رودريجو المحارب مرتزق أم بطل قومي؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

عرف القائد والمحارب «رودريجو دياز» دي فيفار بمهارته العسكرية المتميزة، والتي ورثها من والده المحارب. حيث ورث منه النبل، ولكنه عرف بكونه ارستقراطيًا بسبب عائلة والدته. نشأ السيّد رودريجو في بلاطٍ ملكي مما أورثه حب السلطة والمال. وتنقل في خدمة حكام قشتالة وليون ومن ثم حكام المسلمين، فلم يقف أمامه أي عائق في حملاته العسكرية، حتى وصل به الأمر لأن يستقل بذاته حتى وفاته.

اشتهر المحارب و السيّد رودريجو بعد وفاته وكتبت فيه الأشعار وبالغوا في وصفه كلقبه العربي “السيّد”. كما ألفت مسرحية تحكي عن بطولاته وشخصيته القوية. أصبح المحارب رودريجو بطلًا شعبيًّا لإسبانيا، وتحول تاريخه من مرتزق يسعى لخدمة من يدفع أكثر إلى المحارب و البطل الشعبي المساند للقضية المسيحية.

بدايات المحارب رودريجو العسكرية

نشأ رودريجو في بلاط الأمير «سانشو الثاني»، حيث تعلم الفروسية وأساليب القتال، كما تلقى التعاليم الدينية للكتاب المقدس، إضافة إلى اللغة العربية. وبعد أن أصبح سانشو ملكًا على قشتالة عام 1065م، أصبح رودريجو قائدًا عسكريًّا للقوات الملكية.  وبالتالي مسؤولًا عن تدريب وتجهيز جنود الملك. وبقي في خدمة سانشو حتى اغتيل هذا الأخير أثناء حصار زامورا بعد عدة صراعات مع شقيقه «ألفونسو ليون». لم يكن لسانشو ورثة، لذلك لم يكن هناك من يمنع ألفونسو من وراثة الحكم.

ذكر بعض المؤرخين أن رودريجو لم يكن مؤيدًّا لحملات سانشو ضد أخيه ألفونسو، ولكن لم يكن هناك ما يؤكد صحة ذلك. خاصة أن رودريجو كان ذو دور فعال في حملات سانشو تلك الموجهة ضد ألفونسو. وبعد أن مات سانشو انتقل رودريجو إلى خدمة ألفونسو السادس. وبالرغم من تقربه من البلاط الملكي، إلا أنه تراجع في رتبته العسكرية. وكان من أبرز الأحداث التي خاضها رودريجو في فترة خدمته لألفونسو، هي معركته ضد نافرارا في عام 1076م، وكان لذلك الانتصار الفضل في ضم العديد من المقاطعات إلى قشتالة.

ولكن لم تكن مهمة رودريجو الوحيدة هي القتال، بل كان جمع الأموال من ضرائب وجزية هي إحدى أبرز مهامه. وقد تورط في إحدى المرات التي ذهب فيها لجمع الجزية في معركة صغيرة استمرت ثلاث ساعات بين إشبيلية وغرناطة. أطلق على تلك المعركة «معركة قبرة» والتي اتحد فيها رودريجو مع المعتمد بن عباد أحد ملوك الطوائف، والتي انتصر فيها وحصل على الغنائم الوافرة. ولكنه اضطر أن يقبض على أحد أفراد عائلة سانشو الرابع، وتفاخر بأسره بل وأخذ الفدية من أهله. مما أدى إلى استنكار المحيطين به لفعلته.

قاد رودريجو حملة عسكرية إلى مملكة طليطلة، ولم يكن ألفونسو على علمٍ بذلك الانتقام، فكانت تلك بداية النهاية لرودريجو مع ألفونسو. في عام 1081م قام ألفونسو بعد ذلك بنفي رودريجو، ليرضي حاكم طليطلة القادر لكونه حليفًا له.

رودريجو وعلاقته بالحكام المسلمين

اضطر رودريجو إلى البحث عن حليفٍ قوي، فكان المعتمد هو ذاك الحليف. وكان لسمعة رودريجو أثر واضح في ترحيب ملوك الطوائف به والاستعانة بخبراته. فقد كانت سمعته تلمع في ساحات المعارك، وهو الذي عرف بأنه لم يخسر معركة قط. كما كان على علمٍ بالثقافة الإسلامية واللغة العربية، فأعانه ذلك على الوصول إلى الحكام المسلمين.

 لم يلبث رودريجو وقتًا طويلًا مع المعتمد حتى مات وانقسمت مملكته بين أبناءه، فتحالف رودريجو مع ابنه المأمون. وأصبح قائدًا عسكريًا للجنود المسلمين والمسيحيين الذين أحضرهم معه. وكما تحالف المأمون مع رودريجو، تحالف أخوه مع بعض القادة المسيحيين، وكانت بين الإخوة حروب على السلطة ساعد فيها رودريجو المأمون على الحفاظ على حكمه.

توالت انتصارات رودريجو في كنف المأمون، حيث ساعده على تدمير أراغون والاستيلاء على ثرواتها. ومن أشهر انتصاراته تلك التي فاز فيها على ملك أراغون «سانشو» عام 1084م. وقد كان سانشو متحدًا مع أخ المأمون في تلك المرحلة. نتيجة لذلك، حظي رودريجو بمكافآت ثمينة من الحكام المسلمين التابع لهم.

دور السيّد رودريجو في فترة حكم المرابطين

 في عام 1086م ظهر المرابطون في ساحات الأندلس، قادمين لتصحيح وضع ملوك الطوائف على يد القائد العسكري يوسف بن تاشفين. وكانت من ضمن معاركهم تلك التي كانت ضد ألفونسو السادس؛ معركة الزلاقة التي فاز فيها جيش المرابطين. واضطر ألفونسو حينها لاستدعاء القائد العسكري رودريجو. فلم تكن مهمته الأساسية هي الحرب تلك المرة، بل كان تركيزه هو الحفاظ على استقرار فالنسيا، التي ثار شعبها في تلك الفترة ضد ألفونسو. وبعد أن تم الصلح بينهم عاد رودريجو أدراجه، فحكمته أملت عليه أن ينسحب من معارك المرابطين الذين أتوا من الصحراء بحماسة دينية، لاستعادة التحكم والسيطرة على أراضي الأندلس.

وفي عام 1089م عاد المرابطون مرة أخرى إلى الأندلس. ولكن رودريجو لم يستطع اللحاق بهم وقطع الطريق عليهم فاتهم بالخيانة، ولم تفلح أعذاره في الشفاعة له. لذلك استقل بنفسه، وقام بجمع الجزية من العديد من ملوك الطوائف. وواجه الحايب بن المعتمد الذي واجهه سابقًا تحت لواء أخيه المأمون.

كان رودريجو يحصّل الجزية من حاكمها القادر، حتى خلعه أهلها بمساعدة المرابطين. فاستشاط رودريجو غضبًا وواجه حاكمها الجديد، وسيطر على فالنسيا لحسابه، وفرض سيطرته عليها عام 1094م، جاعلاً منها أرضه. وحظي كذلك بولاء شعبها له طوعًا أو كرهًا. وواجه في تلك الفترة المرابطين مراتٍ عدة، وكان ينجح في النهاية في الحفاظ على أرضه. ورغم ذلك تعرض في إحدى المعارك لجراح حرجة، حاول فيها طلب الهدنة ليستعيد قوته.

معركة كوارتي

أرسل يوسف بن تاشفين جيشًا ليستعيد فالنسيا، وحاصر فيها المدينة لعشرة أيام، حتى قرر رودريجو أخيرًا المواجهة. واستخدم رودريجو تكتيكًا خطيرًا، حيث قسم جيشه إلى قسمين؛ أحدهم يواجه جيش المرابطين، والآخر يغير على معسكرهم. ونجحت الخطة،  وهزم جيش المرابطين. ليس ذلك وحسب، بل حصل على الغنائم الوافرة والكنوز نتيجة انتصاره. وكانت تلك المعركة خسارة كبيرة للمرابطين، فقد استطاع رودريجو حينها تهدئة تقدم المرابطين في أراضي الأندلس.؟ رودريجو ضد المرابطين. فأرسل ابنه دييغو في حملة ضدهم، ولكنها أسفرت عن هزيمة لجيش رودريجو وألفونسو كذلك.

كان من توابع تلك المعركة أنه في إحدى الحملات التي أرسلها رودريجو ضد المرابطين، أرسل ابنه دييغو. ولكن أسفرت تلك الحملة عن هزيمة لجيش رودريجو وألفونسو. كما أسفرت عن مقتل ابنه الوحيد دييغو في عام 1097 م، مما أصاب رودريجو بالحسرة والحزن الشديد على فقيده. ولكن ذلك لم يمنع رودريغو من مواصلة حملاته ضد المرابطين، وكان أشهرها تلك التي كانت في عام 1098 م، والتي استسلم فيها المرابطين، بعد أن حاولوا طلب الدعم من حكام إسبانيا والذين خشوا مواجهة رودريجو.

 

كيف انتهت حياة السيد رودريجو؟

توفي رودريجو في عام 1099م، كان لمقتل ابنه تأثير كبير على نفسه. وبعد وفاته بوقت قصير عاد المرابطون مرة أخرى للسيطرة على فالنسيا. فدافع ألفونسو السادس بنفسه عنها ولكنه لم يفلح. وتم نقل جثة رودريجو إلى قشتالة وأعيد دفنها في دير سان بيدرو دي كاردينا، وسقطت  فالنسيا تحت حكم المرابطين.

غالى الناس في تعظيم رودريجو بعد وفاته، فرفعوه لمنزلة السيد النبيل. حتى ألفت فيه الأشعار كقصيدة السيد El cantar de mío” “Cid. وألفت كذلك مسرحية تحكي عن بطولاته، وكيف كان بطلًا يهابه الجميع. وتحول رودريجو من مرتزق سعى إلى جمع المال وفق كثير من الروايات إلى بطل أسطوري لإسبانيا.

المصادر:

1- Rodrigo Diaz de Vivar – Warfare History Network

2- El Cid – Conquest of Valencia | Britannica

رحلة طارق بن زياد: بين الحقائق والخرافات

هذه المقالة هي الجزء 3 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

تخيل أن يتم الاستيلاء على مساحة تزيد عن ال 87 ألف كيلومتر، بواسطة 7 آلاف رجل، أيعقل؟ هذا ما حدث في دخول العرب شبه الجزيرة الأيبيرية على يد طارق بن زياد، القائد الأمازيغي المحنك، بتوجيهٍ من موسى بن النصير. ولكن كيف كيف استطاع طارق مواجه القوط في الأندلس؟ وكيف مهد للمسلمين العيش فيها، بل ويحكمها المسلمون ثمانية قرون؟ وقبل كل شيء من هو طارق بن زياد؟

من هو طارق بن زياد؟

رغم بساطة السؤال فإن نشأة طارق بن زياد وشخصيته قبل دخوله الأندلس يملأها الغموض. فقد قدم المؤرخون العرب معلومات متناقضة عن نشأته وأصله، بين أصله العربي إلى الأمازيغي البربري. ولكن ما رجحته المصادر التاريخية أن أصله أمازيغي، عاش في أحضان طبيعة المغرب. حتى أتى موسى بن النصير وولاه على طنجة، نظرًا لما رآه في طارق من حكمة وبسالة ومعرفة بطباع أهلها. قيل كذلك في علاقة طارق بن زياد وموسى بن النصير العديد من الأقاويل، فبين صلح وحقد كُتبت الروايات. وكتب المؤرخ البلاذيري في علاقة طارق بموسى، أن موسى كتب لطارق رسائل شديدة اللهجة، وحدث بينهما خلافات عدة. ولكن فيما بعد تم تسوية تلك الخلافات. ويعتقد أنها كانت بسبب الغيرة من نجاح طارق في ضم الأندلس. [1]

كيف واجه طارق بن زياد القوط في الأندلس؟

كانت الأندلس تحت حكم القوط المسيحيين في بداية القرن الثامن الميلادي. حيث كانت تعاني في ذلك الوقت من التفكك والحروب الأهلية. عانت الأقلية اليهودية في تلك الفترة من الاضطهاد، كما جعل القوط منهم عبيدًا لهم، بعد أن سلبوا ممتلكاتهم. كان هذا نتيجة لمرسوم صدر في عام 694 م، وصف اليهود بالخونة ويجب معاقبتهم من قبل القوط الكاثوليكيين.

وبسبب النزاعات التي حدثت في الأندلس على الحكم، شجع جوليان، أحد نبلاء الأندلس، طارق بن زياد للتقدم نحو البلاد. وقرر نبلاء الأندلس الانتقام من لذريق “رودريك” وطلب الدعم من طارق في إحدى رحلاته التجارية في أفريقيا لرد اعتبارهم. وقد ذكر أن لذريق ملك هسبانيا في ذلك الوقت، قد اغتصب ابنة جوليان الشابة. واستولى كذلك على ممتلكات بعض نبلاء الأندلس. لذلك دعوا طارق لدخول الأندلس، حيث أخبروه بضعف حال قادتها، ووعدوا بأن تكون الأندلس مدخلًا لأوروبا. فبعث طارق لقائده موسى بن النصير يبحث معه في ذلك الأمر.

في عام 711 م نزل طارق في منطقة على سواحل جنوب إسبانيا، والتي سميت بعد ذلك باسمه. فكان ذهاب طارق إلى الأندلس بتوجيهٍ من قائده موسى بن النصير. وكانت تلك الحادثة مختلفة من نوعها، فلم يعتد المسلمين على التوسعات التي تضطرهم إلى السفر بحرًا. لذلك اختار موسى بن النصير طارق بن زياد لما امتاز به من حكمة ودهاء، وقدرة على قيادة جيشٍ في مهمة كتلك. وكان الأمر في البداية يسير، عبارة عن استكشاف، قبل أن يقوم طارق بأي حركة تشي بنواياه في ضم الأندلس لبلاد المسلمين. [1،2]

معركة وادي لكة

قبل المعركة نزل طارق بن زياد في منطقة الجزيرة الخضراء، حيث اتخذ منها معسكرًا له ولجنوده. وقام في البداية بالاستكشاف، ومن ثم نشر الشائعات في صفوف أعدائه عن بسالة جيشه. وكانت لديه استراتيجية قوية في إرهاب العدو وزعزعة صفوفه، ليربح جولة قبل بداية المعركة.

بداية المعركة

اختلفت المصادر عن عدد الجنود الذين كانوا مع طارق بن زياد، فمنهم من قال بأن عددهم كان 7 آلاف جندي فقط، والبعض الآخر رجح كونهم 12 ألف جندي. ولكن قيل كذلك بأن طارق سافر ومعه 7 آلاف جندي بالفعل، وبعد أن درس ساحة المعركة طلب الدعم من موسى بن نصير، فأرسل له 5 آلاف جندي بعد ذلك. كان جيش القوط مكون من 100 ألف جندي، بقيادة الملك لذريق. ورغم أن عدد جنود جيش القوط يفوق عدد جيش طارق، إلا أن جيش القوطيين كان معظمهم يدينون بالولاء لأبناء الحاكم غيطشة القوطي. وقد عزل لذريق أبناء غيطشة بوحشية، مما أدى إلى حنق الجنود على لذريق، والتخاذل بعض الشيء عن حمايته.

استهان لذريق بأعداد جنود خصمه، مما أدى إلى موته في النهر هربًا، وقتل العديد من القيادات والجنود إثر تلك المعركة. أدى ذلك إلى زيادة زعزعة الاستقرار في الأندلس، ليزداد الاضطراب الحادث نتيجة النزاع على الحكم، والضغط على الأقليات. فساعد ذلك طارق بن زياد على أن يُخضع قرطبة للاستسلام بدون حرب، بعد أن دخلها ومعه 700 فارس يبدوا عليهم القوة والشجاعة. وبعد أن قتل لذريق، تزوجت أرملته إيجيلونا من ابن موسى بن النصير عبدالعزيز، والذي قيل أن زوجته فرقته عن قومه وأثارت في عقله المؤامرات. فتم قتل عبد العزيز بن النصير نتيجة لانشقاقه عن الخليفة الأموي.

ما بعد المعركة

ولم تنتهي المعارك بمقتل لذريق، بل واجه طارق بن زياد معركة شرسة في طريقه لضم طليطلة وانتصر فيها كذلك. وبذلك استسلمت طليطلة دون قتال لطارق والذي توالت انتصاراته دون حربٍ، بعد دهائه في نشر الخوف من جيشه، خاصة بعد مقتل لذريق. وذكر المؤرخ الكردي الأثير الجزري بأن طليطلة كانت خالية من الناس عندما وصلها طارق بن زياد. وقيل كذلك أن اليهود هم من فتحوا أبوابها، وفي رواية أخرى أن طارق حاصرها. ولكن ما لا شك فيه هو أنه ضمها تحت رايته دون أن يحارب جيشها. لا ينكر التاريخ الإسلامي ولا الغربي بسالة ودهاء طارق بن زياد، ولكن مع الأسف فإن حكايته يسردها المتطرفين بمغالطات لتتماشى مع أغراضهم. كتجاهل المتطرفين كون طارق تحالف مع اليهود مثلًا لمواجهة جيوش لذريق. [3]

كيف انتهت حياة طارق بن زياد؟

وكما كانت نشأته مليئة بالغموض، فإن على وفاته العديد من علامات الاستفهام. وكان لكل مؤرخ رواية لنهاية طارق بن زياد. فقيل أن الخليفة استدعى كلٌّ من موسى وطارق، واتهموا بالاختلاس والجور في الأندلس، وعاشا حياتهما المتبقية فقراء في صمت. وقيل أنهما بعد أن عادا من الأندلس قررا أن يحيوا في زهد ما تبقى لهم من عمر. وفي رواية أخرى، أن موسى وطارق في طريق عودتهم للخليفة الوليد بن عبدالملك سمعوا بمرضه، فحاولوا التعجيل بالعودة حتى يتسنى للوليد بأن يرى ثمار انتصاره في الأندلس. ولكن سليمان بن عبد الملك كان حانقًا من ذلك، فطلب منهما أن يتأخرا في العودة حتى يلفظ الوليد أنفاسه الأخيرة. وقيل أنه طلب منهما أن يؤديا قسم الولاء له. وليحظى هو بغنائم ذلك الانتصار العظيم، ولكن رفض موسى وطارق تنفيذ طلبه ولاءً للوليد. فجردهما من مسؤولياتهما وتركهم يحيوا ما بقى من حياتهما في فقر. [2][3]

المصادر
1- Tariq ibn Ziyad – English Wiki Viewer
2- Ṭāriq ibn Ziyād | Muslim general | Britannica
3- 126.pdf (asu.edu)

من هو يوسف بن تاشفين وكيف استعاد الأندلس في الوقت المناسب؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

مر على التاريخ الإسلامي العديد من الشخصيات البارزة والهامة، والتي أثرت في مستقبل العالم الحاضر. كان من أبرز الشخصيات الإسلامية التي لمعت في زمن الحكم العباسي لمعظم الأراض الإسلامية هي شخصية القائد العسكري، والحاكم لجماعة المرابطين يوسف بن تاشفين. كان ليوسف تأثيرًا ملحوظًا على المرابطين، حيث ساهم في توسع رقعة الحكم التابعة لهم. كما أنه وطد العلاقات مع الدولة العباسية. فقد كانت دولة المرابطين دولة إسلامية مستقلة بذاتها، بعيدًا عن الخليفة العباسي، إلا أن يوسف قدّم الولاء للدولة العباسية حتى يأمن جيشها. وضمن بذلك احتفاظه باستقلالية دولته، وتوسيعها إلى أكبر حدٍ، بعدما كانت منطقة صغيرة في المغرب. [1]

جوانب من شخصية يوسف بن تاشفين

كان يوسف بن تاشفين شخصية ورعة متدينة، وحاكم مؤثر في رعيته بالتقوى، وكما عرفت عنه التقوى عرفت عنه القوة. يُنظر إلى يوسف بن تاشفين على أنه شديد البأس في المعارك. وحصل ابن تاشفين على الحكم بعد أن أثبت جدارته في تولي أعباءه، بدلًا عن ابن عمه أبو بكر بن عمر. فقد ذهب أبو بكر في رحلة لإخماد تعصبٍ قبلي حدث في جنوب البلاد، وعند عودته وجد المرابطين قد اجتمعوا تحت راية يوسف. حتى أنه يذكر أن زوجة أبو بكر تركته وذهبت لتتزوج من يوسف بن تاشفين، والذي كان ذو نفوذٍ وشعبية لا تقدّر. [1]

وكان من أشهر ما كتب عنه، هي حكايته مع ملوك الطوائف، الذين تفككوا وتشتتوا. حتى أن الأندلس التي كانت تحت حكمهم، كادت تسقط في أيدي الجيوش المسيحية. فبعد أن تشاوروا فيما بينهم وجدوا أن يوسف هو الشخص القادر على صد العدوان المسيحي، وتوحيد صفوفهم من جديد. حيث نجح بن تاشفين في الأولى، إلا أنه فشل في الثانية، لذلك ذهب ليستشير رجال الدين في ضمّه الأندلس تحت حكمه، ومحاربته لملوك الطوائف. وعاد ليعزل ملوك الطوائف المتخاذلين، وضم الأندلس تحت حكمه، كما استعاد بعض الأراضي التي سلبت من المسلمين. فهزم جيش ألفونسو السادس، والذي كان جيشًا لا يقهر في تللك الفترة في الأندلس. [2]

قيل عن يوسف بن تاشفين أنه عدَل بين رعاياه، وخفض الضرائب التي كان ملوك الطوائف يطلبونها منهم لدفع المال للجيوش المسيحية جزية وليدافعوا عنهم ضد بعضهم البعض. حتى أنه لقب بأمير المسلمين، وكان هذا اللقب مميزًا وحصريًا ليوسف. وكان محافظًا على وعوده، حتى جاء أحفاده من بعده ورفعوا الضرائب مرة لأخرى لأسباب شبيهة بأسباب ملوك الطوائف. وفي قوته وشجاعته، فاقت إنجازاته إنجازات أي مثيلٍ له في زمانه، إلا أن ورثته كذلك لم يحصلوا على ذلك القدر من الشجاعة ليواصلوا أمجاد جدهم. [2]

كيف حكم يوسف بن تاشفين المغرب؟

بعد أن ترك أبو بكر حاكم المرابطين السابق ليوسف الحكم، توسع يوسف في المغرب حتى قيل أنه وصل إلى حدود غانا. أصبحت الصحراء الغربية تحت بسطة حكمه في عام 1062م، وفي ذات العام ضم موريتانيا إلى حكم المرابطين. وبعد ذلك اتخذ من مراكش عاصمة لدولته، وعزز حكمه في المغرب. ثم دخل الجزائر عام 1080م، وامتد فيها حتى شرق وهران. اعترف بحكم الدولة العباسية حتى يأمن الحرب مع دولتهم، واستقل بحكمه للمغرب حتى أنه أصبح كخليفةٍ هناك. [1,2]

وفي عام 1090م دخل يوسف بن تاشفين الأندلس، ولكن أبقى على مراكش عاصمة لدولته. وواصل حكم الأندلس من مراكش. ونقل الكتبة من الأندلس إلى المغرب، حتى يقوي من مقر حكمه في مراكش. وظلت المغرب تحت حكم المرابطين طيلة حياة يوسف بن تاشفين، حتى توفي عن عمر يناهز 100 عام. وبعد ذلك بدأت دولة المرابطين في السقوط، بعد أن رحل عنها يوسف الحكيم، وحلت محلها دولة الموحدين. [1]

دور يوسف بن تاشفين في الأندلس

دخول يوسف بن تاشفين الأندلس للمرة الأولى

عندما دخل يوسف الأندلس في البداية، كان بدعوة من بعض ملوك الطوائف، الذين عجزوا عن توحيد صفوفهم والتصدي للدولة المسيحية. أرسلوا إلى يوسف دعوة لمساندتهم، ولبى يوسف نداءهم في عام 1086م. ودخل ابن تاشفين الأندلس ومعه 15000 رجل، كان منهم 6000 فارسٍ من السنغال لمواجهة جيش ألفونسو السادس الحاكم القشتالي. ارتاد الفرسان خيول عربية أصيلة، واستعان يوسف كذلك بالإبل في معركته تلك. ورغم أن عدد الجيوش المسيحية مجمعة يفوق عدد جيوش المرابطين، إلا أن الفوز كان من نصيب يوسف وجيشه. وعاد يوسف بعد ذلك إلى المغرب، ولكن بعد أن فشل ملوك الطوائف في لم شملهم تحت رايته، فعزم يوسف على العودة ولكن ليس لمحاولة إصلاحهم كأول مرة. [2]

دخول يوسف بن تاشفين الأندلس لضمّها

في عام 1090م عاد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس عازمًا على ضمها تحت حكمه ورعايته، مما رآه من إهمالٍ عانت منه الأندلس بسبب ملوك الطوائف. بدأ يوسف بضم ولايات الأندلس واحدة تلو الأخرى، واستطاع كذلك في عام 1100م أن يضم فالينسيا، والتي قد كانت الدولة المسيحية قد استعادتها من ملوك الطوائف، ولكنه لم يستطع استعادة سرقسطة. وأنشأ يوسف أسطولًا بحريًّا، وقام بتوزيع الجنود والفرسان في أرجاء الأندلس ليتمكن من الحفاظ عليها. كما أنه اعتاد على استخدام الطبول في معاركه كنوعٍ من الألاعيب النفسية التي يمارسها ضد أعداءه. وظل يوسف بن تاشفين صامدًا صادقًا في ما وعد به أهل الأندلس، من تخفيض الضرائب وحفظ كرامتهم، وعدم دفعه المال للملوك المسيحين ليدافعوا عن المسلمين. ولكنه لم يستطع أن يجعل ورثته وأحفاده أن يسيروا على خطاه، فانغمسوا كسابقيهم في الترف، ونسوا ما وعد به جدهم في بادئ الأمر. وهذا هو الحال في التاريخ، ودائمًا ما تتبدل الأدوار. [1,2]

المصادر:

1-Yūsuf ibn Tāshufīn | Almoravid ruler | Britannica
2-Yusuf ibn Tashfin – New World Encyclopedia

المورسكيون في الأندلس رحلة المعاناة والبحث عن الاستقرار

هذه المقالة هي الجزء 11 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

بعد أن سقط الحكم الإسلامي في الأندلس قتل العديد من المسلمين. وهجّر الكثير منهم إلى دول شمال أفريقيا. وكان على المجموعة المتبقية منهم التعايش مع الدولة الجديدة، والبحث عن حقوقهم كمواطنين مسلمين تحت حكم مسيحي. ولكن الوضع لم يكن بتلك السهولة، فقد خافت الدولة المسيحية من أن تنقلب عليها تلك المجموعات وتعود شبه الجزيرة الإيبيرية إلى الأندلس الإسلامية. كان أحد الحلول التي لجأ إليها المسلمين، هي تبديل دينهم إلى المسيحية. وأصبح المورسكيون هم مجموعة المسلمين الذين تحولوا إلى المسيحية. قدّرت أعدادهم بـ 350,000 نسمة.

من هم المورسكيون؟

المورسكيون هم المسلمين الذين عاشوا في إسبانيا بعد أن سقطت الخلافة الإسلامية، وأجبروا على اعتناق المسيحية. كانت الأغلبية العظمى من المورسكيين في غرناطة، وقد اختلفوا عن المورسكيين الآخرين بأنهم يتحدثون العربية بطلاقة وكذلك يقومون بالشعائر الإسلامية علنًا. وكان أقلهم عددًا في مدينة قشتالة، لا يتحدثون العربية، ويمارسون شعائرهم الإسلامية سرًا.

استمر المورسكيون في ارتدائهم الزي الإسلامي رغم تحولهم للمسيحية. وكذلك استمر استخدامهم للغة العربية في كلامهم وكتابتهم. خاف السكان المسيحيين، من أن تعود فكرة الجهاد إلى أذهان المورسكيين، خاصةَ وأن علاقتهم مع أعدائهم الأتراك والجزائريين كانت وطيدة. ورغم تحولهم للمسيحية، إلا أنهم تعرضوا للتمييز، فظهرت محاكم للتفتيش لتتأكد من عدم ممارستهم للشعائر الإسلامية. كذلك كانوا يدفعون المزيد من الضرائب لا لشيء إلا لكونهم مسيحيين جدد.[1]

ما الفارق بين المورسكيين والمدجنين؟

رفض المورو المسلمون أن يبدلّوا دينهم إلى المسيحية، وحاولوا البقاء في شبه الجزيرة الإيبيرية لأسباب مختلفة. كانت من أشهر تلك الأسباب هي تمسكهم بأرضهم وتجارتهم، وكذلك جيرانهم من المسيحيين. وأطلق على من تمسّك بدينه لقب المدجنين. عاش معظم المدجنين في فالنسيا، وأثروا في الفن والعمارة الإسبانية بلمساتهم الإسلامية. طالب المدجنون بحقهم في ممارسة شعائرهم، ورفضهم للتعميد. و كانت الحكومة المسيحية في بادئ الأمر متسامحة مع ذلك. ولكن لم يدم التسامح طويلًا، حتى أصبح الإسلام محظورَا بشكلٍ قاطع بحلول عام 1526م.

استطاع المدجنون أن يحصلوا على حقوقهم لفترة وجيزة، ومن ثم ضيّق الخناق عليهم حتى استسلموا مدينة تلو الأخرى. استسلم المدجنون في مدينة أراغون عام 1118م، وفي فالنسيا عام 1238م، وكانت النهاية عندما استسلم المدجنون في غرناطة عام 1492م. وفي أواخر القرن الخامس عشر بدأت المعاداة العلنية للكتب الإسلامية وحرقها من قبل الحكومة المسيحية. تمرد مسلمو غرناطة عام 1502م لعدم حصولهم على حريتهم الدينية، وكان رد الحكومة المسيحية على مطالباتهم، إما التنصير أو التهجير.

قرر 200,000 مسلم أن يهاجروا إلى شمال أفريقيا، وكانوا يمثلون نصف سكان غرناطة حينها. وبعد أن أصبح الإسلام محظورًا، لجأ المدجنون إلى طريقة مختلفة لنشر وتداول تعاليمهم الإسلامية. فاستخدموا كتبًا باللغة الإسبانية، ولكن بأبجدية عربية، عرفت تلك الكتب باسم الجاميادوس.

كانت عمليات التنصير من أهم أهداف الدولة المسيحية، فبدأت سلميةً حتى تحولت للإكراه نتيجة للتعصب المتزايد ضد المسلمين وضعف قادتهم. كما بدل البعض دينه ظاهريًّا إلا أن البعض الآخر تعايش مع ديانته الجديدة بكل إخلاص وأصبحوا بذلك يطلق عليهم المورسكيون.[1]

المورسكيون في إسبانيا

أحرقت الحكومة المسيحية معظم الكتب الخاصة بالمسلمين في إسبانيا، وتركوا بعض الكتب الطبية. تزايدت الكراهية ضد المورسكيون وكانوا محط شكٍّ في مصداقيتهم، أما من رفضوا التحول فقد صدر ضدهم مرسوم بطردهم عام 1502م. تأثر مسلمو غرناطة بقرار الطرد، وبالرغم من قلة عدد المسلمين في قشتالة إلا أنهم طردوا كما طرد المسلمين في غرناطة.

تم تحديد وجهة خروجهم من البلاد، على شرط ألا يمروا عبر مملكتي أراغون وفالنسيا، خشية أن يندمجوا مع المسلمين هناك. كان ذلك الشرط نتيجة لأن قرار الطرد لم يطبق بعد على المسلمين في أراغون وفالنسيا. فاضطر المدجنون أن يتركوا أموالهم وذهبهم خلفهم، وكذلك أجبروا على ترك صغارهم لتربيهم الأسر المسيحية على دينهم الكاثوليكي الجديد.

لم يطبق قرار الطرد في أراغون وفالنسيا بالإضافة إلى مملكة نافار لأن المسلمين فيها كانوا العمود الفقري للقوى العاملة. كذلك كانوا مؤثرين في شتى المجالات، مما أدى إلى دعمهم من حكّام تلك الممالك، وتمتعوا بحريتهم الدينية. ولكن لم يدم الوضع للمسلمين هنالك طويلًا، فبحلول عام 1512م ضم حاكم قشتالة مملكة نافار إلى سلطته. وفي عام 1516م، أصدر حاكم قشتالة فرديناد مرسومًا ملكيًّا يطالب فيه المدجنين بتغيير دينهم للمسيحية.

أما ما حدث مع المسلمين في أراغون لم يكن نتيجة للحكام بقدر ما كان بسبب طبقة الفلاحين المسيحيين. فقد ثار العمال المسيحيين ضد العمالة المسلمة، لأنها كانت تشكل الأساس في تلك الأعمال، مما زاد من فقر العمالة المسيحية. وعلاوة على الفقر والبطالة، زاد الطاعون من سوء الأوضاع الإقتصادية. وكذلك هجمات بعض البربر على سواحل فالنسيا في عام 1520م، التي زادت من سخط المسيحيين ضد المسلمين كافّة.

زادت أعمال العنف والسرقات لمنازل وممتلكات الطبقة الأرستقراطية نتيجة للفوضى الناجمة عن الفقر والمرض المستفحلين بين الطبقة الكادحة. أدى ذلك إلى كثرة القتل والعنف ضد المسلمين، مما اضطر المدجنين إلى قبول التعميد هربًا من تلك المذابح. أصدر تشارلز الخامس مرسومًا بطرد أو تعميد من تبقى من المدجنين في عام 1525م، فتمردوا محاولين الحفاظ على حريتهم الدينية. وبعد الكثير من الشغب، قتل من قتل وعُمّد من نجى منهم تعميدًا جماعيًّا، وأصبح جميع من تبقى في إسبانيا مورسكيون. ونشأت محاكم التفتيش للتأكد من مسيحيتهم الجديدة، للحفاظ على الكاثوليكية في الممالك الإسبانية. [2]

المصادر:

1-Spain Then and Now
2-Britannica

الدولة الموحدة من توحيد الأندلس إلى نهاية الحكم الإسلامي

هذه المقالة هي الجزء 10 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

نشأت الدولة الموحدة كطائفة دينية مستقلة، وهي طائفة أمازيغية، حكمت شمال أفريقيا والأندلس في القرن 12 الميلادي. دخل الموحدون الأندلس عام 1145 م، كما دخلها أسلافهم من المرابطين ليتصدوا إلى التوسع المسيحي في أراضي الأندلس. استوجب ذلك أن يتصدى الموحدون للمرابطين، لتخذالهم ودفعهم الجزية للمسيحيين لمساعدتهم وحمايتهم، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

نشأة الدولة الموحدة

نشأت الدولة الموحدة على يدي ابن تومرت، والذي لقب نفسه بالمهدي. وقد اتخذ لقب المهدي للتأثير على مبايعة الأمراء له. وانتصرت الدولة الموحدة على المرابطين عام 1147م، واستولت على المغرب وشمال أفريقيا، وبدأوا بتولي حكم إسبانيا في 1172م. [1, 2]

كيف اختلفت الدولة الموحدة عن دولة المرابطين؟

كان ابن تومورت معاديًا للمرابطين، يراهم زنادقة انحرفوا عن الدين الصحيح. لذلك أمر نائبه بأن يبعث إليهم إما الطاعة واتباع مذهبهم، وإما القتال. توفي ابن تومرت عام 1130 م، وخلفه مؤمن الكومي التلميذ النجيب لابن تومرت، وهو من انتصر على المرابطين عام 1147 م. [1]

كانت الدولة الموحدة أكثر تعصبًّا من دولة المرابطين، ومن أغرب ما قاموا به هو إنكار توحيد الأسماء والصفات. كان مبررهم أن تلك الأسماء لا تتماشى مع الله، وأنها أسماء بشرية. كان ابن تومرت ضد المذهب المالكي الذي حكمت به دولة المرابطين، وكان يراه مذهبًا متساهلًا، لذلك عمل بمذهب ابن تيمية. لم تكن التعاليم الدينية الصارمة التي أتى بها ابن تومورت تتناسب مع أوضاع المسلمين في الأندلس. ظنّ الموحدون أن طباعهم ستسري على الأندلسيين، ولكن رخاء الأندلس هو ما أثّر على الموحدين، كما أثر على أسلافهم. [1, 2]

تفادى الموحدون خطأ المرابطين في إهمالهم الأندلس، وجعلها تابعة إلى حكم مراكش بعد أن كانت مستقلة في عهد عبد الرحمن الداخل. لذلك جعل الموحدون إشبيلية مركزًا للحكم بقدر مراكش، مما أعاد للأندلس مكانتها. كما طمأن اهتمام الموحدون بالأندلس الأندلسيين أنفسهم وشعروا بأنهم مستقلين لا تابعين.

لكن لم يكن اطمئنانهم ليكتمل، إذ كان الموحدون أكثر تشدّدًا من المرابطين في تعاملهم مع غير المسلمين. فقد أجبر الموحدون الكثيرين على تغيير دينهم في مقابل بقائهم. جراء ذلك، هاجر العديد من المسيحيين واليهود إلى الشمال المسيحي، أو أراضي إسلامية متسامحة. ومنهم من هُجّر قسرًا إلى المغرب. لم يكن غير المسلمين وحدهم من عانوا من تشدد الدولة الموحدة، وكذلك ليسوا وحدهم من هجّروا قسرًا. ولكن هجّر كذلك العديد من المسلمين المخالفين للدولة الموحدة وتشددها. [1, 3]

كيف واجهت الدولة الموحدة الدول المسيحية؟

عندما دُعي المحدون إلى الأندلس، كان ذلك بغرض صد العدوان المسيحي على الأراضي الإسلامية في الأندلس. واجه الموحدون الجيوش المسيحية بقوة لا مثيل لها، وكان أبرز ما دار بينهم هي معركة الأرك عام 1195م. دارت معركة الأرك بين الجيوش الإسلامية التي قسمت إلى فرق من الأندلسيين والعرب والبربر، في مواجهة ألفونسو الثامن ملك قشتالة. حدثت تلك المعركة بالقرب من قلعة الأرك. وكانت معركة الأرك مدوية بحق، وخلّفت خسائر فادحة لدى جيوش ألفونسو.

لم تكن الأمور تسري بشكل جيد ومسالم بين الممالك المسيحية الخمس: قشتالة، وليون، ونافارا، والبرتغال، وأراجون. بل كانت الحروب بينهم لا تنتهي على الأراضي في الأندلس، ووصل الحال إلى مساعدة بعض نبلاء المسيحيين الدولة الموحدة في معركة الأرك. أما عما حدث في أعقاب هزيمة مملكة قشتالة في معركة الأرك، فقد استغل ملوك ليون ونافارا ذلك، وأغاروا على بعض مدن قشتالة. [1, 3]

عقد ألفونسو الثامن هدنة مع الدولة الموحدة بعد ما حدث في معركة الأرك. حيث استغل ألفونسو الثامن تلك الهدنة لصالحه. قام ألفونسو الثامن بتقوية جيشه، وعقد الصلح والتحالف مع جيرانه من الممالك المسيحية، وكذلك طلب العون من جارتهم فرنسا. فقد تأكد ألفونسو أن مواجهة الموحدين لن تتم إلا إذا اتحد مع جيرانه. كذلك برز في تلك الفترة الطوائف المسيحية التي تدعو لحماية الدين المسيحي، وكان أشهر تلك الطوائف هم فرسان الهيكل.

ظهرت تلك الطوائف بسبب انتصار المسلمين في القدس، مما شجع عودة الحملات الصليبية للرد على المسلمين والحد من انتشارهم. وقام البابا سلستين الثالث بإطلاق دعوة لعودة الحملات الصليبية في عام 1197 م، وخلفه إنوسنت الثالث بتكرار الدعوة عام 1206 م. كانت تلك الدعاوي مصحوبة بتهديدات بالحرمان الكنسي في حالة الامتناع عن تلبيتها، لذلك اختلطت الصراعات السياسية بالفتن الدينية. [3]

معركة العقاب

حدثت معركة العقاب في عام 1212م، عندما استجابت فرنسا، وإيطاليا، وأراغون، ونافارا للنداء الباباوي بشكل رسمي في تلك الحملة. أما مملكة ليون والبرتغال فلم يشاركا بشكل رسمي، لما كانو عليه من خلاف مع مملكة قشتالة. ولكن شاركت رعايا مملكتي ليون والبرتغال تحت لواء الكنيسة، ضد الدولة الموحدة في إسبانيا. وتعاطف رئيس أساقفة طليطلة مع ألفونسو الثامن، فانتقل فرسان الهيكل إلى طليطلة لتقديم العون والدعم.

دارت معركة العقاب بالقرب من مدينة جيان في جنوب إسبانيا، وكانت هزيمة ساحقة للموحدين، وكذلك للتواجد العربي والإسلامي في إسبانيا. [3, 4]

انطلقت الحملة الصليبية جنوبًا، وبعد أن أحرزت تقدمًا ملحوظًا، تراجعت القوات الفرنسية نظرًا لسوء الأحوال الجوية وارتفاع درجات الحرارة. في تلك الأثناء، حاول محمد الناصر أن يقطع الطريق على القوات المسيحية ويوقف تقدمهم، ولكن غيرت الجيوش المسيحية طريقها.

وصلت الجيوش المسيحية إلى المعسكرات الإسلامية وقاموا بتدميرها، وتابع ألفونسو تقدمه وبدأ بالسيطرة على بعض القلاع والمدن الإسلامية. [3, 4]

ازدادت في تلك الفترة النزاعات بين الأسرة الحاكمة للدولة الموحدة، مما أدى إلى إضعاف الدولة سياسيًّا وعسكريًا. تلا ذلك تقدم القوات المسيحية واستيلائهم على قرطبة، مما رفع الروح المعنوية المسيحية وأعاد للجيوش عزيمتها في التقدم.

توحدت قشتالة وليون مرة أخرى على يد فرناندو الثالث، واستطاع بذلك السيطرة على قرطبة في عام 1236 م. وبحلول عام 1248 م حبطت عزيمة المسلمين بسقوط إشبيلية بعد قرطبة خلال عقد من الزمان. [1, 3]

تحولت إسبانيا في فترة قصيرة، ولم يعد التواجد الإسلامي فيها ملحوظًا. فتحول جامع قرطبة الكبير الذي اشتراه وطوره عبد الرحمن الداخل إلى كاتدرائية يقام فيها القداس. وأعيدت الأجراس التي أزالها المنصور عام 997 م في فترة حكم الدولة الأموية للأندلس.

مرّت الأندلس بمراحل حكم إسلامية عديدة، بداية من الدولة الأموية الأولى على يد طارق بن زياد في بداية القرن الثامن. ووصولًا إلى الدولة الموحدة والتي انتهت في منتصف القرن الثاني عشر. ما تبقى للمسلمين بعد معركة العقاب هي مدينة غرناطة بقيت تحت حكمهم 250 سنة. تعاقب العديد من الحكام المسلمين على حكم غرناطة، ولكن بشكلٍ عام قضت معركة العقاب والتحالف المسيحي على التواجد الإسلامي. [3]

المصادر:

  1. New World Encyclopedia 
  2. Spain then and now
  3. Britannica 
  4. Britannica 

كيف وصل العرب إسبانيا؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

عُرفت الجيوش الإسلامية بحبها للتوسع، على خلاف القوط الذين لم يهتموا إلا بالحفاظ على حدودهم دون أن تمسها دولة أخرى. إلا أن القوط لم يحاولوا قط أن تمتد حدود دولتهم، وكان ذلك لتذبذب دولتهم بين قتل حاكم إلى عزل الآخر. إضافة إلى الثورات الدموية التي زادت من توتر وضع المملكة القوطيّة في إسبانيا.[1] فكيف وصل العرب إسبانيا ؟

وصول المسلمين والعرب إسبانيا

انشغل القوط بالحروب الداخلية فيما بينهم، بدلًا من الدفاع عن حدودهم ضد التوسع الإسلامي. ولم يكن الشعب التابع لحكم القوط راضٍ عن حكمهم، لما تعرضوا له من عنصرية واضطهاد. مما أدى إلى استعانتهم بالمسلمين لمعاونتهم على إسقاط حاكمهم الظالم رودريك. وقد استجاب موسى بن النصير لطلبهم، وأرسل القائد الشاب طارق بن زياد إلى إسبانيا. وسميت المنطقة التي نزل فيها باسمه «جبل طارق- Gibraltar». [1]،[2]

التقى طارق بن زياد ومعه 7000 مقاتل، بالجيش القوطي المكون من 80,0000 مقاتل بالقرب من مدينة «شيرش – Jerez de la Frontera»، في واحدة من إحدى أعظم ملاحم التاريخ عام 711م. شهدت صفوف القوطيين العديد من الانقسامات والانشقاق عن الجيش للانضمام بصفوف جيش المسلمين. كان رودريك متكبرًا لدرجة أنه ذهب إلى المعركة برداءٍ من الحرير، حتى رأى تفكك جيوشه فانضم إلى المعركة. وسرعان ما هرب من الساحة ليواجه الموت غرقًا في النهر. وبذلك حسمت النتيجة لصالح المسلمين وأصبح للخلافة الإسلامية قدمًا في أوروبا تلتها بعد ذلك القسطنطينية. [1]،[3]

نزل موسى بن النصير بإسبانيا مع قوات جيشٍ من البربر لمحاصرة باقي المدن. وكان التقدم حليفًا لجيوش المسلمين، لما امتازوا به من تفوق تقني وهندسي. استعمل المسلمون في حصارهم على إشبيلية المنجنيق، وهو أحد أكثر الأسلحة تطورًا في تلك الفترة الزمنية. لذلك سقطت المدن الإسبانية واحدة تلو الأخرى، فسقطت سرقسطة، وبرشلونة، والبرتغال، وأخيرًا ليون الفرنسية عام 712م. [1]،[3]

في ذلك الوقت مرض الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك. مما أدى إلى استدعاء موسى بن النصير لتأدية القسم أمام الخليفة الجديد سليمان بن عبدالملك. حاول سليمان أن تكون الغنائم القادمة من إسبانيا له هو وليس أخيه، ولكن أبى موسى ذلك وقدمها للوليد قبل مماته. أدى ذلك إلى غضب سليمان من موسى بن النصير وتجريده من ولايته. [3]

كيف عاش المسلمون مع السكان الأصليين؟

تميز الحكم العربي والإسلامي في إسبانيا عن غيره، فقد كان العرب المسلمين محبين للعلم والفن في ذلك الوقت. فأحضروا معهم الفنون والعلوم والحضارة من الشرق إلى الأراضي الأوروبية. كانت الأراضي الأوروبية منهكة، عانت من استنزاف لثقافتها وفنونها من القوط وغيرهم. فازدهرت المدن الأسبانية بمزج الفنون والثقافات المختلفة. [1]

سيطر المسلمين على العديد من الأراضي داخل إسبانيا، وتقلص دور المسيحين وقد كانوا أغلبية في ذلك الوقت. كان للمسلمين وقتها معرفة كبيرة بالزراعة، فاستقدموا مزروعات جديدة على أراضي إيبيرية، إضافة إلى تقنيات حديثة في الرّي. أصبحت الأندلس صومعةً للمغرب، وازدهرت كذلك صناعة الحرير والديباج. [2]، [3]

بما أنّ شبه الجزيرة الإيبيرية أصبحت تحت راية الخلافة الإسلامية، فهناك العديد من المتغيرات حدثت هنالك. سنّ المسلمون قوانينهم وأبطلوا ما سبق، وأصبح غير المسلمين من السكان الأصليين يلقبون بالذميّين، وتمتعوا كذلك بالحماية الكاملة لهم ولممتلكاتهم. [2]

تقلصت الضرائب إلى الخمس، وألغيت العبودية عمّن أسلم، فأدى ذلك إلى إسلام الكثير هربًا من اضطهاد أسيادهم. وسمح بتواجد غير المسلمين داخل الحكومة المشكلة في ذلك الوقت. ازدهرت التجارة، وازدهر الاقتصاد تبعًا لذلك، وتبدّل حال المدن المهمشة فأصبحت مراكزًا ثقافية يأتي إليها العالم. [2]،[4]

ولكن أعطت القوانين الأفضلية للمسلمين على غيرهم. وكان من تلك القوانين أن يدفع الذمييون الجزية للحكومة الإسلامية، كما فرض الزّي الإسلامي. ولم يسمح لغير المسلمين بحمل الأسلحة، كما لا يحق لهم بناء الكنائس ولا المعابد إلا بعد موافقة الحكومة على ذلك. كانت تلك المعايير وقتها مقبولة على خلاف زماننا المعاصر. [2]،[4]

أصبحت اللغة الرسمية هي العربية واندثرت اللغة اللاتينية، سمح لليهود والمسيحيين بأن يعيشوا مع المسلمين وليس في أحياءٍ منفصلة. كما شاركوا في الحضارة الإسلامية، وشغلوا وظائف مرموقة كذلك، والأهم من ذلك أنهم لم يجبروا على ترك ديانتهم. [2]،[4]

فترات الحكم العربي والإسلامي

بعد سقوط الخلافة الأموية تحولت إسبانيا إلى إماراتٍ منفصلة. ثم دولة مستقلة عن الخلافة الإسلامية في عهد عبدالرحمن الداخل. ومنها إلى حكم الموحدين والمرابطين، حتى انتهاء حكمهم إلى الأبد في عام 1492م. عانت خلالها من فترات نزاعاتٍ وحروب داخلية، كما كانت مطمعًا للغزو الخارجي. ولكن ما لا ينكره أحد أن العرب المسلمين أثروا وتأثروا بالثقافة الأوروبية وخاصة الإسبانية. [3]،[4]

المصادر

1-DailyHistory
Heritage History2
3-History of Islam
4-BBC

عبد الرحمن الداخل من أميرٍ هارب إلى حاكم الأندلس

هذه المقالة هي الجزء 5 من 14 في سلسلة تاريخ مغامرة العرب في بلاد الأندلس

بعد أن انتصر بنو العباس في حرب الزاب عام 750م على الأمويين، أصبح أن تكون من بني أميّة سبب كافي لقتلك. قُتل من قُتل، وفرّ من فرّ، ولاحقت جيوش الدولة العباسيّة كل رجلٍ منهم لألا يطالب أيٌّ منهم بالحكم في يومٍ من الأيام. ورغم قوة الدولة العباسيّة، إلا أنّ عبد الرحمن بن معاوية الأموي “عبدالرحمن الداخل” كان له نصيب في النجاة من سيوفهم. ولم يكن هروبه ذلك إلا بداية لما هو في انتظاره من مجدٍ سيخلده التاريخ.[1]

نشأة عبد الرحمن الداخل

نشأ عبد الرحمن الأموي في كنف جده الخليفة هشام بن عبدالملك، أحد أقوى وأحكم الخلفاء في تاريخ بني أمية. كانت الدولة التي ولد فيها من أقوى الدول في تلك الفترة. وكان مقّدر لعبدالرحمن أن ينعم بالرخاء والثراء ما تبقى له من عمره. [1]

إلا أن التاريخ كان له كلمة أخرى. فقد تفجرت الثورات على الدولة الأموية، وكثرت النزاعات على الحكم داخل البلاط الأموي. وكان للعباسيين دورٌ في ذلك بالطبع، فزال الملك والمال وتبدل الحال. فرّ عبدالرحمن الأموي ومعه نساء وأطفال بني أمية إلى العراق بحثًا عن مكان آمن، ولكن لحقت بهم جيوش العباسيين.[1]
اضطر حينها عبدالرحمن أن يترك عائلته وصغيره سليمان خلفه عند نهر الفرات، وفر من الجيوش عن طريق نهر الفرات. كان أخو عبدالرحمن الأصغر معه في ذلك الوقت، ولكنّه خشي الغرق في النهر وعاد أدراجه فقتله العباسيون أمام أعينه.[1]

رحلة الأمير الهارب عبد الرحمن الداخل

رحل عبد الرحمن ومعه صديقه ومساعده بدر عن العراق باحثًا عن ملجأ آمن. انتقلا إلى فلسطين ومن ثم شمال أفريقيا. كان حاكم تونس في ذلك الوقت متمرد على الحكم العباسي، فجمع من تبقى من بني أمية ومنهم عبدالرحمن الداخل. ولكن خاف من أن ينقلبوا عليه، فقرر حينها التخلي عنهم.[1]

قرر عبد الرحمن بعد ذلك أن تكون وجهته إلى أهل والدته من البربر في شمال غرب أفريقيا، ليحتمي بهم بعض الوقت. لم تكن تلك هي الحياة التي تمنّاها عبدالرحمن، فبعث ببدر إلى إسبانيا، لينظر إن كانت قد تصلح أن تكون موطنًا.[1]

وصول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس

بعد أن تحرى عبد الرحمن الوضع السياسي في الأندلس، قرر أن يذهب إلى هناك، وكانت شبه الجزيرة الإيبيرية هي المكان الأمثل. لم تستطع جيوش الدولة العباسية أن تضم الأندلس إليها، وبذلك نزل عبد الرحمن بجبل طارق عام 755م.
خلال ذلك الوقت كان يوسف الفهري يحكم في مدينة ناربون جنوب فرنسا حاليًا، وكان عرب اليمن مؤيدين له. في حين أن عرب الشام كانوا من مؤيدي الصميل حاكم مدينة سرقسطة. ومن هنا نشأت الفرقة والتشتت في الأندلس التي استغلها عبدالرحمن بحكمة.

جمع عبد الرحمن الأموي مؤيديه ممن تبقوا من الدولة الأموية، وحشد جيشًا ليواجه يوسف الفهري. وبعد أن استولى عبدالرحمن على مدينتي ملقة وأشبيلية، زحف لمواجهة الفهري في قرطبة. خلال معركته مع الفهري أشيع بين جنوده أنه يركب جوادًا سريعًا للفرار به عند الخسارة. وكان من حنكته حينها أن قرر ترك ذلك الجواد ليطمئن جنوده.[1]،[2]

بعد أن انتصر جيش عبد الرحمن، استطاع الفهري أن يفر إلى طليلة محاولًا تشكيل جيش آخر، ولكن نفوذ عبد الرحمن في ذلك الوقت جعل أتباعه يضطرون إلى قتل الفهري سعيًا لإرضاء عبدالرحمن. وتم القبض على الصميل، وزج به في سجون قرطبة.[1]،[2]

أعلن عبد الرحمن الذي لقب في ذلك الوقت بعبد الرحمن الداخل مدينة قرطبة عاصمةً لإمارته. بانتشار تلك الأخبار أصبحت الأندلس هي وجهة مؤيدي الحكم الأموي، وكان من بينهم ابنه سليمان، الذي تركه خلفه في نهر الفرات. [1]،[3]

الثورات والنزاعات في عهد الأمير

رغم ابتعاد عبد الرحمن عن الخلافة العباسية، إلا أن الخليفة المنصور لم يستسغ كون الأندلس بعيدة عن سلطته. فأرسل جيشًا بقيادة العلاء لمحاصرة عبدالرحمن وجنوده، إلا أن الداخل كان له رأيًا آخر. توجه عبدالرحمن لمدينة قرمونة لملاقاة جيش العلاء، حيث حوصر لمدة شهرين من قبل العلاء. قرر حينها عبد الرحمن الخروج لمفاجأته، وتمكن رغم قلة عدد جيشه من أن ينتصر على الجيش العباسي. قام عبدالرحمن بقطع رؤوسهم وحفظها في صناديق من الملح، وأرسلها إلى الخليفة المنصور. كان لتلك الفعلة تأثيرها المدوي في قلب الخليفة المنصور، ليشكر الله أن البحر يفصل بينه وبين الأمير عبد الرحمن.[1]

انشغل عبد الرحمن الداخل بإخماد الثورات المتتالية والنزاعات بين المدن الإسلامية في الاندلس، عن الثأر من بنو العباس. وكان من بين تلك النزاعات، ما دار بينه وبين حاكمي سرقسطة وبرشلونة. في عام ٧٧٧م استعان حاكم سرقسطة بالملك شارلمان، ليآزره ضد قوات عبدالرحمن. ولكن عندما أدرك نوايا شارلمان في الاستيلاء على سرقسطة، أوصد أبوابه أمام شارلمان وجيشه. حاصر شارلمان حينها سرقسطة، طالت مدة الحصار حتى ملّ شارلمان وانسحب بجيشه عبر ممر رونسافليس.[1]

حينذاك نصب الباسكيون عام ٧٧٨م كمينًا لجيش شارلمان، وقتلو حارسه في مؤخرة الجيش. كانت رونسافليس الهزيمة الوحيدة في تاريخ شارلمان. استطاع عبدالرحمن أن يسيطر على سرقسطة شكليًا، عن طريق مساومة أحد كبار شخصياتها على قتل حاكمها، في مقابل تعيينه حاكمًا لها. وفي عام ٧٨٣م ضم عبدالرحمن سرقسطة لحكمه فعليًا، بعد أن استجمع قواه، ووحد بذلك الإمارات الإسلامية في إسبانيا تحت يده.[1]

دور عبد الرحمن في حضارة الأندلس

كان لعبد الرحمن دور كبير في تاريخ الأندلس، أقام دولةً بالعمران، دمج بين الفن القبطي والإسلامي فأخرج إبداعًا معماريًا. أنشأ شبكات للصرف الصحي والمياه في أرجاء الأندلس، وأسس جيشًا ليحمي أرضها، وكذلك مجلسًا للدولة، وأعاد تأهيل القضاء.[1]

توفي عبد الرحمن في عام ٧٨٨م، بعد أن أثبت قدرة الإنسان في تغيير مصيره بيده. انتقل الحكم بعد ذلك لابنه هشام، واستمرت الدولة الأموية الجديدة ثلاثة قرونٍ من الزمان. لتحكي للعالم عن قصة أميرٍ لاجئ ترك بصمةً له في صفحات التاريخ.[1]

المصادر

1- World History
2- Britannica
3- Britannica

فتح الأندلس ومعركة وادي لكة

فتح الأندلس ومعركة وادي لكة

معظم الناس لا يفهمون أهمية هذه المعركة، والتي كانت بين القوط الغربيين والمسلمين. فهي التي تسببت في حكم المسلمين لـ الأندلس (اسبانيا) منذ قرون طويلة، وقد أدى خطأ طفيف واحد من طموحاتٍ شخصية إلى معركة كبيرة مما تسبب في خلق مشكلة عظيمة للبلدان الأوروبية حينها.

لكن ماذا لو لم يتم ارتكاب ذلك الخطأ وظلت المملكة القوطية قائمة ولم يتم فتح الأندلس؟ وكيف غيرت تلك المعركة مسار تاريخ أوروبا بالكامل؟

كانت تلك الفترة في أوروبا غير مستقرة البتة ، وقد تسبب سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب بفراغٍ كبيرٍ، وتم إنشاء ممالك جديدة وقتها. وقد بنيت تلك الممالك على أساس ممالك أخرى سقطت في العصور الوسطى.

دارت معركة “وادي لكة” بين الخلافة الأموية والقوط الغربيين، والذين كانوا عبارة ألمان بماضٍ مثير؛ والذين قد تسببوا في بعض المشاكل للإمبراطورية الرومانية.

وقد انتقلوا في النهاية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية وقاموا بتأسيس مملكتهم الفريدة من نوعها في الأندلس. وقد تأسست مملكة القوط الغربيين عام 418م وانتهت بين عام 718 – 720م.

لكن كيف تغير كل شيء؟

كانت المملكة في حالة جيدة وكان كل شيء راسخًا، ونعمت السلطة المركزية بالاستقرار بشكلٍ كبير، لكن الأمور كانت تتغير طوال الوقت مما عقّد الأمور كثيرًا.

فقد تمت إدارة المملكة من قبل من الأشخاص ذوي سلطةٍ لا بأس بها عبر اسبانيا منهم الحاكم الأصغر والذي يدعى “ويتيسا”، وقد كان يحظى باحترامٍ كبير مع معلومية اكتسابه الكثير من الخبرة لما سبق له من الحكم مع والده.

وكانت الأندلس حينها في وقتٍ سلميّ دون أية حروب بالرغم من وجود هجمات عبر الحدود من بيزنطة والفرنسيين، مع بعض الصراعات الداخلية الطفيفة، لكن عدا ذلك كان كل شيء جيدًا.

ثم فجأة، وفي عام 710 تقريبًا، تم إلقاء الملك الشاب من على العرش لأسباب غير معروفةٍ جيدا، مع احتمالية أنه تم اغتياله.

وعقِب ذلك مجيء نبيل من عائلة كبيرة يسمى “رودريك” تم تتويجه ملكًا، والذي يعرف أيضًا باسم الملك الأخير من القوط، والذي دام حكمه لمدة عامين من 710 – 712م. لكن تم تتويج ملك آخر في الوقت نفسه لوجود أشخاصٍ معارضين، وهو “أخيلا” والذي كان له مطالبة بالمملكة هو الآخر، مما جعل المملكة في طريقها للانقسام.

كانت الأمور تزداد توترًا يومًا بعد يوم، لأن واحدًا منهم كان يحكم الجزء الجنوبي من اسبانيا والآخر كان يحكم الشرق. وكان هناك بالطبع خطر كبير يتمثل في اندلاع حرب أهلية، لكن لم يقتصر الأمر على ذلك، بل كان هناك تهديد آخر لم يكن في الحسبان.

الخلافة الأموية وفتح الأندلس

كان القائد الأموي حينها هو (موسى بن نصير) والي إفريقية (تونس حاليًا) -وهي تختلف عن إفريقيا القارة- وكان يحتل الساحل الشمالي لإفريقيا والتي كانت قريبة جدًا من الأراضي الأوروبية الإسبانية. وقد بدءوا بهجماتٍ صغيرة لرؤية ما إن كان عليهم التخطيط للغزو القادم أم لا.

وقد قام موسى بإرسال (طارق بن زياد) –والي مدينة طنجة- إلى إسبانيا، عن طريق عبور المضيق الواصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والذي تمت تسميته “مضيق جبل طارق” تيمنًا بذلك العبور.

وبسبب الوضع والانقسامات التي كانت تحدث في المملكة، قام باحتلال جزءٍ كبيرٍ من أراضي الحدود الجنوبية لإسبانيا. ولعلمهِ أن هناك وضعًا متزعزعًا  داخل المملكة يجعل الأمور لصالحه بنسبةٍ كبيرة؛ فقد أرسل المزيد من القوات إلى (طارق) للاستيلاء على المزيد من الأراضي.

رد الفعل

كان يعلم (رودريك) أن هناك دخلاء كانوا يعبرون ويحتلون حدود مملكته، وقام بما يفعل به كل ملك من تجهيز واستعداد وتجنيد القوات للدفاع عن مملكته، وكان الاجتماع على دفع الغزاة مثيرًا للاهتمام حتى أن “أخيلا” الملك الآخر والعدو قام بإعطائه القوات كمساعدة للدفاع عن مملكتهم، بالإضافة لمساعدة النبلاء أيضًا. وبشكل ينم عن كامل الاستعداد اجتمعت جميع القوات في المملكة للدفاع.

عندما جمع رودريك قواته كان على استعداد للتحرك جنوبًا لبدء المعركة، وكانت قواته تبلغ حوالي من 25000 – 35000 حين بلغت قوات المسلمين من 6000 – 000 14.

خسارة القوط

كان معظم جنود رودريك غير جاهزين للمعركة، ولم يكن لديهم تدريب وخبرة بالإضافة إلى أنهم كانوا من الطبقة الاجتماعية المنخفضة، والذي يمكن أن يكون عاملا في خسارة المعركة. ولكن ما الذي حدث بالفعل؟

قام الجيشان بالالتقاء وجهًا لوجه بالقرب من نهر وادي لكة، وكان كل شيء جاهزًا وكانت المعركة على وشك البدء.

وعندما سارت القوات نحو بعضها، انقسم جيش القوط الغربيين وراء 3 أوامر في نفس الوقت بشكلٍ مفاجئ، فقد قام الجزء الأوسط من الجيش بالهجوم والذي كان بقيادة (رودريك) -وكان ذلك الشيء المنطقي والذي ينبغي القيام به- لكن لم يشترك الجناح الأيمن والأيسر معهم وتحرك أوسط الجيش بمفرده.

ولم يكتفِ الجناحان بعدم الاشتراك في الهجوم فقط، بل قام الجنرالات بأمرهم بالابتعاد والرجوع إلى الوراء، مما شكّل ذلك خيانة واضحة وصريحة ومدبرة!

وقد أدرك (رودريك) حينها بأن تلك الخيانة وتدبير قتل قواته بدخولهم وحدهم داخل وحدات الأمويين؛ كانت لعقد الجنرالات صفقة بالتأكيد مع الأمويين، لكن كان الأوان قد فات لإدراك ذلك.

وقد ارتكب ذلك الجزء المنسحب خطأً فادحًا ولم يهزموا العدو عندما أتيحت الفرصة، فقد تقدم جيش الخلافة إلى إسبانيا وقام بقهرهم، وقاموا بتدمير مملكة القوط  الغربيين في 718 – 720م.

وقد أدرك النبلاء بالتأكيد فداحة الخطأ الذي ارتكبوه عندما قاموا بخيانة (رودريك)، ومن الممكن أن يكونوا قد حصلوا على شيءٍ في المقابل، لكن هذا الخطأ والغباء كان له تأثير كبير على تاريخ أوروبا وآسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد: دينا الخطيب

المصدر: About History

Exit mobile version