ما هو شلل الأطفال؟ وكيف توصل العلماء إلى لقاحه؟

ما هو شلل الأطفال؟ وكيف توصل العلماء إلى لقاحه؟
شلل الأطفال مرض فيروسي ينتقل من شخص إلى آخر، سمي بهذا الإسم لأنه يصيب عادة الأطفال تحت سن الخامسة.
لا يعاني الجزء الأكبر من مصابي شلل الأطفال أية أعراض، وقد يعاني المصاب في بعض الأحيان أعراضًا خفيفة كالتعب والصداع واحتقان الحلق، لكن الخطر يكمن في أن الفيروس يصيب عند نسبة قليلة الحبل الشوكي والأعصاب، مسببا أعراض تترواح بين فقدان الشعور بالأطراف وخاصة الأطراف السفلى، إلى الشلل أو حتى الموت نتيجة لشلل العضلات المسؤولة عن التنفس.
ينتقل الفيروس عبر ملامسة البراز ثم الفم، أو عن طريق استنشاق الرذاذ من شخص مصاب، إلا أنها طريقة أقل شيوعًا.
وهناك ثلاثة أنواع مختلفة من فيروس شلل الأطفال تختلف في تركيبها لكنها تسبب المرض ذاته.

ليس شلل الأطفال في الواقع، مرضا حديثًا، بل إن البشرية عرفته منذ قرون طويلة. وأكثر من ذلك، فإن نحتا مصريًا قديمًا يعود إلى نحو عام 1400 قبل الميلاد، يصور لنا طفلًا بقدم ذات هيئة تبدو تشابه إلى حد كبير تلك التي نراها عند حالات شلل الأطفال.

نحت مصري قديم يعود إلى عام ١٤٠٠ قبل الميلاد

وفي عام 1789، قدم الطبيب الإنجليزي مايكل أندروود أول وصف سريري لهذه الحالة التي سماها “إعاقة في الأطراف السفلى”
وبعد ذلك بنحو خمسين عاما، سنة 1894 حدث التفشي الأول لشلل الأطفال في الولايات المتحدة،وسجلت ١٣٢ حالة و١٨ وفاة.

إلا أن شيوع مرض شلل الأطفال جاء بدءا من القرن العشرين، في مقابل تراجع أمراض أخرى كالدفتيريا والسل والتيفؤيد، يرجع ذلك -حسب إحدى النظريات- إلى أن تلوث الماء في القرون السابقة، كان يصيب الرضع بالمرض في سن مبكرة جدًا وهم أوج قوة جهازهم المناعي بسبب الأجسام المضادة الأمومية التي تكون لا زالت تجري في دمائهم، ما يساعدهم على التغلب على المرض. بعكس القرون الأحدق في ظل توفر المياه النظيفة، ما يعني تأخر الإصابة إلى سن أكبر والحيلولة دون التعافي منها.

عام ١٩٠٧، وبعد انتشار كبير للوباء في اسكندافيا مسجلًا ١٠٣٧ حالة، كان السويدي إيفار فلكمان أول من يعلن بشكل حاسم قابلية انتقال المرض بين الأشخاص، و احتمالية إصابة جزء من الناس بالمرض دون تطور الأمر إلى شلل، وإنما بستبب لهم بأعراض خفيفة، مع احتمالية نقل المرض إلى الآخرين والتسبب لهم بحالة الشلل، كانت اكتشافات فلكمان سابقة لعصرها، ولم تقابل بالترحيب من معاصريه.

وفي السنة التالية عام ١٩٠٨، كان اكتشاف الطبيبان النمساويان كارل لاندشتاينر وإروين بوبر أن الكائن المسبب لهذه الحالة هو في الواقع فيروس.
أما ما جعل شلل الأطفال محط اهتمام كبير، فهو تفش كبير في الولايات حدث في ١٩١٦، متمركزًا في نيويورك ومنتشرًا في ولايات أمريكية أخرى، حاصدًا أرواح ٦٠٠٠ من الأشخاص وتاركا آلاف آخرين يعانون الشلل.


وكان، الرئيس الأمريكي روزفلت قد التقط العدوى عام 1921 أثناء قضاء عطلة صيفية، وذلك قبل تسلمه منصب رئاسة الولايات المتحدة، ما سبب له الشلل في أطرافه السفلى، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة مسيرته السياسية،
وبعد عام من توليه الرئاسة، في حفل راقص أقامه روزفلت عام 1934 بمناسبة عيد ميلاده، جمعت تبرعات سخية، مهدت إلى افتتاح المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال عام ١٩٣٨ التي كانت الممول الرئيسي لأبحاث العالم جوناس سولك عن شلل الأطفال.

جوناس سولك

ولد جوناس سولك في نيويورك عام ض٩١٤ في أسرة فقيرة، إلا أن التعليم كان محط اهتمام والديه، حتى حصل على شهادته في الطب من جامعة نيويورك سنة ١٩٣٩.

أصبح سولك أستاذًا مساعدًا في علم البكتيريا في جامعة بيتسبرغ، وهناك ترأس قسم البحث في الفيروسات وبدأ العمل على لقاح شلل الأطفال.

لم يكن سولك أول من اجرى تجارب ضد شلل الأطفال، لكن ما فعله سولك أنه عمل على تطوير لقاح يتكون من فيروس معطل، ليحث بواسطته جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادة تحمي متلقي اللقاح من المرض مستقبلًا.

كانت تجارب سولك التي بدأت عام ١٩٥٢ الأضخم في التاريخ من نوعها في ذلك الوقت، إذ أعطي اللقاح وهو لا يزال في مرحلة التجريب، إلى مليون وثمانمائة ألف طفل، كما جرب سولك اللقاح على نفسه وعائلته، وجربه ضد كل نوع من أنواع الفيروس الثلاثة على حدة، ثم على خليط من الأنواع الثلاثة.
وفي ١٢ أبريل ١٩٥٥، وبعد مؤتمر صحفي في جامعة ميشيغان أعلن العالم والطبيب توماس فرانسيس ذو الخبرة في اللقاحات، فعالية لقاح سولك بنسبة ٨٠-٩٠٪، ورخصت الحكومة الأمريكية اللقاح في نفس اليوم، ليصبح سولك من بعد ذلك بطلًا ومن أشهر علماء زمنه، ويتلقى تكريمًا من الرئيس الأمريكي أيزنهاور في البيت الأبيض.
وبعد أن بلغت الإصابات عام ١٩٥٢ في التفشي الأعنف لشلل الأطفال في تاريخ الولايات المتحدة، أكثر من سبع وخمسون ألف إصابة، وما يفوق ثلاثة آلاف حالة وفاة، بدأت الحالات بالتناقص بعد صدور لقاح سولك حتى بلغت عام ١٩٦٢ ما يقارب تسعمائة حالة فقط.

السيدة الأولى إلينور روزفلت في تكريم لجوناس سولك وعدد من العلماء الباحثين في شلل الأطفال عام ١٩٥٨

ألبيرت سابين

ولد ألبيرت سابين في بولندا، وهاجر من بعدها مع أبويه إلى الولايات المتحدة حيث نال درجته في الطب عام ١٩٣١، وترأس قسم طب الأطفال في جامعة أوهايو عام ١٩٣٩ وأثناء ذلك، رفض ما كان متعارف عليه من دخول فيروس شلل الأطفال عبر الجهاز التنفسي، وأثبت أن مكان دخول الفيروس هو الجهاز الهضمي، وإمكانية الوقاية منه بلقاح يؤخذ عبر الفم.
كانت طريقة سابين تعتمد على عزل سلالات من الفيروس تكون أضعف من إحداث المرض، ولكنها تكفي لجعل جهاز المناعة ينتج اجساما مضادة توفر المناعة للمتلقي، يتميز لقاح سابين عن لقاح سولك السابق له أنه أرخص ثمنًا، وأنه يؤخذ عن طريق الفم، أي بشكل أسهل من لقاح سولك الذي يعطى حقنًا، بالإضافة إلى أن ذلك يعطيه ميزة إخراج بقايا الفيروس المضعف في البراز ما يساعد أحيانا في نقل المناعة إلى الآخرين بشكل طفيف، كما أنه أسرع مفعولًا ما يجعله نافعًا في حالات الجوائح.
وتكمن سلبية هذا اللقاح، في كونه فيروس غير معطل إنما ضعيف، ما يعطيه إمكانية التحور لهيئته الممرضة مجددًا وإحداث المرض.

هل تم القضاء على شلل الأطفال؟

ظل شلل الأطفال منتشرًا في السبعينات وبالأخص في الدول النامية، ما دعى إلى اتخاذ إجراءات عالمية للقضاء عليه، وإقرار لقاح شلل الأطفال بنوعيه في البرنامج الدولي للتطعيم(EPI) الذي وضعته منظمة الصحة العالمية عام ١٩٧٤ بهدف إيصال إلى جميع أطفال العالم.
وعام ١٩٨٨، وبعد أن كانت أعداد الحالات تقدر خلال الثمانينات بمئات الآلاف، بدأت مبادرة عالمية تهدف إلى استئصال شلل الأطفال نهائيًا، ومنذ ذلك الوقت وبتعاون مئتي دولة وتطعيم أكثر من بليوني ونصف بليون طفل، نجح العالم الآن بخفض الإصابة بشلل الأطفال بنسبة ٩٩٪، واستُأصل كل من النوع الثاني والثالث من فيروس شلل الأطفال من العالم بنجاح، بينما لا نزال نجد في بعض الدول مثل أفغانستان وباكستان وغانا، عددًا من الحالات لمصابة بالنوع الأول أو النوع المشتق من اللقاح(VDPV)، وهو ارتداد للفيروس المضعف إلى هيئته الممرضة ثم إصابته لشخص آخر عقب خروجه من الجسم، لكن ذلك لا يشكل خطرًا إلا في مناطق إهمال التلقيح.

المصادر:

polioeradication

CDC

britannica

polioeradication

biography

للمزيد عن اللقاحات تابع مقال : اللقاحات، إلى أين تعود أصولها؟ وهل شكل الجدري بداية عصرها؟

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري وإعادة إحياء العمارة المملوكية في مصر

صابر صبري باشا هو مهندس معماري مصري ولد عام 1845 وتوفي عام 1915 على الارجح، وعلى عكس معظم معماريين جيله، لم يدرس بالخارج ولكن تلقى تعليمه في المهندسخانة، عمل عام 1881 كمدرس للرياضيات والهندسة الوصفية في المهندسخانة. تولى وظيفة “باشمهندس نظارة الأوقاف”، وهي أحد أعلى المراتب في النظارة، منذ تولى الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 حتى عام 1906. إحتوى تقرير قدمه صبري بعد تقاعده، أن الأوقاف مسؤولة منذ عام 1892 عن بناء أو تجديد حوالي مائة مسجد وضريح، في حين تم تجديد أكثر من مائتي مبنى سكني وتجاري. وهذه الأرقام تبدو كبيرة إلى حد ما عند مقارنتها بنشاط الأوقاف في السابق، ففي عهد والده الخديوي توفيق، تم بناء وترميم عشرين مسجدًا وثلاثين مبنى تجاريًا فقط.
لصبري العديد من التصميمات منها: تصميم مسجد أولاد عنان 1894، تصميم مسجد السيدة نفيسة 1895، تصميم مبنى وزارة الأوقاف بالتعاون مع آخرين 1896، تصميم مبنى جامعة القاهرة مع محمود بك فهمي 1914.

الأوقاف في أواخر القرن التاسع عشر

الأوقاف هي هيئة إدارية تشكلت عام 1835 لإدارة المؤسسات الدينية، أُعيد تنظيم الأوقاف في عام 1851 كديوان له سلطة على جميع مباني الأوقاف. وأصبح فيما بعد نظارة أو وزارة عام 1879؛ والأهم أنها اكتسبت، أو بالأحرى استرجعت، استقلالية كبيرة عند تحويلها إلى “هيئة إدارية” في 23 يناير 1884، على اساس أن تُدار الأوقاف وفقًا للشريعة وبالتالي تكون منفصلة تحت الوصاية المباشرة للخديوي. تلك الاستقلالية كانت قصيرة الأجل، حيث تم إعادتها إلى وزارة في 20 نوفمبر 1913.

الطراز المملوكي

الطراز المملوكي هو الطراز الذي تطور في مصر اثناء حكم المماليك (1250-1517) ويعتبره الكثيرون الطراز المعبر بصدق عن مصر العربية والاسلامية حيث أنه استمد سماته من التراث المصري. معظم المباني التي بنيت في الفترة من 1892 حتى 1906 تنتمي الى إعادة إحياء الطراز المملوكي. وذلك بعد سيطرة اتجاهات التغريب على العمارة المصرية في عهد الخديوي اسماعيل.
وبالرغم أن تلك المباني يمكن تمييزها بسهولة من المباني المملوكية الأصلية، إلا انها قدمت نماذج رائعة لفهم الطراز المملوكي وتعبير صادق عن البراعة في فهم خصائص الطراز. نستعرض في المقالة مثالين من ذلك الطراز.

1- تصميم مسجد أولاد عنان

يمثل مسجد أولاد عنان مشروعًا مبكرًا لصابر صبري في الأوقاف. تم بناؤه في باب الحديد، الآن رمسيس، مقابل محطة سكة حديد القاهرة، حيث يقع مسجد الفتح الآن. نجا مسجد أولاد عنان من الهدم لبناء مسجد الفتح، في عام 1979 تم تفكيكه ونقله .إلى الميدان الكبير أسفل القلعة، وأعيد تسميته باسم مسجد السيدة عائشة

مسجد أولاد عنان بُنى مكان ضريح قديم من القرن الرابع عشر تم هدمه اثناء الحملة الفرنسية. انتقلت ملكيته الى الأوقاف عام 1893. وتم البدء في انشاؤه عام 1894 وتم افتتاحه عام 1896 بتكلفة اجمالية بلغت حينها 7000 جنيه مصري.

تم بناء المسجد من الحجر، مع الطبقات المعتادة من الحجر الأحمر والأبيض (المشهر والأبلق) من محاجر المقطم. احتوى التصميم على قاعة صلاة مغطاة، مضاءة بواسطة مِشكاوات (كما كان الحال في العديد من المدارس المملوكية)، كما تضمن كُتاب في الطابق الأول. وكانت عائدات صيانة المبنى تنتج عن طريق إيجار شقة ومخزن ملحق بالمسجد. والتي اضيفت نتيجة الانحراف الناتج عن الدوران لاتجاه القبلة ومحاذاة حدود الشارع.

تظهر الاقتباسات الحرفية من الآثار المملوكية في زخرفة المئذنة، والتي تجمع بين البدن والجزء السفلي من مئذنة قايتباي في الأزهر (1494)، مع الجزء العلوي من مئذنة قايتباي الملحقة بضريحه في المقبرة الجنوبية (1472). كما تستحضر قبة المسجد المنحوتة عمارة قايتباي أيضًا، كما تظهر في موقعها الحالي من القلعة. شكلت العمارة المملوكية المتأخرة المصدر الأساسي لإلهام تصميم مسجد أولاد عنان.

2- تصميم مبنى وزارة الأوقاف

المثال الثاني هو مبنى الأوقاف (1898) وهو مازال قائم في وسط القاهرة حتى الآن، مع إضافات تمت لاحقا عام (1911 و1929). يتوافق المسقط الأفقي مع الوظيفة الإدارية للمبنى، وهي منظمة حول فناء داخلي. تحمل الرسومات هذه المرة اسم مهندس أوروبي غير معروف. والذي يذكر انه رسم ونسخ الرسومات في يونيو 1896. ووقع صابر صبري المشروع في اليوم التالي. وفقا للنقوش على الواجهة، تم الانتهاء من المبنى في عام 1898.

المبنى عبارة عن مجموعة (تلقيطية – Eclectic) من المفرادات المستعارة من آثار مملوكية متنوعة:
فتحات غاطسة، تعلوها نقوش وزخارف جصية واستخدام الأبلق، استخدام تكوين مجموعة نوافذ قلاوون. وتم استخدام التلقيطية في هذه الحالة حيث أنه لا يمكن اللجوء إلى مثال تاريخي لتصميم مثل هذا النوع من المباني. والذي يعني بالضرورة الحاجة الى ابتكارات مختلفة.

توضح (Mercedes Volait) أن تصميمات صبري لمسجد أولاد عنان وجدت طريقها إلى مجلة معمارية فرنسية: وكان هذا وضعًا استثنائيًا لمهندس شرق أوسطي في ذلك الوقت! وبالرغم من ذلك تعرض صبري للنقد عام 1915، فتصميم مسجد أولاد عنان اعتمد بدون شك على نموذج قديم، ولكن كان يُنظر إلى المسجد الآن على أنه ذو مئذنة غير متناسبة ومراجع تاريخية غير صحيحة. وكانت الحداثة التي ستقطع العلاقات بالماضي هي التيار القادم.

في النهاية، إعادة إحياء الطراز المملوكي في القاهرة في نهاية التاسع عشر. يعتبر ظاهرة معقدة إلى حد ما، مع معاني وقراءات محتملة ومتنوعة، تتجاوز الرمزية السياسية بشكل عام المتعلقة بالطراز.

المراجع

.Mercedes Volait. Appropriating Orientalism? Saber Sabri’s Mamluk Revivals in late 19th c. Cairo
Doris Behrens-Abouseif; Stephen Vernoit. Islamic Art in the 19th Century: Tradition, Innovation
.and Eclecticism, Brill, pp.131-155, 2005

محمد فوزي المناوي، جامعة القاهرة في عيدها المئوي، المكتبة الأكاديمية، 2007.

اقرأ أيضًا هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

أثر تطبيق العزل الاجتماعي في مواجهة الأوبئة

أثر تطبيق العزل الاجتماعي في مواجهة الأوبئة ( الأنفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة نموذجًا)

إن فكرة الإبعاد (العزل) الاجتماعي ليست بجديدة، فقد ساعدت هذه الفكرة في إنقاذ الملايين من الضحايا وخاصة إذا تحدثنا عن تأثير وباء الأنفلونزا الإسبانية على الولايات المتحدة الأميريكية، ففي عام 1918م ضرب العالم وباء شديد ومهلك عُرف باسم ” الأنفلونزا الإسبانية”، وكانت الولايات المتحدة من أكثر الدول المتضررة جراء هذا الوباء، فبحلول نهاية الوباء في 1920م تسبب في هلاك ما بين 50 مليون إلى 100 مليون شخص على مستوى العالم، كان نصيب الولايات المتحدة الأميريكية من الضحايا حوالي نصف مليون شخص.

تم اكتشاف أول حالة مصابة بالأنفلونزا الإسبانية في أمريكا في ولاية كنساس في مارس من عام 1918م، ومنذ ذلك الوقت انتشر الوباء في جميع أنحاء البلاد، وفي 17 سبتمبر من نفس العام تم اكتشاف أول حالة في ولاية فيلادلفيا، وفي اليوم التالي قام مسئولي الولاية بإطلاق حملة واسعة لمقاومة السعال والعطس والبصق في الطرق العامة في الولاية في محاولة منهم لوقف انتشار الفيروس القاتل .

وبالرغم من احتمالية إنتشار الوباء في أرجاء المدينة؛ قامت الولاية باستضافة عرضٍ عسكري كبير يخدم المجهود الحربي الأمريكي في بدايات الحرب العالمية الأولى تم تنفيذه لدعم المجهود العسكري، وقد اجتمع له حوالي 200 ألف شخص متجاهلة كل التحذيرات بخصوص انتشار المرض، فزادت حالات الأنفلونزا في المدينة وارتفعت نسبتها، فبعد ثلاثة أيام من العرض كانت جميع مستشفيات فيلادلفيا البالغة آنذاك 31 مستشفى؛ لا يوجد بها سرير واحد فارغ سواء من المصابين بالأنفلونزا أو حتى ممن لقوا حتفهم داخل المستشفيات، وبحلول نهاية الأسبوع كان أكثر من 4500 شخص لقوا حتفهم نتيجة الإصابة بالمرض، حتى قرر المسئولين في 3 أكتوبر إغلاق المدارس والكنائس والمسارح وأماكن التجمعات العامة، وبعد حوالي أسبوعين فقط من اكتشاف أول حالة في الولاية، وصل عدد المصابين إلى حوالي 20 ألف حالة، ولكن كان الوقت متأخرًا ففي نهاية الشهر الأول من انتشار الوباء في فيلادلفيا توفي بها حوالي 10 آلاف شخص واستمر فيروس الأنفلونزا في الانتشار فكان من أكثر الجوائح فتكًا في التاريخ الحديث.

اليوم؛ وفي الوقت الذي يتجه العالم فيه إلى محاولة الحد من انتشار فيروس ( كوفيد 19 ) يدرس العلماء والمؤرخين أسباب تفشي وباء أنفلونزا 1918م بحثًا عن أدلة يتم من خلالها دراسة أكثر الطرق فعالية لوقف انتشار الجائحة العالمية الحالية، وبالرغم من الجهود والكبيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة خلال وباء 1918م إلا أن نتيجتها تعتبر درسًا كبيرًا لمحاربة وباء اليوم.

ومع ظهور أول حالة في ولاية سانت لويس التي تقع على بعد 900 ميل فقط من فيلادلفيا، كان الوضع مختلفًا بشكل قاطع، ففي غضون يومين فقط من اكتشاف أول حالة مُصابة بالأنفلونزا قرر مسئولي الولاية الأخيرة تطبيق العديد من إجراءات العزل الاجتماعي في الولاية كان أولها إلغاء موكبها العسكري الخاص بالولاية عكس ما قامت به فيلادلفيا، ثم قام مسئوليها بغلق الولاية على مواطنيها ومنع التجمعات العامة وغلق المدراس والملاعب والمكتبات وقاعات المحاكم والكنائس وجعلت العمل بالتناوب وطبقت الحجر الصحي المنزلي على الناس مما أبطأ من انتشار فيروس الأنفلونزا ولم تتعدى وفيات سانت لويس بنهاية الشهر الأول من ظهور الوباء عن 700 شخص، وبالنظر إلى إحصائيات وباء الأنفلونزا في الولايات المتحدة الأميريكية؛ يتضح أن معدل الوفيات في ولاية سانت لويس كان أقل من نصف معدل الوفيات في فيلادلفيا، فكان عدد الوفيات في سانت لويس 385 شخص لكل 100 ألف نسمة، بينما كان العدد في فيلادلفيا 807 وفاة لكل 100 ألف شخص  وذلك خلال الستة أشهر الأولى فقط من الوباء( وهي أكثر فترات الوباء فتكًا).

” إن التحولات الديموغرافية الدرامية في القرن الماضي جعلت من احتواء الوباء أمرًا أكثر صعوبة “

إن صعود ما يعرف الآن بفكرة العولمة والتحضر ومفهوم المدن الكبرى الأكثر كثافة يجعل من انتشار الوباء عبر قارة واحدة في بضع ساعات أمرًا سهلًا، في حين أن الأدوات المتاحة لمقاومة ذلك الانتشار كما هي تقريبًا منذ القرن الماضي، وحاليًا تعتبر إجراءات الصحة العامة هي خط الدفاع الأول ضد الوباء في غياب لقاح يمكن بواسطته القضاء على الفيروس، وتتمثل إجراءات الصحة العامة في إغلاق المدراس والمحلات التجارية والمطاعم مع وضع قيود على التنقل، وفرض العزل الاجتماعي وحظر التجمعات العامة، وبالطبع ليست كل الشعوب تمتثل لهذه الإجراءات ولكن بالمقارنة بما حدث بوباء الأنفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ما جعل الشعب الأمريكي يمتثل لتلك الإجراءات هو ما قام به مسئولي الصحة العامة في ولاية سان فرانسيسكو بإطلاق النار على ثلاثة أشخاص رفض أحدهم ارتداء واقي على الوجه.

وفي أيرزونا، عاقبت الشرطة المخالفين بدفع 10 دولارات لمن تم القبض عليهم بدون ارتداء الأدوات الواقية، ولكن في النهاية، إن ما أثمرته كانت تلك الإجراءات الأكثر حدة وأكثر شمولية، فبعد تنفيذ العديد من عمليات الإغلاق والضوابط العامة الصارمة على التجمعات العامة، استجابت ولايات سانت لويس وسان فرانسيسكو وميلووكي وكانساس سيتي بشكل أسرع وأكثر فعالية، تلك السرعة التي كان لها دورًا هامًا في خفض معدلات الوفيات بنسبة من 30% إلى 50% مقارنة بالولايات الأخرى، في الوقت الذي قامت فيه ولاية نيويورك بتطبيق الحجر الإلزامي الصحي مبكرًا جدًا وتقليل ساعات العمل فكانت النتيجة أن الولاية شهدت أقل نسبة معدل للوفيات في منطقة الساحل الشرقي الأميركي.

في عام 2007م، سعت دراستان في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences sought إلى فهم دور تأثير الإستجابة إلى إجراءات العزل الإجتماعي والصحي على انتشار المرض في الولايات المختلفة في العالم الجديد، وبمقارنة معدلات الوفيات والتوقيتات وتدابير الصحة العامة ؛ وجدوا أن معدلات الوفيات كانت أقل بنسبة نحو 50% في المدن التي طبقت تدابير وقائية في وقت مبكر مقابل تلك التي طبقت تلك التدابير في وقت متأخر أو تلك الولايات التي لم تطبقها من الأساس، وكانت أكبر وأكثر تلك التدابير فعالية هي اغلاق المدراس والكنائس والمسارح في وقت واحد بالاضافة إلى حظر التجمعات العامة، فقد سمح ذلك إلى توفير وقت لتطوير لقاح مقاوم للوباء بجانب رفع وتخفيف الضغط عن أنظمة الرعاية الصحية، وتوصلت الدراستان إلى إستنتاج آخر وهو : ” إن إتخاذ التدابير بشكل هادئ وبطئ يمكن أن يكون سببًا في انتكاس الولاية مرة أخرى ” فعلى سبيل المثال؛ سمحت ولاية سانت لويس بتخفيف بعض القيود المفروضة على مواطنيها بعد مرور أقل من شهرين من ظهور الوباء من المدينة مما أدى إلى ظهور موجة ثانية من الإصابات، وفي المدن التي أبقت على تلك الإجراءات دون تخفيف لم تشهد نفس الموجه سواء في الإصابات أو الوفيات.

أما في ولاية مينابوليس أقل الولايات تسجيلًا لعدد وفيات نتيجة وباء الأنفلونزا الإسبانية فقد كان سرعة تطبيق إجراءات العزل الإجتماعي سريعًا جدًا، فبعد اكتشاف أول حالة مصابة بسبب الأنفلونزا في خريف 1918م تحرك المسئولين بسرعة وبقوة أكبر وأكثر مما توقع مسئولو الصحة أنفسهم وقاموا بإغلاق المدينة على أهلها وإغلاق الكنائس والمدراس والمسارح اعتبارًا من منتصف أكتوبر من نفس العام، وبالقرب منها كانت مدينة سانت بول مفتوحة لمواطنيها حتى شهر نوفمبر من العام 1918م بسبب ثقة القادة فيها بالسيطرة على الوباء ولكن بعد ثلاثة أسابيع فقط من إعلان مينابوليس إغلاق المدينة حذت سانت بول حذوها وقررت إغلاق المدينة بشكل كامل، ورغم أن كلا المدينين قد نجتا من الوباء مقارنة بغيرهما من الولايات إلا أن خسارة الوفيات في مينابوليس كانت أقل بكثير من غيرها من الولايات.

استنتجت الدراستان أن مفتاح التغلب على الوباء في عام 1918م كان تطبيق العزل الإجتماعي، ولازال تطبيق نفس الإجراء له دورًا فعال في مواجهة وباء اليوم وبعد مرور أكثر من قرن من الزمان، يظل تطبيق العزل الاجتماعي حلًا قائمًا في مواجهة ( فيورس كوفيد19).

وكتب هانسيت أحد المشاركين في الدراستين قائلًا: ” أعتقد أن الدرس الحاسم من تحليل العمل التاريخي لأنفلونزا 1918م هو توقيت تطبيق العزل الاجتماعي ( قبل إصابة 1% من عدد السكان في الولاية )”.

يذكر عالم الأوبئة بجامعة كولومبيا ستيفن موريس من خلال تحليله للبيانات التاريخية للأوبئة :” إن البيانات التاريخية هي كنز لا يقدر بثمن، إذا استخدمناها بشكل أفضل فقد تفيدنا في وقتنا الحالي “، ولذا فقد تساعدنا دروس عام 1918 إذا تم الالتفات إليها جيدًا في مواجهة وباء اليوم.

المصادر:

  1. National Geographic
  2. The NEW York times
  3. CDC
  4. Vox
  5. Quartz

للمزيد تابع مقال: كيف بدت مدن العالم بعد انتشار فيروس كورونا؟

الأوبئة والاقتصاد في التاريخ؛ هل يختلف تأثير COVID-19 على الاقتصاد عن غيره؟

إن الأوبئة هي عامل حتمي ومؤثر في سير حلقة الاقتصاد وتطوره، فقد جعلت مظاهر الاقتصاد الكبير من شبكات التجارة المترابطة والمدن الاقتصادية الكبرى من المجتمعات موطنًا كبيرًا للثراء ولكنها أيضًا جعلتها أكثر ضعفًا في مواجهة الأوبئة، فمنذ إمبراطوريات العصور القديمة وحتى مراحل الاقتصاد العالمي الحاضر؛ يُتوقع أن يكون تأثير COVID-19 مختلفًا عما سبقه من الأوبئة والجوائح في العصور السابقة من الناحية الاقتصادية، ومع معرفة القليل من المعلومات عن تلك الفيروسات والبكتريا، فإن عدد الضحايا سيكون على مستوى مختلف عن ضحايا الأوبئة السابقة كوباء الموت الأسود أو الأنفلونزا الإسبانية، ومع ذلك؛ فإن خراب الماضي يقدم لنا بعض الدلالات حول تأثير فيورس COVID-19 على تغيير خريطة الاقتصاد العالمي.

على الرغم من التأثير المروع للأوبئة على البشر؛ إلا أن أثارها الإقتصادية ليس بنفس الدرجة من السوء على المدى الطويل، فقد قضى الموت الأسود على ثلثي سكان أوروبا وترك ندوبًا قاسية في تاريخ القارة البيضاء، ولكن في أعقابه؛ كانت المساحة المزروعة أكثر بكثير من طاقات العمال المتوفرين لزراعتها، فقد أدت قلة العمالة الزراعية نتيجة ارتفاع عدد الضحايا إلى زيادة قوة العمال وقدرتهم على المساومة على الأرض وامتلاكها من مُلاكها مما ساهم في انهيار النظام الاقتصادي الاقطاعي، ويبدو أنها كانت سببًا في أن يصبح اقتصاد أجزاء من شمال غرب أوروبا في مسار واعد ومتقدم، فقد ارتفعت الدخول الحقيقة للعمال الاوروبيين بشكل واضح بعد ذلك الوباء الذي ضرب القارة بين عامي 1347- 1351م ، وفي تلك الأوقات – فترة ما قبل العصر الصناعي –  عادة ما أدت هذه الدخول المرتفعة إلى نمو سكاني أسرع وبالتالي إلى قلة نسبة محدودي الدخل – كما لاحظ توماس مالتوس Thomas Malthus (باحث سكاني واقتصادي سياسي إنجليزي)  –  ولكن لم تكن قاعدة مالتوس هذه قابلة للتطبيق في جميع أنحاء أوروبا كلها، فلم تثبت نظريته صدقها بعد انحسار الوباء.

يناقش كل من نيكو فويقلاندرز Nico Voigtländer ( من جامعة كليفورنيا – لوس أنجلوس) وهانز جواكيم فوث Hans-Joachim Voth ( الآن بجامعة زيورخ) فكرة أن الدخل المرتفع الناتج من سنوات الطاعون أدى إلى زيادة الإنفاق على السلع المصنعة ذاتيًا داخل المدن وبالتالي أدى إلى ارتفاع مستوى التحضر فيها، لقد دفع الطاعون وبشكل فعال أجزاء من أوروبا كانت تعاني التوزان بين الأجور المنخفضة وقلة التحضر إلى مسار أكثر ملائمة لتطور اقتصادي تجاري ثم صناعي بعد ذلك.

وبالمثل؛ فقد حدث ما يشبه ذلك في أعقاب وباء الأنفلونزا الإسبانية التي قتلت ما بين 20- 100 مليون شخص خلل الفترة من 1918- 1920م، إذ لم تعد اقتصاديات الصناعة التي واكبت أوائل القرن الـ20 تلائم ما جاء به مالتوس، ومع ذلك ؛ وحسب ما يراه كل من إليزبيث بيرنرد ( جامعة برانديز ) ومارك سيغلر ( جامعة ولاية كليفورنيا ) أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكثر الدول تضررًا من وباء الأنفلونزا الإسبانية ولكنها نمت بشكل أسرع اقتصاديًا من غيرها عقب تلك الجائحة.

في الولايات المتحدة الأميريكية، وبعد السيطرة والتحكم على مجموعة من العوامل الاقتصادية والديموغرافية وجدوا أن وفاة إضافية واحدة لكل ألف شخص ساهمت في زيادة متوسط النمو السنوي للدخل الحقيقي للفرد على مدى عقد لاحق على الأقل بنسبة 0.15 نقطة مئوية، وعلى الرغم من أن حصيلة COVID-19 من الضحايا من المرجح أن تكون قليلة جدًا لتعزيز هذه الفكرة( زيادة الأجور) إلا أنها قد تجبر الشركات على تبني تقنيات جديدة من أجل العمل في الوقت الذي ستصبح المخازن والمكاتب فارغة دون المساس بدرجات النمو والإنتاجية .

ورغم كل التحليلات التي في ظاهرها إيجابية، لا يستبعد الباحثون الأثر والتأثير الشديد لفيروس COVID-19 على الاقتصاد العالمي إذا لم يتم احتواء الوباء بشكل أسرع ، وإذا تم ذلك؛ يمكن أن لا يستمر تأثيره السلبي على الاقتصاد لفترة طويلة ، ولكن على العكس إذا لم يتم احتواءه بسرعة يمكن أن يكون قويًا بما يكفي لإغلاق بعض الشركات الكبرى مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في نسبة البطالة.

استطاعت المخاوف من انتشار فيروس كورونا في زعزعة الأسواق العالمية

وهنا يجب أن يبرز دور الحكومات وتدخلها للتخفيف من حدة الأزمات التي تسببها الأوبئة، عن طريق تقديم الأموال بشكل مباشر إلى الأسر المتضررة مع تقديم الدعم المناسب للعمال من نسبة الأموال المخصصة للطوارئ في تلك البلاد، مع استعداد نفسي لنسبة من فئة العمالة لخسارة وظائفهم، ومن خلال ما تسببه هذه الأوبئة وبشكل خاص COVID-19 من حالة عزل للدول وخاصة الولايات المتحدة فإن تأثيره على ما يمكن تسميته بالتموج الإقتصادي أمر لا مفر منه.  ومن المؤكد أن عدة قطاعات ستضرر بشكل كبير ومن أولها المتاجر والمطاعم ( التي أغلقت أبوابها تمامًا ) ومعها شكرات الطيران والسياحة بسبب القيود على السفر والتنقل، وهناك بعض الصناعات التي ستتأثر بشكل أقل وخاصة تلك الصناعات البعيدة عن المجال الطبي والذي يقتصر الضرر عليهم في قلة الطلب على صناعتهم؛ وفي ضوء ذلك تضطر البنوك إلى التساهل في سداد القروض لأن جزء من قاعدة عملائها فقد عمله.

يعتبر الكثيرون أن فيروس كوفيد 19 قد يعتبر الصدمة الاقتصادية الأسرع والأعمق في التاريخ ، فقد تأثر الاقتصاد العالمي بشكل سريع خلال ثلاثة أسابيع فقط في ظل الأزمة الحالية، فالأمر قد استغرق فقط 15 يومًا ليهبط سوق الأسهم الأميريكية بنسبة 20% وهو أسرع إنخفاض شهدته تلك السوق على الإطلاق، ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الأميريكي بنسبة سنوية تبلغ 6% ،وقد حذر وزير الخزانة الأميريكي من أن معدل البطالة قد يرتفع إلى أعلى من 20% وهو ضعف مستوى النسبة خلال الأزمة الحالية .

للمزيد حول تأثير الكورونا على الاقتصاد العالمي: ما هو تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ؟

المصادر :

economist

.theguardian

investopedia

لماذا لم يقصف الحلفاء معسكر أوشفيتز ؟

لماذا لم يقصف الحلفاء معسكر أوشفيتز

تحقيق وثائقي جديد حول دور المداولات في صنع  القرار التاريخي

     في ربيع عام 1944م تلقت قوات الحلفاء معلومات استخبارية مقلقة حول الفظائع المروعة التي تحدث في معسكر أوشفيتز – بيركيناو في جنوب بولندا، وهو مكان يُعرف حتى الآن بأنه أكثر معسكرات الإبادة الوحشية التي قام بها الألمان النازيين.

     يُعد التساؤل الأكثر انتشارًا بين المؤرخين القائمين على دراسة الحرب العالمية الثانية هو؛ لماذا لم يقصف الحلفاء معسكر أوشفيتز؟، هل علم الحلفاء بما يجري في المعسكر من قتل وإبادة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، هل كان في الإمكان قصف معسكر أوشفيتز؟، وللإجابة على أول التساؤلات بخصوص علم قوات التحالف بما يجري داخل المعسكر، فإن الإجابة بالطبع هي نعم، فقد كانت إنجلترا تتابع كل التقارير الخاصة عن المعسكر من بداية تأسيسه في عام 1940م وبشكل أدق كان السير تشارلز بورتال ( رئيس سلاح الجو الملكي البريطاني) قد تسلم من حكومة بولندا المنفية في لندن أول التقارير الواردة حول المعسكر في يناير 1941م أي بعد حوالي ستة أشهر من إفتتاح المعسكر وكان التقرير يفيد بأن معسكر أوشفيتز يُعد أكثر معسكرات الاعتقال تنظيمًا وأكثرهم إنسانية حتى ذلك الوقت.

       كشف سجينان يهوديان استطاعا الهرب من المعسكر قدرًا كبيرًا حول الأهوال التي يعاني منها نزلاء المعسكر وخاصة اليهود، حينها واجه الحلفاء تحديًا وخيارًا صعبًا في ظل ما كانوا يعانوه من قلة الموارد العسكرية التي أوشكت على الإنهيار في أواخر شهور الحرب العالمية الثانية، وتمثل هذا الخير الصعب في ضرورة إتخاذ أحد الأمرين وهما: هل ينبغي توجيه ضربة حربية لضرب معسكر أوشفيتز على الرغم من وجود خطر كبير على السجناء المحاصرين فيه؟ أم أن التكلفة العسكرية والخسائر المحتملة للموارد والأرواح تحول دون تنفيذ هذا القرار الخطير في تلك الفترة التي كانت موازين القوى بين طرفي الحرب متوزانة إلى حد ما ولا تصب في مصلحة أي من الطرفين.

تلتقي مسارات القطار عند مدخل أوشفيتز أومعسكر الموت، التقطت هذه الصورة في عام 1945.

      في فيلم وثائقي جديد بعنوان ” أسرار الموت ..قصف أوشفيتز “ يبحث المؤرخون حول دور المداولات في اتخاذ القرار الخاص بضرب معسكر أوشفيتز، وهل كان يجب عليهم القيام بعمل أخلاقي لكنه غير مثمر عسكريًا أم كان يجب عليهم تركيز قوتهم العسكرية على سحق آلة الحرب النازية دون الدخول في معارك جانبية أخرى.

     ولمعرفة تفاصل القضية يجب أن نعود قليلًا إلى الوراء؛ ففي عام 1940م وبالقرب من بلدة أوشفيتز ببولندا تم إقامة معسكر لاعتقال السجناء السياسيين البولنديين، ومع تقدم الحرب العالمية الثانية زاد أعداد محتجزي هذا المعسكر حتى وصل في أغسطس من عام 1944م إلى حوالي 400 ألف سجين، كان نصفهم أو أكثر من اليهود بتقدير 205 ألف سجين، بينما كان الباقي الذي قدر عددهم بحوالي 195 ألف من غير اليهود ( البولنديين وأسرى الحرب من السوفييت وروما وغيرهم من الجماعات العرقية )، ووفقًا لمدونات متحف أوشفيز بيركناو أنه بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية كان أكثر من مليون شخص قد لقى حتفه داخل معسكر أوشفيتز.

      وفي أبريل 1944م استطاع كل من رودلف فربا وألفريد ويتلزلر وهما يهوديان كانا من سجناء المعسكر الهروب منه حاملين معهما أول شهادة عيان للفظائع التي تُرتكب فيه مثل غرف الغاز واستخدام النازيون للقتل الجماعي على نطاق واسع لا يمكن تصوره، وعلى الفور؛ تم نشر روايتهما التفصيلية على يهود سلوفاكيا تحت مسمى ” تقرير فربا وويتلزلر ” والذي عُرف لاحقًا بـ ” تقرير أوشفيتز “.

      وفي الفترة من مايو- يوليو 1944م تم إرسال نسخ من هذا التقرير إلى جهات مختلفة، منها هيئة لاجئي الحروب في سويسرا ومقر مجلس لاجئي الحروب في واشنطن العاصمة وإلى قادة قوات التحالف بما فيهم مساعد وزير الحرب الأميريكي جون ماكلوي، ومع انتشار التقرير أبدى وزير الخارجية البريطاني وينستون تشرشل قلقه الشديد منه لدرجة أنه أصدر مذكرة يوصي فيها بضرب معسكر أوشفيتز، لكن في النهاية لم تطلق رصاصة واحدة على معسكر الموت.

     وعلى الرغم من أنه كانت هناك غارات لقوات الحلفاء تستهدف مصنع الكيماويات الألماني الذي كان يقع على بعد حوالي 4 أميال فقط من معسكر أوشفيتز( 6كم) إلا أن تامي ديفيس بيدل ( أستاذ التاريخ وإستراتيجية الأمن القومي بكلية الحرب الأميريكية – كارلايل- بنسلفانيا ) يرى أنه هناك عدة عوامل دفعت الحلفاء حتى لا يكون معسكر أوشفيتز واحدًا من أهدافهم العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.

خريطة مبدئية لغرف الغاز والمحارق في معسكر أوشفيتز من النسخة الإنجليزية لتقرير فربا وويتزلر الصادر في نوفمير 1944م.

نتيجة غير مؤكدة من قصف الحلفاء معسكر أوشفيتز :

     قال بيدل لـ Live Sceince أن أول عوامل هذا الموقف من جانب قوات الحلفاء تجاه معسكر أوشفيتز يتجلى في ما عُرف في تلك الفترة في الولايات المتحدة الأميريكية والمملكة المتحدة باسم ” معاداة السامية”، ففي خلال الحرب العالمية الثانية نجحت الدعاية النازية شديدة التأثير والفعالية في الرأي العالمي آنذاك في إتهام اليهود بأنهم يتلاعبون بآلة الحرب لدى الحلفاء، ويضيف بيدل قائلًا: ” إن السياسيين شعروا بالتوتر إذا بدا لهم أن المجهود العسكري للحلفاء في الحرب هو مجرد حرب نيابة عن اليهود ولحمايتهم من النازيين”، وفي الواقع؛ يصف مايكل بيرنباوم ( أستاذ الدراسات اليهودية في الجامعة اليهودية الأميريكية – لوس أنجلوس) أن العديد من الشخصيات في القيادة الأميريكية – اليهودية وغير اليهودية – اتفقوا على حد سواء على ضرورة الحفاظ على الدعم الشعبي لدور الولايات المتحدة في الحرب أنذاك، وأنه من أجل ذلك يجب تهميش المصالح اليهودية في تلك الظروف، وأضاف قائلًا: كان هناك خوف لديهم إذ ظن الأميريكيون أن هذه الحرب هي نيابة عن اليهود ضد الألمان ولحمايتهم ربما يقل الدعم الشعبي لصانعي القرار الأميريكيين أنذاك”.

      أضف إلى ذلك؛ كان هناك تساؤلٌ مرتبطٌ بمدى دقة قصف المعسكر جويًا، فبالرغم من أن ضباط التحالف كانت لديهم صور جوية لمعسكر أوشفيتز بالإضافة إلى تقرير أوشفيتز الذي أفاد بمعلومات مفصلة حول المباني الداخلية للمعسكر حتى يتسنى لقوات التحالف اختيار أهداف ضربة جوية تكون قليلة الخسائر في الموارد والأوراح، وبجانب تفصل هذ التقرير  كان لفرقة الـ ساندركوماندوس اليهودية دورًا كبيرًا في إمداد قوات التحالف سرًا ببعض الصور الخاصة من داخل المعسكر، وهي فرقة يهودية كانت  المسئولة بشكل إجباري عن إزالة الجثث من المحارق وحاولت أن تتمرد على إدارة السجن مستخدمة بعض المتفجرات البسيطة لكن إدارة السجن استطاعت القبض عليهم وقتل معظمهم، فقرر من تبقى من أعضاءها مساعدة قوات التحالف بإمدادها بهذه الصور السرية التي توضح تفاصيل تخطيط المعسكر داخليًا ، ومن أشهر هذه الصور هي تلك الصورة التي تم التقاطها فيي 23 أغسطس 1944م وفيها تفاصيل مهمة عن الثكنات العادية داخل المعسكر وغرف الغاز ويتضح فيها شكل الدخان المتصاعد من غرف الحرق التي اُستخدمت كمقابر جمعية لكل أعداء النازية سوء كانوا يهود أو غيرهم، ومع كل ذلك الإمدادات والعون لقوات التحالف هل كان قصف المعسكر جويًا أمرًا متاحًا.

يقول بيدل  أن دقة القصف الجوي في تلك الفترة كانت تكاد تكون مستحيلة في وقت الحرب العالمية الثانية – كما هي متاحة اليوم- وكان تنفيذ هذه الضربة الجوية سيؤدي إلى قتل سجناء أكثر بكثير مما قد يتم إنقاذهم، ويقول بيدل في نفس السياق :” كان يتطلب من قوات التحالف توجيه حوالي 220 قنبلة على كل محرقة من المحارق الأربعة الموجودة بالمعسكر للوصول إلى نتيجة تقترب من الـ 90% من دقة التصويب على كل محرقة وهذا تهور كبير، وعلاوة على ذلك؛ فإن تخصيص هذ القدر من القاذفات والقنابل لمعسكر أوشفيتز وحده قد يؤثر بشكل كبير على موارد الحلفاء العسكرية التي كان يجب أن تكون موجهة في الخطوط الأمامية للحرب، وإذا دققنا في سير أحداث الحرب العالمية الثانية بشكل جيد لعلمنا أن تأكيد انتصار الحلفاء على ألمانيا في تلك الفترة لم يكن مؤكدًا بشكل كبير يمكن معه التفريط في هذا القدر من الموارد العسكرية نظير ضرب معسكر أوشفيتز”.

    كانت الفترة التي بدأ التفكير فيها في ضرب معسكر أوشفيتز في عام 1944م واحدة من أكثر فترات الحرب العالمية حدة في القتال، حيث كانت قوات الحلفاء تسعى جاهدة لنقل قواتها وجيوشها نحو الشرق وإغلاق مواقع إطلاق الصواريخ وضرب وتعطيل القوات الجوية الألمانية.

    يضيف بيدل قائلًا: ” كان جيش التحالف غيورًا جدًا على موارده، فقد كان يقاتل من أجل حياته في عام 1944م”، ومن ناحية أخرى كان الهدف الأسمى للحلفاء في تلك الحرب هو القضاء على الألمان بغض النظر عن أي أمور أخرى يمكن أن تؤثر على تحقيق هذا الهدف.

    ومن جهة أخرى يفيد بيرنباوم أنه حتى لو قام الحلفاء بقصف أوشفيتز، فلن تكون ضربتهم بمثابة الرصاصة السحرية التي يمكن من خلالها إنقاذ الملايين من الأوراح، بالإضافة إلى أنه بحلول عام 1944م وهو الوقت الذي فكر فيه الحلفاء بإنقاذ أرواح معسكر أوشفيتز كان العديد منهم قد تم إبادته بالفعل في المحارق الخاصة بالمعسكر وأنه بحلول هذا الوقت كان الرايخ الألماني قد قتل قرابة 90% من ضحاياه في الحرب العالمية الثانية، ويدلل على هذا أنه في يناير 1945م ومع اقتراب دخول السوفيت لبولندا ومعسكر أوشفيتز أمر المسئولون النازيون بإخلاء المعسكر وإرسال من تبقى من السجناء إلى أماكن أخرى قسرًا، وعندما دخل السوفيت معسكر أوشفيتز وجدوا الآلاف من ضعاف الجسد الذين لم تسعفهم صحتهم على الانتقال إلى أماكن أخرى وبجانبهم وجد السوفيت أكوام من الجثث تركها النازيون قبل مغادرة أوشفيتز.

    برغم كل ما تم تحليله؛ ليس هناك من ينكر أن قصف أوشفيتز كان سيرسل رسالة مهمة مفادها أن هذه الفظائع الرهيبة التي يرتكبها الألمان لن تمر دون رد من قبل الحلفاء، يضيف بيدل قائلًا: ” أتمنى لو كان الحلفاء قد نفذوا قرارهم بضرب المعسكر ..كنت أتمنى أنه عندما نلقي نظرة على سجلنا الحربي ندرك مدى فظاعة ما حدث وأنه كان من الواجب ولو مجرد الإدلاء ببيان أخلاقي حول ما حدث” .

المصادر:

auschwitz

history

livescience

nationalinterest

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

 

كيف تمكن الإغريق من بناء معابدهم الضخمة بوسائل بدائية ؟

ظهرت الرافعات في اليونان لأول مرة منذ أكثر من 2500 عام، لكن يشيرُ بحثٌ جديد لوجود آلة رفعٍ بدائية (كنوع سابق من الرافعات) كانت قيد الاستخدام قبل حوالي 4 آلاف عام.

اشتهر الإغريق القدماء بضخامة عمارتهم الحجرية التي تمكنوا من بنائها دون مساعدة معدات حديثة، ويُذكر أنهم استفادوا من الرافعة التي ربما استخدمت لأول مرة في أواخر القرن 6 ق.م.

يُعتقد بأن الاغريق قاموا برفع الكتل الحجرية الثقيلة بواسطة منحدرات أرضية أو سلالم مصنوعة من الطوب على غرار ما فعله الآشوريون والمصريون القدماء منذ قرون.

وفقاً لبحثٍ جديد نُشر في المجلة السنوية للمدرسة البريطانية في أثينا، تبين أن بناة المعابد الحجرية الأولى في تاريخ اليونان بما فيها معابد Isthmia و Corinth، قد استخدموا رافعة بدائية في وقتٍ مبكر من منتصف القرن 7 ق.م. بناءً عليه يمكن اعتبار هذه الرافعة كآلة هامة سابقة للرافعة الحالية، كانت قادرة على رفع الكتل الحجرية المنحوتة في معابد Corinth التي يتراوح وزنها بين 200 و 400 كغ.

يشير Alessandro Pierattini (الكاتب الوحيد للدراسة الحديثة من جامعة نوتردام)، بأن آلة الرفع هذه قد تم اختراعها في الأصل من قبل الكورنثيين الذين استخدموها في بناء السفن وفي إنزال التوابيت الثقيلة Sacrophagi في حفرٍ ضيقة عميقة. من ناحيةٍ تقنية لم تكن رافعة (بالمعنى المعاصر الحالي) لعدم اعتمادها على السحب والرفع بأسلوب رافعات hoists وwinches، فعوضاً عن ذلك قام الإغريق بإعادة توجيه القوة باستخدام حبلٍ مارٍ عبر إطار.

الدليل الرئيسي لهذا الادعاء يأتي من وجود أخاديد محفورة في قاعدة الأحجار المستخدمة في بناء معابد Isthmia و Corinth. إن مؤرخي الآثار والباحثين على دراية بهذه الأخاديد وقد اقترحوا تفسيرات لها بأنه قد تم استخدامها إما لربط الكتل الحجرية بآلات الرفع أو لتحريك الكتل الحجرية ضمن مقالع الحجر.

يقوم بحث Pierattini على إعادة فحص الكتل الحجرية في معابد منتصف القرن 7 ق.م في Isthmia و Corinth بتقطيعاتها الفريدة (زوجٌ من الأخاديد المتوازية) على القاعدة السفلية للحجر التي تصل إلى الجزء الجانبي منه في نهاية واحدة. يخلص الفحص إلى أن الأخاديد قد استُخدمت في الرفع لتشهد على التجربة الأولى في رفع الكتل الحجرية المعمارية في تاريخ اليونان. أوضح Pierattini باستخدامه لأحجار وحبال فعلية، بأن الأخاديد قد تؤدي وظيفة مزدوجة مما يسمح للبناءين برفع الكتل الحجرية وتثبيتها بإحكام إلى جانب مجاورتها في الحائط.

تمثل هذه المرحلة من أعمال البناء خطوة مفصلية في تطور عمارة اليونان الحجرية الضخمة، متمثلةً بانتهاء البناء بالطوب في العمارة الطينية وبالتجارب الأولى في البناء بالحجارة.

قال Pierattini مع وجود كتل حجرية ثقيلة والاحتكاك الكبير بين أسطحها، كانت تشكل معضلة في عملية البناء تطلب في وقتٍ لاحق إحداث مجموعة من الثقوب المصممة خصيصاً لاستخدام الرافعات المعدنية.

الرافعة البدائية التي تم استخدامها للمباني الضخمة

يوضح البحث بأن بناة المعابد القديمة Isthmia و Corinth كانوا يستخدمون بالفعل الرافعات لعملية التموضع الأخير للكتل الحجرية وهذا يمثل أول استخدام موثق للرافعة في العمارة اليونانية في وقت مبكر من منتصف القرن 7 ق.م أي قبل حوالي 150 عام من بدء انتشار الرافعات المطورة بالكامل (للسحب) winch crane  و ( للرفع) hoist crane وهذا الاكتشاف هو دليل آخر على الابداع الفذ للاغريق القدماء.

 

المصادر:

لمعرفة المزيد عن فنون الحضارة اليونانية تابعوا مقالنا: الفن الهلنستي (اليوناني)
إعداد: رنا قنواتي
مراجعة: بتول سيريس

تاريخ الأعداد الأولية

تاريخ الأعداد الأولية

ليس من الواضح متى بدأ البشر في التفكير بأسرار الأعداد الأولية، إذ تشير عظمة إشانغو المكتشفة في الكنغو إلى أن البشر قد فكروا في الأعداد الأولية منذ عشرين ألف عام مضى حيث تضمنت الرباعية التوأمية من الأعداد الأولية 11 و 13 و 17 و 19.

عظمة إشانغو: أقدم دليل لاستعمال الأعداد الأولية

للأعداد الأولية تاريخ طويل يبدأ من علماء الرياضيات الإغريق في مدرسة فيثاغورس، حيث كانت تمثل تلك الأعداد روح المثالية والقداسة، إذ كان العدد المثالي بالنسبة لتلك المدرسة هو العدد الذي يساوي مجموع المقسومات الصحيحة له، فعلى سبيل المثال الرقم 6 هو عدد مثالي إذ يحتوي على المقسومات 1 و 2 و 3 ومجموعها يساوي 6 على الرغم من أن الرقم 6 لا يُعتبر عدد أولي.

ومن ثم مع إقليدس في شرحه لكتابه العناصر حوالي 300 قبل الميلاد، حيث بيّن أنه إذا كان n عدد أولي فإن (2n – 1) سيكون عددًا أوليًا و2n-1(2n – 1) سيكون عددًا مثاليًا، في حين أنه كان لدى الصينيين فرضية أخرى، وهي أن n عدد أولي إذ كان (2n – 2) يقبل القسمة على n.

وضع إراتوستين في عام 200 ق.م خوارزمية تُعرف باسم غربال إراتوستين لحساب الأعداد الأولية في نطاق معين، وهي تستند إلى إيجاد مضاعفات كل الأعدد الأولية ومن ثم الأرقام المتبقية هي الأعداد الأولية.

أما عن فلسفة الرياضيات في عصورنا الحالية فتكمن في التعرف على الأنماط، وكانت هذه هي الخطوة الأولى لوصف منهجية الرياضيات المعاصرة. في بداية القرن السابع عشر أوضحت ما يعرف بنظرية فيرما أن2n + 1  هو رقم أولي إذا كانت n مرفوعة لأس 2 على سبيل المثال 1 ، 2 ، 4 ، 8 ، 16 ، … ، ولكن لاحقًا أظهر العالم أويلر أن (232 + 1) والذي يساوي 4294967297 ليس عددًا أوليًا لأنه يقبل القسمة على 641، فى حين وضع الراهب الفرنسي مارين ميرسين صيغة أخرى للأعداد الأولية2n + 1)) وn  أيضا عدد أولي فيما بعد عرف بأعداد ميرسين.

فى وسط كل هذا كان هنالك دائمًا تخمين من علماء الرياضيات يُظهر أنه على الرغم من أن الأعداد الأولية تزداد ندرةً مع زيادة الأعداد؛ إلا أنه هنالك وجود لما يُعرف بتوائم من الأعداد الأولية، وهي

ثنائية من الأعداد الأولية الفرق بينهما عددين فقط  مثل التوأم  5 و 7 و التوأم 11 و 13 والتوأم 29 و 31.

يعتمد علم التشفير على الأعداد الأولية والتي مازالت لغزاً لم يحل حتى وقتنا هذا.

 

المصادر

 

إعداد: إيمان الزميتي

مراجعة: بتول سيريس

من كورونا وسارس إلى الحمى الصفراء، ومن الطب ما قتل!

ومن الطب ما قتل!

في 7 فبراير 2020، أُعلنت وفاة الطبيب الصيني Li Wenliang إثر إصابته بفيروس COVID-19 عن عمر 33 عام. يعتبر لي ونليانغ أحد أوائل المكتشفين والمحذرين من الفيروس، مما زاد من حالة التعاطف والحزن التي سادت وسائل الإعلام الصينية والعالمية. دفعتنا تلك الحالة لاستبدال مقولة ومن الحب ما قتل إلى ومن الطب ما قتل . إذ اعتقد البعض أن وفاة لي ونليانغ بمثابة هزيمة للأنظمة الصحية العالمية أمام الفيروس، لكن لا تجري الأمور هكذا. ليست تلك المرة الأولى التي يحصد فيها أحد الأوبئة أرواح الأطباء المعالجين أو المكتشفين له. بل وكان في موت بعضهم أحيانًا علامة لانتصار ما أو خطوة ساهمت في إنقاذ الآلاف. ما نعنيه هنا أن للأمر خلفية تاريخية يجدر بنا تسليط الضوء عليها قليلًا لنتعلم منها.

الحمى الصفراء

رسم معبر عن حروب التحرير في جزر تاهيتي

داء لعين أُطلق عليه اسم “القيئ الدموي” ينتقل عبر لدغات بعض أنواع الناموس. انتشر في أفريقيا وأمريكا ويسبب الحمى والدوار والإمساك وألم مستمر في العضلات يعقبه اصفرار للجلد والعيون ونزيف لثة المصاب وجدار معدته. وتراوحت نسب وفاة المصابين بالحمى الصفراء من 20-50%. تسبب الوباء في آلاف الوفيات، لكن أشهر أحداثه كانت منذ قرنين، حين قتل حوالي 35:45 ألف جندي من قوات نابوليون المُرسلة لإيقاف ثورات التحرر في جزر هاييتي وفقًا للمؤرخ J. R. McNeill وتسببت في هزيمته. سقط من الجنود الفرنسيين ضحية لهذا المرض ضعف من سقطوا في معركة ووترلو الشهيرة. ثم استمر الوباء في الظهور والاختفاء حتى القرن العشرين دون معاملة علمية منهجية تُذكر حتى مجيئ الطبيب الأمريكي لازيار.

انتقل جيسي لازيار Jesse Lazear كعضو لجنة الحمى الصفراء إلى كوبا عام 1900 لدراسة المرض وفهم أسبابه المجهولة حينها. كان لازيار هو العضو الوحيد صاحب الخبرة بالبعوض ونقله للأمراض، فقد عمل سابقًا في مشفى جون هوبكنز في بالتيمور عام 1985 ودرس الملاريا والحمى الصفراء هناك. افترض الطبيب أن السبب الرئيسي في الإصابة هو وجود عائل حي ينقلها إلى البشر، وحينها قررت اللجنة اختبار فرضية لازيار بنفسها. سمح الطبيب لازيار لبيوض البعوض بالفقس داخل مستشفى هافانا والتغذي على دماء المصابين بالحمى الصفراء. ثم سُمح للبعوض أيضًا أن يتغذى على دماء بعض المتطوعين، فانتقلت إليهم العدوى وثبتت الفرضية. أعلنت اللجنة أن المسؤول عن الإصابة هو كائن شديد الصغر لا يمكن الإمساك به عبر فلاتر البكتيريا أي أنه أصغر من البكتيريا. شُفي الرجلان اللذان تعرضا للتجربة، ولكن يبدو أن لازيار قد عرّض نفسه أو تعرّض للدغات البعوض المصاب، ولسوء حظه لم يُشف. أصيب لازيار بالحمى الصفراء بالفعل ومات في سبتمبر عام 1900. 1

استكملت التجارب بعد وفاة الطبيب لازيار لجمع المزيد من الأدلة العلمية بعدما تأكدت اللجنة من دور البعوض في الإصابة بالمرض، فتطوعت الممرضة الأمريكية كلارا ماس Clara Maass لخوض التجربة، لكنها للأسف لم تنج لتعرضها للإصابة من البعوضة الأخطر الحاملة للمرض Aedes aegypti في 24 أغسطس 1901. قدمت تضحيات كلارا ولازيار للبشرية حينها معرفة كيفية الإصابة ونوع العائل بالتحديد، فتركزت الجهود بعدها على محاربة بعوضة Aedes aegypti وتجفيف المستنقعات أو تغطيتها، مما ترتب عليه إنخفاض معدلات الإصابة وإنقاذ آلاف البشر. 2

الممرضة كلارا ماس                                الطبيب جيسي لازيار

المتلازمة التنفسية الحادة سارس SARS

في نوفمبر 2002، توجه أحد المزارعين الصينيين إلى مستشفى فوشان ليتلقى العلاج إثر أعراض حمى وسعال وصعوبة شديدة في التنفس، ثم مات بعدها بأيام دون تشخيص واضح لسبب الوفاة. وفي نهاية الشهر ذاته، انطلقت أولى التحذيرات من كندا عبر تحليل أخبار ومواقع صينية عدة عن وجود جائحة إنفلونزا غريبة في الصين. استهدفت التحذيرات الكندية منظمة الصحة العالمية والتي طلبت بدورها معلومات من الصين في ديسمبر 2002. وبينما تحاول المنظمة الحصول على معلومات من الصين، كان أحد رجال الأعمال الأمريكيين المصابين يسافر على متن طائرة من الصين إلى سنغافورة في فبراير 2003. توقفت الطائرة في مدينة هانواي الفيتنامية، ونُقل المريض الذي ساءت حالته إلى مستشفى هانواي الفرنسي. أصيب مُعظم الطاقم الطبي الذي تعامل مع المريض بالأعراض، فدُعي عالم الميكروبات الطبيب الإيطالي كارلو أورباني لمتابعة الحالة.

كارلو أورباني

درس كارلو أورباني الطب في إيطاليا وتخصص في علم الطفيليات، ثم تطوع للعمل في أفريقيا وسافر إلى أثيوبيا عام 1987. أصبح استشاري لمنظمة الصحة العالمية بعد سنوات من مكافحة الأوبئة ودراستها. وفي 1996، انتقل إلى كمبوديا مع أسرته للعمل في مؤسسة أطباء بلا حدود، ليعود إلى إيطاليا كرئيس للفرع الإيطالي للمؤسسة. فوضته المؤسسة للحصول على جائزة نوبل التي نالتها عام 1999. ثم دُعي الطبيب كارلو أورباني في نهاية فبراير 2003 لمتابعة حالة رجل الأعمال المريض في مستشفى هانواي الفرنسي. اعتقد أطباء المستشفى أنهم أمام حالة إنفلونزا طيور شديدة، لكن كارلو بخبرته علم أنه أمام فيروس أكثر عدوانية وانتشار. أرسل كارلو تحذيراته لمنظمة الصحة العالمية ببدء إجراءات الحجر الصحي للمصابين على الفور تجاه الوباء الجديد. كما أقنع وزارة الصحة الفيتنامية ببدء إجراءات فحص المسافرين وعزل المصابين. 3

في 11 مارس 2003، دُعي الطبيب كارلو للحديث في مؤتمر طبي في تايلاند. وبينما هو في الطائرة، شعر بالحُمى والإعياء وطُلبت له الإسعاف في المطار فور وصوله. انتقل كارلو إلى مستشفى بانكوك وشُخص بالإصابة بفيروس سارس. وبعد حرب ومعاناة مع الفيروس لـ 18 يوم، توفى في 29 مارس في العناية المركزة للمستشفى بتايلاند. ساعدت توجيهات كارلو في السيطرة على انتشار الوباء في فيتنام والتعرف على فيروس سارس الجديد ليصبح هو أول من يكتشفه. كما أوصى كارلو قبل وفاته بالتبرع بخلايا رئته المصابة للأبحاث العلمية في سبيل مكافحة الفيروس الجديد، لينجح العالم في تشخيص الفيروس والحد من انتشاره.

هناك المزيد من الأمثلة، لكن بدا واضحًا الآن أن بعض التضحيات تركت بصمة لا يمكن محوها، كما تركت دروس مستفادة لأفراد المجتمع والأطقم الطبية والأنظمة الصحية لنتعلم جميعًا منها. للأسف فقد أودت تلك التضحيات بحياة صانعيها مثلما أودى الحب بحياة شاب الأصمعي الذي دعاه لقول مقولته”ومن الحب ما قتل”.

للمزيد: ماذا تعرف عن عالم الفيروسات؟

ما سبب ميلان برج بيزا ؟

هو برج جرس في بيزا، إيطاليا. يشتهر برج بيزا عالميا بميله البارز من جانب واحد. بنيت أسس البرج على باطن ناعم واجه صعوبة في دعم وزن البرج (14500 طن). عندما بدأ الطابق الثاني، أصبح الميلان ملحوظا وتفاقم سوءا مع استمرار البناء. في الأصل انحنى البرج بزاوية 5.5 درجة، بعد أعمال الترميم بين عامي 1990 و2001، تم تخفيض هذه الزاوية إلى 3.97 درجة. يبلغ ارتفاع البرج المكون من 8 طوابق من الجانب المنخفض 55.86 م، ومن الجانب العلوي 56.67 م. بدأ إنشاء برج بيزا في عام 1173 وانتهى في عام 1372. توقف البناء وأعيد تشغيله مرتين على مدى 199 عاما بسبب الحروب. توقفت الحرب عن البناء لأول مرة منذ ما يقرب من قرن من الزمان مما أعطى الوقت الكامن للتربة للاستقرار والضغط. 1

بسبب هذا الميلان الذي لم يكن مخطط له أصبح برج بيزا من اشهر معالم العالم. لفهم السبب في أن البرج بدأ يميل، يجب أن نلقي نظرة على الموقع الجغرافي لمدينة بيزا الصغيرة. تقع بلدة بيزا الصغيرة بين نهري أرنو وسيرشيو، وتقع بالكامل على التربة الغرينية المكونة أساسا من الرمال والطين والقذائف. التركيبة الخاصة لهذه التربة تجعلها ناعمة جدا وغير مناسبة لتحمل الأحمال الثقيلة. لذا، فإن السبب الذي يجعلنا نعجب اليوم بهذا البناء المتميز هو التربة غير المستقرة التي بني عليها. بدأ البرج يميل حوالي خمس سنوات في بنائه عندما أنهى البنائين المستوى الثالث (ارتفاع حوالي 23 متر). بما أن التصميم الأصلي خطط لما مجموعه ثماني طوابق، فقد أصبح من الواضح على الفور أنه يجب إيقاف البناء حتى يتم العثور على حل لمشكلة غرق الأساس. في غضون ذلك، تم بناء برجين آخرين على الأقل في بيزا يتبعان نفس الإيمان: برج الجرس سان ميشيل ديغلي وبرج الجرس سان نقولا. بدأ كلا البرجين يميلان بعد البناء. ومع ذلك، بخلاف برج بيزا، استمرت الأعمال في هذين البرجين الآخرين دون انقطاع مما أدى إلى أبراج مستقيمة، تم بناؤها وفقا لتصميمها الأصلي تماما. من غير المعروف ما إذا كان هذا يرجع إلى حقيقة أن تلك الأبراج أقصر وبالتالي فهي أقل عرضة لخطر الانهيار أو أنها فقط بسبب أن الأبراج بدأت تغرق بعد الانتهاء منها. ما يجعل برج بيزا فريدا، هو الجهد الهندسي المبذول لمواصلة البناء على الرغم من الظروف غير المواتية للتأسيس. للتغلب على الميل الثقيل، كان على المهندسين مراجعة التصميم وتغيير هندسة البرج لتعويض الميل غير المخطط له. والنتيجة هي شكل الموز الفريد للبرج الذي يظهر بوضوح عند الدخول من الباب الغربي للساحة. كل يوم تشرق الشمس على البرج على جانبها الجنوبي، من الشرق في الصباح إلى الغرب في المساء. في إيطاليا، يكون الإشعاع الناتج عن الشمس قويا جدا ويتسبب في زيادة درجة حرارة الأسطح المعرضة لأشعة الشمس المباشرة. بشكل خاص في فصل الصيف حيث درجة حرارة الهواء يمكن أن تتجاوز 40 درجة مئوية. في هذه الحالة، يؤدي التمدد الحراري للجانب الجنوبي للبرج إلى زيادة طوله (ارتفاعه). لا يخضع الجانب الشمالي (الذي لم يتم تعريضه للإشعاع مباشرة) لنفس التغير في الحجم. إذا كان البرج يميل في اتجاه الشمال، لكانت هذه الظاهرة قد زادت من ميلها، وربما تنتهي في انهيار كارثي. كانت حقيقة أن البرج يميل في اتجاه الجنوب أمرا أساسيا حتى يقف حتى اليوم. عندما استؤنفت أعمال البناء، نجح كبير المهندسين جيوفاني دي سيموني في جعل البرج يقف. كانت زاوية الميل للبرج المكتمل حديثا حوالي 1.4 درجة. تشير التقديرات إلى أن البرج استمر في التراجع بمعدل 0.05 بوصة سنويا، حتى عام 1993 عندما وصل إلى درجة الميل 5.5. في تلك المرحلة، تم اعتبار البرج في خطر الانهيار وكان مغلقا أمام الجمهور. عندما أعاد البرج فتح أبوابه أمام الجمهور في عام 2001، تم تخفيض زاوية الإمالة بنجاح إلى أقل من 4.0 درجة. وفقا للخبراء، فإن الظروف الحالية للتربة جيدة بما يكفي لضمان بقاء البرج لمدة 200 عام على الأقل. ما لم يضرب زلزال توسكانا، مثل تلك التي تسببت في تدمير أبروتسو وأجزاء أخرى من إيطاليا. 2

يعزى تصميم البرج على نطاق واسع إلى Guglielmo و Bonanno Pisano، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن المهندس المعماري Diotisalvi ربما شارك في التصميم. في حين أن المهندس المعماري الأصلي للبرج لم يتم التحقق منه على الإطلاق، فمن المعروف أن الكثير منهم قد عملوا على ذلك، بما في ذلك: Bonanno Pisano و Gerardo di Gerardo في المرحلة الأولى، و Giovanni Pisano، و Giovanni di Simone خلال المرحلة الثانية قبل أن يشرف Tommaso di Andrea Pisano على استكماله.

بسبب المستنقعات الكامنة في باطن الأرض هناك العديد من الأبراج الأخرى في بيزا مع قضايا إمالة أقل وضوحا. 1

المصادر:

1_ http://sciencekids.co.nz/sciencefacts/engineering/leaningtowerofpisa.html

2_https://leaningtowerpisa.com/facts/why-is-pisa-tower-leaning

 

ما مصير البحث العلمي المشترك بعد خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي؟

ما مصير البحث العلمي المشترك بعد خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي؟

في الساعة الحادية عشرة من مساء يوم 31 يناير، كان الباحثون بين أولئك الذين يشعلون الشموع بمناسبة خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي. معظم العلماء لم يوافقوا على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، فقد اشترك العلماء في تأسيس حملة وطنية لإجراء استفتاء ثان على عضوية البلاد في الإتحاد الأوروبي، خشية أن يؤدي هذا الانقسام إلى تدمير الإتحاد الذي عمل على تعزيز التعاون والنهوض بالمعرفة طيلة الأعوام السبعة والأربعين الماضية, لكنها باءت بالفشل بعد تفعيل البريكست.

ما مصير البحث العلمي المشترك بعد خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي؟

ستكون الأشهر الأحد عشر المقبلة فترة غير مؤكدة مع دخول المملكة المتحدة إلى المرحلة الانتقالية حيث يتعين عليها أن تتفاوض على شروط علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي في المستقبل. ولا يعرف الباحثون في المملكة المتحدة بعد ما إذا كانوا سيشاركون في برامج البحوث المشتركة للإتحاد الأوروبي. كما أصبح مستقبل العديد من الباحثين في الإتحاد الأوروبي الذين يريدون أن يعيشوا في بريطانيا بين أيدي وكالة البحوث والإبداع في المملكة المتحدة-UK Research and Innovation، وليس بين أيدي وزارة الداخلية في المملكة المتحدة، أي المؤسسة التي عملت طيلة قسم من العقد الماضي على وضع وتنفيذ السياسات الرامية إلى الحد من الهجرة إلى المملكة المتحدة.

لطالما كانت البحوث من الإهتمامات المحورية بالنسبة للوحدة الأوروبية. ففي عام 1973، انضمت بريطانيا إلى ما هو أسمى من “الجماعة الإقتصادية الأوروبية”، والتي أصبحت فيما بعد الإتحاد الأوروبي. لقد انضمت إلى منظمة أُسست لتعزيز عدد من المبادئ التي تتمحور بالأساس على حل النزاعات عن طريق التفاوض والتسوية، أهمية اتخاد الأمم المتجاورة قراراتها معا وتحقيق مصالح جميع الأعضاء مادام بوسع الدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة.

وضعت جميع هذه المبادئ من أجل هدف واحد وهو تجنب تكرار الحرب الوحشية التي خرج منها مؤسسو الإتحاد الأوروبي. وكان علماء القارة الأوروبية جزءاً كبيراً من الحرب العالمية الثانية، وهذا هو السبب الذي جعل مهندسي الكتلة يخططون لكي تصبح البحوث المشتركة (خاصة في التكنولوجيا) جزءاً من وحدة التكتل الأوروبي. وقد ألهمت فكرة “التعاون البحثي وأهميته في بناء السلام” تكتلات إقليمية أخرى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

ومع تبلور الإتحاد الأوروبي، كان بعض القادة العلميين البريطانيين متشككين في التعاون مع زملائهم الأوروبيين. ولكن الشكوك تلاشت مع وضوح الفوائد المترتبة على إنشاء منطقة أبحاث أوروبية (لا تختلف عن تلك المتواجدة في الولايات المتحدة) والتمويل وحرية التنقل في التكتل.

فقد حصل الباحثون البريطانيون على ثاني أكبر حصة من أموال الإتحاد الأوروبي في بلادهم (بعد المزارعين). ولغاية يونيو 2019، كان التمويل يتعدى مليار يورو سنويا (1,1 مليار دولار أميركي). وخصص جزء كبير من هذا المبلغ للمشاريع التعاونية ذات الأثر المجتمعي، مثل الدراسة الاستقصائية الاجتماعية الأوروبية European Social Survey التي تتتبع المواقف الإجتماعية المتغيرة في 38 بلد أوروبي، وبرنامج السماء النظيفة (Clean Sky Programme)، الذي يعمل فيه باحثون من 27 بلدا للحد من انبعاثات الكربون في الطائرات والضوضاء، ومبادرة الأدوية المبتكرة Innovative Medicines Initiative، حيث يتعاون الباحثون لتطوير أدوية للحالات التي تعاني من نقص الخدمات مثل السل.

حرية التنقل

وإدراكا من الحكومة لما قد تخسره، فإنها تجري تحقيقا بشأن ما إذا كان بوسع بريطانيا أن تدفع للإنضمام إلى برامج الإتحاد الأوروبي. ولكن في الوقت نفسه، كان الوزراء يستعدون لإحتمال عدم حدوث ذلك. وذلك لأن عضوية المملكة المتحدة في برامج البحوث في الإتحاد الأوروبي ستتطلب شكلاً من أشكال حرية التنقل. ولحد الوقت الحالي، قالت حكومة المملكة المتحدة إن حرية التنقل يجب أن تنتهي. ويتوقف الإنضمام إلى برامج الاتحاد الأوروبي أيضا على شروط علاقة المملكة المتحدة مع الإتحاد الأوروبي في المستقبل. فهناك وجهات نظر متباينة داخل الحكومة بشأن مدى قرب بريطانيا من قوانين وأنظمة شركائها السابقين في الإتحاد الأوروبي. ولكن من منظور الباحثين والمجتمع ككل، تعد الفوائد المترتبة عن هذا النظام أكبر من تلك المترتبة على الانتقال في الإتحاد الأوروبي، على الأقل في الوقت الراهن.

فمن مصلحة الجميع أن تستمر بريطانيا في التوافق مع أطر صنع القرار في القارة بشأن البيئة، البيانات، سلامة الأغذية، وعلوم الحياة الواسعة. إن القضايا البيئية دولية بطبيعتها، لذلك ليس هناك معنى أو منطق إذا باشرت بريطانيا في خلق معاييرها الخاصة، أو التوافق مع أقلية من البلدان. وينطبق الشيء نفسه على اللوائح التنظيمية المتعلقة بالتكنولوجيات مثل تلك المعنية بتحرير الجينات والذكاء الإصطناعي. ويتعين على الباحثين في المملكة المتحدة أن يشاركوا في الجهود العالمية.

أمنية رالف داهرندورف

الفيلسوف الألماني البريطاني رالف داهرندورف

كتب الفيلسوف الألماني البريطاني رالف داهرندورف الكلمات التالية بسبب إحباطه سنة 1995 عندما وجدت حكومة محافظة سابقة في المملكة المتحدة نفسها في حالة من الاضطراب بسبب علاقة بريطانيا بالإتحاد الأوروبي:

“يرى الكثيرون أن الإتحاد الأوروبي نموذج يحتذى به، ويجب أن تكون بريطانيا جزء منه”

كان داهرندورف في وضع حيث كان بوسعه أن يرى العلاقة بين بريطانيا والإتحاد الأوروبي من جوانب عدة. فقد كان بوسعه أن يرى كيف فسر البعض عضوية الإتحاد الأوروبي باعتبارها خسارة للسيادة في دولة ما بعد الإمبريالية. ولكن بوصفه لاجئاً من ألمانيا النازية، رحبت به بريطانيا، لذلك أدرك أيضاً الأهمية التي يتمتع بها الإتحاد الأوروبي الرافض لعودة الحكم الاستبدادي في أوروبا.

سيتم رفض رغبة داهرندورف، ولكن من الضروري ألا تسمح كل من المملكة المتحدة والدول الأعضاء الـ 27 المتبقية ومؤسسات الإتحاد الأوروبي بالتقليل من أهمية تلك المهمة بسبب البركست.

إن الإتحاد الأوروبي موجود لحماية الديمقراطية وسيادة القانون. ويكفل استمرار السلام والرخاء عن طريق التفاوض والتسوية، وحرية السفر والتجارة، وعن طريق مساعدة القوي للضعيف. وتحفز جميع هذه المبادئ بالمعرفة والبحث والابتكار. وهذه قيم يتعين على كل دولة أن تتطلع إليها، بما في ذلك المملكة المتحدة حتى لو لم تعد جزءاً من الإتحاد الأوروبي.

المصدر: هنا

كيف بدأت ناطحات السحاب ؟؟

تعتبر ناطحات السحاب رمزا للحضارة والتقدم المعماري، فكيف ظهرت وما تاريخها؟

ظهرت ناطحات السحاب الأولى، المباني التجارية الطويلة ذات الأطر الحديدية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تعتبر ناطحة السحاب الأولى مبنى التأمين على المنازل في شيكاغو، على الرغم من أن ارتفاعه كان 10 طوابق فقط. في وقت لاحق، أصبحت الأبنية الطويلة ممكنة من خلال سلسلة من الابتكارات المعمارية والهندسية، بما في ذلك اختراع العملية الأولى لإنتاج المعدن الصلب على نطاق واسع. اليوم، تحتوي أطول ناطحات سحاب في العالم أكثر من 100 طابق وتتجاوز ارتفاع 2000 قدم. أول مبنى يمكن اعتباره ناطحة سحاب هو مبنى التأمين على المنازل في شيكاغو، والذي تم الانتهاء منه في عام 1885. كان المبنى بطول 10 طوابق ووصل ارتفاعه إلى 138 قدمًا. تمت إضافة طابقين إضافيين في عام 1891، وبذلك يصل الارتفاع إلى 180 قدم. تم هدم المبنى في عام 1931 واستعيض عنه بالمبنى الميداني، وهو ناطحة سحاب أطول تحتوي على 45 طابقا. على الرغم من أن ناطحات السحاب الأولى كانت صغيرة نسبيا وفقا لمعايير اليوم، إلا أنها تمثل منعطفا مهما في البناء والتطوير الحضري. بعض من أبرز الهياكل في التاريخ المبكر لناطحات السحاب كانت: مبنى تاكوما (شيكاغو): تم تشييد مبنى تاكوما بناء على هيكل من الحديد والصلب، وتم تصميمه من قبل شركة الهندسة المعمارية الكبرى هولابيرد آند روت. أصبح بناء ناطحات السحاب ممكنا بفضل الإنجليزي هنري بيسمر، الذي اخترع أول عملية لإنتاج الصلب بكميات كبيرة. كان الأمريكي، ويليام كيلي، قد حصل على براءة اختراع لـ “نظام هواء يهب الكربون من الحديد الخام”، لكن إفلاسه أجبر كيلي على بيع براءة اختراعه إلى بسمر، الذي كان يعمل على عملية مماثلة لصنع الصلب. في عام 1855، حصل بسمر على براءة اختراع عن “عملية إزالة الكربون الخاصة به، مستخدما انفجار الهواء”. هذا الاختراع في إنتاج الصلب فتح الباب أمام البناة لبدء صنع هياكل أطول وأطول. الرجل الذي استخدم هذه العملية بالفعل لإنشاء أول ناطحة سحاب كان جورج أ. فولر. طوال القرن التاسع عشر، دعت تقنيات البناء إلى وجود جدران خارجية لتحمل عبء وزن المبنى. فولر كان لديه فكرة مختلفة. لقد أدرك أن المباني يمكن أن تتحمل وزنا أكبر، وبالتالي ترتفع إذا استخدم الجوائز المصنوعة من الصلب لمنح المباني هيكلا محملا للحمل في داخل المبنى. أصبحت المباني الأطول ممكنة أيضا من خلال اختراع المصعد الكهربائي في عام 1883، مما قلل من مقدار الوقت الذي يستغرقه التنقل بين الطوابق. كما كان اختراع الإضاءة الكهربائية أمرا سهلا، مما جعل من السهل إضاءة المساحات الأكبر. تم بناء العديد من ناطحات السحاب في وقت مبكر على الطراز المعماري الذي أصبح يعرف باسم مدرسة شيكاغو. غالبا ما تميزت هذه الهياكل الفولاذية بنوافذ من الزجاج المسطح وأفاريز مفصلة. من بين المهندسين المعماريين المرتبطين بمدرسة شيكاغو دانمار أدلر ولويس سوليفان (الذين صمموا مبنى بورصة شيكاغو القديم) وهنري هوبسون وريتشاردسون وجون ويلبورن. (1)

وهذه قائمة بأطول عشر ناطحات السحاب تم بنائها حتى الأن :

1_ برج خليفة في دبي 828م

2_برج شنغهاي في شنغهاي، الصين 632م

3_ برج ساعة مكة في مكة، السعودية 601م

4_بينغ آن في شنجن، الصين 599م

5_غولدن فينانس في تيانجين، الصين 596.5م

6_مركز التجارة العالمي في نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية 541.3م

7_ctf finance في غوانزو الصين 530م

8_ تايبيه في تايبيه، تايوان 509م

9_ مركز شنغهاي المالي العالمي في شنغهاي، الصين 492م

10_مركز التجارة الدولي في هونغ كونغ 484م (2)

1_ https://www.thoughtco.com/how-skyscrapers-became-possible

2_ https://www.skyscrapercenter.com/buildings

فتح الأندلس ومعركة وادي لكة

فتح الأندلس ومعركة وادي لكة

معظم الناس لا يفهمون أهمية هذه المعركة، والتي كانت بين القوط الغربيين والمسلمين. فهي التي تسببت في حكم المسلمين لـ الأندلس (اسبانيا) منذ قرون طويلة، وقد أدى خطأ طفيف واحد من طموحاتٍ شخصية إلى معركة كبيرة مما تسبب في خلق مشكلة عظيمة للبلدان الأوروبية حينها.

لكن ماذا لو لم يتم ارتكاب ذلك الخطأ وظلت المملكة القوطية قائمة ولم يتم فتح الأندلس؟ وكيف غيرت تلك المعركة مسار تاريخ أوروبا بالكامل؟

كانت تلك الفترة في أوروبا غير مستقرة البتة ، وقد تسبب سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب بفراغٍ كبيرٍ، وتم إنشاء ممالك جديدة وقتها. وقد بنيت تلك الممالك على أساس ممالك أخرى سقطت في العصور الوسطى.

دارت معركة “وادي لكة” بين الخلافة الأموية والقوط الغربيين، والذين كانوا عبارة ألمان بماضٍ مثير؛ والذين قد تسببوا في بعض المشاكل للإمبراطورية الرومانية.

وقد انتقلوا في النهاية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية وقاموا بتأسيس مملكتهم الفريدة من نوعها في الأندلس. وقد تأسست مملكة القوط الغربيين عام 418م وانتهت بين عام 718 – 720م.

لكن كيف تغير كل شيء؟

كانت المملكة في حالة جيدة وكان كل شيء راسخًا، ونعمت السلطة المركزية بالاستقرار بشكلٍ كبير، لكن الأمور كانت تتغير طوال الوقت مما عقّد الأمور كثيرًا.

فقد تمت إدارة المملكة من قبل من الأشخاص ذوي سلطةٍ لا بأس بها عبر اسبانيا منهم الحاكم الأصغر والذي يدعى “ويتيسا”، وقد كان يحظى باحترامٍ كبير مع معلومية اكتسابه الكثير من الخبرة لما سبق له من الحكم مع والده.

وكانت الأندلس حينها في وقتٍ سلميّ دون أية حروب بالرغم من وجود هجمات عبر الحدود من بيزنطة والفرنسيين، مع بعض الصراعات الداخلية الطفيفة، لكن عدا ذلك كان كل شيء جيدًا.

ثم فجأة، وفي عام 710 تقريبًا، تم إلقاء الملك الشاب من على العرش لأسباب غير معروفةٍ جيدا، مع احتمالية أنه تم اغتياله.

وعقِب ذلك مجيء نبيل من عائلة كبيرة يسمى “رودريك” تم تتويجه ملكًا، والذي يعرف أيضًا باسم الملك الأخير من القوط، والذي دام حكمه لمدة عامين من 710 – 712م. لكن تم تتويج ملك آخر في الوقت نفسه لوجود أشخاصٍ معارضين، وهو “أخيلا” والذي كان له مطالبة بالمملكة هو الآخر، مما جعل المملكة في طريقها للانقسام.

كانت الأمور تزداد توترًا يومًا بعد يوم، لأن واحدًا منهم كان يحكم الجزء الجنوبي من اسبانيا والآخر كان يحكم الشرق. وكان هناك بالطبع خطر كبير يتمثل في اندلاع حرب أهلية، لكن لم يقتصر الأمر على ذلك، بل كان هناك تهديد آخر لم يكن في الحسبان.

الخلافة الأموية وفتح الأندلس

كان القائد الأموي حينها هو (موسى بن نصير) والي إفريقية (تونس حاليًا) -وهي تختلف عن إفريقيا القارة- وكان يحتل الساحل الشمالي لإفريقيا والتي كانت قريبة جدًا من الأراضي الأوروبية الإسبانية. وقد بدءوا بهجماتٍ صغيرة لرؤية ما إن كان عليهم التخطيط للغزو القادم أم لا.

وقد قام موسى بإرسال (طارق بن زياد) –والي مدينة طنجة- إلى إسبانيا، عن طريق عبور المضيق الواصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والذي تمت تسميته “مضيق جبل طارق” تيمنًا بذلك العبور.

وبسبب الوضع والانقسامات التي كانت تحدث في المملكة، قام باحتلال جزءٍ كبيرٍ من أراضي الحدود الجنوبية لإسبانيا. ولعلمهِ أن هناك وضعًا متزعزعًا  داخل المملكة يجعل الأمور لصالحه بنسبةٍ كبيرة؛ فقد أرسل المزيد من القوات إلى (طارق) للاستيلاء على المزيد من الأراضي.

رد الفعل

كان يعلم (رودريك) أن هناك دخلاء كانوا يعبرون ويحتلون حدود مملكته، وقام بما يفعل به كل ملك من تجهيز واستعداد وتجنيد القوات للدفاع عن مملكته، وكان الاجتماع على دفع الغزاة مثيرًا للاهتمام حتى أن “أخيلا” الملك الآخر والعدو قام بإعطائه القوات كمساعدة للدفاع عن مملكتهم، بالإضافة لمساعدة النبلاء أيضًا. وبشكل ينم عن كامل الاستعداد اجتمعت جميع القوات في المملكة للدفاع.

عندما جمع رودريك قواته كان على استعداد للتحرك جنوبًا لبدء المعركة، وكانت قواته تبلغ حوالي من 25000 – 35000 حين بلغت قوات المسلمين من 6000 – 000 14.

خسارة القوط

كان معظم جنود رودريك غير جاهزين للمعركة، ولم يكن لديهم تدريب وخبرة بالإضافة إلى أنهم كانوا من الطبقة الاجتماعية المنخفضة، والذي يمكن أن يكون عاملا في خسارة المعركة. ولكن ما الذي حدث بالفعل؟

قام الجيشان بالالتقاء وجهًا لوجه بالقرب من نهر وادي لكة، وكان كل شيء جاهزًا وكانت المعركة على وشك البدء.

وعندما سارت القوات نحو بعضها، انقسم جيش القوط الغربيين وراء 3 أوامر في نفس الوقت بشكلٍ مفاجئ، فقد قام الجزء الأوسط من الجيش بالهجوم والذي كان بقيادة (رودريك) -وكان ذلك الشيء المنطقي والذي ينبغي القيام به- لكن لم يشترك الجناح الأيمن والأيسر معهم وتحرك أوسط الجيش بمفرده.

ولم يكتفِ الجناحان بعدم الاشتراك في الهجوم فقط، بل قام الجنرالات بأمرهم بالابتعاد والرجوع إلى الوراء، مما شكّل ذلك خيانة واضحة وصريحة ومدبرة!

وقد أدرك (رودريك) حينها بأن تلك الخيانة وتدبير قتل قواته بدخولهم وحدهم داخل وحدات الأمويين؛ كانت لعقد الجنرالات صفقة بالتأكيد مع الأمويين، لكن كان الأوان قد فات لإدراك ذلك.

وقد ارتكب ذلك الجزء المنسحب خطأً فادحًا ولم يهزموا العدو عندما أتيحت الفرصة، فقد تقدم جيش الخلافة إلى إسبانيا وقام بقهرهم، وقاموا بتدمير مملكة القوط  الغربيين في 718 – 720م.

وقد أدرك النبلاء بالتأكيد فداحة الخطأ الذي ارتكبوه عندما قاموا بخيانة (رودريك)، ومن الممكن أن يكونوا قد حصلوا على شيءٍ في المقابل، لكن هذا الخطأ والغباء كان له تأثير كبير على تاريخ أوروبا وآسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد: دينا الخطيب

المصدر: About History

كيف زُجت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى؟

 كيف زُجت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى؟

كانت الدولة العثمانية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى تحت سيطرة الإتحاديين أي حزب الإتحاد و الترقي، فكان أنور باشا وزير الحربية أعظم رجال الدولة نفوذاً حتى أطلق عليه بعض المؤرخين لقب “دكتاتور الحرب”، ويليه في النفوذ طلعت باشا وزير الداخلية الذي صار فيما بعد رئيس الوزراء ثم يأتي بالدرجة الثالثة جمال باشا وزير البحرية الذي كان القائد العام للقوات العثمانية في بلاد الشام، وكان هؤلاء الثلاثة هم المتحكمين الحقيقيين في الدولة العثمانية.

 

حيث يذكر القائد التركي علي فؤاد بك في مذكراته:

“كانت المملكة العثمانية في قبضة الاتحاديين، وكان الاتحاديون في قبضة المركز العام، وكان المركز العام في قبضة الحكام الثلاثة، وكان الثلاثة في قبضة أنور يسوقهم سوقاً عنيفاً. أما مقام السلطنة والقوة التشريعية وحزب الإتحاد والترقّي والحكومة الرسمية والمطبوعات والرأي العام فلم تكن إلّا أشباحاً ماثلة وخيالات مصورة”

 

كان أنور باشا يميل إلى ألمانيا حيث كان معجباً بجيشها وكان يعتقد إن النصر سيكون من صالح ألمانيا بدون شك فكان يسعى إلى زج الدولة العثمانية في الحرب إلى جانب ألمانيا ولكنه وجد ذلك صعباً في البداية فآثر التريث لحين قدوم الفرصة المناسبة.

 

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في أوروبا أعلنت تركيا الحياد وأعلنت كذلك النفير العام بحجة المحافظة على الحياد، كانت حالة النفير العام والتي يطلق عليها باللغة التركية “سفر برلك” شديدة الأثر على سكان البلدان العثمانية حيث سيق الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والأربعين إلى التجنيد، وصارت دوائر الإعاشة العسكرية تضع يدها على جميع حيوانات النقل بحجة حاجة الجيش وكانت هذه الدوائر تعطي لمن تأخذ منه شيئاً ورقة ضمان بأنها سوف تسدد الثمن بعد انتهاء الحرب وكان الناس لايثقون بأقوال الحكومة ابداً وكانت الحقيقة أنها وسيلة استعملها العثمانيين لنهب ومصادرة أموال الناس حيث لم تقتصر المصادرة على حيوانات النقل بل شملت المواد الغذائية وكل ما له قيمة!

 

يقول الباحث التركي المعروف أحمد أمين في كتاب له عنوانه “تركيا في الحرب العالمية”

 

“إن حالة النفير العام ضربت الحياة التجارية في البلاد كأنها صاعقة تنزل من سماء صافية، وقد تضررت كل فروع الحياة الاقتصادية كما تضررت الزراعة. فقد لجأت دوائر الإعاشة في الجيش إلى مصادرة كل شئ، ولم تقتصر مصادرتها على المواد الضرورية للجيش، بل أخذت تصادر أشياء من قبيل الجوارب الحريرية وأحذية الأطفال ومكائن الطباعة. وصار التجار يؤثرون بيع بضائعهم بأي ثمن للتهرب من مصادرة الجيش لها. وكان هناك دافع آخر دفع التجار للبيع المستعجل هو أنهم في حاجة إلى النقود لدفع الضريبة الحربية التي فرضت عليهم… وتوقفت الأعمال التجارية التي تعتمد على الدفع المؤجل، وتهافت الناس على البنوك لسحب ودائعهم.. واضطرت الحكومة إلى إعلان تأجيل الديون”

 

دخول الحرب العالمية الأولى:

قبل دخول الدولة العثمانية للحرب تراكمت العديد من الحوادث التي أعطت فرصة لمؤيدي الحرب داخل الدولة العثمانية للحصول على التأييد العام ومن هذه الحوادث هو إن تركيا كانت قبل الحرب قد أوصت أحد مصانع بريطانيا على صنع باخرتين حربيتين، وكانت قد جمعت ثمنها بواسطة الإكتتاب العمومي، وتحمس الأتراك لهذا العمل الوطني وانفقوا اموالهم في سبيل الباخرتين ولكن بريطانيا امتنعت عن تسليم الباخرتين على أثر اندلاع الحرب فهاج الرأي العام وأنتهز السفير الألماني تلك الفرصة الذهبية فأخذ يحرض الصحف التركية ويذكر أن بريطانيا عدوة الإسلام والمسلمين وتسعى للشر دائما بالأتراك.

 

   في أثناء الحرب العالمية حصلت مطاردة قامت بها البحرية البريطانية لإغراق طرادين ألمانيين اسمهما “غوبن” و “برسلاو” كانا في البحر الأبيض المتوسط ، وصل الطرادين إلى مضيق الدردنيل فاحتميا فيه وبذلك تخلصا من المطاردة البريطانية ولكن ما حصل سبب مشكلة سياسية كبيرة إذ إن الحياد يوجب على الدولة العثمانية طرد الطرادين من المياه العثمانية، وكانت هذه الحادثة هي السبب الأساسي في زج الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

بعد العديد من المشاورات بين الألمان والعثمانيين اتفق الطرفان على إعلان إن ألمانيا قامت ببيع  الطرادين إلى الدولة العثمانية وتم ذلك حيث قام طاقم الطرادين بخلع ملابسهم العسكرية الألمانية وارتداء الطرابيش والملابس العثمانية لكن ذلك كان على الأغلب حيلة من مناصري الحرب داخل الدولة العثمانية من أمثال أنور باشا وجمال باشا بمساعدة الألمان للزج بالدولة العثمانية في الحرب حيث قام الطرادين فيما بعد بدخول البحر الأسود وضرب أحد الموانئ الروسية وكانت هذه الحادثة هي القشة التي قسمت ظهر البعير وحققت لأنصار الحرب السيطرين على حزب الإتحاد والترقي مثل أنور باشا هدفهم حيث طلب بعد ذلك وزراء روسيا وفرنسا وبريطانيا مغادرة البلاد من رئيس الوزراء سعيد حليم باشا الذين حاول تبرير الموقف حيث كان من معارضي الحرب ولكنه لم ينجح في مبتغاه حيث أعلنت روسيا وبريطانيا وفرنسا الحرب على الدولة العثمانية وكان هذا بداية سلسلة من الويلات التي وقعت على الأقطار العثمانية آنذاك.

 

المصادر:

١) لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث علي الوردي

٢) مذكرات علي فؤاد بك

٣) تركيا في الحرب العالمية 

 

بوتسوانا: جنة عدن حيث نشأ البشر منذ 200 ألف عام

لطالما اعتبرت إفريقيا مهد البشرية، لكن العلماء يسعون دائمًا إلى تحديد موقع أكثر دقة، وفقًا للعلماء:

قبل أن ينتشروا في جميع أنحاء العالم؛ قد ينحدر جميع البشر المعاصرين فيما يعرف الآن باسم «بوتسوانا-Botswana»“.

جنة عدن حيث كان يمكن أن ينشأ جميع أسلافنا:

يُعتقد أن البشر ازدهروا في منطقة «ماغاديكاجدي أوكافانغو- Makgadikgadi-Okavango» التي تعود إلى ما قبل التاريخ، إلى الجنوب مباشرة من نهر زامبيزي.

المنطقة: عبارة عن أرض رطبة خصبة، كما وصفها العلماء جنة عدن والتي كان من الممكن أن ينشأ فيها جميع أسلافنا ، تعيش فيها الأسماك والمحار والطيور المائية، وكذلك الثدييات مثل الزرافات والأسود والحمر الوحشية، استقر أجدادنا هناك منذ 70 ألف عام، حيث توجد بحيرة كبيرة جدًا تبلغ مساحتها ضعف مساحة بحيرة فيكتوريا -البالغة 23000 ميل مربع- في تنزانيا وأوغندا.

تمايل في محور الأرض قبل 130 ألف عام سبب تغير في المناخ المحلي، مما قاد البشر للهجرة عن طريق ممرات خضراء نشأت من البحيرة، وهي التي مهدت الطريق للهجرات المستقبلية من إفريقيا.

أكسل تيمرمان، بروفيسور وعالم المناخ في جامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية:

كانت هذه التحولات في المناخ قد فتحت ممرات خضراء، قبل 130 ألف عامًا في الشمال الشرقي، ثم حوالي 110 ألف عام مضت إلى الجنوب الغربي، هذه المرة الأولى التي يتم فيها السماح لأسلافنا الأوائل بالهجرة بعيدًا عن الوطن“.

الدراسة والنتائج:

على عكس الـ DNA الذي يكون مزيج من جينات أمهاتنا وآباءنا، دنا الميتوكوندريا ينتقل فقط من أمهاتنا. أخذ الفريق عينات من الحمض النووي في الميتوكوندريا لأكثر من 1217 شخص أفريقي.

فانيسا هايز، من جامعة سيدني، بروفيسور، وهي من قادت البحث، وضحت:

إن الحمض النووي للميتوكوندريا يعمل ككبسولة زمنية لأمهات أجدادنا، حيث تتراكم التغييرات ببطء على مر الأجيال، أيضًا توفر مقارنة DNA من أفراد مختلفين توفر معلومات حول مدى ارتباطهم“.

قام الباحثون بعد ذلك بدمج علم الوراثة مع الجيولوجيا والفيزياء المناخية، لرسم صورة للعالم في فترة 200 ألف عام ق.م.

في السابق، أشارت بعض الأدلة الأحفورية إلى أن الإنسان الحديث نشأ في شرق إفريقيا، وقد أشار دليل الحمض النووي إلى جنوب إفريقيا، حيث تقع بوتسوانا، أكد الباحثون أنهم لا يمكنهم استبعاد تفسيرات بديلة.

قالت هايز:

كان واضحًا منذ فترة من الزمن تشريحيًا أن البشر ظهرت في أفريقيا منذ ما يقرب من 200 ألف سنة“، وضحت أيضًا: “ما نوقش منذ فترة طويلة هو الموقع الدقيق لهذا النشوء والتشتت اللاحق لأسلافنا الأوائل، نحن نؤمن بأنه وطننا البشري.”

ما رأي العلماء بهذا الشأن:

في الماضي، اقترح بعض العلماء أن البشر قد تطوروا في أماكن مختلفة من إفريقيا قبل الانتشار.
أعرب البروفيسور كريس سترينجر من متحف التاريخ الطبيعي عن شكوكه حول ما إذا كان قد تم العثور على القاعدة الأولى للبشرية بناءً على جانب واحد فقط من الكود الوراثي.
وضح: “أنا حذر بشأن استخدام توزيعات وراثية حديثة لاستنتاج المكان الذي كانت تعيش فيه أجداد الأجداد قبل 200 ألف عام، لا سيما في قارة كبيرة ومعقدة مثل إفريقيا”. “ومثل العديد من الدراسات الأخرى التي تركز على جزء صغير واحد من الجينوم، أو منطقة واحدة، أو صناعة أداة حجرية واحدة، لا يمكنها التقاط التعقيد الكامل لأصولنا”.
اقترح كريس: “إن هناك طريقة أخرى للنظر إلى الحمض النووي من خلال التركيز على كروموسوم Y والتي تشير إلى نتيجة مختلفة”.

“عندما ننظر إلى كروموسوم Y الموروث من الذكور، فإن الأنساب الأكثر تباعدًا المعروفة حاليًا لدى البشر توجد في غرب إفريقيا، وليس في جنوب إفريقيا”.

وأضاف: “أن الأبحاث السويدية التي أجرتها العالمة التطورية كارينا شلبوش وزملاؤها في عام 2017 قدمت صورة أكثر تعقيدًا.

تشير هذه البيانات وغيرها من البيانات إلى أننا مزيج من مناطق مختلفة من أفريقيا“.

 

هل حقًا عرفنا أسلافنا:

لقد غيرت أربع دراسات رئيسية في الآونة الأخيرة الطريقة التي ننظر بها إلى تاريخ أجدادنا.
بطبيعة الحال، التاريخ البشري الحديث أكثر بكثير من مجرد شجرة بسيطة ذات خطوط مستقيمة يمكن إعادة بنائها وراثيًا، فربما لا نملك أصلًا واحدًا يمكننا أن نأمل في إعادة بنائه.

المصدر: cnn

dailymail

بداية المشروطية الإيرانية وانتصارها

بداية المشروطية الإيرانية

ظهور المشروطية

المشروطية هي حركة المطالبة بالدستور، والتي ظهرت في تركيا وإيران. وسميت بهذا الاسم لأنها تفرض شروط على الملك ليلتزم بها أثناء الحكم، وهي مستمدة من فكرة العقد الاجتماعي التي ظهرت في عصر الثورة الفرنسية. ظهرت حركة المشروطية اولاً في تركيا بحكم موقعها الجغرافي القريب من أوروبا حيث دخلت الاختراعات والأفكار الأوروبية إلى تركيا في وقت مبكر وسببت صراع شديد بين المنفتحين على التطور والمحافظين. ومن ثم في إيران تحت اسم المشروطية الإيرانية. في منتصف القرن التاسع عشر، دخلت الاختراعات والأفكار الأوروبية إلى إيران، وخصوصاً في عصر الشاه ناصر الدين الذي كان مولعاً بالاختراعات الأوروبية حيث سافر بنفسه إلى أوروبا ثلاث مرات، ولكن كان متخوفاً بشكل دائم من دخول الأفكار التحررية الأوروبية الى إيران وأن يطالب الشعب بالدستور والقانون!

مما ساعد على تقوية حركة المشروطية الإيرانية هو قتل الشاه ناصر الدين، حيث تبوأ مكانه ابنه مظفر الدين الذي كان على عكس أبيه متهافت الشخصية، وكان مثل والده محباً للسفر إلى أوروبا. إلا أن الخزينة في عصره كانت فارغة فلجأ الى الإقتراض من روسيا، كان من شروط هذا الاقتراض منح الروس امتيازات وإحتكارات خاصة، مما زاد من نفوذ الروس في إيران، ولكن هذا سبب غضباً شديداً عند تجار البازار، حيث أضر ذلك أضر بأعمالهم، وكان لتجار البازار تأثير شديد على رجال الدين، فإذا وقعت لهم مشكله وقف رجال الدين معهم واصدروا لهم الفتاوى المناسبة.

ومما زاد الطين بلة أن مظفر الدين عهد بأدارة الأمور إلى صهره الأمير عين الدولة، الذين كان مكروهاً من الشعب الإيراني، بالإضافة إلى كل هذا فكان يوجد صراع شديد على النفوذ في إيران بين الروس والإنكليز حيث ساند الإنكليز الحركة المشروطية لإضعاف النفوذ الروسي في إيران.

انطلاق الحركة

انطلقت حركة المشروطية من حادث حصل في البازار، وهو أن بعض التجار كانوا قد خالفوا بعض أوامر الحكومة، فتمت معاقبتهم، وبعد ذلك انطلقت احتجاجات ضخمة، وكان من عادات الإيرانيين الإلتجاء لمرقد أو جامع والاعتصام فيه وكان يسمى “البست”، فذهبوا لبلدة شاه عبد العظيم واعتصموا في المرقد.

أخذ عدد المعتصمين يزداد يوم بعد يوم مما أجبر الشاه على إرسال مبعوثين الارتضاء المعتصمين ونجح في ذلك مقابل استجابة مطالب المعتصمين وأرسل عربات خاصة لإجلاء المعتصمين.
يبدو أن الشاه فشل في تنفيذ مطالب المعتصمين ومما زاد الأمر سوءاً إصابته بالشلل، فانتهز الفرصه صهره عين الدولة وأمر باعتقال أحد علماء الدين الذين شاركوا باعتصام بلدة شاه عبد العظيم، فحاول الناس تخليصه من الاعتقال مما أشعل مواجهة بينهم وبين الجنود، وأدى ذلك إلى موت أحد المشاركين فسبب ذلك حالة غضب شديدة بين الناس، وبدأت احتجاجات كبيرة لكن هذه المرة لجأ الكثير من المعتصمين إلى السفارة البريطانية وكانت مطالبهم هو إنشاء دار للعدالة او كما يسمونها “عدالة خان”، واستمر الاعتصام في السفارة البريطانية وتقرب موظفوا السفارة من المعتصمين ووفروا لهم ما يحتاجون ودعوهم لزيادة مطالبهم لتشمل الحرية والمساواة والشورى.
نجحت هذه الاحتجاجات واضطر الشاه للرضوخ لإرادة الشعب فعزل عين الدولة وأمر بإجراء انتخابات لتأسيس مجلس شورى يقوم بصياغة الدستور والذي سمي “المجلس الشوري الملي”، اُفتتح المجلس الشوري الملي في طهران في ٧ تشرين الأول من عام ١٩٠٦.

المصدر: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق ، علي الوردي، صفحة 133-157

مواضيع ذات صلة: السلطان عبد الحميد والمشروطية الأولى

Exit mobile version