ثورة في أنظمة كريسبر المصممة بالذكاء الاصطناعي!

قاد الباحثون علي مدني، عالم التعلم الآلي والرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا الحيوية Profluent، وآلان وونغ، عالم الأحياء الاصطناعية في جامعة هونغ كونغ، رواد استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم جينات كريسبر وتحرير البروتينات. حيث أظهرت دراسة جديدة القدرة على تصميم بروتينات كريسبر لتحرير الجينات باستخدام أداة ذكاء اصطناعي توليدية تسمى نموذج لغة البروتين. تم تدريب تلك الأداة على ملايين تسلسلات البروتين. ونُشر البحث في نسخة أولية بتاريخ 22 أبريل 2023، وأعلن فريق آخر عن نتائج مماثلة في فبراير 2023. تم إجراء الدراسة في Profluent في بيركلي، كاليفورنيا، وجامعة هونغ كونغ.

يستخدم هذا النهج المبتكر الذكاء الاصطناعي لتصميم بروتينات كريسبر، والتي يمكن أن تحدث ثورة في مجال تحرير الجينات. فباستخدام أنظمة كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي، قد يتمكن الباحثون من التغلب على القيود المفروضة على أنظمة تحرير الجينات التي تحدث تلقائيًا، مما يزيد من إمكانيات التطبيقات الطبية.

البحث عن أنظمة كريسبر لتحرير الجينات

تخيل أنك تبحث في كنز ضخم من الميكروبات عن الجواهر المخفية التي يمكن أن تكشف أسرار تحرير الجينات. لسنوات، كان العلماء في سعيهم لاكتشاف أنظمة كريسبر-كاس الجديدة، حيث قاموا بمسح أعماق الينابيع الساخنة، ومستنقعات الخث، والزبادي، وحتى البراز البشري للعثور على هذه العجائب الميكروبية. ولكن ما الذي يدفع هذا السعي الدؤوب، وكيف تمكن الباحثون من كشف هذه الأنظمة الغامضة؟

أنظمة كريسبر-كاس هي نوع من أجهزة المناعة الموجودة في البكتيريا والعتائق، والتي تحمي نفسها من غزو الفيروسات من خلال التعرف على مادتها الوراثية وقطعها. تتكون هذه الأنظمة من مكونين رئيسيين: جزيء RNA صغير يوجه الإنزيم إلى هدفه، والإنزيم نفسه الذي ينفذ عملية القطع. أحدث اكتشاف أنظمة كريسبر-كاس ثورة في مجال تحرير الجينات، مما سمح للعلماء بإجراء تعديلات دقيقة على تسلسل الحمض النووي.

كان البحث عن أنظمة كريسبر-كاس الجديدة عملية شاقة وتتطلب الكثير من الباحثين لفحص الآلاف من الجينومات الميكروبية. وقد طور الباحثون استراتيجيات مختلفة للكشف عن هذه الأنظمة، بما في ذلك استخدام الأدوات الحسابية لتحليل تسلسل الجينوم وتحديد جينات كريسبر-كاس المحتملة. ومع ذلك، أعيق اكتشاف أنظمة جديدة بسبب تعقيد الجينومات الميكروبية، والتي يمكن أن تؤوي أنظمة كريسبر-كاس المتعددة،.

على الرغم من هذه التحديات، تمكن الباحثون من الكشف عن عدد كبير من أنظمة كريسبر-كاس، ولكل منها خصائصه الفريدة وقدراته التحريرية. وقد فتح اكتشاف هذه الأنظمة آفاقا جديدة لتحرير الجينات، مما مكن العلماء من إجراء تعديلات دقيقة على تسلسل الحمض النووي بكفاءة ودقة غير مسبوقة. بينما نتعمق أكثر في عالم أنظمة CRISPR-Cas، نبدأ في كشف الآليات المعقدة التي تحكم هذه العجائب الميكروبية، والإمكانيات التي تقدمها لمستقبل تحرير الجينات.

العلم وراء CRISPR

يعد اكتشاف تحرير الجينات CRISPR-Cas9 عملية مثالية لكيفية محاكاة العلماء للطبيعة لإنشاء أدوات قوية. تم التعرف على هذا النظام لأول مرة في البكتيريا، حيث يعمل كجهاز مناعي للحماية من الاصابات الفيروسية. تستخدم البكتيريا هذا النظام للتعرف على الحمض النووي الفيروسي والقضاء عليه عن طريق تقطيعه، وبالتالي منع الفيروس من التكاثر.

يتكون نظام كريسبر-كاس9 من مكونين رئيسيين: جزيء صغير من الحمض النووي الريبوزي، المعروف باسم دليل الحمض النووي الريبي (RNA)، والذي يتعرف على تسلسلات معينة من الحمض النووي، وإنزيم قطع الحمض النووي يسمى Cas9. تتم برمجة الحمض النووي الريبي الموجه للبكتيريا لاستهداف تسلسلات معينة من الحمض النووي الفيروسي. ويتبع إنزيم Cas9 الحمض النووي الريبي الموجه إلى التسلسل المستهدف، مما يؤدي إلى قطع الحمض النووي في ذلك الموقع.

دقة ومرونة CRISPR-Cas9 تدعو للانبهار حقًا. وببساطة عن طريق تغيير الحمض النووي الريبوزي الموجه لل Cas9، يمكن إعادة برمجة النظام لاستهداف تسلسلات مختلفة من الحمض النووي. كأنك تعطي تعليمات مختلفة لاستهداف موقع آخر على الجين، مما يجعله أداة قوية لتحرير الجينات. لقد مهد ظهور تقنية كريسبر-كاس9 الطريق أمام إمكانيات علاج الأمراض الوراثية، وتحسين غلات المحاصيل، وحتى إحياء الأنواع المنقرضة.

تاريخ اكتشاف CRISPR

ولكن كيف عثر العلماء على هذا النظام الرائع؟ يعد اكتشاف كريسبر-كاس9 مثالًا رئيسيًا على الطريقة العلمية في العمل. في الثمانينيات، اكتشف العالم الياباني يوشيزومي إيشينو وفريقه تسلسلات الحمض النووي المتكررة غير العادية في بكتيريا الإشريكية القولونية. وكشفت أبحاث أخرى أن هذه التسلسلات، المعروفة باسم كريسبر اختصارًا لـ (التكرارات القصيرة المتناوبة المنتظمة والمتباعدة)، كانت جزءًا من آلية دفاع ضد الإصابات الفيروسية.

على مر السنين، واصل العلماء كشف أسرار تقنية كريسبر، وكشفوا عن دورها في حماية البكتيريا من الفيروسات. في عام 2012، أظهرت دراسة مبهرة نشرتها جنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه أنه يمكن إعادة استخدام كريسبر-كاس9 في التحرير الدقيق للجينوم.

كان المجتمع العلمي مليئًا بالإثارة، مدركًا الإمكانات الهائلة لكريسبر-كاس9. ومنذ ذلك الحين، عمل الباحثون بلا كلل لتحسين النظام، واستكشاف تطبيقات جديدة، ودفع حدود ما هو ممكن. وقد أدى تكامل الذكاء الاصطناعي إلى نقل هذا المسعى إلى المستوى التالي، مما أتاح تصميم أنظمة كريسبر الجديدة بسرعة ودقة غير مسبوقتين.

الذكاء الاصطناعي يتولى زمام المبادرة

تُحدث الشراكة بين الذكاء الاصطناعي (AI) وتحرير الجينات ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع الطب الدقيق. في المشهد الدائم التطور لأنظمة كريسبر-كاس9، يستعد محررو الجينات المصممون بالذكاء الاصطناعي لتولي زمام الأمور. ومن خلال الاستفادة من قوة التعلم الآلي، يستطيع الباحثون الآن تصميم وتطوير أنظمة كريسبر جديدة بدقة وسرعة غير مسبوقتين.

وفي قلب هذه الثورة يكمن مفهوم نماذج اللغة البروتينية. يتم تدريب هذه الشبكات العصبية على كميات كبيرة من البيانات البيولوجية، مما يسمح لها بالتعرف على الأنماط والعلاقات داخل تسلسلات البروتين. ومن خلال الاستفادة من هذه المعرفة، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي إنشاء أنظمة كريسبر جديدة، بما في ذلك البروتينات والحمض النووي الريبوزي الموجه، بدقة غير مسبوقة.

يعد نموذج ProGen، الذي طوره فريق الباحث مدني، مثالًا رئيسيًا على تطبيق هذه التكنولوجيا. ومن خلال إعادة تدريب النموذج على الملايين من أنظمة كريسبر المتنوعة، تمكن الفريق من توليد الملايين من تسلسلات بروتين كريسبر الجديدة، التي تنتمي إلى العشرات من عائلات البروتينات المختلفة الموجودة في الطبيعة. يمثل هذا الإنجاز علامة بارزة في استكشاف أنظمة تحرير الجينات كريسبر.

هل يمكن لأنظمة مصممة بالذكاء الاصطناعي منافسة الطبيعي؟

ولكن كيف يمكن لأنظمة كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي أن تتنافس مع نظيراتها الطبيعية؟ للإجابة على هذا السؤال، قام فريق مدني بتركيب تسلسلات الحمض النووي لأكثر من 200 تصميم بروتيني وإدخالها في الخلايا البشرية. وكانت النتائج مذهلة، حيث تمكن العديد من محرري الجينات من قطع أهدافهم المستهدفة في الجينوم بدقة، مما يدل على فعالية أنظمة كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي.

إن الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا بعيدة المدى. ومع القدرة على تصميم أنظمة كريسبر جديدة على نطاق غير مسبوق، يستطيع الباحثون الآن استهداف طفرات جينية محددة وتطوير أدوات مخصصة لتحرير الجينات ومصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الفردية. يتمتع هذا الطب الدقيق 2.0 بالقدرة على تحويل مشهد العلاج الجيني، مما يمكّن الأطباء من علاج الاضطرابات الوراثية بدقة غير مسبوقة.

وبينما نتعمق في عالم أنظمة كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي، يصبح هناك شيء واضح – نحن نشهد إعادة كتابة مستقبل تحرير الجينات أمام أعيننا. مع تولي التعلم الآلي عجلة القيادة، أصبحت الاحتمالات لا حصر لها، واحتمالات الاكتشافات الرائدة لا حدود لها.

اختبار محررات الجينات المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي

أظهر بروتين Cas9 الواعد في الفريق، والذي أُطلق عليه اسم OpenCRISPR-1، كفاءة ملحوظة، ينافس كفاءة إنزيم CRISPR-Cas9 البكتيري المستخدم على نطاق واسع. ومن الجدير بالذكر أن OpenCRISPR-1 أجرى عددًا أقل من القطوع غير المرغوب فيها في أماكن خاطئة، مما يؤكد دقته وإمكاناته في التطبيقات الطبية.

علاوة على ذلك، نجح الباحثون في استخدام تصميم OpenCRISPR-1 لإنشاء محرر أساسي، وهو أداة دقيقة لتحرير الجينات تعمل على تغيير “حروف” الحمض النووي الفردية. أي أنه قادر على استهداف نيوكليوتيدة بعينها بدلًا من استهداف مجموعة. الأمر يشبه استهداف طوبة واحدة صغيرة من أحجار برج خليفة بصاروخ من الصين مثلًا، ولا يدمر غيرها في المبنى كله. أظهر هذا المحرر الأساسي كفاءة مماثلة لأنظمة التحرير الأساسية الأخرى، في حين أنه أيضًا أقل عرضة للأخطاء.

كما أظهر نموذج EVO، الذي طوره فريق هاي وهسو، نتائج واعدة، على الرغم من أنه لم يتم اختبارها بعد في المختبر. تشبه الهياكل المتوقعة لبعض أنظمة CRISPR-Cas9 التي صممتها شركة EVO تلك الخاصة بالبروتينات الطبيعية، مما يشير إلى فعاليتها المحتملة.

تشير هذه النتائج إلى أنه يمكن ترجمة أنظمة كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي بنجاح من العالم الرقمي إلى المختبر، مما يمهد الطريق لعصر جديد من الطب الدقيق. ومع استمرار الباحثين في تحسين وتطوير محررات الجينات المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي، أصبحت إمكانيات علاج الأمراض الوراثية وتحسين صحة الإنسان واعدة بشكل متزايد.

الطب الدقيق 2.0 ومستقبل تحرير الجينات

فتحت الإنجازات الأخيرة في أنظمة تحرير الجينات كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي الباب أمام عصر جديد من الطب الدقيق. ومع القدرة على تصميم محررات جينات مصممة خصيصًا لتطبيقات طبية محددة، يمكن للباحثين والأطباء الآن تصور مستقبل لا يكون فيه تحرير الجينات أكثر دقة فحسب، بل أيضًا أكثر سهولة في الوصول إليه.

في المستقبل القريب، يمكن لتقنيات كريسبر التي يولدها الذكاء الاصطناعي أن تُحدث ثورة في علاج الاضطرابات الوراثية. تخيل أنك قادر على تصحيح الطفرات الجينية المسؤولة عن الأمراض الوراثية، مثل فقر الدم المنجلي أو التليف الكيسي، بدقة وكفاءة غير مسبوقة. إن الآثار المترتبة على ذلك عميقة، فمن المحتمل أن يتلقى المرضى علاجات جينية شخصية مصممة خصيصًا لتناسب بياناتهم الجينية المحددة. مما يوفر أملًا جديدًا للملايين المرضى في جميع أنحاء العالم.

علاوة على ذلك، يمكن لمحرري الجينات المصممين بواسطة الذكاء الاصطناعي أن يغيروا مجال العلاج الجيني. فمن خلال تصميم محررات الجينات التي يمكنها استهداف جينات معينة أو متغيرات جينية معينة، يستطيع الباحثون تطوير علاجات أكثر استهدافًا للأمراض المعقدة مثل السرطان، واضطرابات المناعة الذاتية، والحالات العصبية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى علاجات أكثر فعالية مع آثار جانبية أقل، فضلا عن تقليل خطر الآثار غير المستهدفة.

ويعد جزيء OpenCRISPR-1، الذي صممه فريق مدني، مثالًا رئيسيًا على إمكانات كريسبر المصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي في الطب الدقيق. وباعتباره محررًا للجينات متاحًا مجانًا، فيمكنه إضفاء الطابع الديمقراطي مفتوح المصدر على الوصول إلى تقنيات تحرير الجينات. مما يجعلها في متناول الباحثين والأطباء في جميع أنحاء العالم.

المصدر: ‘ChatGPT for CRISPR’ creates new gene-editing tools (nature.com)

إعادة ترميم وجه شانيدار زد امرأة النياندرتال القديمة من كهوف العراق

في اكتشاف رائد، أعاد فريق من علماء الآثار في المملكة المتحدة بناء وجه امرأة نياندرتال عمرها 75 ألف عام، مما يتحدى التصور السائد منذ فترة طويلة عن إنسان نياندرتال باعتباره وحشيًا وغير متطور. وتم العثور على جمجمة المرأة، التي حملت اسم Shanidar Z، في عام 2018 في كهف Shanidar في كردستان العراق، حيث تم اكتشاف ما لا يقل عن 10 من النياندرتال سابقًا في الستينيات. وقد دفع هذا الاكتشاف الأخير الخبراء إلى إعادة النظر في لغز إنسان النياندرتال، الذي انقرض في ظروف غامضة منذ حوالي 40 ألف سنة، أي بعد بضعة آلاف من السنين فقط من ظهور البشر العاقل.

أمضى فريق من جامعتي كامبريدج وليفربول جون موريس عقودا في كشف أسرار كهف شانيدار، حيث عثروا على بقايا العديد من النياندرتال، بما في ذلك شانيدار زد، التي دُفنت في وضعية النوم تحت علامة حجرية عمودية ضخمة. وكشف هذا الاكتشاف عن جانب أكثر تعقيدًا وتطورًا لدى إنسان النياندرتال، لوجود أدلة على الطقوس الجنائزية ورعاية المعاقين. بينما نتعمق في قصة Shanidar Z، نستكشف التاريخ المنسي لإنسان النياندرتال، ورحلة الاكتشاف العلمية، والاكتشافات المفاجئة عن أسلافنا القدماء، فهيا بنا.

الإنسان البدائي المنسي: فصل الحقيقة عن الخيال

لقرون عديدة، أُسيء فهم قضية إنسان النياندرتال، وتم تهميشه، وتصويره على أنه وحشي وغير متحضر. تعود جذور هذا المفهوم الخاطئ إلى أوائل القرن التاسع عشر عندما تم اكتشاف أول حفريات إنسان نياندرتال في وادي نياندر بألمانيا. تم إعادة بناء الاكتشافات الأولية، بما في ذلك الحفريات من وادي نياندر، من وضع متهالك، مما أدى إلى مظهر يشبه الغوريلا. وهو ما عزز تصور الجمهور عن إنسان نياندرتال على أنه غير متحضر وغير ذكي.

في أوائل القرن العشرين، أدى اكتشاف حفريات إنسان نياندرتال في أوروبا، وخاصة في فرنسا وإسبانيا، إلى موجة من التغطية الإعلامية المثيرة، التي صورت إنسان نياندرتال على أنه متوحش وفظ. لقد تم ترسيخ صورة إنسان نياندرتال المزمجر الذي يحمل الهراوة في الثقافة الشعبية، مما أدى إلى سردية كاذبة ستستمر لعقود من الزمن.

يمكن إرجاع جذور هذا المفهوم الخاطئ أيضًا إلى إعادة البناء الأولية لحفريات إنسان نياندرتال في أوائل القرن العشرين. حيث أعاد عالم الحفريات الفرنسي مارسيلين بول بناء هيكل عظمي لإنسان النياندرتال بعمود فقري شديد الانحناء، مما أدى إلى ظهور الصورة النمطية “لرجل الكهف”. أدى هذا التحريف المبكر إلى تحديد طريقة تصور الجمهور للنياندرتال، مما أثر على الفن والأدب وحتى وسائل الإعلام الشعبية.

في الواقع، كان إنسان النياندرتال قابلاً للتكيف بدرجة كبيرة، وواسع الحيلة، وذكيًا. وكان يعيش في بيئات قاسية ويطور هياكل اجتماعية معقدة. لقد دفعتنا الاكتشافات الأخيرة، بما في ذلك اكتشاف شانيدار زد، إلى إعادة تقييم فهمنا لإنسان النياندرتال، مما يكشف عن صورة أكثر دقة وتعاطفا. وبينما نواصل كشف أسرار هؤلاء البشر القدماء، فإننا مجبرون على مواجهة تحيزاتنا ومفاهيمنا الخاطئة، وفصل الحقيقة عن الخيال في القصة الرائعة لإنسان نياندرتال.

التاريخ العلمي لاكتشافات إنسان نياندرتال

إن اكتشاف Shanidar Z ليس حادثة معزولة، بل هو تتويج لقرون من البحث والاستكشاف العلمي. إن تاريخ اكتشافات إنسان نياندرتال هي قصص رائعة لم تخل من التقلبات والمنعطفات، وتتميز بالنقاش والجدل، وفي نهاية المطاف، تؤدي إلى فهم أعمق لأبناء عمومتنا القدماء.

في القرن التاسع عشر، قوبلت اكتشافات النياندرتال الأولى بالتشكيك وحتى بالسخرية. تم اكتشاف أول حفرية للنياندرتال عام 1856 في وادي النياندرتال بألمانيا، ومن هنا جاء اسم النياندرتال. ومع ذلك، لم يبدأ المجتمع العلمي في أخذ إنسان نياندرتال على محمل الجد إلا في أوائل القرن العشرين.

كانت الحفريات الرائدة التي قام بها رالف سوليكي في كهف شانيدار في الستينيات بمثابة نقطة تحول في أبحاث الإنسان البدائي. أثار اكتشافه للعديد من الهياكل العظمية للنياندرتال، بما في ذلك هيكل شانيدار 1 الشهير، موجة جديدة من الاهتمام بهذا النوع. تحدت النتائج التي توصل إليها سوليكي وجهة النظر السائدة عن إنسان نياندرتال باعتباره وحشيًا وغير متطور، وبدلاً من ذلك أشارت إلى أنه ربما كان لديهم طبيعة أكثر تعقيدًا وتعاطفًا.

على مر العقود، أدى التقدم التكنولوجي، مثل التأريخ بالكربون المشع والتحليل الجيني، إلى توسيع نطاق فهمنا لإنسان النياندرتال بشكل كبير. على سبيل المثال، أدى اكتشاف الحمض النووي لإنسان النياندرتال في البشر المعاصرين إلى طمس الخطوط الفاصلة بين جنسنا البشري وجنسهم، وكشف عن تاريخ أكثر تعقيدا من التزاوج والتعايش.

يعد الاكتشاف الأخير لشانيدار زد بمثابة شهادة على قوة البحث العلمي والتعاون. لقد وفرت إعادة بناء وجهها وتحليل هيكلها العظمي نافذة فريدة على حياة وموت امرأة إنسان نياندرتال منذ أكثر من 75000 عام. وبينما نواصل اكتشاف أدلة جديدة وإعادة فحص البيانات الموجودة، فإننا مضطرون إلى إعادة تقييم افتراضاتنا حول إنسان النياندرتال ومكانته في القصة البشرية.

لغز عمره 75000 عام ينكشف

في أعماق كهف شانيدار، الواقع في جبال زاغروس بكردستان العراق، كمن سر عمره 75 ألف عام. لعقود من الزمن، ظلت بقايا امرأة النياندرتال، شانيدار زد، مخفية، وهيكلها العظمي مجزأ ومسطح، في انتظار أن يتم اكتشافها. إن قصة اكتشافها هي شهادة على قوة المثابرة. أدى عدم الاستقرار السياسي في العراق إلى تأخير المزيد من الاستكشاف للموقع بعد ما قام به رالف سوليكي. حتى عاد فريق من جامعتي كامبريدج وليفربول جون موريس إلى الكهف في السنوات الأخيرة.

ركز الفريق، بقيادة البروفيسور جرايم باركر، في البداية على تأريخ المدافن. وفهم الأسباب وراء الانقراض الغامض لإنسان النياندرتال منذ حوالي 40 ألف عام. ولكن عندما تعمقوا أكثر في الموقع، عثروا على أكثر مما توقعوا. تم العثور على جمجمة شانيدار زد، المحفوظة جيدًا بشكل ملحوظ. بدت مسطحة بسمك 2 سم فقط، ويرجع ذلك على الأرجح إلى سقوط صخرة على رأسها بعد وقت قصير من وفاتها. وكشفت جهود التنقيب وإعادة البناء الدقيقة التي قام بها الفريق منذ ذلك الحين عن امرأة في منتصف الأربعينيات من عمرها. كانت مدفونة في وضع النوم تحت علامة حجرية ضخمة. يشير هذا الوضع المتعمد إلى مستوى من التعقيد والسلوك الشعائري. يتحدى هذا السلوك وجهات نظرنا التقليدية عن إنسان نياندرتال باعتباره وحشيًا وغير متطور.

بينما نتعمق أكثر في حياة Shanidar Z، نبدأ في كشف أسرار الأنواع التي أسرت الخيال البشري لعدة قرون.

تجميع الماضي معًا: إعادة بناء وجه شانيدار زد

كانت إعادة بناء وجه Shanidar Z عملية شاقة ومعقدة تتطلب خبرة فريق متعدد التخصصات من العلماء. بدأت الرحلة بالتنقيب الدقيق لشظايا الجمجمة من كهف شانيدار في كردستان العراق. كانت الشظايا حساسة للغاية، تشبه في اتساقها قطعة البسكويت المغمسة في الشاي، مما يصّعب التعامل معها. استخدم الفريق، بقيادة إيما بوميروي، عالمة الأنثروبولوجيا القديمة من كامبريدج، مادة تدعيم خاصة لتقوية الأجزاء في مكانها قبل إزالتها في عشرات الكتل الصغيرة المغلفة بالرقائق. تم بعد ذلك نقل الكتل إلى المختبر، حيث تم تنظيف القطع وفحصها وتحليلها بعناية.

وكانت الخطوة التالية هي إعادة بناء الجمجمة باستخدام أكثر من 200 قطعة، وهي عملية تشبه أحجية الصور المقطوعة ثلاثية الأبعاد. وقد عمل الفريق بدقة، لضمان وضع كل جزء بدقة لإعادة تكوين شكل الجمجمة الأصلي. وبمجرد إعادة بناء الجمجمة، أنشأ الفريق نموذجًا ثلاثي الأبعاد. وتم إرساله بعد ذلك إلى فناني الحفريات أدري وألفونس كينيس في هولندا. استخدم الأخوان التوأم خبرتهما لإضافة طبقات من العضلات والجلد المُصنَّع، مما أعاد الحياة إلى وجه شانيدار زد.

كشفت عملية إعادة البناء النهائية عن وجه لا يشبه أي وجه إنسان نياندرتال معروف من قبل. كان وجه Shanidar Z أكثر شبهاً بالإنسان، مع جبهة أكثر نعومة وحاجب أقل بروزًا مما كان متوقعًا. تشير إعادة البناء إلى أن الاختلافات بين إنسان النياندرتال والبشر قد لا تكون صارخة كما كان يعتقد سابقًا.

إن أهمية إعادة البناء هذه تتجاوز الكشف عن مظهر شانيدار زد. فهي تسلط الضوء على التهجين بين إنسان نياندرتال والإنسان، والذي أدى إلى أن كل شخص على قيد الحياة اليوم تقريبًا يحمل الحمض النووي للنياندرتال.

المصدر: Meet Shanidar Z: 75,000-Year-Old Neanderthal Woman’s Face Reconstructed : ScienceAlert

الكشف عن الماضي المائي للمريخ حيث قيعان البحيرات القديمة تكتم أسرارًا

منذ مليارات السنين، على قاع البحيرة القديمة لفوهة غيل على كوكب المريخ، هز اكتشاف مفاجئ أسس فهمنا لماضي الكوكب الأحمر. اكتشفت مركبة كيوريوسيتي، وهي روبوت تابع لوكالة ناسا مصممة لاستكشاف سطح المريخ، صخورًا تحتوي على معدن موجود عادة على الأرض في بيئات البحيرات، وهو أكسيد المنغنيز. وقد ترك هذا الاكتشاف الغريب العلماء في حيرة من أمرهم، لأنه يشير إلى أن المريخ ربما تمتع بظروف مناسبة للحياة في زمن ما، تمامًا مثل الأرض. ولكن كيف انتهى الأمر بهذا المعدن، وهو أمر بالغ الأهمية للعمليات البيولوجية على كوكبنا، على المريخ؟

قام فريق الباحثين بقيادة عالم الكيمياء الجيولوجية باتريك جاسدا من مختبر لوس ألاموس الوطني، بدراسة الصخور وتحليل البيانات باستخدام أداة ChemCam الخاصة بالمركبة الفضائية كيوريوسيتي. وكشفت تحقيقاتهم أن رواسب أكسيد المنغنيز في صخور المريخ وفيرة بشكل مدهش، تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة في البحيرات على الأرض. ولكن هنا يكمن اللغز: ما هي الآلية التي يمكن أن تؤدي إلى تكوين هذه الرواسب على المريخ، وهو كوكب خالي من الأكسجين والحياة كما نعرفه اليوم؟

أحواض البحيرات المريخية القديمة: نافذة على الماضي

عندما ننظر إلى سماء الليل، نرى كوكب المريخ من سمائنا في مشهد رائع، ولونه المحمر يلمع كمنارة للغموض. لعدة قرون، انجذب البشر إلى إمكانية الحياة خارج الأرض، وكان المريخ منذ فترة طويلة هدفًا رئيسيًا في البحث عن إجابات. ولكن ماذا لو قلنا لك أن المريخ كان في يوم من الأيام موطنًا لبحيرات شاسعة متلألئة تعج بإمكانات الحياة؟

وبمرور مليارات السنين سريعًا، نجد أنفسنا نقف على حافة حفرة غيل، وهي قاع بحيرة قديمة تمت دراستها على نطاق واسع بواسطة المركبة الفضائية كيوريوسيتي. وبينما نستكشف الصخور والرواسب الرسوبية، تبدأ نافذة على الماضي في الانكشاف رويدًا رويدًا، لتكشف عن أسرار كانت مخفية على مدى الدهر.

تعتبر قيعان البحار، مثل تلك الموجودة في حفرة غيل، نوافذ فريدة من نوعها على تاريخ الكوكب. مثل لقطة متحجرة، فإنها تلتقط جوهر حقبة ماضية، وتحافظ على الظروف والعمليات التي شكلت بيئة المريخ. ومن خلال دراسة قيعان البحيرات القديمة هذه، يمكن للعلماء إعادة بناء المناخ والجيولوجيا، وحتى إمكانية الحياة على المريخ.

لدى قيعان بحيرات المريخ الكثير لتعلمنا إياه. إنهم يحملون قصة كوكب كان مختلفًا تمامًا عن المناظر القاحلة التي نراها اليوم. لعب الماء، وهو العنصر الأساسي للحياة، دورًا حاسمًا في تشكيل سطح المريخ. تدفقت الأنهار، وتشكلت البحيرات، وتغيرت المناظر الطبيعية. إنها قصة لا تزال تتكشف، وهي قصة لديها القدرة على كشف أسرار الحياة خارج الأرض.

وبينما نتعمق في قاع بحيرة المريخ، نجد أنفسنا عند تقاطع الجيولوجيا والكيمياء والبيولوجيا. إن الصخور والمعادن التي تشكل هذه الرواسب القديمة تحمل المفتاح لفهم بيئة المريخ وإمكاناتها للحياة. إنه لغز لا يزال العلماء يجمعونه معًا، وهو لغز يَعِد بالكشف عن نسيج غني من الأسرار من ماضي الكوكب الأحمر.

فك رموز اكتشاف المركبة الفضائية كيوريوسيتي

لفهم هذا اللغز، دعونا نغوص في عالم الأكسدة. على الأرض، يعتبر الأكسجين نتيجة ثانوية لعملية التمثيل الضوئي، حيث تقوم النباتات وبعض الكائنات الحية الدقيقة بتحويل ضوء الشمس إلى طاقة. تطلق هذه العملية الأكسجين في الغلاف الجوي، مما يجعل من الممكن تكوين أكسيد المنغنيز. لكن ماذا عن المريخ؟ يتكون الغلاف الجوي للكوكب الأحمر في الغالب من ثاني أكسيد الكربون، مع وجود القليل جدًا من الأكسجين. إذًا، كيف نشأ أكسيد المنغنيز؟

يخلو الغلاف الجوي للمريخ من الأكسجين، مما يصعّب تفسير كيفية تشكل أكسيد المنغنيز في المقام الأول. أحد الاحتمالات هو أن الأكسجين اللازم للأكسدة جاء من تأثيرات النيزك، والتي يمكن أن تكون قد أطلقت الأكسجين من رواسب الجليد السطحية. وبدلاً من ذلك، ربما تم إنتاج الأكسجين من خلال عمليات جيولوجية أخرى، مثل تفاعل الماء مع صخور المريخ.

ويثير اكتشاف أكسيد المنغنيز على المريخ أيضًا تساؤلات مثيرة للاهتمام حول إمكانية دعم الكوكب للحياة. على الأرض، يرتبط أكسيد المنغنيز ارتباطًا وثيقًا بالعمليات البيولوجية، حيث تعتمد العديد من الكائنات الحية الدقيقة على المعدن للحصول على الطاقة. هل يمكن أن تكون الميكروبات المريخية القديمة قد لعبت دورًا في تكوين هذه الرواسب؟

الحالة الغامضة لأكسيد المنغنيز على المريخ

بينما تستكشف المركبة الفضائية كيوريوسيتي قيعان البحيرات القديمة على كوكب المريخ، عثرت على وفرة من أكسيد المنغنيز، وهو معدن شائع في البحيرات على الأرض. لكن المثير للدهشة هو وجوده على المريخ بكميات مماثلة لتلك الموجودة على كوكبنا. ترك هذا الاكتشاف العلماء في حيرة من أمرهم، لأنه من غير الواضح كيف تواجد هذا المعدن، المرتبط بشكل معقد بالعمليات البيولوجية على الأرض، على سطح المريخ.

على الأرض، يتشكل أكسيد المنغنيز في وجود الأكسجين، وهو وفير بفضل التمثيل الضوئي والكائنات الحية الدقيقة التي تحفز تفاعلات الأكسدة. ومع ذلك، على المريخ، لا يوجد دليل على وجود حياة، ولا تزال الآلية الكامنة وراء الغلاف الجوي الغني بالأكسجين والتي من شأنها أن تمكن من تكوين أكسيد المنغنيز غير معروفة. وقد أدى هذا إلى عدد كبير من الأسئلة: كيف تشكل أكسيد المنغنيز وتركز على المريخ؟ هل كان هناك جو مشابه غني بالأكسجين على الكوكب الأحمر في الماضي؟

ولكشف هذا اللغز، لجأ العلماء إلى كاميرا ChemCam الخاصة بالمركبة Curiosity، والتي تستخدم الليزر لتبخير المعادن وتحليل تركيبها. ومن خلال دراسة أكسيد المنغنيز في الصخور الرسوبية في قاع البحيرة المريخية، اقترح الباحثون آليات مختلفة لهطول الأمطار. أحد الاحتمالات هو أنها تشكلت من خلال التفاعل بين مياه البحيرة والمياه الجوفية، وهي عملية تتطلب ظروف أكسدة عالية.

وبعد دراسة سيناريوهات مختلفة، خلص الباحثون إلى أن التفسير الأكثر احتمالا هو أن أكسيد المنغنيز تشكل على طول شاطئ البحيرة، في وجود جو غني بالأكسجين. وقد تستغرق هذه العملية آلاف السنين، نظرًا لبطء معدل تكوين أكسيد المنغنيز، الذي يعتمد على مستويات الأكسجين.

في حين أن هذا الاكتشاف أثار أسئلة أكثر من الإجابات، إلا أنه لا يمكن إنكار أن قاع بحيرة المريخ القديم يحمل أسرارًا عن بيئة صالحة للسكن وطويلة العمر. إن وجود أكسيد المنغنيز، وهو معدن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة على الأرض، يثير الآمال في العثور على آثار للحياة القديمة على المريخ. بينما تواصل المركبة الجوالة “بيرسيفيرانس” استكشافها لبيئة الدلتا المريخية الجافة، فقد تكشف عن بصمات حيوية ومواد عضوية في الصخور الحاملة للمنغنيز، مما يوفر لمحة عن الماضي الغامض للكوكب الأحمر.

البحث عن علامات الحياة على الكوكب الأحمر

تشير النتائج التي توصل إليها الباحثون إلى أن رواسب أكسيد المنغنيز يمكن أن تكون بمثابة كنز للبصمات الحيوية، وهي علامات كيميائية للحياة يمكن أن تكون قد خلفتها الميكروبات القديمة. من المحتمل أن هذه الميكروبات، مثل نظيراتها على الأرض، اعتمدت على أكسيد المنغنيز للحصول على الطاقة، تاركة وراءها سلسلة من الأدلة لنتبعها.

إن البحث عن الحياة على المريخ لا يقتصر فقط على العثور على علامات بيولوجية؛ يتعلق الأمر بفهم تطور الحياة نفسها. هل اتبعت الحياة على المريخ مسارًا مشابهًا للحياة على الأرض، حيث لعبت الميكروبات دورًا حاسمًا في تشكيل كيمياء الكوكب؟ أم أن المريخ اتبع مسارًا مختلفًا تمامًا، مسارًا لا يمكننا حتى أن نبدأ في تخيله؟

بينما نواصل استكشاف تضاريس المريخ، فإننا لا نبحث فقط عن علامات الحياة، بل نعيد كتابة تاريخ الكوكب الأحمر. ومن يدري، ربما نكتشف الاكتشاف الأعمق في عصرنا، وهو أننا لسنا وحدنا في الكون. والآن، نريد أن نختم مقالتنا بتخيل أنك تمشي على طول شواطئ بحيرة مريخية، وتشعر بأشعة الشمس الدافئة على بشرتك، وتتأمل المياه الهادئة. إنه مشهد مألوف وغريب في نفس الوقت، حيث تمتد المناظر الطبيعية ذات اللون الأحمر الصدئ إلى أقصى حد يمكن أن تراه العين. ولكن ماذا لو عثرت وسط الهدوء على علامات الحياة؟ ربما ميكروب متحجر، محفوظ في صخور المريخ، ينتظر أن يروي قصته!

المصدر: Manganese‐Rich Sandstones as an Indicator of Ancient Oxic Lake Water Conditions in Gale Crater, Mars – Gasda – 2024 – Journal of Geophysical Research: Planets – Wiley Online Library

اللقاح الشخصي يقدم أملًا جديدًا لمرضى الورم الأرومي الدبقي

بثت دراسة رائدة نشرت في مجلة Cell أملًا جديدًا للمرضى والعائلات المصابة بالورم الأرومي الدبقي، وهو النوع الأكثر عدوانية وفتكًا من سرطان الدماغ. نجحت تجربة سريرية رائدة، بقيادة عالم الأورام إلياس سايور من جامعة فلوريدا، في تمديد فترة بقاء أربعة أشخاص على قيد الحياة، مما يوفر فرص واعدة في مكافحة هذا المرض المدمر. المؤلف الرئيسي للدراسة، إلياس سايور، عالم الأورام من جامعة فلوريدا، إلى جانب فريقه من الباحثين، هم العقول المدبرة وراء تكنولوجيا اللقاحات المبتكرة هذه.

يعمل هذا اللقاح الجديد من خلال تزويد الجهاز المناعي بطريقة للتعرف على الورم ومهاجمته، مما يجعله أداة فعالة في مكافحة الورم الأرومي الدبقي. ويستخدم اللقاح الحمض النووي الريبي المرسال من الورم نفسه لإعادة برمجة جهاز المناعة، مما يسمح له بتجاوز دفاعات الورم وشن هجوم ناجح. أُجريت الدراسة في جامعة فلوريدا، حيث استفاد فريق البحث من أحدث التقنيات لتطوير هذا اللقاح المبتكر. تكمن أهمية هذا الاكتشاف في قدرته على إحداث ثورة في مجال العلاج لمرضى الورم الأرومي الدبقي. نظرًا لأن خيارات العلاج الحالية غالبًا ما تؤدي إلى معدل البقاء على قيد الحياة لمدة ستة أشهر فقط، فإن تقنية اللقاح هذه توفر فرصة محتملة يمكن البناء عليها للمرضى والعائلات المتضررة من هذا المرض المدمر.

مكافحة سرطان الدماغ الأكثر فتكًا: الورم الأرومي الدبقي

الورم الأرومي الدبقي، وهو الشكل الأكثر عدوانية وفتكًا من سرطان الدماغ، هو عدو هائل. إنه ورم ينمو بسرعة، ويقاوم العلاج ويتهرب من دفاعات الجهاز المناعي. الإحصائيات مروعة: بدون علاج، يعيش المرضى عادة لمدة 3-6 أشهر فقط. وحتى مع العلاجات القياسية مثل الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاع، فإن متوسط ​​معدل البقاء على قيد الحياة يظل ضئيلاً لمدة 12 إلى 15 شهرًا.

ولكن ما الذي يجعل الورم الأرومي الدبقي قاتلاً إلى هذا الحد؟ لفهم ذلك، دعونا نتعمق في بيولوجيا المرض. الورم الأرومي الدبقي هو نوع من ورم الدماغ الأولي، مما يعني أنه ينشأ في الدماغ بدلاً من أن ينتشر من جزء آخر من الجسم. ويتميز بمعدل نموه السريع، وسلوكه العدواني، ومقاومته لموت الخلايا المبرمج (موت الخلايا).

أحد التحديات الرئيسية في علاج الورم الأرومي الدبقي هو قدرته على التهرب من جهاز المناعة. يخلق الورم بيئة مثبطة للمناعة، مما يخدع الجهاز المناعي ويدفعه إلى السكون فيقمع قدرته على مهاجمة الخلايا السرطانية. هذا التفاعل المعقد بين الورم والجهاز المناعي يجعل الورم الأرومي الدبقي هدفًا صعب العلاج بشكل خاص.

تخيل لصًا يقتحم منزلًا. هدف اللص هو الحصول على ما يريد دون القبض عليه، لذلك يقومون بتعطيل نظام الأمان واستخدام التمويه لتشتيت انتباه الحراس. وبطريقة مماثلة، تتهرب أورام الورم الأرومي الدبقي من جهاز المناعة عن طريق خلق بيئة تمنع الخلايا المناعية من التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها. تشبه هذه البيئة الدرع الذي يحمي الورم، مما يسمح له بالنمو والانتشار دون رادع.

على الرغم من هذه التحديات، قطع الباحثون خطوات كبيرة في فهم بيولوجيا الورم الأرومي الدبقي. وقد كشف التقدم في التسلسل الجيني عن المشهد الجيني المعقد للمرض، وتحديد الدوافع الرئيسية لنمو الورم والأهداف المحتملة للعلاج. ومع ذلك، فقد ثبت أن ترجمة هذه المعرفة إلى علاجات فعالة أمر بعيد المنال – حتى الآن. يمثل التقدم الأخير في تكنولوجيا اللقاحات الشخصية نقطة تحول مهمة في المعركة ضد الورم الأرومي الدبقي. ومن خلال تسخير قوة الجهاز المناعي، ابتكر العلماء نهجا جديدا لاستهداف هذا المرض الفتاك. ولكن كيف يعمل، وماذا يعني ذلك بالنسبة للمرضى؟

قرن من لقاحات السرطان: تاريخ موجز

بينما يحتفل العلماء بالإنجاز في علاج الورم الأرومي الدبقي، من الضروري الاعتراف بالطريق الطويل والمتعرج الذي أدى إلى هذا الإنجاز. يعود مفهوم لقاحات السرطان إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأ العلماء لأول مرة في استكشاف طرق لتسخير إمكانات الجهاز المناعي لمكافحة السرطان.

في تسعينيات القرن التاسع عشر، كان الطبيب الألماني إميل فون بهرينغ رائدًا في تطوير مضاد سم الخناق، والذي وضع الأساس للعلاج المناعي الحديث. اكتسبت فكرة إمكانية تدريب الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها زخمًا في أوائل القرن العشرين، حيث اقترح باحثون مثل بول إيرليك مفهوم ‘الرصاصة السحرية’ التي يمكن أن تستهدف الأورام.

شهد منتصف القرن العشرين تقدمًا كبيرًا في تطوير لقاحات السرطان، حيث بدأ العلماء في فهم التفاعل المعقد بين الخلايا السرطانية وجهاز المناعة. وفي ستينيات القرن العشرين، كان تطوير أول لقاحات معطلة لسرطان الخلايا الكاملة بمثابة علامة بارزة. اعتمدت هذه اللقاحات المبكرة على الخلايا السرطانية المقتولة، والتي تم إعطاؤها للمرضى على أمل تحفيز الاستجابة المناعية.

ومع ذلك، لم يحقق الباحثون تقدمًا حاسمًا إلا في التسعينيات. إن اكتشاف مستضدات الورم ــ البروتينات الفريدة للخلايا السرطانية ــ مكن العلماء من إنشاء لقاحات أكثر استهدافا وفعالية. مهد هذا التقدم الطريق لتطوير اللقاحات القائمة على الببتيد، والتي تستخدم أجزاء صغيرة من البروتين لتحفيز الاستجابة المناعية.

وبالتقدم سريعًا إلى القرن الحادي والعشرين، أحدث ظهور الهندسة الوراثية ثورة في تطوير لقاحات السرطان. إن ابتكار لقاحات شخصية تعتمد على المستضدات الجديدة، مثل تلك المستخدمة في تجربة الورم الأرومي الدبقي الأخيرة، يمثل حدودا جديدة في العلاج المناعي. ومن خلال الاستفادة من الجينات الورمية الفريدة للمريض، يمكن تصميم هذه اللقاحات لاستهداف خلايا سرطانية معينة، وإعادة برمجة الجهاز المناعي لشن هجوم مستهدف.

وبينما نتطلع إلى مستقبل علاج السرطان، فمن الواضح أن الأفضل لم يأت بعد. إن قصة لقاحات السرطان هي قصة مثابرة وابتكار وتعاون. بينما يواصل العلماء دفع حدود ما هو ممكن، يمكن للمرضى أن يتشجعوا بمعرفة أن حقبة جديدة من علاج السرطان تلوح في الأفق.

فك أسرار الورم: كيف يعمل اللقاح

تخيل أنك قادر على فك رموز اللغة السرية للورم، وفهم كل تحركاته، واستخدام تلك المعرفة لهزيمته. وهذا هو بالضبط ما يفعله اللقاح المخصص الذي تم تطويره حديثًا للورم الأرومي الدبقي. ومن خلال فك رموز أسرار الورم، يوفر اللقاح للجهاز المناعي خريطة طريق للتنقل في دفاعات السرطان وشن هجوم مستهدف.

وفي قلب هذا النهج المبتكر يكمن مفهوم النسخ، وهو دراسة المجموعة الكاملة من الجينات التي يتم التعبير عنها بشكل فعال في الورم. يعمل اللقاح من خلال تحليل نسخة الورم، وتحديد الجينات التي يتم تشغيلها أو إيقافها، وتزويد الجهاز المناعي بـ “دليل تعليمات” مفصّل لمعالجة السرطان.

فكر في النسخة باعتبارها لغزًا معقدًا، حيث يمثل كل جين قطعة حيوية. ومن خلال فهم الجينات التي تساهم بشكل فعال في نمو الورم، يستطيع الجهاز المناعي تحديد نقاط الضعف واستهدافها بدقة. تعتبر هذه الدقة بالغة الأهمية، لأنها تسمح لجهاز المناعة بتجنب إيذاء الخلايا السليمة وتركيز هجومه على الخلايا السرطانية.

إن قدرة اللقاح على فك رموز أسرار الورم ممكنة أيضًا من خلال آلية عمله الفريدة. ومن خلال أخذ الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) الخاص بالورم وتعبئته في لقاح جاهز، يمكن للباحثين “تعليم” الجهاز المناعي كيفية التعرف على السرطان ومهاجمته. وهذا النهج يشبه إنشاء مخطط مخصص للورم، مما يسمح لجهاز المناعة بالتنقل في دفاعاته وشن هجوم مستهدف.

الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا عميقة. ومن خلال فك أسرار الورم، يستطيع العلماء الآن تطوير لقاحات شخصية يمكن تصميمها لتناسب المرضى الأفراد، مما يزيد من فرص النجاح ويقلل من مخاطر الآثار الجانبية الضارة. لم يبدو مستقبل علاج السرطان أكثر إشراقًا من أي وقت مضى، كما أن إمكانية إحداث هذه التكنولوجيا ثورة في الطريقة التي نكافح بها السرطان هائلة.

أمل جديد: نتائج التجارب السريرية ونتائج المرضى

جلبت أحدث نتائج التجارب السريرية تفاؤلًا متجددًا لمكافحة الورم الأرومي الدبقي. تلقى أربعة مرضى مصابين بالورم الأرومي الدبقي المقاوم للعلاج جرعتين أو أربع جرعات من اللقاح المخصص، وكانت النتائج رائعة.

في هذه الدراسة الرائدة، لاحظ الباحثون تنشيطًا مناعيًا كبيرًا وسريعًا، مع ارتفاع كبير في البروتينات المسببة للالتهابات بعد ساعات فقط من إعطاء اللقاح. تقوم هذه البروتينات بتجنيد خلايا الدم البيضاء القاتلة إلى موقع الورم، مما يمثل تحولا حاسما في قدرة الجهاز المناعي على التعرف على السرطان ومهاجمته. وكان التعزيز المبكر لجهاز المناعة مصحوبًا بآثار جانبية قصيرة المدى للاستجابة المناعية، مثل الغثيان والحمى المنخفضة والقشعريرة، والتي تلاشت تدريجيًا خلال اليوم أو اليومين التاليين. والأهم من ذلك أن تأثير اللقاح كان واضحا في نتائج المرضى.

عاش أحد المرضى ثمانية أشهر دون أن يتطور المرض، في حين عاش آخر لمدة تسعة أشهر. عاش مريض ثالث لمدة تسعة أشهر أخرى مصابًا بالورم الأرومي الدبقي المتكرر. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات دقيقة عن بقاء المريض الرابع على قيد الحياة بعد، إلا أن هذه النتائج تمثل بارقة أمل لمرضى الورم الأرومي الدبقي وعائلاتهم.

ولوضع هذه النتائج في نصابها الصحيح، فإن المرضى الذين عولجوا بالعلاجات التقليدية مثل العلاج الكيميائي والإشعاع والجراحة يعيشون عادة لمدة ستة أشهر تقريبًا دون تطور المرض. لقد نجح اللقاح الجديد في تمديد هذه الفترة بشكل فعال، مما يوفر بصيص أمل لمرض كان يعتبر منذ فترة طويلة بمثابة حكم بالإعدام.

فتح مستقبل علاج السرطان: التأثير والإمكانات

تمثل التجربة السريرية الناجحة للقاح المخصص للورم الأرومي الدبقي علامة بارزة في مكافحة هذا المرض الفتاك. وبينما نتطلع إلى المستقبل، فإن الآثار المترتبة على هذا الاختراق هي بعيدة المدى وعميقة. يتمتع هذا النهج المبتكر بالقدرة على إحداث ثورة في علاج السرطان، مما يوفر أملًا جديدًا للمرضى والأسر المتضررة من هذا المرض المدمر.

إحدى أهم مزايا تكنولوجيا اللقاح هذه هي دقتها. ومن خلال استهداف جينات وطفرات جينية محددة، يتجنب اللقاح إيذاء الخلايا السليمة، مما يقلل من خطر الآثار الجانبية الضارة. يسمح هذا النهج المستهدف أيضًا لجهاز المناعة بتركيز هجومه على الورم، مما يزيد من فرص النجاح.

تعد قدرة اللقاح على إعادة برمجة البيئة الدقيقة للورم جانبًا مهمًا آخر في آلية عمله. ومن خلال جعل الورم أكثر عرضة للهجوم المناعي، يتغلب اللقاح على أحد التحديات الرئيسية في علاج الورم الأرومي الدبقي. يتمتع هذا الابتكار بالقدرة على فتح إمكانيات جديدة لعلاج السرطان. ومع استمرار الباحثين في تحسين طريقة توصيل اللقاح وجرعته، يمكننا أن نتوقع رؤية نتائج أكثر إثارة للإعجاب في المستقبل. إن إمكانية تطبيق تكنولوجيا اللقاح هذه على أنواع أخرى من السرطان هائلة، مما يوفر إمكانيات جديدة لعلاج هذا المرض المعقد والمتعدد الأوجه.

في المستقبل القريب، يمكننا أن نتوقع رؤية دمج تكنولوجيا اللقاح هذه مع علاجات مناعية وخطط علاجية أخرى لإنشاء نهج متعدد التخصصات لعلاج السرطان. يتمتع هذا التآزر بالقدرة على فتح إمكانيات جديدة للمرضى، مما يوفر نهجًا أكثر فعالية واستهدافًا لمكافحة السرطان. إن قصة هذا الإنجاز لا تتعلق بالعلم فحسب؛ يتعلق الأمر بالأشخاص الذين ستتغير حياتهم بسبب هذا الابتكار. إنه يتعلق بالعائلات التي ستحظى بمزيد من الوقت مع أحبائها، والمرضى الذين سيكون لديهم فرصة جديدة للحياة، والأمل الذي سيتم إشعاله من جديد لدى المتضررين من هذا المرض المدمر. وبينما نتطلع إلى المستقبل، هناك شيء واحد واضح: تكنولوجيا اللقاح هذه لديها القدرة على تغيير مشهد علاج السرطان إلى الأبد. إنها منارة أمل في مكافحة السرطان، وسيكون تأثيرها محسوسًا للأجيال القادمة.

إنسان الغاب يفاجئ العلماء باستخدام النباتات الطبية في علاج الجروح

في الغابات المطيرة الكثيفة في إندونيسيا، ألقى اكتشاف رائع ضوءًا جديدًا على عالم التطبيب الذاتي الحيواني المذهل. كشفت دراسة حديثة، نشرت في مجلة Scientific Reports، أن إنسان الغاب، مثل البشر والشمبانزي، يستخدم النباتات لعلاج جروحه. هذا الاكتشاف الرائد له آثار مهمة على فهمنا لسلوك الحيوان وتطور الطب البشري.

أشرفت على الدراسة عالمة الرئيسيات إيزابيل لومر من معهد ماكس بلانك، التي لاحظت، مع زملائها، السلوك المذهل لذكر إنسان الغاب السومطري يُدعى راكوس. لوحظ أن راكوس يستخدم نباتًا طبيًا، يدعى أكار كونينج (فيبراوريا تينكتوريا)، لعلاج جرح مفتوح في وجهه. قام بجمع الأوراق ومضغها ووضع اللب على جرحه عدة مرات، مما يدل على فهم واضح للخصائص العلاجية للنبات. تمت الملاحظة في 25 يونيو 2022، في متنزه جونونج ليوسر الوطني، بإندونيسيا. تم إجراء البحث في الغابات المطيرة بإندونيسيا، حيث يتجول إنسان الغاب بحرية.

تفتح هذه الملاحظة الرائعة آفاقًا جديدة لفهم العلاج الذاتي للحيوانات وتطور الطب البشري. في الأقسام التالية، سوف نتعمق أكثر في العالم الرائع للشفاء الذاتي للحيوانات، ونستكشف المفاهيم العلمية والتاريخ وراء هذا الاكتشاف الرائد.

الصيدلة القديمة للرئيسيات

في العالم القديم، لم يكن البشر هم الوحيدون الذين يبحثون في خزانة الأدوية الطبيعية للعثور على علاجات لأمراضهم. كما أن أبناء عمومتنا من الرئيسيات يستخدمون العالم الطبيعي لتهدئة آلامهم وأمراضهم. من اللب المر لنبات فيرنونيا أميجدالينا لعلاج عدوى الديدان لدى الشمبانزي إلى الخلطات غير المعروفة التي يستخدمها إنسان الغاب، فإن استخدام النباتات كدواء هو سلوك يعود إلى ملايين السنين.

أحد الجوانب الأكثر روعة في العلاج الذاتي لدى الرئيسيات هو تنوع النباتات والمواد المستخدمة. في الكونغو، على سبيل المثال، لوحظ أن الشمبانزي يستخدم لحاء شجرة Ancistrocladus korupensis لعلاج الالتهابات الطفيلية. وفي أجزاء أخرى من أفريقيا، يستخدم الشمبانزي أوراق نبات Aspilia pluriiseta لدرء البعوض المسبب للملاريا. وتستمر قائمة النباتات الطبية التي تستخدمها الرئيسيات، حيث يقوم كل نوع بتطوير دستور الأدوية الخاص به على مدى ملايين السنين من التطور.

ولكن ما الذي يدفع هذه المخلوقات الذكية لاستكشاف محيطها لأغراض طبية؟ هل هي التجربة والخطأ، أم أن هناك فهمًا أعمق للعالم الطبيعي الذي يلعب دوره؟ يعتقد العلماء أن العديد من أنواع الرئيسيات قد طورت فهمًا فطريًا للنباتات التي يجب استخدامها للأغراض الطبية. غالبًا من خلال الملاحظة والتجريب. ويتم بعد ذلك تمرير هذه المعرفة عبر الأجيال، مما يسمح للأنواع بالتكيف والازدهار في بيئاتها.

بطبيعة الحال، لا يقتصر استخدام النباتات الطبية على الرئيسيات فقط. وقد لوحظ أن العديد من أنواع الحيوانات، من الطيور إلى الحشرات، تستخدم النباتات لعلاج الأمراض المختلفة. ومع ذلك، فإن التعقيد في العلاج الذاتي للرئيسيات، كما رأينا في حالة إنسان الغاب راكوس، يميز هذه المخلوقات الذكية عن غيرها من الحيوانات.

الكشف عن أسرار شفاء الجروح لدى إنسان الغاب

راكوس، ذكر إنسان الغاب السومطري، تمت ملاحظته وهو يستخدم نباتًا طبيًا، أكار كونينج (فيبراوريا تينكتوريا)، لعلاج جرح مفتوح في وجهه. ولكن ما الذي يجعل هذا السلوك مميزًا للغاية، وما هي الأسرار التي يمكننا كشفها حول قدرات شفاء الجروح لدى هذه المخلوقات الذكية؟

لفهم سلوك راكوس، نحتاج إلى الخوض في عالم كيمياء النبات الرائع. وقد تم توثيق الخصائص الطبية لأكار كونينغ بشكل جيد في الطب التقليدي، حيث تم استخدامه لعلاج الجروح والسكري والدوسنتاريا والملاريا. كشف تحليل التركيب الكيميائي للنبات عن خصائص مضادة للبكتيريا، ومضادة للالتهابات، ومضادة للفطريات، ومضادة للأكسدة – وهو مزيج قوي من عوامل الشفاء.

من المحتمل أن يكون راكوس قد اكتشف تأثيرات أكار كونينج في تخفيف الألم بالصدفة أثناء تناول النبات. وربما لاحظ أن النبات خفف من الانزعاج الناتج عن الجرح، مما دفعه إلى تكرار السلوك عدة مرات. تعتبر عملية الاكتشاف هذه أمرًا بالغ الأهمية في فهم أصول التطبيب الذاتي عند الحيوانات.

يثير سلوك راكوس أيضًا تساؤلات حول تعلم ونقل المعرفة المتعلقة بشفاء الجروح لدى إنسان الغاب. هل تعلم هذا السلوك من والدته أو من أعضاء المجموعة الآخرين، أم أنه اكتشفه بشكل مستقل؟ نظرًا لأن إنسان الغاب يتفرق عن مجموعات ولادته بمجرد وصوله إلى مرحلة النضج، فمن الممكن أن يكون راكوس قد أحضر معه هذه المعرفة من مجموعته الأصلية.

من الألم إلى الراحة: رحلة راكوس إلى الشفاء الذاتي

كان راكوس، إنسان الغاب واسع الحيلة، يتعامل مع جرح مفتوح مؤلم في وجهه، نتيجة معركة شرسة مع ذكر آخر. قاده بحثه عن الإغاثة إلى اكتشاف الخصائص العلاجية لنبات أكار كونينغ، وهو نبات طبي موطنه الغابات المطيرة الإندونيسية. لكن كيف تمكن راكوس، بذكائه وطبيعته الغريزية، من تجاوز تعقيدات التئام الجروح، وماذا يمكننا أن نتعلم من رحلته الرائعة؟

عندما قام راكوس بوضع لب أكار كونينج على جرحه، أظهر فهمًا واضحًا لخصائص النبات المسكنة والمضادة للبكتيريا. ومن خلال التطبيقات المتكررة، تمكن من تخفيف الألم والانزعاج المرتبط بإصابته. يثير هذا السلوك المتعمد تساؤلات حول المعرفة الفطرية لإنسان الغاب بطب النبات وقدرته على التكيف مع المواقف الجديدة.

ما الذي دفع راكوس للبحث عن أكار كونينج على وجه التحديد؟ هل كانت رائحة النبات القوية النفاذة، أم طعمه المرير، هو الذي ربما يشير إلى خصائصه الطبية؟ ربما لاحظ راكوس أن إنسان الغاب الآخر يستخدم النبات لأغراض مماثلة. مهما كان السبب، فإن تصرفات راكوس تُظهر مستوى من الوعي الذاتي وقدرات حل المشكلات لا تقل عن كونها رائعة.

كشف جذور الطب البشري

بينما نتعمق أكثر في عالم التطبيب الذاتي الحيواني الرائع، نبدأ في الكشف عن العلاقات المعقدة بين البشر والحيوانات والعالم الطبيعي. إن اكتشاف سلوك راكوس في علاج الجروح هو أكثر من مجرد حكاية رائعة – إنه نافذة على تطور الطب البشري.

يثير استخدام نباتات إنسان الغاب والرئيسيات الأخرى للنباتات الطبية تساؤلات مهمة حول أصول الطب البشري. إذا كانت القردة العليا مثل إنسان الغاب، والشمبانزي، والغوريلا تستخدم النباتات لعلاج أمراضها لملايين السنين، فمن أين تعلم البشر هذا السلوك؟ هل اكتشفنا النباتات الطبية بشكل مستقل، أم أننا تعلمنا من أبناء عمومتنا الرئيسيات؟

قد تكمن الإجابة في تاريخنا التطوري المشترك. لقد اختلف البشر والقردة العليا عن سلف مشترك منذ حوالي 6-8 ملايين سنة. خلال هذا الوقت، من المحتمل أن أسلافنا عاشوا على مقربة من بعضهم البعض، وتبادلوا المعرفة والسلوكيات. من الممكن أن يكون البشر الأوائل قد تعلموا عن النباتات الطبية من خلال مراقبة وتقليد سلوكيات أبناء عمومتهم من الرئيسيات.

الآثار المترتبة على هذا الاكتشاف عميقة. إذا تعلم البشر في الواقع عن النباتات الطبية من القردة العليا، فهذا يعني أن فهمنا للطب البشري يرتبط بشكل أساسي بالعالم الطبيعي وتراثنا الرئيسي. وهذا يتحدى نظرتنا التقليدية للطب البشري باعتباره اختراعًا بشريًا بحتًا، مما يسلط الضوء على أهمية الترابط بين البشر والعالم الطبيعي.

ألكابتونيوريا أو البول الأسود: ما وراء السواد!

مرض ألكابتونيوريا Alkaptonuria، المعروف أيضًا باسم “البول الأسود”، هو اضطراب وراثي نادر يصيب الأفراد بسبب طفرة جينية. يؤدي هذا الاضطراب إلى عدم قدرة الجسم على تحلل بعض الأحماض الأمينية بشكل صحيح، مما يتسبب في تراكم حمض الهوموجنتيسيت في الجسم. ويرجع سبب هذا التراكم إلى نقص في الإنزيم الذي يلعب دورًا في عملية تحلل هذه الأحماض، والذي ينتج عن طفرة جينية معينة.

ما يلي تاريخ هذا المرض عبر السنين;

تاريخ مرض بِيلَة الكابتونِيَّة (ألكابتونيوريا) واكتشافه:

العصور الوسطى:

  • أولى الملاحظات: تمّت ملاحظة أعراض مرض ألكابتونيوريا لأول مرة في العصور الوسطى، حيث وصف بعض الأطباء حالات غامضة لأشخاص يعانون من بول داكن وألم في المفاصل.
  • صعوبة التشخيص: في ذلك الوقت، لم يكن هناك فهم واضح للسبب الكامن وراء هذه الأعراض، مما جعل التشخيص صعبًا.
  • تسمية المرض:
    • الاسم اللاتيني: Alkaptonuria، مشتق من الكلمات اليونانية “alkapton” (قلوي) و”ouron” (بول).
    • الاسم العربي: بِيلَة الكابتونِيَّة، ترجمة مباشرة للاسم اللاتيني.

في القرن التاسع عشر:

  • تقدم في الفهم:
    • 1819: اكتشف الكيميائي الفرنسي “أنتوان فرانسوا دافريل” وجود مادة كيميائية غير معروفة في بول مرضى بِيلَة الكابتونِيَّة.
    • 1842: حدد الكيميائي الألماني “كارل شتيلر” هذه المادة بأنها حمض الهوموجنتيسيك.
  • ربط الأعراض بالسبب:
    • 1882: اقترح الطبيب البريطاني “أركيبالد غارود” أنّ تراكم حمض الهوموجنتيسيك في الجسم هو سبب أعراض مرض بِيلَة الكابتونِيَّة.
    • 1902: أكد الطبيب الألماني “كارل فون نوردنغ” نظرية غارود من خلال تحليل عينات من أنسجة مرضى ألكابتونيوريا.

خلال القرن العشرين:

  • فهم الوراثة:
    • 1923: اقترح الطبيب الأمريكي “أرشيبالد غارود” أنّ مرض ألكابتونيوريا ينتقل عن طريق الوراثة.
    • 1953: حدد عالم الوراثة البريطاني “جون بيدفورد سوليفان” الجين المسؤول عن المرض على الكروموسوم 3.
  • تطور العلاجات:
    • 1954: تمّ استخدام فيتامين ج لأول مرة كعلاج للمرض، حيث يساعد على تقليل تراكم حمض الهوموجنتيسيك في الجسم.
    • 1980s: تمّ تطوير نظام غذائي خاص للأشخاص المصابين، يقلل من تناول التيروزين والفينيل ألانين، وهما حمضان أمينيان يُنتجان حمض الهوموجنتيسيك.

القرن الحادي والعشرين:

  • علاجات جديدة:
    • 2008: تمّ الموافقة على عقار ” nitisinone” لعلاجه في أوروبا، حيث يعمل على تقليل إنتاج حمض الهوموجنتيسيك في الجسم.
    • 2014: تمّ الموافقة على عقار ” nitisinone” لعلاج مرض ألكابتونيوريا في الولايات المتحدة.
  • العلاج الجيني:
    • أبحاث جارية: يتمّ إجراء أبحاث مكثفة لتطوير علاج جيني،
    • الهدف: إصلاح الجين المعطوب أو إدخاله إلى الجسم لمنع تراكم حمض الهوموجنتيسيك.

الخلاصة:

  • مرّ مرض بِيلَة الكابتونِيَّة برحلة طويلة من الاكتشاف إلى الفهم والعلاج.
  • ساهمت جهود العلماء والأطباء على مرّ السنين في تحسين فهم المرض وتطوير علاجات أكثر فعالية.
  • لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتطوير علاج شافٍ للمرض.

انتشار مرض بِيلَة الكابتونِيَّة (ألكابتونيوريا) وتوزعه:

  • مرض نادر: يُعدّ مرض ألكابتونيوريا مرضًا نادرًا، حيث يُصيب حوالي 1 من بين 250.000 شخص.
  • معدل حدوثه: يُقدّر معدل حدوث بحوالي 1 لكل مليون مولود جديد.

توزيع المرض:

  • لا يُوجد توزيع جغرافي محدد لمرض بِيلَة الكابتونِيَّة، لكنه موجود في جميع أنحاء العالم.
  • مناطق انتشاره:
    • سلوفاكيا: حيث يُصيب حوالي 1 من بين 10.000 شخص.
    • الجمهورية الدومينيكية: حيث يُصيب حوالي 1 من بين 14.000 شخص.
    • مناطق أخرى: يوجد أيضًا في مناطق أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا.

أسبابه:

بِيلَة الكابتونِيَّة أو ألكابتونيوريا هوَ مَرض وراثي خَلقي سببه نَقص الإنزيم الضروري لِتحليل الحمضين الإمينيين تيروسين (Tyrosine) و فينيل ألانين (Phenylalanine) مما يؤدي إلى تراكُم حمض أكسيداز هوموجنتيزات (Homogentisate Oxidase) في الدَم والبول.

Homogentisic acid
آلية حدوث المرض

انتقال المرض:

يُعدّ الألكابتونيوريا مرضًا متنحيًا Autosomal Recessive. هذا يعني أنّ الشخص لا يُصاب بالمرض إلا إذا ورث نسختين معيبتين من الجين من كلا الوالدين.

اسم الجين وموقعه في مرض بِيلَة الكابتونِيَّة (ألكابتنيوريا):

اسم الجين:

  • اسم الجين العلمي: HGD (Homogentisate 1,2-dioxygenase gene)
  • اسم الجين الشائع: جين هيدروكسيلاز الهوموجنتيسيك

موقعه:

  • الكروموسوم: 3
  • الموقع: 3p21
طفرة ألكابتونيوريا

وظيفة الجين:

  • يُنتج هذا الجين إنزيم هيدروكسيلاز الهوموجنتيسيك، وهو إنزيم ضروري لتحويل مادة كيميائية تسمى حمض الهوموجنتيسيك إلى مادة أخرى.

الطفرة:

  • يحدث مرض بِيلَة الكابتونِيَّة بسبب طفرة في جين HGD. تؤدي هذه الطفرة إلى إيقاف أو تقليل نشاط إنزيم هيدروكسيلاز الهوموجنتيسيك، مما يؤدي إلى تراكم حمض الهوموجنتيسيك في الجسم.

أنواع الطفرات:

  • تتنوع أنواع الطفرات التي تؤثر على جين HGD، تشمل:
    • طفرة الحذف: تُعدّ أكثر أنواع الطفرات شيوعًا، حيث يتمّ حذف جزء من الجين.
    • طفرة الاستبدال: يتمّ استبدال قاعدة واحدة أو أكثر من قواعد الحمض النووي في الجين بقاعدة أخرى.
    • طفرة الإدراج: يتمّ إدراج قاعدة واحدة أو أكثر من قواعد الحمض النووي في الجين بين قاعدتين موجودتين.
    • طفرة التكرار: يتمّ تكرار جزء من الجين مرة واحدة أو أكثر.

تأثير الطفرة:

  • قد تؤثر هذه الطفرات على الجين بشكل مختلف، مما يؤدي إلى تنوع شدة أعراض مرض بِيلَة الكابتونِيَّة.

أعراض شائعة:

  • تلون البول باللون الداكن: يُعدّ هذا أول علامات بِيلَة الكابتونِيَّة، ويظهر غالبًا منذ الولادة. يتحول لون البول إلى اللون الداكن بسبب تراكم حمض الهوموجنتيسيك فيه.
البول الأسود في حالة ألكابتونيوريا
  • ألم المفاصل: عادةً ما يبدأ ألم المفاصل في الظهور بعد سن 30 عامًا.
    • التهاب المفاصل العظمي: تتلف الغضاريف في المفاصل، ممّا يُسبب ألمًا وتيبسًا وصعوبة في الحركة.
    • التهاب المفاصل الروماتويدي: قد يُصاب بعض الأشخاص بالتهاب المفاصل الروماتويدي.
  • تلف صمامات القلب: تتراكم مادة حمض الهوموجنتيسيك على صمامات القلب، ممّا قد يُؤدّي إلى ضيقها أو قصورها.
    • أعراض تلف صمامات القلب: ضيق التنفس، وألم الصدر، والتعب، والانتفاخ في الساقين، وعدم انتظام ضربات القلب.
  • حصى الكلى: تتشكل حصى الكلى من مادة حمض الهوموجنتيسيك.
    • أعراض حصى الكلى: ألم شديد في أسفل الظهر أو الجانب، وغثيان، وقيء، ودم في البول.
  • ترسبات في الأعضاء الأخرى:
    • قد تتراكم مادة حمض الهوموجنتيسيك في أعضاء أخرى، مثل الكبد والرئتين، ممّا قد يُؤدّي إلى تلفها.
    • أعراض تلف الكبد: اصفرار الجلد والعينين، والتعب، وفقدان الشهية، والغثيان والقيء.
    • أعراض تلف الرئتين: ضيق التنفس، والسعال، وألم الصدر.
  • تأثيرات جلدية: قد يتحول لون الجلد إلى اللون الأزرق أو الرمادي بسبب تراكم حمض الهوموجنتيسيك في الجلد.
  • ضعف المناعة: قد يكون المرضى أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بسبب ضعف جهاز المناعة.

تشخيص مرض بِيلَة الكابتونِيَّة (ألكابتنيوريا):

يعتمد تشخيص مرض بِيلَة الكابتونِيَّة على عدة عوامل، تشمل:

  • الأعراض: قد يشير وجود بعض الأعراض، مثل تلون البول باللون الداكن وألم المفاصل، إلى الإصابة بالمرض.
  • التاريخ العائلي: وجود تاريخ عائلي مع مرض بِيلَة الكابتونِيَّة يُعدّ عامل خطر مهم.
  • الفحوصات الجسدية: قد يُلاحظ الطبيب بعض العلامات الجسدية، مثل تغير لون الجلد أو وجود حصى الكلى، التي قد تُشير إلى الإصابة بالمرض.
  • الفحوصات المخبرية: تُستخدم مجموعة من الفحوصات المخبرية لتشخيص بِيلَة الكابتونِيَّة، تشمل:
    • تحليل البول: يُظهر تحليل البول وجود حمض الهوموجنتيسيك، وهو المادة الكيميائية التي تتراكم في الجسم في هذا المرض.
    • فحص الدم: يُستخدم فحص الدم لقياس مستويات حمض الهوموجنتيسيك في الدم.
    • اختبارات الجينات: تُستخدم اختبارات الجينات لتحديد وجود طفرة في جين HGD، المسؤول عن إنتاج إنزيم هيدروكسيلاز الهوموجنتيسيك.

مراحل التشخيص:

  • الاشتباه بالمرض: قد يُشتبه الطبيب في الإصابة بِيلَة الكابتونِيَّة بناءً على الأعراض والتاريخ العائلي والفحوصات الجسدية.
  • إجراء الفحوصات المخبرية: تُستخدم الفحوصات المخبرية لتأكيد أو استبعاد التشخيص.
  • اختبارات الجينات: قد تُستخدم اختبارات الجينات لتأكيد وجود طفرة في جين HGD.

تشخيص حديثي الولادة:

  • في بعض البلدان، يتمّ إجراء اختبارات فحص حديثي الولادة للكشف عن بِيلَة الكابتونِيَّة.
  • يُساعد الكشف المبكر عن المرض في بدء العلاج في وقت مبكر، ممّا قد يُساعد على تحسين نوعية الحياة وتقليل خطر حدوث المضاعفات.

أمراض وراثية أخرى:

الهيموفيليا

متلازمة داون

علاجات مرض بِيلَة الكابتونِيَّة (ألكابتونيوريا):

لا يوجد علاج شافٍ لبِيلَة الكابتونِيَّة، لكن تهدف العلاجات إلى إدارة الأعراض وتحسين نوعية الحياة. تشمل العلاجات ما يلي:

1. معالجة المضاعفات:

  • تخفيف الألم: تُستخدم الأدوية لتخفيف ألم المفاصل، مثل مضادات الالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) وأدوية مسكنات الألم الأخرى.
  • جراحة استبدال المفاصل: قد تكون جراحة استبدال المفاصل ضرورية في بعض الحالات لعلاج تلف المفاصل المتقدم.
  • معالجة حصى الكلى: قد تشمل علاج حصى الكلى شرب كميات كبيرة من السوائل، والأدوية لتفتيت الحصى، وإجراء جراحة لإزالة الحصى الكبيرة.
  • معالجة تلف صمامات القلب: قد تشمل علاج تلف صمامات القلب إصلاح أو استبدال صمامات القلب.
  • معالجة تلف الأعضاء الأخرى: قد تشمل علاج تلف الأعضاء الأخرى مثل الكبد والرئتين الأدوية والعلاجات الجراحية.

2. النيتسينين:

  • هو دواء يُقلّل من إنتاج حمض الهوموجنتيسيك، ممّا قد يُؤدّي إلى تحسين الأعراض.
  • يتمّ إعطاء النيتسينين عن طريق الوريد.
  • قد يُسبّب النيتسينين بعض الآثار الجانبية، مثل الغثيان والقيء والحمى.

3. النظام الغذائي:

  • يُنصح بتقليل تناول الأطعمة الغنية بالفينيل ألانين والتيروزين.
  • قد يُساعد اتباع نظام غذائي خاص في تقليل تراكم حمض الهوموجنتيسيك في الجسم وتحسين الأعراض.

4. العلاج الجيني:

  • لا يزال العلاج الجيني لمرض بِيلَة الكابتونِيَّة قيد البحث والتطوير.
  • يهدف العلاج الجيني إلى إصلاح الجين المعيب أو إدخاله إلى الجسم لمنع تراكم حمض الهوموجنتيسيك.

مصادر ومراجع:

[1] MedlinePlus

[2] NCBI

[3] AKU society

[4] University of Liverpool

الوراثة والميلانين: فهم مرض البرص | Albinism

البرص: الجمال في الفرادة

هل صادفت يومًا شخصًا بشعر أبيض ناصع وعينين زرقاوين ساحرتين؟ قد يكون هذا الشخص حاملًا لسرّ من أسرار الطبيعة: مرض البرص!

منذ فجر التاريخ، لفت مرض البرص انتباه البشر. تمّ وصف “الرجال البيض” لأول مرة في النصوص المصرية القديمة، حوالي عام 2000 قبل الميلاد. ربطهم المصريون القدماء بآلهة الشمس، واعتبروهم رمزًا للنقاء والبراءة.

في العصور الوسطى، اتخذت نظرة المجتمع تجاه مرض البرص منعطفًا مظلمًا. تمّ اعتبار البرص علامة على لعنة أو مرض، وتمّ استبعاد الأشخاص المصابين به من الحياة العامة. عاشوا في عزلة، يواجهون الخوف والتمييز.

في القرن التاسع عشر، بدأ العلماء في كشف أسرار مرض البرص. اكتشف جوزيف جاكوبس (طبيب بريطاني) أنّ البرص ناتج عن نقص الميلانين، الصبغة التي تُعطي لونًا للجلد والشعر والعينين. ساعد هذا الاكتشاف في تبديد بعض الخرافات حول البرص، وفتح الباب أمام فهم أفضل للمرض.

شهد القرن العشرون تقدمًا هائلًا في علاج مرض البرص. تمّ تطوير واقيات الشمس التي تحمي جلد الأشخاص المصابين من أشعة الشمس الضارة. ساعدت النظارات الطبية والعدسات اللاصقة في تحسين الرؤية. [1]

تعريف البرص وأنواعه:

يُعرف البرص أو المهق (بالإنجليزية: Albinism) بأنه حالة جلدية وراثية تحدث بسبب خلل أو اضطراب في إنتاج صبغة الميلانين (بالإنجليزية: Melanin)؛ وهي مادة طبيعية يتم إنتاجها في الجسم وتمنح الشعر والجلد وقزحية العين لونها. وفي حين أن معظم الأشخاص المصابين بالبرص يتمتعون بصحة جيدة، إلا أنهم قد يعانون من مشكلات في الرؤية.

تقسم حالات البرص بشكل عام إلى نوعين رئيسيين، حيث يختلف كل نوع عن الآخر في الأعضاء المتأثرة والجينات المصابة بالخلل، وفيما يلي شرح موجز لكل منهما:

البرص العيني (Ocular Albinism – OA):
هذا النوع من البرص يتسبب في ظهور أعراضه بشكل أساسي على العينين، مما يؤدي إلى تغير في لون شبكية العين وقزحية العين. يحدث هذا نتيجة خلل أو طفرة جينية في الكروموسوم X، مما يؤثر بشكل رئيسي على المواليد الذكور، لكن قد يصيب الإناث أيضًا في حالات نادرة.

البرص العيني الجلدي (Oculocutaneous Albinism – OCA):
يؤثر هذا النوع من البرص على الجلد والشعر إلى جانب العينين، ويحدث نتيجة لخلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج صبغة الميلانين.

بالإضافة إلى الأنواع الرئيسية المذكورة أعلاه، هناك أنواع أخرى أقل شيوعًا للبرص، منها:

متلازمة هيرمانسكي بودلاك (Hermansky-Pudlak Syndrome):
تتشابه أعراض هذا النوع مع أعراض البرص العيني الجلدي، إلا أنه يُسبب أيضًا مشكلات في الأمعاء والقلب والكلى والرئة، بالإضافة إلى اضطرابات النزيف بما في ذلك الهيموفيليا.

متلازمة شدياك هيغاشي (Chediak-Higashi Syndrome):
تتشابه أعراض هذا النوع أيضًا مع أعراض البرص العيني الجلدي، ومع ذلك، يميل لون بشرة المصابين به إلى الفضي أو الرمادي، بالإضافة إلى احتمالية حدوث اضطراب في خلايا الدم البيضاء، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالعدوى. [2][3]

أسبابه:

مرض البرص ينشأ نتيجة خلل وراثي يُولد به الطفل المصاب، حيث يحدث هذا الخلل في الجينات المسؤولة عن إنتاج أو توزيع صبغة الميلانين في الجسم، وهو ما قد يؤدي إلى غياب كلي أو انخفاض في كمية الميلانين المنتجة.

بالتالي، يُعتبر البرص اضطرابًا وراثيًا، ولكي يصاب الطفل به، يجب أن يكون كلا الوالدين مصابين بالمرض أو حاملين لجين الإصابة. وفي معظم الحالات، يكون لدى المصابين آباء حاملين لجين الإصابة فقط، دون أن تظهر عليهم أعراض المرض. [2]

ملاحظة:

هناك عدة جينات تلعب دورًا في إنتاج أو توزيع صبغة الميلانين في الجسم، ومن أهمها:

  1. جين TYR (Tyrosinase): هذا الجين يُعتبر أحد أهم الجينات المسؤولة عن إنتاج الميلانين، حيث يُشفر لإنزيم التيروزيناز الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تحويل التيروزين (amino acid) إلى دوبا وبعدها إلى الميلانين. يقع هذا الجين على الكروموسوم 11.
  2. جين TYRP1 (Tyrosinase-Related Protein 1): هذا الجين يُشفر لبروتين مرتبط بإنزيم التيروزيناز (TYR)، وهو يشارك في عملية تكوين الميلانين. يقع هذا الجين على الكروموسوم 9.
  3. جين OCA2 (Oculocutaneous Albinism Type 2): يُعتبر هذا الجين مسؤولًا أيضًا عن إنتاج الميلانين، حيث يُشفر لبروتين يلعب دورًا في تنظيم نقل الميلانوسومات (organelles) داخل خلايا الجلد والشعر. يقع هذا الجين على الكروموسوم 15.
  4. جين SLC45A2 (Solute Carrier Family 45 Member 2): يُشفر هذا الجين لبروتين يُعتقد أنه يشارك في نقل الميلانين من داخل الخلايا نحو الخارج، مما يؤثر على توزيع الميلانين في الجسم. يقع هذا الجين على على الكروموسوم 5.

الأعراض:

  1. لون الجلد والشعر والعين:
    • الجلد: يتميز بالشعر الأبيض والبشرة الفاتحة للغاية مقارنةً بالأشقاء أو الأقارب الآخرين.
    • الشعر: قد يكون أبيضًا ناصعًا أو بنيًا. لدى المصابين بالبرص من أصول إفريقية أو آسيوية، يكون لون شعرهم أصفرًا أو أحمرًا أو بنيًا.
    • العيون: قد يتراوح لون العينين من الأزرق الفاتح جدًا إلى البني. يمكن أن يكون لون العين أحمرًا في بعض أنواع الإضاءة.
  2. مشكلات الرؤية:
    • تحرك العينين بشكل غير إرادي (الرأرأة).
    • وضعية رأس غير طبيعية لتحسين الرؤية.
    • عدم نظر العينين في الاتجاه ذاته أو نظر العينين إلى اتجاهين مختلفين (الحول).
    • عدم القدرة على رؤية الأشياء القريبة أو البعيدة (طول النظر أو قصر النظر).
    • حساسية شديدة للضوء (رهاب الضوء). [1][3]

تشخيص الإصابة بالبرص:

تشخيص البرص يتم عادة من خلال التقييم السريري للعلامات والأعراض المرتبطة بهذا المرض، ويشمل العناصر التالية:

  1. الفحص الجسدي: يقوم الطبيب بفحص الجلد والشعر والعيون للبحث عن علامات البرص، مثل البشرة الفاتحة أو غير الموجودة للميلانين، والشعر الأشقر أو الأحمر غير الملون، والعيون الزرقاء أو الرمادية.
  2. التاريخ الطبي والعائلي: يتم استجواب المريض للتحقق من وجود أي تاريخ طبي أو عائلي لحالات البرص، بما في ذلك إذا كان هناك أقارب في العائلة يعانون من المرض.
  1. اختبارات وظيفية: قد يتم إجراء اختبارات وظيفية للعينين والجلد لتقييم مدى تأثير المرض على الرؤية والحس الوجداني وحساسية الجلد لأشعة الشمس.
  2. التصوير الطبي: قد يطلب الطبيب إجراء فحوصات تصويرية مثل الرنين المغناطيسي أو الأشعة السينية لتقييم أي تغيرات في الهيكل أو الوظيفة الداخلية للجسم نتيجة للبرص.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُجرى اختبارات جينية للتحقق من وجود تغيرات في الجينات المسؤولة عن البرص، وهذا قد يساعد في تشخيص الحالة وفهم سببها بشكل أفضل. تشخيص البرص يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الطبيب والمريض، وقد يستغرق وقتًا قبل تأكيد التشخيص بشكل نهائي. [3]

علاجه:

على الرغم من أنه لا يوجد علاج نهائي لمرض البرص حتى الآن، إلا أن هناك عدة خيارات لإدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة للمصابين. تشمل العلاجات الشائعة ما يلي:

  1. حماية البشرة من الشمس: ينبغي على المصابين بالبرص تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس وارتداء الملابس الواقية واستخدام واقي الشمس بشكل منتظم لحماية البشرة الحساسة من الضرر الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية.
  1. علاج الأمراض المصاحبة: في حال وجود مشاكل صحية مصاحبة مثل مشاكل في الرؤية أو الجلد أو الأمعاء، قد يتطلب العلاج تدخلاً طبيًا متخصصًا.
  2. العلاج الجلدي: يمكن استخدام مستحضرات التجميل لتقليل مظهر البقع البيضاء على البشرة، كما يمكن استخدام الكريمات المرطبة لترطيب البشرة الجافة.
  3. العلاج العيني: قد يتطلب المرضى الذين يعانون من البرص العيني استخدام نظارات شمسية خاصة لتقليل التهيج والحماية من الضوء الساطع.
  4. العلاج النفسي والاجتماعي: يمكن أن يكون للمصابين بالبرص تحديات نفسية واجتماعية نتيجة لظهورهم بشكل مختلف، لذا قد يستفيدون من الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على التعامل مع التحديات اليومية.
  5. البحث السريري: هناك جهود مستمرة في مجال البحث الطبي لتطوير علاجات جديدة وفعالة لمرض البرص، ومن الممكن أن يستفيد المرضى من الانضمام إلى التجارب السريرية لتقييم فعالية العلاجات الجديدة.

من المهم أن يتم توجيه خطة العلاج الخاصة بمرض البرص بناءً على احتياجات كل فرد بشكل فردي، ويجب استشارة الطبيب المختص قبل بدء أي علاج جديد. [2][3]

اقرأ أيضًا: متلازمة تيرنرمتلازمة داون

سير المرض:

مرض البرص أو المهق لا يؤثر سلبًا على صحة معظم المصابين، وعلى الرغم من ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الجلد في بعض الحالات، إلا أن ذلك لا يؤثر بشكل كبير على معدل البقاء على قيد الحياة. يمكن اتخاذ الخطوات التالية لتجنب أو تقليل المشاكل المرتبطة بالبرص:

  1. فحص الجلد بانتظام: من المهم إجراء فحص دوري للجلد كل 6 – 12 شهرًا للكشف المبكر عن أي علامات محتملة لسرطان الجلد.
  2. حماية البشرة من الشمس: يجب تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس قدر الإمكان، واستخدام واقي الشمس ذي الحماية العالية وارتداء الملابس الواقية مثل القمصان طويلة الأكمام والقبعات والنظارات الشمسية.
  3. فحوصات العيون المنتظمة: يُنصح بإجراء فحوصات دورية للعيون كل 2 – 3 سنوات على الأقل للتحقق من صحة الرؤية والكشف المبكر عن أي مشاكل عينية محتملة.

مرض البرص يؤثر في الجلد، العين، والشعر، وقد تتسبب الأعراض في تقليل القدرة على القيام بالمهام اليومية بكفاءة. لذا، إذا لاحظت أي علامات أو أعراض مرتبطة بالبرص، يُنصح بالتوجه للطبيب للحصول على التقييم والعناية اللازمة.[3]

الأبحاث العلمية حول البرص:

ركزت االأبحاث والدراسات على طرق العلاج الفعال بالدرجة الأولى. حيث كان الاهتمام موجّهًا نحو تطبيقات العلاج الجيني والأدوية والخلايا الجذعية…

روابط لبعض هذه الأبحاث:

مراجع:

1- clevelandclinic

2- NCBI

3- MedlinePlus

4- https://www.albinism.org/

مرض العظم الزجاجي: حياة بين الهشاشة والأمل

بينما نتفاعل مع العالم من حولنا بأقدامنا الراشدة والرشيقة، بقوة يدينا الصلبة، يعتبر العظم بمثابة العمود الفقري لحياتنا، يدعمنا ويحمينا في كل خطوة نخطوها. لكن، ماذا لو كانت هذه الحماية تتلاشى ببطء؟ ماذا لو بدأت العظام تصبح هشة كالزجاج؟ هذا هو سردنا لمرض غامض يعرف بـ “مرض العظم الزجاجي”، حيث يتحول العظام من مصدر للقوة إلى زجاج يتمكن من تحطيمه بأبسط الإجهادات.

سنخوض سويًا في هذا المقال رحلة إلى عالم يعج بالتحديات والتساؤلات حول هذا المرض النادر، الذي يتسبب في تغيير حياة المرضى بشكل كامل. دعونا نستكشف معًا أسبابه، وتأثيراته، وأحدث التطورات في عالم علاجه…

جذور المرض واكتشافه:

يُعتقد أنّ مرض العظم الزجاجي Osteogenesis Imperfecta (OI)، ويُعرف أيضًا بـ “تكوّن العظم الناقص” أو “متلازمة العظام الهشّة”، موجود منذ فجر التاريخ. فقد تمّ العثور على بقايا عظمية تدلّ على إصابة بعض الأشخاص بهذا المرض في حضارات مختلفة، مثل مصر القديمة وبلاد الرافدين.

وفي عام 1788، قام الطبيب الفرنسي “بيير فريديريك بوزو” بوصف أول حالة لمرض العظم الزجاجي بشكلٍ دقيق…

يصيب تكوّن العظم الناقص ما يقارب الشخص بين كل 10.000-20.000 ألف شخص، حيث يوجد ما يقارب الـ50.000 حالة في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها. وينتشر بشكل متساوي بين كل من الذكور والإناث. [2][1]

تعريف مرض العظم الزجاجي وأسبابه:

هو حالة طبية نادرة تتسم بضعف في كثافة العظام وهشاشتها، مما يجعلها أكثر عرضة للكسور والتشققات، حتى بسبب الإجهادات البسيطة. ينشأ هذا الضعف نتيجة لنقص في كثافة المعدنيات في العظام، مثل الكالسيوم والفوسفور، مما يؤثر سلبًا على قوتها ومتانتها. وتعود أسباب هذا النقص إلى عوامل فسيولوجية أو راثية مختلفة، بما في ذلك اضطرابات في عملية تكوين العظام أو زيادة في تفكك العظام بسرعة أكبر من ترميمها. إضافة إلى العوامل البيئية (كالتغذية ومستوى النشاط البدني والتعرض لضوء الشمس وغيره)…

الفرق بين العظم الطبيعي (على اليسار) والمصاب بالهشاشة والمرض (الوسط واليمين)

لكننا في هذا المقال سنتطرق للعوامل الوراثية التي تسبب هذا المرض:

من الناحية الوراثية، يُعَزَّز المرض بسبب حدوث طفرات في أحد الجينات المسؤولة عن تكوين النوع الأول من الكولاجين في الجسم. حيث يعتبر الكولاجين النوع الأول مادة أساسية في بنية العظام والجلد والأنسجة الضامة الأخرى. حدوث طفرة في تكوين النوع الأول من الكولاجين يؤدي إلى تكون “عظم ناقص التكوين”، أي عظم هش وسهل الكسر بسبب فقدانه للمتانة والصلابة التي يوفرها الكولاجين السليم.

من أبرز جينات الكولاجين المهمة في عملية تكوين العظام هي:

  1. COL1A1 وCOL1A2: يُعتبر هذان الجينان من أهم الجينات التي تُشفر لإنتاج الكولاجين النوع الأول. هذا النوع من الكولاجين يُعتبر الأساسي في بنية العظام والأنسجة الضامة الأخرى.
  2. COL2A1: هذا الجين يُشفر لإنتاج الكولاجين النوع الثاني الذي يلعب دورًا هامًا في تكوين غضاريف المفاصل.
  3. COL5A1 وCOL5A2 وCOL5A3: هذه الجينات تُشفر لإنتاج الكولاجين النوع الخامس، الذي يساهم في تكوين الألياف الناعمة في الأنسجة الضامة.

تحتوي هذه الجينات على المعلومات الوراثية التي تحدد هيكل ووظيفة الكولاجين المنتج، وأي تغير أو طفرة في هذه الجينات قد يؤدي إلى تشوهات في الكولاجين المنتج، مما يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى حدوث مرض العظم الزجاجي أو أمراض أخرى ذات صلة بالعظام والأنسجة الضامة.[2][1]

يمكنك معرفة المزيد حول بروتين الكولاجين وخصائصه من خلال مقالنا هنا

أنواعه:

هناك أنواع مختلفة من هذا المرض، وتختلف هذه الأنواع في الوراثة والتأثير على العظام. ومن بين أنواعه الشائعة:

  1. مرض العظم الزجاجي النوع I (OI): يُعتبر OI النوع الأكثر شيوعًا، وهو ناتج عن طفرات في جينات الكولاجين النوع الأول. يتسبب هذا النوع في عظام هشة وكسور متكررة، وقد تتراوح شدة الأعراض بين الأفراد المصابين.
  2. مرض العظم الزجاجي النوع II (OI): يعتبر هذا النوع من المرض أكثر خطورة وندرة من OI النوع I. يتسبب هذا النوع في تشوهات خطيرة في العظام، والتي قد تؤدي إلى وفاة الطفل في مراحل الطفولة المبكرة نتيجة لمشاكل التنفس والتغذية.
  3. مرض العظم الزجاجي النوع III (OI): يتميز هذا النوع بأعراض شديدة مثل تشوهات العظام وتقصر القامة والكسور المتكررة. يمكن أن يكون مرض العظم الزجاجي النوع III أكثر تشابهًا مع مرض العظم الزجاجي النوع II في بعض الحالات.
  4. مرض العظم الزجاجي النوع IV (OI): يتسبب هذا النوع في أعراض متوسطة إلى شديدة من مرض العظم الزجاجي، مع تشوهات في العظام وكسور متكررة.

تُصنَّف الأنواع المذكورة أعلاه تحت فئة Osteogenesis Imperfecta (OI)، ولكن هناك أيضًا أنواع أخرى من مرض العظم الزجاجي تُصنَّف بشكل منفصل، وتختلف في الأسباب والأعراض والتأثيرات على العظام.[2][1]

وراثة مرض العظم الزجاجي:

تعتمد وراثته على عدة أنماط وراثية مختلفة. يمكن أن تُشارك الوراثة في تطوير المرض بسبب الطفرات في الجينات المسؤولة عن تكوين الكولاجين، كما ذُكر في الشرح السابق.

  1. الوراثة الجسمية السائدة: في هذا النوع من الوراثة، يكفي أن يكون جين واحد مصاب بالطفرة في أحد الأبوين ليظهر المرض على الطفل. وغالبًا ما يكون لدى أحد الأبوين مرض العظم الزجاجي، ولكن يتميز المرض الذي ينتج عن هذا النوع من الوراثة بأنه يكون أقل حدة.
  2. الوراثة المتنحية: هنا يجب أن يكون الجين المصاب موجودًا في كلا الأبوين لظهور المرض. وفي هذه الحالة، لا تظهر الأعراض عادةً على الأبوين، ولكن الأبناء الذين يحملون الجين المصاب قد يظهرون أعراض المرض.
  3. الوراثة المرتبطة بالجنس: هنا يكون الطفرة الجينية المسببة للمرض موجودة على إحدى الكروموسومات الجنسية X أو Y. قد يكون المرض أكثر شيوعًا لدى الذكور إذا كان الجين المصاب موجودًا على كروموسوم X، نظرًا لأن الذكور لديهم كروموسوم واحد X وكروموسوم Y.
  4. الطفرات العشوائية: في بعض الحالات، يمكن أن تحدث الطفرات في الجينات بشكل عفوي ومفاجئ، دون أن يكون لها علاقة بتوارثها من الأبوين. وقد تؤدي هذه الطفرات إلى تطوير أشكال أكثر شدة من مرض العظم الزجاجي، ولا يكون هناك تاريخ عائلي للمرض في هذه الحالات.

كما ذكرنا سابقًا، أن تطور المرض وانتقاله يعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل الوراثية والبيئية، وقد تكون الوراثة جزءًا فقط من الصورة الكاملة.[2][1]

أعراضه:

أعراض مرض العظم الزجاجي يمكن أن تتفاوت بين الأفراد وتعتمد على نوع وشدة المرض. ومع ذلك، فإن بعض الأعراض الشائعة تشمل ما يلي:

  1. كسور متكررة: يعتبر كسر العظام نتيجة لهشاشة العظام هو العرض الأساسي لمرض العظم الزجاجي. يمكن حدوث الكسور بسهولة حتى من الإجهادات البسيطة، وتكون الكسور شائعة خاصة في العمود الفقري والأذرع والأرجل.
  2. آلام العظام: يعاني الأشخاص المصابون بمرض العظم الزجاجي في بعض الأحيان من آلام في العظام، وخاصة بعد حدوث كسور أو مناورات جسمانية معينة.
  3. تشوهات العظام: قد تؤدي هشاشة العظام إلى تشوهات في هيكل العظام، مما يمكن أن يؤثر على الشكل الطبيعي للعظام ويسبب مشاكل في الحركة والوظيفة.
  4. قصر القامة: نتيجة للكسور المتكررة وتشوهات العظام، قد يتطور قصر القامة لدى الأفراد المصابين بمرض العظم الزجاجي.
  5. مشاكل الأسنان: قد تظهر مشاكل في الأسنان مثل تسوس الأسنان وفقدان الأسنان بشكل أكثر شيوعًا لدى الأشخاص المصابين بمرض العظم الزجاجي.
  1. ضعف العضلات: قد يعاني بعض الأشخاص المصابين بمرض العظم الزجاجي من ضعف في العضلات نتيجة لتقوس العظام وتشوهاتها.[2][1]

تشخيص تكوّن العظم الناقص:

التشخيص يتطلب تقييمًا شاملاً للأعراض والتاريخ الطبي، بالإضافة إلى استخدام عدة طرق تشخيصية. من بين الطرق الشائعة لتشخيص المرض:

  1. التاريخ الطبي والفحص البدني: يقوم الطبيب بجمع معلومات مفصلة عن التاريخ الطبي للمريض، بما في ذلك الأعراض التي يعاني منها وتاريخ الكسور السابقة وأي تاريخ عائلي لمرض العظم الزجاجي. يجري الطبيب أيضًا فحصًا بدنيًا لتقييم العظام والتحقق من وجود تشوهات أو علامات أخرى.
  2. الفحوصات الشعاعية: تعتبر الصور الشعاعية من أهم الفحوصات لتشخيص مرض العظم الزجاجي، حيث يمكن أن تظهر علامات الهشاشة العظمية وتشوهات العظام على الصور الشعاعية.
  1. اختبارات الدم: يمكن أن تُجرى اختبارات الدم لقياس مستويات المعادن الهامة لصحة العظام مثل الكالسيوم وفيتامين د والفوسفات.
  2. اختبارات الجينات: في حالة الاشتباه في وجود مرض العظم الزجاجي الوراثي، قد يتم إجراء اختبارات جينية لتحديد الطفرات في الجينات المسؤولة عن المرض (جينات الكولاجين).
  3. اختبارات الحالة العظمية: تشمل هذه الاختبارات اختبارات كثافة العظام (DEXA scan) لتقييم كثافة العظام ومعرفة مدى هشاشتها.

يجب أن يقوم الطبيب بتحليل البيانات المتاحة من هذه الفحوصات والاستنتاجات المستفادة منها لتحديد ما إذا كان المريض مصابًا بمرض العظم الزجاجي ونوعه وشدته، ومن ثم وضع خطة علاجية مناسبة.[2][1]

العلاج:

علاج مرض العظم الزجاجي يهدف إلى تخفيف الأعراض وتقليل خطر الكسور وتحسين نوعية الحياة للأشخاص المصابين. العلاج قد يشمل ما يلي:

  1. الرعاية الطبية المتخصصة: يتطلب علاج مرض العظم الزجاجي التعامل مع فريق طبي متعدد التخصصات، بما في ذلك أطباء العظام وأخصائيي الجراحة العظمية وأطباء الأطفال وأخصائيي التغذية وغيرهم.
  2. العلاج الدوائي: يمكن أن يشمل العلاج الدوائي تناول الأدوية التي تساعد في تقوية العظام وتحسين كثافتها، مثل البيسفوسفونات والكالسيترول وفيتامين د.
  3. العلاج الفيزيائي: يمكن أن يساعد العلاج الطبيعي في تحسين القوة العضلية والتوازن والمرونة، مما يقلل من خطر الكسور.
  1. الأدوية المضادة للآلام: قد يتم وصف الأدوية المضادة للآلام لمساعدة في تسكين الآلام المصاحبة للكسور والآلام العامة.
  2. التدخل الجراحي: في حالات الكسور الشديدة أو التشوهات العظمية الخطيرة، قد يكون الجراحة ضرورية لتصحيح التشوهات وتثبيت الكسور.
  3. العناية الذاتية: يمكن للأشخاص المصابين بمرض العظم الزجاجي اتخاذ إجراءات للعناية بالعظام، مثل الحفاظ على نظام غذائي غني بالكالسيوم والفيتامين د وممارسة التمارين الرياضية المناسبة.

يجب أن يتم تحديد العلاج المناسب لكل حالة بناءً على خصائص المرض وشدته، ويجب أن يتم ذلك بالتعاون مع الطبيب المعالج والفريق الطبي المختص.[2][1]

أبحاث علمية حول مرض العظم الزجاجي:

العلاج الجيني:

1- Curative Cell and Gene Therapy for Osteogenesis Imperfecta

2- Osteogenesis Imperfecta: Current and Prospective Therapies

العلاج بالخلايا الجذعية:

1- Stem Cell Therapy as a Treatment for Osteogenesis Imperfecta

2- Mesenchymal stem cells in the treatment of osteogenesis imperfecta

تحسينات في العلاج الطبيعي:

1- https://www.physio-pedia.com/Osteogenesis_Imperfecta

مراجع ومصادر:

متلازمة دي جورج DiGeorge – أبجدية جينوم ناقص!

متلازمة دي جورج، المعروفة أيضاً باسم متلازمة حذف 22q11.2، هي اضطراب جيني نادر يحدث نتيجة فقدان جزء صغير من كروموسوم 22. تعد هذه المتلازمة مصدر قلق وتحدياً للأفراد الذين يعانون منها ولعائلاتهم، حيث تؤثر على عدة جوانب من حياتهم اليومية. سنقوم في هذا المقال بالتعرف على تفاصيل هذا الاضطراب، وتأثيره على الأفراد المصابين به وعلى محيطهم، بالإضافة إلى أحدث التطورات في مجال علاجه وإدارته.

يغطي مصطلح متلازمة حذف 22q11.2 المصطلحات التي كان يُعتقد أنها حالات مختلفة، ويشمل ذلك متلازمة دي جورج والمتلازمة الشراعية القلبية الوجهية velocardiofacial syndrome والاضطرابات الأخرى التي تشارك نفس السبب الجيني بالرغم من وجود اختلاف بسيط في السمات.

تتضمن المشاكل الصحية الأكثر شيوعًا المرتبطة بمتلازمة حذف 22q11.2 عيوب القلب وضعف وظيفة الجهاز المناعي والحنك المشقوق والمضاعفات مرتبطة بانخفاض مستويات الكالسيوم في الدم وتأخر في النمو مع مشكلات سلوكية وعاطفية…

تختلف أرقام الأعراض المرتبطة بمتلازمة حذف 22q11.2 وشدتها. ومع ذلك، يحتاج كل شخص تقريبًا مصاب بهذه المتلازمة إلى العلاج من متخصصين في مختلف المجالات.

سيكون هذا المقال للحديث عن كل ما يخص هذه المتلازمة، ابتداءًا من أسبابها وأعراضها وصولًا إلى تشخيصها وعلاجها.

انتشار متلازمة دي جورج:

تصيب المتلازمة ما يقدر بـ 1 من كل 4000 إلى 6000 ولادة حية. وهي نسبة عالية مقارنة بباقي الأمراض. حيث تعتبر النسبة الأعلى بين باقي الأمراض الوراثية التي تحدث بسبب حذف microdeletion syndrome.

[1]

أسبابها:

بدايةً نعلم أن كل شخص لديه نسختين من الكروموسوم 22، حيث تورّث واحدة من الأب والأخرى من الأم. وإذا كان الشخص مصابًا بمتلازمة دي جورج، فإن نسخة واحدة من الكروموسوم 22 تفتقر إلى جزء يحتوي على ما يقدر بـ 30 إلى 40 جين (حوالي 3 ملايين زوج قاعدة base pairs). ولم يتم تحديد العديد من هذه الجينات بوضوح ولم تكن مفهومة جيدًا. تعرف منطقة الكروموسوم 22 التي تم حذفها باسم 22q11.2.

عادةً ما يحدث حذف الجينات من الكروموسوم 22 كحدث عشوائي في الحيوان المنوي للأب أو في بويضة الأم، أو قد يحدث مبكرًا خلال نمو الجنين. ونادراً ما يكون الحذف حالة وراثية يتم نقلها إلى طفل من أحد الوالدين الذي لديه أيضًا عمليات حذف في الكروموسوم 22 ولكن قد لا تظهر عليه أعراض.

وبالنسبة لوراثة المتلازمة، فهي من نوع الـ Autosomal Dominant: أي أن إصابة أحد الوالدين بها، يعطي احتمالية 50% لإصابة كل جنين بالمتلازمة. [1][2]

الأعراض:

قد تتفاوت علامات متلازمة دي جورج وأعراضها في نوعها وحدتها بناءً على الأجهزة المصابة في الجسم ومدى شدة الإصابات. ,وربما تكون بعض العلامات والأعراض ظاهرة عند الولادة، ويمكن أن لا يظهر بعضها حتى أواخر مرحلة الرضاعة أو أوائل مرحلة الطفولة. [2][3]

أهم العلامات والأعراض:

  • النفخة القلبية وزرقة البشرة نتيجة لقلة انتشار الدم الغني بالأكسجين (الزراق) بسبب الإصابة بعيب في القلب.
  • العدوى المتكررة.
  • سمات وجه معينة، مثل ذقن غير مكتملة النمو، أو أذنان منخفضتان، أو عينان متباعدتان أو ثلم ضيق بالشفة العليا – الشفة الأرنبية-
  • فجوة في سقف الفم (الحنك المشقوق palate defect) أو مشكلات أخرى في الحنك.
  • صعوبة التغذية أو عدم زيادة الوزن أو مشاكل في الجهاز الهضمي.
  • صعوبات في التنفس.
  • توتر عضلات ضعيف.
  • تأخر النمو، مثل تأخر التدحرج أو الجلوس أو غيرها من المراحل الأساسية في نمو الرضيع.
  • تأخر تطور الكلام أو الكلام المصحوب بغنة أنفية.
  • إعاقات التعلم أو تأخره.
  • مشكلات سلوكية.

متى تزور الطبيب

توجد حالات أخرى يمكن أن تسبب علامات وأعراض مشابهة لمتلازمة حذف 22q11.2. وبالتالي يجب الحصول على تشخيص دقيق وعاجل إذا ظهر على طفلك أي من العلامات أو الأعراض سابقة الذكر.

قد يشك الطبيب في الإصابة بمتلازمة حذف 22q11.2 في الأوقات التالية:

  • عند الولادة. إذا بدت حالات معينة واضحة عند الولادة، مثل عيب خطير في القلب أو الحنك المشقوق أو عدة عوامل أخرى تشبه ملازمة حذف 22q11.2، فمن المرجح أن تبدأ الاختبارات التشخيصية قبل أن يغادر الطفل المستشفى.
  • في زيارات العناية بالطفل. قد يشتبه طبيب العائلة أو طبيب الأطفال في وجود هذا الاضطراب بسبب مجموعة من الأمراض أو الاضطرابات التي تتضح مع مرور الوقت. وقد ينتبه الطبيب لوجود مشكلات أخرى أثناء زيارات فحص صحة المولود المقررة بانتظام أو خلال الفحوصات السنوية للطفل. [2][1]

المضاعفات:

تلعب أجزاء الصبغيات 22 المحذوفة في متلازمة دي جورج دورًا في تطور عدد من أجهزة الجسم. وكنتيجة لذلك، يُمكن أن يؤدي الاضطراب إلى حدوث طفرات عديدة في أثناء نمو الجنين. وتتضمن المشكلات الشائعة ما يلي:

  • عيوب القلب: وغالبًا ما تسبب متلازمة حذف 22q11.2 عيوبًا في القلب قد ينجم عنها عدم كفاية إمدادات الدم الغني بالأكسجين. على سبيل المثال، قد تتضمن التشوهات وجود ثقب بين الحجرات السفلية في القلب (خلل في الحاجز البطيني ventricular septal defect) أو وجود وعاء كبير فقط؛ بدلاً من وعائين، يؤدي إلى خارج القلب (الجذع الشرياني truncus arteriosus) أو مجموعة من أربعة هياكل قلبية غير طبيعية (رباعية فالو tetralogy of fallot).
  • قُصورُ الدُّرَيْقات: تقوم الغدد فوق الدرقية الأربعة بتنظيم مستويات الكالسيوم والفوسفور في الجسم. يُمكن أن تؤدي متلازمة حذف 22q11.2 إلى تصغير الغدد فوق الدرقية أكثر من الطبيعي وهي الغدد التي تفرز مقدارًا صغيرًا جدًا من الهرمون الجار درقي (PTH)، ما يؤدي إلى الإصابة بقُصور الدُّرَيْقات congenital hypoparathyroidism. وينجم عن هذه الحالة وجود مستويات منخفضة من الكالسيوم ومستويات مرتفعة من الفوسفور في الدم.
الغدة الزعترية
  • خلل في الغدة الزعترية: تنضج الخلايا التائية؛ نوع من خلايا الدم البيضاء، في الغدة الزعترية الموجودة أسفل عظمة الصدر. وتعتبر الخلايا التائية الناضجة ضرورية للمساعدة في مقاومة العدوى. بالنسبة إلى الأطفال المصابين بمتلازمة حذف 22q11.2، قد تكون الغدة الزعترية صغيرة أو مفقودة thymic aplasia، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف وظيفة الجهاز المناعي وحدوث عدوى شديدة بشكل متكرر.
  • حنك مشقوق: إن الحنك المشقوق؛ فتحة (شق) في سطح الفم (الحنك) cleft palate، سواء وجدت شفة مشقوقة أو لا، يُعتبر حالة شائعة من متلازمة حذف 22q11.2. وقد تصبح عملية البلع أو إصدار أصوات معينة في أثناء الكلام صعبة بسبب وجود تغييرات غير طبيعية أخرى غير واضحة بالحنك.
  • ملامح وجه متميزة: ربما يظهر عدد من السمات المحددة بوجه بعض الأشخاص المصابين بمتلازمة حذف 22q11.2. وهذه السمات تتضمن وجود أذنين صغيرتين متجهتين للأسفل أو جفون الأعين صغيرة الاتساع (شقوق جفنية) أو الأعين المقنعة أو وجه طويل نسبيًا أو طرف أنف ضخم (بصلية الشكل) أو ثلم صغير أو مسطح بالشفة العليا.
  • مشكلات في التعلم والسلوكيات والصحة العقلية: قد تسبب متلازمة حذف 22q11.2 مشكلات في نمو الدماغ وعمله، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل في التعلم والعلاقات الاجتماعية والنمو والسلوكيات. إن تأخر تطور الكلام وصعوبات التعلم لدى الأطفال من الحالات الشائعة. فبعض الأطفال يُصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) أو اضطراب طيف التوحد. وفي مرحلة لاحقة في الحياة، تزيد خطورة الإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق واضطرابات صحية أخرى.
  • اضطرابات المناعة الذاتية: كما يُمكن أن يكون الأشخاص الذين كانوا يعانون من ضعف وظيفة الجهاز المناعي في طفولتهم؛ بسبب صغر أو فقدان الغدة الزعترية، أكثر عرضة للإصابة باضطرابات المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو داء غريفز (الدُّرَاق الجُحُوظِيّ).
  • مشاكل أخرى. قد يقترن عدد كبير من الحالات الطبية بمتلازمة حذف 22q11.2، مثل ضعف السمع وضعف البصر ومشاكل في التنفس وضعف في وظيفة الكلى وقصر القامة نسبيًا بالنسبة إلى طول أفراد العائلة. [2]

الوقاية

في بعض الحالات، تُمرر متلازمة دي جورج من الوالد المصاب إلى الطفل. إذا كنت قلقًا بشأن تاريخ عائلي لمتلازمة حذف 22q11.2، أو إذا كان لديك بالفعل طفل مصاب بالمتلازمة، فقد ترغب في استشارة طبيب متخصص في الاضطرابات الوراثية (أخصائي طب الوراثيات) أو استشاري الوراثيات للمساعدة في التخطيط للحمل في المستقبل.

التشخيص:

يستند تشخيص متلازمة دي جورج في المقام الأول على الاختبارات المعملية الذي يمكنه الكشف عن الحذف في الصبغي 22. قد یطلب طبیبك ھذا الاختبار إذا کان لدى طفلك:

  • مجموعة من المشكلات أو الحالات الطبية التي تشير إلى الإصابة بالمتلازمة
  • عيب قلبي، لأن بعض عيوب القلب ترتبط عادة مع متلازمة حذف 22q11.2

ومن أهم التقنيات المستخدمة في التشخيص هي:

الوميض الصبغي بتهجين الفلوريسنت fluorescent in situ hybridization -FISH والذي يبين الحذف الجزئي لمقطع بالصبغي 22 حيث يتم تشخيص الحذف الجزئي للذراع الطويلة في هذا الكروموسوم. [2][1]

كما يمكن عمل الفحص الوراثي بعد عمل انتساخ للحامض النووي عن طريق التفاعل المتسلسل المتضاعف (polymerase chain reaction (pcr.

ملاحظة: عندما تكون الأعراض والعلامات موجودة دون وجود الحذف الجزئي بالصبغي 22, تكون أسباب أخرى هي التي تفسر وجود الأعراض, مثل وجود نقص بالصبغي 10, أو التعرض قبل الولادة للكحول, أو للأيزوتريتينون, أو ارتفاع مستوى السكر بالدم.

يمكن أيصًا استخدم قياس الانسياب الخلوي flow cytometry لتقدير عدد الخلايا التائية, والاستجابات التكاثرية لمحدثات الاستحالة أو التفتل mitogens والمستضدات antigens.

إضافة إلى إمكانية استخدام فحوض الأشعة كالرنين المغناطيسي في تأكيد وتقييم الحالة…

العلاج:

بالرغم من عدم وجود علاج لمتلازمة دي جورج، إلا أن العلاجات يمكنها عادةً علاج المشكلات الخطيرة، مثل عيب القلب أو الحنك المشقوق. جيث يمكن معالجة المسائل الصحية والمشاكل النمائية، أو مشاكل الصحة العقلية أو المشاكل السلوكية الأخرى أو متابعتها وفقًا للحاجة.

ربما تتضمن العلاجات (العلاج المخصص) تدخلات لعلاج الأمور التالية:

  • قُصورُ الدُّرَيْقات. يمكن التغلب على قُصورُ الدُّرَيْقات عادةً من خلال مكملات الكالسيوم ومكملات فيتامين (د).
  • عيوب القلب. تتطلب معظم عيوب القلب جراحة بعد الولادة مباشرة لعلاج القلب وتحسين مستوى وصول الدم الغني بالأكسجين.
  • قصور وظيفة الغدة الزعترية. إذا كان طفلك يعاني من بعض القصور في وظيفة الغدة الزعترية، فربما تكون حالات العدوى متكررة، ولكن دون وجود خطورة بالضرورة. يتم علاج حالات العدوى المذكورة — نزلات البرد والتهابات الأذن عادةً — بوجه عام كما هو الحال مع أي طفل. يتبع معظم الأطفال المصابين بقصور وظيفة الغدة الزعترية جدول التطعيمات الطبيعي. بالنسبة لمعظم الأطفال الذين يعانون من قصور وظيفة الغدة الزعترية بصورة معتدلة، يتحسن أداء الجهاز المناعي مع التقدم في العمر.
الخلية التائية
  • خلل الغدة الزعترية الشديد. إذا كان خلل الغدة الزعترية شديدًا أو في حالة عدم وجود غدة زعترية، فيكون طفلك معرضًا لمخاطر الإصابة بمجموعة من الأمراض الخطيرة. يتطلب العلاج زراعة نسيج الغدة الزعترية، أو خلايا متخصصة من النخاع العظمي أو خلايا الدم المتخصصة المقاومة للأمراض.
  • حنك مشقوق. يمكن علاج الحنك المشقوق أو غير ذلك من اضطرابات الحنك والشفة عادةً من خلال التدخل الجراحي.
  • التطوير الشامل. من المحتمل أن يستفيد طفلك من مجموعة من العلاجات، بما في ذلك العلاج التخاطبي، والعلاج المهني والعلاج النمائي. في الولايات المتحدة، تتوفر برامج التدخل المبكر التي توفر الأنواع المذكورة من العلاج من خلال الإدارة الصحية بالمدينة أو الولاية.
  • رعاية الصحة النفسية. ربما يوصى بالعلاج إذا تم تشخيص حالة طفلك فيما بعد على أنها إصابة باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، أو اضطراب طيف التوحد، أو الاكتئاب، أو غير ذلك من اضطرابات الصحة العقلية أو الاضطرابات السلوكية.
  • إدارة الحالات الأخرى. ربما تتضمن الحالات المذكورة علاج المسائل المتعلقة بالتغذية والنمو، والمشاكل السمعية أو البصرية، وغير ذلك من الحالات الطبية. [3][2][1]

ملاحظة:

توجد محاولات ناجحة لزراعة الغدة التيموسية للأطفال الذين تكون عندهم الغدة غير موجودة, حيث أنه أثناء عمل جراحة للقلب, يؤخذ جزء من الغدة التيموسية من طفل حديث الولادة لأسرة متبرعة, وبعد فحصها والتأكد من خلوها من الأمراض, يتم زرع أجزاء صغيرة منها بعضلات الساق, وفي دراسة تم إجراؤها في شهر أغسطس سنة 2003 تبين أن جميع الأطفال الذين تم علاجهم بهذه الطريقة, قد حدث عندهم تطور لجهاز مناعي فعال, وهذه الأبحاث تعطى أمل, أن الأطفال المتأثرين بشدة بتشوه دي جورج من الممكن أن يعيشون حياة صحية.

في أغلب الحالات يجب تجنب التطعيم للأطفال المصابين بتشوه دي جورج بلقاحات الفيروسات الحية.

مصير المرضى:

يعتمد مصير المرض على مدى الإصابة ومدى اعتلال القلب والجهاز المناعي.

أغلب الأشخاص الذين يعيشون يكون عندهم صعوبات بسيطة في التعلم ويكون نموهم طبيعي.

الأطفال المتأثرين بشدة بالمتلازمة يكون عندهم مشاكل شديدة, مثل أمراض القلب أو غياب الغدة التيموسية, ورغم العلاج فإنهم لا يعيشون أكثر من سنوات قليلة.

أمراض وراثية أخرى ذات صلة:

متلامة تيرنر

مرض ترسب الأصبغة الدموي الوراثي

متلازمة مارفان

مراجع ومصادر:

1- ncbi

2- omim

3- medline plus

متلازمة تيرنر: فهم الوراثة والتأثير!

تُعدّ متلازمة تيرنر Turner Syndrome واحدة من الاضطرابات الجينية النادرة التي تؤثر على الإناث، وتتميز بوجود تواجد نقصي أو غياب تام لأحد الكروموسومات الجنسية X. يعاني الأفراد الذين يعانون من هذه المتلازمة من مجموعة من التحديات الصحية والاجتماعية. سنتناول في هذا المقال أسباب المتلازمة، أعراضها، التشخيص، وسبل العلاج وغيرها.

تعد متلازمة تيرنر اضطرابًا شائعًا نسبيًا، حيث يصيب حوالي 1 من كل 2500 إلى 3000 فتاة. وفي معظم الحالات، لا يتم تشخيص الإصابة بالمتلازمة حتى عمر المراهقة… [1] [2] 

أسباب متلازمة تيرنر:

تحدث متلازمة تيرنر نتيجة لنقص أو غياب إحدى كروموسومات X عند الإناث. يحدث هذا النقص عادة بصورة عشوائية أثناء تكوّن البويضة أو في الحياة الجنينية المبكرة. ويحدث ذلك نتيجةً لخلل في الحيوان المنوي للأب أو بويضة الأم مما يتسبب في احتواء جميع خلايا الجسم على نسخة واحدة فقط من الكروموسوم ذاته (النمط احادي الصباغ ).

وفي حالات معينة، يمكن أن تحدث نتيجة لاختلال عملية الانقسام الخلوي في المراحل المُبكرة من تطور الجنين مما يتسبب بتواجد خلايا احادية الصبغي ( X ) وأخرى تحمل نسختين منه (النمط الفسيفسائي).

إضافة إلى ذلك يعتقد بعض الباحثين أن بعض العوامل البيئية، مثل التعرض للإشعاع أو المواد الكيميائية، قد تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة تيرنر. ومع ذلك، لا يوجد دليل علمي قوي يدعم هذه النظرية.

تشمل عوامل الخطر الأخرى المحتملة لمتلازمة تيرنر ما يلي:

  • عمر الأم: تزداد احتمالية إصابة الأطفال بمتلازمة تيرنر إذا كانت والدتهم أكبر من 35 عامًا عند الحمل.
  • الوزن عند الولادة: قد يكون الأطفال الذين يولدون بوزن أقل عرضة للإصابة بمتلازمة تيرنر.
  • مشاكل الحمل: قد تكون النساء اللائي يعانين من مشاكل الحمل، مثل الإجهاض المتكرر أو الولادة المبكرة، أكثر عرضة لأن يكون أطفالهن مصابون بمتلازمة تيرنر. [1] [2] 

أعراض متلازمة تيرنر:

  1. قصر القامة: ويعتبر واحد من أكثر العلامات البارزة لهذه المتلازمة. قد يتطلب العلاج بواسطة هرمون النمو.
  2. مشاكل القلب والأوعية الدموية: يزيد خطر حدوث مشاكل في القلب والأوعية الدموية، ويشمل ذلك التضيق التاجي والاضطرابات في هيكل القلب.
  3. مشاكل التكاثر:
    وذلك بسبب عدم انتظام الدورة الشهرية أو انقطاعها، وربما يحدث العقم في الحالات المستعصيّة… [1] [2]

التشخيص:

يتم تشخيص متلازمة تيرنر عادةً من خلال اختبارات الدم أو التصوير بالموجات فوق الصوتية.

اختبارات الدم

يتم إجراء اختبارات الدم الأكثر شيوعًا لتشخيص متلازمة تيرنر، والمعروفة باسم تحليل كروموسومات. يمكن إجراء هذا الاختبار في أي عمر، ولكنه يتم إجراؤه غالبًا عند الولادة أو أثناء الحمل.

يمكن استخدام تحليل كروموسومات لتحديد عدد الكروموسومات في الخلايا. عادةً ما يكون لدى الفتيات المصابات بمتلازمة تيرنر كروموسوم X واحد فقط في كل خلية. يمكن أن يكشف تحليل كروموسومات أيضًا عن أي مشاكل كروموسومية أخرى قد تكون مرتبطة بمتلازمة تيرنر.

التصوير بالموجات فوق الصوتية

يمكن استخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية لتقييم أعضاء الجسم، مثل القلب والكلى. قد يكشف التصوير بالموجات فوق الصوتية عن بعض المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة تيرنر، مثل عيوب القلب أو الكلى.

اختبارات أخرى

قد يلزم إجراء اختبارات أخرى لتقييم المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة تيرنر، مثل مشاكل الغدة الدرقية أو مشاكل السمع.

الخطوات

فيما يلي الخطوات العامة لتشخيص متلازمة تيرنر:

  1. التاريخ الطبي والفحص البدني: سيسأل الطبيب عن تاريخك الطبي وسيقوم بفحص بدني للبحث عن أي علامات أو أعراض لمتلازمة تيرنر.
  2. اختبارات الدم: سيطلب الطبيب إجراء اختبارات دم لتحديد عدد الكروموسومات في الخلايا.
  3. التصوير بالموجات فوق الصوتية: قد يطلب الطبيب إجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية لتقييم أعضاء الجسم، مثل القلب والكلى.
  4. اختبارات أخرى: قد يلزم إجراء اختبارات أخرى لتقييم المشاكل الصحية المرتبطة بمتلازمة تيرنر.

التشخيص المبكر

يساعد التشخيص المبكر للمرض في ضمان حصول الفتيات المصابات على الرعاية الطبية المناسبة في وقت مناسب. كما يمكن أن يساعد العلاج بالهرمونات البديلة في تحفيز النمو وتطور الفتاة الجنسية… [1] [2] 

سبل العلاج:

  1. العلاج بواسطة هرمون النمو: يمكن استخدام هرمون النمو لتحسين القامة لدى الأفراد المصابين.
  2. العلاج الهرموني: يمكن تقديم العلاج الهرموني لتعويض الهرمونات الناقصة، والتي قد تساهم في تحسين النمو وتطوير السمات الثانوية الجنسية (لاسيما هرمون الاستروجين)..
  3. الدعم النفسي والاجتماعي:
    يمكن أن يكون الدعم النفسي والاجتماعي حيويًا لتعزيز التكيف الاجتماعي والعاطفي للأفراد المصابين. [1][2] 

أمراض وراثية ذات صلة:

الأبحاث العلمية:

هناك العديد من الأبحاث العلمية الجارية حول هذه المتلازمة، والتي تركز على تطوير علاجات جديدة وفهم أفضل للاضطراب.

علاجات جديدة

أحد المجالات الرئيسية للبحث هو تطوير علاجات جديدة لمتلازمة تيرنر. تركز بعض الأبحاث على استخدام العلاج الجيني لإضافة كروموسوم X إضافي إلى خلايا الفتيات المصابات. تركز أبحاث أخرى على استخدام العلاجات الهرمونية لتحفيز النمو والتطور الجنسي لدى الفتيات المصابات.  [3]

فهم أفضل للاضطراب

تركز الأبحاث الأخرى على فهم أفضل للمتلازمة. حيث يحاول الباحثون تحديد العوامل التي تساهم في تطور الاضطراب وتحديد كيفية تأثيره على نمو وتطور الفتيات المصابات. [4]

التوقعات

يبدو أن الأبحاث الجارية حول المتلازمة واعدة. من المرجح أن تؤدي هذه الأبحاث إلى تطوير علاجات جديدة وفهم أفضل للاضطراب، مما سيحسن حياة الفتيات المصابات بها.

في النهاية، فإن فهم هذا المرض يساعد في توفير الرعاية الفعّالة للأفراد المتأثرين. يتطلب ذلك طرقًا حديثة تساعد في التشخيص المبكر والإدارة الشاملة، وهذا يحتاج إلى تظافر الجهود والتعاون بين الأطباء والمتخصصين في الرعاية الصحية والعائلات.

ولا ننسى أن توفير الدعم والفهم للأفراد الذين يعانون منها يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز جودة حياتهم وتحسين فرص تحقيقهم الكامل في مختلف جوانب الحياة.

المراجع:

[1] NCBI

[2] medlinePlus

[3] elesvier

[4]  pubmed

متلازمة مارفان: فهم متعمق لاضطراب وراثي نادر

تُعدّ «متلازمة مارفان – Marfan Syndrome» واحدة من الأمراض الوراثية النادرة والتي تؤثر على الأنسجة الضامة في الجسم. اكتشفت هذه الحالة لأول مرة في عام 1896 من قبل الطبيب الفرنسي أنطوان مارفان، الذي وصف الخصائص الرئيسية للمرض. يعتبر هذا الاضطراب سائدًا وراثيًا، ويؤثر على الأماكن التي تتكون فيها الأنسجة الضامة، مثل الأوعية الدموية والعظام والعيون والقلب.

تصيب متلازمة مارفان حوالي 1 من كل 5000 شخص في جميع أنحاء العالم. كما تصيب متلازمة مارفان الرجال والنساء بالتساوي.

الأسباب ووراثة متلازمة مارفان

تتسبب متلازمة مارفان في تحطيم أو تلف بروتين الفايبريلين fibrillin الذي يدعم الأنسجة الضامة في الجسم (طفرة جينية في الجين «FBN1» الموجود على الكروموسوم رقم 15). الوراثة السائدة هي السبب الرئيسي للإصابة بالمتلازمة (مرض وراثي صِبْغي جسدي سائد)، حيث يكون الشخص المصاب قد ورث نسخة معينة من الجين المسؤول عن إنتاج بروتين الفايبريلين من أحد الوالدين. [1][2]

فالأشخاص الذين يعانون من المتلازمة لديهم فرصة بنسبة 50% لتمرير الاضطراب إلى كل طفل من أطفالهم.

وراثة متلازمة مارفان

العلامات والأعراض

تتنوع العلامات والأعراض التي قد يظهرها الأفراد المصابون بمتلازمة مارفان، وتشمل ذلك:

  1. الطول الشاذ: فقدان توازن في نسبة الطول بين الأطراف العلوية والسفلية.
  2. الوجه الطويل والضيق: ملامح الوجه تكون مميزة، مع عيون واسعة.
  3. تمدد الأوعية الدموية: يمكن أن يؤدي تأثير المتلازمة على الأوعية الدموية إلى تمدد في الشريانين والوريدين.
  4. مشاكل في القلب: يعاني الأفراد المصابون بالمتلازمة من مشاكل في الصمامات القلبية والشرايين. [2][3]

مضاعفات متلازمة مارفان

  • مضاعفات القلب والأوعية الدموية و تشوهات في الصمامات. 
  • فشل عضلة القلب.
  • حدوث أم الدم الأبهرية و تسلخ الأبهر.
  • الإصابة بأمراض العين وإختلال المقدره البصرية لدى المصاب.
  • من الممكن أن تسبب المتلازمة صعوبات في التنفس، إما من خلل النسيج الضام أو من تشوهات جدار الصدر.
  • توقف التنفس أثناء النوم.
  • مضاعفات الحمل التي قد تهدد حياة الجنين. [3]

التشخيص والعلاج

تتضمن عمليات التشخيص فحصًا جسديًا وتقييمًا للتاريخ الطبي واختبارات صورية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي للقلب. من الناحية العلاجية، يركز الأطباء على التحكم في الأعراض ومنع مضاعفات المرض، وقد يتطلب ذلك استخدام أدوية تؤثر على ضغط الدم وعمل القلب. [3] إضافة إلى الفحوصات الجينية وخاصة جين الفايبروجين.

البحث العلمي

يركز البحث العلمي الحالي [4] على تطوير علاجات جديدة لمتلازمة مارفان، بما في ذلك:

  • أدوية لتعزيز قوة النسيج الضام
  • علاجات جينية لإصلاح الطفرات الجينية المسؤولة عن المتلازمة

بعض الأمثلة على الأبحاث العلمية الأخيرة المتعلقة بمتلازمة مارفان:

  • في دراسة نُشرت في مجلة Nature Communications في عام 2023، اكتشف الباحثون طريقة جديدة لتعزيز قوة النسيج الضام في الفئران المصابة بالمتلازمة.
  • في دراسة نُشرت في مجلة Nature Medicine في عام 2022، طور الباحثون علاجًا جينيًا ناجحًا في الفئران المصابة بالمتلازمة.

هذه الأبحاث تبشر بمستقبل أفضل للأشخاص المصابين بمتلازمة مارفان، حيث يمكن أن تؤدي إلى تطوير علاجات جديدة تمنع تطور المضاعفات الخطيرة لهذه الحالة.

التحديات والرعاية

تواجه الأفراد المصابون بمتلازمة مارفان تحديات عديدة، بما في ذلك الاحتياج المستمر للمتابعة الطبية والفحص الدوري لتقييم صحة القلب والأوعية الدموية. يتطلب الأمر أيضًا دعمًا نفسيًا للتعامل مع التأثيرات النفسية والاجتماعية للحالة. وتظل تلك المتلازمة تحديًا طبيًا ووراثيًا، ومع ذلك، يساهم الفهم المتزايد لهذا المرض في تطوير استراتيجيات علاجية أفضل وتحسين جودة حياة الأفراد المصابين به.

المصادر والمراجع:

1- NIH
2- MEDLINE PLUS
3- OMIM
4- NATURE

مرض ترسب الأصبغة الدموي الوراثي – فيضان الحديد!

داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي: المفهوم [1]

داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي (Hereditary hemochromatosis) هو اضطراب وراثي يتسبب في امتصاص الجسم لكمية زائدة من الحديد من الطعام الذي يتناولونه. يُخزَّن هذا الحديد الزائد في الأعضاء، خصوصًا الكبد والقلب والبنكرياس. قد تؤدي زيادة نسبة الحديد إلى الإصابة بحالات تُهدد الحياة مثل: أمراض الكبد، ومشكلات القلب، والسكري.

ترسب الأصبغة الدموي: عندما ينتج الجسم المعادن!

الأعراض [2] [1]

في كثير من الحالات، لا تظهر أي أعراض لداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي في المراحل المبكرة من المرض. ومع ذلك، مع تراكم الحديد في الأعضاء، قد تبدأ الأعراض بالظهور. تختلف الأعراض حسب العضو المتضرر.

تشمل الأعراض الشائعة لداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي ما يلي:

  • التعب
  • آلام المفاصل
  • فقدان الشهية
  • الغثيان
  • القيء
  • اضطرابات الدورة الشهرية
  • العقم
  • تضخم الطحال
  • تغير لون الجلد (يصبح لون الجلد أغمق في بعض المناطق)

في الحالات المتقدمة، قد يتسبب داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي في حدوث مضاعفات خطيرة، مثل:

  • تشمع الكبد (تلف دائم للكبد)
  • سرطان الكبد
  • قصور القلب
  • مرض السكري من النوع 2
  • ضعف الانتصاب
  • اضطرابات نفسية

الأسباب [2] [1]

داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي هو اضطراب وراثي ينتقل من الآباء إلى الأبناء. وينتج عن طفرات في جين HFE، الذي يتحكم في كمية الحديد التي يمتصها الجسم من الطعام.

هناك نوعان من الطفرات في جين HFE يمكن أن تسبب داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي، وهما:

  • الطفرة C282Y
  • الطفرة H63D

لظهور أعراض داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي، يجب أن يرث الشخص نسختين من الجين المتحور، واحدة من كل من والديه.

إذا ورث الشخص نسخة واحدة فقط من الجين المتحور، فإنه سيكون حاملًا للمرض، ولكنه قد لا تظهر عليه الأعراض أبدًا.

إذا كان كلا الوالدين حاملين للجين المتحور، فإن كل طفل لديه فرصة 1 إلى 4 لوراثة نسختين من الجين المتحور، مما يعني أنه سيصاب بداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي.

بالإضافة إلى داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي، هناك نوعان آخران من داء ترسب الأصبغة الدموية، وهما:

  • داء ترسب الأصبغة الدموية في اليافعين
  • داء ترسب الأصبغة الدموية في حديثي الولادة

يحدث داء ترسب الأصبغة الدموية في اليافعين بسبب طفرات في جين HJV. يبدأ تراكم الحديد في وقت مبكر من العمر، وعادة ما تظهر الأعراض في عمر يتراوح بين 15 و30 عامًا.

يحدث داء ترسب الأصبغة الدموية في حديثي الولادة بسبب طفرات في جينات تشارك في تنظيم المناعة. يتراكم الحديد بسرعة في كبد الجنين، وقد يؤدي إلى الوفاة.

فيما يلي ملخص للنقاط الرئيسية حول أسباب داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي:

  • ينتقل من الآباء إلى الأبناء
  • ينتج عن طفرات في جين HFE
  • يحتاج إلى نسختين من الجين المتحور لظهور الأعراض
  • إذا كان أحد الوالدين حاملًا للجين المتحور، فإن كل طفل لديه فرصة 1 إلى 4 لوراثة نسختين من الجين المتحور
مخطط يوضح وراثة المرض H: جين المرض n: جين سليم

التشخيص [1]

تشخيص داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي

يعتمد تشخيص داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي على إجراء مجموعة من الفحوصات المخبرية والإشعاعية، والتي تشمل ما يلي:

  • الفحص الفيزيائي: قد يكشف الفحص الفيزيائي عن وجود علامات وأعراض تشير إلى الإصابة بداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي، مثل:
    • تضخم الكبد أو البنكرياس، والذي يمكن أن يلاحظه الطبيب عند فحص البطن.
    • تغير لون الجلد، والذي قد يكون مصحوبًا بظهور بقع داكنة في بعض المناطق، مثل الإبطين والركبتين.
  • الفحص المخبري: يتضمن الفحص المخبري إجراء اختبارات الدم لقياس مستويات الحديد والفيريتين، حيث يكون مستوى الحديد والفيريتين مرتفعًا بشكل غير طبيعي عند الأشخاص المصابين بداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي.
  • الفحص الإشعاعي: قد يُطلب إجراء بعض الفحوصات الإشعاعية، مثل:
    • التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للكبد والبنكرياس، حيث قد يظهر وجود تضخم في هذه الأعضاء.
    • تخطيط صدى القلب وتخطيط كهربية القلب (ECG)، حيث قد تظهر وجود علامات تلف القلب.
  • الفحص الجيني: قد يُطلب إجراء فحص جيني لتحديد ما إذا كان الشخص يحمل طفرة في جين HFE، والتي هي المسؤولة عن الإصابة بداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي.

العلاج [2][1]

يتمثل العلاج الأساسي لداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي في سحب الدم بشكل منتظم. يُعرف هذا الإجراء باسم الفصد. يساعد الفصد على إزالة الحديد الزائد من الجسم.

يعتمد عدد مرات سحب الدم على شدة حالة المريض. عادةً ما يُسحب نصف لتر من الدم مرة أو مرتين في الأسبوع في البداية. بعد أن تنخفض مستويات الحديد إلى المعدل الطبيعي، يمكن إجراء الفصد مرة واحدة كل شهرين إلى أربعة أشهر.

قد يصف الطبيب أيضًا الأدوية لمساعدة الجسم على إزالة الحديد الزائد. ومع ذلك، لا تُستخدم هذه الأدوية عادةً إلا في الحالات المتقدمة من داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي.

الوقاية [1]

لا يوجد علاج لداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي، ولكن يمكن الوقاية من مضاعفات المرض عن طريق إجراء الفصد بشكل منتظم.

يمكن للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من داء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي إجراء اختبار الدم لتحديد ما إذا كانوا يحملون الجين المتحور. إذا كانت نتيجة الاختبار إيجابية، فمن المهم إجراء الفصد بشكل منتظم لمنع تراكم الحديد الزائد في الجسم.

التنبؤ [2]

مع العلاج المناسب، يمكن للأشخاص المصابين بداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي أن يعيشوا حياة طويلة وصحية. ومع ذلك، إذا لم يتم علاج المرض، فقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل تشمع الكبد وسرطان الكبد.

أمراض وراثية أخرى ذات صلة:

الهيموفيليا

مرض هنتنغتون

المراجع:

[1] https://medlineplus.gov/genetics/condition/hereditary-hemochromatosis/

[2] https://emedicine.medscape.com/article/177216-overview?form=fpf

مرض هنتنغتون: رقصة الموت البطيء

في عالمنا المعقد والمليء بالتحديات الصحية، هناك أمراض نادرة تلفت انتباهنا بصورة خاصة. مرض هنتنغتون هو واحد من تلك الأمراض التي تجلب معها القلق والاهتمام. يُعرف هذا المرض بأنه “ملك الكوارث الوراثية”، وذلك لأنه يتسبب في تدهور مستمر ومأساوي للدماغ، ويترك أثراً كبيراً على حياة المصابين وعائلاتهم.

إن مرض هنتنغتون يشكل تحدياً فريداً بسبب طبيعته الوراثية، حيث يمكن أن يتم نقله من جيل إلى آخر. وبالرغم من ندرته، فإنه يعكس تأثيرًا عميقًا على الأفراد الذين يعانون منه ويساهم في فهم أعمق للجينات وعمل الدماغ.

في هذا المقال، سنتناول مرض هنتنغتون بتفصيل، بدءًا من أسبابه وأعراضه وصولاً إلى الجهود الحالية في مجال البحث والعلاج. سنكشف عن الجوانب المذهلة والمثيرة لهذا المرض، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها المصابون به وعائلاتهم. إن معرفة المزيد عن مرض هنتنغتون ليس فقط مهمًا للأفراد الذين يعانون منه بل أيضا لكل منا، حيث تعكس تلك القصة العمق والتحديات التي يمكن أن تواجهنا في مجال الصحة والوراثة.

تعريف مرض هنتنغتون وأسبابه:

مرض هنتنغتون هو مرض وراثي نادر ومميت يؤثر على الدماغ ويسبب تدهورًا تدريجيًا في الخلايا العصبية.

«مرض هنتنغتون» هو مرض يصيب المخ مسببا تآكل الخلايا العصبية خاصة في «منطقة المخطط- Striatum» وهي منطقة مهمة للحركات الإرادية بدايتها، وتناسقها، ولها دور في العاطفة أيضا.

ينتج هذا المرض عن وجود خلل في جين محدد يسمى “جين هنتنغتون“، وقد سُمي هذا المرض بهذا الاسم نسبةً للعالم الذي اكتشفه، حيث وُصِفَ مرض هنتنغتون (Huntington’s disease) في عام 1872 من قبل جورج هنتنغتون (George Huntington)، ولكنه عرف مُنذ العصور الوسطى.

يُعزى سبب مرض هنتنغتون إلى الجين الموجود على الكروموسوم رقم 4. ينعكس الخلل في هذا المرض على وجود عدد مرات التكرار الزائدة في تسلسل مركبات الحمض النووي (DNA) الخاص بالمريض. عندما يتجاوز عدد التكرارات هذا الحد العلوي الطبيعي، الذي يعادل 28 تكرارًا تقريبًا، يتغير التسلسل الجيني بشكل غير طبيعي. هذا التغيير في التسلسل يشمل مركبات الحمض النووي Cytosine وAdenine وGuanine، وهذا يؤدي إلى التشوهات البيولوجية التي تحدث في دماغ المرضى المصابين بهذا المرض. [1][2]

تضاعف الـCAG في المرض وتأثيره على التعبير الجيني والخلايا العصبية

هذا الخلل في التكرار يعتبر أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تطور الأعراض النمطية لمرض هنتنغتون وتأثيره الضار على الخلايا العصبية في الدماغ. تمثل هذه المعلومة الوراثية الحاسمة نقطة انطلاق للبحوث والجهود المستمرة لفهم هذا المرض والبحث عن وسائل لعلاجه ومكافحته.

وراثة المرض:

وراثة مرض هنتنغتون هي وراثة جسمية سائدة Autosomal Dominant. هذا يعني أنه إذا كان لديك واحد من الوالدين يحمل نسخة متكررة (مكررة) من الجين المسبب لهذا المرض، فإن هناك احتمالًا بنسبة 50% تقريبًا أن يكون لديك نفس النسخة المكررة من الجين، وبالتالي احتمال كبير لأن تكون مصابًا بهذا المرض.

الجين المسؤول عن مرض هنتنغتون يسمى “جين هنتنغتون”، وعادة ما يحمل الأفراد نسختين من هذا الجين، ولكن في حالة مرض هنتنغتون، يحدث تكرار غير طبيعي للمركبات الحمضية داخل الجين، وهذا التكرار الزائد يؤدي إلى ظهور الأعراض السريرية للمرض.

من المهم مراعاة أنه بالرغم من وجود نسخة مكررة لجين هنتنغتون، فإن توقيت وطريقة ظهور الأعراض يمكن أن يختلفان بين الأفراد. يعني ذلك أن الأعراض لا تبدأ في نفس السن أو بنفس الشدة لدى جميع الأفراد الذين يحملون الجين المسبب للمرض.

بمعنى آخر، إذا كنت تعلم أن لديك واحد من الوالدين يعاني من مرض هنتنغتون وتختلفت الأعراض لديه عند بدايته، فإنك قد تكون معرضًا لخطر الإصابة بالمرض، ولكن لا يمكن التنبؤ بدقة متى ستبدأ الأعراض لديك أو كيف ستكون شدتها. هذا يجعل المرض تحديًا للتوقع والتصرف، ويتطلب متابعة طبية ودعمًا نفسيًا واجتماعيًا للأفراد وعائلاتهم. [1][2]

مخطط السلالة لمرض هنتنغتون

أنواع مرض هنتنغتون:

يمكن تصنيف مرض هنتنغتون إلى نوعين استنادًا إلى متى تبدأ أعراضه:

  • مرض هنتنغتون للبالغين: تبدأ أعراضه عادة في منتصف الثلاثينات والأربعينات وهو النوع الأكثر شيوعًا. يمكن للمصابين به أن يعيشوا لمدة تتراوح بين 15-20 عامًا بعد بدء الأعراض.
  • مرض هنتنغتون الطفولي: هذا النوع نادر الحدوث وتبدأ أعراضه في مرحلة الطفولة أو المراهقة، وقد تتقدم الأعراض بسرعة أكبر. يمكن للمصابين به أن يعيشوا لمدة تتراوح بين 10-15 عامًا بعد بدء الأعراض.

أعراضه:

عادةً ما تكون أعراض مرض هنتنغتون متشابهة بصورة عامة مع أعراض أمراض أخرى مثل الزهايمر وباركنسون.

تتطور حالة المصابين بهذا المرض ببطء عبر مراحل متعددة:

  1. المرحلة الأولية: تظهر فيها أعراض بسيطة مثل التقلبات المزاجية والحركات اللاإرادية، والمريض قادر عادة على ممارسة حياته بشكل طبيعي.
  2. المرحلة المتوسطة: تجعل الأعراض الظاهرة في هذه المرحلة الأمور اليومية أكثر صعوبة، ولكن المريض قد يمكنه ممارسة بعض الأنشطة دون مساعدة.
  3. المرحلة النهائية: يصبح المريض غير قادر على مغادرة السرير ويحتاج إلى العناية الكاملة من الآخرين.
اضطرابات الحركة اللا إرادية في المرض

بالتالي هذه نظرة موجزة على أعراض مرض هنتنغتون:

1- الأعراض الإدراكية والذهنية:

  • صعوبة التعلم واكتساب معلومات جديدة.
  • مشكلات في اتخاذ القرارات والتخطيط.
  • صعوبة في التركيز والانتباه.
  • صعوبة التنظيم والتخطيط للأمور.

2- الأعراض الجسدية:

  • صعوبات في البلع.
  • تداخل في الكلام واللغة.
  • حركات لاإرادية في الرأس والوجه والأطراف.
  • عدم ثبات الجسم أثناء المشي ومشكلات في التوازن.

3- الأعراض النفسية:

  • مشكلات وأمراض تتعلق بالمزاج مثل القلق والعصبية والاكتئاب.
  • تغيرات ملحوظة في الشخصية.
  • مشكلات واضطرابات في النوم.
  • الرغبة في الانعزال والابتعاد عن المجتمع.
  • أفكار انتحارية.

تلك الأعراض تظهر بشكل تدريجي وتتفاقم مع مرور الوقت. يجدر بالذكر أن هناك اختلافات في توقيت ظهور الأعراض وشدتها بين الأفراد المصابين بالمرض. [1][2]

آليات التشخيص:

تشخيص مرض هنتنغتون يتضمن عدة خطوات وإجراءات من قبل الفريق الطبي المختص.

الخطوات الرئيسية لتشخيص المرض تشمل:

  1. التقييم السريري: يبدأ تشخيص مرض هنتنغتون بتقييم سريري من قبل طبيب متخصص في الأمراض العصبية. يتضمن هذا التقييم الاستماع إلى تاريخ العائلة الطبي لتحديد ما إذا كان هناك أي حالات مماثلة في العائلة.
  2. الفحوصات العصبية: يتم إجراء فحوصات عصبية متخصصة لتقييم وظيفة الجهاز العصبي والبحث عن العلامات النمطية للمرض. يشمل ذلك فحوصات الحركة والتنسيق والقوة العضلية.
  3. الاختبارات الجينية: تُجرى اختبارات جينية لتحليل الجين المسؤول عن مرض هنتنغتون. يتم تقييم عدد مرات التكرار للمركبات الحمضية داخل الجين، وإذا كان هذا العدد أكبر من الحد الأعلى الطبيعي (الذي يعادل 28 تكرارًا تقريبًا)، فإن ذلك يشير إلى وجود المرض.
  4. الصور الشعاعية: قد يُجرى فحص بالصور الشعاعية للدماغ مثل الرنين المغناطيسي (MRI) لتحديد التغيرات الهيكلية في الدماغ واستبعاد أسباب أخرى للأعراض.
  5. تقييم الأعراض السلوكية والنفسية: يجرى تقييم للأعراض النفسية والسلوكية التي يعاني منها المريض بواسطة أخصائي نفسي. يساعد هذا في تحديد تأثير المرض على الجانب النفسي والاجتماعي للمريض.

بعد إجراء هذه الخطوات، يمكن للفريق الطبي تأكيد تشخيص مرض هنتنغتون وتقديم الدعم والإرشاد للمريض وعائلته. من المهم معرفة أن التشخيص المبكر يمكن أن يساعد في تقديم العناية والدعم اللازمين والتخفيف من تأثير المرض على جودة حياة المصاب. [1][2]

العلاج:

حتى الآن، ليس هناك علاج شافي وكمل لمرض هنتنغتون. ومع ذلك، هناك استراتيجيات وعلاجات تستخدم للتعامل مع الأعراض وتحسين جودة حياة المرضى. تشمل العلاجات والإجراءات التالية:

  1. العلاج الدوائي: يتم استخدام بعض الأدوية لمساعدة في إدارة بعض الأعراض المرتبطة بمرض هنتنغتون. من بين هذه الأدوية:
  • أدوية للتحكم في الحركات اللاإرادية مثل تيترابينازين (Tetrabenazine).
  • أدوية للتخفيف من الأعراض النفسية مثل مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان.
  1. العلاج النفسي والعلاج السلوكي: يمكن أن يكون العلاج النفسي مفيدًا للمصابين بمرض هنتنغتون وعائلاتهم. يتضمن العلاج النفسي تعلم استراتيجيات لإدارة الأعراض النفسية والتأقلم مع التغيرات.
  2. العلاج الطبيعي: العلاج الطبيعي يمكن أن يساعد في الحفاظ على اللياقة البدنية وزيادة قوة العضلات وتحسين التنسيق والتوازن.
  3. الدعم الاجتماعي والمساعدة: يلعب الدعم الاجتماعي والتواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء دورًا حاسمًا في تقديم الدعم النفسي والعاطفي للمرضى.
  4. البحث السريري: هناك جهود مستمرة لإجراء الأبحاث السريرية لاختبار علاجات جديدة واستراتيجيات لمرض هنتنغتون. يمكن أن يشمل ذلك العقاقير التجريبية والتقنيات الواعدة.

تحتاج معالجة مرض هنتنغتون إلى تخصيص الرعاية الطبية والدعم المستدام. يجب أن يشتمل العلاج على التعاون بين مختلف التخصصات الطبية والصحية لتقديم الرعاية الشاملة للمرضى ومساعدتهم في التعامل مع تحديات المرض.[1][2]

أبحاث عن المرض:

المرض مثل الجريمة التي يشترك فيها أكثر من مجرم ولكن بمرور الزمن يتم معرفة المجرمين واحد تلو الآخر وهذا ما يحدث الآن مع مرض هنتنغتون Huntington’s disease حيث مؤخرا تم الكشف عن مساعدة بروتين يسمى «Rhes» لذلك المرض في التوجه للأماكن التي يصيبها بشدة في المخ .

أثناء قيام الباحثين بفحص خلايا العصبية لفأر رأوا نتوءات خلوية لزجة تشبه السلسة طولها حوالي 150 ميكرون تصل الخلايا ببعضها. والمسؤول عن تشييد تلك النتوءات المشابهة للأنفاق بروتين يسمى «Rhes» وهو بروتين يزداد وجوده في «Striatum region» وبحقن البروتين المسؤول عن مرض هنتنغتون وهو«Mutated huntingtin protein» به مادة ضوئية «fluorescence» في مخ الفأر ومراقبته شوهد يمر خلال ذلك النفق للخلايا العصبية المجاورة. وذلك النفق أيضا ليس مخصص فقط لذلك البروتين إلا أن «السوسومات- lysosomes» و «الاندوسومات- endosomes» وغيرها تنتقل أيضا مستخدمة ذلك الطريق السريع.

وذلك الاكتشاف فتح الباب للخيال في إطار علاج مرض هنتنغتون. تخيل معي إذا سقط الكوبري الذي يسير عليه عصابة مسلحة هل تستطيع تلك العصابة أن تكمل عملها وتسطو على بنك مثلا؟! حيث أنه بإزالة الجين المسؤول عن تصنيع بروتين «Rhes» من أدمغة بعض الفئران نتج عن ذلك تراجع ملحوظ في نشاط ذلك المرض حيث تسبب في ضرر أقل بالمخ.

وهنا وجب الإشارة أن بروتين «Rhes» لايقتصر دوره فقط على تشييد تلك الأنفاق بين الخلايا، وتسهيل انتقال «Mutated huntingtin protein»؛ بل هو أيضا له القدرة على التفاعل معه وجعله أكثر سمية للخلايا العصبية.

ولازال العلماء في حالة من البحث عن المزيد من التفاصيل في ذلك الإطار حيث البروتينات الأخرى المشتركة في بناء ذلك النفق وكذلك إذا كانت هناك المزيد من البروتينات الضارة تتحرك خلال تلك الأنفاق وذلك بغرض القضاء على ذلك المرض في المستقبل القريب معرفة المزيد من التفاصيل عن غيره من الأمراض العصبية الخطيرة. [3]

مراجع ومصادر:

1- NIH

2- Medline Plus

3- https://www.eurekalert.org/news-releases/737733

مقال علمي مفصل عن تطوير لقاحات رنا المرسال الفائزة بجائزة نوبل للطب 2023

تقدم جائزة نوبل سنويًا لمن ساهموا في تطوير الطب وتغيير العالم، منذ عام 1895. وقد أسسها مخترع الديناميت السويدي ألفريد نوبل، وأوصى بأن توزع الجوائز سنويًا لمن هم بحسب وصفه “جعلوا العالم مكانًا أفضل”. تمنح الجائزة في خمس مجالات وهي الطب، والكيمياء، والفيزياء، والأدب، والسلام. وقد بلغ عدد الجوائز في مجال الطب وعلم الوظائف الحيوية 114 جائزة بإضافة جائزة عام 2023. وقد حصل على جائزة نوبل في الطب 2023 كلًّا من الطبيبة كاتالين كاريكو والطبيب درو وايزمان من جامعة بنسلفينيا. منحت الجائزة لهما لاكتشافهما التعديلات الخاصة بقاعدة النيكلوزيد التي ساعدت في تطوير لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال “mRNA” وهي التقنية التي استخدمت لتطوير لقاحات كوفيد-19.

استخدام mRNA في اللقاحات

عندما ظهر فيروس كوفيد-19 في نهاية عام 2019، كان من الصعب تخيل مدى سرعة تصنيع لقاح يتصدى لهذا الوباء للحد من انتشاره. ولكن في فترة قياسية، تمكن العلماء من تطوير العديد من اللقاحات. تلك السرعة دفعت البعض للاعتقاد بإنها مؤامرة، لذلك ظهرت بعض حملات رفض اللقاحات، لكنها عبرت عن جهل عامة الناس بتلك التقنية الجديدة فحسب. وقد تم اعتماد لقاحيين هما الأسرع والأكفأ في مواجهة الفيروس باستخدام تقنية الرنا المرسال mRNA الحديثة.

إن الظهور الأول لاستخدام تقنية الرنا المرسال كان منذ 30 عامًا تقريبًا، حيث كانت التجارب المخبرية تفيد بفعاليتها العلاجية. إلا أن تطبيقها سريريًّا تطلب التغلب على العديد من العقبات. كانت من ضمن تلك العقبات هي تحفيز الرنا المرسال للالتهابات غير المرغوب فيها أثناء عملية تحميل المادة الوراثية، وانتاجها بروتين غير فعال. إضافة إلى عدم ثبات واستقرار الرنا المرسال داخل الجسم الحي، لكونه جزيء هش يتحلل بسهولة بواسطة الإنزيمات الموجودة في الدم والأنسجة.

يصنع الرنا المرسال في المختبرات في عملية تسمى النسخ في المختبر in vitro transcription (IVT). تتم عملية IVT باستخدام إنزيم خاص يسمى بوليميريز RNA. يرتبط بوليميريز الرنا بقالب المادة الوراثية الأصلية الدنا وينسخه إلى رنا. ينسخ جزيء الحمض النووي الريبوزي (RNA) لينتج الرنا المرسال الذي سيتم استخدامه في اللقاح. يحتاج نقل الرنا المرسال إلى داخل الجسم الحي إلى ناقل ليحميه من التحلل داخل الجسم، لذلك استخدم العلماء عدة نواقل. من ضمنها النواقل الشحمية.

كانت نقطة التحول عندما اكتشفت كاريكو ووايزمان الرنا المرسال المعدل. تمكن الباحثان باستخدام الرنا المرسال المعدل من التغلب على العقبات عبر تجنب التعرف المناعي المسبب للالتهابات، وتحسين إنتاج البروتين. أدت تلك النتائج جنبًا إلى جنب مع تحسين وتطوير طرق استهداف الرنا المرسال لمناطق بعينها، وتثبيت واستقرار المستضد الخاص به في الجسم الحي إلى موافقة الجهات المختصة على اللقاح وتطبيقه سريريًّا على العامة. لتصبح مساهمة كاريكو ووايزمان ركيزة أساسية لبناء علم اللقاحات الشامخ في وقت شديد الحرج، وتمهيدًا لاستخدام تلك التقنية في المستقبل.

فيم تختلف اللقاحات قبل الوباء عن لقاحات الرنا المرسال؟

اعتمدت معظم اللقاحات الفيروسية قديمًا قبل لقاح الكوفيد على تقنية استخدام بروتينات فيروسية ضعيفة أو غير فعالة. تؤدي تلك البروتينات عملها عبر حقنها، فيكتسب الشخص مناعة عن طريق تكوين الخلايا التائية لأجسام مضادة للبروتينات الناتجة عن تلك الفيروسات. تتميز تلك اللقاحات بفعالية كبيرة ضد الفيروسات ولكنها تتطلب جرعات تحفيزية، بسبب ضعف الاستجابة المناعية بمرور الزمن.

كمرحلة ثانية، تطورت اللقاحات وأصبحت أكثر انتقائية بعد ثورة البيولوجيا الجزئية وتطوير تقنية إنتاج البروتينات، ليتم استخدام تلك التقنية والموافقة عليها لأول مرة في لقاح فيروس التهاب الكبد الوبائي عام 1986. ومن ثم لقاح الفيروسات المسببة للأورام في عام 2006. حيث يحتوي كلا اللقاحين على البروتين الخاص بكلا الفيروسين. ويشار إلى تلك اللقاحات باسم “لقاحات الوحدة الفرعية”. إذ تحمي تلك اللقاحات من تكون السرطانات مستقبلًا باستخدام مكونات بروتينية مؤتلفة.

وفي عام 2019، وكمرحلة ثالثة، استطاع العلماء تطوير لقاحات باستخدام هندسة الفيروسات البيولوجية، كما هو الحال في لقاح الإيبولا. إذ يعمل اللقاح عن طريق النواقل الفيروسية، حيث تقوم النواقل بإنتاج بروتين ذاتي لإنتاج مستضدات مشفر. تتمكن أجسادنا من التعرف على الفيروس عن طريق البروتين الخاص به ويشار إليها باسم “لقاحات النواقل”.

كلا التقنيتين السابقتين (المرحلة الثانية والثالثة) تحتاج إلى زراعة واسعة للخلايا لحقن المستضد الحقيقي، مما يحدّ من إمكانية إنتاج اللقاحات بشكل سريع في حالة التصدي للأوبئة. ولذلك طور الباحثون تقنية تتحايل على الحاجة إلى زراعة الخلايا الواسعة. حيث يمكن إيصال الحمض النووي عن طريق الرنا المرسال إلى المتلقي باستخدام إنتاج البروتين الزائف الخاص بالفيروس في المختبر بعد معرفة تسلسله الجيني. فيتحقق حلم الباحثين بإنتاج اللقاحات بشكل أسرع وتكلفة مادية أقل وهو ما يمثل نجاح هائل للمرحلة الرابعة.

كيف طُورت لقاحات الرنا المرسال؟

كانت بداية اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي والرنا المرسال في بداية التسعينات. حيث تم اختبارها لأول مرة على الفئران، لتصبح بادرة أمل في عالم اللقاحات. على الرغم من صعوبة تصنيع اللقاحات القائمة على الحمض النووي، إلا أن مميزاتها شجعت على ذلك. إذ يمكن تعديل تسلسلها الجيني بسهولة لتكوين مستضدات مختلفة، كما يمكن إنتاج تلك اللقاحات بسهولة.

لقاحات الدنا DNA

وبالرغم من الاعتقاد بأن اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الدنا DNA ستكون أكثر فعالية عن تلك المعتمدة على الرنا المرسال. وذلك لكون الحمض النووي أكثر استقرارًا، لكن كان التطور في تلك اللقاحات بطيء. ولم تجرب سوى على فئران التجارب. يرجع السبب في ذلك إلى أن اللقاح المعتمد على الحمض النووي يحتاج إلى عبور حاجزين وهما غشاء البلازما، والغشاء النووي حول نواة الخلية للوصول إلى الحيز الخلوي لتحويل الحمض النووي إلى بروتينات. فعملية تحويل الحمض النووي إلى رنا مرسال والتي تسمى “عملية النسخ” تتم داخل النواة. وهو ما يصعب من استخدام الحمض النووي الدنا في اللقاحات.

الرنا المرسال المعدل

وبسبب صعوبة استخدام لقاحات الحمض النووي DNA أتت فكرة اللقاحات المعتمدة على الرنا المرسال، والتي لا تحتاج إلا لعبور حاجز واحد للوصول إلى السيتوبلازم. وفي السيتوبلازم، يتم تحويل الرنا المرسال إلى بروتين مباشرة. لماذا؟ لأن عملية ترجمة الرنا المرسال إلى بروتينات بالأساس تتم في سيتوبلازم الخلية ولا يحتاج في هذه الحالة الرنا المرسال إلى دخول النواة من الأساس. كما أن المعلومات الوراثية في تلك الحالة لن تندمج مع جينوم المتلقي، مما يوفر أمان عالي للخلايا البشرية خلال تلك العملية. بعبارة أخرى، لم يدخل الرنا المرسال المعدّل النواة من الأساس والتي تحتوي على المعلومات الوراثية الأصلية للكائن الحي. لم تحدث عملية تلاقي من الأساس بين المادتين الوراثيتين، بالتالي نسبة انتقال أو تلوث المادة الوراثية الأصلية بالمادة المحقونة تكاد تصل للصفر.

تطور نواقل لقاحات الرنا المرسال

إحدى عيوب اللقاحات الفيروسية المعتمدة على النواقل والتي ذكرناها في المرحلة الثانية والثالثة سابقًا، أنها تحفز الأجسام المضادة لمهاجمة البروتينات الهيكلية لتلك النواقل. مما يؤدي إلى هدم البنية البروتينية وتقليل استجابة الجسم لتلك النواقل إذا تم استخدام نفس النوع مرة أخرى. وقد نجح العلماء في تطوير لقاحات تستخدم نواقل فيروسية مطورة بتقنية هندسة الفيروسات الغدّية. واستطاعوا بذلك التصدى جزئيًا لجائحة كورونا السابقة خاصة في بدايتها.

ولأن مشكلة النواقل الفيروسية ستظل في حاجة لحلول جذرية، أصبح التحدي التالي يكمن في إيصال اللقاحات المعتمدة على الرنا المرسل داخل جسد الكائن الحي. في عام 1990، نشرت أول دراسة للعالم فيليب فلينجر وفريق عمله، تثبت أن حقن الرنا المرسال العاري، سمي بالعاري لأنه يخلو من النواقل، في العضلات الهيكلية قادر على إنتاج البروتين في الجسم الحي.

وقد أثبت مارتينون وفريق عمله بعد ذلك استجابات الخلايا اللمفاوية التائية السامة للخلايا الخاصة بمستضد معين في الفئران المحقونة بالرنا المرسال باستخدام جسيمات دهنية شحمية كنواقل. والجسيمات الشحمية هي جزيئات دهنية صغيرة تحيط بالرنا المرسال. تساعد الجسيمات الشحمية على حماية الرنا المرسال من التلف أثناء عملية التوصيل وعبور حواجز الخلية.

كما طور باحثون آخرون لقاحات النسخ المتماثل لفيروس ألفا، وهي لقاحات تعمل على إنتاج عدد أكبر بكثير من نسخ ترميز المستضد لكل خلية، مما قد يؤدي إلى استجابات مناعية أكثر قوة. ساعد نجاح هذا اللقاح في النسخ المتماثل لفيروس ألفا في النماذج الحيوانية على إظهار إمكانات لقاحات الرنا المرسال، ووضع الأساس لتطوير أول لقاحات تعتمد على الرنا المرسال ضد العدوى البشرية. ومن المهم أن نلاحظ أن تطوير لقاحات الرنا المرسال قد تم بعد تطوير الجسيمات الدهنية النانوية لتوصيل الرنا المرسال.

كاريكو وويزمان باحثان غيرا العالم

درس العالمان كاريكو وويزمان الأنواع المختلفة للحمض النووي الريبوزي ونشرا نتائج بحثهما في عام 2005. ولكن كان أصبح لاكتشافهما أهمية أكبر عندما ساعدا في تطوير لقاحات فيروس كورونا.

التغلب على الالتهاب

شرحت الدراسة تأثير تعديل قاعدة نيكلوزيد الرنا المرسال على استجابة السيتوكينات باستخدام الخلايا الجذعية. والسيتوكينات هي بروتينات تنتجها الخلايا وتساعد في تنظيم الاستجابة المناعية. وتلعب السيتوكينات دورًا مهمًا في الالتهاب والاستجابة المناعية وإصلاح الأنسجة. وقد أظهرت الدراسات أن الرنا المرسال والرنا الناقل في حقيقيات النواة لم يحفزا استجابة السيتوكينات. على خلاف الرنا المرسال في بدائيات النواة المنسوخة في المختبر، والتي استطاعت تحفيز السيتوكينات.

تم استخدام الخلايا الجذعية لدراسة تأثير تعديلات قاعدة الرنا المرسال على استجابة الخلايا الجذعية للالتهاب. وبدمج مركبات 5-ميثيل سيتيدين، أو N6-ميثيل أدينوزين، أو 5-ميثيلوريدين، أو 2-ثيوريدين في الرنا المرسال، وجد الباحثون أن هذه المركبات كانت قادرة على إلغاء تفعيل الاستجابات الالتهابية عند إضافة الرنا المرسال إلى الخلايا الجذعية.

كما تمكن الباحثون من عمل تعديلات على مركب اليريدين، وهو مركب يلعب دورًا مهمًا في تعديل قاعدة الرنا المرسال. هذه التعديلات أدت إلى إلغاء تنشيط التيار المستمر، وهو استجابة التهابية طويلة الأمد.

نتائج التعديل على الرنا المرسال

تشير النتائج إلى أن تعديلات قاعدة الرنا المرسال قد يكون لها آثار مهمة على تطوير علاجات جديدة للأمراض المناعية. على سبيل المثال، يمكن استخدام هذه التعديلات لمنع أو علاج الالتهاب المرتبط بأمراض مثل السرطان وأمراض المناعة الذاتية.

قبل أكثر من 40 عامًا لاحظ العالم إسحاق وفريقه، أن الحمض النووي الريبي المتحلل يمكنه تحفيز نوع من الانتروفين القوي لمواجهة الفيروسات. ولكن لم يستطع إسحاق معرفة كيفية وسبب ذلك. حتى أتى وايزمان وكاريكو بشرح ذلك في بداية الألفينات. والانتروفين هو نوع من السيتوكينات التي تعمل على مواجهة الفيروسات.

 أوضحت الدراسات التي أجراها وايزمان وكاريكو لاحقًا السبب في استخدام اليردين المزيف (m1Ψ) بمفرده أو مع مركب 5-methylcytosine أنه يؤدي إلى تثبيط الاستجابة المناعية لتجنب الالتهابات غير المرغوب فيها وزيادة التعبير البروتيني. كما أن تلك التعديلات تجعل من الرنا المرسال أكثر استقرارًا داخل الخلية. تلك التعديلات هي الأكثر استخدامًا في اللقاحات الحديثة، بما في ذلك اللقاحين المستخدمين في مواجهة فيروس كورونا.

قام كاريكو وويزمان بحقن الرنا المرسال المعدل المحتوي على اليريدين المزيف في طحال فأر، لينتج كمية كبيرة من البروتين. ووجدوا أن بروتين PKR قد تم تنشيطه. وهو بروتين مضاد للفيروسات يمنع ترجمة البروتين. أظهر الفريق أن استخدام القواعد المعدلة للرنا المرسال يقلل من تنشيط PKR ويحسن إنتاج البروتين.

لقد ثبت أن استخدام m1Ψ في لقاحات الرنا المرسال آمن وفعال. وأظهرت التجارب السريرية تلك اللقاحات فعالة للغاية في الوقاية من الأمراض الخطيرة والاستشفاء والوفاة كما هو الحال مع كوفيد-19.

كيف بدأ انتاج لقاحات تعتمد على الرنا المرسال المعدل؟

بحلول عام 2010، تم تأسيس ثلاث شركات تعمل على تكنولوجيا الرنا المرسال وهم شركة CureVac، التي تأسست في عام 2000 بهدف تطوير لقاحات ضد الالتهابات والسرطان. وشركة BioNTech تأسست في عام 2008 بهدف تطوير لقاحات خاصة بالسرطان. وشركة Moderna، التي تأسست في عام 2010. استخدمت تقنية الرنا المرسال المعدل لإعادة برمجة الخلايا الجسدية إلى خلايا متعددة القدرات وتوصيل البروتينات العلاجية. وتعاونت الشركات الثلاث مع الباحثين لمواجهة الأمراض بتقنية حديثة آمنة وفعالة.

أثمرت جهود تلك الشركات بالتعاون مع العلماء والباحثين بالتصدي لبعض الفيروسات. منها فيروس زيكا في عام 2017. ومن ثم تعاونت شركة موديرنا مع العالم جراهام وفريقه للتصدي لفيروس كورونا القديم المتسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية المعروف باسم سارس.

لقاحات كورونا المعتمدة على تقنية الرنا المرسال المعدل

بعد ظهور كوفيد-19 تعاونت تلك الشركات بالإضافة إلى شركات أخرى وعدد كبير من المؤسسات الأهلية والحكومات في بحث وتطوير وتمويل لقاح فيروس كوفيد-19. وتمت التجارب السريرية بالتوازي مع الأبحاث والتجارب المخبرية، وعلى غير المعتاد، حدثت بالتتابع نظرًا لحاجة العالم للقاح سريع. مما أدى إلى ظهور نتائج أسرع من العادة، حيث حصل كل من لقاحي الرنا المرسال المعدل من شركة Pfizer/BioNTech وModerna على الموافقة في غضون عام من تفشي فيروس كوفيد-19. أصبح هذا التطور ممكنًا بفضل عقود من البحث الأساسي وتحسين العمل على الرنا المرسال.

يحتوي كل من لقاحي الرنا المرسال من Pfizer/BioNTech وModerna على بدائل كاملة لليوريدين لتجنب الاستجابات الالتهابية غير المرغوب فيها، ولتكثيف ترجمة البروتين. أظهرت النتائج التي تم الحصول عليها بعد تطعيمين من الحمض النووي الريبوزي المرسال، أن مستوى الحماية ضد أعراض كوفيد-19 كان مرتفعًا للغاية. بفعالية 95% للقاح فايزر/بيونتيك (بولاك 2020) و94% للقاح موديرنا ( بادن 2021).

سرعان ما أظهرت الدراسات اللاحقة أن الاستجابة للقاح كانت قصيرة العمر نسبيًا. فتوصل مجتمع البحث العلمي أن التحصينات المعززة الإضافية حسنت الحماية بشكل كبير، خاصة ضد متحور أوميكرون الأكثر عدوى. وبعد عدة دراسات وتجارب أوضح المجتمع العلمي أن الأضرار الجانبية للقاحين كانت نادرة للغاية. مما يوفر فرصًا أكثر أمانًا للمزيد من التجارب والتطوير.

كيف سيساعد اكتشاف كاريكو ووايزمان الأطباء مرة أخرى؟

يجري الآن تطوير العديد من تطبيقات الرنا المرسال المعدل بالاعتماد على دراسة كاريكو ووايزمان. يشمل ذلك اللقاحات ضد الالتهابات وعلاج السرطان وتوصيل البروتينات العلاجية أو المعدلة للمناعة. من المؤكد أن تطوير تقنية الرنا المرسال هو لخدمة البشرية في التصدي للأمراض الأكثر خطورة أو انتشارًا كالأورام. وتُظهر الدراسات السريرية الحديثة لقاحات الرنا المرسال جنبًا إلى جنب مع علاجات تثبيط الورم باستخدام مستضدات الورم المتحولة أو غير المتحولة لتحفيز استجابات الخلايا التائية الخاصة بالورم في مرضى سرطان الجلد وسرطان القناة البنكرياسية.

يستخدم الرنا المرسال في هذه التجارب، ويعمل العلماء على تعديلات على ذيل poly(A) لزيادة ثبات الرنا المرسال وكفاءة تحويله إلى بروتينات. وبالتالي، هناك طرق بديلة لتوليد لقاحات وعلاجات فعالة تعتمد على الرنا المرسال قيد التطوير.

لم تحظ النتائج التي نشرتها كاريكو ووايزمان في بحثهما عام 2005 باهتمام كبير في حينها. ولكنها وضعت الأساس لتطوير اللقاحات التي خدمت العالم خلال جائحة كوفيد-19، ليستحقا جائزة نوبل في الطب لعالم 2023.

المصدر

الموقع الرسمي لجائزة نوبل

ثعبان البحر الكهربائي: رابط حي بين البيولوجيا والكيمياء

ثعبان البحر الكهربائي هو مخلوق فتن العلماء وعشاق الطبيعة لعدة قرون. بفضل قدرته على توليد تفريغ كهربائي قوي، يعتبر ثعبان البحر الكهربائي أعجوبة حقيقية من الطبيعة. تسمح هذه القدرة الفريدة لثعبان البحر الكهربائي بالتواصل والافتراس والدفاع عن نفسه بطرق لا تشبه أي مخلوق آخر على وجه الأرض. من صعق فريسته إلى درء الحيوانات المفترسة، يعد استخدام ثعبان البحر الكهربائي للكهرباء مثالًا رائعًا على التكيفات المذهلة التي يمكن العثور عليها في العالم الطبيعي.

ما هو سر قوة ثعبان البحر الكهربائي؟

الثعابين الكهربائية هي نوع من الأسماك التي توجد في المياه العذبة في أمريكا الجنوبية، وخاصة في أحواض نهري الأمازون وأورينوكو. على الرغم من اسمها، فإن الثعابين الكهربائية ليست ثعابين حقيقية، بل هي نوع من أسماك السكاكين. وهي معروفة بقدرتها على توليد صدمات كهربائية قوية، تستخدمها في الصيد والتواصل والدفاع عن النفس.

يمكن أن يصل طول الثعابين الكهربائية إلى 8 أقدام ويصل وزنها إلى 44 رطلاً، على الرغم من أن معظم الأفراد أصغر من ذلك. لديهم جسم طويل أسطواني مغطى بطبقة من المخاط اللزج الذي يساعد على توصيل الكهرباء. يكون لونها عادةً رماديًا داكنًا أو بنيًا على الظهر وأصفر أو برتقاليًا على البطن.

الثعابين الكهربائية هي في المقام الأول آكلة اللحوم وتتغذى على مجموعة متنوعة من الفرائس، بما في ذلك الأسماك والبرمائيات واللافقاريات. ومن المعروف أيضًا أنهم مخلوقات انفرادية وعادة ما توجد في المياه البطيئة الحركة أو الراكدة، مثل المستنقعات والجداول والأنهار الصغيرة.

تنتج الأسماك الكهربائية طاقتها الكهربائية من خلال عضو كهربائي متخصص. على سبيل المثال، يحتل العضو الكهربائي نحو ثلثي جسم السمكة، وهو مقسم إلى ثلاثة أجزاء مختلفة، كل منها ينتج تيارًا كهربائيًا بطبيعته المختلفة. على الرغم من صدماتها الكهربائية القوية، لا تعتبر الثعابين الكهربائية تهديدًا كبيرًا للبشر. ومع ذلك، فإنها يمكن أن تسبب إصابة خطيرة أو حتى الموت إذا لامس شخصًا كبيرًا أو تعرض للصدمة بشكل متكرر. على هذا النحو، من المهم توخي الحذر عند السباحة أو الخوض في المياه التي من المعروف أن الثعابين الكهربائية تعيش فيها [1-3] .

كيف يولد ثعبان البحر الكهربائي الكهرباء؟

الكيمياء الكهربائية هي دراسة العمليات الكيميائية التي تنطوي على نقل الإلكترونات. ويلعب دورًا حاسمًا في العديد من الظواهر الطبيعية، بما في ذلك قدرة ثعبان البحر الكهربائي على توليد الكهرباء. ترجع هذه القدرة إلى الكيمياء الكهربائية التي تحدث داخل جسمه. حيث يحتوي على خلايا متخصصة تسمى الخلايا الكهربائية المسؤولة عن توليد الشحنة الكهربائية. تمتلئ هذه الخلايا بالأيونات، وهي ذرات أو جزيئات لها شحنة كهربائية. حركة هذه الأيونات عبر غشاء الخلية تخلق فرق الجهد، مما يولد الشحنة الكهربائية. من خلال فهم الكيمياء الكهربائية وراء قدرة ثعبان البحر الكهربائي على توليد الكهرباء، يمكننا الحصول على تقدير أكبر للتكيفات المذهلة التي يمكن العثور عليها في العالم الطبيعي [1-3].

ما هي ميكانيكية الجسم لتوليد الكهرباء؟

يتضمن توليد الكهرباء في ثعبان البحر الكهربائي سلسلة من الخطوات المعقدة الضرورية لإنتاج صدمة كهربائية قوية. وتشمل هذه الخطوات حركة الأيونات عبر أغشية الخلايا وتنشيط القنوات الأيونية.

يتكون العضو الكهربائي من الخلايا الكهربائية، وهي المسؤولة عن توليد الشحنة الكهربائية. تمتلئ هذه الخلايا بأنواع مختلفة من الأيونات، بما في ذلك أيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكلوريد.

تبدأ عملية توليد الكهرباء بحركة أيونات الصوديوم من خارج الخلية إلى داخلها. يتم تسهيل هذه الحركة بواسطة بروتين يسمى مضخة الصوديوم والبوتاسيوم. عندما تتحرك أيونات الصوديوم داخل الخلية، فإنها تخلق شحنة موجبة داخل الخلية. بعد ذلك، تتحرك أيونات البوتاسيوم خارج الخلية، مما يساعد على الحفاظ على الشحنة الموجبة داخل الخلية. تخلق حركة الأيونات هذه فرقًا في الجهد بين داخل الخلية وخارجها.

عندما يريد ثعبان البحر الكهربائي توليد شحنة، فإنه يرسل إشارة إلى الخلايا الكهربائية لتحرير أيوناتها المخزنة. وهذا يسبب حركة سريعة للأيونات عبر غشاء الخلية، مما يولد شحنة كهربائية كبيرة. يتم تسهيل حركة الأيونات عبر غشاء الخلية عن طريق القنوات الأيونية، وهي بروتينات تسمح للأيونات بالمرور عبر غشاء الخلية. يتم تنشيط هذه القنوات الأيونية عن طريق إطلاق الأيونات المخزنة، مما يتسبب في تدفق سريع للأيونات إلى الخلية.

إن حركة الأيونات عبر غشاء الخلية هي ما يخلق فرق الشحنة الكهربائية الذي يسمح لثعبان البحر الكهربائي بتوليد الكهرباء. من خلال التحكم في حركة أنواع مختلفة من الأيونات، يستطيع ثعبان البحر الكهربائي إنتاج صدمة كهربائية قوية يستخدمها في الصيد والتواصل والدفاع عن النفس [1] .

لماذا لا ينتهي الأمر بالأسماك إلى صدمة نفسها؟

العضو الكهربائي للأسماك الكهربائية القوية مبطن بالأنسجة الدهنية والضامة. عندما تطلق السمكة صدمتها، تقوم هذه الأنسجة بعزل السمكة عن تكتيكها الهجومي. وكذلك يلعب الحجم أيضا دورًا في ذلك. حيث أن معظم الأسماك المفترسة ذات القوة الكهربائية أكبر بكثير في الحجم من فرائسها. يمكن أن يصل حجم بعض الثعابين الكهربائية إلى 8 أقدام. سوف يقوم تيارهم بفتك فرائسهم الأصغر حجمًا، لكنه لن يفعل الكثير لأجسامهم الأكبر حجمًا، مثلما لن يؤثر بشكل خطير على الإنسان البالغ.

ومع ذلك، فإن الأسماك الكهربائية ليست مقاومة تمامًا للصدمات. وقد لاحظ الكثيرون أن الأسماك الكهربائية ترتعش، خاصة عند إخراجها من الماء. قد يكون هذا هو الحال لأن الهواء لا يسمح للشحنة بالتبدد خارج السمكة بنفس سرعة الماء (خاصة مياه البحر المالحة).

لم يكن علماء الماضي هم الوحيدين الذين ألهمتهم الطريقة التي تمكنت بها الطبيعة من تسخير الكهرباء. قام فريق من الباحثين من جامعة فريبورغ وجامعة ميشيغان بإنشاء بطارية ناعمة مصنوعة من مادة تشبه الهلام باستخدام الخلايا الكهربائية كمصدر إلهام. ويأمل الفريق أن يتم استخدام عملهم في بعض الإجراءات الطبية.

لا يزال لدى الأسماك الكهربائية الكثير لتعلمه للعلماء حول كيفية عمل تحديد الموقع الكهربائي وكيف تطورت هذه الأسماك اللامعة في المقام الأول. قد يكون هناك المزيد من الاكتشافات البحثية الصادمة في المستقبل [1] .

ما هي التطبيقات المحتملة للكيمياء الكهربائية لثعبان البحر الكهربائي؟

الكيمياء الكهربائية وراء قدرة ثعبان البحر الكهربائي على توليد الكهرباء يمكن تطبيقها في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الطب وإنتاج الطاقة.

  • في الطب: يمكن استخدام الكيمياء الكهربائية لثعبان البحر الكهربائي لتطوير علاجات جديدة لمجموعة متنوعة من الحالات. على سبيل المثال، يمكن استخدام مثل هذه القدرة على توليد الكهرباء لتشغيل الأجهزة الطبية المزروعة في الجسم، مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب. بالإضافة إلى ذلك، تطوير أدوية جديدة تستهدف القنوات الأيونية، والتي تشارك في مجموعة متنوعة من العمليات الفسيولوجية.
  • في إنتاج الطاقة: لتطوير أنواع جديدة من البطاريات وأنظمة تخزين الطاقة. إن حركة الأيونات عبر غشاء الخلية في العضو الكهربائي لثعبان البحر الكهربائي تشبه حركة الإلكترونات في البطارية، مما يخلق فرق جهد يمكن استخدامه لتشغيل الأجهزة. من خلال دراسة الكيمياء الكهربائية وراء قدرة ثعبان البحر الكهربائي على توليد الكهرباء، يمكن للعلماء تطوير أنواع جديدة من البطاريات التي تكون أكثر كفاءة وأطول أمدًا من التقنيات الحالية.

يعد ثعبان البحر الكهربائي مخلوقًا رائعًا حقًا وقد أسر العلماء وعشاق الطبيعة لعدة قرون. إن قدرتها على توليد صدمات كهربائية قوية هي شهادة على التكيفات المذهلة التي يمكن العثور عليها في العالم الطبيعي. من خلال تعلم المزيد عن الكيمياء الكهربائية وراء قدرة ثعبان البحر الكهربائي على توليد الكهرباء، يمكننا الحصول على تقدير أكبر للتعقيد المذهل للعالم الطبيعي.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم دعم الجهود المبذولة للحفاظ على الثعابين الكهربائية وموائلها. تواجه هذه المخلوقات الفريدة مجموعة متنوعة من التهديدات، بما في ذلك فقدان الموائل والصيد الجائر. من خلال دعم جهود الحفاظ على البيئة، يمكننا المساعدة في ضمان استمرار الثعابين الكهربائية في الازدهار في البرية لأجيال قادمة.

لذا، سواء كنت مهتمًا بمعرفة المزيد عن الكيمياء الكهربائية أو دعم جهود الحفاظ على البيئة، فهناك العديد من الطرق للمشاركة. ومن خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة اليوم، يمكننا المساعدة في حماية هذه المخلوقات الرائعة والعالم الطبيعي الذي تعتبره وطنًا لها.

المصادر

  1. How Do Electric Fish Produce Electricity?  | Science ABC
  2. How do fish produce electricity | TEDED
  3. Electric Eel Batteries | Nature Videos
Exit mobile version