدد نوبات «الهوس-Mania» ومع تزايد فترات العلاج في المستشفى. ولوحظ أن «الذاكرة التقريرية اللفظية-Verbal Declarative Memory» المسؤولة عن تذكّر الأحداث هي من أكثر الوظائف المتأثرة بهذا المرض.
في مرض الاكتئاب، تتأثر قدرات الانتباه، والتركيز، والذاكرة السمعية والبصرية، وسرعة التحليل. وقد يكون هذا الضعف مُرتبط بانخفاض «التحفيز-Motivation» أي أن المريض المُصاب بالاكتئاب يكون فاقدًا القدرة على الاهتمام بما يدور حوله وبالتالي على التفاعل معه.

كيف يؤثر هذا الخلل على الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية؟

باختصار، أصبحت عوارض الخلل المعرفي جزءًا لا يتجزأ من عوارض الأمراض النفسية. وهي تؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة الخاصة بالمرضى، خصوصًا أنها مُهملة ولا تُعالج بالقدر الكافي. فهي تؤثر على الحياة الدراسية والعملية، والعلاقات الاجتماعية وأحيانًا حتى على الحياة العائلية.
لطالما عملت الأدوية على معالجة العوارض النفسية الشعورية والفكرية، لكنّها أهملت الاضطراب المعرفي وحتى أنها كانت أحيانا تزيدها سوءًا.
ولكن هذا لم يمنع بعض الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية أن يبدعوا في مجالات فكرية متعدّدة. نذكر منهم عالم الرياضيات الشهير «جون ناش-John Nash» المصاب بالفصام والذي نال جائزة نوبل عام 1994. وقد جُسّدت حياته في فيلم “A Beautiful Mind”. كذلك الكاتبة و الدكتورة المتخصصة في علم النفس «كاي ريدفيلد جاميسون-Key Redfield Jamison» التي نجحت نجاحًا باهرًا في مجالها ونالت جوائز متعددة حتى أنها في كتابها «عقل غير هادئ-An Unquiet Mind» تعتبر مرضها مساهمًا في نجاحها وتميزها رغم كل الصعوبات التي مرّت بها.

حاليًا، يتم العمل على علاجات دوائية تساعد على المحافظة أو استعادة القدرات المعرفية، ولكنها ما زالت قيد الدراسة. في المقابل، يتم الحديث عن أهمية العلاجات البديلة والتي تعني المقاربات النفسية، والوظيفية، والمعرفية – السلوكية وغيرها. ممّا يؤكد على أهمية وجود فريق عمل صحي – نفسي – اجتماعي كامل حول الأشخاص المُصابين بأمراض نفسية، لتحسين نوعية حياتهم.

ختامًا، إن المعطيات العلمية تثبت وجود عوارض معرفية مرتبطة بالأمراض النفسية، لكنها لا تزال غير كافية لتبيان أسبابها وطريقة علاجها. لذلك، من المهم اليوم إعطاء هذه الاضطرابات حقها في العلاج من خلال التدريب المستمر للوظائف المعرفية والعقلية لدى هؤلاء المرضى. إضافةً إلى احترام القدرات المعرفية لكل شخص وبالتالي الأخذ بعين الاعتبار أي خلل معرفي لدى الأشخاص المصابين بأمراض نفسية وتقديم الدعم اللازم لهم في محيطهم الأكاديمي والعملي والاجتماعي.

المصادر(ما علاقة القدرات العقلية والمعرفية بالأمراض النفسية؟):

Nature

Nepal Journals online

Cambridge university press

Wiley

Britannica

Exit mobile version