ما العلاقة بين الثناء وتطوير النرجسية لدي الأطفال؟

من منا لا يحب أن يُشعر ابنه بأنه مُميز، مانحًا إياه جرعات الثناء من حين لآخر، من أجل أن يشعر بالثقة ويستزيد بها؟ يبدأ ذلك غالبًا وقت الثناء والمدح حينما يقوم صغيرك بعمل جيد، حيث يشعر بالتميز، وربما يشعر بأنه أفضل من الآخرين. وقد يتوقع الثناء الدائم ولا يرضى عنه بديلًا! قد يسعى لنجاحه الشخصي فقط راجيًا المعاملة الاستثنائية، ولا تتحقق سعادته إلا بالوصول لتلك الدرجة من التشبع بإحساس التميز. يأتي الثناء ثماره، لكن هل من وجه آخر للثناء والمدح يمكن أن يرتد على شخصية طفلك بالطابع النرجسي؟  هنا يمكنت أن نطرح سؤالًا، ما العلاقة بين الثناء وتطوير النرجسية لدي الأطفال؟

ما هو الثناء؟

الثناء هو رد فعل يقوم به المُربي ليخبر الطفل بأنه راض عن الطريقة التي يتصرف بها، فهو صورة من صور التشجيع على الجهد المبذول من قٍبل الطفل، ويمكن أن يبدأ في أي عُمر، فهو يعزز السلوك المرغوب. يغذي الثناء ثقة طفلك، فإذا كنت تظهر لطفلك كيفية التفكير والحديث بشكل إيجابي عن نفسه. فإنك تساعد طفلك أن يتعلم كيف يعرف نفسه، وكيف يشعر بالفخر بنفسه.[1]

يمكنك أن تثني على الأطفال من مختلف الأعمار لأشياء مختلفة. قد تثني على طفل أصغر سنًا لقيامه بفعل ما أو توقفه عن القيام بفعل ما عندما يطلب منه ذلك. يمكنك الثناء على طفل في سن المراهقة عند إيفائه بعهده معك، أو للقيام بفعل ما دون أن يتم تذكيره به.

استخدام الثناء والتشجيع والمكافآت لتغيير السلوك

من الأرجح أن يكرر الأطفال سلوكهم الذي يكسب الثناء أو التشجيع. وهذا يعني أنه يمكنك استخدام الثناء والتشجيع لتغيير السلوك الصعب والاستعاضة عنه بالسلوك المرغوب فيه.

الخطوة الأولى هي مراقبة الأوقات التي يتصرف فيها طفلك بطرق إيجابية، أو التي يبذل فيها جهدًا. عندما ترى هذا، على الفور الفت انتباه طفلك وأخبره بما تحب فعله بالضبط. حتى يود تكراره بنفس الطريقة. يمكنك الثناء في كل مرة ترى فيها نفس السلوك أو الجهد. حتى تقلل الثناء عندما يصبح عادة أو عندما يُكرر. يمكنك أيضًا استخدام التشجيع قبل أن يفعل طفلك شيئًا. خاصة إذا كان طفلك متوترًا بخصوص القيام بفعل ما، مثل قولك “أعرف أنك متوتر بشأن اختباراتك، لكني أعلم أنك اجتهدت، وأنك بذلت قصارى جهدك.”

ويحتاج بعض الأطفال، ولا سيما الأطفال الأقل ثقة في أنفسهم من غيرهم، إلى تشجيع أكثر. وعندما يتركز الثناء على الجهود المبذولة، فمن الأرجح أن يرى الأطفال أن المحاولة الجادة أمر جيد في حد ذاته. كما أنهم أكثر عرضة لمواصلة المحاولة والتفاؤل عندما يواجهون التحديات.[3]

أنواع الثناء

هناك عدة أنماط من الثناء، يمكننا طرحهم في القالبين التاليين:

الثناء الشخصي

هو نمط يسلط الضوء على قدرات الأطفال الطبيعية، مثل الذكاء والمواهب والقدرات، فهو نوع يُستخدم للتعبير عن المودة والتلطف والمداعبة، فالطفل يُدرك فعلا قدراته في الشيء الذي تمدحه عليه. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الثناء ينصب على شيء موجود بالفعل، إلا أنه يجب أن تكون حذرًا مع هذا النوع، خاصة إذا كان الطفل لديه الاستعداد لممارسة موهبة ما، لكنه يفتقر قليلًا إلى مهارات الممارسة الفعلية للموهبة تلك. فقد يشعر حينها بالنقص أو العجز, وقد يعتقد بأنه لا يستطيع تطوير المهارات المنتظرة منه. ويمكن أن يجعل الثناء الشخصي الطفل أقل استعداد لتجربة أشياء جديدة، كما يمكنها أن تمنع الأطفال من التطور عقليًا، لاكتفاءه بما لديه.[2]

الثناء الوصفي

وهناك نمطًا من الثناء وهو الثناء القائم على الجهد المبذول من الأطفال، فالطفل هو المتحكم في الممارسة والإتقان والإتمام. وهذا النوع أكثر تمكينًا وفعالية من الثناء الشخصي. وهو ما يُسمى بالثناء الوصفي وهو عندما تخبر طفلك بالضبط ما تحبه. وهذا يساعد طفلك على فهم بالضبط ما قد فعله بشكل جيد. كما أنه أكثر أصالة من الثناء المطلق -غير المحدد- فالأفضل قول ” الطريقة التى رتبت بها غرفتك جيدة” من قول ” أنت ولد جيد“.

العبارة الأولى (محددة) فهي تُثني على شيء محدد قام به الطفل ومن المتوقع تكراره. أما العبارة الثانية فهو ثناء غير محدد (مطلق) لا يعزز أي قدرة أو تنبه الطفل لما هو مطلوب منه تكراره. فيمكنك جعل الثناء على أساس الجهد أكثر قوة من خلال التركيز على قيمة محددة. فهذا النمط من المديح يخبر الأطفال بوضوح ما فعلوه بشكل جيد، وسيذكرهم بالطريقة المُثلى للأداء في ذلك الموقف.

كيف تقدم الثناء؟

  • عندما تطمئن لسلوك طفلك تجاه أمر ما، اعطه بعض الكلمات التشجيعية بشكل مستمر حول ذاك السلوك، فالأشياء الصغيرة التى تقولها باستمرار، يمكن أن تتراكم بمرور الوقت ليكون لها تأثير كبير على طفلك.
  • ابحث عن طرق غير شفهية للثناء عاى طفلك أو تشجيعه، عن طريق إيماءات الوجه، وبإشارات اليد، والابتسام، وغيرها من الطرق القوية التي تظهر لطفلك أنك منبهر بسلوكه أو جهوده.
  • فاجيء طفلك كمكافأة للسلوك الجيد، مثل أن تفاجأه بالجلوس معه أو اللعب معه بشكل غير متوقع وبشكل مرح.
  • لا تقلل من أي مجهود يُبذلن، وابحث عن التغييرات الإيجابية والنجاحات مهما كانت بسيطة، بدلًا من انتظار شيئًا جديدًا من طفلك حتى تقدم له تشجيعًا.
  • حاول أن تُثني أكثر من أن تنتقد، وكن مرشدًا، فاننتقد مرة مقابل 4 مرات تشجيعية.
  • اثنوا على أطفالكم وشجعوهم على الشعور بالحماس والاعتزاز بما يقومون به فكل مجهود يستحق.
  • حاول أن تجعل ثناءك مناسب للسلوك. فطفلك لا يصدق المديح إذا كان مديحك مبالغ فيه.
  • استخدم اسلوب الثناء والمكافآت بطرق مناسبة للعمر. [4]

 ومع ذلك يمكن أن يأخذ الإفراط في استخدام الثناء إلى أخذ شخصية الطفل إلى منحى سلبي آخر يُسمى اضطراب الشخصية النرجسية. فما هو اضطراب الشخصية النرجسية وإلى أي مدى تؤثر المعاملات الأبوية في تطوره؟

ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟

يرتبط اضطراب الشخصية بحب الشخص – الطفل – الهائل لنفسه وإعجابه بنفسه وأهميته ومتطلباته ورغباته ورفاهه. إذ يعتقد الطفل أنه متفوق ويستحق أن يعامل معاملة أفضل من أي شخص آخر، مع تجاهله التام لمشاعر الآخرين. فالشخصية النرجسية تسبب للشخص إحساسًا مفرطًا بالأهمية، أو حاجة قوية للإعجاب، أو استحقاقًا للمعاملة الخاصة. [5]

في دراسة قيّمت حوال 565 طفلًا هولنديًا تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام و12 عامًا حسب مسببات النرجسية مثل التفوق والرضا عن الذات، وتساءل الدراسون عن الكيفية التى يتلقون بها المديح والثناء ومعلومات حول المعاملات عمومًا.

وقد ألقت العديد من الدراسات الضوء على أن المبالغة في تقدير الأطفال والإفراط في تغذيتهم بالمديح يمكن أن يسهم في تنمية النرجسية. فقد وجدت دراسة أن الأطفال الذين يخبرهم آباؤهم باستمرار أنهم متفوقون عن غيرهم، بغض النظر عما يحققونه من تقدم أو تطور، قد سجلوا قياسات نرجسية عالية مقارنة بالأطفال الذين يتلقون نظرة واقعية عن أنفسهم. ذلك لأن المبالغة في الثناء على الأطفال يمكن أن تدفعهم إلى الاعتقاد بأنهم أشخاص مميزون يستحقون الثناء والمعاملة الخاصة (المميزة) طوال الوقت.

ونصحت الدراسة بأنه ينبغي على الوالدين أن يكونا دافئين ومحبين، لكن لا ينبغي أن يقدما الثناء الشامل المطلق للطفل. فالمطلوب هو تحسين الأداء مع الثناء على الجهد المبذول.[6]

التأثير الأبوي على السمات النرجسية

كانت هناك نظريتان متنافستان حول التأثير الأبوي على السمات النرجسية. أحدهما يشير إلى أن النرجسية تتطور كآلية دفاع لمواجهة الافتقار إلى الدفء الأبوي والمودة. بينما ترى الأخرى أنها نتيجة لكثرة الثناء. فنظرية التعلم الاجتماعي تُشير إلى أن النرجسية تتطور عندما يعتقد الآباء أن أطفالهم أكثر أهمية من الآخرين، وأكثر استحقاقًا.[7]

في الدراسة السابق الإشارة إليها، كان الهدف هو قياس مدى احترام الأطفال لذواتهم، وتقييم المودة التي يعيشونها مع والديهم، بينما استكمل الوالدان استبيانات تهدف إلى تقييم المبالغة في التقدير لتقييم مدى حنان الوالدين تجاه أطفالهم. وأشار مؤلفو الدراسة إلى أن الاستبيان تضمن بنودًا مثل، “طفلى أكثر خصوصية من الآخرين” و”طفلي مثال عظيم يُحتذى به”.

ثم طلب الباحثون من الآباء تقييم مدى ذكاء طفلهم، وقارنوه بمعدل الذكاء الحقيقي للطفل. كما اختبروا مدى تقدير الآباء لمستوى طفلهم الفعلي. ثم قُدمت قائمة طويلة من الموضوعات المختلفة التى من الممكن أن يلم بها طفل في الثامنة من عُمره، مُدرجين بعض الموضوعات المتقدمة، مع بعض الموضوعات غير الموجودة. فلاحظ الدارسون أن الآباء المغالين ادعوا إلمام أطفالهم بجميع المواضيع، بما فيها المتقدمة وغير المدرجة.

وجد الدراسون أن هناك علاقة كبيرة بين المبالغة في تقدير الوالدين والسمات النرجسية في أطفالهم. مشيرون إلى أنه من الجيد أن يعلم الآباء أنهم لا يواجهون خطر خلق النرجسية في شخصيات أطفالهم بين عشية وضحاها. بل هي روابط صغيرة تتضافر ثم تظهر بمرور الوقت. يلعب الثناء المبالغ دورًا هامًا في تطويرها، لكنه ليس السبب الوحيد. آملين في أن تساعد مثل تلك النتائج في تدريب الأبوين على الاعتدال في استخدام الثناء كتدخل إيجابي في توجيه تدريب الأبوة والأمومة. [8]

المصادر

[1] understood
[2] understood
[3]babybonus
[4]parentingforbrain
[5]kqed
[6]ncbi
[7]pnas
[8]forbes

اضطراب الشخصية النرجسية

هذه المقالة هي الجزء 4 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب الشخصية النرجسية

«اضطراب الشخصية النرجسية-Narcissistic Personality Disorder» هو حالة يكون فيها لدى الأشخاص إحساس متضخم بأهميتهم. وحاجة عميقة إلى الاهتمام المفرط والإعجاب، وعدم التعاطف مع الآخرين. تتسبب الحالة في حدوث مشاكل في العديد من مجالات الحياة مثل العلاقات أو العمل أو المدرسة أو الشؤون المالية. وقد يشعر الأشخاص المصابون بالتعاسة وخيبة الأمل عندما لا يتم منحهم الامتيازات الخاصة أو الإعجاب الذي يعتقدون أنهم يستحقونه. وقد يجدون علاقاتهم غير مرضية ولا يستمتع الآخرون بالتواجد حولهم.

يقع اضطراب الشخصية النرجسية تحت مظلة اضطرابات الشخصية من المجموعة الثانية. وتشمل المجموعة الثانية اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب الشخصية الهستيرية، واضطراب الشخصية الحدية.

لكل اضطراب من هذه الاضطرابات أعراضه أو سماته الفريدة. ووفقًا للإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) يجب أن تبدأ الأعراض في المراهقة أو البلوغ المبكر. وتستقر الأعراض بمرور الوقت، وتؤدي إلى ضائقة أو ضعف للفرد. وُضعت هذه الاضطرابات الأربعة في مجموعة واحدة لأنه غالبًا ما يكون للمصابين سلوكًا اندفاعيًا وعاطفيًا بشكل علني.

يحدث هذا الاضطراب نتيجة أسباب عديدة مثل الوراثة، والبيئة، مثل العنف الجسدي الّذي يتعرض له الأطفال في سن مبكرة. وهناك كذلك علم الأعصاب أي العلاقة بين التغييرات في تركيب الدماغ والسلوك. في الحقيقة الدراسات في هذا المجال لا زالت محدودة، إلا أنه هناك بعض الدراسات الّتي كشفت عن وجود تغير في المادة الرمادية للفص الجبهي للدماغ. [1]

ما هي خصائص اضطراب الشخصية النرجسية؟

تختلف الخصائص وشدتها من شخص لآخر. ولكن يمكن للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب أن يكون لديهم: شعور مبالغ فيه بأهمية الذات، وشعور بالاستحقاق والحاجة إلى الإعجاب الدائم والمفرط. كما يتوقع المصابون أن يتم الاعتراف بهم على أنهم متفوقين حتى دون الإنجازات التي تتطلب ذلك. والاعتقاد بأنه يجب عليهم التواصل فقط مع الأشخاص المتميزون على قدم المساواة. كما قد يصل الأمر إلى التقليل من شأن الأشخاص الذين يعتبرونهم أقل شأنًا أو النظر إليهم باحتقار، والتصرّف بطريقة متعجرفة. والإصرار على امتلاك أفضل ما في كل شيء على سبيل المثال أفضل سيارة أو مكتب.

في الوقت نفسه، قد يعاني الشخص المصاب من صعوبة في التعامل مع أي شيء يعتبره نقدًا ويمكنه أن يصبح غير صبور، أو غاضب عندما لا يتلقى معاملة خاصة. وتكون لدى المصاب مشاكل شخصية كبيرة، ويشعر بالاستخفاف بسهولة، والمحاولة من التقليل من شأن الشخص الآخر لجعل نفسه يبدو متفوقًا. كما يواجه صعوبة في تنظيم العواطف والسلوك لديه، وقد تصبح لديه مشاكل كبيرة في التعامل مع التوتر والتكيف مع التغيير. يصاحب تلك المشاعر الشعور بالاكتئاب، وقد يصبح متقلب المزاج لأنه يفتقر إلى الكمال ولديه مشاعر سرية بانعدام الأمن والضعف والإذلال.

ماهي أنواع اضطراب الشخصية النرجسية؟

نشرت مقالتان في المجلة الأمريكية للطب النفسي في عام 2008 تُشير إلى أنه قد يشمل ثلاثة أنواع فرعية رئيسية بدرجات متفاوتة من الشدة والتشخيص:


1. «اضطراب الشخصية النرجسية العلني-Grandiose NPD»

يعتبر هذا النوع الأكثر خطورة من حيث ضعف الأداء الشخصي والنفسي والاجتماعي، وارتفاع معدلات الاعتلال المشترك مع الاضطرابات النفسية الأخرى بما في ذلك اضطرابات الشخصية الأخرى وتعاطي المخدرات، وعلى الرغم من أن معدلات القلق والعداء تكون أكثر حدة في هذا النوع إلا أنهم أقل إقدامًا على العلاج.

2. «اضطراب الشخصية النرجسية الهش أو السري- Fragile NPD»

يصاحب هذا النوع عادة حدوث الاكتئاب والقلق، وتظهر المشاكل عندما يتعرض الشخص للانتقاد، ويكون تفكيره متقلب بين تقدير الذات المرتفع والمنخفض، لذلك قد لا يلاحظ الأطباء أن اضطراب الشخصية النرجسية هو المصدر الأساسي لأعراضهم لأنها لا تظهر بالضرورة مع العظمة العلنية وعدم التعاطف كما هو الحال مع الاضطراب، ولكن لا يزال لديهم سمات أساسية للتوقعات السرية للتفوق، ويظلون منشغلين بشكل أساسي بحساسيتهم وإخفاقاتهم المتصورة.

3. «اضطراب الشخصية النرجسية عالي الأداءHigh-Functioning- NPD»

على عكس النوعين السابقين المصاب بهذا النوع أقل عرضة للإصابة بأمراض نفسية أخرى وقد لا يفي بالضرورة بمعيار الضعف الوظيفي للاضطراب إلا أثناء الأزمات أو حالات الفشل غير المتوقعة مثل فقدان الوظيفة أو الخضوع للطلاق. كما يبدو المصابون ناجحون ظاهريًا ويحافظون عمومًا على استقرار الأنا لديهم. لكنهم ما زالوا يحتفظون بهيكل الشخصية النرجسية الأساسي. وقد تؤدي القضايا المتعلقة بالاستحقاق والتركيز على الذات إلى مشكلات شخصية وسلوكيات استغلالية وغير متعاطفة.

النرجسية واحترام الذات العالي مختلفان تمامًا

تبدأ كل من النرجسية واحترام الذات في التطور في سن السابعة تقريبًا. في هذا العمر يعتمد الأطفال بشكل كبير على المقارنات الاجتماعية مع الآخرين ويبدأون في تقييم أنفسهم على غرار “أنا فاشل” أو “أنا مستحق” أو “أنا مميز”. يرى الأطفال أنفسهم كما يرون أن الآخرين يرونهم.
في حين أن احترام الذات يميل إلى أن يكون في أدنى مستوياته في فترة المراهقة، ويزداد ببطء طوال الحياة، فإن النرجسية تبلغ ذروتها في مرحلة المراهقة وتتراجع تدريجيًا طوال العمر. لذلك فإن تطور النرجسية واحترام الذات العالي يظهران صورة المرآة لبعضهما البعض طوال المراحل العمرية للفرد.

يتأثر تطور احترام الذات والنرجسية أيضًا بأنماط الأبوة والأمومة المختلفة. تميل النرجسية إلى التطور جنبًا إلى جنب مع المبالغة في تقدير الوالدين، وفي المقابل يتطور تقدير الذات العالي جنبًا إلى جنب مع دفء الوالدين وعدم المبالغة.

يختلف كذلك سلوك احترام الذات الصحي على سلوك النرجسي؛ يعتقد أولئك الذين يتمتعون بتقدير الذات العالي الصحي أنهم يستحقون وذات كفاءة، ويسعون جاهدين لإقامة روابط حميمة وذات مغزى مع الآخرين لكنهم لا يرون بالضرورة أنهم متفوقون على الآخرين. في المقابل يعتقد النرجسيون أنهم متفوقون على الآخرين لكنهم لا ينظرون بالضرورة إلى أنفسهم على أنهم يستحقون لأنهم غالبًا ما يفتقرون إلى الاستقرار الداخلي، فإن شعور النرجسيين بتقدير الذات غالبًا ما يعتمد بشكل كامل تقريبًا على مصادقة الآخرين.

متى يجب أن تطلب المساعدة من الطبيب؟

قد لا يرغب الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية في الاعتقاد بأن أي شيء قد يكون خاطئًا لأنه مثلما تحدثنا في المقال السابق أن اضطرابات الشخصية بصفة عامة منسجمة مع الأنا خاصة اضطراب الشخصية النرجسية الّذي يكون فيه أصل المشكلة هو الشعور بالعظمة لذلك من غير المرجح أن يلجأ المصاب للعلاج، وإذا طلب العلاج فمن المرجح أن يكون ذلك بسبب أعراض الاكتئاب أو تعاطي المخدرات أو الكحول أو مشكلة أخرى تتعلق بالصحة العقلية، ولكن الإهانات المتصورة لتقدير الذات قد تجعل من الصعب قبول العلاج ومتابعته.

إذا تعرفت على جوانب من شخصيتك شائعة في اضطراب الشخصية النرجسية، ففكر في التواصل مع طبيب موثوق به أو مقدم رعاية صحية عقلية، وفي الفقرة التالية من هذا المقال سنوضح أكثر حول جوانب شخصية المصابون بهذا الاضطراب.

كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية؟

يمكن لأخصائي الصحة العقلية مثل الطبيب النفسي أو المعالج النفسي تحديد ما إذا كان لديك أعراض رئيسية لهذا الاضطراب.
سيعطيك معالجك النفسي استبيانات ثم يتحدث معك، وسوف يتطرق إلى ما يسبب لك الضيق. سيكون التركيز على أنماط التفكير والشعور والتصرف والتفاعل مع الآخرين على المدى الطويل، وسيحدد معالجك النفسي أيضًا ويستبعد أي حالات صحية عقلية أخرى، ووفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية لكي يتم التشخيص يجب أن يكون لدى الشخص خمسة مما يلي على الأقل:

  • 1. شعور كبير بأهمية الذات على سبيل المثال المبالغة في الإنجازات، ويتوقع أن يتم الاعتراف به على أنه متفوق دون إكمال الإنجازات فعليًا.
  • 2. أن يكون منشغل بأوهام النجاح، أو القوة، أو التألق، أو الجمال، أو الحب المثالي.
  • 3. يعتقد أنه مميز ولا يمكن فهمه أو/و لا يمكن أن يتواصل إلا مع أشخاص مميزون مثله.
  • 4. يتطلب الإعجاب المفرط.
  • 5. لديه إحساس بالاستحقاق مثل توقع غير معقول بمعاملة تفضيلية أو الامتثال لتوقعاته.
  • 6. استغلالي ويستغل الآخرين لتحقيق غاياته الخاصة.
  • 7. يفتقر إلى التعاطف ولا يرغب في التعاطي مع احتياجات الآخرين.
  • 8. غالبًا ما يحسد الآخرين، أو يعتقد أن الآخرين يحسدونه.
  • 9. يظهر سلوكيات ومواقف متعجرفة.

يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية تقييم أنماط الأداء على المدى الطويل لذلك يجب توخي الحذر، وأن لا يقفز الشخص باستنتاجات متسرعة حول حالته أو حالة أحد أحبائه عندما يلاحظ وجود سمات هذا الاضطراب.

التشخيص المتباين لاضطراب الشخصية النرجسية

قد يظهر المصابون بعض السمات من الاضطرابات النفسية الأخرى على سبيل المثال يمكن للأشخاص الذين يعانون من النرجسية عالية الأداء أن يكونوا بمزاج مرتفع وطاقة أكثر عندما يتحمسون بفكرة جديدة، والتي تُشير بداية إلى عرض الهوس خفيف/الهوس_تحدثنا عن الهوس والهوس الخفيف سابقًا في مقال اضطراب ثنائي القطب_ومع ذلك فإن جانب الشخصية النرجسية سيكون بارزًا في تفاعلهم مع الآخرين.
من جهة أخرى قد يظهر الأشخاص الذين يعانون من النرجسية الهشة بسمات بارزة من الاكتئاب، وانعدام التلذذ، ومع ذلك فإن العظمة والحاجة إلى الإعجاب ستكون بارزة على الرغم من الأعراض العاطفية، والتي من شأنها أن تميزه عن أي اضطراب اكتئابي كبير.

على الرغم من التشابه بين اضطرابات الشخصية المختلفة من المجموعة الثانية إلا أنه هناك اختلافات واضحة بينهم. من الجدير بالذكر أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية لا يظهرون علامات علنية للاندفاع والتدمير الذاتي المرتبط باضطراب الشخصية الحدية، وبالمثل ترتبط الاستجابات العاطفية الواضحة باضطراب الشخصية الهستيرية، ويشبه اضطراب الشخصية النرجسية اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع نقص في التعاطف ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع سيظهرون نقصًا في الأخلاق مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من النرجسية، ولديهم تشخيص سابق لاضطراب السلوك.

ولكن هذا لا يستثني كون أن الشخص يمكن أن يصاب باضطرابين في آن واحد مثلما ذكرنا في مقال اضطرابات الشخصية.

هل يمكنني إجراء اختبار لمعرفة ما إذا كانت لدي سمات نرجسية؟

قد يعطيك المعالج النفسي اختبارات شخصية لمعرفة ما إذا كانت لديك سمات نرجسية. فالاختبارات هي مجرد أسئلة تجيب عليها بصدق؛ إنهم يمنحون معالجك النفسي فكرة أفضل عن طريقة تفكيرك وشعورك، وتشمل هذه الاختبارات: الاستبيان التشخيصي للشخصية -4 (PDQ-4)، وفحص اضطراب الشخصية الدولي (IPDE).

علاج اضطراب الشخصية النرجسية

لا توجد أدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ولكن قد يستفيد العديد من المرضى من علاج الاضطرابات الأخرى التي تصاحب هذا الاضطراب، أو أعراض الاضطراب في حد ذاته بما في ذلك القلق والاكتئاب وتقلب المزاج والذهان العابر وقضايا التحكم في الانفعالات.

يتم استخدام مضادات الاكتئاب، ومضادات للذهان أحيانًا، ويمكن إعطاء بعض المرضى مثبتات الحالة المزاجية. وبالتالي فإن علاج هذا الاضطراب يرتكز حول العلاج بالكلام، ويسمى أيضًا بالعلاج النفسي.

يمكن أن يساعدك العلاج النفسي في: تعلم كيفية التواصل بشكل أفضل مع الآخرين بحيث تكون علاقاتك أكثر حميمية ومتعة ومكافأة، وتساعدك في فهم أسباب مشاعرك وما الّذي يدفعك للمنافسة وعدم الثقة بالآخرين، وربما احتقار نفسك والآخرين.

يتم توجيه مجالات التغيير لمساعدتك على قبول المسؤولية والتعلم من أجل قبول والحفاظ على علاقات شخصية حقيقية، والتعاون مع زملاء العمل، والاعتراف وتقبل كفاءتك الفعلية، وإمكانياتك حتى تتمكن من تحمل الانتقادات أو الإخفاقات، وزيادة قدرتك على فهم وتنظيم مشاعرك وتحمل تأثير القضايا المتعلقة باحترام الذات الخاص بك.

كما يمكن للعلاج قصير المدى مساعدتك في إدارة أوقات التوتر أو الأزمات، أو يمكن توفيره بشكل مستمر لمساعدتك في تحقيق أهدافك والحفاظ عليها. في كثير من الأحيان يكون تضمين أفراد الأسرة أو الأشخاص المهمين الآخرين في العلاج مفيدًا.

دور نمط الحياة في العلاج

إذا كنت مصاب فيمكن أن تجعلك طبيعة اضطراب الشخصية النرجسية تشعر بأن العلاج لا يستحق وقتك واهتمامك، لكن من المهم أن تحافظ على ذهن منفتح، وركز على مكافآت العلاج والتزم بخطة العلاج الخاصة بك.

احضر جلسات العلاج المجدولة وتناول أي أدوية حسب التوجيهات، وتذكر أنه يمكن أن يكون عملاً شاقًا وقد تواجه انتكاسات عرضية.
حافظ على حماسك من خلال وضع أهدافك في الاعتبار وتذكير نفسك أنه يمكنك العمل على إصلاح العلاقات التالفة، وأن تصبح أكثر رضا عن حياتك.

قد تبدأ بزيارة طبيبك أو قد يحيلك طبيبك إلى مقدم خدمات الصحة العقلية مثل المعالج النفسي.

ما تستطيع فعله قبل موعدك هو أن تضع قائمة بما يلي: أي أعراض تعانيها ومدتها للمساعدة في تحديد أنواع الأحداث التي من المحتمل أن تجعلك تشعر بالغضب أو الانزعاج، المعلومات الشخصية الرئيسية بما في ذلك الأحداث الصادمة في الماضي وأي ضغوطات كبيرة حالية، ومعلوماتك الطبية مثل حالتك البدنية وإذا ما تم تشخيصك بأي مرض جسدي أو نفسي آخر، وحتى تتمكن من تحقيق أقصى استفادة من موعدك اصطحب معك أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء الموثوق بهم إن أمكن للمساعدة في تذكر التفاصيل. بالإضافة إلى ذلك قد يتمكن الشخص الذي عرفك لفترة طويلة من طرح أسئلة مفيدة أو مشاركة معلومات مهمة.

وتذكر أن تسأل الأسئلة المهمة لمقدم الرعاية الصحية مثل: ما نوع الاضطراب الذي تعتقد أنني أعانيه؟ هل يمكن أن أعاني من حالات صحية عقلية أخرى؟ ما هو الهدف من العلاج؟ ما هي العلاجات التي من المرجح أن تكون فعالة بالنسبة لي؟ وما مدى توقع تحسن نوعية حياتي مع العلاج؟ كم مرة سأحتاج إلى جلسات العلاج، وإلى متى؟ هل سيكون العلاج الأسري أو الجماعي مفيدًا في حالتي؟ هل هناك أدوية يمكن أن تساعد في الأعراض؟ لدي هذه الحالات الصحية الأخرى، فكيف يمكنني إدارتها بشكل أفضل معًا؟ هل هناك أي كتيبات أو مواد مطبوعة أخرى يمكنني الحصول عليها؟ ما المواقع التي توصون بها؟ ولا تتردد في طرح أي أسئلة أخرى أثناء موعدك.

ماذا يمكن أن تقدمه العائلة للمساعدة؟

إن العيش مع شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية أو وجود علاقة وثيقة معه يمثل تحديًا. يمكن أن يكون التعرف على الاضطراب أمرًا مدهشًا لأصدقائك وعائلتك، وقد يكون لديهم المزيد من التعاطف بمجرد أن يدركوا مصدر سلوكك.

يجب أن يعلموا أيضًا أن الأمر سيستغرق وقتًا لرؤية تغييرات ملحوظة في سلوكك. تشمل الخطوات الأخرى التي يمكن لأحبائك اتخاذها لفهم الاضطراب وكيف يؤثر عليهم ما يلي: علاج الأزواج، والاستشارة الأسرية، والاستشارة الفردية، ومجموعات الدعم.

في الخاتمة إذا تم بالفعل تشخيصك بهذا الاضطراب، أو تعتقد أنك مصاب فتذكر أن البدء في طلب المساعدة هو نصف المعركة . عندما يكون لديك هذا الاضطراب يكون احترامك لذاتك هشًا، والنقد يؤذيك بسهولة، وقد يمنعك الخوف من النقد من الحصول على المساعدة التي تحتاجها، ولكن تفكر أن الرغبة في التغيير أمر حيوي؛ من خلال الاستشارة يمكنك البدء في تغيير أنماط تفكيرك مما يغير سلوكك، وبمرور الوقت يمكن لهذه التغييرات تحسين جودة علاقاتك وحياتك وجعل حياتك أكثر متعة.

أما إذا كان أحد أحباؤك لديه اضطراب الشخصية النرجسية، فتذكر أن النرجسي إنسان؛ يجعله هذا الاضطراب يعاني في كثير من الأحيان لذلك من المهم جدًا تقديم الدعم اللازم وطلب المساعدة من مقدمي الرعاية الصحية.

مصادر
1. ncbi
2. mayoclinic.org
3. clevelandclinic.org
4. psychologytoday.com
5. britannica.com
6. scientificamerican
7. scientificamerican

Exit mobile version