قصة حرب الوردتين المقتبسة في مسلسل صراع العروش

يعد صراع العروش أحد أعظم الأعمال التلفزيونية في عصرنا الحالي، لولا جزئه الأخير بالتأكيد. لكن في الواقع، يبدو أن الكاتب جورج آر آر مارتن قد استقى الكثير من أحداث روايته “أغنية الجليد والنار”، من وقائع وأحداث وأماكن حقيقية. وربما هي ما جعلت عالم صراع العروش أكثر إثارة. وتعد حرب الوردتين “War of the roses” أحد أكثر ما يتبادر للذهن مما اقتبسه الكاتب من أحداث تاريخية حقيقية. وهي ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

ما هي حرب الوردتين؟

حصلت هذه الحرب بين عامي (1455–1485)م، من التاريخ الإنجليزي. وحرب الوردتين هي سلسلة من الحروب الأهلية الأسرية التي حدثت بعنفها وصراعاتها قبل قيام حكومة تيودور القوية. وقامت هذه الحرب بين منزلي لانكستر ويورك لتولي العرش الإنجليزي. وسميت الحرب بعد انتهائها بسنوات عديدة على اسم الشارات المستخدمة للطرفين المتنازعين: وردة يورك البيضاء ووردة لانكستر الحمراء.[1]

استحوذت كلتا العائلتين على العرش لأنهما من نسل أبناء الملك إدوارد الثالث. وعندما استحوذت عائلة اللانكستر على العرش عام 1399، لم تضغط عائلة يورك مطلقًا للمطالبة به إلّا في فترة الفوضى التي سادت في منتصف القرن الخامس عشر.[1] ويظهر اقتباس الكاتب لأسماء عائلتي اللانسترز (اقتباسًا من اللانكستر) وستارك (اقتباسًا من يورك) المتصارعتين في أولى مواسم المسلسل.

كيف بدأت حرب الوردتين ؟

بدأت حرب الوردتين بوفاة الملك إداورد الثالث عام 1377 م، لكنّ وريثه الشرعي ابنه إدوارد الرابع كان قد توفي قبله بعام. لذا تولى العرش ابنه ريتشارد الثاني ذي العشر سنوات. وهنا ظهر الانقسام بين أبناء إدوارد الثالث الذين قد تم تجاوزهم وتولية العرش لابن أخيهم المتوفي.

انحدرت عائلة اللانكستر من الابن الثالث للملك المتوفي، وعائلة اليورك من ابنه الرابع. وبدأ الصراع بين العائلتين عندما أزاح اللانكستر الملك ريتشارد الثاني، وتولى ابن عمه هنري الخامس الحكم في عام 1399 م. [2]

وفاة هنري الخامس

بعد وفاة الملك هنري الخامس في معسكره الحربي عام 1422م. تولى ابنه هنري السادس الحكم (أغسطس 1422 – نوفمبر 1437). حيث كانت المملكة الإنجليزية تدار من قبل مجلس الملك، وسيطر عليه الأرستقراطيون. هذا الترتيب، الذي ربما لم يتوافق مع رغبات هنري الخامس الأخيرة. ومثل الملك ريتشارد الثاني من قبله، كان لدى الملك هنري السادس أقارب أقوياء يتوقون إلى السيطرة على السلطة ووضع أنفسهم على رأس الحكم في الدولة. وسرعان ما تحول المجلس إلى ساحة معركتهم. [1] فسيطرت العائلتان القويتان مع جيشيهما على الريف. وانتشرت الفوضى وشكلت الضرائب عبئًا ثقيلًا على البلاد. [1]

مارغريت أنجو وسيرسي لانستر

لم يكن الملوك الصغار المتولين للحكم أو اسمي العائلتين المتصارعتين هما الشيء الوحيد الذي اقتبسه الكاتب. فقد اقتبس أيضًا شخصية “سيرسي لانستر”، الملكة الطموحة من زوجة هنري الفرنسية مارغريت أنجو. فقد أثبت هنري لاحقًا أنه قليل العقل وقابل للسيطرة عليه، وخاضعًا لنوبات الجنون. مما ساعد مارغريت أنجو الجميلة على السيطرة على زوجها الصغير، التي سمح حزبها بتدهور الوضع الإنكليزي.[1]

ريتشارد سليل آل يورك ونيد ستارك

بين عامي 1450و 1460 م، أصبح ريتشارد، دوق يورك الثالث، رئيسًا لرابطة بارونية عظيمة. وكان أعضاء تلك الرابطة من أقاربه من عائلات نيفيل، وماوبرايس، وبورتشير. [1] وعين ريتشارد مستشارًا للملك، وقد اقتبس منه آر مارتن شخصية “نيد ستارك”. لكنّ استمالت الملكة مارغريت الملك إلى جانبها للإبقاء على نفوذها ونفوذ أتباعها في البلاط. ودفعت الملك لإقصاء ريتشارد بعيدًا إلى أيرلندا للحد من نفوذه. [2]

كان من بين مساعدي ريتشارد الرئيسيين ابن أخيه ريتشارد نيفيل، إيرل وارويك. وكان إيرل وارويك رجل قوي وذو نفوذ، وكان لديه مئات من الأتباع النبلاء المنتشرين في أكثر من 20 مقاطعة. وفي عام 1453، عندما فقد هنري صوابه بسبب الجنون، وضعت زمرة بارونية قوية، بدعم من وارويك، عائلة يورك كحامية للمملكة. لكن عندما تعافى الملك هنري عام 1455، أعاد تأسيس حزب مارغريت، مما أجبر يورك على حمل السلاح للدفاع عن وجودها. وأسفرت المعركة الأولى في سانت ألبانز 22 مايو 1455 عن انتصار عائلة يورك وأربع سنوات من الهدنة المضطربة. [1]

مرحلة جديدة من الحرب الأهلية

بدأت مرحلة جديدة من الحرب الأهلية بين العائلتين في عام 1459. حيث تمردت عائلة يورك لمرة أخيرة، مدفوعة بمخاوف من استعدادات الملكة لمهاجمتهم. ورغم انتصار اليورك في معركة في بلور هيث في سبتمبر. إلا أنهم تفرقوا بعد مناوشات في “لودفورد بريدج” في أكتوبر، وهربوا إلى أيرلندا. وتمكن اللانكستر من إدانة خصومهم وإعدام كل من حاول المساس بهم.

لكن سرعان ما أعاد اليورك تجميع قواتهم وعادوا إلى إنجلترا في يونيو 1460م، وهزموا قوات لانكستر في “نورثهامبتون” في يوليو. واستطاع اليورك المطالبة بالعرش أخيرًا، لكن نجح اللانكستر في الاتفاق معهم على تأجيل حق الخلافة لما بعد وفاة هنري. بالطبع ذلك سيؤدى إلى حرمان ابن هنري، الأمير إدوارد، من وراثة الحكم. وبذلك الاتفاق اتخذت الملكة مارغريت موقف المعارضة لشعورها بظلم ابنها.

يورك تتولى الحكم

رغم الاتفاق على حق الخلافة إلا أن المعارك لم تتوقف بين العائلتين بالطبع. فاحتشدت قوات العائلتين في شمال إنجلترا، وتمكن اللانكستر من قتل ريتشارد في ويكفيلد في ديسمبر، واتجهوا جنوبًا نحو لندن. [1] وفي هذه الأثناء، هزم الابن الأكبر ليورك ووريثها، إدوارد، قوة اللانكاستر في “مورتيمر كروس” في 2 فبراير. وانطلق لفك الحصار عن قواته في لندن، ووصل قبل مارغريت في 26 فبراير.

وعلى إثر انتصارات إدوارد المتتالية والمدوية، تم تنصيب دوق يورك الشاب ملكاً. وارتدى الملك إدوارد الرابع تاجه في وستمنستر في 4 مارس. [1] وبدأ مع بقية قواته في ملاحقة مارغريت شمالًا إلى “توتون”. وفي توتون حدثت أكثر المعارك دموية في الحرب، وحققت عائلة يورك نصرًا كاملًا. وفرّ هنري ومارغريت وابنهما إلى اسكتلندا، وانتهت بذلك المرحلة الأولى من الحرب.

المرحلة الثانية من حرب الوردتين

بدأت الجولة التالية من الحرب بخلافات داخلية بين صفوف يورك. وكان وارويك هو رجل الدولة في المجموعة، والمهندس الحقيقي لانتصارات يورك، والحاكم الحقيقي للمملكة حتى عام 1464. حاول وارويك قمع الناجين من اللانكستر بلا رحمة بسبب تحريض مارغريت لهم وبمساعدة فرنسية، لإبقاء الحرب مستعرة في الشمال وفي ويلز.

معركة هكسهام

في 15 مايو من عام 1464م، تلاقت جيوش العائلتين مرة أخرى في قرية هكسهام في نورثمبرلاند بإنجلترا. وانتهت هذه المعركة بفوز جيش يورك بقيادة جون نيفيل، مركيز مونتاغو الأول. ونجح جيش اليورك في القبض على معظم قادة جيش لانكاستر المتمردين ومن بينهم :هنري بوفورت، دوق سومرست الثالث ، وروبرت هانغرفورد، بارون هانغرفورد الثالث و فيليب وينتورث. وقرر اليورك إعدامهم جميعًا لتأديب اللانكيستر للأبد.

وقد دمرت عمليات الإعدام ما تبقى من مؤيدي اللانكستر. وبدا النصر مكتملاً عندما تم القبض على هنري السادس بعد عام وسجنه في برج لندن. كما بذل وارويك جهدًا كبيرًا لتحسين أحوال حكومة المملكة، واستعادة النظام العام، وتحسين إدارة العدالة. فتولى بعض التدابير الاقتصادية وفرض الضرائب، لجعل التاج قادرًا على سداد الديون.

الملك إدوارد الرابع

وعلى الرغم من خدمات وارويك الثمينة للتاج، لم يكن إدوارد الرابع مستعدًا للخضوع لوصايته إلى أجل غير مسمى. ورغم أنّه لم يرغب في الإطاحة بوارويك إلّا أنّ نفوذه بدأ يقضّ مضجعه. وكانت غلطة إدوارد الوحيدة هي زواجه بشكل متسرع وسرّي من إليزابيث وودفيل في عام 1464م. ورغم أنّ عائلتها لم تتمتع بنفوذ قوي إلّا أنّها ساهمت في إبعاد وارويك عن الأضواء.

عدو عدوي، صديقي!

وتصاعد الخلاف بين الطرفين في عام 1467 م بعدما طرد الملك إدوارد شقيق وارويك، إثر خلاف بينهما على معاهدة كان الثاني قد تفاوض بشأنها مع الملك الفرنسي. ونتج عن هذا الخلاف إعلان وارويك لمعارضته للملك، ونجح في أسر الملك في نهاية المطاف وقتل والد زوجته إليزابيث وشقيقها. ولكن تمكن الملك إدوارد من استعادة السيطرة على الحكم مجددًا، وهرب وارويك إلى فرنسا. لكنه لم ينس عداءه لإدوارد، فشكّل تحالفًا مع عدوته السابقة الملكة مارغريت على غرار المثل القائل “عدو عدوي، صديقي”.

لكنّ فشل هذا التحالف بسبب تأجج الخلافات بين الحليفين الجديدين الذين لم يثقا ببعضهما. ففتكت بهما الخلافات الداخلية قبل أن تفتك بهما قوات الملك إدوارد الذي حافظ على العرش حتى وفاته في عام 1483 م.

انتهاء حرب الوردتين

بعد وفاة الملك إدوارد الرابع، أعلن شقيقه ريتشارد الثالث أنّ ابن إدوارد، ذي الـ12 عامًا ليس بوريث شرعي. فالملك قد تزوّج والدته إليزابيث وودفيل سرًا. (ومن هنا اقتبس آر مارتن شخصية ستانيس براثيون شقيق الملك روبرت في المسلسل). أدى ذلك الإعلان إلى انشقاقات داخلية في صفوف اليورك، فأيدوا هنري تيودور والذي يعود نسبه إلى دوق لانكستر الأول.

ولكن بمساعدة الفرنسيين والمنشقين من أتباع يورك، قُتل شقيق الملك ريتشارد وهزمت قواته في حقل “بوسورث” في 22 أغسطس 1485، مما أدى إلى إنهاء حرب الوردتين. ووحد هنري مطالب اليورك واللانكستر بزواجه من إليزابيث ابنة إدوارد الرابع في عام 1486، وأصبح الملك هنري السابع. لكن تبقى أحد أتباع يورك الصاعدين وهو لامبرت سيمينيل، فحاربه هنري وانتصر عليه في 16 يونيو 1487، وهو التاريخ الذي يفضله بعض المؤرخين لتحديد انتهاء هذه الحرب.

من المؤكد أن الضراوة المدروسة والمحسوبة التي دخلت الحياة السياسية الإنجليزية الآن تدين بشيء ما للأفكار السياسية لعصر النهضة الإيطالية. لكنها كانت أيضًا جزءًا من إرث العادات الخارجة عن القانون التي اكتسبها النبلاء خلال حرب المائة عام. ولم تكن حرب الوردتين إلّا أحدى تلك المظاهر التي رغم ضراوة معاركها إلّا أنها لم تخلو من المكر والخداع للدرجة التي أمتعتنا في مسلسل صراع العروش.

المصادر:

  1. britannica
  2. Ted ed

حرب الفضاء، هل ستصبح حقيقة؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

لا تنتهي أطماع وطموحات الإنسان على الأرض بل بلغت حد السماء وأكثر. حيث برزت مظاهر صراع بين عدة دول للاستحواذ على الفضاء الخارجي أيضًا. تارةً بالسباق العلمي أو حتى بالوصول إلى النزاع المسلّح. ورغم أنّ الحديث عن حرب الفضاء يبدو ضرب من الخيال أو قصة فيلم من أفلام الخيال العلمي. إلّا أنّ مظاهره المختلفة حقيقية وموجودة بالفعل وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

مفهوم الحرب الفضائية

حرب الفضاء هي قتال يحدث في الفضاء الخارجي، أي خارج الغلاف الجوي للأرض. وبالتالي، فإن حرب الفضاء تشمل الحروب من الأرض إلى الفضاء، مثل مهاجمة الأقمار الصناعية من الأرض. وكذلك حرب الفضاء إلى الفضاء، مثل الأقمار الصناعية التي تهاجم الأقمار الصناعية الأخرى.[1]

يوجد في مدار الأرض حوالي 4550  قمرًا صناعيًا حتى 1 سبتمبر 2021.[2] وأي تهديد أو اصطدام أو تشويش على أحدها قد ينذر بحرب ما أو صراع. وقد غزا الإنسان الفضاء منذ الـ4 من شهر أكتوبر في 1957. عندما أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الاصطناعي “سبوتنيك”. [3] و يُنظر إلى حرب الفضاء التي بدأت لاحقًا على أنها امتداد للحروب النووية في المقام الأول [1]. وذلك بسبب ارتباط بداياتها بسباق التسلح وعصر الأسلحة النووية.

كيف بدأ الصراع في الفضاء؟

لاحقًا مع تزايد حدّة الحرب الباردة بين القطبين العملاقين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، انتقلت الدولتان من سباق الوصول إلى الفضاء إلى سباق فرض السيطرة عليه. وكانت القوتان العظمتان تتنافسان لتطوير الصواريخ العابرة للقارات. فطور الاتحاد السوفياتي، عبر مصمم الصواريخ سيرجي كورولييف صاروخ “R7″، وهو أول صاروخ باليستي عابر للقارات.[3]

وتم توجيه الجهود المبكرة لشن حرب فضائية إلى نطاق الفضاء بعيدًا عن الأرض. حيث اعتبرت أنظمة (أرض- فضاء) بطيئة ومعزولة بسبب الغلاف الجوي للأرض والجاذبية، كما لن تكون فعالة.

علمًا أن تاريخ التطور النشط يعود لحرب الفضاء إلى ستينيات القرن الماضي عندما بدأ الاتحاد السوفيتي مشروع ألماز ” Алмаз”. ومن ثمّ تبعتها الولايات المتحدة بإطلاق مشروع “بلو جيميني” ” Blue Gemini”. وكان الغرض من المشروعين آنذاك هو نشر الأسلحة في الفضاء وجمع المعلومات والمراقبة. [1]

أمّا خلال السبعينات فقد طوّر كل من السوفييت والولايات المتحدة أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، ومصممة لإسقاطها. وصمم الطرفان واختبرا مجموعة من الأسلحة المصممة خصيصًا لحرب الفضاء. [1]

وتتعلق العمليات العسكرية في الفضاء في الوقت الحالي بشكل أساسي إما بالمزايا التكتيكية الهائلة للمراقبة عبر الأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات وتحديد المواقع، أو الآليات المستخدمة لحرمان الخصم من المزايا التكتيكية السابق ذكرها.

حرب النجوم

مع تعاظم تسليح الطرفين في ثمانينيات القرن الماضي، أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي ريجان مبادرة للدفاع الاستراتيجي. وقد بلغت ميزانيتها مليارات الدولارات وعُرفت باسم “حرب النجوم”. [4] ففي عام 1985، استعرضت القوات الأمريكية قدراتها بإخراجها أحد أقمارها الصناعية من مداره المنخفض بواسطة مقذوف أطلقتها طائرة إف 15. [4]

ولو استمرت الحرب الباردة، لشهد سباق التسلح الفضائي ذاك مراحل أكثر تقدمًا. فمع انتهائها والتطور المستمر لتكنولوجيا الأقمار الصناعية والإلكترونيات، تركز الاهتمام على الفضاء كمسرح داعم للحرب التقليدية. فمنذ عام 1985 إلى عام 2002، كانت هناك قيادة فضاء أمريكية. ثم اندمجت لاحقًا في عام 2002 مع القيادة الاستراتيجية للولايات المتحدة. كما توجد قوة فضاء روسية أيضًأ، وتأسست في 10 أغسطس 1992. وقد أصبحت تلك القوة قسمًا مستقلاً من الجيش الروسي في 1 يونيو 2001. [1]

لكنّ طرفي الحرب الباردة ليسا اللاعبين الدوليين الوحيدين في الفضاء. ففي عام 2007، استخدمت جمهورية الصين الشعبية نظامًا صاروخيًا لتدمير أحد أقمارها الصناعية المتقادمة. وقد اختبرت حينها صاروخًا باليستيًا مضادًا للأقمار الصناعية. كل ذلك يشير إلى تعدد الأسلحة المستخدمة في حرب الفضاء.

الأسلحة المستخدمة في حروب الفضاء

توجد طرق عدّة خالية من الخيال والأضواء المبهرة لتعطيل الأقمار الصناعية أو تدميرها دون تفجيرها بشكل استفزازي بواسطة الصواريخ. إذ يمكن لمركبة فضائية أن تقترب من القمر الصناعي وتعطل أجهزته البصرية باستخدام الطلاء. أو يمكنها تدمير هوائيات الاتصال، أو محاولة إخراجه من مداره أو زعزعة استقرار القمر في مداره. [4]

وتراوحت الأنظمة العسكرية المقترحة في الصراع، من تدابير بسيطة كالصواريخ المضادة والصواريخ الأرضية والفضائية إلى المدافع الكهرومغناطيسية وأشعة الليزر الفضائية والألغام المدارية وغيرها من الأسلحة المستقبلية.[1] إذ فجّرت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1962، سلاحًا نوويًا أرضيًا في الفضاء لاختبار تأثيرات النبض الكهرومغناطيسي والذي أدّى لتعطيل العديد من الأقمار الصناعية.[1]

كما حاولت العديد من الدول أيضًا تطوير أقمار صناعية صغيرة  “بحجم ثلاجة تقريبًا”. تهدف تلك الأقمار الصغيرة إلى التشويش على الأقمار الصناعية أو لحماية الأقمار الصديقة. وقد يتم تطويرها لتكون ذكية بما يكفي لتؤدي مهام متعددة للأقمار الصناعية كإصلاحها أو تخريبها أو اختطافها أو ببساطة الاصطدام بها.[1]

ويمكن استخدام الليزر بهدف تعطيل مؤقت للأقمار الصناعية أو تخريب مكوناتها، كتخريب أجهزة الاستشعار الحساسة  بشكل خاص. أو عبر التشويش أو السيطرة على موجات الإرسال القادمة أو الصادرة من محطات التحكم الأرضية. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام موجات الراديو أو الموجات الصُّغروية (الميكروويف). [4]

إضافة لذلك، يمكن استخدام القصف الحركي عبر استخدام القمامة الفضائية. حيث يمكن لأي حطام طائش أو توجيه متعمد للحطام أن يحدث ضررًا بالغًا للأقمار الصناعية. [4]

ومع التطور المستمر للأسلحة الفضائية نتيجة التقدم المتسارع في علوم الفضاء والتكنولوجيا وتعاظم قوة الدول على الأرض، يظهر ميل الدول العظمى للحيازة على الفضاء أو الحصول على الجزء الأكبر منه، فلماذا؟

لماذا تلجأ الدول إلى حرب الفضاء؟

تعتمد معظم أنظمة الاتصالات في العالم بشكل كبير على وجود أقمار صناعية في مدار حول الأرض. لذا تسعى الدول بشكل جدي لحماية ما تعتمد عليه من موارد. لا سيما البلدان المتقدمة التي لديها إمكانية الوصول إلى الفضاء.[1]

كما يشكل الخوف من نشوب حروب الفضاء عاملًا حاسمًا يدفع الدول باستمرار إلى تطوير أنظمة دفاعية وهجومية لحمايتها وحماية أقمارها مستقبلًا. وقد يشكل التهديد بحدوث حرب فضائية ضغطًا كبيرًا على النظام السياسي لدولة ما. مما يدفعها لتطوير دفاعاتها أو حتى القيام بمناورات عسكرية من شأنها أن تشكل رادعًا لحروب مستقبلية. [1]

وقد تخوض الدول التي ترتاد الفضاء حربًا من أجل السيطرة على موارد خارج الكواكب. ويمكن لمثل هذا الصراع أن يصل بسهولة لمستوى الحرب داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض. وهناك موارد فضائية مهمة ومكتشفة بالفعل، مثل موارد الهليوم في المنطقة القطبية الجنوبية للقمر. حيث أعلنت روسيا عن نيتها في الحصول على هذه المورد. ومن المقرر أن تهبط المهمة القمرية الصينية في تلك المنطقة في عام 2024. [1] لكنّ رغم المزايا التي توفّرها هذه الحروب للدول إلّا أنّ العيوب التي تكتنفها كثيرة.

عيوب حروب الفضاء

  • تشكل المسافات الشاسعة في الفضاء تحدٍ صعب في الاستهداف والتتبع. ويتطلب الضوء بضع ثوانٍ لاجتياز نطاقات تقاس بمئات الآلاف من الكيلومترات.

فإذا حاولت إطلاق النار على هدف على مسافة القمر من الأرض مثلًا، فإن الصورة التي يراها المرء تعكس موقع الهدف قبل أكثر من ثانية بقليل. [1]

  • حرب الفضاء التي تنطوي على نشر البشر في الفضاء لمحاربة بعضهم البعض ليست عملية حاليًا. ذلك بسبب صعوبة وتكلفة الحفاظ على حياة الإنسان في الفضاء. خاصة على مدى فترات طويلة من الزمن. [1]
  • كما أن هناك القليل من الأشياء التي يمكن تحقيقها من خلال حرب الفضاء. والتي يمكن لأي دولة تمويلها وإنجازها بتكلفة أقل بكثير باستخدام الوسائل التقليدية. فدول اليوم تلجأ إلى تكتيكات الحرب الهجينة لأنّها أقل تكلفة. [1]
  • ضعف الأقمار الصناعية -خاصة الموجودة في المدارات الأرضية المتزامنة على ارتفاع 35 ألف كيلومتر أو أكثر. مما يجعل استهدافها أمرًا يسيرًا للدولة المهاجمة وكذلك الدولة المتضررة. [4] لذا فإن الرد على تدمير قمر بتدمير آخر أمر في غاية البساطة.
  • تشكل النفايات الفضائية أكبر تهديد للأقمار الصناعية ككل. وتزداد كمية تلك النفايات بزيادة الهجمات على الأقمار الصناعية وتدميرها. فمن السهل للغاية صناعة نفايات الفضاء ولكن من الصعب أيضًا التخلص منها. [4]
  • وإذا ما استخدمت دولة النفايات الفضائية أو الكتل المعدنية العشوائية لتدمير قمر صناعي للعدو، فقد يكون الحطام الناتج أكثر خطورة عليها. وقد يتسبب ذلك الحطام في سلسلة متتالية من ردود الفعل تحول مدار الأرض إلى كتل من الدمار.[4]

هل ستلجأ الدول إلى حرب الفضاء لحل نزاعاتها؟

احتمال أن تلجأ الدول إلى حروب الفضاء ضئيل جدًا. ليس بسبب التكاليف الباهظة لها فحسب، بل لأن خسائرها غير محدودة وغير معروفة على الطرفين المتصارعين. بل وحتى على الأطراف الأخرى التي تدور أقمارها في مداراتها الفضائية بسلام. فمجرد الاقتراب من الأقمار الصناعية الاستراتيجية للعدو قد يُعَد تهديدًا.

وقد أعلنت روسيا أنها سوف تنسحب من المحطة الفضائية الدولية، بحلول عام 2024، وأنها ستبني محطة فضائية خاصة بها. ولكن ورغم المخاوف من تفاقم الصراع بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة ذلك، إلّا أنّ البلدين وقعا اتفاقا يسمح لرواد الفضاء الروس بالسفر على المركبات الأمريكية والعكس.

وتسعى الدول إلى إنشاء معاهدات دولية تحكم الفضاء والتي من شأنها أن تحد أو تنظم النزاعات في الفضاء. كما تأمل الدول أن تحد تلك المعاهدات من تركيب أنظمة الأسلحة، كمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. وتمكنت تلك المعاهدة من حظر استخدام أو اختبار أو تخزين الأسلحة النووية خارج الغلاف الجوي للأرض. إضافة لمحاولة إقامة محادثات بشأن مدونة لقواعد السلوك صاغها الاتحاد الأوروبي للدول التي ترتاد الفضاء.

ونأمل في الأكاديمية بوست أن يحد الإنسان من أطماعه، ويدرك أن الفضاء الخارجي ليس ملكًا لأحد. كما لا يحق لأحد السيطرة عليه، اتركوه للبشرية فحسب بلا حدود وصراعات، فهل تتفق معنا؟

المصادر:

1- military-history
2- dewesoft
3- nationalgeographic
4- scientificamerican

ما هي الحرب الهجينة وخصائصها ولماذا هي مهمة اليوم؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

تُظهر الدراسات الحديثة حول الحروب في أفغانستان والعراق مدى تكلفة الحروب الشاملة من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بغض النظر عن مدى تفاوت قدرات الأطراف المتصارعة أو الخصوم. بسبب التقدم التكنولوجي السريع وظهور الحرب غير المتكافئة، يمكن أن تكون الحروب الشاملة غير فعّالة حتى في مواجهة القوى التي لديها موارد ونفوذ أقل نسبيًا. وبالتالي، قد يصبح النصر احتمالًا صعبًا للغاية.

لكن هذا لا ينذر بتلاشي الصراعات، بل بتغير ديناميكيات الحرب. وظهور استراتيجيات جديدة كاستراتيجية الحرب الهجينة وهي ما سنتعرف عليه في مقالنا هذا.

مفهوم الحرب الهجينة

لا يعد مفهوم الحرب الهجينة مفهومًا جديدًا، فهو قديم قدم الحرب، ولطالما لجأ الإنسان إلى أساليب الخداع والمناورة.

“إخضاع العدو دون قتال هو ذروة المهارة”.

صن تزو في كتابه “فن الحرب” [1]

شاع المفهوم الحديث للحرب الهجينة من قبل فرانك هوفمان في عام 2007، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية وباحث دفاعي. وعرّفها قائلًا “تتضمن الحروب الهجينة مجموعة من أنماط الحرب المختلفة، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية، والعنف العشوائي والإكراه والفوضى الإجرامية.” [1]

ويمكن القول إن تكامل الأساليب التقليدية وغير النظامية للحرب ميّز هذه الحروب الهجينة عن أشكالها التاريخية. [3] ويحاول مصطلح الحرب الهجينة فهم التعقيد الذي تتسم به حروب القرن الـ21، والتي تتضمن تعدد الفاعلين، ويطمس الفروق التقليدية بين أنواع النزاع المسلح، وحتى بين الحرب والسلام.

كما يُستخدم أيضًا لوصف الطابع المتغير للحرب المعاصرة، لأسباب ليس أقلها التعقيد والفتك المتزايدين للجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية، والإمكانات المتزايدة للحرب السيبرانية.[3] لكن على الرغم من التعريفات الكثيرة لها، إلّا أنّ مفهومها متنازع عليه ولا يوجد لها تعريف متفق عليه عالميًا. وتعرضت للكثير من الانتقادات بسبب افتقارها إلى الوضوح المفاهيمي. [2] لذا، فمن المهم إيجاد تعريف واضح ومحدد لها، لتتمكن الدول من إدراك التهديدات الهجينة وتفعيل آليات للاستجابة لها ولأدواتها.

أدوات الحرب الهجينة

تستلزم الحرب الهجينة تفاعلًا أو اندماجًا بين أدوات القوة التقليدية وغير التقليدية وأدوات التخريب. ويتم مزج هذه الأدوات والوسائل بطريقة متزامنة لاستغلال نقاط ضعف الخصم. وتشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة وتستخدم الأدوات المختلفة لزعزعة استقرار المجتمع من خلال التأثير على صنع القرار فيه. وتشمل الأدوات التالية:

  • التدخل في الانتخابات.
  • التضليل ونشر الأخبار الكاذبة.
  • الهجمات السيبرانية.
  • هجمات الطائرات بدون طيار.
  • التأثير المالي والضغط الاقتصادي. [4]
  • التدريبات العسكرية على الحدود وواسعة النطاق، والاستعراضات العسكرية والإكراه والتخويف.[2]
  • زعزعة الثقة بين الحكومات والشعوب، وإفقاد السلطة للشرعية.[2]
  • استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية للتأثير على الشعوب.[2]

وتمنح هذه الأدوات الحروب الهجينة القدرة على تحقيق النصر بدون قتال. وتميزها بخصائص تجعلها حروب قادرة على تغيير موازين القوى لصالح الطرف الأضعف في الحروب غير المتكافئة.

خصائص الحرب الهجينة

ما يميّز الحرب الهجينة هي قدرتها على دمج عدّة أساليب في وقت واحد وتحقيق الأهداف بأرخص السبل وبأفضل النتائج. فبخلطها بين الأدوات الحركية وغير الحركية تلحق الضرر بالدولة الخصم بالطريقة المثلى. ومع غياب الحد الفاصل بين الحرب والسلم أو ما يسمى بالمنطقة الرمادية يصبح من الصعب تفعيل الحرب أو المواجهة المباشرة.

تكاليفها ومخاطرها منخفضة بشكل ملحوظ. فبدلًا من إرسال الدبابات والطائرات وخوض معارك دامية، تكتفي هذه الاستراتيجية بتمويل نشر المعلومات المضللة أو التعاون مع أطراف أخرى غير حكومية كحرب بالوكالة. محققة بذلك إخضاعاً للعدو بدون قتال. [2]

من خصائص الحرب الهجينة المميزة أيضًا هو جانب الغموض والإسناد. حيث تنشئ الجهات الفاعلة جانب الغموض بحكمة وتعمل على توسيعه ونشره. بعبارة أخرى، تصبح الدولة المستهدفة إما غير قادرة على اكتشاف هجوم مختلط أو غير قادرة على نسبته إلى دولة قد تكون هي من تقوم به أو ترعاه. ويصبح من الصعب على الدولة المستهدفة تطوير استراتيجية دفاعية مناسبة.

كما تسمح هذه الحرب بتقويض الخصم على جبهتين، الأولى وهي جبهته المادية؛ العسكرية والبنية التحتية والاقتصادية. أمّا الجبهة الأخرى فهو شرعية سلطة وثقة الشعب بها.[2] وبذلك تدمّر العدو المستهدف من الداخل وتجعله مشتتًا بين صراعاته الداخلية ومواجهة هجمات العدو الهجينة. ويسمح تأثير تكنولوجيا المعلومات الناشئة للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية باستهداف صانعي القرار والجمهور من خلال وسائل الإعلام المعولمة والمتشابكة والإنترنت. [4] وتستخدم الحرب الهجينة عدّة تكتيكات عسكرية، فإضافة إلى استخدام الوكلاء قد تلجأ إلى حرب العصابات أوالمتمردين أوالإرهابيين. [3]

ما الذي يجعل هذا الاستراتيجية تحوّلا مهمًا في الصراعات اليوم؟

غيّرت هذه الاستراتيجية الشكل التقليدي للصراع. فقد تمّكن الاتحاد الروسي من ضم شبه جزيرة القرم، مستخدمًا أسلوب التضليل الإعلامي. حيث أنّه في الـ13 من مارس عام 2014، ظهر في شبه الجزيرة مجموعات مسلحة ترتدي الزي العسكري الروسي وتحمل سلاحه ولكن بدون شارات أو دلالات تدل على انتمائه إلى أي طرف، وقامت باحتلال مطار ومجموعة قواعد عسكرية أوكرانية، وأطلق عليهم “الرجال الخضر الصغار”. أظهرهم الإعلام الروسي كدليل على الرضا الشعبي من المدنيين الأوكران فيها. ودعوة منهم للتدخل الروسي والدخول إلى شبه الجزيرة وذلك ما حصل بالفعل.[6]

كما استخدموها في حربهم الحالية ضدّ أوكرانية فمن الهجمات السيبرانية إلى استخدام الطائرات من دون طيّار وغيرها من التكتيكات التي تشير إلى حرب هجينة فيها. وفي المقابل استخدم الأمريكان استراتيجيات مضّادة كحجب المواقع الروسية عن الشبكة أو تدخل شركات عملاقة ك”ميتا” أو نشر الإنترنت الفضائي من قبل المليادير الأمريكي إيلون ماسك. [5]

يمكن لهذا الاستراتيجية تحقيق مكاسب صفرية في مواجهة الخصوم. كضم مناطق كاملة بلا إراقة دماء أو توجيه ضربات موجعة للخصوم قادرة على شلّ حركتهم لفترات طويلة بأرخص السبل وأبسطها.

وفي الختام لا تغيّر الحرب الهجينة طبيعة الحرب. حيث يظل الإكراه في صميم الحرب الهجينة كما هو الحال مع أي شكل من أشكال الحرب. ويبقى الهدف هو نفسه، وهو اكتساب ميزة جسدية أو نفسية ليخسر الخصم. ومما لا شك فيه أنها تمثل تحديًا لمؤسسات الأمن القومي لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات التي يمكن وصفها بالحرب الهجينة. وخاصة أنّها قد تؤذن بصعود قوى عالمية جديدة قد تلقي بعصر القطبية الواحدة في غياهب النسيان.

المصادر:

1- Economist
2- Nato.int
3- marshallcenter
4- carnegieeurope
5- orfonline
6- e-ir.info

ما هي حرب العصابات؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

قد لا تصدّق في أيامنا هذه فكرة قدرة جيش غير منظم على هزيمة جيشٍ نظامي بكامل عتاده الحربي. وخاصة مع تطوّر الأسلحة والاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية. لكنّ أهل مكة أدرى بشعابها. والشعوب المقاومة والتي تحمل عقيدة النضال قادرة على دحر أعتى الجيوش وإلحاق أشدّ الخسائر بها، عبر استخدامها لتكتيكات حرب العصابات وهو ما سنتعرف عليه في مقالتنا هذه.

تعريف حرب العصابات؟

نوع من الحروب تخوضها قوّات غير نظامية. عبر قيامها بعمليات سريعة على نطاق ضيق ضدّ القوّات المسلحة التقليدية والشرطة، وفي بعض الأحيان ضدّ قوّات متمردة منافسة. إمّا بشكل مستقل أو بالتزامن مع استراتيجية سياسية – عسكرية أكبر.[1]

يتميز هذا النوع من الحروب بالكمائن والغارات المفاجئة والأساليب غير النظامية للقتال. وتصبح وحشية وفوضوية وغير منظمة في كثير من الأحيان.[2]

ولها دور كبير في تغيير مجريات الأحداث والمعارك. فتمركزها في الأرياف والمناطق المحيطة في المدن منحها هالة من الرعب النفسي للخصوم. فكانت تكتيكًا مهمًا في الحروب النفسية. ورغم ما قد تكتنفه من عيوب إلّا أنّها تحولت إلى مظهر رئيسي في الصراعات وخاصة بعد قيام الحرب الباردة.

تأخذ هذه الحرب طابعًا عقائديًا وأيديولوجيًا. فأغلب الحروب قامت بغرض التحرير والاستقلال ولذلك تنال شهرة واسعة وشعبية كبيرة. وتتلقى كل أشكال الدعم من الرأي العام سواء أكان دعمًا ماديًا أو دعمًا بالعنصر البشري. [1]

واستخدم مصطلح حرب العصابات لأول مرة في القرن الـ19 لوصف المعارك التي خاضها الجنود الأسبان والبرتغاليون غير المنظمين ضد جيش نابليون. وأخذت شهرتها منذ ذلك الحين لتمكن أولئك القروين من هزيمة جيش بذلك الحجم وإخراجه من شبه الجزيرة الإيبيرية. وتزايد دورها بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية. [1]

ورغم حداثة المصطلح إلا أنّ حرب العصابات قديمة قدم التاريخ وهناك الكثير من الأمثلة التاريخية عليها.

أمثلة عن حرب العصابات

حرب العصابات في العصور القديمة

في عام 512 قبل الميلاد، انحنى الملك المحارب الفارسي داريوس الأول، والذي حكم أكبر إمبراطورية وقاد أفضل جيش في العالم، لتكتيكات الكر والفر التي اتبعها البدو الرحل. مما دفعه لمغادرة أراضيهم وراء نهر الدانوب.

كما واجه الملك المقدوني الإسكندر الأكبر (356-323 قبل الميلاد) معارضة حرب العصابات الجادة. وتغلب عليها عبر تعديل تكتيكاته وكسب قبائل مهمة إلى جانبه.

كما تم استخدام عمليات حرب العصابات وشبه حرب العصابات لأهداف عدوانية في القرون التالية من قبل الفايكنج، الذين اجتاحوا أيرلندا وإنجلترا وفرنسا. واستخدمها المغول الذين غزوا الصين وأرعبوا وسط أوروبا.

وفي القرن الثاني عشر، تعرقل الغزو الصليبي للعرب أحيانًا بسبب تكتيكات حرب العصابات التي اتبعها السلاجقة. [1]

حرب العصابات في العصور الحديثة

أصبحت حرب العصابات حديثًا عاملًا مساعدًا مفيدًا للاستراتيجيات السياسية والعسكرية المهمة والتقليدية داخل أراضي العدو وفي المناطق التي يحتلها. فبعد هزيمة الفرنسيين على يد الثوار الإسبان بقرنين ازدهرت حرب العصابات. حيث حاول الثوار والمناضلون مجابهة الاستعمار عبثًا في كل من الهند والجزائر والمغرب وبورما (ميانمار) ونيوزيلندا والبلقان.
كما استخدمت القبائل العربية بقيادة الأمير فيصل الأول تكتيكات حرب العصابات لإخراج العثمانيين من أراضيهم خلال فترة الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1927 رفع الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ علم التمرد الريفي الذي استمر لمدة 22 عامًا.[1] والذي طوّر من تكتيكات الحرب ووسائلها حتى وصل إلى النصر الذي صنع الصين التي نعرفها اليوم.

وخلال فترة الحرب العالمية الثانية أصبحت الأيديولوجية السياسية عاملًا أكثر وضوحًا في حملات حرب العصابات العديدة. حيث استخدمها الشيوعيون المحليّون في معظم البلدان التي غزتها ألمانيا وإيطاليا واليابان. وخلال الحرب الباردة، دعم الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة سلسلة من حركات التمرد والتمرد المضّاد في حروب بالوكالة. [1] والتي كانت حرب العصابات تكتيكها الحربي الرئيسي.

بعد عام 1948 واجه الكيان الصهيوني حرب عصابات شنّها الفدائيون الفلسطينيون. وهو صراع طويل الأمد وما زال مستمرًا إلى اليوم. [1]

غيّرت حرب العصابات مصائر الكثير من الشعوب وحررتها من الاستعمار. حيث أخرج الثوار الجزائريون الاحتلال الفرنسي من أراضيهم. وأنهت الحكم البريطاني في كينيا وقبرص. وأطاح فيديل كاسترو في كوبا بنظام باتيستا المترنّح والفاسد والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1959. [1] وتختلف الدوافع والأهداف وراء قيام هذه الحرب.

الدوافع من قيام حروب العصابات

قد لا يخفى على البعض السمعة السيئة لهذا النوع من الحروب. ويعود ذلك إلى أنّ الحكومات والجيوش المنظمة التي تواجهها تروّج لها على أنّها عمل همجي تخريبي. وبسبب غياب التنظيم ووضوح الرؤية السياسية في أغلبها والذي يؤدي أحيانًا إلى فشلها في النهاية وزعزعة الاستقرار فحسب. لكنّ الحقيقة أنّها قد تحمل في طياتها أهدافًا نضالية نبيلة. وغالبًا ما يكون هدفها تحقيق العدالة وكسب الحقوق. كمقارعة الاحتلال والتحرر من العبودية أو مواجهة الدكتاتوريات الشمولية.

قد تحمل في العصور الحديثة دوافع وأهداف مختلفة وخاصة لدى الأصوليين المتطرفين. كالقاعدة وداعش وغيرها. أو دوافع سياسية وأيديولوجية أو قومية انفصالية. [1] ولكن على الرغم من الفوضى التي قد تنضوي عليها، ذلك لا يعني غياب الاستراتيجيات والتكتيكات التي تعد أبرز مظاهرها.

الاستراتيجيات والتكيتكات

تتمثل الاستراتيجية العريضة التي تقوم عليها حرب العصابات الناجحة بالمضايقات المطولة معتمدة تكتيكات دقيقة ومرنة ومصممة لإرهاق العدو. تجسّد هذه الاستراتيجية العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يخضع لها العنصر العسكري في كثير من الأحيان. ولكن دون التقليل من الأهمية القصوى للدور العسكري.

ومن الأمثلة الهامة على هذه الاستراتيجية كان الاستراتيجية التي وضعها لورنس العرب 1916-1918 في الجزيرة العربية. والتي كان الغرض الأساسي منها بناء القيادة العربية المتماسكة المتمثلة بالأمير فيصل. إضافة إلى إحداث خسارة نفسية في صفوف العثمانيين عبر قطع خطوط الإمداد، عبر تدمير سكة الحجاز.

لجأ ماو تسي تونغ إلى استراتيجية حرب العصابات لتحقيق غاية استيلاء الشيوعيين على الصين. حيث أدرك أنّ ذلك يتطلب حربًا طويلة الأمد ضد الجيش التقليدي. وأكدت حملة حرب العصابات التي شنها ماو على مدى أكثر من عقدين على التكتيكات المرنة القائمة على عنصري المفاجأة والخداع، والهجوم في العمق، وتوجيه الضربات الخاطفة، والمواجهة فقط في حالة النصر المضمون أو الانسحاب من الأرض.

كسب الدعم الشعبي من الاستراتيجيات الهامة أيضًا. فهو مصدر للتمويل والسلاح والمؤن والقوة البشرية، عبر الترهيب أو نشر الفكر عبر وسائل الإعلام.

إضافة إلى ما سبق، يعد كسب الدعم الخارجي من الاستراتيجيات الهامة أيضًا، وتوحيد الصفوف والتنظيم وإيجاد الهدف السياسي الواضح.[3] واستراتيجية الترهيب المنظم عبر الاغتيالات المنظمة لقادة ومرؤوسي العدو. أو ارتكاب مجازر جماعية، بهدف الترهيب واستمرار الولاء والتمويل والحماية لهم. أو لإجبار الحكومات على الدخول في مفاوضات، رغم أنّ المفاوضات غالبًا ما تفضي لحدوث انشقاقات داخلية.

من المهم لقائد المجموعات تطوير أساليبه وتكتيكاته بشكل مستمر، لأنّ هذه الحروب طويلة الأمد.[3] ومن التكتيكات الهامة المستخدمة: تكتيك الهروب الوهمي، وعمليات الوحدات الصغيرة، والتشكيلات الفضفاضة، واللباس غير الرسمي، والحركة السريعة، والانضباط في إطلاق النار، واستخدام الرعب والكمين والهجوم المفاجئ. [3]

تظهر حرب العصابات أهمية وجود عقلية عسكرية فذة لتنظيم الهجمات. ولكنّ نوع السلاح المستخدم يلعب دورًا هامًا أيضًا في حسم الصراع أو توجيهه في كثير من الأحيان.

الأسلحة المستخدمة

بداية كانت العصابات تلجأ لاستخدام السلاح الأبيض، ثم تحوّلت إلى سرقة سلاح العدو وتنظيم هجمات منظمة على مستودعات الذخيرة. وكثيرًا ما استخدمت بنادق محلية الصنع. وقنابل يدوية وشراك خداعية وألغام. إضافة إلى قنابل المولوتوف والقنابل البلاستيكية (المتفجرة البلاستيكية) رخيصة الثمن والفعالة للغاية في ظل ظروف معينة.

و أضاف الانتشار العالمي للأسلحة خلال عقود الحرب الباردة بعدًا جديدًا لقدرات حرب العصابات. حيث قدمت القوى العظمى والدول الأخرى بنادق هجومية حديثة ومدافع رشاشة ومدافع هاون. وأسلحة متطورة مثل القذائف الصاروخية والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات. كما أدى انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول بعض جمهورياته إلى دول مستقلة إلى بيع المزيد من الأسلحة.[1]

وفي الختام، أطلق على ممارسي حرب العصابات اسم المتمردين أو المرتزقة على مر القرون. حيث دأب القادة العسكريون المحبطون على تسميتهم بالإرهابيين والخارجين عن القانون. في حين وصفهم آخرون بالمحاربين الوطنيين وقادة الحروب الثورية الصغيرة. و بغض النظر عن المصطلحات، تباينت أهمية حرب العصابات بشكل كبير عبر التاريخ.

تقليديًا، كانت سلاح احتجاج يستخدم لتصحيح الأخطاء الحقيقية أو المتخيلة التي تُفرض على شعب إما من قبل حكومة حاكمة أو من قبل محتل أجنبي. لذا يمكننا القول أنّها حققت نجاحات ملحوظة أحيانًا وعانت من هزائم كارثية في أحيان أخرى.

المصادر:

1- Britannica
2- Battlefields
3- Britannica

كيف بدأت الحرب ولماذا تحدث؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة نبذة عن أقسى الجرائم البشرية، الحروب وأنواعها

الحرب كلمة ذات وقع قاس ومليء بمشاهد الدمار والحزن والعنف غير المبرر. فهي أعلى درجات النزاع بين الدول والجماعات، ووسيلة الدول لبسط هيمنتها ونفوذها. وهي حالة النزاع المسلح بين دولتين أو أكثر أو مجموعات داخل بلد ما.[2] لذا سنعرف في هذا المقال كيف بدأت الحرب ولم تحدث؟

ما هو تعريف الحرب؟

عادة ما يستخدم العسكريون هذا المصطلح للإشارة إلى الأعمال العدائية بين الجماعات المتنافسة المتساوية في درجة القوة بدرجة كافية لجعل نتيجة صراعها غير مؤكدة لبعض الوقت. [1] ويضاف إلى هذا التعريف عند دراسته من منظور العلوم الاجتماعية شروط محددة. فغالبًا ما يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح للإشارة إلى النزاع الذي يبدأ وفقًا للإجراءات والصيغ المعترف بها اجتماعيًا. [1]

إلّا أنّ التعريف الأكثر انتشارًا للحروب، هي أنّها صراع طويل الأمد بين الجماعات السياسة متضمنًا أعمالًا عدائية طويلة الأمد ومهولة. [1]

لم تحدث الحروب؟

هناك العديد من الأسباب الممكنة لتفسير الحروب مثل:

  • التنافس على الأراضي والموارد.
  • المنافسات التاريخية.
  • الدفاع عن النفس ضد معتدٍ أو معتدٍ محتمل.[2]

ولا بدّ أنّ أسباب قيام الحروب في الوقت الحالي أكثر تعقيدًا مما سبق. فغالبًا ما كان الصراع يحدث للحصول على الموارد وخاصة في فترات الأوبئة والجفاف. أو للاستحواذ على الأراضي الأكثر خصوبة أو الثروات كالذهب. وصولًا إلى الحروب التي حدثت بغرض التوسع أو تحقيق الطموحات السياسية.

أمّا في الوقت الراهن قد تحدث الحروب لأسباب اقتصادية أو صراعات دينية أو بغرض تجارة السلاح. وقد يكون سبب الحرب هو ردع خصم محتمل أظهرت مؤشرات ما أنّه قد يكون معتديًا في وقت ما في المستقبل.

لا تأتي الحروب عادة من العدم، فهي غالبًا ما تكون نتيجة خلاف متصاعد يؤدي لحدوث تفاقم للنزاع ومن ثمّ الحرب. وتختلف الآليات وجملة التطورات التي قد تؤدي إلى الحروب. وغالبًا ما تكون معقدة وتستلزم دراسة متعمقة للتاريخ البشري. [2] ولكن كيف بدأت الحرب في تاريخ البشر؟

كيف بدأت الحرب؟

تشير المصادر التاريخية إلى أنّ أول حرب “مسجلة” في التاريخ، حدثت في إحدى أقدم الحضارات في العالم وهي حضارة ما بين النهرين. وهي معركة حدثت بين سومر وعيلام في عام 2700 ق.م. وسُجّل فوز السومريين في تلك المعركة. [2] وقد أكدّت التنقيبات الأثرية أنّ العنف الجماعي موغل في القدم، فقد سبق أن حدث في فترات زمنية أقدم. إذ قدّمَت رفات 61 فردًا مدفونين في مقبرة جبل الصحابة دليلًا فريدًا وجوهريًا على ظهور العنف الجماعي في وادي النيل في نهاية أواخر العصر الجليدي أي حوالي 11000 ق.م. [4] والذي سجّل كأقدم مثال على العنف الجماعي في التاريخ البشري واعتبر كأقدم حرب في مصادر أخرى.

تميزت نهاية العصر البليستوسيني المتأخر وبداية الهولوسين بتغيرات مناخية كبيرة. وكانت الظروف المناخية شديدة الجفاف في وادي النيل خلال النصف الثاني من العصر الجليدي. [4] مما يقدم سببًا للنزاع بين جماعات الصيادين المتواجدة هناك والتي على ما يبدو أنّها كانت في حالة صراع على الموارد. وقد أكدّت الدراسات والتحليلات وجود حالة من العنف المتكرر بين تلك الجماعات [4]. مما يؤكد أنّ حالة الصدام تلك لم تحدث بشكل عشوائي. وما أكدّ أنّها حالة عنف جماعية هو ظهور دلائل على رابطة قوية تجمع بين تلك الوحدات الاجتماعية. مثل وجود مجموعات حجرية يعتقد أنّها تمثل تقليدًا ثقافيًا يعكس هوية المجموعة. إضافة إلى وجود مقابر كبيرة.

منذ اكتشاف مقبرة جبل الصحابة في الستينيات من القرن الماضي، تم اعتبارها أقدم دليل على الحرب المنظمة الناجمة عن القيود البيئية. [4]

هل الحرب قاصرة على البشر؟

في الحقيقة لا، فحالة العنف الجماعي تلك موجودة أيضًا في مملكة الحيوانات الوحشية. حيث تتجمع الشمبانزي لتوسيع الأراضي، ويغزو النمل مستعمرات أخرى لأخذ العبيد. [3] كما تقوم الدبابير اليابانية العملاقة بمهاجمة خلايا النحل والتي ترد بدورها بأعمال انتقامية منها عبر حرق الدبابير بحرارة أجسادها.

بالعودة للشمبانزي، الأقرب للبشر، ينفذ الشمبانزي غارات متعمدة على المجتمعات المجاورة، لضم الأراضي. [3] وأكدّت الدراسات أنها قادرة على القتل العمد لأبناء جنسها، وساهمت تلك الدراسات في فهم تطور العنف البشري [6]. وبالتأكيد لم يتعلم الشمبانزي ذلك السلوك من البشر، حيث أكدّت الأبحاث ذلك بعد جدال طويل أُثبت من خلاله أنّ سلوكها ليس تقليدًا للبشر الذين دمروا موائلها [5]. حيث لم تظهر حالة العنف هذه لدى أنواع الأخرى من القرود كالمكاك وغيرها.

ووفقًا للدراسات، فإن القتل استراتيجية تكيفية توفّر فوائد إنجابية مهمة بالمعنى التطوري. مما يزيد من الوصول إلى الموارد مثل الأرض أو الطعام أو الزوج. وبالتالي يزيد من فرص عيش الأفراد لفترة كافية للتكاثر ونقل جيناتهم إلى أجيال المستقبل. [6]

ورغم دموية هذا الصراع إلا أنّه لا يمكننا أن ننكر دوره في نشأة الحضارات التي قامت على التوسع والسيطرة على الأراضي والثروات. بالإضافة إلى دور تلك الحضارات التوسعية في نشر الثقافات والاندماج الحضاري. وفي جميع الأحوال يدرك الإنسان المعاصر حجم الخسائر الذي قد تسببه الحروب في أيامنا هذه لذا يجب أن تصبح آخر ما قد يلجأ إليه لحل الصراعات.

المصادر

1- Britannica
2- Owlcation
3- Nationalgeographic
4- Nature
5- sciencedaily
6- sciencedaily

فتح الأندلس ومعركة وادي لكة

فتح الأندلس ومعركة وادي لكة

معظم الناس لا يفهمون أهمية هذه المعركة، والتي كانت بين القوط الغربيين والمسلمين. فهي التي تسببت في حكم المسلمين لـ الأندلس (اسبانيا) منذ قرون طويلة، وقد أدى خطأ طفيف واحد من طموحاتٍ شخصية إلى معركة كبيرة مما تسبب في خلق مشكلة عظيمة للبلدان الأوروبية حينها.

لكن ماذا لو لم يتم ارتكاب ذلك الخطأ وظلت المملكة القوطية قائمة ولم يتم فتح الأندلس؟ وكيف غيرت تلك المعركة مسار تاريخ أوروبا بالكامل؟

كانت تلك الفترة في أوروبا غير مستقرة البتة ، وقد تسبب سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب بفراغٍ كبيرٍ، وتم إنشاء ممالك جديدة وقتها. وقد بنيت تلك الممالك على أساس ممالك أخرى سقطت في العصور الوسطى.

دارت معركة “وادي لكة” بين الخلافة الأموية والقوط الغربيين، والذين كانوا عبارة ألمان بماضٍ مثير؛ والذين قد تسببوا في بعض المشاكل للإمبراطورية الرومانية.

وقد انتقلوا في النهاية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية وقاموا بتأسيس مملكتهم الفريدة من نوعها في الأندلس. وقد تأسست مملكة القوط الغربيين عام 418م وانتهت بين عام 718 – 720م.

لكن كيف تغير كل شيء؟

كانت المملكة في حالة جيدة وكان كل شيء راسخًا، ونعمت السلطة المركزية بالاستقرار بشكلٍ كبير، لكن الأمور كانت تتغير طوال الوقت مما عقّد الأمور كثيرًا.

فقد تمت إدارة المملكة من قبل من الأشخاص ذوي سلطةٍ لا بأس بها عبر اسبانيا منهم الحاكم الأصغر والذي يدعى “ويتيسا”، وقد كان يحظى باحترامٍ كبير مع معلومية اكتسابه الكثير من الخبرة لما سبق له من الحكم مع والده.

وكانت الأندلس حينها في وقتٍ سلميّ دون أية حروب بالرغم من وجود هجمات عبر الحدود من بيزنطة والفرنسيين، مع بعض الصراعات الداخلية الطفيفة، لكن عدا ذلك كان كل شيء جيدًا.

ثم فجأة، وفي عام 710 تقريبًا، تم إلقاء الملك الشاب من على العرش لأسباب غير معروفةٍ جيدا، مع احتمالية أنه تم اغتياله.

وعقِب ذلك مجيء نبيل من عائلة كبيرة يسمى “رودريك” تم تتويجه ملكًا، والذي يعرف أيضًا باسم الملك الأخير من القوط، والذي دام حكمه لمدة عامين من 710 – 712م. لكن تم تتويج ملك آخر في الوقت نفسه لوجود أشخاصٍ معارضين، وهو “أخيلا” والذي كان له مطالبة بالمملكة هو الآخر، مما جعل المملكة في طريقها للانقسام.

كانت الأمور تزداد توترًا يومًا بعد يوم، لأن واحدًا منهم كان يحكم الجزء الجنوبي من اسبانيا والآخر كان يحكم الشرق. وكان هناك بالطبع خطر كبير يتمثل في اندلاع حرب أهلية، لكن لم يقتصر الأمر على ذلك، بل كان هناك تهديد آخر لم يكن في الحسبان.

الخلافة الأموية وفتح الأندلس

كان القائد الأموي حينها هو (موسى بن نصير) والي إفريقية (تونس حاليًا) -وهي تختلف عن إفريقيا القارة- وكان يحتل الساحل الشمالي لإفريقيا والتي كانت قريبة جدًا من الأراضي الأوروبية الإسبانية. وقد بدءوا بهجماتٍ صغيرة لرؤية ما إن كان عليهم التخطيط للغزو القادم أم لا.

وقد قام موسى بإرسال (طارق بن زياد) –والي مدينة طنجة- إلى إسبانيا، عن طريق عبور المضيق الواصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والذي تمت تسميته “مضيق جبل طارق” تيمنًا بذلك العبور.

وبسبب الوضع والانقسامات التي كانت تحدث في المملكة، قام باحتلال جزءٍ كبيرٍ من أراضي الحدود الجنوبية لإسبانيا. ولعلمهِ أن هناك وضعًا متزعزعًا  داخل المملكة يجعل الأمور لصالحه بنسبةٍ كبيرة؛ فقد أرسل المزيد من القوات إلى (طارق) للاستيلاء على المزيد من الأراضي.

رد الفعل

كان يعلم (رودريك) أن هناك دخلاء كانوا يعبرون ويحتلون حدود مملكته، وقام بما يفعل به كل ملك من تجهيز واستعداد وتجنيد القوات للدفاع عن مملكته، وكان الاجتماع على دفع الغزاة مثيرًا للاهتمام حتى أن “أخيلا” الملك الآخر والعدو قام بإعطائه القوات كمساعدة للدفاع عن مملكتهم، بالإضافة لمساعدة النبلاء أيضًا. وبشكل ينم عن كامل الاستعداد اجتمعت جميع القوات في المملكة للدفاع.

عندما جمع رودريك قواته كان على استعداد للتحرك جنوبًا لبدء المعركة، وكانت قواته تبلغ حوالي من 25000 – 35000 حين بلغت قوات المسلمين من 6000 – 000 14.

خسارة القوط

كان معظم جنود رودريك غير جاهزين للمعركة، ولم يكن لديهم تدريب وخبرة بالإضافة إلى أنهم كانوا من الطبقة الاجتماعية المنخفضة، والذي يمكن أن يكون عاملا في خسارة المعركة. ولكن ما الذي حدث بالفعل؟

قام الجيشان بالالتقاء وجهًا لوجه بالقرب من نهر وادي لكة، وكان كل شيء جاهزًا وكانت المعركة على وشك البدء.

وعندما سارت القوات نحو بعضها، انقسم جيش القوط الغربيين وراء 3 أوامر في نفس الوقت بشكلٍ مفاجئ، فقد قام الجزء الأوسط من الجيش بالهجوم والذي كان بقيادة (رودريك) -وكان ذلك الشيء المنطقي والذي ينبغي القيام به- لكن لم يشترك الجناح الأيمن والأيسر معهم وتحرك أوسط الجيش بمفرده.

ولم يكتفِ الجناحان بعدم الاشتراك في الهجوم فقط، بل قام الجنرالات بأمرهم بالابتعاد والرجوع إلى الوراء، مما شكّل ذلك خيانة واضحة وصريحة ومدبرة!

وقد أدرك (رودريك) حينها بأن تلك الخيانة وتدبير قتل قواته بدخولهم وحدهم داخل وحدات الأمويين؛ كانت لعقد الجنرالات صفقة بالتأكيد مع الأمويين، لكن كان الأوان قد فات لإدراك ذلك.

وقد ارتكب ذلك الجزء المنسحب خطأً فادحًا ولم يهزموا العدو عندما أتيحت الفرصة، فقد تقدم جيش الخلافة إلى إسبانيا وقام بقهرهم، وقاموا بتدمير مملكة القوط  الغربيين في 718 – 720م.

وقد أدرك النبلاء بالتأكيد فداحة الخطأ الذي ارتكبوه عندما قاموا بخيانة (رودريك)، ومن الممكن أن يكونوا قد حصلوا على شيءٍ في المقابل، لكن هذا الخطأ والغباء كان له تأثير كبير على تاريخ أوروبا وآسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد: دينا الخطيب

المصدر: About History

Exit mobile version