لماذا تستمر الميكروبات في خلق الجائحات؟

لماذا تستمر الميكروبات في خلق الجائحات؟

رغم تحقيق نجاحات في احتواء وحصار الأمراض المعدية في القرن العشرين، إلا أن الأوبئة الجديدة تستمر في الظهور والتفشي، مما دفع بعض العلماء لمحاولة تحليل أسباب ظهورها وتحديد الإجراءات المطلوبة للتصدي لها.

التكيف والتغير الميكروبي:

الميكروبات والفيروسات ليست دائما سيئة ولا تنحصر علاقتنا بها على العداء، يحمل البشر الأصحاء عددا أكبر من الخلايا الميكروبية في أجسادهم، كما أنها تعيش في كل مكان في البيئة تقريبًا ، معظم الميكروبات التي تعيش لدى البشر لا تسبب لهم الأذية، ورغم أنها تبدو عديمة القيمة، إلا أنها مهمة جدا في النظام البيئي البشري.

من الواضح أن بعض الميكروبات ممرضة لنا،. وهذا التفاعل بين يتم تحديده من خلال البيئة والعوامل الوراثية والفيزيائية والبيئية بينها وبين المضيف.

في أواخر القرن ال19 عندما تم تأسيس نظرية الجراثيم، في ظل إقتناع العلماء بأن الأمراض ناتجة عن خلايا ميكروبية ثابتة أحادية الشكل، حينها رفضوا التغيرات التي ظهرت على الميكروبات في أطباق المستعمرات الميكروبية بإعتبارها مجرد ملوثات مصدرها الجو، أما الآن أصبح أصبحت تلك التغيرات بديهية فقد أصبح من المعلوم أن الميكروبات تملك إمكانات تطورية هائلة، بحيث تخضع بإستمرار لتحولات جينية تسمح لها بتجاوز الجهاز المناعي البشري. طورت العديد من الميكروبات آلية تسمح بتبادل ودمج مادة وراثية جديدة بمورثاتها، فأصبح النقل الأفقي للحمض النووي (RNA, DNA) مع التقدم التكنلوجي أمرا رائجا، وقد يكون مسؤؤلا عن ظهور العديد من الأمراض الوبائية الجديدة، وهذا يشمل الجينات المسؤولة عن الإمراضية، أو الجينات التي توفر التكيف مع المضيف أو البيئة.

تتميز فيروسات الحمض النووي الريبي RNA بالتحول بمعدلات عالية جدا، مما يسمح لها بالتكيف مع البيئة الخارجية بما في ذلك الأدوية، ولأن الميكروبات تتكاثر بسرعة (بمعدل مرة كل 10 دقائق) حتى الطفرات النادرة تتراكم بسرعة، إضافة إلى أن الميكروبات تستطيع الإحساس بالتغير في البيئة المحيطة ثم التكيف معه.

تمتلك الميكروبات إستراتيجيات وآليات متنوعة وكثيرة للبقاء على قيد الحياة، تستخدم بعض الميكروبات مستقبلات الخلايا المضيفة من أجل الدخول إليها، كما تقوم غيرها بإستغلال البروتينات الخاصة بالخلية لتلبية إحتياجاتها، وتقوم الأخرى بتغيير محددات المستضد بأخرى جديدة، أو تثبيط المناعة، أو الإختباء داخل الخلايا، كما تلجأ بعض الميكروبات إلى التنكر بإستخدام محددات الذات الخاصة بالجسم المضيف لكي لا يتم التعرف عليها من طرف الخلايا المناعية ولا يتم مهاجمتها.

وللأسف فإن الإمكانات التي تملكها الميكروبات تمكنها من تطوير مقاومة ضد اللقاحات العلاجية والأدوية المضادة، بحيث تمنع العلاج من تثبيط العامل الممرض، فعلى سبيل المثال فإن التغير السريع المنتظم في المحددات السطحية لفيروس نقص المناعة البشرية تقف حائلا دون تطوير لقاح فعال ضده.

تحمل الإنسان للعدوى:

تؤثر خصائص الجسم في قدرة الميكروب على إمراضه عن طريق تطوير حواجز ودفاعات فيزيائية وخلوية وجزيئية تحميه من الإصابة بالعدوى، فمثلا تعمل البكتيريا المعوية على إفؤاز مواد مضادة تمنع تمو البكتيريا الأخرى الممرضة، فعند استخدام المضادات الحيوية أو عند تقليل حموضة المعدة عن طريق الأدوية المختلفة تضعف هذه الآلية ويصبح الجسم عرضة للأمراض. يمكن أن يتعرض الجسم للعدوى من خلال حدوث خللأو ضعف في آلايات الدفاع الطبيعية نتيجة عوامل: ضعف المناعة، الوراثة وسوء التغذية.

مصادر:

ncbi
edx
edx

المزيد: كيف ساهمت التحولات التاريخية في ظهور أوبئة؟

علماء يتمكنون من عكس شيخوخة الخلايا جزئيًا!


يخطو الإنسان خطواته باتجاه الشيخوخة في كل مرة تتكاثر فيها خلية داخل جسمه. ويرجع هذا جزئيًا إلى تآكل أجسام تدعى التيلوميرات. تغطي أطراف الكروموسومات بالطريقة التي تغطي بها الأطراف البلاستيكية قمة رباط الحذاء. حاول علماء جامعة تل أبيب عكس آلية عمل هذه الأجسام بهدف عكس شيخوخة الخلايا البشرية، فهل يتمكنون من ذلك؟

كيف يؤثر تآكل التيلوميرات على الشيخوخة؟

تنسخ التيلوميرات أنفسها مع بقية الكروموسوم في كل عملية تكاثر للخلية. ومع ذلك، في كل مرة تفشل أجزاء صغيرة من الشيفرة في طرف التسلسل في أن تستنسخ وتظهر في النسخة الجديدة، تاركةً الكروموسوم الحديث أقصر قليلًا من سابقه.

وكما هو الأمر فيما يخص رباط الحذاء، حيث إن خسارة الغطاء البلاستيكي يفقد رباط الحذاء تماسكه. بالمثل، فإن التيلوميرات الأقصر تعرض تسلسلات الكروموسوم أسفلها لخطر حدوث طفرات خطيرة بشكل أكبر.

تتزامن هذه الطفرات مع التغيرات التي تجعلنا أكثر عرضة لمجموعة من الأمراض المرتبطة بتقدم العمر. وهي أمراض كثيرة ومنها السرطان.

ليس تقلص التيلوميرات السبب الوحيد في عملية الشيخوخة. ولكن ثمة علاقة مهمة بين طول التيلومير والصحة يحرص الباحثون على إجراء المزيد من البحث عنها. ذلك أنه حسب الطبيب شاير افريتي من جامعة تل أبيب، وهو قائد الدراسة، “التيلوميرات الأطول ترتبط بأداء خلوي أفضل”. كما أنه ثمة طرق عديدة من شأنها أن تسرع تآكل التيلوميرات لدينا. منها الفشل في الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول الكثير من الطعام الجاهز، وحتى الإنجاب.

التيلومير

كيف استطاع الباحثون إطالة التيلومير؟


أعلن العلماء في جامعة تل أبيب أنهم تمكنوا من عكس عملية تآكل التيلومير. ونجحوا في إطالته عبر الأكسجين عالي الضغط ، وذلك في دراسة صغيرة شملت 26 مشاركًا. جلس المشاركون في غرفة الأكسجين عالي الضغط لمدة خمس جلسات في 90 دقيقة لكل منها في الأسبوع على مدار ثلاثة أشهر. ونتيجة لذلك، تمت إطالة بعض التيلوميرات في خلايا المشاركين بنسبة تصل إلى 20 بالمائة. بالإضافة إلى ظهور تحسن في الأنسجة نفسها. كما أظهرت عينة أصغر من المشاركين انخفاضًا في عدد الخلايا التائية الشائخة، وهي جزء مهم من الجهاز المناعي.

كيف جاءت فكرة عكس الشيخوخة عبر الأكسجين؟

صرح إفراتي قائد التجربة أن الإلهام قد جاء بعد تجربة أجرتها وكالة ناسا، إذ أرسلت واحدًا من توأمين في مهمة إلى الفضاء الخارجي وبقي الآخر على الأرض، فأظهرت التجربة اختلافًا كبيرًا في طول التيلومير بينهما، وهنا أدرك فريق الدراسة أن التغييرات في البيئة الخارجية قد تؤثر على التغييرات الخلوية الأساسية.

مدى أهمية الاكتشاف وقابلية تطبيقه


ليست هذه المرة الأولى التي نسمع فيها عن علماء يتمكنون من تحقيق تقدم في عكس اتجاه الشيخوخة، فقد أجريت أبحاث في التعديل الجيني للفئران بهدف إطالة التيلومير وأظهرت نتائج واعدة. كما بحثت أخرى في خلايا الأمعاء التي تنفذ هذه العملية طبيعيا عبر إنزيم يدعى التيلوميريز، لكن أيا من الأبحاث السابقة لم يترجم إلى علاجات مجربة في أرض الواقع.

وفيما يخص هذا الاكتشاف الجديد. صرح قائد الدراسة أنه في حال ثبوت فاعلية الأكسجين عالي الضغط، سيكون هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات من أجل تحسين البروتوكول العلاجي المحدد لكل فرد.

وعلى الرغم من أهمية تقلص التيلومير في الشيخوخة، فإن فشل عملياتنا الحيوية مع التقدم في العمر هو بلا شك مسألة معقدة تنطوي على أكثر بكثير من مجرد قطع مفقودة من الكروموسومات.

كما أن إعادة تنشيط الإنزيم تيلوميراز هو أيضًا خدعة تستخدمها السرطانات لضمان استمرارها في النمو، ما يجعل هذا المجال أمرًا نحتاج إلى فهمه بشكل أفضل قبل الخوض فيه.

إصلاح غضروف الركبة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد!

إصلاح غضروف الركبة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد!

مفصل الركبة لدى الإنسان من المفاصل التي يكثر تعرضها للإصابة أو التآكل مع تقدم العمر، وغالبًا ما ينتهي به الأمر بأن يحتاج إلى الجراحة.

ابتكر الباحثون الآن موادًا حيوية هجينة جديدة يمكن استخدامها بمثابة حبر ليسنخدم في الطباعة ثلاثية الأبعاد، بهدف استبدال أو إصلاح الغضروف التالف في الركبة.

الغضروف المفصلي (Meniscus) هو الغضروف المطاطي الذي يشكل وسادة تأخذ شكل حرف C داخل الركبة، ما يمنع عظام الساق العلوية من الاحتكاك بالأخرى السفلية.

تتعرض هذه الغضاريف عادة للتلف بفعل الإصابات الرياضية، وكذلك هي معرضة للتلف مع تقدم العمر، وقد تزداد الأمور سوء في بعض الأحيان فلا يبقى إلا حل إزالة أجزاء من الغضروف المفصلي التالف جراحيًا.

الغضروف المفصلي في الركبة

فيما يخص الدراسة الجديدة، أثبت الباحثون في معهد ويك فورست للطب التجديدي (وهو الطب المعنى بتجديد أنسجة وأعضاء البشر) طريقة جديدة للطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، التي تعمل على بناء كل من الغضروف والأجزاء الداعمة له.

استخدم الفريق نظام طباعة الأنسجة والأعضاء المتكامل (ITOPS)، وهو نظام يستخدم الخلايا الحية كحبر لطباعة الأنسجة، ويغلفها بمواد هلامية. وهو النظام ذاته الذي استخدمه الباحثون في الدراسات السابقة لطباعة الأنسجة المعقدة مثل العظام والعضلات وحتى الأذنين.

في هذه المرة، استخدم الباحثون عدة أنواع من الحبر الحيوي معًا، لطباعة نسيج الغضروف الليفي بالكامل طبقة تلو الأخرى بشكل متشابك.

كانت المادة الأولى كان عبارة عن مزيج من صمغ الجيلان، هو صمغ تفرزه إحدى أنواع البكتيريا ويعمل على تثخين المواد السائلة وزيادة لزوجتها، ومادة أخرى هي الفيبرينوجين الهلامي.

استخدم الباحثون الفيبرينوجين من قبل في هذا الشأن لتوافقيته العالية مع الأنسجة الحيوية، وسهولة التحكم به، لكنهم كانوا قد واجهوا صعوبات للزوجته العالية. تكمن أهمية الفيبرنوجين في أنه يعمل على تحفيز خلايا الجسم لإعادة التكاثر.

أما الحبر الحيوي الثاني فهو مادة ميثاكريلات الفيبروين الحريرية، التي تساعد على الحفاظ على هيكل الغضروف قويًا ومرنًا.

ما مدى اقترابنا من زراعة الأنسجة المطبوعة داخل البشر؟

وجد الفريق في الاختبارات المعملية التي أجريت باستخدام خلايا الخنازير، أن الخلايا كانت قادرة على التكاثر والبقاء على قيد للحياة ، كما استطاعت بنية الغضروف نفسها أن تبقى سليمة من الناحية الميكانيكية.

وتضمنت التجارب زرع الهياكل المطبوعة في الفئران، فأظهرت الملاحظات خلال الأسابيع العشرة التي تلت الجراحة أن الفئران بدأت في تجديد غضروفها الليفي كما أمل الباحثون.

سيتعين إجراء المزيد من الدراسات للتحقق من أنواع الاستجابات التي قد تكون لدى الجسم تجاه الأجزاء المزروعة، وما إذا كانت الهياكل ستستعيد وظيفة المفصل، وبالطبع، ما إذا كانت النتائج قابلة للتطبيق على البشر.

زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري

ميزتنا أدمغتنا الكبيرة عن بني عمومتنا من الرئيسيات، والقردة العليا، فحجم الدماغ البشري يعادل ثلاثة أضعاف حجم دماغ الشيمبانزي تقريبًا، ولذا فلا عجب في قول أن دماغنا كبير عن سواه، ويعتقد بعض العلماء أن الفضل في قوانا العقلية، ومستويات ذكائنا، يرجع إلى حجم دماغنا الكبير نسبيًا. ولكن تمكن العلماء من زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري في تجربة مثيرة سنناقشها اليوم.

التجربة

قام بعض الباحثين من اليابان، وألمانيا بزرع جين بشري في خلايا قرد جنين، وكانت النتائج مذهلة، حيث أن الجين المسئول عن حجم الدماغ البشري الكبير، قد أدى إلى نفس النتائج لدى وضعه في ذاك الجنين الغير بشري، إذ زاد معدل نمو الدماغ لدى جنين القرد عن المعتاد.

يقول رئيس الدراسة «ويلاند ب.هاتنر-Wieland B.Huttner»:

” كانت لدينا بعض الآمال بخصوص ما يستطيع الجسم فعله، وما ينبغي عليه أن يفعل، إن كان يمتلك الوظيفة التي افترضناها له “

وبالفعل فقد أسفرت التجربة عن النتائج التالية:

• نمو حجم القشرة الدماغية لدى القرد الجنين.
• زيادة ثنايات دماغه (كما ثنايات دماغنا).
• نمو الخلايا المسئولة عن تكوين الأعصاب.
• زيادة الأعصاب تحديدًا في الطبقة العليا من الدماغ (وهذا ما حدث أثناء تطورنا نحن البشر).

ولكن أُجهض جنين القرد بعد 101 يوم (أي قبل 50 يومًا من موعد الولادة الطبيعي)، لأسباب أخلاقية، فلدى كل من اليابان وألمانيا الكثير من الضوابط، والشروط الأخلاقية، المتعلقة بشأن التجارب على الحيوانات عامًة، وعلى الرئيسيات خاصًة.

ما استفدناه من التجربة

في الماضي، كانت تُجرى أمثال هذه التجربة على الفئران، ونتج عنها زيادة في أحجام أدمغة تلك الفئران بالفعل، إلا أن الفئران ليست من الرئيسيات، كما أن الجين المستخدم في تلك التجارب كان نسخة معدلة لتعطي تأثيرًا مضاعفًا، لكن الأمر اختلف في تجربتنا هذه، فقد استخدم الباحثون الجين البشري ARHGAPH11B كما هو، كما أن التجربة كانت على أقرب الحيوانات لنا (القرود)، فزيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري قد يساعدنا على فهم تطور أسلافنا، مما نتج عنه حجم دماغنا الكبير.

هل يزيد هذا من ذكاء القرود؟

أُجريت تجربة مشابهة منذ عام في الصين، على ستة قرود، إلا أن الجين المستخدم في تلك التجربة لم يكن مسئولًا عن زيادة حجم الدماغ بشكل مباشر، وكانت النتائج مذهلة بحق، فقد كان الفريق الصيني متأهبًا لرؤية زيادة في أحجام أدمغة القرود، ومعدلات ذكائها كذلك، ولذا فقد وضعوهم تحت أجهزة الرنين المغناطيسي، لقياس كمية «المادة البيضاء-White matter» في أدمغتهم، كما أعطوهم اختبارات لقياس الذاكرة قصيرة المدى، لم تحدث زيادة في أحجام أدمغة القرود، لكنها أبلت بلاءً حسنًا في اختبارات الذاكرة، مما قد يكون مؤشرًا على زيادة ذكاء تلك القرود، وهذا ما اعتبره الفريق نتائج مدهشة.

الخلاصة

يخبرنا العلم بعدم وجود شيء سحري بخصوص الذكاء البشري، فلا شيء يفصلنا عن الحيوانات سوى تلك الجينات، والتي إن امتلكتها الحيوانات تشابهت صفاتها مع صفاتنا، فعلينا أن نتواضع قليلًا، وأن نكون ممتنين لتلك الكفرات التي أعطتنا أدمغتنا.

المصادر

intelligentliving

sciencedaily

inverse

technologyreview

اقرأ أيضًا طفرة جديدة تمكن فيروس كورونا من اصابة الدماغ

طفرة جديدة تمكن فيروس كورونا من إصابة الدماغ

صارت أعراض الإصابة بفيروس كورونا معلومة لدينا جميعًا، إذ تشمل الأعراض زيادة في الحرارة، الإسهال، السعال الجاف، لكن الأمر أصبح أكثر غرابة عندما حدثت طفرة جديدة

طفرة جديدة لفيروس كورونا

كان أول إبلاغ عن أعراض غريبة متعلقة بالجهاز العصبي في شهر مارس من العام الجاري، حيث تم الإبلاغ عن حالات فقدان مفاجئة للتذوق والشم معًا، حيث يؤثر الفيروس على مستقبلات الشم والتذوق، مانعًا إياها من تمييز الروائح والنكهات المختلفة.

تأثير الفيروس على الدماغ

لكن الأمر يصل إلى درجة أكثر خطورة عندما يتعلق الأمر بالدماغ البشري، فهذا العضو هو أكثر الأعضاء حساسية للتغيرات، وأكثرها مدعاة للقلق حينما يُهدد بأي خطر، إذ أنه هو المتحكم في كافة أعضاء الجسد.

كُتب تقرير في عن امرأة في الخمسينات من عمرها عانت من الهلوسة، أعطت نتائج التحاليل لاختبار فيروس كورونا نتيجة إيجابية، حيث سبب لها الفيروس هلوسات شديدة، فكانت ترى القردة تركض في أنحاء البيت، كما اعتقدت أن زوجها محتال، وسرعان ما تتابعت التقارير والأبحاث المنذرة بخطر كبير، إذ أبلغ العديد من الباحثين في مراكز بحثية مختلفة عن حالات هلوسة، وارتباك، دُوار، فقدان التركيز، تورم في المخ، بل وحتى سكتات دماغية!

بعض الأبحاث

قام بعض الباحثين بتجربة فريدة من نوعها، حيث قاموا بتوصيل الأقطاب الكهربائية بأدمغة المصابين بفيروس كورونا، لقياس نشاط دماغهم، أُجريت التجربة على 620 مريض في 84 دراسة مختلفة، بمتوسط عمر يبلغ ال 61 عامًا، وعن طريق فحص نتائج ال EEG، تبين معاناة بعضهم من تورم في الدماغ نتيجة إصابتهم بالفيروس، علمًا بأن بعض هؤلاء المرضى كانوا قد أبلغوا عن حالات الإغماء، الغيبوبة، التلعثم، بل وحتى نوبات الصرع. كانت أكثر الحالات شيوعًا هي تباطؤ في الموجات الكهربائية للدماغ، مما يعني أن الفيروس يؤثر مباشرة على عمل المخ.

الخلاصة

بتنا نعلم التأثير الواضح لفيروس كورونا على المخ والجهاز العصبي، ولكننا لسنا متأكدين إن كانت الأعراض متعلقة بتأثير الفيروس على الدماغ مباشرة، أم أنه رد فعل مناعي يقوم به الجهاز المناعي أثناء مقاومة الفيروس، وهذا أمر في غاية الأهمية، فهذا هو ما سيحدد طريقة العلاج، فهذان منحيان مختلفان كليًا، وكما يبدو أن المعركة بين الأطباء وبين هذا الفيروس بدأت تأخذ منحًى آخر، حيث أن الفيروس يطوّر من نفسه ليصبح أكثر عنفًا وضراوة عن طريق هذه الطفرة، لكن النصر لنا لا محالة، فقد تغلبنا على الطاعون من قبل، فهي مسألة وقت لا أكثر.

المصادر

sciencealert
technologynetworks
nature

اقرأ أيضًا زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري

ما الفرق بين نزلات البرد والإنفلونزا والكورونا؟

في بداية هذا العام، ومع انتشار فيروس كورونا، ظن البعض بأن الطقس الحار كفيل بأن يقلل من حدة انتشار الفيروس، ولكن مع الأسف، بتنا متأكدين بأن تغير الفصول لا يؤثر على فيروس كورونا، وأنه لا يختفي بمجرد تعرضه لضوء الشمس أو حتى في الأجواء الحارة، والجدير بالذكر أن أعلى معدل للإصابات على مستوى العالم كانت خلال شهور الصيف وخاصة في شهر يوليو! ومع وجود أنباء عن بداية موجة جديدة وبداية قدوم فصل الشتاء وانتشار نزلات البرد وحالات الإنفلونزا؛ فالجميع يشعر بالقلق مما تحمله الأيام القادمة؛ ويتساءل عن الفرق بين نزلات البرد والإنفلونزا والكورونا؟ لكن في البداية، ربما علينا أن نعرف ما هي نزلات البرد والإنفلونزا والكورونا؟

الإنفلونزا

على الرغم من أنها تسمى الإنفلونزا الموسمية، إلا أننا يمكننا أن نصاب بها في أي وقت من السنة، ولكن وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض CDC فإن موسم الإنفلونزا يبدأ مع قدوم الخريف وتبلغ ذروته في الشتاء، وربما يستمر حتى إبريل أو مايو. تصيب الأطفال والبالغين على حد سواء، وربما تكون أوسع انتشارًا بين الأطفال؛ بسبب ضعف مناعتهم، وهي فيروسات تسمى (Influenza virus) تصيب الجهاز التنفسي، وهناك أربع سلالات من هذه الفيروسات و لكن الأكثر انتشارًا بين البشر هما (A، B). (١)

تنتقل العدوى عن طريق التواصل مع شخص مصاب بالإنفلونزا أو عن طريق ملامسة الأسطح الملوثة، وبالطبع يزداد تعرض البشر لها كلما ضعفت مناعة الشخص. الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة هم الأكثر عرضة لها، وتظهر الأعراض من ١-٤ أيام بعد الإصابة بالعدوى، كذلك تظهر الأعراض أسرع مقارنة بالبرد أو الكورونا.

أعراض الإنفلونزا

من أشهر الأعراض المصاحبة للإنفلونزا والتي تكون غالبًا شديدة مثل: الحمى والتهاب الحلق. الإرهاق الشديد. السعال والصداع. آلام الجسد الحادة. انسداد الأنف أو سيلانه. اضطرابات المعدة والتي تكون أكثر انتشارًا بين الأطفال.

نزلات البرد

فيما يخص نزلات البرد فالعديد من الفيروسات تسببها ولكن من أشهرها (Rhinovirus)، يمكننا كذلك أن نصاب بنزلات البرد في أي وقت من السنة ولكن الذروة تكون في أوائل الخريف وعادة تكون من سبتمبر حتى نوفمبر ومن مارس حتى مايو.

أعراض نزلات البرد

أعراض البرد تتشابه مع أعراض الإنفلونزا ولكنها تكون أقل حدة منها مثل: آلام الجسد. التهاب الأذن وينتشر أكثر بين الأطفال. السعال والصداع. انسداد الأنف أو سيلانه. الحمى وتكون نادرة في حالات البرد. (٢)

الكورونا

أما الكورونا، هو من فيروسات الجهاز التنفسي أيضًا، لكنه من نوع أخر من الفيروسات وهي ( SARS-CoV). وكما أظهرت المؤشرات؛ فإنه لا يرتبط بتوقيت أو فصل معين. كما أن ظهور الأعراض تختلف من شخص لأخر، وتظهر أعراضه خلال ١٤ يوم من العدوى؛ فبعض الحالات لم تُظهر أي أعراض، والبعض الأخر أظهر أعراضًا والتي تتشابه كثيرًا مع الإنفلونزا مثل: الصداع والسعال. وآلام الجسد الحادة والحمى. ومن الأعراض التي عانى منها الكثير من المصابين بالكورونا هي فقدان حاسة الشم والتذوق. (٣)

بسبب التشابه الكبير بين الثلاثة؛ فغالبًا السؤال التالي الذي يتبادر الآن لذهنك، كيف يمكننا أن نعرف ما إذا كان هذا العَرض يخص الإنفلونزا أم البرد أم الكورونا؟ مع الأسف، ما زال العلماء يبحثون أكثر بشأن الكورونا، وبالأخص مع تشابه أعراضها مع الإنفلونزا ونزلات البرد؛ لذا التحاليل هي التي تحدد ما إذا كنت مصاب بأي منهم. في حالات البرد، غالبًا الأعراض تختفي من تلقاء نفسها خلال عشرة أيام، كما أنه يمكنك أن تستشير الصيدلي؛ ليصف لك بعض الأدوية لتخفف من الأعراض، ولكن إذا زادت الأعراض؛ توجه إلى الطبيب وسيطلب منك بعض التحاليل، سواء كانت مسحة للحلق أو مزرعة إذا ما كان هناك اشتباه بعدوى بكتيرية، وحينها ستأخذ الدواء المناسب لحالتك. في حالة الإنفلونزا،هناك اختبارات تسمى الاختبارات التشخيصية السريعة للإنفلونزا (RIDTs)، والتي تحدد وجود أي نوع من الإنفلونزا سواء كانت من نوع A ,B، وهو اختبار يستغرق ١٥ دقيقة ونتائجه ليست دقيقة تمامًا، وتكون عن طريق أخذ مسحة من الحلق أو الأنف والتي يقوم بها الطبيب. كذلك هناك اختبارات معملية كثيرة لتشخيص للإنفلونزا، من ضمنها عمل مزرعة للفيروس أو من خلال تفاعل سلسلة البلوميريز (RT-PCR). (4)

كما في حالة نزلات البرد؛ فالإنفلونزا كذلك لا يوجد لها علاج، كما أن المضادات الحيوية لا تعالج العدوى الفيروسية! هناك بعض الأدوية التي تقلل من شدة الأعراض، بالإضافة لوجود أدوية مضادة للفيروسات والتي يحددها الطبيب بناءً على كل حالة، ولكن على عكس كورونا، الأنفلونزا لها لقاحات وتؤخذ مع بداية موسم الإنفلونزا، تحديدًا في شهر أكتوبر. اللقاحات تقلل من الإصابة بها كما أنها أمنة على الأطفال والكبار، ويفضل أن يأخذها الحوامل والأطفال وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة كوقاية لهم. يمكن تشخيص حالة الكورونا من خلال تحليل PCR أو (الأشعة السينية – X ray) أو من خلال تحليل الدم، وعلاجها يعتمد على تقليل حدة الأعراض.

طرق حديثة لتشخيص الكورونا

في هذه الأيام يبحث العلماء عن وسيلة فاعلة لتشخيص الفيروس في مرحلة مبكرة، حيث قام فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT بتطوير نموذج جديد من (الذكاء الصناعي- Artificial intelligence)، يُمكنهم من الكشف عن وجود الفيروس من خلال صوت السعال. أظهرت الأدلة أنه من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نفرق بين الأنواع المختلفة من السعال، والتي لا يمكن أن تُميزها الأذن البشرية. من خلال وضع هذا النموذج في الهواتف الذكية، يمكننا ببساطة أن نكتشف وجود الفيروس في مرحلة أبكر، وهذا النموذج سيساعد كثيرًا لأن أغلب الحالات لم تُظهر أي أعراض مصاحبة للإصابة. ما زالت الأبحاث في مرحلة التطوير، ولكنها ستكون بداية جديدة في تشخيص الفيروس باستخدام التطور الهائل في التكنولوجيا الحديثة. (5)

الكورونا بين الحاضر والمستقبل

حاليًا ومع انتشار الفيروس؛ فالأمر لا يحتمل التفكير الأفضل أن تستشير طبيبك، وأن تأخذ الإجراءات المناسبة سواء عن طريق غسل الأيدي أوارتداء الكمامة الخاصة بك أو الحرص على التباعد في الأماكن المزدحمة، وعلى قدر الإمكان حاول أن تقوي من مناعتك عن طريق تناول الأكل الصحي الغني بالڤيتامينات، وتجنب الطعام السريع وبالأخص مع دخول الجامعات والمدارس. ربما تحمل الأيام القادمة بعض التحديات الجديدة في وجود كورونا، ولكن مع الحذر والتعامل بطريقة صحيحة؛ ستكون الحالات أقل، ولا بد أن نتذكر بأن الأمرلم ينتهي تمامًا، ومع ظهور أمل اللقاح الجديد لا بد ألا ننسى حذرنا.

اقرأ أيضًا

هل سيكون فيروس كورونا أكثر خطورة في الشتاء؟

المصادر

1. Conditions, D., Warzecha, M., Press, T., Warzecha, M., Duong, D., & Press, T. (2020). Is it a cold, COVID, or the flu?. Retrieved 6 November 2020, from here.

2. Cold Versus Flu. (2020). Retrieved 6 November 2020, from here.

3. Differential diagnosis: cold, flu or COVID-19?. (2020). Retrieved 6 November 2020, from here.

4. Influenza Virus Testing Methods | CDC. (2020). Retrieved 6 November 2020, from here.

5. Nield, D. (2020). MIT Team’s Cough Detector Identifies 97% of COVID-19 Cases Even in Asymptomatic People. Retrieved 6 November 2020, from here.

كيف ساهمت التحولات التاريخية في ظهور الأوبئة؟

قد نتسائل عن أهمية البحث عن دوافع ظهور هذه الأمراض المعدية، الإجابة هي أنه عندما نريد فهم الحاضر وتوقع المستقبل فمن الضروري دائما دراسة الماضي. فكيف ساهمت التحولات التاريخية في ظهور الأوبئة:؟

قبل حوالي 1000 سنة، كان البشر يمارسون الصيد، وكانوا يعيشون ضمن مجموعات عائلية تضم 20-30 فردا. ورغم خطورة وصعوبة الحياة آنذاك إلا أن الأمراض المعدية لم تكن تشغل بالهم، لأن بقاء المرض يضمنه وجود عدد كبير من الناس للحفاظ على سلسلة إنتقال العدوى، وهذا ما لاتوفره الأحجام السكانية الصغيرة.

بعد تعلم البشر الزراعة والرعي واعتمادهم عليها في حياتهم اليومية، اختلف الوضع، مما أدى إلى تركز البشر في المستوطنات ثم في المدن، وبذلك تشكلت 3 عوامل ساهمت عن طريقها التحولات التاريخية في ظهور الأوبئة:

. أولا: أعداد البشر

تساهم الكثرة السكانية في الحفاظ على الوباء وضمان إنتقاله من إنسان إلى إنسان.

ثانيا: أعداد الماشية

كلما تزايد عدد الحيوانات المستأنسة كلما زادت فرصة الوباء في البقاء، فالتفاعل بين الحيوانات الأليفة البشر يقدم لمسببات الأمراض فرصة للإنتقال ببن الأنواع، وبالتالي تفشي الأوبئة البشرية، مثلا: الحصبة كانت ناتجة من الطاعون البقري قبل 7000 سنة، وكذلك الجدري، فقد نشأ من جدري الجمال قبل 4000 سنة، وبنفس الطريقة نشأت الكثير من الأوبئة الأخرى مثل: الانفلونزا، الفيروس العجلي، النكاف.

ثالثا:المستوطنات الزراعية

إن إعتماد تخزين الفائض من الحبوب في المستوطنات الزراعية البشرية أدى إلى إنتشار القوارض التي سهل إتصالها بالانسان إنتشار الأمراض

رابعا: تحولات الحضارة الانسانية

كانت رحلات البشر الطويلة بغرض الغزو والتجارة والإستعمار عاملا مهما في إنتقال الأمراض عبر مسافات طويلة، فقد أدت رحلة إكتشاف الأمريكيتين إلى إدخال إصابات وبائية جديدة في كلا الإتجاهين، ضمن نطاق ” التبادل الكولومبي” فقد تم نقل الجدري والحصبة إلى العالم الجديد، وقع بسبب ذلك سقوط حضارة الأزتك بعد إنخفاض عدد السكان من 15 مليون إلى 2 مليون، كما يعتقد أن مرض الزهري قد إنتقل بالإتجاه المعاكس نحو أوروبا، عن طريق مسافرين عائدين.

إستمرت عواقب الأوبئة بتدمير البلدان والحضارات وظل السبب مجهولا إلى غاية القرن 19 عندما قام “لويس باستور” بإكتشاف مسببات الأمراض وتقديم أدلة على نظرية الأمراض الميكروبية. وهذا ما ساهم وبقوة في تقديم العلاج المضاد للميكروبات، وتحسينات في الصرف الصحي والمياه النظيفة والسكن الجيد في القرن 20، وقد تم القضاء على بعض الأمراض المعدية كليا مثل الجدري، أما شلل الأطفال فهو على وشك القضاء عليه حاليا، ويتم الآن محاربة الحصبة في عدة قارات.

أدت كل تلك النجاحات إلى الإعتقاد بأنه قد تم السيطرة كليا على الأمراض المعدية، تحول تركيز البحث الطبي إلى الأمراض غير المعدية، ورغم ذلك ظهرت أمراض معدية مستحدثة مؤخرا كنقص المناعة البشرية والسارس.

المصدر:

edx: how epedemics of infectious disease arise frpm historic transitions

كيف واجه العالم مرض الجدري؟

كان الجدري من أكثر الأوبئة ترويعا ورعبا، مما أسفر عن مقتل مايقارب 30% من ضحاياه، معظمهم كانوا أطفالا، أما الناجون من الموت فقد صاروا محصنين من عدوى ثانية، لكنهم عانوا بقية حياتهم من التشوه، وفي بعض الحالات من العمى، وكان الجدري من أول الأوبئة التي تم السيطرة عليها بفضل اللقاح، في عام 1967 بدأت منظمة الصحة العالمية برنامجا عالميا للتطعيم ضد الجدري وفي عام 1980 تم الإعلان رسميا عن القضاء عليه. فكيف واجه العالم مرض الجدري؟

الأعراض:

  • ارتفاع درجة الحرارة
  • قشعريرة
  • صداع
  • ألم في الظهر
  • وجع في البطن
  • القيئ

تختفي هذه الأعراض في غضون يوم يومين أو ثلاثة أيام، ثم تبدأ أعراض طفح جلدي في الظهور ويكون المرض شديد العدوى في تلك الحالة بعد يومين من ظهور الطفح، يتطور إلى خراجات مملوءة بالقيح ثم تتقشر في النهاية وتسقط القشرة تاركة ندوبا وعلامات واضحة.

طفح جلدي

تاريخ الجدري:

أما تاريخ المرض فهو غير مؤكد، تشير التحليلات الجينية للحمض النووي للفيروس أن المرض تطور بحلول القرن ال17 على الأقل، وبالرغم من ذلك، فيحتمل أن الفيروس قد انتشر بين البشر قبل ذلك بكثير بناء على استعادة الحمض النووي للفيروس من بقايا أسنان وعظام بشرية تم اكتشافها في منطفة الدنمارك وروسيا الحديثة، قبل هذا الاكتشاف، إعتقد العلماء أنه نشأ في بلاد ما بين النهرين في بدايات الألفية الخامسة قبل الميلاد وفي وادي نهر النيل في الألفية الثالثة قبل الميلاد.

السبب:

الجدري هو مرض معد يسببه فيروس الجدري variola virus. بعد دخول الفيروس من خلال البلعوم أو الأنف، ينتقل الفيروس إلى العقد الليمفاوية حيث يبدأ في التكاثر، وينتشر بشكل أكبر في نخاع العظم والطحال والعقد الليمفاوية الإضافية. بين اليوم الثامن واليوم الثاني عشر بعد الإصابة، يصبح الفيروس موضعيًا في الغشاء المخاطي في الفم والبلعوم والأوعية الدموية الصغيرة في الأدمة ، مما يؤدي إلى ظهور الطفح الجلدي والعدوى السريرية. 

كيف واجه العالم مرض الجدري؟

الجهود المبكرة

على الرغم من أن العلوم الطبية آنذاك لم تدرك بعد مفهوم مسببات الأمراض مثل الفيروسات، فقد كان معروفا أن الجدري مرض معد بطريقة ما، وأنه لابد من فصل المصابين عن بقية الناس. في جنوب غرب آسيا كان معروفا أنه يمكن إكساب الشخص السليم مناعة ضد الجدري عن طريق حقنه بصديد مأخوذ من قروح شخص مصاب، هناك تقنية اخرى تمارس في الصين وهي طحن قشور جسد المريض ونفخ المسحوق عبر أنبوب في أنف شخص سليم، الأشخاص الذي يتم تلقيحهم بهذه الطريقة سيعانون من عدوى قصيرة الأمد ثم يكتسبون مناعة، والقليل منهم سيموت جراء الإصابة بعدوى خطيرة، لكن عموما خطر الوقاة أقل مما هو عليه في حال الإصابة بالجدري ( 2% بالمقارنة ب 20 إلى 30%).

بدأ أساس التطعيم في عام 1796 عندما لاحظ طبيب انجليزي يدعى “إدوارد جينر” أن الخادمات اللاتي أصبن بجدري البقر لم تظهر عليهن أي أعراض للجدري بعد عملية التجدير، قام إدوارد بإجراء تجربة بحقن مادة من قرحة الجدري من ذراع مصاب، في ذراع إبن البستاني الخاص به، بعد أشهر تم تعريض الصبي عدة نرات لفيروس ااجدري لكن يبدو أنه اكتسب مناعة، في 1801 بعد المزيد من التجارب الأخرى نشر إدوارد أطروحته حول أصل التلقيح، والتي لخص فيها اكتشافاته حول القضاء على الجدري.

دوارد جينر يحقن اللقاح في ابنه 

البرنامج العالمي للقضاء على الجدري:

في عام 1959 عانت الحملة التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية من أجل استئصال الجدري من نقص الأموال والموظفين والإلتزام من قبل البلدان، وكذلك نقص التبرعات باللقاحات. بدأ برنامج الإستئصال المكثف عام 1967 مجددا بجهود أكبر، فتمكنت المعامل في العديد من البلدان المصابة من إنتاج لقاح مجفف، كما شاركت عدة عوامل مساعدة في نجاح الجهود بمل فيها إنشاء نظام ترصد لكشف الحالات وحملات تلقيح شاملة.

القضاء على الجدري:

عد حوالي قرنين من نشر “جينر” أمله في التغلب على الوباء، في 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا أن العالم خال من هذا الوباء.

بعد القضاء على الجدري قرر العلماء بضرورة إجراء المزيد من التجارب على فيروس الجدري، واتفقوا على تقليل عدد المختبرات التي تحتوي على عينات من الفيروس إلى 4 مواقع، في عام 1981 كانت الدول الأربع التي تعاونت مع منظمة الصحة العالمية في أبحاث فيروس الجدري هي: الولايات المتحدة، انجلترا، روسيا وجنوب افريقيا.

بحلول 1984 كانت انجلترا وجنوب افريقيا قد دمرتا مخزونهما أو نقلتهما إلى مخابر أخرى، والآن يوجد موقعان فقد لتخزين الفيروس والتعامل معه تحت إشراف منظمة الصحة العالمية.

المصادر

britannica
cdc
healthline
ncbi

التاريخ الكبير: كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

إن أحد أكبر الأسئلة المحيرة هو السؤال عن أصل الأنواع، كيف لكل هذه الأشكال المختلفة من الحياة أن تنشأ؟ كيف يمكن أن يوجد كل هذا التعقيد؟ كيف يمكن لشيء معقد كعين الإنسان أن يكون موجودًا؟ كل هذه الأسئلة التي حيرت الملايين على مر العصور، حتى أننا لجأنا لتفسيرها بالخرافات والأساطير، لكن العلم بات يعرف الإجابة، وهي التطور، ولكن كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

الحوت الأزرق هو أكبر الكائنات الحية على وجه الأرض اليوم، قد يصل طوله إلى 30 مترًا، كما قد يصل وزنه إلى ما يزيد عن ال100 طن!

يستطيع الحوت الأزرق التهام ما يزيد عن نصف مليون سعرة حرارية بمجرد أن يفتح فكيه، إلا أنه ليس بسمكة، فالحوت الأزرق من الثدييات، حيث سيموت اختناقًا إن بقي تحت الماء، فيجب عليه أن يصعد للسطح بين الحين والآخر، ليستنشق بعض الهواء، كما أن إناثها لا تبيض، وإنما تلد صغارها، ومن ثم تشرع في إرضاعها.

لى النقيض، الفيروسات هي أصغر ما يمكن أن نعتبره شكلًا من أشكال الحياة، حيث يبلغ حجمها بضعة نانومترات فقط، كما أنها لا تستطيع التكاثر ذاتيًا، وإنما تحتاج إلى خلية حية لتستولي عليها، وتحولها إلى مصنع للفيروسات المشابهة.

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

جميعنا نحب الكلاب، أليس كذلك؟ ولكن من منا يحب الذئاب؟ بالضبط، لا أحد.
ولكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن الكلاب ما هي إلا سلالة منحدرة من الذئاب الرمادية، إذ استطاع أجدادنا استئناف بعض هذه الذئاب، وقادوا عملية التهجين، وانتقاء السلالات المرغوبة، وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، نتج ما لدينا اليوم من فصائل متنوعة للكلاب، ويمكنك عزيزي القارئ ملاحظة الشبه الكبير بين كل من الذئاب والكلاب.

كيف يعمل التطور

في القرن التاسع عشر، قدم «تشارلز داروين-Charles Darwin»، وصديقه «ألفريد راسل والاس-Alfred Russell Wallace» نظريتهما بشأن التطور، وهي تنص على أن التطور ليس بحاجة إلى العنصر البشري، فالطبيعة تقوم بانتقاء بعض الأجناس دونًا عن الأخرى، لنتخيل معًا هذا السيناريو:

نحن في بيئة ثلجية، ولدينا دببة بنية اللون، وأخرى بيضاء،  تستطيع الفرائس أن تلمح وجود الدببة البنية من على بعد كبير، وذلك للاختلاف الكبير بين اللون البني والأبيض، مما يسمح للفرائس بوقت أكبر للهرب، مما يقلل من فرص حصول الدببة البنية على الطعام، مما يجعل تكاثرها واستمرار نسلها أصعب، إذ ستكون أكثر عرضة للانقراض.

على النقيض، فالدببة البيضاء مموهة بفضل تشابه لون فرائها مع لون الثلج، مما يجعل ظهورها مفاجئًا للفريسة، وبهذا يستمر نسل الدببة البيضاء، بينما يختفي نسل الدببة البنية من هذه المنطقة الثلجية، وهذا ما يفسر وجود الدببة القطبية في البيئات الثلجية.

كيف يحدث التطور؟

كل الكائنات الحية قادرة على التكاثر، إذ تقوم بنقل جيناتها إلى الأجيال القادمة، لتصنع نسخًا متطابقة منها، لكن الطبيعة ليست بذلك الكمال، إذ قد تحدث بعض الأخطاء، فتحدث الطفرات الجينية، وهنا تكمن المغالطة، فالبعض يربط الطفرات بالتشوهات، ولكن الطفرات ليست كلها سيئة بالضرورة، فما هي إلا تغيرات جينية تعطي صفات جديدة للكائنات الحية.

الخلاصة

ليست نظرية التطور مفسرة لأصل الحياة، ولا هي عن أصل الكون، وإنما هي تشرح أصل الأنواع، فهي تفسر كيف تنوعت الكائنات الحية بعد أن نشأت الحياة للتو، وهي أفضل تفسير لدينا بهذا الشأن.

المصدر:

Coursera

التاريخ الكبير: كيف بدأت الحياة على كوكبنا؟

إن أحد أكثر الأسئلة التي تظهر مدى جهلنا بالكون هو كيف بدأت الحياة على كوكبنا؟

كيف لكل هذا التعقيد أن ينشأ؟ العشرات من الآلاف من العمليات الكيميائية الحيوية، التي تحدث بداخلك بينما تقرأ هذا المقال. لكن العلم لديه بعض الآراء والفرضيات بهذا الشأن.

التشابه بين الكائنات الحية وعلاقته بكيفية بداية الحياة

إذا ما تأملت أشكال الحياة من حولك، فستجد تشابهات كثيرة، لنأخذ على سبيل المثال آلية عمل الفيروسات، لا تستطيع الفيروسات التكاثر ذاتيًا، لذا تتكاثر الفيروسات عن طريق زرع مادتها الوراثية بداخل خلية حية، مما يحول تلك الخلية لمصنع ينتج آلاف الفيروسات من نفس النوع، إنه لغريب حقًا كيف تحولت الخلية من كائن قائم بذاته، إلى مصنع لكائن آخر، وكل هذا حدث بمجرد تغيير المادة الوراثية للخلية، فقد قام الRNA الخاص بالفيروس بتغيير وظيفة الخلية كليًا.ولكن ما علاقة هذا بنشأة الحياة؟

هذا يخبرنا أن للحياة أصل مشترك واحد، وأن الحياة نشأت من كائن أولي واحد.على سبيل المثال، نحن تستطيع أن نأكل الموز، فكر بهذا، لماذا نستطيع هضم الموز؟ لأنه وببساطة، حجر الأساس الذي يكون الموز، هو نفسه حجر الأساس الذي يكوننا، بل والذي يكون كل الكائنات الحية.جرب مثلا أن تأكل صخرة، لن تستطيع، لأنه لا يوجد قاسم حيوي مشترك بينك وبين الصخرة، لذا فبما أن بعض الحيوانات تتغذى على النباتات، وبعض الحيوانات تتغذى على آكلات النباتات، فكلهم لديهم أصل واحد.

البحث عن أصل الحياة

ولكن هل يمكننا تتبع هذا السلف المشترك؟ الإجابة هي نعم وبكل تأكيد، فالسجل الأحفوري للنباتات، يخبرنا بوجود حفريات لنباتات بعمر 3 بليون سنة، ولكن هذا لا يمكن أن يكون هو أصل الحياة، إذ أن به الكثير من التعقيد الذي لا يمكن أن ينشأ من كيمياء بسيطة، لذا فأصل الحياة أبسط من هذا.

أين نشأت الحياة؟

هناك العديد من الفرضيات التي تدعي بأن أصل الحياة من خارج الأرض، وأن السماء أمطرت علينا نيازكها محملة بأولى الكائنات الحية، ولكن هذا لا يجيب عن السؤال، هو فقط يلقي بالمشكلة في مكان آخر، لذا فسنركز على ادعاء نشأتها على الأرض.

كيف بدأت الحياة

لنحول المواد الكيميائية الميتة إلى كائنات حية، نحتاج إلى بعض المركبات الكيميائية المعقدة، كالأحماض الأمينية على سبيل المثال، كما نحتاج أيضًا إلى طاقة كبيرة، لتحول هذه المركبات الكيميائية المعقدة، إلى خلية حية غاية في التعقيد، ولحسن الحظ، كل هذا كان موجودًا قبل 3 بليون سنة، فقد كانت البراكين على كوكبنا أكثر نشاطًا، وذلك بسبب زيادة الحرارة، لذا فيمكننا أن نفترض أن الحياة نشأت حول أحد الفوهات البركانية، الموجودة في أعماق المحيطات، حيث توجد الكثير من الحرارة لتحويل الكيمياء الميتة إلى كائن حي، ولكن كما نرى من حولنا، يمكننا رؤية الكائنات الحية الدقيقة في صراع دائم مع بعضها البعض، من أجل البقاء، بل أن بعضها يتغذى على البعض الآخر، لذا فيمكننا القول بوجود العديد من الكائنات الأولية الدقيقة، التي تصارعت في أعماق المحيطات من أجل البقاء، إلى أن نجح نوع واحد بالاستمرار، مما أدى إلى وجودك الآن تقرأ هذا المقال.

الخلاصة

لا يمكننا الجزم بشأن أصل الحياة، فليس بمقدورنا التأكد من هذا بآليات العلم التجريبي، ولكن يمكننا الخروج ببعض الافتراضات والسيناريوهات وفقًا لما نراه من حولنا، ومن يدري؟ أليس من الممكن أن يكون من يكتشف أصل الحياة هو أحد قُرّاء هذا المقال؟

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam

coursera

لقراءة سلسلة التاريخ الكبير ج6 من هنا

كيف ستغيّر تقنية كريسبر-كاس 9 للتعديل الجيني حياتنا؟

أُعلن اليوم فوز العالمتين «ايمانويل شاربنتيير-Emmanuelle Charpentier» و«جينيفير دودنا-Jennifer Doudna» بجائزة نوبل للكيمياء لعام ٢٠٢٠، وذلك لمساهمتهما في اكتشاف تقنية «كريسبر-CRISPR» للتعديل الجيني الدقيق، وهي التقنية التي غيّرت علم الجينات والوراثة، وقد تغيّر عالمنا للأبد. إذن، كيف ستغيّر تقنية كريسبر-كاس 9 للتعديل الجيني حياتنا؟

سنتعرف في هذا المقال التفصيلي على كيفية عمل تقنية «كريسبر-CRISPR» وأهمية التعديل الجيني في حياتنا.

ما هو التعديل الجيني؟

التعديل الجيني يُعرف أيضًا بالهندسة الجينية، وهو مجموعة من التقنيات المتقدمة التي تسمح للإنسان بتعديل المعلومات الجينية بطريقة دقيقة جدًا، سواء من خلال إضافة أو إزالة أو تغيير المادة الوراثية في مواقع محدّدة من التتابعات الچينية.

وتُطبق تقنيات التعديل الجيني على عدد كبير من الكائنات، من البكتيريا إلى النبات وصولًا إلى الحيوان والإنسان. لذلك فإن استخدام هذه التقنيات أثر في العديد من المجالات العلمية.

سمحت التقنية بتغيير سمات النباتات والمزروعات لتصبح أكثر إنتاجية، ومن جهة أخرى أعطت الأمل في العلاج الجيني لكل أنواع الأمراض الوراثية.

كما قد تتخطى الحدود، لتسمح باختيار السمات الخارجية الوراثية للمولود (مثل لون العيون أو جنس المولود مثلًا)، وهنا طبعًا يبدأ الحديث عن الجانب الأخلاقي الذي يلازم كل تكنولوجيا جديدة أو تقنية متقدمة ذات تأثير ضخم على البشرية.

كيف اكتُشفت تقنية كريسبر؟

عام 1953، اكتشف العالمان «جايمس واتسون- James Watson» و«فرانسيس كريك-Francis Crick » تركيبة الحمض النووي على شكل «الحلز المزوج-Double Helix»، وقد نالا جائزة نوبل في الطب للعام 1962.

منذ ذلك الحين، انكبّ العلماء على تطوير تقنيات تخوّلهم التحكم بالمادة الوراثية الموجودة في الحمض النووي وتعديلها.

جاءت تقنية كريسبر لتجعل هذا الحلم حقيقيًا، بل سهلًا وقليل الكلفة أيضًا، ولكن كيف وصلنا إلى تقنية كريسبر؟

من واطسون وكريك إلى كريسبر، كيف وصلنا إلى التعديل الچيني؟

لوحظ عام 1987 وجود تركيبة مكرّرة في جينوم البكتيريا «اشيرشيا كولي- Escherichia Coli»، كذلك وُجدت تركيبة متكررة في واحدة من ال«العتائق-Archaea » التي تسمى «هالوفيراكس ميديتيراني-Haloferax mediterranei»، وتتكرر هذه التركيبة على مسافات متساوية.

تبيّن فيما بعد أن هذه التراكيب المتكرّرة موجودة في جميع أنواع الكائنات الأحادية الخلية (Prokaryotes)، وتحمل هذه التراكيب صفات مشتركة، فهي تراكيب قصيرة متكررة على مسافات متساوية. لذلك سُمِّيت:

 Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats واختصرًا سميت ب CRISPR.

إذن، متى تحول اسمه من كريسبر إلى كريسبر كاس ٩؟

عام 2002، نُشر للمرة الأولى اسم CRISPR-cas9، بعد اكتشاف مجموعة من الجينات (cas) المُلازمة للكائنات الأحادية الخلية، ويكون موقعها دائمًا مجاور لتركيبة CRISPR. كما تبيّن أن دور هذه المجموعة من الجينات يتعلّق بالتعبير الجيني لتراكيب CRISPR.

في العام 2005، بدأ الباحثون بفهم أهمية تركيب كريسبر، فاكتشفوا أن الكائنات أحادية الخلية التي تملك تركيبة كريسبر تصبح أكثر مقاومةً للفيروسات، ممّا يرجح دور تركيب كريسبر في الحماية من الحمض النووي الغريب عنها (أي الحمض النووي الذي يأتي من العدوى الفيروسية).

كيف عرفنا دور كريسبر كاس ٩ المناعي في البكتيريا؟

أُثبتت هذه النظرية للمرة الأولى في عام 2007 من خلال مجموعة من الاختبارات، قام فيها الباحثون بالتسبب بإصابة البكتيريا العقدية أو «ستربتوكوكوس تيرموفيلوس- Streptococcus thermophilus» بالعاثيات (Bacteriophage).

أبدت البكتيريا المجهزة بتركيبة كريسبر مقاومة واضحة للعدوى، أما البكتيريا المُزال منها تركيبة كريسبر، فقدت قدرتها على المقاومة ونجح الفيروس في إصابتها.

في عام 2008، أثبتت مجموعة من الاختبارات أن تركيبة كريسبر غالبًا ما تستهدف الحمض النووي DNA بدلًا من الحمض النووي RNA.

تستهدف تركيبة كريسبر تحديدًا الحمض النووي المشابه لها، والذي يكون محمولًا من قبل الفيروسات أو الكائنات الغزوية الأخرى، ممّا يفترض أن هذه التراكيب يأتي أصلها من فيروسات غزت البكتيريا سابقًا، فتمكنت البكتيريا من مقاومتها واحتفظت ببقاياها من الحمض النووي كالذاكرة المناعية، بل واستخدمت تلك الذاكرة سلاحًا بوجه الهجمات القادمة.

ولكن هذه المعلومة تستوجب طرح سؤال مهم وهو: إذا كانت تراكيب كريسبر تهاجم التراكيب التي تحمل حمضًا نوويًا يشبهها، وهي تراكيب متكررة، فما الذي يمنعها من تدمير بعضها البعض؟

ما الذي يمنع تراكيب كريسبر من مهاجمة بعضها البعض؟

هذا ما أُجيب عنه من خلال اكتشاف تراكيب صغيرة مجاورة لتركيب كريسبر، تسمى ب”Protospacer Adjacent Motifs” PAM . وتبين فيما بعد أن دور هذه التراكيب الصغيرة لا يقتصر على حماية تراكيب كريسبر من بعضها البعض، بل أيضًا تلعب دورًا في استهداف الحمض النووي المهاجم.

في عام 2011، أصبح واضحًا دور تركيبة كرسيبر-كاس9 في حماية الكائنات الأحادية الخلية من الكائنات المهاجمة.

بدأ تقصي نظام عمل هذه التركيبة. وهنا بدا فهم دور بروتينات كاس (Cas) مهمًا، فتبين أنها تعمل على مستويات ثلاثة: دمج الحمض النووي للكائن المهاجم في تركيبة كريسبر، ونشأة الcrRNA، وتعطيل الحمض النووي للكائن المهاجم.

ما دور إيمانويل شاربينتير في اكتشاف تقنية كريسبر كاس ٩؟

في العام نفسه، عملت الباحثة «إيمانويل شاربنتيير-Emmanuelle Charpentier» مع عدد من زملائها على تفسير نظام عمل الcrRNA، وهو ما يقوم بالبحث عن الحمض النووي المشابه للذي يحمله تركيب كريسبر.

لكن عمل الcrRNA لا يكتمل دون عمل (tracrRNA (Trans-activating CRISPR RNA. فالtracrRNA يقترن مع تراكيب pre-crRNA التي تتحول فيما بعد لcrRNA . وتشكّل الRNA المُرشد (Guide RNA) سويًا.

متى وكيف سهمت جينيفر دودنا في التقنية إذن؟

قررت الباحثتان شاربنتيير ودودنا التعاون لدرس إمكانية استخدام الcrRNA لإرشاد مقصات كريسبر للتسلسلات المرغوبة وبالتالي القدرة على التعديل الجيني.

بالفعل أعلنت الباحثتان في عام 2012 عن إمكانية برمجة بروتينات كاس9 مع الRNA المُرشد لتعديل أي تسلسل من الحمض النووي DNA.

شكّل اكتشافهما ثورة في عالم الكيمياء الحيوية وفي التكنولوجيا الطبية، وأعطيا الإنسان، ولأول مرة في التاريخ، القدرة على التحكم الدقيق بصفات كل الكائنات الحية، ممّا قد يوفر الملايين من سنين التطور، ويجعل التطور قابلًا للتطبيق من خلال تقنية سهلة وعالية الدقة وقليلة الكلفة.

عبّرت لجنة نوبل عن أهمية الاكتشاف بقولها أن الباحثتان قد أعادا كتابة شفرة الحياة!

كريسبر؛ المقصات الجينية التي حازت على نوبل الكيمياء لعام 2020

الوجه الآخر للتعديل الجيني، مخاوف وتحديات

على الرغم أن التعديل الجيني يُعد ثورة علمية قادرة على تخليص البشرية من آلاف الأمراض الوراثية، وقادرة على جعل الكائنات الحية أقوى أو أذكى أو أكثر فعالية وفي خدمة الإنسان، إلا أنه يمكن أن تتحول إلى سلاح فتّاك، قد يقضي على التنوع البشري أو يعزز الفروقات العنصرية والطبقية في العالم.

لذلك يعتبر علم الوراثة والجينات من أكثر العلوم تعقيدًا على الصعيد الإنساني والأخلاقي، ويطرح إشكاليات عديدة.

السلامة كتهديد مباشر تطرحه تقنيات التعديل الچيني

الإشكالية الأولى تتعلّق بالسلامة، فعملية التعديل الجيني يمكن أن تصبح خطيرة، إذا عُدلت جينات غير مرغوبة، أو إذا لم تتم عملية التعديل بشكل سليم، وقد يكون لهذه الأخطاء التقنية نتائج مرعبة على صحة وسلامة المريض أو المولود.

العدالة والإنصاف والمساواة قد تهتز بشدة مع تطور تقنيات التعديل الچيني

الإشكالية الثانية تتعلق بالعدالة والمساواة بين البشر، فلنتخيل مثلًا أن هذه التقنية أصبحت متاحة فقط بيد طبقة غنية من البشر، ستظهر الفروقات أكبر في الرعاية الصحية، خصوصًا أن التقنية تمكّن من تجنب الأمراض الوراثية، بل من الممكن أن تستخدم في اختيار سمات جسدية وعقلية (مثلًا اختيار جنس المولود مما قد يعزز التمييز الچندري، أو لون البشرة مما يزيد التمييز العنصري).

من الإشكاليات التي يخلقها موضوع الهندسة الجينية عند البشر، هي التجربة العلمية الممكن إجراؤها على الأجنّة البشرية، مما يتعارض مع القواعد الأخلاقية (وأحيانًا الدينية) ويطرح مخاوف عديدة.

لا شك أن التعديل الجيني من خلال تقنية كريسبر-كاس 9 هو واحد من أهم الاكتشافات العلمية الحديثة، والتي بدأت بالفعل بتغيير عالمنا. ولهذا تُعد جائزة نوبل للكيمياء للعالمتين شاربنتيير ودودنا مُستحقة. على أمل أن يستخدم هذا النوع من التطور العلمي العظيم لمصلحة البشر، كل البشر، دونما تمييز.

مصدر:

NobelPrize.org

تطبيقات كريسبر تطال مقاومة المضادات الحيوية وتطوير مضادات حيوية جديدة !

تطبيقات كريسبر تطال مقاومة المضادات الحيوية وتطوير مضادات حيوية جديدة! تمثّل مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية مشكلةً جديةً في العالم، حيث تعرّض ملايين الأرواح للخطر.

في سبيل معالجة هذه المشكلة؛ تمكن باحثون في جامعة «ويسكونسن ماديسون» من إعادة توظيف أداة تعديل الجينات «CRISPR» لدراسة الجينات التي تستهدفها بعض المضادات الحيوية، مما يوفر أدلةً حول كيفية تحسين المضادات الحيوية الموجودة، أو تطوير مضاداتٍ حيويةٍ جديدة.

إنّ التعديل الجيني «CRISPR» ليس حديثًا نسبيًا، وهو يعمل على قطع الحمض النووي لجزئين، ثم إجراء التعديل عليه.

ما هي تقنية كريسبر- كاس9 ؟

كريسبر هو نوع تسلسلات DNA توجد في أوليات النواة كالبكتيريا القديمة، تضم قطع جينية من بقايا الحمض النووي للفيروسات التي سبق أن هاجمت الكائن بدائي النواة. يحتفظ الكائن بدائي النواة بهذه البقايا في حمضه النووي كفواصل حتى يستخدمها لاحقاً في الكشف عن ال DNA الخاص بتلك الفيروسات في هجماتها اللاحقة، ومن ثم تدميره بمساعدة انزيم cas9.

توصف تقنية “كريسبر- كاس9” منذ ظهورها في ثمانينات القرن الماضي بأنها ستقلب كل شيء رأسا على عقب. ويكمن الفرق بين “كريسبر-كاس9” وباقي أدوات التعديل الجيني المستخدمة سابقا كإنزيمات القطع هو أن كل إنزيم قطع يمكنه القص عند تتابع محدد واحد، مما يقيد التعديل الوراثي. بينما يمكن باستخدام تقنية كريسبرالقطع عند أي منطقة مرغوبة من الجينوم، وذلك لأن الـ RNA الذي يستخدمه إنزيم cas9 للتعرف على منطقة القطع قابل للتعديل والتركيب.

استخدمت تقنية كريسبر لتعديل الخلايا الدموية “خارج الجسم”؛ وذلك لعلاج السرطان والزهايمر وغيرهما من الحالات. لكن لم يحدث تطوير مشابه لمضادات حيوية.

ما هو Mobile-CRISPRi ؟

قام الباحثون في هذه الدراسة بالتعديل بأسلوبٍ مختلف، باستخدام نظام يسمّى «Mobile-CRISPRi»، يعمل من خلال الارتباط بأحد الجينات، ويمنع وصول البروتينات إليه، فينخفض التعبير عن الجين، وتكون النتيجة انخفاض كمية البروتين التي يصنعها هذا الجين.

أظهر الباحثون أنه عند تقليل كمية البروتين التي يستهدفها المضاد الحيوي، تصبح الجراثيم أكثر حساسية لكمياتٍ أقل من هذا المضاد، أي أنّ هناك ارتباطًا بين الجين المُستهدَف والدواء.

يتميّز هذا النظام بإمكانية فحص آلاف الجينات في وقت واحد، مما يساعد العلماء على تعلّم كيفية عمل المضادات الحيوية وطرق تحسينها.

دور الاقتران في تطوير المضاد الحيوي

استخدم الباحثون «Mobile-CRISPRi» على نوع من الجراثيم المخبرية المعروفة، وهي «الإشريكية الكولونية E-Coli»، ولكن بقي الهدف الأساسي كما هو، أي دراسة الجراثيم الأكثر تعقيدًا والمسببة للأمراض، ولنقل الأداة إلى هذه الجراثيم؛ استخدم العلماء واحدةً من الطرق الطبيعية التي ترتبط الجراثيم بها وتتبادل الحمض النووي، وهي عمليةٌ تسمى الاقتران.

استطاع الباحثون من خلال الاقتران نقل «Mobile-CRISPRi» إلى أهم الجراثيم المسببة للمرض، مثل: الزوائف، والسالمونيلا، والعنقوديات، والليستيريا، وغيرها.

اختُبر «Mobile-CRISPRi» على نوع من الجراثيم التي تعيش على سطح الجبن، وتدعى «V. casei»، وهي نوعٌ من الجراثيم المفيدة التي تنمو على سطح الجُبن الفرنسي، مما ساعد على دراسة هذة السلالة الجرثومية، ومعرفة كيفية نموه.

ماذا الذي وصلت إليه هذه الدراسة؟

ما يعنيه ذلك هو أنه أصبح بإمكان العلماء إجراء دراساتٍ حول كيفية عمل المضادات الحيوية بشكلٍ مباشرٍ في الجراثيم الممرضة. كما يعطيهم فكرةً أفضل عن كيفية عمل هذه الأدوية في الكائنات الحية المختلفة، ويفتح آفاقًا واسعةً لدراسة مختلف أنواع الجراثيم سواء كانت ممرضةً أو مفيدة.

مصادر:
Sciencedaily

Neurosciencenews

futurism

كريسبر؛ المقصات الجينية التي حازت على نوبل الكيمياء لعام 2020

قررت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 مناصفة بين جينيفر دودنا (الأمريكية) وإيمانويل شاربنتر (فرنسية) لتطويرهم تقنيات التعديل الجيني «كريسبر» والمعروفة علميًا باسم CRISPR Cas 9 لقدرات التقنية المذهلة وإمكاناتها المستقبلية على تعديل الطفرات المسببة للأمراض الجينية المختلفة. كريسبر؛ المقصات الجينية التي حازت على نوبل الكيمياء لعام 2020 ، ما هي؟

كريسبر؛ أداة قوية ستغير من حياتنا

منذ اكتشافهما المُلهم، تغيرت علوم الحياة للأبد، إذ تمكن علماء الكيمياء الجزيئية وعلماء الأحياء الخلوية من معرفة وظائف الجينات المختلفة بسهولة أكبر مما سبق، ومعرفة أدوارها المختلفة في تطور الأمراض.

تمكن علماء النباتات الآن من منح بعض النباتات صفات جديدة شديدة الأهمية للبقاء، مثل تحمل الجفاف في البيئات الجافة مثل الصحاري.

في مجال الطب، يمكن استخدام هذه التقنية لاكتشاف طرق جديدة لعلاج السرطانات، بالإضافة إلى بعض الاستخدامات غير الأخلاقية بالطبع، مثل أي تكنولوجيا قوية.

في عام 2011، لم يكن أي من إيمانويل أو جينيفر يدركان أن لقاءهما الأول في أحد المقاهي في باريس سيغير حياتهما للأبد.

هوّس شاربنتير بالبكتيريا المسببة للأمراض

حصلت شاربنتير على الدكتوراة من معهد باستور المرموق في باريس، كما عاشت في خمس بلاد مختلفة وسبع مدن. عملت كذلك في عشر معاهد مختلفة. في عام 2002، عندما أسست شاربنتير مجموعتها البحثية الخاصة، في «جامعة فيينا –Vienna University»، كانت تبدي اهتمامًا شديدًا بأكثر أنواع البكتيريا ضررًا للبشر، «البكتيريا العقدية- Streptococcus pyogens ».

تتسبب «البكتيريا العقدية- Streptococcus pyogens» في العدوى لملايين البشر سنويًا، مما يسبب بعض الأعراض الطفيفة، لكنها في بعض الأحيان تسبب أعراضًا قاتلة، مثل تآكل الأنسجة، مما أعطاها اسم « آكلة اللحم البشري-Flesh eater».

لفهم طريقة عمل البكتيريا العقدية، قررت شاربنتير تتبع طريقة تنظيم جينات هذه البكتيريا، والتي كانت أول خطوة في اتجاه مشروعها مع دودنا.

العلم، مغامرة تعادل القصص البوليسية

نشأت دودنا في هاواي كطفلة فضولية تحب تعلّم كيفية عمل الأشياء. في أحد الأيام ترك والدها كتابًا لـ «جيمس واتسون-James Watson » مكتشف الشكل الحلزوني للـ DNA على سريرها، والذي كان خطوتها الأولى في معرفتها للجينات وكيفية عملها.

تابعت جينيفر في الكتاب عمل واتسون إلى جوار زميله «فرانسيس كريك- Francis Crick» ورحلتهم لفك شيفرة الحمض النووي، أُسرت دودنا بعملية البحث العلمي، حيث لم يكن العلم مجرد حقائق.

على الرغم من ذلك، عندما بدأت بحل الألغاز العلمية لم يكن اهتمامها موجهًا صوب الـ DNA، ولكنها كانت قريبة بشكل ما، فكانت تعمل على الـ RNA.

في عام 2006، كانت دودنا تقود مجموعة بحثية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ولديها 20 عامًا من الخبرة في العمل مع الـ RNA.

لسنوات كان يعتقد المجتمع العلمي أنه ملم بوظائف الـ RNA، لكنهم اكتشفوا فجأة الكثير من جزيئات الـ RNA الصغيرة التي تلعب دورًا هامًا في تنظيم عمل الجينات داخل الخلية، فاكتشاف دودنا عام 2006، كان سببًا في تلقيها لمكالمة من زميلة لها في جامعة مختلفة، لتبدأ قصة نوبل!

محاكاة العالمتان للجهاز المناعي القديم للبكتيريا

أخبرتها زميلتها، والتي هي عالمة أحياء جزيئية، باكتشاف جديد أثار انتباهها، فعندما تحرى الباحثون التسلسل الجيني لأنواع مختلفة من البكتيريا، وجدوا نمطًا متطابقًا في جميع أنواعها، على الرغم من اختلاف تسلسلاتها الجينية عن بعضها البعض، فالأمر أشبه بنفس الكلمة تتكرر في كل جملة مختلفة.

تدعى هذه الأنماط بـ Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeates التي اختُصرت لاحقا بـ “CRISPR”.

الغريب بحق، هو أن الأنماط غير المكررة، وغير المتشابهة، تُبدي تطابقًا مع جينات بعض الفيروسات، لذا فالاعتقاد السائد حينها هو أن هذه أجزاء من جهاز مناعي قديم، فالفرضية تقول أنه في حالة نجاة البكتيريا من الفيروسات، فإنها تحتفظ بجزء من مادتها الوراثية كذكرى.

أخبرتها زميلتها أن الباحثين يعتقدون أن هذا يحدث بطريقة مشابهة لما كانت تقوم دودنا بدراسته في ذاك الوقت، وهو الـ RNA interference.

دودنا ترسم آلية معقدة

كانت هذه أخبارًا مذهلة لباحثة متقدة الذهن وشغوفة كشاربنتر، فقد اتضح أنه بالإضافة إلى CRISPR، اكتشف الباحثون جينات أسموها بـ CRISPR-associated  بمعنى «المصاحبة لكريسبر»، التي اختصرت لتصبح cas، والذي أبهر دودنا في هذا الأمر هو أن هذه الجينات تبدو مشابهة لوظائف بعض البروتينات المعروفة، والمسئولة عن تقطيع الشريط الوراثي، وتفكيكه.

أمرت دودنا فريقها بالعمل، وبعد بضع سنوات، تمكن فريقها من معرفة العديد من الوظائف لبروتينات cas.

القطعة الجديدة غير المعروفة في أحجية نظام كريسبر

نعود إلى إيمانويل من جديد، انتقلت إيمانويل للعمل في مشروع بحثي، في جامعة Umeå شمال السويد، وبالعمل مع بعض الباحثين، تمكنت إيمانويل من وضع خارطة للـ RNA  الخاص بالبكتيريا العقدية.

كانت النتائج محيرة بالنسبة لإيمانويل، حيث أن واحدًا من هذه الجزيئات متنوع وغير معروف حينها، كما أن الخارطة الجينية تظهر تماثلًا كبيرًا مع نماذج  CRISPR، فهل هما مرتبطان؟

بعد بحث وتجارب مكثفة، نشرت إيمانويل نتائج أبحاثها. علمت شاربنتير جيدًا أنها على أعتاب شيء مختلف كليًا، فلديها العديد من سنوات الخبرة في مجال الأحياء الجزيئية، ولكن مع استمرار بحثها المتعلق ب CRISPR cas-9، تحتاج شاربنتير إلى مساعدة عالم كيمياء حيوية، وكانت جينيفر دودنا بالطبع.

في ذاك الربيع، عندما دعيت شاربنتير لمؤتمر في «بورتو ريكو-Puerto Rico» لمناقشة اكتشافاتها، كانت تسعى هي لمقابلة باحثة من بيركلي.

مقابلة غيرت حياتهما للأبد

تقابلا بالصدفة في إحدى المقاهي، حيث قدمتهما زميلة مشتركة لبعضهما البعض، وأخبرتها شاربنتير بأنهما عليهما أن يتعرفا على شوارع المدينة القديمة.

بينما تتمشى الباحثتان في شوارع المدينة، تسأل شاربنتير دودنا ما إن كانت مهتمة بشأن التعاون في بحث مشترك عن البكتيريا العقدية، فتوافق دودنا على الفور، ليتحقق لشاربنتير مبتغاها في الحصول على مساعدة باحثة في مجال الكيمياء الحيوية.

بدأ الفريقان بإجراء المقابلات الرقمية للتخطيط للأبحاث، كانتا تعتقدان أنهما تحتاجان الـ RNA المتعلق بـ CRISPR للتعرف على الـ DNA الفيروسي، وأن cas-9 هو المقص المسئول عن قطع الـ DNA، على الرغم من هذا، لم ينجحا عند إجراء التجارب، فقد ظلت جزيئات الـ DNA متماسكة، ولكن لماذا؟

بعد فترة طويلة من العصف الذهني، والتجارب التي باءت جميعها بالفشل، قرر الباحثون أخيرًا إضافة الـ tracrRNA الذي كانت قد اكتشفته إيمانويل مسبقًا إلى بحثهم، وعندما أضافوه إلى cas-9، حدث ما كان متوقعًا، فانقسم جزيء الـ DNA إلى قسمين أخيرًا.

كان اكتشافًا ثوريًا، فقد كشفتا عن آلية دفاعية طورتها البكتيريا ضد الفيروسات.

تجربة أعلنت بدء عصر جديد

قرر الباحثون تبسيط وتشذيب مقصات الـ DNA باستخدام معرفتهم عن الـ tracrRNA، والـ CRISPR-RNA، فقررا دمجهما معًا، وسموا الناتج باسم «الرنا المرشد-Guide RNA»، لتدرك الباحثتان أنهما أمام تجربة ستغير مجرى التاريخ.

قاما بأخذ جين مجمد كان موجود في معمل دودنا، وقاموا باختيار خمس مناطق مختلفة، حيث يجب أن يُقطع الجين، ثم قاما بقص جزء CRISPR من المقصات، لتتطابق شيفرته مع شيفرة الجزء المطلوب إزالته.

كانت النتائج مذهلة، حيث قُطع الجين في الأجزاء المُحددة بالضبط.

كريسبر؛ المقصات الجينية التي غيرت علوم الأحياء الجزيئية

بعد نشر بحثهما بفترة وجيزة، أعلنت العديد من المجموعات البحثية عن إمكانية استخدام تقنيتهما للتعديل في خلايا الفئران والبشر، مؤديًا بذلك إلى ثورة علمية، فقد كان تعديل الخلايا في الماضي أمرًا بالغ التعقيد، ومستهلكًا للكثير من الوقت، بل وأحياناً مستحيل.

باستخدام المقصات الجينية يمكن للباحثين الآن قطع أي جزء من الشريط الوراثي، ولسهولة هذه التقنية، تم تعميمها في المشروعات البحثية المختلفة، كما أنها أصبحت تستخدم في تهجين النباتات.

أمل علاج الأمراض الوراثية

في مجال الطب، تُعد تقنية كريسبر أملًا واعدًا في مجال العلاج المناعي. يقوم الباحثون بالفعل بإجراء التجارب لمعرفة ما إن كانت مقصات CRISPR cas-9 فعالة في محاربة السرطان أم لا. كما يطمح الباحثون لاستخدامها في إعادة إصلاح الأنسجة الكبيرة التالفة مثل المخ.

يجب استخدام تقنية المقصات الجينية بحرص

بالرغم من فوائدها العديدة، يمكن لهذه التقنية أن تستخدم بشكل خاطئ، حيث يمكن استخدامها لخلق أجنة معدلة وراثيًا. لكن يعتقد بعض المتخصيين بأنه لا داعي للقلق، لطالما كانت هناك العديد من القوانين التي تقيد استخدامات الهندسة الوراثية، كما أن التجارب المجراة على البشر والحيوانات يجب أن تخضع أولًا لموافقة اللجان الأخلاقية. وفي هذا الصدد يمكنك القراءة أكثر عن المخاوف المحيطة بالتقنية من هنا.

ما رأي القارئ بهذا الكشف؟ وكيف يمكن أن يغير من حياتنا كبشر في المستقبل؟ وهل أنت مع أم ضد اتاحة استخدام التعديل الجيني على البشر؟

المصدر:
البيان الرسمي لموقع جائزة نوبل

مخاوف أخلاقية متصاعدة تجاه جائزة نوبل في الكيمياء 2020 وتقنية كريسبر

لم يكن الجدل حول التعديل الجيني بالجديد، ولكنه عاد للواجهة بعد تسليط نوبل الكيمياء عام 2020 الضوء على تقنية كريسبر للتعديل الجيني واكتشاف قدرتها على جعل هذا التعديل أكثر دقة وسهولة مقارنة بالتقنيات القديمة. مخاوف أخلاقية متصاعدة تجاه جائزة نوبل في الكيمياء 2020 وتقنية كريسبر .

يعتقد علماء الأخلاقيات الحيوية والباحثون عمومًا أنه لا ينبغي محاولة تعديل الجينوم البشري للأغراض الإنجابية حتى اليوم، ولكن يجب أن تستمر الدراسات التي من شأنها جعل العلاج الجيني آمنًا وفعالًا. [1،2]

يتفق معظم المهتمون بالتعديل الجيني على أهمية مواصلة المداولات العامة والنقاش للسماح للجمهور بتقرير ما إذا كان تعديل الجراثيم مسموحًا أم لا.

اعتبارًا من عام 2014، حظرت حوالي 40 دولة أبحاث تعديل جينات الخلايا الجنسية، منها 15 دولة في أوروبا الغربية بسبب المخاوف الأخلاقية والمتعلقة بالسلامة. [3]

هناك أيضًا جهد دولي بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين للتنسيق وتنظيم تطبيق تقنيات التعديل الجيني. بدأت تلك الجهود رسميًا في ديسمبر 2015 مع القمة الدولية لتعديل الجينات البشرية في واشنطن.

مخاوف السلامة

نظرًا لاحتمال حدوث تأثيرات جانبية لعمليات تعديل جيني في المكان الخطأ أو تعديل بعض الخلايا دون أخرى، فإن السلامة هي الشغل الشاغل للباحثين حاليًا.

يتفق الباحثون وعلماء الأخلاق المتخصصون ممن كتبوا وتحدثوا عن تعديل الجينوم، على أنه لا ينبغي استخدام التعديل الجيني لأغراض الإنجاب السريري حتى تثبت سلامة وأمان تعديل جينوم الخلايا الجنسية.

يُرجّح البعض فوائد التعديل الجيني على مخاطره بهدف للدفع تجاه رفع الحظر المفروض عليه، إلا أن البعض الآخر يعتقد بأنه لا يمكن تبرير المخاطر بالفائدة المحتملة.

يشكك بعض الباحثين بنبوءات التعديل الجيني للأجنة البشرية أو اعتبارها ذات فائدة أكبر من التقنيات الحالية، مثل التشخيص الجيني قبل الزرع (PGD) والتخصيب في المختبر (IVF). ومع ذلك، يقر العلماء وأخصائيي الأخلاقيات الحيوية أنه في بعض الحالات، يمكن أن يعالج تعديل الخلايا الجنسية الاحتياجات التي لا يلبيها التشخيص الوراثي قبل الزرع. [4]

مقترحات التعديل الجيني الحالية تشمل:

1. حالات تماثل كلا الأبوين المحتملين بالنسبة لمسبب للمرض (أي حمل كلاهما نسختان من جينات الإصابة، وهو ما يشير إلى إصابة جميع أطفالهم بالمرض).

2. حالات الاضطرابات متعددة الجينات التي تتأثر بأكثر من جين واحد.

3. العائلات التي تعترض على بعض عناصر عملية التشخيص الوراثي قبل الزرع. [5،6]

يشعر بعض الباحثين وأخصائيي الأخلاقيات الحيوية بالقلق من أن أي تعديل للجينوم – حتى للاستخدامات العلاجية – سيضعنا على منحدر زلق قد يقود بنا مباشرة لاستخدامه لأغراض غير علاجية وإجراء تحسينات على البشر، وهو ما يعتبره الكثيرون مثيرًا للجدل.

يجادل آخرون بوجوب السماح بتعديل الجينوم المُثبت آمانه وفعاليته لعلاج الأمراض الوراثية باعتباره واجب أخلاقي تجاه أولئك المرضى. 6 ويقترحون إدارة المخاوف بشأن التحسين والتلاعب من خلال السياسة والقوانين والتنظيم.

يشعر المعلقون على هذه القضية بالقلق أيضًا إزاء سوء استخدام تعديل الجينوم للأغراض الإنجابية وتباين القدرات الرقابية بين داخل الولايات المتحدة وخارجها، مما قد يؤدي إلى استخدامات يعتبرها البعض مرفوضة.

تستشهد هذه الحجج بالبيئات ذاتية التنظيم إلى حد كبير في العيادات الإنجابية التي تقدم التشخيص الوراثي قبل الزرع والتلقيح الصناعي، والاختلافات القائمة في اللوائح بين مختلف البلدان.

موافقة مسبقة

يشعر البعض بالقلق من استحالة الحصول على موافقة حقيقية واعية لعلاج الخلايا الجنسية لأن المرضى المتأثرين بالتعديلات هم الجنين والأجيال القادمة. ويواجه هذا الطرح بحجة مضادة تقول بأن الآباء يتخذون بالفعل العديد من القرارات التي تؤثر على أطفالهم في المستقبل، بما في ذلك القرارات المُعقّدة مثل التشخيص الوراثي قبل الزرع مع التلقيح الاصطناعي.

عبّر الباحثون وخبراء الأخلاقيات الحيوية عن قلقهم أيضًا بشأن إمكانية الحصول على موافقة واعية حقًا من الآباء المحتملين طالما أن مخاطر علاج الخلايا الجنسية غير معروفة.

العدل والإنصاف

كما هو الحال مع العديد من التقنيات الجديدة، يتزايد القلق من إتاحة تقنيات التعديل الجيني للأثرياء فقط بارتفاع أسعارها مما سيزيد التفاوتات الحالية وسيعيق الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة والتدخلات الأخرى.

يشعر البعض بالقلق من التفاوت المجتمعي الذي قد ينتج عن تعديل الخلايا الجنسية بجودة هندسية متباينة، مما قد يخلق معدّلين مميزين ومعدلين عاديين ومعدلين ضعفاء وهكذا.

أبحاث تعديل الجينوم الأجنة

كثير ممن لديهم اعتراضات أخلاقية ودينية يقفو في مواجهة استخدام الأجنة البشرية لإجراء المزيد من الأبحاث. مما جعل استخدام الأموال الفيدرالية في أي بحث ينتج الأجنة أو يدمرها أمر غير ممكن. بالإضافة إلى عدم قدرة المعاهد الوطنية للصحة على تمويل أي استخدام لتحرير وتعديل الجينات في الأجنة البشرية. وفقًا للوائح المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة.

بالرغم من عدم قدرة المعاهد الوطنية للصحة على تمويل تحرير أو تعديل الجينات في الأجنة البشرية حاليًا، تعتقد العديد من مجموعات الأخلاقيات الحيوية والبحثية أن البحث باستخدام تعديل الجينات في الأجنة مهم لأسباب لا تعد ولا تحصى مثل معالجة الأسئلة العلمية حول البيولوجيا البشرية، طالما لم تُستخدم لأغراض إنجابية.

بشكل عام، يمكن استخدام بقايا أجنة قابلة أو غير قابلة للحياة باستخدام تقنيات التلقيح الاصطناعي في أبحاث الأجنة، أو أجنة تم إنشاؤها خصيصًا للبحث، ولكل حالة اعتباراتها الأخلاقية.

ما رأيك عزيزنا القارئ؟ هل تتفق أم تختلف مع لجنة نوبل عن مدى استحقاق تلك الجائزة لتقنيات التعديل الجيني بالرغم من تلك المخاوف؟

مصادر:

[1] National Academies of Sciences, E., Medicine,. (2017). Human Genome Editing: Science, Ethics, and Governance. Washington, DC: The National Academies Press.

[2] The Hinxton Group. (2015). Statement on Genome Editing Technologies and Human Germline Genetic Modification. Retrieved from http://www.hinxtongroup.org/Hinxton2015_Statement.pdf

[3] Araki, M., & Ishii, T. (2014). International regulatory landscape and integration of corrective genome editing into in vitro fertilization. Reprod Biol Endocrinol, 12, 108. doi:10.1186/1477-7827-12-108

[4] Lanphier, E., Urnov, F., Haecker, S. E., Werner, M., & Smolenski, J. (2015). Don’t edit the human germ line. Nature News, 519(7544), 410. doi:10.1038/519410a

[5] Hampton, T. (2016). Ethical and Societal Questions Loom Large as Gene Editing Moves Closer to the Clinic. JAMA, 315(6), 546-548. doi:10.1001/jama.2015.19150

[6] Savulescu, J., Pugh, J., Douglas, T., & Gyngell, C. (2015). The moral imperative to continue gene editing research on human embryos. Protein Cell, 6(7), 476-479. doi:10.1007/s13238-015-0184-y

[7] Ishii, T. (2017). Germ line genome editing in clinics: the approaches, objectives and global society. Brief Funct Genomics, 16(1), 46-56. doi:10.1093/bfgp/elv053

[8] Park, A. (2016). UK Approves First Studies Using New Gene Editing Technique. Time Health.

[9] Araki, M., & Ishii, T. (2014). International regulatory landscape and integration of corrective genome editing into in vitro fertilization. Reprod Biol Endocrinol, 12, 108. doi:10.1186/1477-7827-12-108

[10] Lanphier, E., Urnov, F., Haecker, S. E., Werner, M., & Smolenski, J. (2015). Don’t edit the human germ line. Nature News, 519(7544), 410. doi:doi:10.1038/519410a

[11] The Hinxton Group. (2015). Statement on Genome Editing Technologies and Human Germline Genetic Modification. Retrieved from http://www.hinxtongroup.org/Hinxton2015_Statement.pdf

[12] National Academies of Sciences, E., Medicine,. (2017). Human Genome Editing: Science, Ethics, and Governance. Washington, DC: The National Academies Press.

[13] Callaway, E. (2016). UK scientists gain licence to edit genes in human embryos. Nature News, 530(7588), 18. doi:doi:10.1038/nature.2016.19270

[14] Cyranoski, D., & Reardon, S. (2017). Chinese scientists genetically modify human embryos. Nature News. doi:doi:10.1038/nature.2015.17378

كيف يتأثر تفتح الأزهار بأحداث على مدى جيني؟

كيف يتأثر تفتح الأزهار بأحداث على مدى جيني؟

الزهور هي الأعضاء التناسلية للنبات. يعتمد تكوينها على أحداث نووية شديدة الدقة بحيث إذا تم تغييرها بشكل أو بآخر، يمكن أن يترك هذا التغيير النباتَ عقيمًا. أظهرت دراسة جديدة قام بها باحثون في معهد نارا للعلوم والتكنولوجيا (NAIST) كيف أن عاملي النسخ، «AGAMOUS» و«CRABS CLAW»، يرتبطان بالتسلسل مع الجين المسمى «YUC4»، المسؤول عن تصنيع الهرمون النباتي «أوكسين-auxin» الّذي يعد أساسيًا في سلسلة نمو النبات. إن عامل النسخ AGAMOUS هو منظم رئيسي لعملية إنهاء النسيج الإنشائي الزهري. بينما ينظم CRABS CLAW نمو الخلايا الجذعية النباتية وتمايزها. قدمت النتائج في مجلة «Nature Communications» تفسيرًا جينيًا للتكوين السليم للمِدَقَّة (العضو التناسلي الأنثوي للنباتات المزهرة.)

يتم تحديد عدد الأعضاء النباتية للأزهار من خلال عمليتي نمو وإنهاء النسيج الإنشائي الزهري. لدراسة الأحداث الجزيئية داخل النواة التي تحدد عملية الإنهاء، قام البروفيسور توشيرو إيتو وفريقه البحثي بالتحقيق في التنظيم اللاجيني بواسطة «عوامل النسخ-transcription factors».

كل من AGAMOUS و CRABS CLAW معروفان جيدًا لعلماء النبات، لكن كيفية التحكم في الجينات المستهدفة الشائعة ظلت لغزًا. باستخدام نسخ محورة جينيًا من نباتات «رشاد الصخر-Arabidopsis»، وجد الباحثون أن AGAMOUS و CRABS CLAW يرتبطان بـ YUC4، ولكن في مواقع مختلفة وبتسلسل محدد.
يرتبط العامل CRABS CLAW بالمادة الجينية بعد ارتباط العامل AGAMOUS. وحين أن ارتباط العامل AGAMOUS يفتح الكروماتين ويكشف موقع «محفز YUC4-YUC4 promoter»، تسمح هذه الحلقة من الأحداث بإنهاء النسيج الإنشائي الزهري، وبالتالي تكوين المِدَقَّة.

على الرغم من أن مواقع الربط الخاصة بـ AGAMOUS و CRABS CLAW كانت قريبة من بعضها البعض، إلا أن عاملي النسخ لم يتفاعلا مع بعضهما البعض. بدلاً من ذلك، شكل AGAMOUS معقدًا مع بروتينين معروفين (CHR11 و CHR17) لإعادة تشكيل الكروماتين، قبل الارتباط بـ YUC4. وهكذا قام AGAMOUS بتنشيط CRABS CLAW، مما أدى إلى تنشيط تآزري لـ YUC4.

يقول ياماغوتشي إن تنظيم حالة الكروماتين بواسطة العاملين AGAMOUS و CRABS CLAW يوفر رؤى مهمة حول ازدهار النباتات. وهذا يمكن استغلاله في الزراعة. إذ قد تكون حلقة الأحداث المذكورة سابقًا مهمة لتنشيط YUC4 لتسمح لنا بزراعة نباتات تنتج ثمارًا أكثر أو أكبر.

المصادر: Science Daily – PhysOrg

إقرأ أيضًا: للزهور القدرة على التعافي بعد الإصابة

Exit mobile version